#أحدث الأخبار مع #أنطونيوسكوراتيIndependent عربية٢٩-٠٤-٢٠٢٥ترفيهIndependent عربيةموسوليني ينتقل من زعيم فاشي إلى بطل روائيفي كتابه الشهير "نظرية الرواية" أكد الباحث جورج لوكاش (1885-1971) أن ما من عمل روائي أو أدبي ينشأ من عدم. فلا بد إذاً من جذر أو سياق تاريخي واجتماعي معين، تولد فيهما فكرة الرواية. وبناء عليه، يصير التاريخ هو البنية التحتية للعمل الأدبي، وكان يعني به نوع الرواية. وأياً يكن من أمر استمرار الرواية التاريخية، لا سيما بعد الحربين العالميتين اللتين عصفتا ببلدان الشرق والغرب، وخلفتا كوارث لا تزال آثارها ماثلة إلى يومنا هذا، بشراً وحجراً، فإن ما تركته من حكايات وأحداث حقيقية كبرى، كان سجلاً حافلاً، لا ينضب، للأدباء كتاب الرواية والفنانين والمفكرين، ينسجون به رواياتهم، ويعاودون النظر إلى الوقائع من منطلقاتهم، ووجهات نظرهم، ليكتشفوا حقائق إنسانية جديدة لم يتح للتاريخ الكشف عنها، وليسلطوا الضوء على مصائر أفراد كانوا ضحايا صامتين لتلك الحوادث الكبرى، ومجرد ظلال لا قيمة سياسية لها، في رحى الحروب المريعة. موسوليني والسياق السياسي الكتاب بالترجمة العربية (دار المتوسط) إذاً، يعيد الكاتب أنطونيو سكوراتي إحياء شخصية بنيتو موسوليني (1883-1945)، مؤسس الفاشية في إيطاليا، من منظور واسع الطيف، إذ يستند الكاتب إلى سجلات زمان موسوليني، في عشرينيات القرن الـ20، الاجتماعية والاقتصادية والحزبية والسياسية، ليعيد إحياء شخصيته أو بطله السلبي المنفعل بالأحداث الجارية بعيد الحرب العالمية الأولى التي خرجت منها إيطاليا مثقلة بالأزمات، وإن منتصرة على العدو النمسوي- الهنغاري في المعركة الـ12، على نهر أسونزو، والفاعل فيها على نحو مطرد، وخلال السنتين (1919-1920) اللتين شهدت فيهما البلاد تحولات دراماتيكية على كل صعيد، فبينما عمت إيطاليا، لا سيما الشمال الصناعي منها، حركة احتجاجات شعبية قادتها أحزاب شيوعية واشتراكية وكادت تطيح ما تبقى من سيادة للدولة والنقابات والأحزاب التقليدية من سلطة ومبادرة، في ظل واقع اجتماعي أقل ما يقال فيه إنه قريب من المجاعة والفقر المدقع وتحلل سلطة الكنيسة، يبين لنا الكاتب سكوراتي موسوليني شخصاً ذكياً ومقتنصاً الفرص، وعنيفاً في آن، إذ يستغل مكانته كاتباً في صحيفة الحزب الاشتراكي الإيطالي "أفانتي"، لينشئ له فريقاً من المؤيدين يحملون شعارات فاشية وقومية، ويواجهون التجمعات اليسارية، العمالية منها والحزبية، وتلك التي تعاظمت قوتها وانتشارها، بعيد انتصار الشيوعية البلشفية في روسيا، فتنكسر شوكتهم حيناً، ويتغلبون حيناً آخر على العمال اليساريين البروليتاريين والفقراء وعديمي الخبرة العسكرية. صعود الفاشية الروائي الإيطالي أنطونيو سكوراتي (دار المتوسط) ولئن كانت الرواية التاريخية مستندة إلى مادتها الأولى، و"بنيتها التحتية" كما يصفها لوكاتش، فإنها تحتاج إلى هيكلية سردية تنتظم فيها الأحداث في حبكة مطردة الحدة والتنامي وصولاً إلى الذروة المرتجاة. وهذا بفعل تدخل الكاتب الذي لم يكتف بوضع أخبار موسوليني والشخصيات المرتبطة به في تساوق زمني متتال، من 25 مارس (آذار) 1919، إلى الثاني من ديسمبر (كانون الأول) 1921، وإنما جعل الأحداث المروية بتفاصيلها ومشاهدها تنعقد في حلقات متصلة، سردياً، ومتنامية، من زمن تضعضع القائد الفرد، موسوليني وبؤس أحواله المادية، وتحول قناعاته، من الحزب الاشتراكي بعيد إحراق مجلة "أفانتي" على يد الشيوعيين، إلى الحزب الوطني (الفاشي) وانقطاع صلته بزوجته الأولى وعدم مبالاته بموت ابنه منها، فإلى تأسيسه عصائب (كتائب) القتال الفاشية، على أن يكون الخيط السردي الموصول بينها هو السعي إلى السلطة، وتسخير كل شيء لبلوغ هذه الغاية التي حققها، في نهاية المطاف، إذ تبوأ منصب رئيس الدولة يوم 31 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1922، إثر مسيرة نظمها ما يزيد على 40 ألفاً من أنصاره ذوي القمصان السود إلى روما، جلهم من العاطلين من العمل، والخارجين عن القانون، والمجندين لقمع الحركات العمالية ذات التوجهات اليسارية. أحداث ووجهات نظر إن من مآثر هذه الرواية التاريخية هذه لكاتبها أنطوني سكوراتي، وأحد دواعي شهرتها وحسن استقبالها من القراء الإيطاليين وغيرهم، أنها تنقل المناخات العامة الواقعية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى حيث انتصر الإيطاليون، بعد مكابدة شديدة، على النمسويين، ومنها تسريح الجنود المشاركين في الحرب، وجعلهم عرضة للفقر والمهانة والتشرد، والتنكر لتضحياتهم الجسام، بخلاف نظرائهم الفرنسيين الذين تهللت بهم الجماهير لدى عبورهم قوس النصر في باريس. ولا يكتفي الكاتب بإيراد الوثيقة التاريخية التي تؤكد حصول الواقعة، وإنما يعمد إلى تأليفها سردياً، في حبكة جديرة بقصة قصيرة أو متوسطة، فيها كثير من التشويق وصدام الشخصيات والحركات العنيفة محاكاة لما يفترض أن يكون قد حصل في الواقع، من صدامات ومعارك وإضرابات، واضطرابات حفلت بها السنتان المذكورتان إطاراً زمنياً للرواية (1919-1921). على أن يروى كل ذلك من وجهة نظر كل شخصية معنية، فإذا كان المعني بالسرد شاعر إيطاليا الأول غبرييله دانونسيو، الوطني والمتطوع بالجيش عن عمر الـ50 سنة، والحامل لواء مقاطعة فيومه الإيطالية، يوم كانت تابعة صورت الأحداث الحاصلة في روما، غداة تسريحه من الجيش، أعني التظاهرات العمالية التي كان يترأسها الحزب الاشتراكي الإيطالي، على أنها خيانة للوطن، وتنكر لقضاياه الوطنية، وعلى رأسها الدفاع عن أرض إيطاليا، حتى في فيومه التي ظلت ملحقة بالدولة الإيطالية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. الزعيم النازي هتلر والزعيم الفاشي موسوليني (المتحف الوطني) ومن ثم تطلعنا الرواية على شخصية أخرى مقربة من الدوتشي (موسوليني)، وهو تشيزره روسي، أحد كبار رجال السياسة الإيطاليين، والمنتظم في الحزب الفاشي، بعد تركه الحزب الاشتراكي. ويفرد لذلك مشهداً أو فصلاً عامراً يهيمن عليه وصف طبائع رفاق تشيزره، الميالين إلى الغضب والازدراء والشدة. وهو الداعي إلى تدفيع الأغنياء ثمن الاضطراب الحاصل في البلاد، وجعلهم يمولون عصائب القتال ضد رجال اليسار. ولدى سؤال روسي عن هوية الفاشيين، أجابه موسوليني، بأنه حسبهم أنهم أعداء البروليتاريا، وكارهون للفصائل، والمدافعون عن المحاربين القدامى. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وفي فصل آخر، يحكي الكاتب إحدى مراحل الصراع الشديد بين الفاشيين، من هذا التكوين والطينة، وبين مواطنيهم الشيوعيين الذين حسبوا، من دون غيرهم من الأوروبيين، أن النظام الشيوعي المنتصر في روسيا، على قاب قوسين أو أدنى من انتصاره في إيطاليا، وقد وضعوا جانباً كل الحزازيات القومية ومطامع الحكام، وتجاهلوا المصائب التي حلت بالجيش الإيطالي إبان الحرب العالمية الأولى، وأغفلوا قضية "فيومه"، أو المقاطعة التي يزعم الإيطاليون القوميون (الفاشيون) أنها جزء من إيطاليا، وأنها ينبغي أن تعود إلى السيادة الإيطالية. وهذا ما تحقق في عام 1924، أي بعد ثلاثة أعوام من تولي موسوليني الحكم في إيطاليا... بطولات وحيل ولكن موسوليني، شأن كل حاكم مستبد في زمننا الحديث، بدا صانعاً صورته، بل أسطورته قائداً ملهماً، ورجل مهام، وصاحب خطاب حماسي، محرض على الحرب والصراع مع الأعداء القوميين والاجتماعين، الذين سبق له تصنيفهم، وهم البورجوازيون ورجال الدين والشيوعيون. وفي هذا الشأن، يورد الكاتب وثائق تبين كيف أن موسوليني كان يخترع لنفسه بطولات، ويعد لها إخراجاً شبيهاً بالإخراج المسرحي، نظير ما حصل في مسرح أوليمبيا في 10 أكتوبر عام 1919، حين راح يبرر تأخره عن حضور الاجتماع بكونه آتيا من زيارة فيومه: "سامحوني على التأخير. فالآن بالذات نزلت طائرتي. كنت البارحة في فيومه، مدينة المعجزات والأعاجيب!" (ص:134) وعندئذ، "انفجر التصفيق المدوي لأولئك الفاشيين المجتمعين في مسرح أوليمبيا. ولم يكتف بهذا، بل راح يخبرهم كيف تهرب من الحواجز الحكومية بالطيران على ارتفاع عال مع بطل الحرب، وكيف أنه واصل رحلته، بعد اعتقال رجال الدرك له، بعد حديثه مع الجنرال بادوليو. وفي موضع آخر، يكشف الكاتب عن بعض آراء موسوليني في الانتخابات، من خلال رسالة كان قد بعث بها إلى شاعر الحزب دانونسيو، يقول فيها بما معناه إن الانتخابات إن هي إلا وسيلة للتبرع (للفاشيين) والتمويه، وأن الأمر المهم هو إعداد الحزب لتشكيلاته العسكرية، كل مجموعة مسلحة، أو فرقة عسكرية تضم 20 رجلاً مسلحين تسليحاً كاملاً. في المحصلة الأخيرة، يمكن أن تقرأ رواية الكاتب أنطونيو سكوراتي بعنوان "موسوليني ابن القرن الـ20" بكثير من الشغف، لمعرفة مزيد من الوقائع المثبتة عن شخصية المستبد موسوليني، الذي كان يحاكي نظيره الألماني (أدولف هتلر)، ويترسم نهجه في حياته الشخصية، من حيث اتخاذه عشيقة له "مارغريتا سارفاتي"، ونسيان علاقاته الزوجية السابقة، وإصراره على تسلم زمام السلطة، وممارسة الشدة المطلقة مع أعدائه الحمر ورجال الدين والبورجوازيين، والخونة. وهذا كله متساوق مع الوثائق التاريخية التي لا لبس في صحتها ودقتها.
Independent عربية٢٩-٠٤-٢٠٢٥ترفيهIndependent عربيةموسوليني ينتقل من زعيم فاشي إلى بطل روائيفي كتابه الشهير "نظرية الرواية" أكد الباحث جورج لوكاش (1885-1971) أن ما من عمل روائي أو أدبي ينشأ من عدم. فلا بد إذاً من جذر أو سياق تاريخي واجتماعي معين، تولد فيهما فكرة الرواية. وبناء عليه، يصير التاريخ هو البنية التحتية للعمل الأدبي، وكان يعني به نوع الرواية. وأياً يكن من أمر استمرار الرواية التاريخية، لا سيما بعد الحربين العالميتين اللتين عصفتا ببلدان الشرق والغرب، وخلفتا كوارث لا تزال آثارها ماثلة إلى يومنا هذا، بشراً وحجراً، فإن ما تركته من حكايات وأحداث حقيقية كبرى، كان سجلاً حافلاً، لا ينضب، للأدباء كتاب الرواية والفنانين والمفكرين، ينسجون به رواياتهم، ويعاودون النظر إلى الوقائع من منطلقاتهم، ووجهات نظرهم، ليكتشفوا حقائق إنسانية جديدة لم يتح للتاريخ الكشف عنها، وليسلطوا الضوء على مصائر أفراد كانوا ضحايا صامتين لتلك الحوادث الكبرى، ومجرد ظلال لا قيمة سياسية لها، في رحى الحروب المريعة. موسوليني والسياق السياسي الكتاب بالترجمة العربية (دار المتوسط) إذاً، يعيد الكاتب أنطونيو سكوراتي إحياء شخصية بنيتو موسوليني (1883-1945)، مؤسس الفاشية في إيطاليا، من منظور واسع الطيف، إذ يستند الكاتب إلى سجلات زمان موسوليني، في عشرينيات القرن الـ20، الاجتماعية والاقتصادية والحزبية والسياسية، ليعيد إحياء شخصيته أو بطله السلبي المنفعل بالأحداث الجارية بعيد الحرب العالمية الأولى التي خرجت منها إيطاليا مثقلة بالأزمات، وإن منتصرة على العدو النمسوي- الهنغاري في المعركة الـ12، على نهر أسونزو، والفاعل فيها على نحو مطرد، وخلال السنتين (1919-1920) اللتين شهدت فيهما البلاد تحولات دراماتيكية على كل صعيد، فبينما عمت إيطاليا، لا سيما الشمال الصناعي منها، حركة احتجاجات شعبية قادتها أحزاب شيوعية واشتراكية وكادت تطيح ما تبقى من سيادة للدولة والنقابات والأحزاب التقليدية من سلطة ومبادرة، في ظل واقع اجتماعي أقل ما يقال فيه إنه قريب من المجاعة والفقر المدقع وتحلل سلطة الكنيسة، يبين لنا الكاتب سكوراتي موسوليني شخصاً ذكياً ومقتنصاً الفرص، وعنيفاً في آن، إذ يستغل مكانته كاتباً في صحيفة الحزب الاشتراكي الإيطالي "أفانتي"، لينشئ له فريقاً من المؤيدين يحملون شعارات فاشية وقومية، ويواجهون التجمعات اليسارية، العمالية منها والحزبية، وتلك التي تعاظمت قوتها وانتشارها، بعيد انتصار الشيوعية البلشفية في روسيا، فتنكسر شوكتهم حيناً، ويتغلبون حيناً آخر على العمال اليساريين البروليتاريين والفقراء وعديمي الخبرة العسكرية. صعود الفاشية الروائي الإيطالي أنطونيو سكوراتي (دار المتوسط) ولئن كانت الرواية التاريخية مستندة إلى مادتها الأولى، و"بنيتها التحتية" كما يصفها لوكاتش، فإنها تحتاج إلى هيكلية سردية تنتظم فيها الأحداث في حبكة مطردة الحدة والتنامي وصولاً إلى الذروة المرتجاة. وهذا بفعل تدخل الكاتب الذي لم يكتف بوضع أخبار موسوليني والشخصيات المرتبطة به في تساوق زمني متتال، من 25 مارس (آذار) 1919، إلى الثاني من ديسمبر (كانون الأول) 1921، وإنما جعل الأحداث المروية بتفاصيلها ومشاهدها تنعقد في حلقات متصلة، سردياً، ومتنامية، من زمن تضعضع القائد الفرد، موسوليني وبؤس أحواله المادية، وتحول قناعاته، من الحزب الاشتراكي بعيد إحراق مجلة "أفانتي" على يد الشيوعيين، إلى الحزب الوطني (الفاشي) وانقطاع صلته بزوجته الأولى وعدم مبالاته بموت ابنه منها، فإلى تأسيسه عصائب (كتائب) القتال الفاشية، على أن يكون الخيط السردي الموصول بينها هو السعي إلى السلطة، وتسخير كل شيء لبلوغ هذه الغاية التي حققها، في نهاية المطاف، إذ تبوأ منصب رئيس الدولة يوم 31 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1922، إثر مسيرة نظمها ما يزيد على 40 ألفاً من أنصاره ذوي القمصان السود إلى روما، جلهم من العاطلين من العمل، والخارجين عن القانون، والمجندين لقمع الحركات العمالية ذات التوجهات اليسارية. أحداث ووجهات نظر إن من مآثر هذه الرواية التاريخية هذه لكاتبها أنطوني سكوراتي، وأحد دواعي شهرتها وحسن استقبالها من القراء الإيطاليين وغيرهم، أنها تنقل المناخات العامة الواقعية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى حيث انتصر الإيطاليون، بعد مكابدة شديدة، على النمسويين، ومنها تسريح الجنود المشاركين في الحرب، وجعلهم عرضة للفقر والمهانة والتشرد، والتنكر لتضحياتهم الجسام، بخلاف نظرائهم الفرنسيين الذين تهللت بهم الجماهير لدى عبورهم قوس النصر في باريس. ولا يكتفي الكاتب بإيراد الوثيقة التاريخية التي تؤكد حصول الواقعة، وإنما يعمد إلى تأليفها سردياً، في حبكة جديرة بقصة قصيرة أو متوسطة، فيها كثير من التشويق وصدام الشخصيات والحركات العنيفة محاكاة لما يفترض أن يكون قد حصل في الواقع، من صدامات ومعارك وإضرابات، واضطرابات حفلت بها السنتان المذكورتان إطاراً زمنياً للرواية (1919-1921). على أن يروى كل ذلك من وجهة نظر كل شخصية معنية، فإذا كان المعني بالسرد شاعر إيطاليا الأول غبرييله دانونسيو، الوطني والمتطوع بالجيش عن عمر الـ50 سنة، والحامل لواء مقاطعة فيومه الإيطالية، يوم كانت تابعة صورت الأحداث الحاصلة في روما، غداة تسريحه من الجيش، أعني التظاهرات العمالية التي كان يترأسها الحزب الاشتراكي الإيطالي، على أنها خيانة للوطن، وتنكر لقضاياه الوطنية، وعلى رأسها الدفاع عن أرض إيطاليا، حتى في فيومه التي ظلت ملحقة بالدولة الإيطالية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. الزعيم النازي هتلر والزعيم الفاشي موسوليني (المتحف الوطني) ومن ثم تطلعنا الرواية على شخصية أخرى مقربة من الدوتشي (موسوليني)، وهو تشيزره روسي، أحد كبار رجال السياسة الإيطاليين، والمنتظم في الحزب الفاشي، بعد تركه الحزب الاشتراكي. ويفرد لذلك مشهداً أو فصلاً عامراً يهيمن عليه وصف طبائع رفاق تشيزره، الميالين إلى الغضب والازدراء والشدة. وهو الداعي إلى تدفيع الأغنياء ثمن الاضطراب الحاصل في البلاد، وجعلهم يمولون عصائب القتال ضد رجال اليسار. ولدى سؤال روسي عن هوية الفاشيين، أجابه موسوليني، بأنه حسبهم أنهم أعداء البروليتاريا، وكارهون للفصائل، والمدافعون عن المحاربين القدامى. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وفي فصل آخر، يحكي الكاتب إحدى مراحل الصراع الشديد بين الفاشيين، من هذا التكوين والطينة، وبين مواطنيهم الشيوعيين الذين حسبوا، من دون غيرهم من الأوروبيين، أن النظام الشيوعي المنتصر في روسيا، على قاب قوسين أو أدنى من انتصاره في إيطاليا، وقد وضعوا جانباً كل الحزازيات القومية ومطامع الحكام، وتجاهلوا المصائب التي حلت بالجيش الإيطالي إبان الحرب العالمية الأولى، وأغفلوا قضية "فيومه"، أو المقاطعة التي يزعم الإيطاليون القوميون (الفاشيون) أنها جزء من إيطاليا، وأنها ينبغي أن تعود إلى السيادة الإيطالية. وهذا ما تحقق في عام 1924، أي بعد ثلاثة أعوام من تولي موسوليني الحكم في إيطاليا... بطولات وحيل ولكن موسوليني، شأن كل حاكم مستبد في زمننا الحديث، بدا صانعاً صورته، بل أسطورته قائداً ملهماً، ورجل مهام، وصاحب خطاب حماسي، محرض على الحرب والصراع مع الأعداء القوميين والاجتماعين، الذين سبق له تصنيفهم، وهم البورجوازيون ورجال الدين والشيوعيون. وفي هذا الشأن، يورد الكاتب وثائق تبين كيف أن موسوليني كان يخترع لنفسه بطولات، ويعد لها إخراجاً شبيهاً بالإخراج المسرحي، نظير ما حصل في مسرح أوليمبيا في 10 أكتوبر عام 1919، حين راح يبرر تأخره عن حضور الاجتماع بكونه آتيا من زيارة فيومه: "سامحوني على التأخير. فالآن بالذات نزلت طائرتي. كنت البارحة في فيومه، مدينة المعجزات والأعاجيب!" (ص:134) وعندئذ، "انفجر التصفيق المدوي لأولئك الفاشيين المجتمعين في مسرح أوليمبيا. ولم يكتف بهذا، بل راح يخبرهم كيف تهرب من الحواجز الحكومية بالطيران على ارتفاع عال مع بطل الحرب، وكيف أنه واصل رحلته، بعد اعتقال رجال الدرك له، بعد حديثه مع الجنرال بادوليو. وفي موضع آخر، يكشف الكاتب عن بعض آراء موسوليني في الانتخابات، من خلال رسالة كان قد بعث بها إلى شاعر الحزب دانونسيو، يقول فيها بما معناه إن الانتخابات إن هي إلا وسيلة للتبرع (للفاشيين) والتمويه، وأن الأمر المهم هو إعداد الحزب لتشكيلاته العسكرية، كل مجموعة مسلحة، أو فرقة عسكرية تضم 20 رجلاً مسلحين تسليحاً كاملاً. في المحصلة الأخيرة، يمكن أن تقرأ رواية الكاتب أنطونيو سكوراتي بعنوان "موسوليني ابن القرن الـ20" بكثير من الشغف، لمعرفة مزيد من الوقائع المثبتة عن شخصية المستبد موسوليني، الذي كان يحاكي نظيره الألماني (أدولف هتلر)، ويترسم نهجه في حياته الشخصية، من حيث اتخاذه عشيقة له "مارغريتا سارفاتي"، ونسيان علاقاته الزوجية السابقة، وإصراره على تسلم زمام السلطة، وممارسة الشدة المطلقة مع أعدائه الحمر ورجال الدين والبورجوازيين، والخونة. وهذا كله متساوق مع الوثائق التاريخية التي لا لبس في صحتها ودقتها.