#أحدث الأخبار مع #أيوبالمنسىبوابة الأهرام٢٦-٠٤-٢٠٢٥ترفيهبوابة الأهرامالفائز بـ «بوكـر» العربية : «صلاة القلق».. خرائط الخوف لزمن الأوهاميمثل فوز رواية «صلاة القلق» للكاتب محمد سمير ندا بجائزة البوكر العربية 2025 بعد مرور 15 عاما على فوز رواية مصرية بها لتكون الثالثة بعد «واحة الغروب» و«عزازيل»، لحظة فارقة للرواية المصرية، هذا التتويج لم يأت من فراغ، بل لأن الرواية نفسها تقدم تجربة فريدة تمزج بين الفانتازيا والواقع والتناول النقدى للتاريخ، متغلغلة فى أعماق الوعى الجمعى ومفككة آليات تشكل الوهم، مقدمة قراءة جريئة وكاشفة لوعى عربى مكلوم. تقع أحداث الرواية فى «نجع المناسي»، قرية صعيدية منعزلة، ومحاطة بأسطورة «حقل الألغام»، مما يجعل المكان استعارة للعزلة النفسية والفكرية، ولمجتمع يعيش فى قبضة الوهم والخوف عبر خليل الخوجة، التاجر السلطوي، الذى يحتكر المعرفة والسلعة، ويصيغ للقرية روايتها الرسمية، حيث الحرب مستمرة، والمحيط ملغم، والنجاة مستحيلة. تبدأ الرواية بسقوط جسم غامض وظهور وباء يشوه رءوس القرويين، محولا إياها إلى رءوس سلاحف. تتحول القرية، المحاصرة بالخوف والأساطير، إلى نموذج مصغر لوطن يعيش على هامش الزمن والذاكرة، بينما يتآكل وعيه الجمعى بهدوء. المرض هنا استعاري، والجذام يرمز إلى التشوهات التى تصيب الوعى والهوية تحت وطأة القمع وتزييف الحقيقة، فالوباء لا ينفصل عن فشل المشروع القومى وانتكاسات الحلم المتوالية، والقبح الذى يصيب الأجساد ليس إلا تجسيدا لمآلات البنية الأخلاقية والسياسية التى تعيشها «نجع المناسي». اختيار اسم «نجع المناسي» وامتداد زمن الأحداث من هزيمة 1967 إلى الانفجار الغامض عام 1977 يعكس نسقا سرديا واعيا بحركة التاريخ كإعادة إنتاج للنكبة والنكسة. القرية، فى رمزيتها، ليست مجرد مكان، بل فضاء رمزى لوطن غارق فى النسيان والشك، محاط دائما بخطر خارجى يُستخدم لتبرير قمع داخلى مستمر، فالقرية، المطوقة بحقول ألغام حقيقية أو متخيلة، ليست مجرد مكان، بل استعارة لوطن يعيش قلقا وجوديا مزمنا، حيث يتداخل الوهم بالحقيقة، ويصبح الخوف قاسما مشتركا. تُبنى الرواية على تعدد الأصوات، هذا التعدد الصوتى لا يثرى السرد فحسب، بل يعكس نسبية الحقيقة وكيفية تشكل الوهم الجماعى عبر تلاعب السلطة بالروايات. إذ تُروى الأحداث من خلال ثمانى شخصيات، كل منها يمثل نمطا فكريا واجتماعيا مختلفا: من الشيخ أيوب المنسى الذى يستيقظ فاقدا رأسه فى استعارة كافكاوية، مرورا بخليل الخوجة ،مهندس الخوف الجمعى الذى يجسد بنية سلطوية معقدة تُعيد إنتاج الخوف كوسيلة للبقاء. فى المقابل، يحاول نوح النحال كشف زيف الوهم لكنه يُهزم، بينما يمثل حكيم، ابن الخوجة، ضحية جيل مشوه يدفع ثمنا لماضٍ لم يختره. ويبتدع إمام المسجد «صلاة القلق» كطقس دينى جديد يعد بالخلاص، لكنها فى الحقيقة رمز لاستغلال الدين فى ترويض الجماهير وتبرير الأوهام. الصلاة هنا لا تمنح الطمأنينة، بل تعيد إنتاج القلق، وتعمق الحيرة، وهى فى ذلك تعكس حالة المواطن العربى الذى صار القلق صلاته اليومية منذ 1948. «صلاة القلق» ليست رواية سهلة؛ إنها اختبار للوعي، ومرآة لزمن خُذل فيه الإنسان من أوطانه وأحلامه. عبر سرد تعددى مشحون بالرمز والمجاز، يكتب محمد سمير ندا رواية ضد النسيان، تمنح القارئ قلقا مستحقا، ووعيا لا يمكن التراجع عنه يدفعه لإعادة النظر فى كل ما اعتاد أن يعتبره بديهيا. هى رواية ترفض تقديم إجابات جاهزة، وتصر على أن الكتابة نفسها فعل مقاومة، كما فعل «حكيم» الذى كتب رغم بتر لسانه. وربما، فى النهاية، لم تكن الرواية عن «النجع» ولا عن «الخوجة»، بل عن كل من يقرأها وهو يبحث عن مخرج من نفق التاريخ المعتم.
بوابة الأهرام٢٦-٠٤-٢٠٢٥ترفيهبوابة الأهرامالفائز بـ «بوكـر» العربية : «صلاة القلق».. خرائط الخوف لزمن الأوهاميمثل فوز رواية «صلاة القلق» للكاتب محمد سمير ندا بجائزة البوكر العربية 2025 بعد مرور 15 عاما على فوز رواية مصرية بها لتكون الثالثة بعد «واحة الغروب» و«عزازيل»، لحظة فارقة للرواية المصرية، هذا التتويج لم يأت من فراغ، بل لأن الرواية نفسها تقدم تجربة فريدة تمزج بين الفانتازيا والواقع والتناول النقدى للتاريخ، متغلغلة فى أعماق الوعى الجمعى ومفككة آليات تشكل الوهم، مقدمة قراءة جريئة وكاشفة لوعى عربى مكلوم. تقع أحداث الرواية فى «نجع المناسي»، قرية صعيدية منعزلة، ومحاطة بأسطورة «حقل الألغام»، مما يجعل المكان استعارة للعزلة النفسية والفكرية، ولمجتمع يعيش فى قبضة الوهم والخوف عبر خليل الخوجة، التاجر السلطوي، الذى يحتكر المعرفة والسلعة، ويصيغ للقرية روايتها الرسمية، حيث الحرب مستمرة، والمحيط ملغم، والنجاة مستحيلة. تبدأ الرواية بسقوط جسم غامض وظهور وباء يشوه رءوس القرويين، محولا إياها إلى رءوس سلاحف. تتحول القرية، المحاصرة بالخوف والأساطير، إلى نموذج مصغر لوطن يعيش على هامش الزمن والذاكرة، بينما يتآكل وعيه الجمعى بهدوء. المرض هنا استعاري، والجذام يرمز إلى التشوهات التى تصيب الوعى والهوية تحت وطأة القمع وتزييف الحقيقة، فالوباء لا ينفصل عن فشل المشروع القومى وانتكاسات الحلم المتوالية، والقبح الذى يصيب الأجساد ليس إلا تجسيدا لمآلات البنية الأخلاقية والسياسية التى تعيشها «نجع المناسي». اختيار اسم «نجع المناسي» وامتداد زمن الأحداث من هزيمة 1967 إلى الانفجار الغامض عام 1977 يعكس نسقا سرديا واعيا بحركة التاريخ كإعادة إنتاج للنكبة والنكسة. القرية، فى رمزيتها، ليست مجرد مكان، بل فضاء رمزى لوطن غارق فى النسيان والشك، محاط دائما بخطر خارجى يُستخدم لتبرير قمع داخلى مستمر، فالقرية، المطوقة بحقول ألغام حقيقية أو متخيلة، ليست مجرد مكان، بل استعارة لوطن يعيش قلقا وجوديا مزمنا، حيث يتداخل الوهم بالحقيقة، ويصبح الخوف قاسما مشتركا. تُبنى الرواية على تعدد الأصوات، هذا التعدد الصوتى لا يثرى السرد فحسب، بل يعكس نسبية الحقيقة وكيفية تشكل الوهم الجماعى عبر تلاعب السلطة بالروايات. إذ تُروى الأحداث من خلال ثمانى شخصيات، كل منها يمثل نمطا فكريا واجتماعيا مختلفا: من الشيخ أيوب المنسى الذى يستيقظ فاقدا رأسه فى استعارة كافكاوية، مرورا بخليل الخوجة ،مهندس الخوف الجمعى الذى يجسد بنية سلطوية معقدة تُعيد إنتاج الخوف كوسيلة للبقاء. فى المقابل، يحاول نوح النحال كشف زيف الوهم لكنه يُهزم، بينما يمثل حكيم، ابن الخوجة، ضحية جيل مشوه يدفع ثمنا لماضٍ لم يختره. ويبتدع إمام المسجد «صلاة القلق» كطقس دينى جديد يعد بالخلاص، لكنها فى الحقيقة رمز لاستغلال الدين فى ترويض الجماهير وتبرير الأوهام. الصلاة هنا لا تمنح الطمأنينة، بل تعيد إنتاج القلق، وتعمق الحيرة، وهى فى ذلك تعكس حالة المواطن العربى الذى صار القلق صلاته اليومية منذ 1948. «صلاة القلق» ليست رواية سهلة؛ إنها اختبار للوعي، ومرآة لزمن خُذل فيه الإنسان من أوطانه وأحلامه. عبر سرد تعددى مشحون بالرمز والمجاز، يكتب محمد سمير ندا رواية ضد النسيان، تمنح القارئ قلقا مستحقا، ووعيا لا يمكن التراجع عنه يدفعه لإعادة النظر فى كل ما اعتاد أن يعتبره بديهيا. هى رواية ترفض تقديم إجابات جاهزة، وتصر على أن الكتابة نفسها فعل مقاومة، كما فعل «حكيم» الذى كتب رغم بتر لسانه. وربما، فى النهاية، لم تكن الرواية عن «النجع» ولا عن «الخوجة»، بل عن كل من يقرأها وهو يبحث عن مخرج من نفق التاريخ المعتم.