
الفائز بـ «بوكـر» العربية : «صلاة القلق».. خرائط الخوف لزمن الأوهام
يمثل فوز رواية «صلاة القلق» للكاتب محمد سمير ندا بجائزة البوكر العربية 2025 بعد مرور 15 عاما على فوز رواية مصرية بها لتكون الثالثة بعد «واحة الغروب» و«عزازيل»، لحظة فارقة للرواية المصرية، هذا التتويج لم يأت من فراغ، بل لأن الرواية نفسها تقدم تجربة فريدة تمزج بين الفانتازيا والواقع والتناول النقدى للتاريخ، متغلغلة فى أعماق الوعى الجمعى ومفككة آليات تشكل الوهم، مقدمة قراءة جريئة وكاشفة لوعى عربى مكلوم.
تقع أحداث الرواية فى «نجع المناسي»، قرية صعيدية منعزلة، ومحاطة بأسطورة «حقل الألغام»، مما يجعل المكان استعارة للعزلة النفسية والفكرية، ولمجتمع يعيش فى قبضة الوهم والخوف عبر خليل الخوجة، التاجر السلطوي، الذى يحتكر المعرفة والسلعة، ويصيغ للقرية روايتها الرسمية، حيث الحرب مستمرة، والمحيط ملغم، والنجاة مستحيلة.
تبدأ الرواية بسقوط جسم غامض وظهور وباء يشوه رءوس القرويين، محولا إياها إلى رءوس سلاحف. تتحول القرية، المحاصرة بالخوف والأساطير، إلى نموذج مصغر لوطن يعيش على هامش الزمن والذاكرة، بينما يتآكل وعيه الجمعى بهدوء. المرض هنا استعاري، والجذام يرمز إلى التشوهات التى تصيب الوعى والهوية تحت وطأة القمع وتزييف الحقيقة، فالوباء لا ينفصل عن فشل المشروع القومى وانتكاسات الحلم المتوالية، والقبح الذى يصيب الأجساد ليس إلا تجسيدا لمآلات البنية الأخلاقية والسياسية التى تعيشها «نجع المناسي».
اختيار اسم «نجع المناسي» وامتداد زمن الأحداث من هزيمة 1967 إلى الانفجار الغامض عام 1977 يعكس نسقا سرديا واعيا بحركة التاريخ كإعادة إنتاج للنكبة والنكسة. القرية، فى رمزيتها، ليست مجرد مكان، بل فضاء رمزى لوطن غارق فى النسيان والشك، محاط دائما بخطر خارجى يُستخدم لتبرير قمع داخلى مستمر، فالقرية، المطوقة بحقول ألغام حقيقية أو متخيلة، ليست مجرد مكان، بل استعارة لوطن يعيش قلقا وجوديا مزمنا، حيث يتداخل الوهم بالحقيقة، ويصبح الخوف قاسما مشتركا.
تُبنى الرواية على تعدد الأصوات، هذا التعدد الصوتى لا يثرى السرد فحسب، بل يعكس نسبية الحقيقة وكيفية تشكل الوهم الجماعى عبر تلاعب السلطة بالروايات. إذ تُروى الأحداث من خلال ثمانى شخصيات، كل منها يمثل نمطا فكريا واجتماعيا مختلفا: من الشيخ أيوب المنسى الذى يستيقظ فاقدا رأسه فى استعارة كافكاوية، مرورا بخليل الخوجة ،مهندس الخوف الجمعى الذى يجسد بنية سلطوية معقدة تُعيد إنتاج الخوف كوسيلة للبقاء. فى المقابل، يحاول نوح النحال كشف زيف الوهم لكنه يُهزم، بينما يمثل حكيم، ابن الخوجة، ضحية جيل مشوه يدفع ثمنا لماضٍ لم يختره. ويبتدع إمام المسجد «صلاة القلق» كطقس دينى جديد يعد بالخلاص، لكنها فى الحقيقة رمز لاستغلال الدين فى ترويض الجماهير وتبرير الأوهام. الصلاة هنا لا تمنح الطمأنينة، بل تعيد إنتاج القلق، وتعمق الحيرة، وهى فى ذلك تعكس حالة المواطن العربى الذى صار القلق صلاته اليومية منذ 1948.
«صلاة القلق» ليست رواية سهلة؛ إنها اختبار للوعي، ومرآة لزمن خُذل فيه الإنسان من أوطانه وأحلامه. عبر سرد تعددى مشحون بالرمز والمجاز، يكتب محمد سمير ندا رواية ضد النسيان، تمنح القارئ قلقا مستحقا، ووعيا لا يمكن التراجع عنه يدفعه لإعادة النظر فى كل ما اعتاد أن يعتبره بديهيا. هى رواية ترفض تقديم إجابات جاهزة، وتصر على أن الكتابة نفسها فعل مقاومة، كما فعل «حكيم» الذى كتب رغم بتر لسانه. وربما، فى النهاية، لم تكن الرواية عن «النجع» ولا عن «الخوجة»، بل عن كل من يقرأها وهو يبحث عن مخرج من نفق التاريخ المعتم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الدستور
منذ 3 أيام
- الدستور
الجامعة الأمريكية بقائمة أهم الروايات العربية للقرن 21
احتفت الجامعة الأمريكية بالقاهرة، باختيار مجلة ذا ناشونال عددًا من الروايات العربية المترجمة ضمن قائمتها لأهم 50 رواية عربية في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، والتي ترجمتها دار نشر الجامعة إلى الإنجليزية. روايات الجامعة في قائمة "ذا ناشونال" شوق الدرويش – حمور زيادة حازت جائزة نجيب محفوظ للأدب من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 2014، وبلغت القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) 2015، ترجمها جوناثان رايت إلى الإنجليزية عام 2016 لصالح الجامعة. تدور الرواية حول ما بعد انهيار الدولة المهدية في السودان، عبر قصة حب تتشابك مع قضايا الحرية والدين والاستعمار، تميزت بأسلوب شعري ولغة راقية وتكنيك سردي متقدم، واستحقت أن توصف بأنها "رواية سودانية كاملة الدسم" ترسخ اسم حمور زيادة كروائي بارز في السرد العربي الحديث. صائد اليرقات – أمير تاج السر رواية ناقدة تتناول انحراف الفن الروائي عن رسالته، من خلال قصة عميل مخابرات سابق يحاول أن يصبح كاتبًا، في حبكة فريدة وسرد جذاب، ينتقد أمير تاج السر ظاهرة "التربح من الرواية"، مسلطًا الضوء على أشكال الزيف الأدبي في العالم العربي. واحة الغروب – بهاء طاهر يعود بنا الروائي الكبير إلى نهايات القرن التاسع عشر، حيث يرسل الضابط المصري محمود عبد الظاهر إلى واحة سيوة بسبب شكوك في تعاطفه مع الثورة. رواية تتشابك فيها السياسة بالتاريخ، والحب بالمنفى، وتعد من كلاسيكيات الرواية العربية الحديثة. موت صغير – محمد حسن علوان سيرة روحية متخيلة لابن عربي، تمتد من الأندلس إلى الشرق، وتغوص في التجربة الصوفية والتأملات الفلسفية العميقة، فازت بجائزة البوكر العربية 2017، وتعد من أكثر الروايات العربية تأثيرًا في العقد الأخير. لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة – خالد خليفة تحكي سيرة عائلة مدمرة في ظل نظام شمولي قاتم، بلغة جمالية وألم حاد، يرسم خليفة ملامح مجتمع مفكك تسكنه الأشباح أكثر من البشر. سيدات القمر – جوخة الحارثي فازت بجائزة مان بوكر الدولية عام 2019، تحكي تاريخ سلطنة عمان عبر نساء ثلاث، في سرد يلامس تحولات المجتمع من التقليدية إلى الحداثة، وسط تحديات الاستعمار وتقاليد المجتمع المحافظ. نداء ما كان بعيدًا – إبراهيم الكوني نص ميتافيزيقي غارق في التأمل الصحراوي، يسرد رحلة البطل في مواجهة المصير والندم والنجاة، الكوني هنا يجسد الفلسفة الصوفية في سرد شعري مفتوح على الرمزية والدهشة. حارس سطح العالم – بثينة العيسى رواية ديستوبية تدور في مكان وزمان غير محددين، ترمز إلى قمع الفكر والرقابة على الثقافة، بأسلوب ساخر وحزين، تحكي عن حارس مكلف بمراقبة الأدب وحذف "ما لا يليق" من الكتب، في إشارة إلى الأنظمة التي تحارب العقل والحرية. ساق البامبو – سعود السنعوسي فازت بجائزة البوكر 2013، وتحكي قصة "جوزيه" ابن الخادمة الفلبينية والأب الكويتي، الذي يعود إلى الكويت في رحلة بحث عن الهوية والانتماء، بأسلوب سردي جذاب، يناقش السنعوسي الهوية والطبقية والعنصرية، من خلال منظور حميمي وشخصي. طشاري – إنعام كجه جي بطلتها طبيبة عراقية تغادر بغداد بعد الاحتلال الأمريكي، وتجد نفسها في مواجهة الشتات والفقد، وفي مبادرة رمزية، ينشئ حفيدها مقبرة إلكترونية للعائلة المتناثرة في القارات، رواية عن الذاكرة والمنفى والحنين، بأسلوب إنساني رقيق.


نافذة على العالم
منذ 3 أيام
- نافذة على العالم
ثقافة : محمد سمير ندا يوقع "صلاة القلق" بمكتبة ديوان.. اعرف الموعد
الثلاثاء 20 مايو 2025 01:30 صباحاً نافذة على العالم - تنظم مكتبة ديوان بالزمالك ندوة ثقافية جديدة لتوقيع ومناقشة رواية "صلاح القلق" للكاتب الروائى محمد سمير ندا الحاصل على الجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" 2025، والصادرة عن دار ميسكلياني للنشر بتونس، وذلك يوم الجمعة 23 مايو 2025 في تمام السابعة مساءً، ويناقش الرواية ويدير الأمسية، الكاتب الروائي حسن كمال. رواية صلاة القلق تتحدث عن بعض أحداث الشغب التي وقعت في مستعمرة مرضى الجذام الموجودة في مصر، راح ضحيتها مجموعة من النزلاء، مع بعض المعلومات التي تلقي الضوء على المعلومة الأصلية التي استند إليها الروائي في بناء روايته. تدور الرواية حول قرية منسية يهزّها انفجار غامض لجسم مجهول عام 1977، ما يؤدى إلى تحولها إلى مكان مغلق يعيش فيه السكان صراعاتهم الخاصة. فمن جهة، هناك المتمرّدون الذين يطالبون بالحرية، ومن جهة أخرى، الطغاة الذين يُحكمون سيطرتهم على الجميع. الرواية لا تسير زمنياً إلى الأمام فقط، بل تعود بالقارئ إلى الوراء، لتسلّط الضوء على مرحلة صعبة تمتد من نكسة عام 1967 حتى لحظة الانفجار. يُروى الحدث الرئيسي في القرية من خلال ثماني شخصيات مختلفة، مما يشكل فسيفساء سردية غنية ومتناغمة. وعلى مستوى أعمق، تطرح الرواية تساؤلات جوهرية حول من يكتب التاريخ فعلاً: هل هو السلاح والحديد، أم أصوات التمرّد التي لا تموت؟ وماذا يعني لنا عام 1977؟ هل هو موت المعنى والفن، أم انكشاف زيف السلام والمصير؟ لتصبح "قرية المناسي" رمزًا لجيل مشوّه ومخدوع.


نافذة على العالم
منذ 3 أيام
- نافذة على العالم
ثقافة : الروائى محمد سمير ندا يزور "اليوم السابع".. وصحفيو المؤسسة يحتفون بإبداعه
الثلاثاء 20 مايو 2025 01:30 صباحاً نافذة على العالم - أجرى الروائي محمد سمير ندا الحاصل على الجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" لعام 2025، والكاتب الصحفي أشرف عبد الشافي، زيارة إلى مقر جريدة "اليوم السابع"، وتفقد دورة العمل فى صالة التحرير الرئيسية، وصالات التحرير الفرعية بالمواقع التابعة للمؤسسة، مشيد بدور المؤسسة الريادى فى العمل داخل صالة التحرير، ورافق الروائي فى جولته الكاتبة الصحفية علا الشافعي رئيس تحرير "اليوم السابع". واحتفى صحفيو جريدة 'اليوم السابع' بالكاتب والروائي المصرية الحاصل على جائزة البوكر العربية محمد سمير ندا، بالأعمال الإبداعية التي قدمها خلال مسيرته، والمحطات الروائية التي مر عليها الكاتب وصولًا إلى الفوز بأرفع جائزة أدبية. وُلِد محمد سمير ندا عام 1978 في بغداد، وقد تربى في بيئة ثقافية، فوالده هو الصحفي والأديب سمير ندا، أحد الأدباء المصريين اللامعين في ستينيات القرن الماضي، وله العديد من الروايات والمسرحيات، منها: "الشفق، حارة الأشراف، وقائع استشهاد إسماعيل النوحي، الشروق من العرب، والله زمان، لن نموت مرتين..."، كما أخرج عدة أفلام تسجيلية.. بالإضافة إلى عمله في الصحف والمجلات العربية. أما والدته كانت تعمل في المؤسسات الثقافية الحكومية، قضى محمد سنوات طفولته الأولى في بغداد، ثم عاد مع عائلته إلى مصر في الفترة ما بين عامي 1985 و1990، حيث سافروا إلى طرابلس، ثم عادوا مرة أخرى إلى مصر عام 1995، لكن يبدو أنه سافر مع عائلته باستمرار، إذ زار لبنان، وفرنسا، ومالطا، بحكم عمل والده. تخرج محمد في كلية التجارة، وعمِل محاسبًا في القطاع السياحي، بدأ محمد الكتابة في سنٍّ مبكرة، لكنه نشر أولى رواياته عام 2016، تحت عنوان: "مملكة مليكة"، والتي تحكي عن شابٍّ قرر البحث عن جده المختفي منذ عام 1972.. ويحكي الكتاب أن والده قرأ ثلثها وأعطاه إشارة البدء بالكتابة. أما روايته الثانية فصدرت عام 2021، تحت عنوان: "بوح الجدران"، ويحكي الكاتب أنه تأثر بحياته في بغداد، وأنه مزج في هذه الرواية بين الخيال والواقع، من خلال كتابته جزءٍ من حياة والده. أما الرواية الثالثة، فهي رواية "صلاة القلق"، والتي فازت بجائزة البوكر لهذا العام.