logo
#

أحدث الأخبار مع #ألبيركامو

حول مفهوم الصدفة والسبب والضرورة
حول مفهوم الصدفة والسبب والضرورة

الوطن

timeمنذ 2 أيام

  • ترفيه
  • الوطن

حول مفهوم الصدفة والسبب والضرورة

في لحظةٍ عبثية من هذا الوجود، تعثّرت ذرة غبار بأخرى، فسقطت مجرةٌ من مكانها، وانعطف كوكب، وولد شاعرٌ في حانة. هذه هي الصدفة. أو هكذا على الأقل نقول كي لا نصاب بالجنون. لكن ما هي الصدفة حقًا؟ أهي غلطة في شيفرة الكون؟ أم اختراع إنساني للتملّص من تفسير ما لا يُفسَّر؟ يقول الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو: «العبث هو صراع الإنسان مع صمته ولا مبالاة الكون»، والصدفة هي لحظة هذا الصراع حين يرتطم الرأس بالجدار وتضحك الجدران. نقول «بالصدفة» حين نعجز عن رسم الخريطة التي قادتنا إلى هذه اللحظة. التقيت بها «بالصدفة»، وفزت في اليانصيب «بالصدفة»، وسقطت الدول، وقُتل الناس، وسقطت الكراسي الوزارية – كلها «بالصدفة». لكن كما يقول سارتر، لا توجد صدفة، بل يوجد جهلنا بالأسباب. في الواقع، نحن نحبّ الصدفة لأنها تُبرّئنا من التورط. تُريحنا من سؤال «لماذا؟»، وتمنحنا عذرًا مجانيًا. الصدفة هي الأم الرحيمة للفوضى، والأب الحنون للفن. لو كانت الصدفة أنثى خفيفة الظل، فالسبب هو عجوز ثقيل الظل، يرتدي نظارات سميكة ويمسك دفتر ملاحظات. «لماذا فعلت ذلك؟»، يسأل. «ما السبب؟»، يكرر. وكأننا دومًا ملزمون بتفسير كل صرخة، وكل قبلة، وكل انتحار. السبب هو ما يجعل الشرطي يدوّن محضرًا، ويجعل الطبيب يكتب وصفةً، ويجعل الفلاسفة يتعاركون حول المفاهيم. لكنه ليس دائمًا شريفًا. أحيانًا، هو مجرد صدفة حصلت على تعليم عالٍ. قال أرسطو: «السبب هو المبدأ الأول لأي شيء» جميل. لكن ماذا عن الأشياء التي تحدث لأننا لم نكن نعرف ماذا نفعل؟ ماذا عن القرارات التي اتخذناها لأن البيت كان باردًا؟ أو لأن الرسالة لم تصل؟ أو لأن الحذاء كان ضيقًا؟ هل هذا سبب؟ أم نكتة كونية؟ في عالم يتسابق فيه العقل لتفسير كل شيء، يغدو السبب حبل مشنقةٍ نربط به أعناق اللحظات البريئة. نحتاجه، نعم. لكنه – ويا للعجب – لا يحتاجنا. الضرورة ليست الصدفة، وليست السبب. إنها القاضي الذي ينزل الحكم ثم يبتسم لك ويقول: «كان لا بدّ أن يحدث هذا». الضرورة هي صوت القدر حين يتحدث بلغة رياضية باردة، تخلو من النكتة والندم. قال هيجل: «الحرية هي وعي الضرورة». عظيم. لكن ماذا لو لم نرغب في الوعي؟ ماذا لو أردنا فقط أن نحيا دون خريطة، دون أصفاد الأسباب، ودون دفتر حضور الضرورة؟ الضرورة تعني أن ما حدث لا يمكن إلا أن يكون. إنها فلسفة العزاء المسموم. وهي أيضًا أم التاريخ. كم من مجازر ارتُكبت باسم الضرورة؟ كم من استعباد، من اضطهاد، من كذب أُلبس ثوبًا «لا مفرّ منه»؟ لكن دعونا لا نظلمها. أحيانًا تكون الضرورة رفيقة الإنسان حين يُفكر في حريته. كما كتب كانط، فإن الحرية لا تعني أن نتصرف دون سبب، بل أن يكون سبب فعلنا نابعًا منّا، من إرادتنا الأخلاقية، لا من ضغوط الخارج. هل نحن أحرار؟ أم أن السؤال نفسه خطأ مطبعي؟ أنا حرّ حين أرفع يدي فجأة، بلا سبب. أو هكذا أظن. ثم أدرك أني فعلت ذلك فقط كي أقنع نفسي أني لست آلة. لكن هل هذا سبب؟ ألم تكن «رغبتي في الحرية» سببًا كافيًا لإلغاء حريتي؟ «أنا أفكر، إذن أنا موجود»، قالها ديكارت، لكنه نسي أن يضيف: «وأنا أختلق الأعذار، إذن أنا بشر». نحن نعيش في وهم الاختيار، نقف عند مفترق طرق، نظن أننا نختار، بينما تسير أقدامنا حيث كُتب في الرواية أن نذهب. وفي لحظة ضعف، نردد مع سيوران: «لو كان لي الخيار، لما اخترت أن أولد». في مجتمع عادل، تُمارَس الحرية دون أن تدهس حرية الآخرين. هذا هو الحلم الجميل. لكن في الواقع، نعيش بين مطرقة الضرورة وسندان قوانين السوق. الحرية تُباع اليوم بالمتر، وتُقاس بعدد «اللايكات». كل شيء مسيّر، بما في ذلك تمردنا. والمجتمع الذي لا يربّي الإنسان على احترام الطبيعة – داخله وخارجه – مجتمع فاشل، مهما أطلق على نفسه من ألقاب. لقد نسينا الطبيعة، التي كانت يومًا إلهة، فحوّلناها إلى مكب نفايات. وكما كتب إدواردو غاليانو: «نحن نعيش في عالم يأكل فيه البشر كل شيء... إلا الجوع». في النهاية، الصدفة هي اسم مستعار للجهل، والسبب هو اسم مستعار للندم، والضرورة هي اسم مستعار للعجز. كل شيء يحدث لأسباب لا نفهمها، وننسبه إلى الصدفة. كل شيء نندم عليه نبحث له عن سبب. وكل شيء نفشل في تغييره نسميه ضرورة. اضحك، أيها القارئ الكريم، وأنت تبكي. فالحياة لا تفسَّر، بل تُعاش، وغالبًا... تُندب.

'ساعة الحائط' في رمضان.. أداة للوقت أم مرآة للنفس؟
'ساعة الحائط' في رمضان.. أداة للوقت أم مرآة للنفس؟

time٢٠-٠٣-٢٠٢٥

  • منوعات

'ساعة الحائط' في رمضان.. أداة للوقت أم مرآة للنفس؟

لشهر رمضان المبارك خصوصيته 'النفسية' والاجتماعية، التي تُخرج الصائمين من روتين عام كامل تتشابهُ أيامه، إلى جوٍّ من الطقوس والشعائر التي تفرض حالةً من الإيمان والورع لا تخلو من التحدي، في سعيٍ حثيث لنيل ثمار الشهر الكريم من رحمةٍ ومغفرة وعتق من النار.. ورغم جهاد الصائمين في 'ضبط النفس'، فإن الطبيعة الإنسانية تغلب كثيرين منهم في لحظات.. إلا من رحم ربّي.. فماذا لو انقلبت الأدوار خلاله، وخرجت الجمادات عن صمتها الرمزي لتصبح جزءاً من وعينا الجمعي..؟ كلسان حال 'ساعة الحائط' مثلاً.. تلك القطعة التي تبقى معلقة على الجدار طيلة العام دون أن تكون لافتة للنظر إلا كقطعة 'ديكور'، لا بل ربما يعمد البعض إلى اجتثاث عقرب الثواني منها، في محاولةٍ لسلبها أبسط أدواتها للفت الانتباه، وفجأة تتحوّل في الشهر الفضيل إلى رمز فلسفي حيّ، وإلى مرآة صادقة تعكس علاقتنا بالزمن والانتظار. وبالذات في اللحظات التي تسبق أذان المغرب.. إذ تصمت الأحاديث وتتوجَّه الأنظار إلى عقارب الساعة، بانتظار لحظة تختزل معاني الصبر واليقين. هي دقائق معدودة فقط، يدرك الإنسان خلالها حجم عجزه أمام الزمن، لكنه يوقن أيضاً أن 'الانتظار' ليس فراغاً، بل مساحة يتعلّم فيها 'الرضا' بشجاعة، وكما وصفه الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو: 'الانتظار هو أن تتحلى بالشجاعة أمام الزمن'. لأن 'الزمن' هو أمر لا يمكننا الإمساك به، إذ يقول الفيلسوف المعروف بتأملاته فيه 'سانت أوغسطين': 'نحن نعرف ما هو الوقت، لكن إن سأَلَنا أحدٌ أن نشرَحهُ، عجِزنا'. وربما هنا تكمن حكمة الساعة في رمضان، إنها تعلمنا أن الزمن ليس أداة بيدنا، لكنه معلّم صامت يرشدنا دون كلمات. وفي كل يوم عند الدقائق التي تسبق الإفطار، يدخل كل فرد في حالة مواجهة مع ذاته. وليس الجوع فقط هو ما يوضع تحت الاختبار، بل القدرة على الانتظار، والسيطرة على الشعور بالقلق أو الغضب، والإيمان بأن الفرج حتمي. وغالبُ الظن أن يُستثنى هنا من يقضي نهاره صائماً 'نائماً' خارج التحديات.. في تجسيدٍ للحكمة الصينية القديمة التي تقول: 'من يعرف كيف ينتظر، يجني ثمرة كل شيء'. حتى الأطفال الصغار، الذين يتعلمون عبر عقارب الساعة معنى الدقائق الطويلة، يدركون للمرة الأولى أن الترقّب جزءٌ من الحياة.. وخلف الصبر تختبئ الأشياء الجميلة.. يقول الشاعر والمتصوف جلال الدين الرومي الذي تحدّث عن الصبر والانتظار كجزء من 'رحلة الروح': 'كن صبوراً، فالأشياء الجميلة تحتاج إلى وقت'. وفي اللحظة التي يصدح فيها الأذان، تنفرج الأسارير وينقلب التوتر إلى راحة جماعية، ويعود الجميع ليتحلّقوا حول المائدة، تاركين الساعة معلقةً على الجدار، لتنعم بشيء من الخصوصية بعد نهار طويل من أنظار شاخصةٍ إليها تترقب كل ثانية تخطوها، فتنتهز الفرصة لتلتقط أنفاسها وقد أدّت دورها كحارسة خفية لأدق لحظات الإنسان. لتثبت 'ساعة رمضان' في النهاية أنها ليست أداة لقياس الزمن فحسب، بل جزءاً من فلسفةٍ عميقة، تؤكد أن الانتظار يصنع فينا قوة داخلية لا نراها، وأن الزمن لا يُعطي إلا لمن يُحسن الترقب. وكما يقول 'طاغور' المفكر الهندي الحائز على نوبل: 'الإيمان هو الطائر الذي يشعر بالنور، ويرى الفجر قبل أن تشرق الشمس'.

أسطورة سيزيف والبنية السلفية: حين يصبح الفكر صخرةً مستحيلة الحركة
أسطورة سيزيف والبنية السلفية: حين يصبح الفكر صخرةً مستحيلة الحركة

لكم

time١٦-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • لكم

أسطورة سيزيف والبنية السلفية: حين يصبح الفكر صخرةً مستحيلة الحركة

لو عاش ألبير كامو في مجتمع يحكمه الخطاب السلفي، لكان سيغير نهاية أسطورته الشهيرة: 'يجب أن نتخيّل سيزيف سعيدًا'. لماذا؟ لأن سيزيف في الأسطورة يدرك عبثية مهمته، أما في النسخة السلفية، فالجميع مقتنعون بأن الصخرة ستصل يومًا إلى القمة، فقط إن دفعناها بقوة أكبر، وإن أغلقنا أعيننا عن قوانين الجاذبية! يُفترض في الفكر أن يكون أداةً لصناعة الجديد، لكن الخطاب السلفي ليس فكرًا، بل نظام تشغيل للعقل يمنعه من التفكير خارج إطاره. وكما حُكم على سيزيف بدفع الصخرة مرارًا دون أمل، فإن هذا الخطاب محكومٌ بتكرار نفس الإجابات لكل الأسئلة، لا لغياب البدائل، بل لأن السؤال نفسه ممنوع. التاريخ هنا ليس مصدر إلهام، بل سجنٌ معرفي: لا مستقبل يجب خلقه، بل ماضٍ يجب استعادته، ولا تساؤل مشروع، بل إجابات معلبة جاهزة لكل العصور. في هذا السياق، لا يكون النص الديني مجالًا للاجتهاد، بل يتحوّل إلى صخرة تُسحق تحتها كل محاولة تأويل. يُقال إن 'كل شيء مكتوب'، لكن الحقيقة أن كل شيء مكتوب بنفس الحبر، منذ مئات السنين، دون أن يُسمح بإضافة كلمة جديدة! أحد الأسئلة الجوهرية هو: لماذا يعادي الخطاب السلفي الحداثة، لكنه لا يدخل في صدامٍ مع السلطة؟ الجواب بسيط: لأنه يمارس وظيفةً أخطر من المعارضة، وهي إعادة إنتاج الطاعة في النفوس. السلطة تحتاج إلى خطاب يُبرّر الاستقرار، والسلفية تقدّم الطاعة كفضيلة دينية، لا كموقف سياسي. وبهذه الطريقة، لا يحتاج النظام السياسي إلى فرض الاستبداد بالقوة، لأن الناس يُعيدون إنتاج خضوعهم طوعًا، مقتنعين بأن السؤال هو فتنة، وأن الشكّ هو مدخل الكفر، وأن العدالة الاجتماعية لا تتحقق بالإصلاحات، بل بالرجوع إلى الله. وهكذا، يُصبح الحاكم ليس مسؤولًا عن الوضع، بل مجرد ابتلاءٍ إلهي لا يجوز التمرّد عليه. لكي تستمر السلفية، لا تحتاج إلى إقناع الجميع بصحتها، بل يكفيها أن تجعل التفكير في بدائلها مستحيلًا. وهنا، نجد آليات دفاعها الأربع: 1.نزع الشرعية عن النقد: كل من يسائل الخطاب السلفي هو عدو للدين، وليس مجرد ناقدٍ لأفكارٍ بشرية. 2.إعادة تعريف الواقع: كل أزمة تُفسَّر على أنها ابتعاد عن الدين، وليس فشلًا في السياسات أو غيابًا للعدالة. 3.شيطنة البدائل: الحداثة ليست تطورًا بل غزو فكري، والعلمانية ليست مفهومًا، بل كفرٌ وإلحاد . 4.إغراق الوعي بالتفاصيل الثانوية: بدل الانشغال بالقضايا الكبرى، يُشغل الناس بأسئلة مثل 'حكم الاحتفال بالمولد'، وكأن خلاص الأمة مرهونٌ بفتوى حول 'التصفيق'! كيف نكسر هذه الدائرة السيزيفية؟ ليس بمحاولة دحرجة الصخرة بطريقة مختلفة، بل بطرح السؤال الحقيقي: لماذا ندفعها أصلًا؟ إن التغيير لا يكون بمحاربة السلفية فقط، بل بتحرير السؤال نفسه من الأسر. •يجب إعادة تأهيل الشكّ كفضيلة معرفية، بدل اعتباره تهديدًا. •يجب تحرير الوعي من الخوف، لأن الفكر لا يولد في بيئة تخشى عواقبه. •يجب ربط الفكر بالواقع، بحيث لا يبقى الحداثيون عالقين في نقاشات نخبوية، بينما يواصل السلفيون التأثير في الشارع. وفي النهاية، سيستمر السلفيون في جرّ المجتمع نحو الماضي، وسيستمر العقلاء في التساؤل: لماذا ندفع صخرةً يعلم الجميع أنها ستسقط؟ لكن مهلاً، طرح هذا السؤال قد يكون بدعةً… وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار!

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store