
"فخّ الهويّات".. حسن أوريد يحذّر من تحول الهويات لسلاح إقصاء مجتمعي
صدر حديثًا كتاب "فخّ الهويّات" للكاتب والمفكر المغربي حسن أوريد، الذي يُسلّط الضوء فيه على المخاطر الكامنة خلف تصاعد خطاب الهوية، عندما يتحوّل من دعوة للاعتراف إلى وسيلة لإقصاء الآخر، ثم استعدائه وشيطنته، مما يؤدي إلى ردود فعل مضادة وهويات متقابلة، قد تنتهي بما يصفه الكاتب بـ"أنكر الداء": انفراط العقد الاجتماعي.
في 200 صفحة، يتناول الدكتور أوريد هذه الإشكالية المعقدة التي باتت تفرض نفسها في العالم العربي والغربي على حد سواء. يرى أن خطاب الهوية، الذي ظهر بقوة بعد تراجع السردية الشيوعية، حلّ محل مفاهيم الطبقة، وأخذت الثقافة مكان الاقتصاد، ليولد بذلك "طلب هويّاتي" يعبّر عن رغبة دفينة في الاعتراف. لكن هذا الطلب سرعان ما انحرف عن مساره، فتحوّل إلى عامل تهديد مباشر لأسس التعايش، ولتماسك الدولة والمجتمع.
يؤكد أوريد أن الحل يكمن في تحديد الإطار السليم الذي يمكن للهويات أن تنشط فيه، دون أن تمسّ بالعيش المشترك. ويشدّد على أن المواطنة هي الحصن والملاذ، وأن "على القانون الأسمى أن يكون حضن المواطنة وحصنها"، باعتبارها الرابط الجامع الوحيد في المجتمعات الحديثة.
الكتاب يتوغّل في أسئلة مركزية تلامس الواقع اليومي والراهن السياسي: كيف نوفّق بين مطلب الهوية ومتطلبات المواطنة؟ كيف أن نزاوج بين الخصوصية والعالمية؟ وهل يمكن تحقيق عدالة رمزية لا تزدري أي مكون اجتماعي؟ ويتناول أوريد احتدام خطابات الهوية في الغرب، خاصة في علاقات التوتر بين "الأصليين" والمهاجرين، وخصوصًا المسلمين منهم، حيث تغدو قضايا الهوية مظهرًا مرئيًا لأزمات أعمق وأكثر تعقيدًا.
فخّ الهويّات هو محاولة فكرية لفهم خطاب الهوية، في مشروعيته وانحرافاته، في العالم العربي والغربي على حد سواء. ويتناول قضايا ذات بعد كوني مثل الإسلاموفوبيا، وعودة النزعات العرقية، والمجتمعات الأرخبيليّة، وفكرة "الاستبدال الكبير"، بالإضافة إلى خطاب ما بعد الاستعمار، والعدو الحميم، وكبش الفداء الضروريّ.
وللحديث عن الكتاب الغني بأسئلته وهواجسه الإنسانية في زمن تتنازع فيه الهويات وتتشظى المجتمعات، تحدثنا مع المؤلف وكان هذا الحوار القصير:
كيف يمكن لمفهوم المواطنة أن يشكل إطارا فعالا لتحقيق العيش المشترك في ظل تنوع الهويات؟
الإشكال لا يكمن في الهوية بحد ذاتها، بل في الكيفية التي نتعامل بها معها، إذ يفترض أن تكون الهوية استجابة لمطلب الاعتراف، سواء لجماعة أو فئة أو أقلية، على أن تقوم في الوقت نفسه على احترام الكرامة الإنسانية.
غير أن المشكلة تظهر عندما تتحول الهوية إلى أداة لاستعداء الآخر، فتهدد بذلك أسس العيش المشترك. ومن هنا، لا يكفي البحث عن التوفيق بين الهوية والعيش المشترك، بل يجب تجاوز هذا الإشكال نحو تصور أوسع.
فالعيش المشترك، في غياب إطار ناظم، يظل مجرد أمان أو مشاهدات سطحية لا تفضي إلى حلول.
والإطار القادر فعلا على احتضان الهوية وتحقيق العيش المشترك هو مفهوم المواطنة، إذ يشكل أساسا عمليا لترسيخ القبول بالآخر وتنظيم التنوع ضمن عقد جامع، بينما التوقف عند مجرد شعار "العيش المشترك" دون آليات واضحة لا يفضي إلى نتائج ملموسة.
لا يمكن إنكار أن الهويات أصبحت واقعا لا يمكن القفز عليه. ومع ذلك، يجب أن نعترف، انطلاقا من تجارب متعددة ومآلاتها سواء في الغرب أو خارجه، أن خطابات الهوية قد بلغت مرحلة المأزق.
فإذا تأملنا، على سبيل المثال، تجربة التنوع الثقافي التي كانت كندا من أوائل من تبناها، ولاحقا أصبحت نموذجا يحتذى به في بعض الدول الغربية، سنلاحظ أن هذا التنوع، رغم محاولات التلطيف بما يعرف هناك بـ"الالتآم المعقول" أو بالأدق "التكيف المعقول"، أدى في المحصلة إلى نوع من الطائفية والانغلاق.
الشيء نفسه نلاحظه في الغرب بشكل أوسع، حيث آل مشروع التنوع الثقافي إلى الانكفاء داخل الهويات والانغلاق عليها بدل الانفتاح والتفاعل. ونجد مثالا آخر في الولايات المتحدة، فيما يعرف بـ"التوليفة الهوياتية"، والتي برزت بداية في سياق نضالات الحركات السوداء، كأداة لتجاوز إشكالات القوانين التي لم تكن كافية لتغيير واقع التمييز.
لكن هذه التوليفة، رغم نواياها، أفضت إلى ردود فعل مضادة، وأسهمت في تشظي الهوية الجماعية، بل وأحيانا في إعادة إنتاج التهميش داخل فئات المحرومين أنفسهم.
وبالتالي، يمكن القول إنه سواء في الغرب أو خارجه، فإن الأدوات التي طرحت سابقا لإدارة التنوع وضبط الهويات قد وصلت إلى طريق مسدود، وأسهمت -عن قصد أو غير قصد- في تكريس الوضع القائم بدل تغييره.
لماذا تُعد تداعيات الحركات الهوياتية في العالم العربي أكثر خطورة مقارنة بنظيراتها في الغرب؟
فإن قضايا الهوية قد طرحت وما زالت تطرح، لكن طبيعتها تختلف بشكل واضح عن نظيرتها في الغرب. ففي حين أن خطابات الهوية في السياق الغربي قد تؤدي، في أقصى حالاتها، إلى توترات أو نزعات انفصالية -كما يطلق عليها في فرنسا مثلا مصطلح "الانفصالية"- فإن الأمر في العالم العربي يحمل طابعا أكثر تعقيدا وخطورة.
فهنا، انقسام الهويات لا يقتصر على التوتر السياسي أو الثقافي، بل قد يهدد مباشرة العقد الاجتماعي الذي تقوم عليه الدولة والمجتمع.
وقد شهدنا في حالات متعددة أن جماعات تستند إلى هوية خاصة -سواء كانت عقائدية أو لغوية- لجأت إلى التسلح، وتحولت إلى مليشيات وقوى مسلحة باتت تهدد كيان الدولة ذاته، وتمس بشكل مباشر تماسك المجتمعات.
ومن هنا، فإن الحركات الهوياتية في العالم العربي، حينما تنفلت من الضوابط وتتخذ منحى انفصاليا أو صداميا، تكتسب طابعا أكثر خطورة من نظيراتها في الغرب، إذ يمكن أن تنزلق بالأوضاع إلى احتراب أهلي ومواجهات تهدد الاستقرار والوجود الوطني برمته.
كيف يسهم هذا الكتاب في فتح حوار مشترك حول قضايا الهوية بين المجتمعات الغربية والعربية، وما الذي يميزه عن غيره من الكتب في هذا السياق؟
يمكن القول إنني، في مجمل ما أكتبه، أنطلق من فكرة أساسية مفادها أن القضايا المطروحة في الغرب تتقاطع وتتداخل بدرجات مختلفة مع تلك التي تطرح في مجتمعاتنا.
ولذا، فإن فهمنا العميق لقضايانا يتطلب النظر إلى الغرب وتحليل ما يدور فيه، كما يمكن للغرب، في المقابل، أن يدرك أبعادا من إشكالاته الخاصة من خلال دراسة مجتمعاتنا.
فقضايا مثل الهوية، على الرغم من اعتبارها أحيانا قضايا عرضية أو "عابرة"، هي في الواقع ذات طبيعة متشابكة ومعقدة، ومن بين هذه القضايا نذكر الإسلاموفوبيا والهجرة، اللتين تنظر إليهما من زوايا مختلفة، لكنهما تؤثران بعمق في مجتمعاتنا كما تؤثران في المجتمعات الغربية.
وقد شكل هذا الكتاب فرصة مناسبة للتوقف عند واقع الأقليات المسلمة في الغرب، حيث تطرح قضية الهوية هناك بشكل حاد ومختلف، وغالبا ما ينظر إليها كسبب في الإشكالات، في حين أنها في الواقع نتيجة لسياقات سياسية وثقافية معقدة.
وعلى كل حال، آمل أن يشكل هذا الكتاب فرصة حقيقية لفتح باب الحوار، فهو لا يمثل نهاية أو خلاصة نهائية، بل هو مجرد بداية لنقاش عميق ومستفيض. الغاية منه ليست فرض أجوبة، بل تحفيز التفكير الجماعي بما يمكن أن يشكل قواسم مشتركة تجمعنا، بدل الاستغراق في ما يفرقنا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


هلا اخبار
منذ 3 دقائق
- هلا اخبار
المنطقة العسكرية الشرقية تحبط محاولة تهريب مواد مخدرة باستخدام بالونات
هلا أخبار – صرح مصدر عسكري مسؤول في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية ــ الجيش العربي، أن المنطقة العسكرية الشرقية أحبطت فجر اليوم السبت، على واجهتها وضمن منطقة مسؤوليتها، محاولة تهريب مواد مخدرة محملة بوساطة بالونات موجهة عن بعد. وأضاف المصدر 'ان قوات حرس الحدود في المنطقة العسكرية الشرقية، وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية العسكرية وإدارة مكافحة المخدرات، رصدت مجموعة بالونات ضمن منطقة المسؤولية، حيث تم اعتراضها وإسقاط حمولتها داخل الأراضي الأردنية'، وبعد تفتيش المنطقة تبين أن البالونات مزودة بأجهزة توجيه عن بعد ومحملة بمواد مخدرة وجرى تحويل المضبوطات إلى الجهات المختصة. وأكد المصدر أن القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي تعمل باستمرار على تطوير منظومتها الأمنية على الواجهات الحدودية للتعامل مع كافة أشكال وأساليب التسلل والتهريب، مؤكداً وقوف مرتبات حرس الحدود بالمرصاد لكل من تسول له نفسه المساس بأمن الوطن والمواطن.


سائح
منذ 3 دقائق
- سائح
مدينة إفران: سويسرا المغرب الساحرة
تقع مدينة إفران في قلب جبال الأطلس المتوسط بالمغرب، وتُعرف بجمالها الطبيعي الفريد وهوائها النقي ومناظرها الخلابة. تلقب بـ"سويسرا المغرب" نظرًا لتصميمها العمراني الأوروبي ومناخها البارد الذي يختلف عن أغلب مدن المغرب. تأسست إفران في عشرينيات القرن العشرين خلال فترة الحماية الفرنسية، وقد بُنيت لتكون منتجعًا جبليًا للنخبة الفرنسية، ولا تزال حتى اليوم وجهة محبوبة للزوار الباحثين عن الهدوء والطبيعة. في هذا المقال سنستعرض الجوانب المختلفة التي تميز هذه المدينة الرائعة من حيث الطبيعة، الثقافة، والبنية التحتية. جمال الطبيعة والمناخ الفريد تعتبر الطبيعة في إفران من أبرز عوامل الجذب السياحي، حيث تغطي الغابات الكثيفة من أشجار الأرز والصنوبر جزءًا كبيرًا من محيط المدينة. كما تنتشر البحيرات والوديان الصغيرة التي تمنح المنطقة سحرًا خاصًا طوال فصول السنة. في فصل الشتاء، تتحول المدينة إلى لوحة بيضاء مبهرة، حيث تغطي الثلوج الأسطح والطرقات، ما يجعلها وجهة مفضلة لممارسة الرياضات الشتوية مثل التزلج على الجليد. أما في الصيف، فتنعم المدينة بمناخ معتدل ومنعش، يجعلها ملاذًا للهاربين من حرارة المدن الكبرى. وتُعد حديقة "الأسد" (Parc du Lion) من أشهر الأماكن السياحية في المدينة، وهي تضم تمثالًا شهيرًا لأسد منحوت من الحجر، أصبح رمزًا لإفران ومكانًا لالتقاط الصور للزوار. كما أن قرب المدينة من شلالات "عين فيتال" يزيد من تنوع المشهد الطبيعي ويجعل تجربة الزيارة أكثر ثراءً. العمارة والخدمات في مستوى عالمي تتميز إفران بعمرانها المختلف عن الطابع المغربي التقليدي، حيث تغلب الطرازات الأوروبية على المباني، من حيث أسقف القرميد الأحمر، والشوارع النظيفة المنظمة، والحدائق العامة التي تذكر الزائر بالمدن السويسرية. هذا التخطيط العمراني ساهم في خلق بيئة متكاملة ومريحة للسكان والزوار على حد سواء. ومن الناحية الخدمية، فإن المدينة مجهزة جيدًا بالبنية التحتية، حيث تنتشر فيها الفنادق الراقية، والمقاهي، والمطاعم التي تقدم المأكولات المحلية والعالمية. كما تضم المدينة جامعة "الأخوين" التي تُعد من أفضل الجامعات في إفريقيا، ما يمنح إفران بُعدًا ثقافيًا وتعليميًا مهمًا. الحياة الثقافية والمهرجانات رغم صغر حجمها، إلا أن إفران تتمتع بحياة ثقافية نشطة، خاصة خلال فصل الصيف. تُقام فيها مهرجانات فنية وموسيقية تستقطب فنانين من داخل المغرب وخارجه، وتُعد فرصة للاحتفال بالتنوع الثقافي والفني. كما تشتهر المدينة بالمنتجات الحرفية التي يعرضها سكان المناطق المجاورة، من زربية الأطلس، والأخشاب المنحوتة، إلى المنتجات الطبيعية مثل العسل وزيت الأركان. بالإضافة إلى ذلك، تمثل المدينة نموذجًا للتعايش السلمي بين مختلف الثقافات، حيث تجد فيها سكانًا من خلفيات متعددة، يعيشون في انسجام وسط بيئة هادئة ونظيفة. هذا الجو العام يجعل من إفران مدينة مثالية لمن يسعى إلى الاستجمام أو حتى للاستقرار الدائم. إفران ليست مجرد مدينة مغربية عادية، بل هي جوهرة نادرة تجمع بين الطبيعة الخلابة، والرقي المعماري، والثقافة النابضة بالحياة. سواء كنت من عشاق الجبال أو من هواة الفن والثقافة، فإن إفران تقدم لك تجربة لا تُنسى بكل المقاييس، وتؤكد بحق أنها "سويسرا المغرب".

24 القاهرة
منذ 3 دقائق
- 24 القاهرة
بعد تريند رجب الجريتلي.. ماجد المصري رفقة هيفاء وهبي في حفلها بدبي والفنانة تُغني رجب
شهد حفل الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي في دبي حضورًا لافتًا للفنان ماجد المصري، الذي رافقها خلال الفعالية وسط أجواء من التفاعل الجماهيري الكبير. حفل هيفاء وهبي في دبي وحرصت هيفاء وهبي على توجيه التحية لـ ماجد المصري، في الحفل، قائلة: تحية كتير كبيرة لأستاذ ماجد المصري، وقدمت أغنية رجب التي تفاعل معاها الحضور. ماجد المصري وهيفاء وهبي ماجد المصري وهيفاء وهبي وجاءت هذه الإطلالة بعد تصدّر شخصية رجب الجريتلي، التي جسدها المصري في مسلسل إش إش، قائمة التريند على مواقع التواصل الاجتماعي. مسلسل إش إش يشار إلى أن الفنان ماجد المصري حقق نجاحًا كبيرًا، بعد مشاركته في مسلسل إش إش بطولة الفنانة مي عمر، الذي غُرض في السباق الرمضاني الماضي 2025، حيث جسد شخصية رجب الجريتلي، وتناول العمل قصة، إش إش التي ترث جمال والدتها وفقرها، وتجد نفسها تعمل راقصة رغمًا عنها، ثم تدخل بالصدفة إلى عالم عائلة آل الجريتلي، لتكتشف أن حاضرها المأساوي ليس إلا امتدادًا لأسرار عائلية مدفونة لدى هذه العائلة. أبطال مسلسل إش إش شارك في بطولة مسلسل إش إش نخبة من أبرز الفنانين، منهم: مي عمر، ماجد المصري، هالة صدقي، إدوارد، انتصار، دينا، والعمل من تأليف وإخراج محمد سامي. أعمال ماجد المصري يذكر أن ماجد المصري تعاقد على بطولة فيلم الست لما، مع يسرا، ويضم العمل كل من عمرو عبد الجليل، وحمدي هيكل وغيرهم، والعمل من تأليف كيرو أيمن ومحمد بدوي وتدور الأحداث في إطار اجتماعي. 25 مايو.. النظر في تظلم هيفاء وهبي على قرار نقابة الموسيقيين بمنعها من الغناء في مصر بسبب فيديو مزور.. التفاصيل الكاملة لأزمة هيفاء وهبي مع نقابة المهن الموسيقية| خاص