أحدث الأخبار مع #إيزاكسون


شفق نيوز
٢٢-٠٤-٢٠٢٥
- علوم
- شفق نيوز
هل تعرف الكائنات الفضائية بوجود البشر؟
كنا نبحث في السماء منذ فترة، ولكن على الرغم من عقود من الاستماع إلى إشارات الراديو والبحث عن دلائل تشير إلى أن عوالم أخرى قد تكون صالحة للسكن ولو بشكل غامض، إلا أن النتائج كانت ضئيلة حتى الآن. فبينما حدد علماء الفلك بعض الأماكن التي يُحتمل وجود حياة فيها في مواقع أخرى من الكون، إلى جانب الإشارة الغامضة الغريبة، لا يوجد حتى الآن أي دليل ملموس على وجود حياة فضائية. لكن ماذا لو كانت هناك حياة؟ وماذا لو كانوا ينظرون إلينا، ويحاولون إيجادنا؟ هل سيعرفون بوجود حياة على الأرض؟ هذا سؤال اضطر العلماء إلى مواجهته في السنوات الأخيرة، إذ نواصل بث وجودنا، دون قصد، إلى المجرة. تقول جاكلين فارتي، عالمة الفيزياء الفلكية في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في الولايات المتحدة: "لو قارنّا أنفسنا في الفضاء بمرآة، فماذا سيرون مِنّا؟ نحن نراقب، هذا يعني أن عوالم أخرى ربما تراقبنا أيضاً". حتى الآن، اكتشفنا أكثر من 5500 كوكب تدور حول نجوم أخرى في مجرتنا، وتُسمى الكواكب الخارجية، لكن هذه الملاحظات لا تزال في بداياتها، إذ يُرجح وجود تريليونات من العوالم المنتشرة في جميع أنحاء مجرة درب التبانة. وقد بدأنا في البحث عن بعض هذه العوالم، سواء من خلال بصمات كيميائية في أغلفتها الجوية قد تشير إلى نشاط بيولوجي، أو حتى بصمات تقنية قد تُصدرها أشكال حياة ذكية، وهي إشارات راديوية أُرسلت إلينا، إما عَمْداً أو عن طريق الخطأ. وتبث الأرض حضورها في المجرة منذ قرن تقريباً. ويقول هوارد إيزاكسون، عالم الفلك في جامعة كاليفورنيا، في بيركلي بالولايات المتحدة الأمريكية، إن الفترة الأبرز كانت من عام 1900 وحتى الحرب العالمية الثانية، عندما كانت إشاراتنا الراديوية أقوى. ويضيف: "كان لا بد من أن تكون أقوى لأن أجهزة الراديو التي يستمع إليها الناس لم تكن مزودة بأجهزة استقبال حساسة". ونواصل بث إشارات الراديو اليوم، من البرامج التلفزيونية إلى الاتصالات عبر الأقمار الصناعية، ولكن بطريقة أقل قابلية للرصد. ويقول توماس بيتي، عالم الفلك في جامعة ويسكونسن بالولايات المتحدة: "لا ترغب محطات الراديو في البث إلى الفضاء، بل ترغب في البث إلى الأرض". أما وسائل الاتصال الحديثة الأخرى، مثل إشارات الهاتف المحمول، فمن غير المرجح أن تكون قابلة للرصد . لكن ليست كل إشاراتنا بهذه الضعف. ففي جميع أنحاء النظام الشمسي، لدينا العديد من المركبات الفضائية التي تستكشف مواقع مختلفة، مثل المريخ والمشتري، وحتى الأطراف الخارجية للشمس. وأبعد هذه المركبات هي مركبة فوياجر 1 التابعة لناسا والتي تبعد 24 مليار كيلومتر عن الأرض، مما يتطلب شبكة قوية من الأطباق الفضائية على الأرض تُعرف باسم شبكة الفضاء العميق للتواصل معها. وفي أبريل/ نيسان، قام إيزاكسون بحساب بعض هذه الإشارات، التي تصل قوتها إلى 20 كيلوواط، والتي قد تصل إلى نجوم أخرى أثناء مرورها بالمركبة الفضائية البعيدة ومواصلة رحلتها إلى الفضاء، ووجد أن 4 نجوم قريبة وأي كواكب مصاحبة لها قد تلقت الإشارات بالفعل، ومن المرجح أن يسمع أكثر من 1000 نجم هذه الإشارات بحلول عام 2300. ويقول إيزاكسون: "ستظهر الإشارة بالتأكيد على أنها اصطناعية". وبحلول عام 2031، سيكون لدى أقرب النجوم وقت كافٍ لاستقبال الإشارات وبث رسالتها الخاصة، وهو ما قد يكون هدفاً مثيراً للاهتمام في الدراسات المستقبلية. لكن ماذا لو كان علماء الفلك الفضائيون أكثر تفانياً؟ قد يحاولون رصد كوكبنا قبل استقبال أي إشارات كهذه، إذا تمكنوا من رؤية كوكبنا يمر أمام شمسنا، وهو ما يُعرف بالعبور، فسيتمكنون من رؤية ضوء الشمس يمر عبر غلافنا الجوي وتمييز غازاته المختلفة. وفي عام 2021 ، وجدت فارتي ما يقرب من ألْفَيْ نجمٍ ضمن نطاق 300 سنة ضوئية من الأرض، يُمكنها رؤية مثل هذا العبور. وتقول: "إنها مجموعة كبيرة من العوالم". ويقول بول ريمر، وهو عالم كيمياء فلكية في جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة، إن أفضل مؤشر على وجود الحياة على الأرض من مثل هذه الملاحظات قد يكون الأوكسجين والنيتروجين وبخار الماء، وهو ما "سيكون مؤشراً على وجود محيط سائل مستقر". وقد يُقدّم ثاني أكسيد النيتروجين أيضاً بعض الأدلة على أن كوكبنا كان مأهولاً بكائنات حية ذكية. ويقول هيكتور سوكاس-نافارو، عالم الفيزياء الفلكية في معهد الفيزياء الفلكية في جزر الكناري بإسبانيا، إن هذا الغاز "هو في الأساس ناتج ثانوي للاحتراق، لذا قد يستنتجون أننا نحرق أشياءً هنا". وقد تكون مركبات الكلوروفلوروكربون من الهباء الجوي والمبردات ومصادر أخرى دليلاً قاطعاً على وجود نشاط صناعي على كوكبنا. وتقول ماسي هيوستن، عالمة الفلك في جامعة كاليفورنيا، في بيركلي بالولايات المتحدة: "نحن على يقينٍ تامٍ من أنه لا يمكن إنتاجها إلا بالتكنولوجيا". وقد لا تكون ملوثات الغلاف الجوي أو الإشارات الراديوية من أكثر البصمات التقنية كشفاً من الأرض، بل أضواء مدينتنا. ومن المرجح أن الأرض في شكلها الحالي ليست متحضرة بما يكفي لتُكتشف بهذه الطريقة، على الأقل ضمن معايير تلسكوباتنا حيث تغطي المدن أقل من 1 في المئة من سطح الأرض . إنها بعيدة كل البعد عن أن تكون مدينة عالمية - مدينة على مستوى الكوكب، تشبه عالم كوروسكانت الخيالي في أفلام حرب النجوم. ومع ذلك، إذا استمر التطور بوتيرته الحالية، فقد يتضخم التحضر بحلول عام 2150 بمقدار 10 أضعاف مستوياته الحالية، وقد نصبح حينها بمثابة منارة للتلسكوبات الحديثة، كما يقول بيتي. لكن الحضارات الفضائية، التي تمتلك تلسكوبات أكثر تطوراً، قد تكون قادرة على رصدنا بالفعل. ويقول: "من المحتمل جداً أن يكون هناك علماء فلك فضائيون بنَوْا تلسكوباً فضائياً قطره 100 متر، وهو قادر على رؤيتنا الآن". وحتى لو امتلك علماء الفلك الفضائيون تلسكوباً أصغر لا يرصد سوى النقطة الخافتة من كوكبنا، فقد يظلون قادرين على استنتاج أنه مأهول، فبمعرفة مَيَلان الأرض ودورانها، يمكن استخدام الضوء المنبعث من كوكبنا لرسم خريطة أولية لسطحنا، تُظهر اليابسة والمحيطات وحتى السواحل، وفقاً لجوناثان جيانغ، عالم الفيزياء الفلكية من مختبر الدفع النفاث التابع لناسا في الولايات المتحدة. ويقول جيانغ، الذي استخدم مركبة فضائية في نظامنا الشمسي عام 2018 لعرض هذه التقنية على الأرض: "ما دام بإمكانك رؤية نقطة ضوء، فإذن، تستطيع تحليلها". وكل هذا يثير التساؤل عما إذا كنا نريد حقاً أن نكون بارزين إلى هذا الحد. ويقول بيتي: "في الأفلام، نتعرض دائماً للغزو". وفي الواقع، العلماء أكثر حرصاً على جعل وجودنا معروفاً، حتى أنهم يرسلون أحياناً رسائل هادفة إلى الكون - مثل إشارة الراديو الشهيرة عالية الطاقة التي تحتوي على صورة بسيطة عن الإنسانية، وقد أرسلها تلسكوب أريسيبو الراديوي في بورتوريكو عام 1974، والذي لم يعد موجوداً الآن. تقول بيث بيلر، عالمة الفلك في جامعة إدنبرة في المملكة المتحدة: "أنا لست قلقة حقاً بشأن سيناريوهات يوم الاستقلال". ومع استمرار البشرية في تغيير كوكبنا، بافتراض أننا لن ننهي وجودنا أولاً بالحرب أو غيرها من الوسائل، فمن المرجح أن تصبح الأرض أكثر وضوحاً. ويقول سوكاس-نافارو إن علماء الفلك الفضائيين قد يرصدون يوماً ما سحابة الأقمار الصناعية التي تدور حول كوكبنا. ويضيف: "سنحتاج إلى مليار ضعف ما لدينا الآن، وهو رقم يبدو كبيراً، لكننا انتقلنا من سيارة واحدة إلى أكثر من مليار سيارة في غضون بضعة عقود". وربما، إذا كنا حريصين على التواصل الأول، يُمكننا بذل المزيد من الجهود لجذب الانتباه، مثل بث رسائل كرسالة أريسيبو. حتى الآن، لم تُجرَ سوى محاولات قليلة أخرى . ويقول ريمر: "لو كان الأمر بيدي فقط، لبثثتُ وجودنا على أمل أن يُجيبني أحدهم، لكن هذا مجرد رأيي، أعتقد أن هذا قرار يجب اتخاذه عالمياً". ويقول بيتي إنه إذا أيّد الجمهور الفكرة، فقد تتمثل إحدى الطرق في بناء هياكل ضخمة في الفضاء، مثل مثلث أو مربع كبير بحجم كوكب مصنوع من مادة رقيقة تبدو اصطناعية لعلماء الفلك الفضائيين. ويضيف: "ستكون هذه هي الطريقة الرئيسية لجذب الانتباه، إذا أردنا ذلك". وفي الوقت الحالي، لا تزال علامات وجودنا متواضعة، لكنها لا تزال قابلة للرصد. ويقول سيث شوستاك، كبير علماء الفلك في معهد سيتي (البحث عن ذكاء خارج الأرض) في الولايات المتحدة: "إنهم لا يحتاجون إلى معجزات، إنهم يحتاجون فقط إلى التكنولوجيا التي لدينا، ولكن على نطاق أوسع".


سيدر نيوز
٢٢-٠٤-٢٠٢٥
- علوم
- سيدر نيوز
هل تعرف الكائنات الفضائية بوجود البشر؟
كنا نبحث في السماء منذ فترة، ولكن على الرغم من عقود من الاستماع إلى إشارات الراديو والبحث عن دلائل تشير إلى أن عوالم أخرى قد تكون صالحة للسكن ولو بشكل غامض، إلا أن النتائج كانت ضئيلة حتى الآن. فبينما حدد علماء الفلك بعض الأماكن التي يُحتمل وجود حياة فيها في أماكن أخرى من الكون، إلى جانب الإشارة الغامضة الغريبة، لا يوجد حتى الآن أي دليل ملموس على وجود حياة فضائية. لكن ماذا لو كانت هناك حياة؟ وماذا لو كانوا ينظرون إلينا، ويحاولون إيجادنا؟ هل سيعرفون بوجود حياة على الأرض؟ هذا سؤال اضطر العلماء إلى مواجهته في السنوات الأخيرة، إذ نواصل بث وجودنا، دون قصد، إلى المجرة. وتقول جاكلين فارتي، عالمة الفيزياء الفلكية في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في الولايات المتحدة: 'لو قارنا أنفسنا في الفضاء بمرآة، فماذا سيرون منا؟ نحن نراقب، هذا يعني أن عوالم أخرى ربما تراقبنا أيضًا'. حتى الآن، اكتشفنا أكثر من 5500 كوكب تدور حول نجوم أخرى في مجرتنا، وتُسمى الكواكب الخارجية، لكن هذه الملاحظات لا تزال في بداياتها، إذ يُرجح وجود تريليونات من العوالم المنتشرة في جميع أنحاء مجرة درب التبانة. وقد بدأنا في البحث عن بعض هذه العوالم، سواءً من خلال بصمات كيميائية في أغلفتها الجوية قد تشير إلى نشاط بيولوجي، أو حتى بصمات تقنية قد تُصدرها أشكال حياة ذكية، وهي إشارات راديوية أُرسلت إلينا، إما عمدا أو عن طريق الخطأ. وتبث الأرض حضورها في المجرة منذ قرن تقريبًا. ويقول هوارد إيزاكسون، عالم الفلك في جامعة كاليفورنيا، في بيركلي بالولايات المتحدة الأمريكية، إن الفترة الأبرز كانت من عام 1900 وحتى الحرب العالمية الثانية، عندما كانت إشاراتنا الراديوية أقوى. ويضيف: 'كان لا بد من أن تكون أقوى لأن أجهزة الراديو التي يستمع إليها الناس لم تكن مزودة بأجهزة استقبال حساسة'. ونواصل بث إشارات الراديو اليوم، من البرامج التلفزيونية إلى الاتصالات عبر الأقمار الصناعية، ولكن بطريقة أقل قابلية للرصد. ويقول توماس بيتي، عالم الفلك في جامعة ويسكونسن بالولايات المتحدة: 'لا ترغب محطات الراديو في البث إلى الفضاء، بل ترغب في البث إلى الأرض'. أما وسائل الاتصال الحديثة الأخرى، مثل إشارات الهاتف المحمول، فمن غير المرجح أن تكون قابلة للرصد . لكن ليست كل إشاراتنا بهذه الضعف. ففي جميع أنحاء النظام الشمسي، لدينا العديد من المركبات الفضائية التي تستكشف مواقع مختلفة، مثل المريخ والمشتري، وحتى الأطراف الخارجية للشمس. وأبعد هذه المركبات هي مركبة فوييغر 1 التابعة لناسا والتي تبعد 24 مليار كيلومتر عن الأرض، مما يتطلب شبكة قوية من الأطباق الفضائية على الأرض تُعرف باسم شبكة الفضاء العميق للتواصل معها. وفي أبريل/ نيسان، قام إيزاكسون بحساب بعض هذه الإشارات، التي تصل قوتها إلى 20 كيلوواط، والتي قد تصل إلى نجوم أخرى أثناء مرورها بالمركبة الفضائية البعيدة ومواصلة رحلتها إلى الفضاء، ووجد أن 4 نجوم قريبة وأي كواكب مصاحبة لها قد تلقت الإشارات بالفعل، ومن المرجح أن يسمع أكثر من 1000 نجم هذه الإشارات بحلول عام 2300. ويقول إيزاكسون: 'ستظهر الإشارة بالتأكيد على أنها اصطناعية'. وبحلول عام 2031، سيكون لدى أقرب النجوم وقتًا كافيًا لاستقبال الإشارات وإرسال رسالتها الخاصة، وهو ما قد يكون هدفًا مثيرًا للاهتمام للدراسات المستقبلية. لكن ماذا لو كان علماء الفلك الفضائيون أكثر تفانيًا؟ قد يحاولون رصد كوكبنا قبل استقبال أي إشارات كهذه، إذا تمكنوا من رؤية كوكبنا يمر أمام شمسنا، وهو ما يُعرف بالعبور، فسيتمكنون من رؤية ضوء الشمس يمر عبر غلافنا الجوي وتمييز غازاته المختلفة. وفي عام 2021 ، وجدت فارتي ما يقرب من ألفين نجم ضمن نطاق 300 سنة ضوئية من الأرض، يُمكنها رؤية مثل هذا العبور. وتقول: 'إنها مجموعة كبيرة من العوالم'. ويقول بول ريمر، وهو عالم كيمياء فلكية في جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة، إن أفضل مؤشر على وجود الحياة على الأرض من مثل هذه الملاحظات قد يكون الأوكسجين والنيتروجين وبخار الماء، وهو ما 'سيكون مؤشراً على وجود محيط سائل مستقر'. وقد يُقدم ثاني أكسيد النيتروجين أيضًا بعض الأدلة على أن كوكبنا كان مأهولًا بكائنات حية ذكية. ويقول هيكتور سوكاس-نافارو، عالم الفيزياء الفلكية في معهد الفيزياء الفلكية في جزر الكناري بإسبانيا، إن هذا الغاز 'هو في الأساس ناتج ثانوي للاحتراق، لذا قد يستنتجون أننا نحرق أشياءً هنا'. وقد تكون مركبات الكلوروفلوروكربون من الهباء الجوي والمبردات ومصادر أخرى دليلاً قاطعاً على وجود نشاط صناعي على كوكبنا. وتقول ماسي هيوستن، عالمة الفلك في جامعة كاليفورنيا، في بيركلي بالولايات المتحدة: 'نحن على يقين تام من أنه لا يمكن إنتاجها إلا بالتكنولوجيا'. وقد لا تكون ملوثات الغلاف الجوي أو الإشارات الراديوية من أكثر البصمات التقنية كشفًا من الأرض، بل أضواء مدينتنا. ومن المرجح أن الأرض في شكلها الحالي ليست متحضرة بما يكفي لتُكتشف بهذه الطريقة، على الأقل ضمن معايير تلسكوباتنا حيث تغطي المدن أقل من 1 في المئة من سطح الأرض . إنها بعيدة كل البعد عن أن تكون مدينة عالمية – مدينة على مستوى الكوكب، تشبه عالم كوروسكانت الخيالي في أفلام حرب النجوم. ومع ذلك، إذا استمر التطور بوتيرته الحالية، فقد يتضخم التحضر بحلول عام 2150 بمقدار 10 أضعاف مستوياته الحالية، وقد نصبح حينها بمثابة منارة للتلسكوبات الحديثة، كما يقول بيتي. لكن الحضارات الفضائية، التي تمتلك تلسكوبات أكثر تطورًا، قد تكون قادرة على رصدنا بالفعل. ويقول: 'من المحتمل جدًا أن يكون هناك علماء فلك فضائيون بنوا تلسكوبًا فضائيًا قطره 100 متر قادر على رؤيتنا الآن'. وحتى لو امتلك علماء الفلك الفضائيون تلسكوبًا أصغر لا يرصد سوى النقطة الخافتة من كوكبنا، فقد يظلون قادرين على استنتاج أنه مأهول، فبمعرفة ميلان الأرض ودورانها، يمكن استخدام الضوء المنبعث من كوكبنا لرسم خريطة أولية لسطحنا، تُظهر اليابسة والمحيطات وحتى السواحل، وفقًا لجوناثان جيانغ، عالم الفيزياء الفلكية من مختبر الدفع النفاث التابع لناسا في الولايات المتحدة. ويقول جيانغ، الذي استخدم مركبة فضائية في نظامنا الشمسي عام 2018 لعرض هذه التقنية على الأرض: 'ما دام بإمكانك رؤية نقطة ضوء، يمكنك تحليلها'. وكل هذا يثير التساؤل عما إذا كنا نريد حقًا أن نكون بارزين إلى هذا الحد. ويقول بيتي: 'في الأفلام، نتعرض دائمًا للغزو'. وفي الواقع، العلماء أكثر حرصًا على جعل وجودنا معروفًا، حتى أنهم يرسلون أحيانًا رسائل هادفة إلى الكون – مثل إشارة الراديو الشهيرة عالية الطاقة التي تحتوي على صورة بسيطة عن الإنسانية أرسلها تلسكوب أريسيبو الراديوي في بورتوريكو عام 1974، والذي لم يعد موجودًا الآن. وتقول بيث بيلر، عالمة الفلك في جامعة إدنبرة في المملكة المتحدة: 'أنا لست قلقة حقًا بشأن سيناريوهات يوم الاستقلال'. ومع استمرار البشرية في تغيير كوكبنا، بافتراض أننا لن ننهي وجودنا أولاً بالحرب أو غيرها من الوسائل، فمن المرجح أن تصبح الأرض أكثر وضوحًا. ويقول سوكاس-نافارو إن علماء الفلك الفضائيين قد يرصدون يومًا ما سحابة الأقمار الصناعية التي تدور حول كوكبنا. ويضيف: 'سنحتاج إلى مليار ضعف ما لدينا الآن، وهو رقم يبدو كبيرًا، لكننا انتقلنا من سيارة واحدة إلى أكثر من مليار سيارة في غضون بضعة عقود'. وربما، إذا كنا حريصين على التواصل الأول، يُمكننا بذل المزيد من الجهود لجذب الانتباه، مثل بث رسائل مثل رسالة أريسيبو. حتى الآن، لم تُجرَ سوى محاولات قليلة أخرى . ويقول ريمر: 'لو كان الأمر بيدي فقط، لبثثتُ وجودنا على أمل أن يُجيبني أحدهم، لكن هذا مجرد رأيي، أعتقد أن هذا قرار يجب اتخاذه عالميًا'. ويقول بيتي إنه إذا أيد الجمهور الفكرة، فقد تتمثل إحدى الأفكار في بناء هياكل ضخمة في الفضاء، مثل مثلث أو مربع كبير بحجم كوكب مصنوع من مادة رقيقة تبدو اصطناعية لعلماء الفلك الفضائيين. ويضيف: 'ستكون هذه هي الطريقة الرئيسية لجذب الانتباه، إذا أردنا ذلك'. وفي الوقت الحالي، لا تزال علامات وجودنا متواضعة، لكنها لا تزال قابلة للرصد. ويقول سيث شوستاك، كبير علماء الفلك في معهد سيتي (البحث عن ذكاء خارج الأرض) في الولايات المتحدة: 'إنهم لا يحتاجون إلى معجزات، إنهم يحتاجون فقط إلى التكنولوجيا التي لدينا، ولكن على نطاق أوسع'.


BBC عربية
٢٢-٠٤-٢٠٢٥
- علوم
- BBC عربية
هل تعرف الكائنات الفضائية بوجود البشر؟
كنا نبحث في السماء منذ فترة، ولكن على الرغم من عقود من الاستماع إلى إشارات الراديو والبحث عن دلائل تشير إلى أن عوالم أخرى قد تكون صالحة للسكن ولو بشكل غامض، إلا أن النتائج كانت ضئيلة حتى الآن. فبينما حدد علماء الفلك بعض الأماكن التي يُحتمل وجود حياة فيها في أماكن أخرى من الكون، إلى جانب الإشارة الغامضة الغريبة، لا يوجد حتى الآن أي دليل ملموس على وجود حياة فضائية. لكن ماذا لو كانت هناك حياة؟ وماذا لو كانوا ينظرون إلينا، ويحاولون إيجادنا؟ هل سيعرفون بوجود حياة على الأرض؟ هذا سؤال اضطر العلماء إلى مواجهته في السنوات الأخيرة، إذ نواصل بث وجودنا، دون قصد، إلى المجرة. وتقول جاكلين فارتي، عالمة الفيزياء الفلكية في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في الولايات المتحدة: "لو قارنا أنفسنا في الفضاء بمرآة، فماذا سيرون منا؟ نحن نراقب، هذا يعني أن عوالم أخرى ربما تراقبنا أيضًا". حتى الآن، اكتشفنا أكثر من 5500 كوكب تدور حول نجوم أخرى في مجرتنا، وتُسمى الكواكب الخارجية، لكن هذه الملاحظات لا تزال في بداياتها، إذ يُرجح وجود تريليونات من العوالم المنتشرة في جميع أنحاء مجرة درب التبانة. وقد بدأنا في البحث عن بعض هذه العوالم، سواءً من خلال بصمات كيميائية في أغلفتها الجوية قد تشير إلى نشاط بيولوجي، أو حتى بصمات تقنية قد تُصدرها أشكال حياة ذكية، وهي إشارات راديوية أُرسلت إلينا، إما عمدا أو عن طريق الخطأ. وتبث الأرض حضورها في المجرة منذ قرن تقريبًا. ويقول هوارد إيزاكسون، عالم الفلك في جامعة كاليفورنيا، في بيركلي بالولايات المتحدة الأمريكية، إن الفترة الأبرز كانت من عام 1900 وحتى الحرب العالمية الثانية، عندما كانت إشاراتنا الراديوية أقوى. ويضيف: "كان لا بد من أن تكون أقوى لأن أجهزة الراديو التي يستمع إليها الناس لم تكن مزودة بأجهزة استقبال حساسة". ونواصل بث إشارات الراديو اليوم، من البرامج التلفزيونية إلى الاتصالات عبر الأقمار الصناعية، ولكن بطريقة أقل قابلية للرصد. ويقول توماس بيتي، عالم الفلك في جامعة ويسكونسن بالولايات المتحدة: "لا ترغب محطات الراديو في البث إلى الفضاء، بل ترغب في البث إلى الأرض". أما وسائل الاتصال الحديثة الأخرى، مثل إشارات الهاتف المحمول، فمن غير المرجح أن تكون قابلة للرصد . لكن ليست كل إشاراتنا بهذه الضعف. ففي جميع أنحاء النظام الشمسي، لدينا العديد من المركبات الفضائية التي تستكشف مواقع مختلفة، مثل المريخ والمشتري، وحتى الأطراف الخارجية للشمس. وأبعد هذه المركبات هي مركبة فوييغر 1 التابعة لناسا والتي تبعد 24 مليار كيلومتر عن الأرض، مما يتطلب شبكة قوية من الأطباق الفضائية على الأرض تُعرف باسم شبكة الفضاء العميق للتواصل معها. وفي أبريل/ نيسان، قام إيزاكسون بحساب بعض هذه الإشارات، التي تصل قوتها إلى 20 كيلوواط، والتي قد تصل إلى نجوم أخرى أثناء مرورها بالمركبة الفضائية البعيدة ومواصلة رحلتها إلى الفضاء، ووجد أن 4 نجوم قريبة وأي كواكب مصاحبة لها قد تلقت الإشارات بالفعل، ومن المرجح أن يسمع أكثر من 1000 نجم هذه الإشارات بحلول عام 2300. ويقول إيزاكسون: "ستظهر الإشارة بالتأكيد على أنها اصطناعية". وبحلول عام 2031، سيكون لدى أقرب النجوم وقتًا كافيًا لاستقبال الإشارات وإرسال رسالتها الخاصة، وهو ما قد يكون هدفًا مثيرًا للاهتمام للدراسات المستقبلية. لكن ماذا لو كان علماء الفلك الفضائيون أكثر تفانيًا؟ قد يحاولون رصد كوكبنا قبل استقبال أي إشارات كهذه، إذا تمكنوا من رؤية كوكبنا يمر أمام شمسنا، وهو ما يُعرف بالعبور، فسيتمكنون من رؤية ضوء الشمس يمر عبر غلافنا الجوي وتمييز غازاته المختلفة. وفي عام 2021 ، وجدت فارتي ما يقرب من ألفين نجم ضمن نطاق 300 سنة ضوئية من الأرض، يُمكنها رؤية مثل هذا العبور. وتقول: "إنها مجموعة كبيرة من العوالم". ويقول بول ريمر، وهو عالم كيمياء فلكية في جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة، إن أفضل مؤشر على وجود الحياة على الأرض من مثل هذه الملاحظات قد يكون الأوكسجين والنيتروجين وبخار الماء، وهو ما "سيكون مؤشراً على وجود محيط سائل مستقر". وقد يُقدم ثاني أكسيد النيتروجين أيضًا بعض الأدلة على أن كوكبنا كان مأهولًا بكائنات حية ذكية. ويقول هيكتور سوكاس-نافارو، عالم الفيزياء الفلكية في معهد الفيزياء الفلكية في جزر الكناري بإسبانيا، إن هذا الغاز "هو في الأساس ناتج ثانوي للاحتراق، لذا قد يستنتجون أننا نحرق أشياءً هنا". وقد تكون مركبات الكلوروفلوروكربون من الهباء الجوي والمبردات ومصادر أخرى دليلاً قاطعاً على وجود نشاط صناعي على كوكبنا. وتقول ماسي هيوستن، عالمة الفلك في جامعة كاليفورنيا، في بيركلي بالولايات المتحدة: "نحن على يقين تام من أنه لا يمكن إنتاجها إلا بالتكنولوجيا". وقد لا تكون ملوثات الغلاف الجوي أو الإشارات الراديوية من أكثر البصمات التقنية كشفًا من الأرض، بل أضواء مدينتنا. ومن المرجح أن الأرض في شكلها الحالي ليست متحضرة بما يكفي لتُكتشف بهذه الطريقة، على الأقل ضمن معايير تلسكوباتنا حيث تغطي المدن أقل من 1 في المئة من سطح الأرض . إنها بعيدة كل البعد عن أن تكون مدينة عالمية - مدينة على مستوى الكوكب، تشبه عالم كوروسكانت الخيالي في أفلام حرب النجوم. ومع ذلك، إذا استمر التطور بوتيرته الحالية، فقد يتضخم التحضر بحلول عام 2150 بمقدار 10 أضعاف مستوياته الحالية، وقد نصبح حينها بمثابة منارة للتلسكوبات الحديثة، كما يقول بيتي. لكن الحضارات الفضائية، التي تمتلك تلسكوبات أكثر تطورًا، قد تكون قادرة على رصدنا بالفعل. ويقول: "من المحتمل جدًا أن يكون هناك علماء فلك فضائيون بنوا تلسكوبًا فضائيًا قطره 100 متر قادر على رؤيتنا الآن". وحتى لو امتلك علماء الفلك الفضائيون تلسكوبًا أصغر لا يرصد سوى النقطة الخافتة من كوكبنا، فقد يظلون قادرين على استنتاج أنه مأهول، فبمعرفة ميلان الأرض ودورانها، يمكن استخدام الضوء المنبعث من كوكبنا لرسم خريطة أولية لسطحنا، تُظهر اليابسة والمحيطات وحتى السواحل، وفقًا لجوناثان جيانغ، عالم الفيزياء الفلكية من مختبر الدفع النفاث التابع لناسا في الولايات المتحدة. ويقول جيانغ، الذي استخدم مركبة فضائية في نظامنا الشمسي عام 2018 لعرض هذه التقنية على الأرض: "ما دام بإمكانك رؤية نقطة ضوء، يمكنك تحليلها". وكل هذا يثير التساؤل عما إذا كنا نريد حقًا أن نكون بارزين إلى هذا الحد. ويقول بيتي: "في الأفلام، نتعرض دائمًا للغزو". وفي الواقع، العلماء أكثر حرصًا على جعل وجودنا معروفًا، حتى أنهم يرسلون أحيانًا رسائل هادفة إلى الكون - مثل إشارة الراديو الشهيرة عالية الطاقة التي تحتوي على صورة بسيطة عن الإنسانية أرسلها تلسكوب أريسيبو الراديوي في بورتوريكو عام 1974، والذي لم يعد موجودًا الآن. وتقول بيث بيلر، عالمة الفلك في جامعة إدنبرة في المملكة المتحدة: "أنا لست قلقة حقًا بشأن سيناريوهات يوم الاستقلال". ومع استمرار البشرية في تغيير كوكبنا، بافتراض أننا لن ننهي وجودنا أولاً بالحرب أو غيرها من الوسائل، فمن المرجح أن تصبح الأرض أكثر وضوحًا. ويقول سوكاس-نافارو إن علماء الفلك الفضائيين قد يرصدون يومًا ما سحابة الأقمار الصناعية التي تدور حول كوكبنا. ويضيف: "سنحتاج إلى مليار ضعف ما لدينا الآن، وهو رقم يبدو كبيرًا، لكننا انتقلنا من سيارة واحدة إلى أكثر من مليار سيارة في غضون بضعة عقود". وربما، إذا كنا حريصين على التواصل الأول، يُمكننا بذل المزيد من الجهود لجذب الانتباه، مثل بث رسائل مثل رسالة أريسيبو. حتى الآن، لم تُجرَ سوى محاولات قليلة أخرى . ويقول ريمر: "لو كان الأمر بيدي فقط، لبثثتُ وجودنا على أمل أن يُجيبني أحدهم، لكن هذا مجرد رأيي، أعتقد أن هذا قرار يجب اتخاذه عالميًا". ويقول بيتي إنه إذا أيد الجمهور الفكرة، فقد تتمثل إحدى الأفكار في بناء هياكل ضخمة في الفضاء، مثل مثلث أو مربع كبير بحجم كوكب مصنوع من مادة رقيقة تبدو اصطناعية لعلماء الفلك الفضائيين. ويضيف: "ستكون هذه هي الطريقة الرئيسية لجذب الانتباه، إذا أردنا ذلك". وفي الوقت الحالي، لا تزال علامات وجودنا متواضعة، لكنها لا تزال قابلة للرصد. ويقول سيث شوستاك، كبير علماء الفلك في معهد سيتي (البحث عن ذكاء خارج الأرض) في الولايات المتحدة: "إنهم لا يحتاجون إلى معجزات، إنهم يحتاجون فقط إلى التكنولوجيا التي لدينا، ولكن على نطاق أوسع". السؤال الحقيقي الذي يجب أن نسأله هو: هل هناك من ينظر في اتجاهنا ليلاحظ ذلك؟


عمان اليومية
١٤-٠٣-٢٠٢٥
- ترفيه
- عمان اليومية
تأملات في الكتابة عن العبقرية
تأملات في الكتابة عن العبقرية في إحدى زياراتي إلى شارع المتنبي، أهداني صديقٌ كتابًا مترجمًا عن ليوناردو دافينشي، من تأليف والتر إيزاكسون وترجمة محسن بني سعيد. فأثار فضولي: كيف يمكن لمؤلفٍ أن يعالج شخصية موسوعية بحجم دافينشي دون الوقوع في شرك الإعجاب المبالغ فيه؟ إنّ التصدي لكتابة سيرة رجلٍ تُجمع الألسن على عبقريّته مغامرة قد تجرّ إلى درك التمجيد. فالتاريخ حافل بسِيَرٍ تحوّلت فيها الشخصيات إلى رموزٍ معصومة، بعيدًا عن التناقضات الواقعية. ولعلّ كتاب جورجيو فازاري حياة الفنانين «1550» مثال على الهالة الأسطورية التي أُضفيت على عمالقة النهضة، ما يفسّر جزئيًّا الأسعار الخيالية لأعمالهم اليوم، كبيع لوحة سلفاتور مندي المنسوبة لليوناردو بقيمةٍ قاربت 450 مليون دولار. يعتمد إيزاكسون في كتابه منهجًا يجمع بين التأريخ والتحليل، متتبعًا أعمال ليوناردو ومشاريعه، من رسومٍ ولوحاتٍ وصولًا إلى ابتكاراته الهندسية. يُضيف بذلك بُعدًا علميًّا يبني على أحدث الاكتشافات، مثل نسب والدته الحقيقي، واكتشاف لوحة مبكرة للقديس سباستيان في مزادٍ فرنسي عام 2016، إلى جانب تحليلٍ بالأشعة تحت الحمراء يكشف عن فروقٍ بين نسختي عذراء الصخور. ويؤكّد المؤلّف أيضًا أنّ حقبة النهضة كانت زمنًا للعمل الجماعي، حين تلاقحت المواهب في ورشٍ مشتركةٍ تحتضن العقول المتقدة، فلا تكون العبقرية حِكرًا على فردٍ بعينه. وقد جاءت سيرته أشبه برصد متحمّس لكل مشروع تبنّاه ليوناردو، لا بوصفها تأريخًا لحياته فحسب، بل استقصاءً لرحلة إبداعه. وليس في ذلك مأخذ، بل يُحمد للكاتب أنه يضع بين يدي القارئ أحدث ما توصل إليه الباحثون المعاصرون، من إثبات نسب والدته الحقيقي، إلى الكشف عن لوحة مبكرة للقديس سباستيان عُثر عليها في دار مزادات فرنسية عام 2016، فضلًا عن تحليل الأشعة تحت الحمراء الذي كشف الفروق بين نسختي عذراء الصخور. كذلك، لا يغفل الكاتب عن الإشارة إلى طبيعة الفن في عصر النهضة، مؤكدًا أنّ العبقرية الفردية لم تكن وحدها المحرك، بل كان العمل الفني ثمرة ورش جماعية، حيث تتلاقى العقول وتتضافر الجهود، ليولد الإبداع من روح الجماعة لا من فردية النبوغ وحدها. ولعلّ أبرز إنجاز لإيزاكسون هو رسم صورة ليوناردو فنانًا مسكونًا بالكمال حدّ الوسواس؛ إذ ينوء تحت وطأة مشاريعه التي لا تُستكمَلُ إلا بشقّ النفس، كما في التمثال الفروسي الضخم للودوفيكو سفورزا في ميلانو، والجدارية العظمى لمعركة أنغياري في فلورنسا، وحتى مشروعه الطموح لتغيير مجرى نهر أرنو. ويخصّص الكاتب مساحةً واسعةً لتحليل تنظيرات ليوناردو حول فن الرسم، مقارنًا إياها بلوحاته الباقية. وتبرز جرأته في مخالفته بعض المختصين، كما في تفسير الإصبع البارزة في لوحة القدّيس يوحنا المعمدان في متحف اللوفر، إذ يصرّ على أنها ابتكارٌ متعمَّد. وحتى إن لم نقتنع ببعض هذه الاجتهادات، فإنّ الكتاب يبهرنا بالرسومات الملونة واللوحات المدمجة التي تُعين القارئ على تتبع أفكار المؤلّف خطوةً خطوة، ولا سيما عندما يشرح تقنية سفوماتو التي جعلت لوحات ليوناردو تنبضُ بالحياة. لكن لهذا التركيز الشديد سلبياته؛ إذ يقع إيزاكسون في شرك الحماسة المفرطة لعبقرية ليوناردو، ويورد إشاداتٍ قد تُبخس حقَّ معاصريه وأسلافه. ففي حقبته الفلورنسية الأولى، على سبيل المثال، لا نجد تفصيلًا وافيًا لأثر جوتو وماساتشيو، اللذين أثّرَا في تطوُّر فن الرسم وشكّلا أرضيةً ألهمت ليوناردو نفسه. ولعل السبب هو قناعة الكاتب بفكرة «العبقرية الخالدة عبر التاريخ»، إذ يرى في ليوناردو مثالًا فذًّا لا يحتاج إلى إرثٍ سابق. إلا أنّ هذه النظرة قد تغفل التراكمات الحضارية والعلمية التي أسهمت في تطوّره. وفي هذا السياق، يلمّح إيزاكسون إلى أنّ ليوناردو سبق غاليليو ونيوتن في منهج البحث القائم على الملاحظة والتجريب، لكنه يتجاهل الجذور التي أرساها ابن الهيثم وجان بوريدان وغيرهما ممن وضعوا الأسس الأولى لنظريات الحركة. وليس لأحدٍ أن ينكر سبق ليوناردو في كثيرٍ من الجوانب، غير أنّ إغفال عناصر التأثر لا يزيد الصورة إلا تشويهًا بدلًا من أن يضفي عليها وهجًا مستحقًا. وفي القسم الأخير من الكتاب، يستشهد المؤلف بعبارة شهيرة من إعلانٍ لشركة أبل، كتبها ستيف جوبز: «الذين هم مجانين بما يكفي ليعتقدوا أنهم قادرون على تغيير العالم، هم الذين يفعلونه حقًّا». ثم يمضي في نثر نصائح تحفيزية، تُضفي على الكتاب طابعًا احتفائيًا بالعبقرية، ولو كان ذلك أحيانًا على حساب حقائق التاريخ وسياقه الأشمل. وإن كانت هناك مآخذ على تركيز الكتاب على عبقرية ليوناردو الفردية وإغفال السياق الأوسع، فإنّه يظلّ علامةً بارزةً فيما كُتب عن هذه الشخصية في المكتبة المعاصرة. ومن الطبيعي أن يركّز إيزاكسون على ما يراه الأجدر بالاهتمام في شخصيةٍ فذّةٍ يصعب الإحاطة بكل أبعادها في مجلدٍ واحد. ورغم أنّ الكتاب تجاوز 800 صفحة، فإنّ القارئ الحصيف سيجد نفسه مدفوعًا للبحث عن مصادر أوسع، تتيح له رؤية أشمل للفترة التاريخية التي تألّق فيها ليوناردو، وتكشف عن بيئته الثقافية والاقتصادية التي أثّرت في إبداعه. لقد نجح والتر إيزاكسون في إماطة اللثام عن جانبٍ كبيرٍ من عبقرية ليوناردو، وإنْ كان قد اكتفى أحيانًا بمقاربةٍ تُعلي من شأن الفرد على حساب تراكمات التاريخ. وبفضل الترجمة، ينفتح أمام القارئ العربي أفقٌ معرفيٌّ ثريٌّ حول شخصيةٍ يصعبُ حصرها في مجالٍ واحد، ليكتشف، في تفاصيل السيرة، كيف كانت مخيلة ليوناردو الجامحة وراء اختراعاتٍ حلّقت بأفكار البشر إلى آفاقٍ جديدة. وإذا أيقظ هذا الكتاب في أنفسنا الرغبة في تعميق البحث واستكشاف جذور عصر النهضة وامتداداته، فقد حقّق غايته، إذ إنّ الكشف عن عبقرية فنانٍ بحجم ليوناردو ليس غايةً في حد ذاته، بل مدخلٌ للتأمّل في رحلة الإبداع الإنساني، وفي الكيفية التي يرسم بها التاريخ ملامح من يُعدّون مناراتٍ ساطعةً في مسيرة الحضارة البشرية.


الجمهورية
٠٥-٠٣-٢٠٢٥
- صحة
- الجمهورية
دراسة تكشف نتائج مفاجئة عن تأثير مضادات الاكتئاب على هذه الفئة
وقالت سارة غارسيا بتاتشيك، كبيرة الباحثين في الدراسة، والأستاذة المساعدة بعلوم الأعصاب في معهد كارولينسكا بسولنا في السويد: "لقد وجدنا أن المرضى الذين يعانون من الخرف والذين تناولوا مضادات الاكتئاب لديهم تدهور إدراكي أكبر بمرور الوقت". أوضحت بتاتشيك أنه لا ينبغي للمرضى ومقدمي الرعاية المبالغة بردّ فعلهم تجاه النتائج، خاصة أن الدراسة كانت قائمة على الملاحظة، وتحتاج إلى إجراء المزيد من الأبحاث. ووافقها الخبراء غير المشاركين في الدراسة على ضرورة تفسير نتائج الدراسة بحذر. لفت الدكتور براساد نيشتالا، المحاضر بقسم علوم الحياة في جامعة باث بالمملكة المتحدة إلى أنّ "شدة الاكتئاب لدى مرضى الخرف لم تؤخذ بالاعتبار بشكل كامل، ما قد يؤدي إلى تحيز النتائج". ورأى طبيب الأعصاب الوقائي، الدكتور ريتشارد إيزاكسون، الذي يشغل منصب مدير الأبحاث بمعهد أمراض التنكس العصبي في بوكا راتون بولاية فلوريدا الأمريكية، أن الأطباء الذين يعالجون الخرف ، لن يغيروا ممارساتهم على الأرجح بناءً على هذه الدراسة. وأشار إيزاكسون إلى أنّ ما يسمعه الجمهور ويتصرّف بناءً عليه يُشكّل مصدر قلق مختلف، متابعًا أنه "كطبيب، الشيء المثير للقلق يتمثّل بأنّ أحد أحباء المريض سيسمع عن هذه الدراسة ويقول 'أوه، إذا استخدمنا مضادًا للاكتئاب، فإن صحة والدتي ستتدهور بشكل أسرع'". حللت الدراسة التي نُشرت في مجلة BMC Medicine، الإثنين ، البيانات الطبية بين عامي 2007 و2018، وشملت 4271 شخصًا مصابًا ب الخرف في السجل السويدي للاضطرابات المعرفية/ الخرف ، وهو مستودع لأبحاث الخرف ، حيث تناول المشاركون مضادات الاكتئاب لمدة ستة أشهر بالحد الأدنى قبل بدء الدراسة. وكانت مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية، والمعروفة باسم SSRIs، من أكثر مضادات الاكتئاب الموصوفة شيوعًا. ولفتت الدراسة إلى أنه كلّما كان الخرف أكثر شدة، كلما كان الارتباط أقوى بين استخدام مضادات الاكتئاب و التدهور المعرفي. لكن بالنسبة لإيزاكسون، فإن أحد القيود الرئيسية للدراسة يتمثل بأن الباحثين لم يعرفوا ما إذا كان الأشخاص الذين يحتاجون إلى مضادات الاكتئاب أكثر عرضة للتراجع في المقام الأول، مشيرًا إلى أنًّ اختبارات التدهور المعرفي التي أجريت خلال الدراسة أظهرت أن المرضى الذين يتناولون مضادات الاكتئاب شائعة الاستخدام تراجعوا بشكل أبطأ ممّا هو معتاد بالنسبة لمرضى الخرف عمومًا. في الدراسة، تم قياس التدهور المعرفي بين المرضى الذين استخدموا مضادات الاكتئاب من خلال فحص الحالة العقلية المصغّرة، وهو اختبار قياسي للحدة العقلية. تقيس الأسئلة الـ11 في الاختبار خمسة مجالات من الوظيفة الإدراكية. أما الحد الأقصى للدرجة فيبلغ 30، حيث تشير النتيجة 23 وما دون إلى ضعف إدراكي. عادة، ينخفض إدراك الأشخاص المصابين ب الخرف ما بين نقطة وثلاث نقاط سنويًا في الاختبار. مع ذلك، انخفض عدد المرضى الذين يستخدمون مضادات الاكتئاب في الدراسة إلى أقل من نقطة واحدة في السنة، وهو معدل أبطأ بكثير من الشخص العادي المصاب ب الخرف. وعلّق إيزاكسون قائلًا: "يبدو الأمر كما لو أن الدراسة تناقض نفسها. إذا قرأ شخص ما هذا البحث واستنتج أن مضادات الاكتئاب تسرًّع التدهور المعرفي لدى الأشخاص المصابين ب الخرف ، فهذا أمر مزيف. وهذا ليس ما تقوله هذه الدراسة". أوضحت الدكتورة إيما أندرسون، الأستاذة المشاركة بعلم الأوبئة الوراثية في جامعة كوليدج لندن، غير المشاركة في الدراسة ببيان لها، أنّ هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث قبل التحقق من وجود علاقة بين مضادات الاكتئاب و التدهور المعرفي. مضادات الاكتئاب ، والتي نعلم أنها تساعد ملايين الأشخاص حول العالم".