
"طبيب الموت" النازي في القاهرة.. القصة الغامضة للعم طارق
في صيف عام 1914، وُلد أربيرت فريديناند هايم في النمسا وترعرع فيها مع بدايات الحرب العالمية الأولى التي حصدت الأرواح حصدا، وما إن دخل إلى مرحلة المراهقة إلا وكان مثل كثيرين من أبناء جيله من الشباب الألمان والنمساويين خاصة، منبهرين بشخصية الزعيم النازي الصاعد أدولف هتلر.
ذلك الزعيم الذي امتلك كاريزما خطابية استثنائية، جعلته قادرا على استمالة الجماهير عبر ضخ العاطفة والحماسة في خطاباته التي كانت تُلهب مشاعر الشباب وتقودهم.
نجح هتلر، حسب كثير من المحللين، في استثارة ما تشبه نوبة جماعية من "الجنون المؤقت" بين الجماهير، حين منحهم شعورا عميقا بأن النزعة القومية التي يحملونها ليست فقط مبرّرة، بل مقدسة ومصيرية، وهو ما جعلهم يندفعون لاحقا إلى المجهول.
التعلق بالنازية
وكان من المفارقات اللافتة أن أربيرت هايم وأدولف هتلر يشتركان في خلفية جغرافية واحدة، إذ إن كليهما وُلد في النمسا.
وفي مرحلة مبكرة من حياته، انضم أربيرت هايم إلى الحزب النازي، وارتدى البزة العسكرية التي تحمل شعار "الصليب المعقوف"، وهي الصورة التي ستُصبح لاحقا رمزا ثابتا في ملفات المنظمات اليهودية، التي صنفته ضمن قائمة تضم 300 شخصية من كبار المطلوبين بتهم ارتكاب جرائم حرب.
كان النظام النازي بقيادة هتلر يعتمد بشكل رئيس على عملية إعادة تشكيل وعي الشباب الألماني والنمساوي، من خلال تنظيمات تبدأ من عمر الطفولة مثل "براعم هتلر" و"اليونغ فولك"، وصولا إلى حركة "هتلر الشباب"، التي لعبت دورا جوهريا في تعبئة الناشئة وغرس مفاهيم الولاء المطلق للحزب والدولة.
وفي تلك المنظومة، كان هايم واحدا من الذين تلقوا هذا النوع من التنشئة، قبل أن يترقى في صفوف الجيش النازي ويعمل لاحقا طبيبا عسكريا برتبة نقيب في معسكرات الاعتقال في أثناء الحرب العالمية الثانية التي أشعلها هتلر، وضمن ما عُرفت لاحقا بـ"الآلة البيروقراطية للموت".
وفي أوراقه الخاصة التي عُثر عليها بعد وفاته، وصف هايم تلك اللحظات بأنها "فارقة"، كان يرى فيها نفسه جزءا من مرحلة حاسمة في التاريخ الأوروبي، وهو يكتب عن تلك المرحلة بشغف واضح، وبلغة توحي بانخراطه العميق في مشروع "الإنسان السوبرمان"، الذي بشّر به هتلر وسعى إلى تحقيقه عبر سياسات التطهير العرقي والهيمنة المطلقة.
من الاعتقال إلى الهروب
انتهت الحرب العالمية الثانية صيف عام 1945 بخراب ضخم في القارة الأوروبية ومقتل عشرات الملايين وانتحار هتلر نفسه وقيل هروبه، والقبض على الآلاف من النازيين، وكان من جملتهم هايم.
عُرف هايم في وسائل الإعلام الغربية بلقب "طبيب الموت"، فقد كان أحد الضباط العاملين في وحدات النخبة النازية المعروفة بـ"إس إس"، والمرتبطة مباشرة بأدولف هتلر، والتي اشتهرت بشعارها "شرفي هو إخلاصي".
وتُتهم هذه الوحدات بارتكاب جرائم واسعة النطاق بحق المعارضين السياسيين لهتلر، وكانت تقوم بترحيلهم إلى معسكرات الإبادة من دون محاكمات، في مشهد دامٍ من التاريخ الأوروبي ما زال يلقي بظلاله على العلاقات الدولية حتى اليوم.
وزعمت منظمات متخصصة في تعقّب الفارين من العدالة من رموز النظام النازي بعد سقوط الرايخ الثالث، أن الطبيب النمساوي أربيرت هايم ارتكب فظائع مروعة خلال خدمته في معسكرات الاعتقال النازية.
ووفقا لما تروّج له تلك الجهات ومنها قناة "زد دي إف" الألمانية، فإن هايم كان مسؤولا عن قتل وتعذيب المئات من السجناء، عن طريق ما وُصفت بأنها "تجارب طبية" غير إنسانية، شملت إجراء عمليات جراحية من دون تخدير، وانتزاع أعضاء من أجساد محتجزين أحياء بغرض الدراسة، وتركهم ينزفون حتى الموت.
ورغم هذه الاتهامات، فإن القوات الأميركية اعتقلته مؤقتا بعد الحرب العالمية الثانية ، وأطلقت سراحه عام 1947 لعدم كفاية الأدلة، فعاد إلى ألمانيا الغربية لممارسة الطب، بينما استمرت المنظمات اليهودية في الضغط لإعادة فتح ملفه باعتباره أحد أبرز المطلوبين لمحاكمات جرائم الحرب.
بعدما أفرجت عنه القوات الأميركية عام 1947 لعدم كفاية الأدلة بشأن تورطه في جرائم ضد الإنسانية وضد اليهود، عاش هايم حياة هادئة نسبيا لأكثر من عقد في مدينة بادن الألمانية، وهناك استأنف مهنة الطب ليعمل اختصاصيا في أمراض النساء، وتزوج وأنجب ولدين، متخذا لنفسه نمط حياة عاديا ظاهريا، بعيدا عن الأضواء، ومتحاشيا أي صلة علنية بماضيه النازي.
غير أن هذه الهدنة لم تدم طويلا، فمع تصاعد جهود الجماعات اليهودية والمنظمات الدولية المعنية بملاحقة مجرمي الحرب النازيين، أُدرج اسم هايم من جديد ضمن قوائم المطلوبين، وتحديدا في المرتبة الأولى على لائحة المطلوبين من قبل إسرائيل ومنظمات تعقّب النازيين.
ومع تضييق الخناق عليه مجددا عام 1962، أي بعد 15 عاما من إطلاق سراحه، قرر هايم الهرب مجددا إلى أميركا اللاتينية وخاصة تشيلي، قبل أن يتمكن من تغيير هويته وذهابه إلى مصر في العام التالي 1963 وقراره السكن في بنسيون في حي الموسكي بالقاهرة.
زعم تحقيق نشرته مجلة فرانكفورت المصورة عام 1957 وجود نحو ألفي نازي سابق في مصر، وهو ما أثار جدلا واسعا في الأوساط الأوروبية والغربية آنذاك.
ولكن هذا الرقم كان مبالغا فيه فقد ثبت أن عددا من الضباط الألمان وصلوا إلى مصر كانوا نحو 250 خبيرا في مجال صناعة الصواريخ و400 آخرين من أكفأ العسكريين الذين حاولت البلد وقتئذ الاستفادة من خبراتهم في تطوير قدراتها العسكرية.
وقد استمر وجودهم هناك بالفعل حتى عام 1968 ثم هربوا بعد ضغوط إسرائيلية ضخمة واستعداء العالم ضد نظام الرئيس جمال عبد الناصر.
وأُعيد فتح ملف النازيين في مصر بعد عقود، حين بثت القناة العاشرة "الإسرائيلية" يوم 30 مايو/أيار 2010 تقريرا إعلاميا يفيد بتقديم السفير الإسرائيلي في القاهرة، إسحاق ليفانون، طلبا رسميا إلى السلطات المصرية لتسليم 3 ضباط نازيين يُعتقد أنهم استقروا في مصر منذ ستينيات القرن الماضي، وهم: فولفغانغ بلومنتال، والملازم ألبيرت غونتار، والملازم هورست هيلموت.
وفي السياق ذاته، أعرب ليفانون عن احتجاجه على ما وصفه بـ"احتفاظ القاهرة" برفات أربيرت هايم.
الخواجة طارق
في كتابه "نازي في القاهرة، الخواجة طارق أخطر رجال النازية الهاربين في مصر"، يؤكد الكاتب محمد ثروت أنه تواصل مع خبراء أمنيين مصريين واستفسر منهم حول فتح إسرائيل لملف هؤلاء النازيين الأقدمين الهاربين وعلى رأسهم أربيرت هايم، وضغطها مع عديد من الصحف الألمانية والأميركية على هذا الملف رغم مرور عقود عليه.
ليؤكدوا له أن هدفهم من ذلك هو "خطة بعيدة المدى للتغطية على جرائمها (إسرائيل) ضد الشعب الفلسطيني، فضلا عن استهداف مصر ولو بصورة غير مباشرة، والإشارة إلى أنها تؤوي نازيين مطلوبين للعدالة الدولية، وهو أمر غير صحيح على الإطلاق"، وذلك لعدم معرفة أو علم السلطات المصرية بهؤلاء المطلوبين.
وتصطدم هذه الصورة المروعة التي ترسمها الروايات الإسرائيلية والأجنبية لهايم بتفاصيل واقعية من حياة الرجل بعد الحرب، إذ تشير مصادر صحفية مصرية إلى أنه فر إلى مصر متخفيا تحت اسم عربي هو "طارق حسين فريد"، واستقر منذ عام 1963 وحتى وفاته في عام 1992 في حي الموسكي الشعبي بالقاهرة، حيث كان يُعرف بين سكان الحي بلقب "الخواجة طارق".
في حي الموسكي
ويقدم الصحفي المصري محمد ثروت في كتابه سردا تفصيليا مشوقا لتاريخ هايم داخل مصر في عقوده الثلاثة الأخيرة من حياته.
فقد عاش الطبيب النمساوي متخفيا تحت اسم طارق حسين فريد، في أحد أحياء القاهرة القديمة، وتحديدا في حي الموسكي الشعبي المجاور لجامع الأزهر ومسجد الحسين، وأعلن إسلامه واستقر في بنسيون متواضع يُدعى "قصر المدينة"، وهو نُزل منخفض التكلفة يقيم فيه غالبا من لا يملكون القدرة على سداد نفقات الفنادق السياحية.
وقد اختار هايم هذه البيئة الشعبية بعيدا عن أي شكوك، واندمج تدريجيا في المجتمع المحلي، حتى بات يُعرف بين السكان بلقب "العم طارق" و"الخواجه طارق"، وبحسب شهادة محمود دومة نجل صاحب الفندق لمؤلف الكتاب محمد ثروت، فإن هايم كان يجيد التحدث بعدة لغات، من بينها الألمانية والفرنسية والإنجليزية والعربية، وكان يحتفظ بنسخة من القرآن الكريم مترجمة إلى الألمانية، حصل عليها بمساعدة عائلة دومة.
ويؤكد دومة، الذي كان يعرفه منذ طفولته، أن العم طارق لم يظهر عليه مطلقا ما يشي بكونه مجرم حرب، بل كان شخصا ودودا هادئا، يبتسم للجميع ويشجع الصغار على التعلم، ويشتري لهم الكتب.
كما يتذكر كيف قام هايم بشراء مضارب تنس ونصب شبكة على سطح الفندق، ليلعب مع الأطفال حتى غروب الشمس، وكيف كان يتعاون معهم في عمل زينة شهر رمضان بسعادة ومرح.
كان هايم، كما تصفه ذاكرة الحي، رجلا نشيطا رغم تقدمه في السن، كان طويل القامة، يحرص على المشي يوميا لمسافة تقارب 15 ميلا في شوارع العتبة والموسكي ومنطقة الحسين ويزور بانتظام جامع الأزهر وسط القاهرة القديمة، حيث يحضر حلقات التلاوة والذكر الصوفي، كما أبدى تعلقا واضحا بالشعائر الإسلامية التي كان يؤديها بهدوء وخشوع.
وقد أكد من عرفوه أنه اعتنق الإسلام عن اقتناع فكري وروحي، لا هربا من ملاحقة أو خوفا من عدالة، وهكذا طوت القاهرة الشعبية فصلا هادئا من حياة أحد أكثر الأشخاص إثارة للجدل في التاريخ الحديث، من دون أن يدرك كثيرون من حوله حقيقة ماضيه أو دوره في زمن النازية.
كانت القناة الثانية في التلفزيون الألماني "زد دي إف" كشفت عام 2008 عن معلومات جديدة تتعلق بالطبيب النمساوي هايم، المعروف بلقب "طبيب الموت"، مؤكدة أنه غيّر اسمه إلى طارق حسين فريد بعد اعتناقه الإسلام في أوائل ثمانينيات القرن العشرين.
في خطوة وصفها التقرير بأنها محاولة لطمس هويته الأصلية ومحو سجله كأحد المطلوبين لملاحقات جرائم الحرب، غير أن هذا التفسير قوبل برفض من طبيبه الخاص الدكتور طارق الرفاعي، الذي شدد على أن هايم اعتنق الإسلام عن قناعة شخصية، بعد اطلاعه على تعاليمه ومبادئه، وليس بدافع التخفي أو الهروب.
ووفقا لتقرير القناة الثانية الألمانية، فقد عثرت القناة على حقيبة شخصية تعود لهايم، تحتوي على أكثر من 100 وثيقة، تؤكد هويته بشكل قاطع، كان من بينها مستندات إقامة، ورسائل شخصية، ومعاملات مالية وطبية، وقد أوضحت هذه الوثائق أن الشخص الذي عاش في القاهرة وتوفي بها هو بالفعل أربيرت هايم المطلوب للقضاء الألماني والإسرائيلي لكونه مجرم حرب.
غير أن صحيفة "إنترناشونال هيرالد تريبيون" ذكرت أن الحقيبة التي كانت مخزنة لسنوات في القاهرة ومغطاة بالغبار، تحوي تفاصيل دقيقة عن مرحلة اختفاء هايم في الشرق الأوسط، وقد حصلت على الحقيبة صحيفة "نيويورك تايمز" بالتعاون مع محطة "زد دي إف"، من عائلة دومة التي كانت تملك الفندق الذي أقام فيه هايم.
احتوت الحقيبة أيضا على رسائل خاصة، ونتائج فحوصات طبية، ومعاملات بنكية، وأوراقا شخصية، بعضها تحمل اسم "هايم"، وأخرى تحمل اسمه الجديد "طارق حسين فريد"، منها طلب للإقامة المصرية يُطابق بيانات ميلاده ومحل ولادته في رادكيرسبرغ، في النمسا، بتاريخ 28 يونيو/حزيران 1914، كما وُجدت بين الأوراق رسومات لجنود وقطارات قيل إن أبناءه في ألمانيا قد أرسلوها له.
وقد أظهرت إحدى الوثائق تعليقا بخط اليد على مقال نُشر في مجلة دير شبيغل يتناول محاكمته غيابيا، كتب فيه هايم: "كانت مجرد مصادفة أن الشرطة لم تلق القبض عليّ، لأنني لم أكن في المنزل في ذلك الوقت"، دون أن يتضح إذا ما كان قد أرسل هذه الرسالة أم لا.
وتشير الوثائق إلى أن هايم كان يتلقى دعما ماليا غير منتظم من شقيقته في ألمانيا، كان مصدره عوائد إيجارات لعقارات كان يملكها في برلين، مما مكنه من الاستمرار في حياته بهوية جديدة، على مدار سنوات من التخفي الهادئ في القاهرة.
وينقل الصحفي محمد ثروت، في كتابه السابق، دهشة وصدمة سكان حي الموسكي في القاهرة بعد معرفتهم بهذه المعلومات، وهم الذين لم يتصوروا أن "الخواجة طارق" -كما عرفوه لسنوات- قد يكون ضالعا في جرائم نازية مروعة؛ فقد عاش بينهم ببساطة وتواضع، ونسج علاقات إنسانية دافئة، جعلت من خبر انتمائه إلى وحدات "إس إس" النازية أمرا يصعب تصديقه.
ومهما يكن، وبعد قرابة 30 عاما قضاها أربيرت هايم في القاهرة، حيث عاش بهدوء لعقود تحت اسمه المستعار "طارق حسين فريد"، تعرف حينها على الإسلام واعتنقه، وحرص على أداء فروضه، ونسج علاقات متينة مع جيرانه من أهل حي الموسكي.
وبعد فترة من إصابته بسرطان القولون وفي أغسطس/آب 1992، أُسدل الستار على حياة هذا الرجل المثير للجدل، وكانت وصيته أن يُدفن في مقابر الصدقة بالقاهرة!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 5 أيام
- الجزيرة
ما هي الأسلحة النووية التي تمتلكها روسيا إذا قررت ضرب أوكرانيا؟
في تصريح للرئيس الأميركي السابق جو بايدن في أكتوبر/تشرين الأول 2022 قال: "لم نواجه احتمال وقوع كارثة هائلة من هذا النوع منذ عهد كينيدي وأزمة الصواريخ الكوبية ، إنه (بوتين) لا يمزح عندما يتحدث عن الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية أو الأسلحة البيولوجية أو الكيميائية، لأن أداء جيشه، ضعيف للغاية". جاء هذا التصريح في سياق مخاوف غربية واضحة من استخدام الروس للسلاح النووي خلال الحرب مع أوكرانيا، ولذلك كان دعم حلف الناتو لأوكرانيا محسوبا خطوة بخطوة، بهدف واحد وهو عدم استثارة الروس لأي رد فعل نووي. لكن الأمر لا يقف عند حد الحرب الأوكرانية، فقد كان السلاح النووي طوال الوقت أهم وسيلة للتفاوض لدى الروس. تاريخ طويل للخوف لفهم أعمق لتلك النقطة يمكن أن نتأمل وثيقة من 6 صفحات نشرتها الحكومة الروسية في الثاني من يونيو/حزيران 2020 تحدد منظورها بشأن الردع النووي، وعنونت رسميا المبادئ الأساسية لسياسة الدولة للاتحاد الروسي بشأن الردع النووي، وفيها يعتبر التهديد الروسي بالتصعيد النووي أو الاستخدام الفعلي الأول للأسلحة النووية هو سلوك من شأنه أن يؤدي إلى "خفض تصعيد" النزاع بشروط تخدم روسيا. لكن في هذا السياق، تعتبر روسيا الأسلحة النووية وسيلة للردع حصرا، وتضع مجموعة من الشروط التي توضح تلك النقطة، فيكون الحق في استخدام الأسلحة النووية ردا على استخدام الأسلحة النووية أو أنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل ضدها أو ضد حلفائها، أو هجوم من قبل الخصم على المواقع الحكومية أو العسكرية الحساسة في الاتحاد الروسي، والذي من شأنه أن يقوض أعمال رد القوات النووية، أو العدوان على الاتحاد الروسي باستخدام الأسلحة التقليدية عندما يكون وجود الدولة نفسه في خطر. على الرغم من أن هذا يعد تخفيفا لسياسة روسيا النووية المتعلقة بالردع، إلا أنه لا يزال مراوغا ويمكن أن تستخدم أي من تلك الشروط لتعني أي شيء على الأرض. في الواقع، يرى العديد من المحللين والعلماء في هذا النطاق -من الجانب الأميركي والأوروبي- أن روسيا -ومن قبلها الاتحاد السوفياتي – طالما اتبعت عقيدة تدمج الأسلحة النووية في التدريبات العسكرية الخاصة بها، ما يشير إلى أنها قد تعتمد بشكل أكبر على الأسلحة النووية، يظهر هذا بوضوح في تقارير تقول إن التدريبات العسكرية لروسيا بدت كأنها تحاكي استخدام الأسلحة النووية ضد أعضاء الناتو. لهذه العقيدة تاريخ طويل متعلق بأن السلاح النووي هو أفضل الطرق في حالات الضعف، فحينما تراجع الاتحاد السوفياتي سياسيا وعسكريا خلال الحرب الباردة ، ثم مع انهياره، كان الضامن الوحيد بالنسبة للروس هو السلاح النووي، بحيث يمثل أداة ردع رئيسة. لكن إلى جانب كل ما سبق، هناك سبب إضافي أهم يدفع بعض المحللين للاعتقاد أن روسيا تضع استخدام السلاح النووي في منطقة الإمكانية، وهو متعلق بتحديث سريع وكثيف للترسانة النووية. الثالوث النووي أجرى الاتحاد السوفياتي أول تجربة تفجيرية نووية في 29 أغسطس/آب 1949، أي بعد 4 سنوات من استخدام الولايات المتحدة للقنبلة الذرية ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية ، اختبر الاتحاد السوفياتي نسخته الأولى من القنبلة النووية الحرارية عام 1953، ومنذ ذلك الحين نما المخزون السوفياتي من الرؤوس الحربية النووية بسرعة، بشكل خاص خلال الستينيات والسبعينيات وبلغ ذروته عام 1986 بحوالي 40 ألف رأس حربي نووي. بحلول الستينيات، كانت روسيا قد طورت ثالوثا من القوات النووية مثل الولايات المتحدة الأميركية: الصواريخ الباليستية العابرة للقارات "آي سي بي إم إس" (ICBMs)، والصواريخ الباليستية التي تُطلق من الغواصات "إس إل بي إم إس" (SLBMs)، والقاذفات الثقيلة المجهزة بأسلحة نووية. وتسمى هذه المجموعة من أدوات الحرب بالأسلحة النووية الإستراتيجية، أي تلك التي تتمكن من الضرب على عدو يبتعد عن الدولة مسافة كبيرة (الضرب عن بعد). على مدى أكثر من نصف قرن، انخرطت روسيا في اتفاقات ومعاهدات تخفّض من أعداد الرؤوس الحربية النووية الخاصة بها، لذلك منذ الثمانينات انخفضت أعداد الرؤوس الحربية الروسية إلى حوالي 6 آلاف فقط، لكن في مقابل هذا الخفض في الأعداد اهتمت روسيا بسياق آخر يقابله، وهو تحديث الترسانة بالكامل. في ديسمبر/كانون الأول 2020، أفاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الأسلحة والمعدات الحديثة تشكل الآن 86% من الثالوث النووي لروسيا، مقارنة بنسبة 82% في العام السابق، وأشار إلى أنه يتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 88.3% خلال عام واحد، وصرح أن وتيرة التغيير في جميع المجالات الحاسمة للقوات المسلحة سريعة بشكل غير عادي اليوم، مضيفا: "لو قررت التوقف لثانية واحدة، ستبدأ في التخلف على الفور". ذراع روسيا الطويلة يبدو هذا جليا في نطاقات عدة. على سبيل المثال، تواصل روسيا حاليا سحب صواريخها المتنقلة من طراز "توبول" (Topol) بمعدل 9 إلى 18 صاروخا كل عام، لتحل محلها الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من النوع "يارس-24" (RS-24). اختبرت روسيا يارس لأول مرة عام 2007 وتم اعتماده من قبل قوات الصواريخ الإستراتيجية الروسية عام 2010، وبدأ إنتاجه خلال نفس العام. واعتبارا من عام 2016، تتضمن الترسانة الآن ما يزيد على 147 صاروخا من هذا النوع، منها 135 يمكن أن يوضع منصة متحركة (عربة مكونة من 16 عجلة) و12 منصة ثابتة. مدى يارس يصل إلى 12 ألف كيلومتر (هذا يساوي عرض دولة مثل مصر 12 مرة)، ويمكن أن يحمل 6 -10 رؤوس نووية بقوة تتراوح بين 150- و500 كيلوطن لكل منها، والصاروخ السابق توبول كان يحمل رأسا حربيا واحدا. كذلك صمم يارس للتهرب من أنظمة الدفاع الصاروخي حيث يقوم بمناورات أثناء الرحلة ويحمل شراكا خداعية وبالتالي لديها فرصة لا تقل على 60-65% لاختراق الدفاعات المضادة، وتؤهل التقنية "ميرف" (MIRV) هذا الصاروخ لحمولة صاروخية تحتوي على العديد من الرؤوس الحربية، كل منها قادر على أن يستهدف هدفا مختلفا. ويصيب يارس الهدف بدقة تكون في حدود 100-150 مترا من نقطة الهدف فقط، كما أن إعداد الصاروخ للإطلاق يستغرق 7 دقائق، وبمجرد أن تكون هناك حالة تأهب قصوى، يمكن لصواريخ يارس مغادرة قواعدها عبر السيارات التي تجري بسرعة 45 كيلومترا في الساعة، ثم العمل في مناطق الغابات النائية لزيادة قدرتها على التخفي. إله البحار أحد الأمثلة التي يُستشهد بها على نطاق واسع أيضا هي "ستاتوس-6" (Status-6) المعروف في روسيا باسم "بوسايدون" (Poseidon) (إله البحار)، وهو طوربيد طويل المدى يعمل بالطاقة النووية والذي وصفته وثيقة حكومية روسية بشكل صارخ بأنه يهدف إلى إنشاء "مناطق التلوث الإشعاعي الواسع التي قد تكون غير مناسبة للنشاط العسكري أو الاقتصادي أو أي نشاط آخر لفترات طويلة من الزمن"، السلاح مصمم لمهاجمة الموانئ والمدن لإحداث أضرار عشوائية واسعة النطاق. بدأ السوفيات تطوير هذا السلاح عام 1989 ولكن توقف الأمر بسبب انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة وكذلك مع سياسات نزع السلاح النووي. ومع ذلك، عادت روسيا لتطوير هذا السلاح، وفي عام 2015 تم الكشف عن معلومات حول هذا السلاح عمدا من قبل وزارة الدفاع الروسية. وبحسب ما ورد من معلومات عنها، يبلغ مدى هذه المركبة 10 آلاف كيلومتر، ويمكن أن يصل إلى سرعة تحت الماء تصل إلى 200 كيلومتر في الساعة). هذا أسرع بكثير من قدرة الطوربيدات الحربية المعتادة على السفر. علاوة على ذلك، من المخطط أن يعمل بوسايدون على أعماق تصل إلى ألف متر؛ مما يجعل من الصعب اعتراضها، بل ويعتقد أنه يمكن لهذه القطعة التقنية المرعبة أن تعمل تحت صفائح الجليد في القطب الشمالي، هنا يصعب جدا اكتشافه والاشتباك معه. ومن المقرر أن يبدأ بوسايدون في العمل الفعلي داخل الترسانة النووية الروسية خلال أعوام قليلة. نار من توبوليف قاذفة القنابل الإستراتيجية فوق الصوتية ذات الأجنحة متعددة الأوضاع "توبوليف تي يو-160" كانت أيضا واحدة من مكونات أحد أطراف الثالوث النووي التي تم تطويرها مؤخرا. وعلى الرغم من أن هناك العديد من الطائرات المدنية والعسكرية الأكبر حجما إلا أن هذه الطائرة تعد الأكبر من حيث قوة الدفع، والأثقل من ناحية وزن الإقلاع بين الطائرات المقاتلة. ويمكن لكل طائرة من هذا الطراز حمل ما يصل إلى 40 طنا من الذخائر، بما في ذلك 12 صاروخ كروز نوويا يتم إطلاقها من الجو. وبشكل عام، يمكن أن تحمل القاذفات من هذا النوع أكثر من 800 سلاح. كانت هذه الطائرة آخر قاذفة إستراتيجية صممت من طرف الاتحاد السوفياتي، إلا أنها لا تزال تستخدم إلى الآن. أضف لذلك أن هناك برنامجين محدثين متميزين لتطوير الطائرة توبوليف يتم تنفيذهما في وقت واحد: برنامج أولي يتضمن "تحديثا عميقا" لهيكل الطائرة الحالي لدمج محرك من الجيل التالي، بالإضافة إلى إلكترونيات طيران جديدة وملاحة ورادار حديث يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وبرنامج آخر يتضمن دمج أنظمة مماثلة في هياكل جديدة تماما للطائرة. وفي الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2020 أعلنت روسيا أن أحدث نسخة من توبوليف تي يو-160 (يسميها الناتو بلاك جاك) قد انطلقت من كازان مدعومة بمحركات "إن كيه-32-02" (NK-32-02) الجديدة، مع قوة دفع تبلغ 55 ألف رطل، ويعد هذا المحرك أكبر وأقوى محرك تم تركيبه على الإطلاق في طائرة عسكرية. استغرقت الرحلة الأولى للقاذفة المحدثة مع المحركات الجديدة ساعتين و20 دقيقة، وسافرت على ارتفاع 6 آلاف متر، المحرك الجديد يرفع نطاق الطائرة بحوالي ألف كيلومتر. يارس وبوسايدون وتحديثات قاذفة القنابل توبوليف هي أمثلة قليلة من حالة كبيرة من التطوير تمر بها الترسانة النووية الروسية، إلى جانب ذلك تعمل روسيا على تنويع نطاق التطوير، فهي لا تعمل فقط على السلاح النووي الإستراتيجي (الذي يضرب العدو البعيد)، بل أيضا هناك خطوات واسعة في تطوير السلاح النووي اللإستراتيجي (التكتيكي)، وهو إصطلاح يشير إلى الأسلحة النووية التي صممت لاستخدامها في ميدان المعركة مع وجود قوات صديقة بالقرب وربما على أراض صديقة متنازع عليها. مخزون روسيا من بين مخزون الرؤوس الحربية النووية الروسية، هناك ما يقرب من 1600 رأس حربي إستراتيجي جاهز للضرب، حوالي 800 رأس منها على الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وحوالي 624 على الصواريخ الباليستية التي تُطلق من الغواصات، وحوالي 200 في قاذفات القنابل الإستراتيجية. إلى جانب ذلك يوجد حوالي 985 رأسا حربيا إستراتيجيا آخر في المخزن، وحوالي 1912 رأسا حربيا غير إستراتيجي (تكتيكي). بالإضافة إلى المخزون العسكري للقوات العملياتية، هناك حوالي 1760 من الرؤوس الحربية المتقاعدة ولكنها ما زالت سليمة إلى حد كبير تنتظر التفكيك وإعادة التشغيل، ما يجعل إجمالي المخزون حوالي 6 آلاف- 6300 رأس حربي، علما أن هذه فقط هي أرقام تقديرية، حيث لا تعلن الدول عن العدد الحقيقي لرؤوسها الحربية النووية. إذن الخلاصة أن برامج التحديث النووي الروسية، مع زيادة عدد وحجم التدريبات العسكرية، والتهديدات النووية الصريحة التي تلقي بها ضد دول أخرى (فما حدث في حالة أوكرانيا 2022 ليس جديدا)، والعقيدة الروسية المتعلقة بالسلاح النووي؛ كلها أمور تسهم جميعها في دعم حالة من عدم اليقين بشأن نوايا روسيا النووية. ويرى المحللون أن روسيا أبعد ما تكون عن استخدام السلاح النووي حاليا، لسبب واحد وهو أن الجيش الروسي مستقر نسبيا ولا يواجه أية تهديدات وجودية في الحرب الحالية، ومن ثم نشأت فكرة تقول إن الحرب في وجود "السلاح النووي" ممكنة، لكن في سياق ألا تزيد مساحة المعارك، والضرر المتعلق بها، عن حد معين يضع الروس في توتر. لكن على الجانب الآخر، "فعدم اليقين" كان هدف الروس الدائم في كل الأحوال، لأنه -في حد ذاته- سلاح ردع رئيسي بالنسبة لهم، وعلى الرغم من أن الأوكرانيين تلقوا المساعدات، إلا أن الروس واصلوا تقدمهم في سياق "قبة" حماية سببها الأساسي هو السلاح النووي.


جريدة الوطن
١٠-٠٥-٢٠٢٥
- جريدة الوطن
بوريل: إسرائيل ترتكب إبادة بغزة
مدريد- الأناضول- أكّد الممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمنية جوزيب بوريل أن «إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بغزة، ونصف القنابل التي تسقط على القطاع مصدرها أوروبا). وشدّد أن «إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة، مشيرا إلى أن أوروبا تشهد «أكبر عملية تطهير عرقي منذ الحرب العالمية الثانية»، بهدف إنشاء «منتجع سياحي» بعد القضاء على الفلسطينيين.


الجزيرة
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
80 عاما على الحرب العالمية الثانية.. احتفال بالتحرير يغيب عنه المحرِّرون
برلين- احتفلت ألمانيا أمس الخميس بالذكرى 80 لنهاية الحرب العالمية الثانية ، وهو حدث تاريخي تحييه برلين والعديد من الدول الأوروبية باعتباره "يوم التحرير" وهزيمة النازية أمام الحلفاء (الاتحاد السوفياتي ، والولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا). وأعلنت هذا العام يوم الذكرى عطلة رسمية في العاصمة فقط. وشكل خطاب المستشار الألماني الأسبق ريتشارد فون فايتسكر عام 1985 لحظة مفصلية في تقييم هذا اليوم، عندما قال "إن 8 مايو/أيار هو يوم التحرير على يد الجيش السوفياتي، لأن الألمان لم يكونوا قادرين على تحرير أنفسهم بأنفسهم، بل احتاج التحرير إلى قوة خارجية جاءت من هذا الجيش وقوى التحالف الغربية". يقول إيفالد كونيغ الخبير في الشؤون الدولية، للجزيرة نت، إنه من الضروري التفريق بين جمهوريتي ألمانيا الغربية والشرقية، ففي الوقت الذي حاولت فيه ألمانيا الغربية معالجة آثار الحرب والاستفادة من الدروس، قامت الشرقية بمنع الفاشية وإعلان نفسها دولة معادية لها، لكنها بذلك أخفقت في معالجة آثار الحرب وهذا دليل واضح على صعود حزب البديل من أجل ألمانيا المعادي للأجانب في الولايات الشرقية. تحذير ألقى الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير خطابا أمام البوندستاغ (البرلمان) بمناسبة هذه الذكرى، وأكد أن "المعرفة التي نستخلصها من ماضينا تلزمنا نحن الألمان باتخاذ مواقف واضحة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، ومعاداة السامية، وحرب العدوان الروسية ضد أوكرانيا، وانتهاك أميركا للقيم. إن النظام والتعاون الدوليين، والالتزام بالديمقراطية والمصالحة الذي قدمه لنا ضحايا الحرب وأعداؤها السابقون كان لمصلحة الجميع وجلب السلام والازدهار بعد عام 1945". أما توم غولر، الصحفي المتخصص في السياسة الخارجية والأمنية، فقال للجزيرة نت إن الشعب الألماني يرى أن 8 مايو/أيار بمنزلة تحذير بأن مثل هذه الحرب لا ينبغي أن تندلع مرة أخرى. ويرى أن المهمة الآن تقع على عاتق الحكومة ببذل كل ما بوسعها -عسكريا ودبلوماسيا- لمنع وقوعها في أوروبا. ورغم مرور 8 عقود على نهاية الحرب العالمية الثانية، فإن العالم اليوم يعج بالنزاعات المسلحة بشكل غير مسبوق. ويقول الخبير كونيغ إن هذا الواقع يضع أوروبا أمام تحدّ جديد، خاصة مع الحرب الروسية على أوكرانيا، وعدم معرفة آلية التعامل الصحيحة مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ويضيف "ولا نعلم إلى أين ستسير الأمور في سوريا، ولا كيف سينتهي الوضع في غزة في ظل السوداوية الحالية نتيجة السياسة التي تتبعها إسرائيل، وهناك أيضا مخاوف من اندلاع حرب نووية بين الهند وباكستان"، مشيرا إلى ضعف أوروبا في التأثير الفعلي على السياسة الخارجية في ظل الهيمنة الأميركية، وكذلك الغموض تجاه ردود الفعل المحتملة من الصين. جرائم الحلفاء لم يكن الثامن من مايو/أيار يوما للتحرير بالنسبة للنساء الألمانيات؛ فقد ظل موضوع الاغتصاب الجماعي لهن من قبل جنود القوى المنتصرة من المحرمات لفترة طويلة. وفقط قبل نحو 10 سنوات، وفي الذكرى 70 لنهاية الحرب، بدأت بعض الكتب في تناول موضوع العنف الجنسي ضد الأطفال والنساء الألمانيين. ورغم أن الحلفاء حرروا سجناء معسكرات الاعتقال وألمانيا من الاشتراكية الوطنية، فإنهم ارتكبوا أيضا جرائم بحق حوالي 900 ألف فتاة وامرأة. ومع اقتراب نهاية الحرب وفي الأسابيع التي تلت "التحرير"، أصبحت عمليات الاغتصاب شائعة في المدن الألمانية. ففي برلين وحدها، كان الخوف من الجنود الروس كبيرا لدرجة أن 3881 امرأة انتحرن في أبريل/نيسان 1945 فقط. ويؤكد الباحث غولر وقوع قرابة 100 ألف حالة اغتصاب على يد جنود "الجيش الأحمر" في برلين. من جهتها، دعت رئيسة البوندستاغ، يوليا كلوكنر، إلى إيلاء مزيد من الاهتمام لمعاناة النساء في الحروب. وقالت في كلمتها أمام البرلمان إن "النساء والفتيات اضطررن إلى تحمل قدر هائل من المعاناة والاعتداء الجنسي أثناء الحرب وبعدها، وهذا الأمر يتم التغاضي عنه في الغالب". وأضافت أن قمع معاناة النساء "ببساطة" في المجتمع الألماني بعد الحرب أدى إلى إطالة أمد معاناتهن، مطالبة بإعطائهن مساحة في الذاكرة الجماعية، والاعتراف بمعاناتهن و"بالقوة المذهلة" التي أظهرنها في النضال من أجل البقاء، وبمساهمتهن الحاسمة في إعادة الإعمار. آثار التقارب يرى بعض الخبراء أن التقارب الأميركي الروسي قد ينعكس إيجابا على القارة الأوروبية، لأن العداء الذي نشأ بين الولايات المتحدة وموسكو بعد الحرب العالمية الثانية جلب معه العديد من المخاطر على مدى عقود. وكانت ألمانيا من أكثر الدول تأثرا به، إذ انقسمت بين هذين المعسكرين. ويقول الصحفي الألماني غولر إن آثار معاناة الألمان من هذه المواجهة لا تزال محسوسة حتى اليوم، فبعد 35 عاما من إعادة التوحيد لا يزال الحديث عن الألمان الشرقيين والغربيين شائعا، وحتى التقسيم السياسي الناتج عن تشكيل الكتلة الروسية في وجه الولايات المتحدة ما زال قائما. ولذلك، لا يمكن لألمانيا إلا أن ترحب بالتقارب بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. لكن الخبير إيفالد كونيغ يحذر من أن هذا التقارب قد يتغير فجأة، موضحا أن قرارات ترامب لا يمكن التنبؤ بها، فقد يمتدح الرئيس الروسي اليوم ويهاجمه في اليوم التالي. لذلك، ينظر الأوروبيون إلى هذا التقارب بريبة، ويأملون في الوقت نفسه ألا تتضرر العلاقات عبر حلف شمال الأطلسي (الناتو) أكثر. وبرأيه، يفرض هذا الوضع على أوروبا الاعتماد على قوتها الذاتية والتخلص من التبعية العسكرية للولايات المتحدة، خاصة في ظل الشكوك حول مستقبل حلف الناتو. احتفل البرلمان الأوروبي بالذكرى 80 لهزيمة النازية، مستبعدا سفيري روسيا وبيلاروسيا. وجاء هذا القرار بناء على توصية من وزارة الخارجية الألمانية التي بررت ذلك بالخوف من أن تستغل موسكو هذه المناسبة وتربطها بشكل مسيء بحربها ضد أوكرانيا، بحسب ما قالت الخارجية. لكن كونيغ انتقد القرار، مؤكدا ضرورة الإبقاء على القنوات الدبلوماسية خاصة في الأوقات الصعبة. وأضاف أن التطورات الأخيرة الناتجة عن الحرب الأوكرانية لا تشير إلى قرب عودة العلاقات بين برلين وموسكو. أما توم غولر فيرى أن التطورات السياسية الأخيرة في واشنطن أصابت ألمانيا "بألم بالغ"، وجعلتها غير قادرة على الاعتماد على دعم الولايات المتحدة، ولا على تصرفات بوتين غير المتوقعة. ويؤكد أن إعادة التفكير في العلاقات مع القوتين الكبيرتين قد بدأت بالفعل في برلين، وتناقَش مع شركاء الاتحاد الأوروبي.