logo
#

أحدث الأخبار مع #إسإس،

طرق الهروب السرية: كيف وصل النازيون إلى الأرجنتين – DW – 2025/5/17

DW

time١٧-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • DW

طرق الهروب السرية: كيف وصل النازيون إلى الأرجنتين – DW – 2025/5/17

سلمت الحكومة الأرجنتينية وثائق لم تنشر من قبل إلى مركز سيمون فيزنتال. هل يمكن أن تقدم تلك الوثائق معلومات جديدة حول هروب مجرمي الحرب النازيين إلى الأرجنتين؟ على الموقع الرسمي بالإنترنت للأرشيف الوطني الأرجنتيني ، تتوفر صفحات جديدة حول أحداث تاريخية، حيث تجد مثلا جملة "انقر هنا للوصول إلى وثائق عن الاشتراكية القومية (النازية) وعن المراسيم الرئاسية السرية". يؤدي الرابط إلى أرشيف رقمي يلقي الضوء على واحد من أحلك فصول التاريخ المعاصر. "في هذه الصفحة ستجدون وثائق عن وصول كبار النازيين إلى الأرجنتين بعد الحرب العالمية الثانية وأنشطتهم"، حسب التقدمة الرسمية الموجودة للرابط. أكثر من 1850 وثيقة أصلية مرقمة، متاحة الآن للجمهور بجودة عالية ويمكن الوصول إليها مجانًا. الهجرة والمساعدة في الهروب والهويات المزيفة يقول المؤلف والباحث الأرجنتيني خوليو موتي في مقابلة مع DW: "القيمة التاريخية لهذه المادة هائلة". ويحقق موتي في الروابط بين الأرجنتين والاشتراكية القومية منذ سنوات، ويقول: "هذه ملفات واسعة النطاق بما في ذلك بيانات الهجرة وتقارير الشرطة عن شخصيات مثل منغله وأيشمان". تحتوي الوثائق على معلومات عن يوزيف مينغله، الطبيب سئ السمعة وعضو فرقة قوات الحماية الخاصة "إس إس"، والذي كان معروفا بإجرائه تجارب وحشية على نزلاء معسكر الاعتقال في أوشفيتز . كما تحتوي الوثائق معلومات أيضا عن أدولف أيشمان، أحد المنظمين الرئيسيين لما عرف بـ"الحل النهائي"، والمخطط الرئيسي لمحرقة الهولوكوست. وكلاهما اختبأ في الأرجنتين بعد الحرب. وبالمعنى الدقيق للكلمة هذه ليست بيانات تم إصدارها حديثًا، فقد تم رفع السرية عن الكثير منها في عام 1992 في عهد الرئيس كارلوس منعم. ولكن الآن فقط تم رقمنتها وإتاحتها للجمهور. "كون هذه الملفات متاحة الآن للجميع هي خطوة كبيرة إلى الأمام. ويمكن أن تظهر أدلة جديدة نتيجة لذلك"، كما يؤكد الصحفي والمؤلف فاكوندو دي جينيوفا في مقابلة مع DW. "يجب على الحكومة الأرجنتينية مواصلة الكشف عن المزيد من المعلومات السرية. لا تزال العديد من القصص ضائعة في ظلام الزمن"، يقول الباحث فاكوندو دي جينوفا. صورة من: CC BY 4.0 | | Documentación sobre el nazismo ملفات سرية وخيط جديد: من دفع ثمن الهروب؟ ومع ذلك هناك مجموعة أخرى من الوثائق، التي لم تُنشر من قبل، والتي يتم تسليمها حاليًا إلى مركز سيمون فيزنتال بناءً على طلبه، وهي مجموعة وثائق أكثر حساسية وإثارة للجدل بشكل خاص. ويوثق مركز سيمون فيزنتال ضحايا الهولوكوست في جميع أنحاء العالم ويلاحق مجرمي الحرب النازيين. ويوضح أرييل غيلبلونغ، مدير شؤون أمريكا اللاتينية في مركز فيزنتال لـ DW: "نحن نبحث تحديدًا في تمويل هروب النازيين إلى الأرجنتين". ويركز التحقيق الحالي على دور بنك "كريدي سويس" الذي أصبح الآن جزءًا من بنك "يو بي إس" وعلاقاته بالنظام النازي. والهدف من ذلك هو تسليط الضوء على التورط المحتمل للبنك في تمويل ما يسمى "خط الجرذان". وهذا الخط كان عبارة عن طرق ومسارات هروب استخدمها العديد من مجرمي الحرب للفرار إلى أمريكا الجنوبية. يقول غيلبلونغ: "نحن نتتبع أثرًا لم يحقق فيه أحد حتى الآن". ويضيف: "نحن نحلل المعاملات المالية المشبوهة التي كانت متخفية في شكل بعثات دبلوماسية أو قيود محاسبية، موجودة في أرشيف البنك المركزي". "لقد وجدتها" في الأرشيفات يبدو أن القرائن الحاسمة لم تكن في الأرشيفات المعتادة. يقول غيلبلونغ: "كانت العديد من الوثائق موجودة في دوائر الدولة، لم يتم النظر فيها من قبل فيما يتعلق بعمليات الهروب النازية". ولم يتقرر الإفراج عن هذه الملفات التي كانت محفوظة سابقًا في الأرشيف إلا بعد اجتماع مع الرئيس خافيير ميلي، حيث تقرر الإفراج عنها بعدما كان ممنوعا خروجها للعلن. وقد سُمح لمركز فيزنتال بالوصول إلى وثائق من وزارة الداخلية ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية، بالإضافة إلى مكتبة البنك المركزي الأرجنتيني. يتم حاليًا إيلاء اهتمام خاص للسجلات السرية لشركة الأسلحة الحكومية "فابريكاكاثيونيس ميليتارس" (التصنيع العسكري). وحسب موتي تثبت هذه الملفات من عام 1945 إلى عام 1948 أن الشركة قامت بتجنيد موظفين في أوروبا وشراء مواد. أموال عامة لمساعدة النازيين على الهروب وقال موتي: "ستكون هناك لبنة أخرى في سلسلة التواطؤ، إذا اتضح أن هذه الأموال لم تُستخدم لأغراض التسليح المشروعة، بل للمساعدة في الهروب". وتابع: "سيثبت ذلك استخدام الأموال العامة لدعم مجرمي الحرب". تحتوي الوثائق الموجودة في الأرشيف الوطني على معلومات قيّمة عن النازي أدولف أيشمان، "مهندس" ما يسمى "الحل النهائي" الذي فر إلى الأرجنتين صورة من: CC BY 4.0 | | Documentación sobre el nazismo وبالنسبة للمؤلف فاكوندو دي جينوفا فإن فتح الأرشيفات خطوة متأخرة: "لطالما كان هناك شكوك بأن دولة الأرجنتين كانت تعرف أكثر مما اعترفت به"، كما يقول. "هذه الشفافية الجديدة هي إشارة (مشجعة)، لكن هناك حاجة إلى المزيد من الإفصاح"، يضيف دي جينوفا. تحليل متمهل ونتائج محتملة يتم حاليًا فحص الملفات التي تلقاها مركز سيمون فيزنتال من قبل فريق دولي في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. ومن المقرر نشر النتائج في العام المقبل. ويقول غيلبلونغ باقتناع: "نعتقد أن هناك مسؤوليات لم يتم تحديدها بعد". هذا العمل مهم أيضًا بالنسبة له شخصيًا بصفته حفيد مهاجرين أوروبيين في الأرجنتين، فهو يساهم في إعادة التقييم التاريخي. "إنه شكل متأخر ولكن مهم من أشكال العدالة لضحايا الهولوكوست"، يؤكد غيلبلونغ. أعده للعربية: م.أ.م/ تحرير: صلاح شرارة

'ناسا' تعاقب مهندس صواريخ بعد 42 عامًا على وفاته
'ناسا' تعاقب مهندس صواريخ بعد 42 عامًا على وفاته

IM Lebanon

time١١-٠٥-٢٠٢٥

  • علوم
  • IM Lebanon

'ناسا' تعاقب مهندس صواريخ بعد 42 عامًا على وفاته

أزالت إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) اسم مهندس الصواريخ الضابط السابق في قوات ألمانيا النازية كورت ديبوس، من منشآتها وسيرها الذاتية الرسمية، في خطوة جاءت عقب جدل حول دروه خلال الحرب العالمية الثانية. وكان ديبوس، الذي توفي قبل أكثر من 4 عقود، أول مدير لمركز كينيدي للفضاء في فلوريدا، ولعب دورا رئيسيا في برنامج 'أبولو' الذي أطلق أول مهمة مأهولة إلى سطح القمر. إلا أن تورطه في مشروع صواريخ 'في 2' الذي استخدمته القوات النازية واستهدف مناطق مدنية، ظل غائبا عن الوثائق الرسمية لسنوات. وحتى وقت قريب، كانت السيرة الذاتية لديبوس على موقع 'ناسا' تتجاهل الإشارة إلى انتمائه للحزب النازي أو دوره كضابط في القوات الخاصة النازية التي تحمل اسم 'إس إس'، مكتفية بوصفه بأنه كان جزءا من 'برنامج أبحاث صاروخي في بينيمونده'، وهي القاعدة التي كانت مركزا رئيسيا لتطوير صواريخ 'في 2'. وأوضحت صحيفة 'يديعوت أحرونوت' الإسرائيلية، أن 'ناسا' اتخذت إجراءات شملت إعادة تسمية قاعة المؤتمرات التي كانت تحمل اسمه إلى 'منشأة مؤتمرات الأبطال والأساطير'، وتعديل سيرته الذاتية بإضافة إشارة واضحة إلى خلفيته 'النازية'. كما تم إلغاء 'جائزة ديبوس' التي كانت تمنح سنويا لشخصيات بارزة في قطاع الطيران والفضاء.

"ناسا" تعاقب "مهندس الصواريخ النازي" بعد 42 عاما على وفاته
"ناسا" تعاقب "مهندس الصواريخ النازي" بعد 42 عاما على وفاته

البلاد البحرينية

time١١-٠٥-٢٠٢٥

  • علوم
  • البلاد البحرينية

"ناسا" تعاقب "مهندس الصواريخ النازي" بعد 42 عاما على وفاته

أزالت إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) اسم مهندس الصواريخ الضابط السابق في قوات ألمانيا النازية كورت ديبوس، من منشآتها وسيرها الذاتية الرسمية، في خطوة جاءت عقب جدل حول دروه خلال الحرب العالمية الثانية. وكان ديبوس، الذي توفي قبل أكثر من 4 عقود، أول مدير لمركز كينيدي للفضاء في فلوريدا، ولعب دورا رئيسيا في برنامج "أبولو" الذي أطلق أول مهمة مأهولة إلى سطح القمر. إلا أن تورطه في مشروع صواريخ "في 2" الذي استخدمته القوات النازية واستهدف مناطق مدنية، ظل غائبا عن الوثائق الرسمية لسنوات. وحتى وقت قريب، كانت السيرة الذاتية لديبوس على موقع "ناسا" تتجاهل الإشارة إلى انتمائه للحزب النازي أو دوره كضابط في القوات الخاصة النازية التي تحمل اسم "إس إس"، مكتفية بوصفه بأنه كان جزءا من "برنامج أبحاث صاروخي في بينيمونده"، وهي القاعدة التي كانت مركزا رئيسيا لتطوير صواريخ "في 2". إجراءات مصاحبة وأوضحت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، أن "ناسا" اتخذت إجراءات شملت إعادة تسمية قاعة المؤتمرات التي كانت تحمل اسمه إلى "منشأة مؤتمرات الأبطال والأساطير"، وتعديل سيرته الذاتية بإضافة إشارة واضحة إلى خلفيته "النازية". كما تم إلغاء "جائزة ديبوس" التي كانت تمنح سنويا لشخصيات بارزة في قطاع الطيران والفضاء. يذكر أن ديبوس، الذي لم يحقق معه أو يحاكم بعد الحرب، جرى توظيفه في الولايات المتحدة ضمن عملية حملت اسم "مشبك الورق"، وهي برنامج سري استقطب مئات العلماء الألمان، بمن فيهم أعضاء سابقون في "إس إس"، لتعزيز القدرات الأميركية في مواجهة الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة. ورغم اعتراضات من جماعات يهودية ومسؤولين أميركيين في ذلك الوقت، حصل ديبوس على الجنسية الأميركية وتولى مناصب قيادية في وكالة الفضاء، حتى وفاته عام 1983.

"طبيب الموت" النازي في القاهرة.. القصة الغامضة للعم طارق
"طبيب الموت" النازي في القاهرة.. القصة الغامضة للعم طارق

الجزيرة

time٠٤-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الجزيرة

"طبيب الموت" النازي في القاهرة.. القصة الغامضة للعم طارق

في صيف عام 1914، وُلد أربيرت فريديناند هايم في النمسا وترعرع فيها مع بدايات الحرب العالمية الأولى التي حصدت الأرواح حصدا، وما إن دخل إلى مرحلة المراهقة إلا وكان مثل كثيرين من أبناء جيله من الشباب الألمان والنمساويين خاصة، منبهرين بشخصية الزعيم النازي الصاعد أدولف هتلر. ذلك الزعيم الذي امتلك كاريزما خطابية استثنائية، جعلته قادرا على استمالة الجماهير عبر ضخ العاطفة والحماسة في خطاباته التي كانت تُلهب مشاعر الشباب وتقودهم. نجح هتلر، حسب كثير من المحللين، في استثارة ما تشبه نوبة جماعية من "الجنون المؤقت" بين الجماهير، حين منحهم شعورا عميقا بأن النزعة القومية التي يحملونها ليست فقط مبرّرة، بل مقدسة ومصيرية، وهو ما جعلهم يندفعون لاحقا إلى المجهول. التعلق بالنازية وكان من المفارقات اللافتة أن أربيرت هايم وأدولف هتلر يشتركان في خلفية جغرافية واحدة، إذ إن كليهما وُلد في النمسا. وفي مرحلة مبكرة من حياته، انضم أربيرت هايم إلى الحزب النازي، وارتدى البزة العسكرية التي تحمل شعار "الصليب المعقوف"، وهي الصورة التي ستُصبح لاحقا رمزا ثابتا في ملفات المنظمات اليهودية، التي صنفته ضمن قائمة تضم 300 شخصية من كبار المطلوبين بتهم ارتكاب جرائم حرب. كان النظام النازي بقيادة هتلر يعتمد بشكل رئيس على عملية إعادة تشكيل وعي الشباب الألماني والنمساوي، من خلال تنظيمات تبدأ من عمر الطفولة مثل "براعم هتلر" و"اليونغ فولك"، وصولا إلى حركة "هتلر الشباب"، التي لعبت دورا جوهريا في تعبئة الناشئة وغرس مفاهيم الولاء المطلق للحزب والدولة. وفي تلك المنظومة، كان هايم واحدا من الذين تلقوا هذا النوع من التنشئة، قبل أن يترقى في صفوف الجيش النازي ويعمل لاحقا طبيبا عسكريا برتبة نقيب في معسكرات الاعتقال في أثناء الحرب العالمية الثانية التي أشعلها هتلر، وضمن ما عُرفت لاحقا بـ"الآلة البيروقراطية للموت". وفي أوراقه الخاصة التي عُثر عليها بعد وفاته، وصف هايم تلك اللحظات بأنها "فارقة"، كان يرى فيها نفسه جزءا من مرحلة حاسمة في التاريخ الأوروبي، وهو يكتب عن تلك المرحلة بشغف واضح، وبلغة توحي بانخراطه العميق في مشروع "الإنسان السوبرمان"، الذي بشّر به هتلر وسعى إلى تحقيقه عبر سياسات التطهير العرقي والهيمنة المطلقة. من الاعتقال إلى الهروب انتهت الحرب العالمية الثانية صيف عام 1945 بخراب ضخم في القارة الأوروبية ومقتل عشرات الملايين وانتحار هتلر نفسه وقيل هروبه، والقبض على الآلاف من النازيين، وكان من جملتهم هايم. عُرف هايم في وسائل الإعلام الغربية بلقب "طبيب الموت"، فقد كان أحد الضباط العاملين في وحدات النخبة النازية المعروفة بـ"إس إس"، والمرتبطة مباشرة بأدولف هتلر، والتي اشتهرت بشعارها "شرفي هو إخلاصي". وتُتهم هذه الوحدات بارتكاب جرائم واسعة النطاق بحق المعارضين السياسيين لهتلر، وكانت تقوم بترحيلهم إلى معسكرات الإبادة من دون محاكمات، في مشهد دامٍ من التاريخ الأوروبي ما زال يلقي بظلاله على العلاقات الدولية حتى اليوم. وزعمت منظمات متخصصة في تعقّب الفارين من العدالة من رموز النظام النازي بعد سقوط الرايخ الثالث، أن الطبيب النمساوي أربيرت هايم ارتكب فظائع مروعة خلال خدمته في معسكرات الاعتقال النازية. ووفقا لما تروّج له تلك الجهات ومنها قناة "زد دي إف" الألمانية، فإن هايم كان مسؤولا عن قتل وتعذيب المئات من السجناء، عن طريق ما وُصفت بأنها "تجارب طبية" غير إنسانية، شملت إجراء عمليات جراحية من دون تخدير، وانتزاع أعضاء من أجساد محتجزين أحياء بغرض الدراسة، وتركهم ينزفون حتى الموت. ورغم هذه الاتهامات، فإن القوات الأميركية اعتقلته مؤقتا بعد الحرب العالمية الثانية ، وأطلقت سراحه عام 1947 لعدم كفاية الأدلة، فعاد إلى ألمانيا الغربية لممارسة الطب، بينما استمرت المنظمات اليهودية في الضغط لإعادة فتح ملفه باعتباره أحد أبرز المطلوبين لمحاكمات جرائم الحرب. بعدما أفرجت عنه القوات الأميركية عام 1947 لعدم كفاية الأدلة بشأن تورطه في جرائم ضد الإنسانية وضد اليهود، عاش هايم حياة هادئة نسبيا لأكثر من عقد في مدينة بادن الألمانية، وهناك استأنف مهنة الطب ليعمل اختصاصيا في أمراض النساء، وتزوج وأنجب ولدين، متخذا لنفسه نمط حياة عاديا ظاهريا، بعيدا عن الأضواء، ومتحاشيا أي صلة علنية بماضيه النازي. غير أن هذه الهدنة لم تدم طويلا، فمع تصاعد جهود الجماعات اليهودية والمنظمات الدولية المعنية بملاحقة مجرمي الحرب النازيين، أُدرج اسم هايم من جديد ضمن قوائم المطلوبين، وتحديدا في المرتبة الأولى على لائحة المطلوبين من قبل إسرائيل ومنظمات تعقّب النازيين. ومع تضييق الخناق عليه مجددا عام 1962، أي بعد 15 عاما من إطلاق سراحه، قرر هايم الهرب مجددا إلى أميركا اللاتينية وخاصة تشيلي، قبل أن يتمكن من تغيير هويته وذهابه إلى مصر في العام التالي 1963 وقراره السكن في بنسيون في حي الموسكي بالقاهرة. زعم تحقيق نشرته مجلة فرانكفورت المصورة عام 1957 وجود نحو ألفي نازي سابق في مصر، وهو ما أثار جدلا واسعا في الأوساط الأوروبية والغربية آنذاك. ولكن هذا الرقم كان مبالغا فيه فقد ثبت أن عددا من الضباط الألمان وصلوا إلى مصر كانوا نحو 250 خبيرا في مجال صناعة الصواريخ و400 آخرين من أكفأ العسكريين الذين حاولت البلد وقتئذ الاستفادة من خبراتهم في تطوير قدراتها العسكرية. وقد استمر وجودهم هناك بالفعل حتى عام 1968 ثم هربوا بعد ضغوط إسرائيلية ضخمة واستعداء العالم ضد نظام الرئيس جمال عبد الناصر. وأُعيد فتح ملف النازيين في مصر بعد عقود، حين بثت القناة العاشرة "الإسرائيلية" يوم 30 مايو/أيار 2010 تقريرا إعلاميا يفيد بتقديم السفير الإسرائيلي في القاهرة، إسحاق ليفانون، طلبا رسميا إلى السلطات المصرية لتسليم 3 ضباط نازيين يُعتقد أنهم استقروا في مصر منذ ستينيات القرن الماضي، وهم: فولفغانغ بلومنتال، والملازم ألبيرت غونتار، والملازم هورست هيلموت. وفي السياق ذاته، أعرب ليفانون عن احتجاجه على ما وصفه بـ"احتفاظ القاهرة" برفات أربيرت هايم. الخواجة طارق في كتابه "نازي في القاهرة، الخواجة طارق أخطر رجال النازية الهاربين في مصر"، يؤكد الكاتب محمد ثروت أنه تواصل مع خبراء أمنيين مصريين واستفسر منهم حول فتح إسرائيل لملف هؤلاء النازيين الأقدمين الهاربين وعلى رأسهم أربيرت هايم، وضغطها مع عديد من الصحف الألمانية والأميركية على هذا الملف رغم مرور عقود عليه. ليؤكدوا له أن هدفهم من ذلك هو "خطة بعيدة المدى للتغطية على جرائمها (إسرائيل) ضد الشعب الفلسطيني، فضلا عن استهداف مصر ولو بصورة غير مباشرة، والإشارة إلى أنها تؤوي نازيين مطلوبين للعدالة الدولية، وهو أمر غير صحيح على الإطلاق"، وذلك لعدم معرفة أو علم السلطات المصرية بهؤلاء المطلوبين. وتصطدم هذه الصورة المروعة التي ترسمها الروايات الإسرائيلية والأجنبية لهايم بتفاصيل واقعية من حياة الرجل بعد الحرب، إذ تشير مصادر صحفية مصرية إلى أنه فر إلى مصر متخفيا تحت اسم عربي هو "طارق حسين فريد"، واستقر منذ عام 1963 وحتى وفاته في عام 1992 في حي الموسكي الشعبي بالقاهرة، حيث كان يُعرف بين سكان الحي بلقب "الخواجة طارق". في حي الموسكي ويقدم الصحفي المصري محمد ثروت في كتابه سردا تفصيليا مشوقا لتاريخ هايم داخل مصر في عقوده الثلاثة الأخيرة من حياته. فقد عاش الطبيب النمساوي متخفيا تحت اسم طارق حسين فريد، في أحد أحياء القاهرة القديمة، وتحديدا في حي الموسكي الشعبي المجاور لجامع الأزهر ومسجد الحسين، وأعلن إسلامه واستقر في بنسيون متواضع يُدعى "قصر المدينة"، وهو نُزل منخفض التكلفة يقيم فيه غالبا من لا يملكون القدرة على سداد نفقات الفنادق السياحية. وقد اختار هايم هذه البيئة الشعبية بعيدا عن أي شكوك، واندمج تدريجيا في المجتمع المحلي، حتى بات يُعرف بين السكان بلقب "العم طارق" و"الخواجه طارق"، وبحسب شهادة محمود دومة نجل صاحب الفندق لمؤلف الكتاب محمد ثروت، فإن هايم كان يجيد التحدث بعدة لغات، من بينها الألمانية والفرنسية والإنجليزية والعربية، وكان يحتفظ بنسخة من القرآن الكريم مترجمة إلى الألمانية، حصل عليها بمساعدة عائلة دومة. ويؤكد دومة، الذي كان يعرفه منذ طفولته، أن العم طارق لم يظهر عليه مطلقا ما يشي بكونه مجرم حرب، بل كان شخصا ودودا هادئا، يبتسم للجميع ويشجع الصغار على التعلم، ويشتري لهم الكتب. كما يتذكر كيف قام هايم بشراء مضارب تنس ونصب شبكة على سطح الفندق، ليلعب مع الأطفال حتى غروب الشمس، وكيف كان يتعاون معهم في عمل زينة شهر رمضان بسعادة ومرح. كان هايم، كما تصفه ذاكرة الحي، رجلا نشيطا رغم تقدمه في السن، كان طويل القامة، يحرص على المشي يوميا لمسافة تقارب 15 ميلا في شوارع العتبة والموسكي ومنطقة الحسين ويزور بانتظام جامع الأزهر وسط القاهرة القديمة، حيث يحضر حلقات التلاوة والذكر الصوفي، كما أبدى تعلقا واضحا بالشعائر الإسلامية التي كان يؤديها بهدوء وخشوع. وقد أكد من عرفوه أنه اعتنق الإسلام عن اقتناع فكري وروحي، لا هربا من ملاحقة أو خوفا من عدالة، وهكذا طوت القاهرة الشعبية فصلا هادئا من حياة أحد أكثر الأشخاص إثارة للجدل في التاريخ الحديث، من دون أن يدرك كثيرون من حوله حقيقة ماضيه أو دوره في زمن النازية. كانت القناة الثانية في التلفزيون الألماني "زد دي إف" كشفت عام 2008 عن معلومات جديدة تتعلق بالطبيب النمساوي هايم، المعروف بلقب "طبيب الموت"، مؤكدة أنه غيّر اسمه إلى طارق حسين فريد بعد اعتناقه الإسلام في أوائل ثمانينيات القرن العشرين. في خطوة وصفها التقرير بأنها محاولة لطمس هويته الأصلية ومحو سجله كأحد المطلوبين لملاحقات جرائم الحرب، غير أن هذا التفسير قوبل برفض من طبيبه الخاص الدكتور طارق الرفاعي، الذي شدد على أن هايم اعتنق الإسلام عن قناعة شخصية، بعد اطلاعه على تعاليمه ومبادئه، وليس بدافع التخفي أو الهروب. ووفقا لتقرير القناة الثانية الألمانية، فقد عثرت القناة على حقيبة شخصية تعود لهايم، تحتوي على أكثر من 100 وثيقة، تؤكد هويته بشكل قاطع، كان من بينها مستندات إقامة، ورسائل شخصية، ومعاملات مالية وطبية، وقد أوضحت هذه الوثائق أن الشخص الذي عاش في القاهرة وتوفي بها هو بالفعل أربيرت هايم المطلوب للقضاء الألماني والإسرائيلي لكونه مجرم حرب. غير أن صحيفة "إنترناشونال هيرالد تريبيون" ذكرت أن الحقيبة التي كانت مخزنة لسنوات في القاهرة ومغطاة بالغبار، تحوي تفاصيل دقيقة عن مرحلة اختفاء هايم في الشرق الأوسط، وقد حصلت على الحقيبة صحيفة "نيويورك تايمز" بالتعاون مع محطة "زد دي إف"، من عائلة دومة التي كانت تملك الفندق الذي أقام فيه هايم. احتوت الحقيبة أيضا على رسائل خاصة، ونتائج فحوصات طبية، ومعاملات بنكية، وأوراقا شخصية، بعضها تحمل اسم "هايم"، وأخرى تحمل اسمه الجديد "طارق حسين فريد"، منها طلب للإقامة المصرية يُطابق بيانات ميلاده ومحل ولادته في رادكيرسبرغ، في النمسا، بتاريخ 28 يونيو/حزيران 1914، كما وُجدت بين الأوراق رسومات لجنود وقطارات قيل إن أبناءه في ألمانيا قد أرسلوها له. وقد أظهرت إحدى الوثائق تعليقا بخط اليد على مقال نُشر في مجلة دير شبيغل يتناول محاكمته غيابيا، كتب فيه هايم: "كانت مجرد مصادفة أن الشرطة لم تلق القبض عليّ، لأنني لم أكن في المنزل في ذلك الوقت"، دون أن يتضح إذا ما كان قد أرسل هذه الرسالة أم لا. وتشير الوثائق إلى أن هايم كان يتلقى دعما ماليا غير منتظم من شقيقته في ألمانيا، كان مصدره عوائد إيجارات لعقارات كان يملكها في برلين، مما مكنه من الاستمرار في حياته بهوية جديدة، على مدار سنوات من التخفي الهادئ في القاهرة. وينقل الصحفي محمد ثروت، في كتابه السابق، دهشة وصدمة سكان حي الموسكي في القاهرة بعد معرفتهم بهذه المعلومات، وهم الذين لم يتصوروا أن "الخواجة طارق" -كما عرفوه لسنوات- قد يكون ضالعا في جرائم نازية مروعة؛ فقد عاش بينهم ببساطة وتواضع، ونسج علاقات إنسانية دافئة، جعلت من خبر انتمائه إلى وحدات "إس إس" النازية أمرا يصعب تصديقه. ومهما يكن، وبعد قرابة 30 عاما قضاها أربيرت هايم في القاهرة، حيث عاش بهدوء لعقود تحت اسمه المستعار "طارق حسين فريد"، تعرف حينها على الإسلام واعتنقه، وحرص على أداء فروضه، ونسج علاقات متينة مع جيرانه من أهل حي الموسكي. وبعد فترة من إصابته بسرطان القولون وفي أغسطس/آب 1992، أُسدل الستار على حياة هذا الرجل المثير للجدل، وكانت وصيته أن يُدفن في مقابر الصدقة بالقاهرة!

نازي في القاهرة.. القصة الغامضة للعم طارق
نازي في القاهرة.. القصة الغامضة للعم طارق

الجزيرة

time٠٤-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الجزيرة

نازي في القاهرة.. القصة الغامضة للعم طارق

في صيف عام 1914، وُلد أربيرت فريديناند هايم في النمسا وترعرع فيها مع بدايات الحرب العالمية الأولى التي حصدت الأرواح حصدا، وما إن دخل إلى مرحلة المراهقة إلا وكان مثل كثيرين من أبناء جيله من الشباب الألمان والنمساويين خاصة، منبهرين بشخصية الزعيم النازي الصاعد أدولف هتلر. ذلك الزعيم الذي امتلك كاريزما خطابية استثنائية، جعلته قادرا على استمالة الجماهير عبر ضخ العاطفة والحماسة في خطاباته التي كانت تُلهب مشاعر الشباب وتقودهم. نجح هتلر، حسب كثير من المحللين، في استثارة ما تشبه نوبة جماعية من "الجنون المؤقت" بين الجماهير، حين منحهم شعورا عميقا بأن النزعة القومية التي يحملونها ليست فقط مبرّرة، بل مقدسة ومصيرية، وهو ما جعلهم يندفعون لاحقا إلى المجهول. التعلق بالنازية وكان من المفارقات اللافتة أن أربيرت هايم وأدولف هتلر يشتركان في خلفية جغرافية واحدة، إذ إن كليهما وُلد في النمسا. وفي مرحلة مبكرة من حياته، انضم أربيرت هايم إلى الحزب النازي، وارتدى البزة العسكرية التي تحمل شعار "الصليب المعقوف"، وهي الصورة التي ستُصبح لاحقا رمزا ثابتا في ملفات المنظمات اليهودية، التي صنفته ضمن قائمة تضم 300 شخصية من كبار المطلوبين بتهم ارتكاب جرائم حرب. كان النظام النازي بقيادة هتلر يعتمد بشكل رئيس على عملية إعادة تشكيل وعي الشباب الألماني والنمساوي، من خلال تنظيمات تبدأ من عمر الطفولة مثل "براعم هتلر" و"اليونغ فولك"، وصولا إلى حركة "هتلر الشباب"، التي لعبت دورا جوهريا في تعبئة الناشئة وغرس مفاهيم الولاء المطلق للحزب والدولة. وفي تلك المنظومة، كان هايم واحدا من الذين تلقوا هذا النوع من التنشئة، قبل أن يترقى في صفوف الجيش النازي ويعمل لاحقا طبيبا عسكريا برتبة نقيب في معسكرات الاعتقال في أثناء الحرب العالمية الثانية التي أشعلها هتلر، وضمن ما عُرفت لاحقا بـ"الآلة البيروقراطية للموت". وفي أوراقه الخاصة التي عُثر عليها بعد وفاته، وصف هايم تلك اللحظات بأنها "فارقة"، كان يرى فيها نفسه جزءا من مرحلة حاسمة في التاريخ الأوروبي، وهو يكتب عن تلك المرحلة بشغف واضح، وبلغة توحي بانخراطه العميق في مشروع "الإنسان السوبرمان"، الذي بشّر به هتلر وسعى إلى تحقيقه عبر سياسات التطهير العرقي والهيمنة المطلقة. من الاعتقال إلى الهروب انتهت الحرب العالمية الثانية صيف عام 1945 بخراب ضخم في القارة الأوروبية ومقتل عشرات الملايين وانتحار هتلر نفسه وقيل هروبه، والقبض على الآلاف من النازيين، وكان من جملتهم هايم. عُرف هايم في وسائل الإعلام الغربية بلقب "طبيب الموت"، فقد كان أحد الضباط العاملين في وحدات النخبة النازية المعروفة بـ"إس إس"، والمرتبطة مباشرة بأدولف هتلر، والتي اشتهرت بشعارها "شرفي هو إخلاصي". وتُتهم هذه الوحدات بارتكاب جرائم واسعة النطاق بحق المعارضين السياسيين لهتلر، وكانت تقوم بترحيلهم إلى معسكرات الإبادة من دون محاكمات، في مشهد دامٍ من التاريخ الأوروبي ما زال يلقي بظلاله على العلاقات الدولية حتى اليوم. وزعمت منظمات متخصصة في تعقّب الفارين من العدالة من رموز النظام النازي بعد سقوط الرايخ الثالث، أن الطبيب النمساوي أربيرت هايم ارتكب فظائع مروعة خلال خدمته في معسكرات الاعتقال النازية. ووفقا لما تروّج له تلك الجهات ومنها قناة "زد دي إف" الألمانية، فإن هايم كان مسؤولا عن قتل وتعذيب المئات من السجناء، عن طريق ما وُصفت بأنها "تجارب طبية" غير إنسانية، شملت إجراء عمليات جراحية من دون تخدير، وانتزاع أعضاء من أجساد محتجزين أحياء بغرض الدراسة، وتركهم ينزفون حتى الموت. ورغم هذه الاتهامات، فإن القوات الأميركية اعتقلته مؤقتا بعد الحرب العالمية الثانية ، وأطلقت سراحه عام 1947 لعدم كفاية الأدلة، فعاد إلى ألمانيا الغربية لممارسة الطب، بينما استمرت المنظمات اليهودية في الضغط لإعادة فتح ملفه باعتباره أحد أبرز المطلوبين لمحاكمات جرائم الحرب. بعدما أفرجت عنه القوات الأميركية عام 1947 لعدم كفاية الأدلة بشأن تورطه في جرائم ضد الإنسانية وضد اليهود، عاش هايم حياة هادئة نسبيا لأكثر من عقد في مدينة بادن الألمانية، وهناك استأنف مهنة الطب ليعمل اختصاصيا في أمراض النساء، وتزوج وأنجب ولدين، متخذا لنفسه نمط حياة عاديا ظاهريا، بعيدا عن الأضواء، ومتحاشيا أي صلة علنية بماضيه النازي. غير أن هذه الهدنة لم تدم طويلا، فمع تصاعد جهود الجماعات اليهودية والمنظمات الدولية المعنية بملاحقة مجرمي الحرب النازيين، أُدرج اسم هايم من جديد ضمن قوائم المطلوبين، وتحديدا في المرتبة الأولى على لائحة المطلوبين من قبل إسرائيل ومنظمات تعقّب النازيين. ومع تضييق الخناق عليه مجددا عام 1962، أي بعد 15 عاما من إطلاق سراحه، قرر هايم الهرب مجددا إلى أميركا اللاتينية وخاصة تشيلي، قبل أن يتمكن من تغيير هويته وذهابه إلى مصر في العام التالي 1963 وقراره السكن في بنسيون في حي الموسكي بالقاهرة. زعم تحقيق نشرته مجلة فرانكفورت المصورة عام 1957 وجود نحو ألفي نازي سابق في مصر، وهو ما أثار جدلا واسعا في الأوساط الأوروبية والغربية آنذاك. ولكن هذا الرقم كان مبالغا فيه فقد ثبت أن عددا من الضباط الألمان وصلوا إلى مصر كانوا نحو 250 خبيرا في مجال صناعة الصواريخ و400 آخرين من أكفأ العسكريين الذين حاولت البلد وقتئذ الاستفادة من خبراتهم في تطوير قدراتها العسكرية. وقد استمر وجودهم هناك بالفعل حتى عام 1968 ثم هربوا بعد ضغوط إسرائيلية ضخمة واستعداء العالم ضد نظام الرئيس جمال عبد الناصر. وأُعيد فتح ملف النازيين في مصر بعد عقود، حين بثت القناة العاشرة "الإسرائيلية" يوم 30 مايو/أيار 2010 تقريرا إعلاميا يفيد بتقديم السفير الإسرائيلي في القاهرة، إسحاق ليفانون، طلبا رسميا إلى السلطات المصرية لتسليم 3 ضباط نازيين يُعتقد أنهم استقروا في مصر منذ ستينيات القرن الماضي، وهم: فولفغانغ بلومنتال، والملازم ألبيرت غونتار، والملازم هورست هيلموت. وفي السياق ذاته، أعرب ليفانون عن احتجاجه على ما وصفه بـ"احتفاظ القاهرة" برفات أربيرت هايم. الخواجة طارق في كتابه "نازي في القاهرة، الخواجة طارق أخطر رجال النازية الهاربين في مصر"، يؤكد الكاتب محمد ثروت أنه تواصل مع خبراء أمنيين مصريين واستفسر منهم حول فتح إسرائيل لملف هؤلاء النازيين الأقدمين الهاربين وعلى رأسهم أربيرت هايم، وضغطها مع عديد من الصحف الألمانية والأميركية على هذا الملف رغم مرور عقود عليه. ليؤكدوا له أن هدفهم من ذلك هو "خطة بعيدة المدى للتغطية على جرائمها (إسرائيل) ضد الشعب الفلسطيني، فضلا عن استهداف مصر ولو بصورة غير مباشرة، والإشارة إلى أنها تؤوي نازيين مطلوبين للعدالة الدولية، وهو أمر غير صحيح على الإطلاق"، وذلك لعدم معرفة أو علم السلطات المصرية بهؤلاء المطلوبين. وتصطدم هذه الصورة المروعة التي ترسمها الروايات الإسرائيلية والأجنبية لهايم بتفاصيل واقعية من حياة الرجل بعد الحرب، إذ تشير مصادر صحفية مصرية إلى أنه فر إلى مصر متخفيا تحت اسم عربي هو "طارق حسين فريد"، واستقر منذ عام 1963 وحتى وفاته في عام 1992 في حي الموسكي الشعبي بالقاهرة، حيث كان يُعرف بين سكان الحي بلقب "الخواجة طارق". في حي الموسكي ويقدم الصحفي المصري محمد ثروت في كتابه سردا تفصيليا مشوقا لتاريخ هايم داخل مصر في عقوده الثلاثة الأخيرة من حياته. فقد عاش الطبيب النمساوي متخفيا تحت اسم طارق حسين فريد، في أحد أحياء القاهرة القديمة، وتحديدا في حي الموسكي الشعبي المجاور لجامع الأزهر ومسجد الحسين، وأعلن إسلامه واستقر في بنسيون متواضع يُدعى "قصر المدينة"، وهو نُزل منخفض التكلفة يقيم فيه غالبا من لا يملكون القدرة على سداد نفقات الفنادق السياحية. وقد اختار هايم هذه البيئة الشعبية بعيدا عن أي شكوك، واندمج تدريجيا في المجتمع المحلي، حتى بات يُعرف بين السكان بلقب "العم طارق" و"الخواجه طارق"، وبحسب شهادة محمود دومة نجل صاحب الفندق لمؤلف الكتاب محمد ثروت، فإن هايم كان يجيد التحدث بعدة لغات، من بينها الألمانية والفرنسية والإنجليزية والعربية، وكان يحتفظ بنسخة من القرآن الكريم مترجمة إلى الألمانية، حصل عليها بمساعدة عائلة دومة. ويؤكد دومة، الذي كان يعرفه منذ طفولته، أن العم طارق لم يظهر عليه مطلقا ما يشي بكونه مجرم حرب، بل كان شخصا ودودا هادئا، يبتسم للجميع ويشجع الصغار على التعلم، ويشتري لهم الكتب. كما يتذكر كيف قام هايم بشراء مضارب تنس ونصب شبكة على سطح الفندق، ليلعب مع الأطفال حتى غروب الشمس، وكيف كان يتعاون معهم في عمل زينة شهر رمضان بسعادة ومرح. كان هايم، كما تصفه ذاكرة الحي، رجلا نشيطا رغم تقدمه في السن، كان طويل القامة، يحرص على المشي يوميا لمسافة تقارب 15 ميلا في شوارع العتبة والموسكي ومنطقة الحسين ويزور بانتظام جامع الأزهر وسط القاهرة القديمة، حيث يحضر حلقات التلاوة والذكر الصوفي، كما أبدى تعلقا واضحا بالشعائر الإسلامية التي كان يؤديها بهدوء وخشوع. وقد أكد من عرفوه أنه اعتنق الإسلام عن اقتناع فكري وروحي، لا هربا من ملاحقة أو خوفا من عدالة، وهكذا طوت القاهرة الشعبية فصلا هادئا من حياة أحد أكثر الأشخاص إثارة للجدل في التاريخ الحديث، من دون أن يدرك كثيرون من حوله حقيقة ماضيه أو دوره في زمن النازية. كانت القناة الثانية في التلفزيون الألماني "زد دي إف" كشفت عام 2008 عن معلومات جديدة تتعلق بالطبيب النمساوي هايم، المعروف بلقب "طبيب الموت"، مؤكدة أنه غيّر اسمه إلى طارق حسين فريد بعد اعتناقه الإسلام في أوائل ثمانينيات القرن العشرين. في خطوة وصفها التقرير بأنها محاولة لطمس هويته الأصلية ومحو سجله كأحد المطلوبين لملاحقات جرائم الحرب، غير أن هذا التفسير قوبل برفض من طبيبه الخاص الدكتور طارق الرفاعي، الذي شدد على أن هايم اعتنق الإسلام عن قناعة شخصية، بعد اطلاعه على تعاليمه ومبادئه، وليس بدافع التخفي أو الهروب. ووفقا لتقرير القناة الثانية الألمانية، فقد عثرت القناة على حقيبة شخصية تعود لهايم، تحتوي على أكثر من 100 وثيقة، تؤكد هويته بشكل قاطع، كان من بينها مستندات إقامة، ورسائل شخصية، ومعاملات مالية وطبية، وقد أوضحت هذه الوثائق أن الشخص الذي عاش في القاهرة وتوفي بها هو بالفعل أربيرت هايم المطلوب للقضاء الألماني والإسرائيلي لكونه مجرم حرب. غير أن صحيفة "إنترناشونال هيرالد تريبيون" ذكرت أن الحقيبة التي كانت مخزنة لسنوات في القاهرة ومغطاة بالغبار، تحوي تفاصيل دقيقة عن مرحلة اختفاء هايم في الشرق الأوسط، وقد حصلت على الحقيبة صحيفة "نيويورك تايمز" بالتعاون مع محطة "زد دي إف"، من عائلة دومة التي كانت تملك الفندق الذي أقام فيه هايم. احتوت الحقيبة أيضا على رسائل خاصة، ونتائج فحوصات طبية، ومعاملات بنكية، وأوراقا شخصية، بعضها تحمل اسم "هايم"، وأخرى تحمل اسمه الجديد "طارق حسين فريد"، منها طلب للإقامة المصرية يُطابق بيانات ميلاده ومحل ولادته في رادكيرسبرغ، في النمسا، بتاريخ 28 يونيو/حزيران 1914، كما وُجدت بين الأوراق رسومات لجنود وقطارات قيل إن أبناءه في ألمانيا قد أرسلوها له. وقد أظهرت إحدى الوثائق تعليقا بخط اليد على مقال نُشر في مجلة دير شبيغل يتناول محاكمته غيابيا، كتب فيه هايم: "كانت مجرد مصادفة أن الشرطة لم تلق القبض عليّ، لأنني لم أكن في المنزل في ذلك الوقت"، دون أن يتضح إذا ما كان قد أرسل هذه الرسالة أم لا. وتشير الوثائق إلى أن هايم كان يتلقى دعما ماليا غير منتظم من شقيقته في ألمانيا، كان مصدره عوائد إيجارات لعقارات كان يملكها في برلين، مما مكنه من الاستمرار في حياته بهوية جديدة، على مدار سنوات من التخفي الهادئ في القاهرة. وينقل الصحفي محمد ثروت، في كتابه السابق، دهشة وصدمة سكان حي الموسكي في القاهرة بعد معرفتهم بهذه المعلومات، وهم الذين لم يتصوروا أن "الخواجة طارق" -كما عرفوه لسنوات- قد يكون ضالعا في جرائم نازية مروعة؛ فقد عاش بينهم ببساطة وتواضع، ونسج علاقات إنسانية دافئة، جعلت من خبر انتمائه إلى وحدات "إس إس" النازية أمرا يصعب تصديقه. ومهما يكن، وبعد قرابة 30 عاما قضاها أربيرت هايم في القاهرة، حيث عاش بهدوء لعقود تحت اسمه المستعار "طارق حسين فريد"، تعرف حينها على الإسلام واعتنقه، وحرص على أداء فروضه، ونسج علاقات متينة مع جيرانه من أهل حي الموسكي. وبعد فترة من إصابته بسرطان القولون وفي أغسطس/آب 1992، أُسدل الستار على حياة هذا الرجل المثير للجدل، وكانت وصيته أن يُدفن في مقابر الصدقة بالقاهرة!

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store