logo
#

أحدث الأخبار مع #أوريد

"فخّ الهويّات".. حسن أوريد يحذّر من تحول الهويات لسلاح إقصاء مجتمعي
"فخّ الهويّات".. حسن أوريد يحذّر من تحول الهويات لسلاح إقصاء مجتمعي

الجزيرة

time٢٣-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الجزيرة

"فخّ الهويّات".. حسن أوريد يحذّر من تحول الهويات لسلاح إقصاء مجتمعي

صدر حديثًا كتاب "فخّ الهويّات" للكاتب والمفكر المغربي حسن أوريد، الذي يُسلّط الضوء فيه على المخاطر الكامنة خلف تصاعد خطاب الهوية، عندما يتحوّل من دعوة للاعتراف إلى وسيلة لإقصاء الآخر، ثم استعدائه وشيطنته، مما يؤدي إلى ردود فعل مضادة وهويات متقابلة، قد تنتهي بما يصفه الكاتب بـ"أنكر الداء": انفراط العقد الاجتماعي. في 200 صفحة، يتناول الدكتور أوريد هذه الإشكالية المعقدة التي باتت تفرض نفسها في العالم العربي والغربي على حد سواء. يرى أن خطاب الهوية، الذي ظهر بقوة بعد تراجع السردية الشيوعية، حلّ محل مفاهيم الطبقة، وأخذت الثقافة مكان الاقتصاد، ليولد بذلك "طلب هويّاتي" يعبّر عن رغبة دفينة في الاعتراف. لكن هذا الطلب سرعان ما انحرف عن مساره، فتحوّل إلى عامل تهديد مباشر لأسس التعايش، ولتماسك الدولة والمجتمع. يؤكد أوريد أن الحل يكمن في تحديد الإطار السليم الذي يمكن للهويات أن تنشط فيه، دون أن تمسّ بالعيش المشترك. ويشدّد على أن المواطنة هي الحصن والملاذ، وأن "على القانون الأسمى أن يكون حضن المواطنة وحصنها"، باعتبارها الرابط الجامع الوحيد في المجتمعات الحديثة. الكتاب يتوغّل في أسئلة مركزية تلامس الواقع اليومي والراهن السياسي: كيف نوفّق بين مطلب الهوية ومتطلبات المواطنة؟ كيف أن نزاوج بين الخصوصية والعالمية؟ وهل يمكن تحقيق عدالة رمزية لا تزدري أي مكون اجتماعي؟ ويتناول أوريد احتدام خطابات الهوية في الغرب، خاصة في علاقات التوتر بين "الأصليين" والمهاجرين، وخصوصًا المسلمين منهم، حيث تغدو قضايا الهوية مظهرًا مرئيًا لأزمات أعمق وأكثر تعقيدًا. فخّ الهويّات هو محاولة فكرية لفهم خطاب الهوية، في مشروعيته وانحرافاته، في العالم العربي والغربي على حد سواء. ويتناول قضايا ذات بعد كوني مثل الإسلاموفوبيا، وعودة النزعات العرقية، والمجتمعات الأرخبيليّة، وفكرة "الاستبدال الكبير"، بالإضافة إلى خطاب ما بعد الاستعمار، والعدو الحميم، وكبش الفداء الضروريّ. وللحديث عن الكتاب الغني بأسئلته وهواجسه الإنسانية في زمن تتنازع فيه الهويات وتتشظى المجتمعات، تحدثنا مع المؤلف وكان هذا الحوار القصير: كيف يمكن لمفهوم المواطنة أن يشكل إطارا فعالا لتحقيق العيش المشترك في ظل تنوع الهويات؟ الإشكال لا يكمن في الهوية بحد ذاتها، بل في الكيفية التي نتعامل بها معها، إذ يفترض أن تكون الهوية استجابة لمطلب الاعتراف، سواء لجماعة أو فئة أو أقلية، على أن تقوم في الوقت نفسه على احترام الكرامة الإنسانية. غير أن المشكلة تظهر عندما تتحول الهوية إلى أداة لاستعداء الآخر، فتهدد بذلك أسس العيش المشترك. ومن هنا، لا يكفي البحث عن التوفيق بين الهوية والعيش المشترك، بل يجب تجاوز هذا الإشكال نحو تصور أوسع. فالعيش المشترك، في غياب إطار ناظم، يظل مجرد أمان أو مشاهدات سطحية لا تفضي إلى حلول. والإطار القادر فعلا على احتضان الهوية وتحقيق العيش المشترك هو مفهوم المواطنة، إذ يشكل أساسا عمليا لترسيخ القبول بالآخر وتنظيم التنوع ضمن عقد جامع، بينما التوقف عند مجرد شعار "العيش المشترك" دون آليات واضحة لا يفضي إلى نتائج ملموسة. لا يمكن إنكار أن الهويات أصبحت واقعا لا يمكن القفز عليه. ومع ذلك، يجب أن نعترف، انطلاقا من تجارب متعددة ومآلاتها سواء في الغرب أو خارجه، أن خطابات الهوية قد بلغت مرحلة المأزق. فإذا تأملنا، على سبيل المثال، تجربة التنوع الثقافي التي كانت كندا من أوائل من تبناها، ولاحقا أصبحت نموذجا يحتذى به في بعض الدول الغربية، سنلاحظ أن هذا التنوع، رغم محاولات التلطيف بما يعرف هناك بـ"الالتآم المعقول" أو بالأدق "التكيف المعقول"، أدى في المحصلة إلى نوع من الطائفية والانغلاق. الشيء نفسه نلاحظه في الغرب بشكل أوسع، حيث آل مشروع التنوع الثقافي إلى الانكفاء داخل الهويات والانغلاق عليها بدل الانفتاح والتفاعل. ونجد مثالا آخر في الولايات المتحدة، فيما يعرف بـ"التوليفة الهوياتية"، والتي برزت بداية في سياق نضالات الحركات السوداء، كأداة لتجاوز إشكالات القوانين التي لم تكن كافية لتغيير واقع التمييز. لكن هذه التوليفة، رغم نواياها، أفضت إلى ردود فعل مضادة، وأسهمت في تشظي الهوية الجماعية، بل وأحيانا في إعادة إنتاج التهميش داخل فئات المحرومين أنفسهم. وبالتالي، يمكن القول إنه سواء في الغرب أو خارجه، فإن الأدوات التي طرحت سابقا لإدارة التنوع وضبط الهويات قد وصلت إلى طريق مسدود، وأسهمت -عن قصد أو غير قصد- في تكريس الوضع القائم بدل تغييره. لماذا تُعد تداعيات الحركات الهوياتية في العالم العربي أكثر خطورة مقارنة بنظيراتها في الغرب؟ فإن قضايا الهوية قد طرحت وما زالت تطرح، لكن طبيعتها تختلف بشكل واضح عن نظيرتها في الغرب. ففي حين أن خطابات الهوية في السياق الغربي قد تؤدي، في أقصى حالاتها، إلى توترات أو نزعات انفصالية -كما يطلق عليها في فرنسا مثلا مصطلح "الانفصالية"- فإن الأمر في العالم العربي يحمل طابعا أكثر تعقيدا وخطورة. فهنا، انقسام الهويات لا يقتصر على التوتر السياسي أو الثقافي، بل قد يهدد مباشرة العقد الاجتماعي الذي تقوم عليه الدولة والمجتمع. وقد شهدنا في حالات متعددة أن جماعات تستند إلى هوية خاصة -سواء كانت عقائدية أو لغوية- لجأت إلى التسلح، وتحولت إلى مليشيات وقوى مسلحة باتت تهدد كيان الدولة ذاته، وتمس بشكل مباشر تماسك المجتمعات. ومن هنا، فإن الحركات الهوياتية في العالم العربي، حينما تنفلت من الضوابط وتتخذ منحى انفصاليا أو صداميا، تكتسب طابعا أكثر خطورة من نظيراتها في الغرب، إذ يمكن أن تنزلق بالأوضاع إلى احتراب أهلي ومواجهات تهدد الاستقرار والوجود الوطني برمته. كيف يسهم هذا الكتاب في فتح حوار مشترك حول قضايا الهوية بين المجتمعات الغربية والعربية، وما الذي يميزه عن غيره من الكتب في هذا السياق؟ يمكن القول إنني، في مجمل ما أكتبه، أنطلق من فكرة أساسية مفادها أن القضايا المطروحة في الغرب تتقاطع وتتداخل بدرجات مختلفة مع تلك التي تطرح في مجتمعاتنا. ولذا، فإن فهمنا العميق لقضايانا يتطلب النظر إلى الغرب وتحليل ما يدور فيه، كما يمكن للغرب، في المقابل، أن يدرك أبعادا من إشكالاته الخاصة من خلال دراسة مجتمعاتنا. فقضايا مثل الهوية، على الرغم من اعتبارها أحيانا قضايا عرضية أو "عابرة"، هي في الواقع ذات طبيعة متشابكة ومعقدة، ومن بين هذه القضايا نذكر الإسلاموفوبيا والهجرة، اللتين تنظر إليهما من زوايا مختلفة، لكنهما تؤثران بعمق في مجتمعاتنا كما تؤثران في المجتمعات الغربية. وقد شكل هذا الكتاب فرصة مناسبة للتوقف عند واقع الأقليات المسلمة في الغرب، حيث تطرح قضية الهوية هناك بشكل حاد ومختلف، وغالبا ما ينظر إليها كسبب في الإشكالات، في حين أنها في الواقع نتيجة لسياقات سياسية وثقافية معقدة. وعلى كل حال، آمل أن يشكل هذا الكتاب فرصة حقيقية لفتح باب الحوار، فهو لا يمثل نهاية أو خلاصة نهائية، بل هو مجرد بداية لنقاش عميق ومستفيض. الغاية منه ليست فرض أجوبة، بل تحفيز التفكير الجماعي بما يمكن أن يشكل قواسم مشتركة تجمعنا، بدل الاستغراق في ما يفرقنا.

محليات قطر : مسيرة بحديقة البدع لدعم أطفال التوحد
محليات قطر : مسيرة بحديقة البدع لدعم أطفال التوحد

نافذة على العالم

time١٨-٠٤-٢٠٢٥

  • صحة
  • نافذة على العالم

محليات قطر : مسيرة بحديقة البدع لدعم أطفال التوحد

الجمعة 18 أبريل 2025 12:45 مساءً نافذة على العالم - محليات 56 18 أبريل 2025 , 07:46ص مسيرة بحديقة البدع لدعم أطفال التوحد الدوحة - الشرق تحت رعاية السيد عيسي عبد الله المناعي، رئيس مجلس ادارة مجموعة مراكز قطر للسمع و النطق ( كيش ). قامت مجموعة المراكز بتنظيم مسيرة لدعم أطفال التوحد، وذلك بهدف تسليط الضوء علي هذه الفئة المميزة في داخل المجتمع. كان ذلك في حديقة البدع بمناسبة اليوم العالمي للتوحد تحت الشعار الذي اعتمدته الأمم المتحدة بمناسبة يوم التوعية باضطراب طيف التوحد لعام 2025 "المضي قُدُماً في ترسيخ التنوع العصبي في سياق تحقيق أهداف التنمية المستدامة". ونحن يجب أن نركز بشكل رئيسي على خلق الوعي حول استقلال ذوي اضطراب طيف التوحد، وفهمهم وقبول حالتهم. وكان من اقترح الاحتفال بهذا اليوم وتم إقراره في الأمم المتحده في عام 2007 هي سمو الشيخة موزا بنت ناصر - حفظها الله -. فمن واجبنا كجهات مختلفة داخل دولة قطر الحبيبية أن نلقي الضوء علي هذا اليوم. وقد قامت مجموعة المراكز بتنظيم 5 مسيرات كبرى من قبل بمشاركة مئات من المواطنين والمقيمين ومشاركة هيئات ومؤسسات كبرى عدة مثل أوريد ووزارة الشباب والرياضة وكارفور واللولو والريان للمياه وغيرهم ذلك لدورهم المهم لنشر التوعية بخصوص هذه الفئة بشكل كبير داخل الدوحة. وقد شارك بالحضور في مسيرة هذا العام السيد مارك ديفيدز (المدير التنفيذي للمدارس ذوي الاعاقة الخاصة بمؤسسة قطر)، و قد ألقي كلمة خلال المسيرة عن دور المجتمع في كيفية التعامل مع الأشخاص المصابين بالتوحد وما تقوم به دولة قطر تجاه هذه الفئة المميزة في مجتمعنا. والمعلق الكبير السيد حفيظ دراجي، وقد ألقي كلمة الى المشاركين عبر فيها عن سعادته بما يقوم به مركز قطر للسمع والنطق تجاه أطفال طيف التوحد. كما شارك ايضا الدكتور منير ابراهيم والسيد محمد ميانداد (صاحبا ترخيص مجموعة مراكز نسيم الطبية)، وقد أبديا سعادتهما بالمشاركة في مثل هذا الحدث الذي يقوم به مجموعة مراكز قطر للسمع والنطق. أخبار ذات صلة

في لقاء مع منتدى تاونات : المفكر حسن أوريد يقاربُ التغيّرات الجيوسياسية وتأثيراتها على المَغرب
في لقاء مع منتدى تاونات : المفكر حسن أوريد يقاربُ التغيّرات الجيوسياسية وتأثيراتها على المَغرب

حدث كم

time٢٢-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • حدث كم

في لقاء مع منتدى تاونات : المفكر حسن أوريد يقاربُ التغيّرات الجيوسياسية وتأثيراتها على المَغرب

احتضن مؤخرا أحد مطاعم مدينة سلا محاضرة ألقاها المفكر والأكاديمي حسن أوريد في سمر رمضاني، كانت تحت عنوان:'التغيّرات الجيوسياسية وتأثيرها على المغرب'؛ سيّرها الوزير الأسبق البروفسور نجيب زروالي وارثي. الدكتور حسن أوريد قال في هذا اللقاء الذي كان من تنظيم 'منتدى كفاءات إقليم تاونات'، بأن 'الناس تتماهى عادة بالفطرة مع السياسة، وتكاد تكون معها في علاقة انصهار'؛ مُذكرًا في ذات السياق أن 'العالم الذي نعرفه قد انتهى مع سقوط جدار برلين'، ومع سقوطه 'انتهت المنظومة القديمة بتطورات الحرب الروسية الأوكرانية' على المستويين الإقليمي والعالمي. وأضاف أوريد في سياق مختلف أن 'العالم تخلص من الالتزامات والمعاهدات الدولية'، وأصبحنا أمام واقع جديد' لا يعترف إلا بالقوة'. وأشار أنه في الوقت الذي اعتقدت أوربا أنها 'حصّنت نفسها وتعافت من داء الحروب، وجدت نفسها تنغمس مُكرهَة في أتونها'، وأن الحرب تعنيها، عكس ما كانت تعتقد سابقا من أن 'الأمر لا يهم سوى جنوب الكرة الارضية'، واعتقدت أوروبا واهمة أن وضع يوغسلافيا 'لا يعدو أن يكون نشازا، ليس إلا…!!' واعتبر أوريد من جهة أخرى أن 'حدود الدول لم تعد مُحصنة كما كانت'، حتى أنه في حرب الخليج الثانية 'تم تأديب الرئيس صدام حسين، لأنه خرج عن المألوف، وتهجّم على الحدود بالقوة'، وهو 'ما لم نلمسه في الحرب الرّوسية الاوكرانية' يقول المحاضر. في هذه الحرب، ولأول مرة في التاريخ الحديث 'تم التلويح والتهديد باستعمال السلاح النووي، ولو بشكل جزئي وإن تكتيكي'، بعدما كان هذا النوع من السلاح مُجرّد سلاح للتهديد بالرّدع في إطار توازن الرُّعب بين القطبين التقليديين. كما عرَّج المُحاضر على الحدث الأبرز الثاني، متمثلا في حرب غزة الأخيرة أو ما عُرف بطوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، وهذه الحالة 'اكتست صفة حرب دون مراعاة لضوابط القانون الدولي'، كما أوضح المحاضر في كلمته. وأضاف حسن أوريد بأن 'هذا الحدث في حدّ ذاته عبّر عن وحشية في استعمال القوة'. وكل ما سلف، يقول المحاضر، أفرز لنا واقعا عالميا جديدا، متجاوزا بذلك 'النطاق الجغرافي الشرق أوسطي، مشكلا حديقة خلفية للحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما أعطى لروسيا فرصة لإتمام ترتيباتها العسكرية في المنطقة'. بعد ذلك، انتقل المحاضر إلى الحديث عن الظاهرة الثالثة، متمثلة في رجوع دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، واعتبر المحاضر ذلك بأنه ظهور 'ترامبية جديدة'. هذه الترامبية، يقول أوريد، تتبنى رؤى جديدة، مما يعتبر مدا للشعبوية اليمينية الأكثر تعقيدا في العصر الحالي. وأن الأمر قد تجاوز الاستحواذ على ما تحت الأرض من خيرات، إلى المطالبة بالأرض نفسها. واستحضر المحاضر في هذا الباب أحداثا بذاتها، من قبيل: «وضع اليد على جرينلاند' مرورا بمسألة 'الترحيل القسري للفلسطينيين من قطاع غزّة'، وكذلك 'التخلي على الحليف الأوكراني، ومعه حتى بعض الحلفاء الأوروبيين'، وهذه السلوكيات تبدو تجاوزا للقانون والاعراف الدولية. ويمكن اعتبار السياق الدولي الحالي بمثابة «تهليل لصالح قومية جديدة'، كما أوضح أوريد في محاضرته. وتابع أوريد قائلا بأن «جدية الموضوع تستدعي استحضار مفاتيح أخرى جديدة لكي نفهم بتأني ما يجري من حولنا، معتبرا في ذات الوقت بأن «الأمر ليس علما، وأنه علينا أن نحافظ على discipline'،لأن 'الجيوسياسية والجيو بوليتيك تختلط عادة عند العامة بالجيو- استراتيجية، علما بأن الأمران مختلفان تماما'. وتفاديا لأي لبس في المفهوم والمفاهيم، يقول أوريد أن 'الجيوستراتيجية هي تأثير الجغرافية في المجال، أما الجيوبوليتيك فهي تأثير السياسة في الجغرافيا، وذلك انطلاقا من تصور يفرزه السياسي'. واسترسل أوريد قائلا بأننا 'أمام عالم قديم- جديد مع دخول الصين بصفتها فاعلا جديدا، وهي صاحبة التحدي الوجودي، كما ينظر إليه ترامب'. واستحضر جملة شهيرة تقول: 'إذا كانت روسيا عاصفة، فإن الصين هي تغيير مناخي، وبالتالي هناك تغييرات حتمية قادمة، ستغيّر من ملامح خريطة العالم مستقبلا'. أما المغرب من جهته، كما يقول أوريد دائما، فقد 'ساير بكل حنكة ظروف الحرب الباردة، ومع سقوط برلين أصبح أكثر انفتاحا. وبعد هجمات11سبتمبر، أصبح للمقاربة الأمنية دورا كبيرا'. كما استحضر حسن أوريد قضية المغرب الوجودية الأولى، متمثلة في صحرائه ووحدته الترابية، مُستحضرًا في ذات الوقت ما أفرزته حرب غزة المدعومة من إيران، وما خلفه سقوط بشار الأسد في سوريا من تداعيات في البلقان والشرق أوسط، وهو ما انعكس سلبا على دولة الجزائر. وأكد في ذات السياق أن 'خيار الحرب كان واردا، ولكنه لم يكن أبدا في صالح الجزائر'، واستحضر في المحاضرة التي ألقاها أمام جمهور نوعي الهزائم التي مُنيت بها الدبلوماسية الجزائرية في المحافل الدولية، ممّا حتم عليها العمل على 'إعادة انتشار دبلوماسيتها، خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي بدأت في الخروج تدريجيا عن عروبيتها، ومغازلة هذه القوة العالمية، وهو ما عبّر عنه السفير بوقادوم باستعداد الجزائر بيع معادنها النفيسة للولايات المتحدة الامريكية'. بعد ذلك، انتقل المحاضر إلى طرح إشكالية سياسية تهم الطريقة المثلى للتعامل اليوم مع ثلاثة فاعلين أساسيين في العالم، ويتعلق الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية، أوربا والصين. ورأى أوريد أن الحل قد يكون كما فعلت بعض الدول الآسيوية، ولكنها 'وجدت نفسها بين فكّي كمّاشة، وبالتالي كان عليها أن تتعامل مع النقيضين، مثل حالة سنغافورة مع الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ودول أخرى التي اختارت الملاءمة، وخلقت نوعا من التوازن'. كما شدّد المحاضر على أن 'الخيار الأطلسي الذي أطلقه الملك محمد السادس، يبقى هو الخيار الاستراتيجي، ويمكن للمغرب أن يستثمر فيه. وعلينا أن نبقى مستمرين في علاقتنا مع الدول التي تربطنا بها علاقات اقتصادية، وأن نكون حاضرين بقوة في الساحة العربية، وخاصة مع دول الخليج التي أصبحت طرفا مُهمّا في المُعادلة الدولية. كما يجب علينا كمغاربة أن نكون حاضرين بقوة مع الولايات المتحدة الامريكية'. وركّز أوريد في محاضرته على ضرورة 'استعمال مفاتيح جديدة لأقفال تغيّرت، حتى نتمكن من فهم العالم الجديد'. وفي الختام فتح باب المناقشة، وانهارت الأسئلة من جامعيّين وعمداء كليات ووزراء سابقين واطر عليا ومثقفين، تلتها أجوبة شافية من المُحاضر. بعدها سلم رئيس المنتدى الأستاذ إدريس الوالي درعا وشهادة تقديرية للأكاديمي حسن أوريد. تجدر الإشارة أن رئيس 'منتدى كفاءات إقليم تاونات' إدريس الوالي عبّر من خلال كلمته في بداية اللقاء عن شكر المفكر حسن أوريد على تلبية الدّعوة، مُعرّجًا في ذات الوقت على التعريف بالمُنتدى وأهدافه وسبب اختيار الموضوع، كما قدم نُبذة من سيرة المُحاضر. د.و

المفكر المغربي حسن أوريد: الاستعباد الطوعي نتاجٌ للكبوات العربية
المفكر المغربي حسن أوريد: الاستعباد الطوعي نتاجٌ للكبوات العربية

الجزيرة

time١١-٠٢-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الجزيرة

المفكر المغربي حسن أوريد: الاستعباد الطوعي نتاجٌ للكبوات العربية

في كتابه الجديد "إغراء الشعبوية في العالم العربي" الذي يحمل عنوانا فرعيا صارخا "الاستعباد الطوعي الجديد" يدق المؤرخ والأكاديمي والأديب المغربي حسن أوريد ناقوس الخطر. ويحذر أوريد من الشعبوية والسلطوية كبديل يلوح في الأفق العربي بعد هجير الكبوات العربية العديدة من استنفاد السرديات الجامعة وتشوّه السياسة وكساد الاقتصاد وكبوة الثقافة. ويعتبر المفكر المغربي أن السلطوية المتلفعة بلبوس شعبوي هي استعباد طوعي إذ تقود الجماهير نفسها إليه رغم أنفها. مشيرا إلى أن كل القوى التي استندت إلى حضارة، شقّت طريقها بعد إذ انعتقت من نير الاستعباد وإصر الإذلال، كما الصين والهند. وحتى قوى هي نتاجٌ لقوّة دفع الحضارة الإسلامية، كما إيران وتركيا، فلماذا إذن تقدم غير العرب وتراجع العرب؟ ولد حسن أوريد، عام 1962 في المغرب، وشغل مناصب سياسية مهمة، حيث كان أول ناطق رسمي باسم القصر الملكي في عهد الملك محمد السادس، بالإضافة إلى توليه منصب والي جهة مكناس تافيلالت في 2005، وعين لاحقا مؤرخا للمملكة. ويتميز المفكر المغربي بغزارة إنتاجه وكثرة تآليفه، إذ تتنوع أعماله بين الفكر السياسي، والرواية، والتاريخ. ومن أبرز مؤلفاته كتاب "رواء مكة" الذي يصفه بأنه سيرة ذاتية أقرب للرواية، يتناول فيها تجربته الروحية في مكة. وللكاتب عدة مؤلفات أخرى في السياسة، كالـ"الحديث والشجن" فقد عرض أوريد من خلاله تحليلات حول الوضع العربي والإسلامي، و"الإسلام السياسي في الميزان" الذي يناقش الحركات الإسلامية. كما كتب روايات مثل "ربيع قرطبة" عن تاريخ الأندلس و"سيرة حمار"، فضلا عن تناوله قضايا حضارية من خلال "أفول الغرب" و"عذاب في عالم بلا معالم". وأهم ما يميز الكاتب المغربي حسن أوريد هو أسلوبه العميق في التحليل، إذ يتناول قضايا الهوية، والتاريخ، والسياسة، والثقافة في سياقي العالم العربي والإسلامي. وفي حواره مع الجزيرة نت ، سلّط المفكر المغربي حسن أوريد الضوء على التحديات الراهنة التي تواجه العالم العربي في سياق قضية النهضة والتقدم، والشعبوية، والتحولات السياسية. وقد تناول بالحوار كتابه الأخير "إغراء الشعبوية في العالم العربي"، محاولا تحليل العوامل التاريخية والثقافية والسياسية والاقتصادية التي أسهمت في هذا الواقع. كما يناقش أوريد أيضا أسئلة حول فشل محاولات الدمقرطة في الدول العربية، والبحث في الأسباب الجوهرية التي حالت دون نجاح هذه التجارب. وإلى الحوار: في الحقيقة، كما تفضلت، يتمحور الكتاب حول هذا السؤال، تماما كما سبق أن طرحه شكيب أرسلان حين تساءل: " لماذا تأخر المسلمون ؟" فقد كان حديثه منصبا على المسلمين بالأساس، لكنني قمت بتحوير السؤال إلى: "لماذا تقدم غير العرب وتأخر العرب؟" مشيرا بذلك إلى أن التأخر لم يكن مقتصرا على المسلمين فقط، بل شمل العالم العربي والإسلامي عموما. بعض الأطراف التي اشتركت تاريخيا وحضاريا تمكنت من شق طريقها، وهذا هو السؤال الذي حاولت إثارته في كتاب "إغراء الشعبوية في العالم العربي"، الذي جاء متمما لكتابي السابق عن الشعبوية، إذ كانت هذه الظاهرة مثيرة للاهتمام، وكان يعتقد أنها تشكل خطرا مهيمنا. والسؤال الذي طرحته هو: هل سيكون العالم العربي بمنأى عن موجة من الشعبوية؟ وما أشكال هذه الشعبوية؟ من هنا انطلق الكتاب، الذي عنونته "إغراء الشعبوية في العالم العربي"، مع عنوان فرعي هو "الاستعباد الطوعي الجديد". قد يكون هذا الكتاب، في بعض جوانبه، متجاوزا للراهن، إذ كتبته قبل أحداث طوفان الأقصى، وهو ما أدى إلى تغيرات على المستويين السياسي والثقافي، لكن مع ذلك، تظل هناك عناصر موضوعية قائمة. بطبيعة الحال، نحن لا نكتفي بطرح إجابات، بل نطرح أسئلة أيضا، لأن العالم العربي لم تعد لديه اليوم سردية أو فكرة جامعة تحفزه على النهوض. فالقومية العربية انتهت، وهناك أزمة في خطاب الإسلام السياسي، فهل ستكون الشعبوية هي البديل في غياب بدائل أخرى؟ والحقيقة أن الشعبوية، في بعض تجاربها على الأقل، ليست سوى متحور عن السلطوية. غالبا، عندما نتحدث عن الشعبوية في العالم العربي، نجد أنها سلطوية في جوهرها، ويمكن القول إنها، في نهاية المطاف، مجرد شكل جديد من السلطوية يعتمد على استدعاء الشعب أو الزعم بالاستناد إلى الشرعية الشعبية، لكنه يقود في النهاية إلى تكريس السلطوية. بطبيعة الحال، كانت النتيجة أن كل المحاولات والموجات الأولى للدمقرطة باءت بالفشل. الموجة الأولى، التي انطلقت بعد سقوط جدار برلين، لم تحقق نجاحا؛ إذ شهدت الجزائر واليمن والأردن، وإلى حد ما المغرب، حراكا ديمقراطيا، لكن هذه التجارب جميعها فشلت. ثم جاءت موجة ثانية إبان الربيع العربي، لكنها لم تكلل بالنجاح أيضا، وآخر تلك المحاولات كانت التجربة التونسية، التي نعرف جميعا مآلها. إذن، هذا يطرح سؤالا جوهريا: لماذا فشلت هذه التجارب؟ لا يمكن أن يكون الأمر مجرد صدفة. الاكتفاء بوصف الواقع لا يكفي، وإلا سأكون خارج دائرة اهتمامي كباحث في العلوم السياسية. من هنا، كان لا بد من تحليل الأسباب واستنباط العوامل التي أدت إلى فشل الانتقال الديمقراطي في العالم العربي. يبدو لي، أولا، أن هناك قضايا سياسية معطلة، مثل عدم اكتمال العقد الاجتماعي، وعدم اكتمال بنية الدولة ذاتها. وهذا ما أشار إليه تقرير إيكونوميست عام 2014، الذي استند إلى دراسة أعدها الباحث المصري سامر سليمان حول مصر، حيث أشار إلى أن هناك نظاما قويا، لكن الدولة نفسها هشة وضعيفة. ويمكن تعميم هذا الوصف على العالم العربي بشكل عام، حيث إن الدولة موجودة كأدوات وسلطات، لكنها نادرا ما تكون متكاملة كمؤسسات ذات فلسفة واضحة. اقتصاديا، لا يزال الاقتصاد العربي ريعيا، إذ يرتبط تلازم السلطوية بالفساد وتغول الأوليغارشية (حكم الأقلية). أما ثقافيا، فبالرغم من تفشي الأمية وضعف التعليم في العالم العربي، تظل الثقافة قائمة ومحافظة، لكنها لم تندمج بشكل فعّال مع التحولات الاقتصادية. هذه قضايا بنيوية تقع ضمن مسؤولية المثقفين والمفكرين. إلى جانب ذلك، هناك عوامل أخرى تحول دون بروز الشعب كفاعل في السياسة، مثل بنية الجيش والهيمنة العسكرية، التي لم تعد مجرد عنصر في المعادلة السياسية، بل أصبحت الفاعل المهيمن على جميع المجالات. درستُ في هذا الكتاب الوضع في مصر والجزائر، وتطرقت، إلى حد ما، إلى الحالة السورية وما يتصل بها من أبعاد طائفية، إضافة إلى حالات أخرى من التفكك. فالواقع أن العالم العربي انتقل من الطائفية المجتمعية إلى الطائفية المؤسسية. كانت الطائفية المؤسسية تتركز سابقا في لبنان، لكنها أصبحت واقعا في العراق بعد التغيرات التي طرأت هناك، لا سيما مع الدستور الذي تم تبنيه عام 2005. كل هذه العوامل عرقلت ظهور الشعب كقوة سياسية فاعلة ، وأدت إلى فشل محاولات التحول الديمقراطي. بطبيعة الحال، الديمقراطية لا تقتصر على الانتخابات فقط، بل تتطلب إصلاحات عميقة للمؤسسات السياسية. وعلى الرغم من التطورات التي حدثت بعد أحداث طوفان الأقصى وما رافقها من تحولات عالمية، يظل هذا الكتاب وثيقة مهمة لفترة زمنية معينة، حيث يناقش قضايا لا تزال ذات صلة بالواقع العربي الراهن. إعلان يطرح الكتاب، إلى جانب بعض مقالاتكم، فكرة نهاية السرديات الكبرى أو الجامعة، سواء كانت يسارية أو يمينية. فهل ظاهرة "أفول السرديات الجامعة" تقتصر على العالم العربي أم أنها تمتد لتشمل العالم بأسره؟ هذه الظاهرة ليست خاصة بالعالم العربي، بل هي ظاهرة كونية. حتى السردية التي بزغت لفترة، وهي الليبرالية، تعيش اليوم أزمة، إذ لا يوجد بديل واضح عنها، أو ربما تمثل أفقا غير متجاوز، إذا استخدمنا التعبير الذي استعمله سارتر بشأن الماركسية، أو ما طرحه فوكوياما. فالليبرالية تواجه أزمة حقيقية، سواء على المستوى الاقتصادي، حيث بدأت منذ أزمة 2008، أو على المستوى السياسي، إذ تعاني الديمقراطية من أزمة أخرى تعرف بـ"كساد الديمقراطية". كذلك، هناك فراغ سردي عالمي يؤثر على المشهد السياسي، إلى جانب ضعف ما يعرف بالوسائط التقليدية، فقد كانت السياسة في السابق شأنا تنظمه الأحزاب، والنقابات، والمجتمع المدني، لكن هذه الوسائط فقدت دورها وتأثيرها. هناك أيضا عنصر آخر يجب أخذه في الاعتبار، وهو الثورة الرقمية وتأثيرها على الحياة السياسية. وقد تناولت دراسات غربية هذا الموضوع، من بينها دراسة فرنسية-تونسية للباحثة أسما مهنا، التي بحثت بشكل دقيق تأثير الثورة الرقمية على الواقع السياسي. إذن، نحن نتحدث عن ظاهرة لا تقتصر على العالم العربي، بل هي جزء من التحولات التي يشهدها العالم ككل، وتؤثر عليه. ومع ذلك، هناك حاجة إلى دراسات متعمقة تركز على السياق العربي، لأنه يتميز بعوامل خاصة تجعل تأثير هذه التحولات مختلفا عن باقي أنحاء العالم. إعلان في نهاية المطاف، الطبيعة تأبى الفراغ، وغياب السرديات الكبرى يخلق طلبا عليها. لذلك، نشهد نوعا من الإرهاق الجماهيري، ولنكن صرحاء، لم تعد الديمقراطية اليوم مطلبا شعبيا رئيسيا، فالجماهير باتت تبحث عن الأمن والخبز، وهما القضيتان الأساسيتان اللتان تشغلهما. كما أشرت في الكتاب، نحن نعيش الآن في إطار عقد اجتماعي أقرب إلى المفهوم الهوبزي (نسبة إلى توماس هوبز، أحد فلاسفة العقد الاجتماعي)، حيث تلتفت الشعوب إلى من يضمن لها الأمن والاستقرار المعيشي، مما يجعل العقد الاجتماعي القائم يغلب فيه عنصر الأمن على غيره. بالتالي، لم تعد الديمقراطية، في السياق العربي، تمثل مطلبا جماهيريا حقيقيا. ومن المؤكد أن تراجع ما أسميته المجال الثالث قد أسهم في هذا الواقع. لا أريد الخوض في قضايا العالم العربي ككل أو الحديث عن دول لا أفقهها بدقة، لكن يمكنني التطرق إلى المغرب. في التسعينيات، شهدت البلاد فترة ذهبية لنشاط المجتمع المدني والأحزاب، حيث طرحت قضايا جوهرية تتعلق بالانتقال الديمقراطي، ووضع المرأة، والشأن الثقافي، وحقوق الإنسان. آنذاك، حمل المجتمع المدني هذه القضايا وطرحها بعمق. أما اليوم، فيمكنني القول، بلا مجازفة، إن مجال النقاش في المغرب قد تقلص، أو على الأقل لم يعد بنفس الحدة والعمق اللذين شهدناهما في السابق. فالعالم تغير، ولم تفرز بعد الأدوات القادرة على حمل المشعل. هذا التحول يعود إلى عدة عوامل، منها أفول السرديات الكبرى، وأزمة الهيئات الوسيطة، إضافة إلى تأثير الثورة الرقمية التي أعادت تشكيل الثقافة السياسية. هذه الظواهر جرت دراستها في الغرب بشكل مكثف، لكنها لم تحظ بنفس المستوى من البحث والتحليل في العالم العربي. إعلان طبعا، أحسنت بطرح السؤال حول هذه القضايا المصيرية، لأنها تتعلق بمصير المجتمع. فالأسرة ليست مجرد مسألة تقنية، ولا يمكن أن يناقش موضوع مدونة الأسرة بنفس الطريقة التي نناقش بها، على سبيل المثال، مدونة تجارية. نحن نتحدث عن قضايا ترتبط باستمرارية المجتمع وقيمه. ويبدو لي، دون الخوض في التفاصيل، أن المقاربات المتبعة قد غلب عليها الطابع التقني، في حين أن الأسرة، كما عبرت عنها في صورة مجازية، أشبه ببيت متكامل، لا يمكن تجزئته إلى غرف منفصلة، بل ينبغي النظر إليه كوحدة متماسكة. ومع ذلك، فإن النهج المتبع في النقاش قد ركز على جانب واحد، وانطلق في بعض الأحيان من سوء نية، بينما الأصل في بناء الأسرة هو حسن النية، حيث ينطلق الزوج والزوجة، الرجل والمرأة، في تأسيس عش مشترك بروح من التفاهم والتكامل. ويبدو أن من عملوا على مشروع الإصلاح انطلقوا من معالجة أوضاع قائمة تتسم بما أسميته بـ"الفوضى"، فبقوا في إطار إصلاح بعض الأعطاب، دون تقديم رؤية شاملة. لهذا السبب، قوبل المشروع بانتقادات واسعة من مختلف الفعاليات المجتمعية، إذ كان من المفترض أن يكون هناك حوار مسبق قبل طرح أي مسودة، لكن ما حدث هو العكس، حيث تم تقديم المسودة وكأن النقاش يأتي بعد التسليم. آمل أن تتم مراجعة هذه المسودة، لأنها كما ذكرت غلبت عليها نظرة تجزيئية للأسرة، حيث تم التعامل معها باعتبارها مجرد علاقة بين زوج وزوجة وأبناء، بدلا من النظر إليها بوصفها كيانا مترابطا. هذا النهج عكس رؤية قاصرة، بل ربما متوجسة، تجاه الأسرة، وهو ما انعكس في مضمون المسودة المطروحة للنقاش. ما نواجهه هنا يعكس مشكلة أوسع، مشابهة لما نراه في مجال التعليم. فنحن اليوم عالقون في دوامة إصلاح الإصلاح دون تحقيق تقدم حقيقي. وأعتقد أن هناك أزمة في فضاءات النقاش. ففي الماضي، كانت الأحزاب السياسية، والمؤسسات المنتخبة كالبرلمان، والصحافة المكتوبة، تشكل ساحات للنقاش الجاد. أما اليوم، فقد تراجعت هذه الفضاءات، وحلت الثورة الرقمية محلها، لكنها لم تصبح فضاء للنقاش الهادئ، بل فضاء للصخب. ومع ذلك، يبقى من الضروري أن تخصص المجتمعات فضاءات للنقاش الهادئ والعميق، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لاستشراف المستقبل وبناء رؤى إصلاحية مستدامة. وفقا لما اقتبسته من الراحل سامر سليمان "نظام ضعيف ودولة قوية"، وفي سياق سؤال الاستقلال: هل ترى أن الوضعية الحالية في العالم العربي هي نتاج لغياب الاستقلال؟ أرى ذلك كما قلت في كتابي وفي مناسبات عدة، في "عالم بلا معالم" و"إغراء الشعبوية في العالم العربي"، أن العالم العربي يشكو من لعنة عدم الاستقلالية. بتعبير علمي، "التيرونلومي"، وهو يعني "اتيرو" الذي يشير إلى الآخر، و"نوموس" الذي يصوغ القاعدة. ولا بد لكي تكون فاعلا ومؤثرا أن تكون صاحب استقلالية، أي أن تكون "الأوتونوموس"، صاحب الرأي. وأسباب عدم الاستقلالية عديدة، وهي تؤثر سلبا على العالم العربي. وتحليل "سامر سليمان" لا يزال يحتفظ براهنيته، ليس فقط فيما يخص طبيعة الأنظمة، ولكن أيضا تواري بعض الفاعلين السياسيين مثل النقابات، فقد تراجعت أدوارها في البرلمانات لصالح الأوليغارشيات. أظن أن دور النقابات في جميع الحالات لم يكن سلبيا، لأنه كان ينبع من هاجس العدالة الاجتماعية، بينما الأوليغارشيات شيء آخر. ليس فقط نقابات الاتحادات العملية والاتحادات الطلابية التي أسهمت في المجال العام، بل كل هؤلاء الفاعلين قد تواروا. لاحظنا اهتمامكم بالفكر أكثر من الأدب حاليا، فهل تراجع قلمكم الأدبي لصالح الفكر؟ "رواء مكة" هي ربما سيرة ذاتية في قلب رواية، إذا كان ينبغي أن نستخدم هذا التعبير. هي مهمة لأنها شهادة ميلاد شخص جديد، صفحة جديدة من حياته. ولذلك، فإن هذا الاحتفاء والاهتمام ربما يكون مشابها لما يتم في العقيقة أو حفلة ميلاد. لكنني عادة ما أكتب كتابا فكريا يعقبه كتاب أدبي، فكتبت بعض الأعمال، منها رواية "الموتشو"، والموتشو هو الفتى، وقد دارت حول قضايا مرتبطة بتلك الفترة مثل العلاقة مع إسرائيل، ويهود المغاربة، وقد قرئت مجتزأة لدى بعض الأطراف. كلمة "الموتشو" هي كلمة إسبانية في الأساس، تستخدم في المغرب وفي الجزائر بمعان مختلفة في بعض مناطق المغرب من الشمال، بينما لا نستخدمها في الجنوب. الموتشو هو الفتى، وقد تستخدم أيضا في تعبيرات أخرى كناية عن شخص، كان صحفيا من رعيل الربيع العربي. إعلان وأخيرا، كتبت رواية "الباشادور"، وهي سيرة تقليدية لشخص من بنية السلطة المغربية في القرن الثامن عشر، وهو "أبو القاسم الزياني". كان شاهدا على العصر، كما تقولون أنتم، لأنه عاش حرب القرم في الأستانة (إسطنبول). وكذلك كان شاهدا على بداية الحركة الوهابية في الحجاز، وعاش في مصر قبيل حملة نابليون، وتحدث عن الجبرتي، وعرف مؤرخ حملة نابليون، وكان مؤرخا وأديبا، وكان كذلك سفيرا ووزيرا، فقد زاوج بين القلم والسيف، وفضل القلم في نهاية المطاف. وعاش في الجزائر قبل إنزال الفرنسيين، وعاش التجارب التي عرفتها تلك المنطقة. وهو شخصية فريدة، وقد ضممتها في رواية سميتها بما كان يلقب به السفير "الباشادور"، أي "أمباسادور" باللغات الأوروبية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store