logo
موسوليني ينتقل من زعيم فاشي إلى بطل روائي

موسوليني ينتقل من زعيم فاشي إلى بطل روائي

Independent عربية٢٩-٠٤-٢٠٢٥

في كتابه الشهير "نظرية الرواية" أكد الباحث جورج لوكاش (1885-1971) أن ما من عمل روائي أو أدبي ينشأ من عدم. فلا بد إذاً من جذر أو سياق تاريخي واجتماعي معين، تولد فيهما فكرة الرواية. وبناء عليه، يصير التاريخ هو البنية التحتية للعمل الأدبي، وكان يعني به نوع الرواية.
وأياً يكن من أمر استمرار الرواية التاريخية، لا سيما بعد الحربين العالميتين اللتين عصفتا ببلدان الشرق والغرب، وخلفتا كوارث لا تزال آثارها ماثلة إلى يومنا هذا، بشراً وحجراً، فإن ما تركته من حكايات وأحداث حقيقية كبرى، كان سجلاً حافلاً، لا ينضب، للأدباء كتاب الرواية والفنانين والمفكرين، ينسجون به رواياتهم، ويعاودون النظر إلى الوقائع من منطلقاتهم، ووجهات نظرهم، ليكتشفوا حقائق إنسانية جديدة لم يتح للتاريخ الكشف عنها، وليسلطوا الضوء على مصائر أفراد كانوا ضحايا صامتين لتلك الحوادث الكبرى، ومجرد ظلال لا قيمة سياسية لها، في رحى الحروب المريعة.
موسوليني والسياق السياسي
الكتاب بالترجمة العربية (دار المتوسط)
إذاً، يعيد الكاتب أنطونيو سكوراتي إحياء شخصية بنيتو موسوليني (1883-1945)، مؤسس الفاشية في إيطاليا، من منظور واسع الطيف، إذ يستند الكاتب إلى سجلات زمان موسوليني، في عشرينيات القرن الـ20، الاجتماعية والاقتصادية والحزبية والسياسية، ليعيد إحياء شخصيته أو بطله السلبي المنفعل بالأحداث الجارية بعيد الحرب العالمية الأولى التي خرجت منها إيطاليا مثقلة بالأزمات، وإن منتصرة على العدو النمسوي- الهنغاري في المعركة الـ12، على نهر أسونزو، والفاعل فيها على نحو مطرد، وخلال السنتين (1919-1920) اللتين شهدت فيهما البلاد تحولات دراماتيكية على كل صعيد، فبينما عمت إيطاليا، لا سيما الشمال الصناعي منها، حركة احتجاجات شعبية قادتها أحزاب شيوعية واشتراكية وكادت تطيح ما تبقى من سيادة للدولة والنقابات والأحزاب التقليدية من سلطة ومبادرة، في ظل واقع اجتماعي أقل ما يقال فيه إنه قريب من المجاعة والفقر المدقع وتحلل سلطة الكنيسة، يبين لنا الكاتب سكوراتي موسوليني شخصاً ذكياً ومقتنصاً الفرص، وعنيفاً في آن، إذ يستغل مكانته كاتباً في صحيفة الحزب الاشتراكي الإيطالي "أفانتي"، لينشئ له فريقاً من المؤيدين يحملون شعارات فاشية وقومية، ويواجهون التجمعات اليسارية، العمالية منها والحزبية، وتلك التي تعاظمت قوتها وانتشارها، بعيد انتصار الشيوعية البلشفية في روسيا، فتنكسر شوكتهم حيناً، ويتغلبون حيناً آخر على العمال اليساريين البروليتاريين والفقراء وعديمي الخبرة العسكرية.
صعود الفاشية
الروائي الإيطالي أنطونيو سكوراتي (دار المتوسط)
ولئن كانت الرواية التاريخية مستندة إلى مادتها الأولى، و"بنيتها التحتية" كما يصفها لوكاتش، فإنها تحتاج إلى هيكلية سردية تنتظم فيها الأحداث في حبكة مطردة الحدة والتنامي وصولاً إلى الذروة المرتجاة. وهذا بفعل تدخل الكاتب الذي لم يكتف بوضع أخبار موسوليني والشخصيات المرتبطة به في تساوق زمني متتال، من 25 مارس (آذار) 1919، إلى الثاني من ديسمبر (كانون الأول) 1921، وإنما جعل الأحداث المروية بتفاصيلها ومشاهدها تنعقد في حلقات متصلة، سردياً، ومتنامية، من زمن تضعضع القائد الفرد، موسوليني وبؤس أحواله المادية، وتحول قناعاته، من الحزب الاشتراكي بعيد إحراق مجلة "أفانتي" على يد الشيوعيين، إلى الحزب الوطني (الفاشي) وانقطاع صلته بزوجته الأولى وعدم مبالاته بموت ابنه منها، فإلى تأسيسه عصائب (كتائب) القتال الفاشية، على أن يكون الخيط السردي الموصول بينها هو السعي إلى السلطة، وتسخير كل شيء لبلوغ هذه الغاية التي حققها، في نهاية المطاف، إذ تبوأ منصب رئيس الدولة يوم 31 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1922، إثر مسيرة نظمها ما يزيد على 40 ألفاً من أنصاره ذوي القمصان السود إلى روما، جلهم من العاطلين من العمل، والخارجين عن القانون، والمجندين لقمع الحركات العمالية ذات التوجهات اليسارية.
أحداث ووجهات نظر
إن من مآثر هذه الرواية التاريخية هذه لكاتبها أنطوني سكوراتي، وأحد دواعي شهرتها وحسن استقبالها من القراء الإيطاليين وغيرهم، أنها تنقل المناخات العامة الواقعية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى حيث انتصر الإيطاليون، بعد مكابدة شديدة، على النمسويين، ومنها تسريح الجنود المشاركين في الحرب، وجعلهم عرضة للفقر والمهانة والتشرد، والتنكر لتضحياتهم الجسام، بخلاف نظرائهم الفرنسيين الذين تهللت بهم الجماهير لدى عبورهم قوس النصر في باريس. ولا يكتفي الكاتب بإيراد الوثيقة التاريخية التي تؤكد حصول الواقعة، وإنما يعمد إلى تأليفها سردياً، في حبكة جديرة بقصة قصيرة أو متوسطة، فيها كثير من التشويق وصدام الشخصيات والحركات العنيفة محاكاة لما يفترض أن يكون قد حصل في الواقع، من صدامات ومعارك وإضرابات، واضطرابات حفلت بها السنتان المذكورتان إطاراً زمنياً للرواية (1919-1921). على أن يروى كل ذلك من وجهة نظر كل شخصية معنية، فإذا كان المعني بالسرد شاعر إيطاليا الأول غبرييله دانونسيو، الوطني والمتطوع بالجيش عن عمر الـ50 سنة، والحامل لواء مقاطعة فيومه الإيطالية، يوم كانت تابعة صورت الأحداث الحاصلة في روما، غداة تسريحه من الجيش، أعني التظاهرات العمالية التي كان يترأسها الحزب الاشتراكي الإيطالي، على أنها خيانة للوطن، وتنكر لقضاياه الوطنية، وعلى رأسها الدفاع عن أرض إيطاليا، حتى في فيومه التي ظلت ملحقة بالدولة الإيطالية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
الزعيم النازي هتلر والزعيم الفاشي موسوليني (المتحف الوطني)
ومن ثم تطلعنا الرواية على شخصية أخرى مقربة من الدوتشي (موسوليني)، وهو تشيزره روسي، أحد كبار رجال السياسة الإيطاليين، والمنتظم في الحزب الفاشي، بعد تركه الحزب الاشتراكي. ويفرد لذلك مشهداً أو فصلاً عامراً يهيمن عليه وصف طبائع رفاق تشيزره، الميالين إلى الغضب والازدراء والشدة. وهو الداعي إلى تدفيع الأغنياء ثمن الاضطراب الحاصل في البلاد، وجعلهم يمولون عصائب القتال ضد رجال اليسار. ولدى سؤال روسي عن هوية الفاشيين، أجابه موسوليني، بأنه حسبهم أنهم أعداء البروليتاريا، وكارهون للفصائل، والمدافعون عن المحاربين القدامى.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي فصل آخر، يحكي الكاتب إحدى مراحل الصراع الشديد بين الفاشيين، من هذا التكوين والطينة، وبين مواطنيهم الشيوعيين الذين حسبوا، من دون غيرهم من الأوروبيين، أن النظام الشيوعي المنتصر في روسيا، على قاب قوسين أو أدنى من انتصاره في إيطاليا، وقد وضعوا جانباً كل الحزازيات القومية ومطامع الحكام، وتجاهلوا المصائب التي حلت بالجيش الإيطالي إبان الحرب العالمية الأولى، وأغفلوا قضية "فيومه"، أو المقاطعة التي يزعم الإيطاليون القوميون (الفاشيون) أنها جزء من إيطاليا، وأنها ينبغي أن تعود إلى السيادة الإيطالية. وهذا ما تحقق في عام 1924، أي بعد ثلاثة أعوام من تولي موسوليني الحكم في إيطاليا...
بطولات وحيل
ولكن موسوليني، شأن كل حاكم مستبد في زمننا الحديث، بدا صانعاً صورته، بل أسطورته قائداً ملهماً، ورجل مهام، وصاحب خطاب حماسي، محرض على الحرب والصراع مع الأعداء القوميين والاجتماعين، الذين سبق له تصنيفهم، وهم البورجوازيون ورجال الدين والشيوعيون. وفي هذا الشأن، يورد الكاتب وثائق تبين كيف أن موسوليني كان يخترع لنفسه بطولات، ويعد لها إخراجاً شبيهاً بالإخراج المسرحي، نظير ما حصل في مسرح أوليمبيا في 10 أكتوبر عام 1919، حين راح يبرر تأخره عن حضور الاجتماع بكونه آتيا من زيارة فيومه: "سامحوني على التأخير. فالآن بالذات نزلت طائرتي. كنت البارحة في فيومه، مدينة المعجزات والأعاجيب!" (ص:134)
وعندئذ، "انفجر التصفيق المدوي لأولئك الفاشيين المجتمعين في مسرح أوليمبيا. ولم يكتف بهذا، بل راح يخبرهم كيف تهرب من الحواجز الحكومية بالطيران على ارتفاع عال مع بطل الحرب، وكيف أنه واصل رحلته، بعد اعتقال رجال الدرك له، بعد حديثه مع الجنرال بادوليو. وفي موضع آخر، يكشف الكاتب عن بعض آراء موسوليني في الانتخابات، من خلال رسالة كان قد بعث بها إلى شاعر الحزب دانونسيو، يقول فيها بما معناه إن الانتخابات إن هي إلا وسيلة للتبرع (للفاشيين) والتمويه، وأن الأمر المهم هو إعداد الحزب لتشكيلاته العسكرية، كل مجموعة مسلحة، أو فرقة عسكرية تضم 20 رجلاً مسلحين تسليحاً كاملاً.
في المحصلة الأخيرة، يمكن أن تقرأ رواية الكاتب أنطونيو سكوراتي بعنوان "موسوليني ابن القرن الـ20" بكثير من الشغف، لمعرفة مزيد من الوقائع المثبتة عن شخصية المستبد موسوليني، الذي كان يحاكي نظيره الألماني (أدولف هتلر)، ويترسم نهجه في حياته الشخصية، من حيث اتخاذه عشيقة له "مارغريتا سارفاتي"، ونسيان علاقاته الزوجية السابقة، وإصراره على تسلم زمام السلطة، وممارسة الشدة المطلقة مع أعدائه الحمر ورجال الدين والبورجوازيين، والخونة. وهذا كله متساوق مع الوثائق التاريخية التي لا لبس في صحتها ودقتها.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"متجول بين عالمين" رواية أخرى عن حرب لا منتصر فيها
"متجول بين عالمين" رواية أخرى عن حرب لا منتصر فيها

Independent عربية

timeمنذ 6 ساعات

  • Independent عربية

"متجول بين عالمين" رواية أخرى عن حرب لا منتصر فيها

من المعروف أن هناك، من بين مئات الأعمال الأدبية التي كتبت خلال الحرب العالمية الأولى ومن حولها، ثلاثة أعمال خالدة لا تزال تعد حتى اليوم وبعد انقضاء أكثر من قرن على صدورها تباعاً، معبرة بصورة خلاقة عن حيرة الإنسان العادي أمام المجازر التي ترتبط بالحروب، كل الحروب بوصفها أولاً وأخيراً جرائم ضد الإنسانية حتى وإن وُسمت بأنها حروب عادلة. فهناك في المقام الأول رواية "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية" لإريك ماريا ريماركي، وهناك من بعد ذلك رواية إرنست يونغر "عواصف من فولاذ"، ثم هناك الرواية الفرنسية "النار" لهنري باربوس. ومن الواضح أن الجامع بين الروايات الثلاث، إلى جانب وقوفها ضد الحرب، كونها كتبت "من الداخل" أي بأقلام كتاب كانوا خلال تلك المجزرة العالمية الأولى، مقاتلين على الجبهة فعبروا عن تجاربهم وغضبهم بصورة مباشرة. والحقيقة أن التركيز على هذه النصوص الثلاثة يحمل، كما كل اختيار آخر في أي مجال من المجالات، ظلماً لأعمال كثيرة قد لا تتسم بقيمة أدبية معترف بها ليونغر وريماركي وباربوس، لكنها ربما تفوقها قوة ونزاهة وتأثيراً أحياناً. ويهمنا من هذه الأعمال هنا بالتحديد رواية صدرت باكراً جداً، أي منذ العام الثاني للحرب العالمية الثانية تبدو منسية إلى حد ما في أيامنا هذه، بل منذ مرور أعوام عدة على صدورها عام 1916، إذ إن القراء الألمان مروا أمامها مرور الكرام لأنها ضربت كثيراً من يقينهم، بينما تجاهلها الفرنسيون تماماً، لأنها بالتحديد رواية ألمانية، أي من كتابة "عدو قومي" لهم حتى وإن كان هذا العدو قد قضى نحبه بعد عام من صدور روايته متأثراً بجراح أصيب بها على الجبهة التي جعل من روايته أصلاً، منبراً للتنديد بها، من دون أن يسهى عن الفرنسيين أن الكاتب وقبل رحيله بشهور قليلة قد منح من قبل قيادته وسام الصليب الفولاذي لـ"شجاعته وبطولاته" خلال الحرب وهو الذي لم يرد الحرب أصلاً ولم تكن روايته، على أية حال، سوى "سلاحه" للتنديد بها، والحال أننا نتحدث هنا عن والتر فليكس، فهل سمع واحد من قرائنا بوالتر فليكس من قبل؟ سيرة سريعة لسنا ندري، لكننا نشعر أنه لا مفر من أن يسمع به، ففليكس - الذي كان في الثلاثين حين قضى مقاتلاً، كان واحداً من قلة من أولئك المبدعين الذين تعاملوا مع الحرب بوصفها مسلخاً يطاول أخلاق البشر والأخوة الإنسانية بقدر ما يطاول أجسادهم ويدمر حياتهم - جدير بأن تبقى ذكراه عبرة. وفي الأقل عبر تلك الرواية التي يمكننا أن ننظر إليها بوصفها وصية إنسان حقيقي ومبدع كرس إبداعه لخدمة إخوانه في الإنسانية. وهو ولد عام 1887 في تورينغ بألمانيا ودرس في صباه الباكر تاريخ الفلسفة وعلم التاريخ، لكنه إذ كان مطبوعاً بتلك الرومانسية التي اعتادت في ذلك الحين أن تطبع الشبيبة الألمانية للأفضل كما للأسوأ، آثر أن يستهل نشاطه الكتابي بنظم الشعر، لكنه طوال أعوام ما قبل الحرب الأولى سيعرف بكونه مدرساً مفضلاً لأبناء عائلة بسمارك، غير أنه وربما انطلاقاً من ذلك الموقع، ما إن اندلعت الحرب العالمية الأولى في صيف 1914 حتى تطوع في الجيش الألماني على رغم عطب مزمن في يده اليسرى. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) غير أن تجربة مريرة واجهته خلال العام الثاني للحرب ستمارس عليه تأثراً جذرياً، فهو كان على الجبهة قد ارتبط بصداقة مع مجند آخر يدعى إرنست وارخي كان يماثله في اهتماماته الفلسفية والأدبية، ومن هنا حين سقط هذا الرفيق على الجبهة عام 1915 وجد والتر نفسه مجبراً على أن يقوم بنفسه بالمهمة الأصعب: إخبار عائلة وارخي بأن ابنهم قد قتل. ولقد قادته تلك المهمة إلى أن ينصرف طوال المرحلة التالية إلى كتابة نصوص تمتلئ بأسئلة حارقة غاضبة حول الحروب ومبرراتها، ولسوف يكون النص الذي سيصدر بعنوان "المتجول بين عالمين" في مقدمة تلك النصوص ليصدر على شكل يوميات والكاتب لا يزال يقاتل على الجبهة. ولعل الجدير ذكره هنا هو أن الكتاب إذ صدر في ألمانيا انتشر انتشاراً كبيراً ليباع منه ربع مليون نسخة خلال العامين اللذين تليا صدوره، واللذين كان والتر يخوض خلالهما الحرب بـ"حماسة بطولية" وينال تنويهات عديدة وصولاً إلى ذلك الوسام الرفيع الذي ناله. ولقد أسهم مقتله البطولي ذاك في انتشار كتابه لكن مع تضاؤل تدريجي في الاهتمام العام به، طوال فترة ما بين الحربين حتى وصل إلى نوع من الغرق في نسيان شبه تام. تلك الأسئلة الصعبة لكن ما هذا النص؟ ببساطة هو يوميات كتبت خلال تلك الحرب. ويوميات تنطلق من حكاية تدور في ليلة عاصفة على جبهة لورين عام 1914، حين خطّ طالب متطوع في الحرب الأبيات الأولى لما سيصبح لاحقًا إحدى أشهر الأغاني في أوروبا: "الإوز البري" (التي أصبحت، بفعل تقلبات التاريخ، وبين مصائر أخرى، نشيداً للفرقة الأولى للجيش الجمهوري الأيرلندي)، وستصبح هنا بالنسبة إلى موضوعنا، بداية واحدة من أشهر الأعمال الألمانية في الحرب العالمية الأولى. ففي حقائب الجنود عرفت يوميات فليكس الحربية كيف تلامس نيتشه وشوبنهاور بين مفكرين ومبدعين آخرين، لكن سبب تلك الملامسة لم يكن أولئك الفلاسفة مجتمعين أو متفرقين، بل لأن "المتجول بين عالمين" هي في عمقها ترنيمة عاطفية لروح حركة "الطيور المهاجرة"، وهي حركة شبابية كانت قد بدأت تعرف انتشاراً بين الشباب في ذلك الحين لربطها بين العودة إلى الطبيعة والتمسك بالحكمة، ومن ثم لم ير الكاتب بأساً في أن تكون الحرب، بما أنها وعلى أية حال فرضت نفسها، كاشفةً عن فن العيش هذا، وبشارةً بمجتمع جديد سيظهر في المستقبل. إن النداءات شبه الصوفية للشمس وروح الغابات والحنان والشاعرية التي تتخلل سرد والتر فليكس، واستحضارات المسيحية الرجولية والوثنية الرحيمة، وغياب كراهية العدو، وصرخة الإوز البري، كلها تُصبح أصداءً لأعمق تطلعات الشعب، في مواجهة أعباء وأكاذيب مجتمع فردي وتجاري، تُطور روح التيار المسمى "واندرفوغل" أسلوباً تربوياً للتحرر والاحترام تحت شعار بسيط هو: "ابقَ طاهراً وانضج"، بحسب ما يكتب الناشر الفرنسي على الغلاف الأخير للترجمة الفرنسية التي أعيد صدورها عام 2019 لتستعيد للكتاب رواجاً كان قد فقده منذ زمن بعيد وللكاتب مكانة استعادت ذكراه. واستعادتها بقوة من خلال ما ينم عنه القرن الجديد من عودة للحروب والصراعات العبثية، فالحال أن الشبان الذين يعودون اليوم لاكتشاف هذا النص، يكتشفون فيه أكثر مما اكتشفه جيل قرائه قبل أكثر من قرن. معنى عميق للحياة فهم يكتشفون هنا أكثر من مجرد سرد لأحداث معينة، يكتشفون تفسيراً مدهشاً خاصة للنجاح الكبير الذي حققه الكتاب حين صدوره، وحتى من قبل رحيل كاتبه، في صفوف مجندي الجيش الألماني، فالكتاب عبر في نهاية الأمر عن تساؤلاتهم الخاصة حول معنى الحرب وأخلاقيات المقاتل، ثم بصورة أكثر دقة وتراجيدية، حول معنى الموت. وهو عبر عن ذلك ليقول لقرائه – الذين لم يكن ليتوقع على أية حال، أن يكونوا كثراً - بأن الحياة لا يكون لها معنى إلا إذا عيشت بصورة جماعية، فهي في نهاية الأمر ليست أكثر من نقطة تصل بين وحدتين "بين عالمين" كما يقول لنا عنوان الكتاب، وحدة الولادة ووحدة الموت، وما على المقاتل إلا أن يحافظ على كرامته بين ذينك العالمين. ولعل المعنى الأكثر خفاء الذي يريد نص أن يحمله في ثناياه، هو ذاك الذي لا يمكن أن يغيب اليوم بالتحديد عن بالنا: معنى يفيدنا بأن الحرب ليست في نهاية المطاف سوى "تجربة داخلية" (بحسب إرنست يونغر) وبالتالي، وكما يضيف فليكس هنا، لا يجدر بتلك التجربة أن تخلق أية كراهية تجاه من جعلته الحرب عدواً في لحظة ما بحيث إن كل من يقاتل بشجاعة يستحق التكريم بصرف النظر عن المعسكر الذي ينتمي إليه. وذلك بالتحديد لأن "الآلام المشتركة تخلي المكان لإخاء إنساني ولرفقة منفتحة على الآخر... وهما في نهاية المطاف المعنى الحقيقي للحياة". والمعنى الخفي لهذا الكتاب بالتحديد.

لا أتجادل.. وصفة أكبر معمرة في العالم للعيش 115 سنة
لا أتجادل.. وصفة أكبر معمرة في العالم للعيش 115 سنة

صحيفة المواطن

time٠٤-٠٥-٢٠٢٥

  • صحيفة المواطن

لا أتجادل.. وصفة أكبر معمرة في العالم للعيش 115 سنة

توفيت البرازيلية إينا كانابارو لوكاس، أكبر معمرة في العالم، بحسب موسوعة 'غينيس' للأرقام القياسية، الأربعاء الفائت، عن عمر ناهز 116 عاماً. حيث ذكرت قاعدة بيانات 'لونجيفي كويست'، المختصة بتوثيق بيانات المعمرين، أن كانابارو، المولودة في 8 يونيو 1908، توفيت في البرازيل عن عمر ناهز 116 عاماً و326 يوماً. لا أتجادل مع أحد أبدًا وبوفاة كانابارو، انتقل لقب أكبر معمرة في العالم الآن إلى إثيل كاترهام من إنجلترا، التي تبلغ حالياً 115 عاماً و252 يوماً. أما عن 'سر' طول عمرها، فاعتبرت كاترهام أن السبب يكمن في تجنب الخوض في جدالات وسجالات. وقالت من دار رعاية المسنين في ساري جنوب غربي لندن: 'أنا لا أتجادل مع أحد أبداً، وأستمع وأفعل ما أحب'، وفق 'نيويورك بوست'. يذكر أن كاترهام ولدت في 21 أغسطس 1909، في قرية شيبتون بيلينجر جنوب إنجلترا، قبل 5 سنوات من اندلاع الحرب العالمية الأولى، وكانت ثاني أصغر إخوتها الثمانية. وفي 1927، حين كانت تبلغ 18 سنة، شرعت في رحلة إلى الهند، حيث عملت كمربية أطفال لدى عائلة بريطانية، وبقيت لثلاث سنوات قبل أن تعود إلى إنجلترا، حسب مجموعة أبحاث الشيخوخة في الولايات المتحدة (GRG). ثم التقت بزوجها نورمان، الذي كان رائداً بالجيش البريطاني، في حفل عشاء عام 1931. ورزقا بابنتين قاما بتربيتهما في بريطانيا. فيما توفي نورمان سنة 1976.

أكبر معمرة في العالم تكشف وصفتها للعيش 115 سنة
أكبر معمرة في العالم تكشف وصفتها للعيش 115 سنة

العربية

time٠٤-٠٥-٢٠٢٥

  • العربية

أكبر معمرة في العالم تكشف وصفتها للعيش 115 سنة

توفيت البرازيلية إينا كانابارو لوكاس، أكبر معمرة في العالم، بحسب موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية، الأربعاء الفائت، عن عمر ناهز 116 عاماً. حيث ذكرت قاعدة بيانات "لونجيفي كويست"، المختصة بتوثيق بيانات المعمرين، أن كانابارو، المولودة في 8 يونيو 1908، توفيت في البرازيل عن عمر ناهز 116 عاماً و326 يوماً. صحة لعمر طويل بصحة جيدة.. التفاؤل لا يقل أهمية عن الرياضة "لا أتجادل مع أحد أبداً" وبوفاة كانابارو، انتقل لقب أكبر معمرة في العالم الآن إلى إثيل كاترهام من إنجلترا، التي تبلغ حالياً 115 عاماً و252 يوماً. أما عن "سر" طول عمرها، فاعتبرت كاترهام أن السبب يكمن في تجنب الخوض في جدالات وسجالات. وقالت من دار رعاية المسنين في ساري جنوب غربي لندن: "أنا لا أتجادل مع أحد أبداً، وأستمع وأفعل ما أحب"، وفق "نيويورك بوست". نبذة عنها يذكر أن كاترهام ولدت في 21 أغسطس 1909، في قرية شيبتون بيلينجر جنوب إنجلترا، قبل 5 سنوات من اندلاع الحرب العالمية الأولى، وكانت ثاني أصغر إخوتها الثمانية. وفي 1927، حين كانت تبلغ 18 سنة، شرعت في رحلة إلى الهند، حيث عملت كمربية أطفال لدى عائلة بريطانية، وبقيت لثلاث سنوات قبل أن تعود إلى إنجلترا، حسب مجموعة أبحاث الشيخوخة في الولايات المتحدة (GRG). ثم التقت بزوجها نورمان، الذي كان رائداً بالجيش البريطاني، في حفل عشاء عام 1931. ورزقا بابنتين قاما بتربيتهما في بريطانيا. فيما توفي نورمان سنة 1976.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store