logo
#

أحدث الأخبار مع #ابنسلول

هل المنتحر كافر؟
هل المنتحر كافر؟

الميزان

time٠٦-٠٥-٢٠٢٥

  • منوعات
  • الميزان

هل المنتحر كافر؟

يسارع كثير من الناس في كثير من الأحيان إلى الحكم على من قتل نفسه بالكفر، 'مات كافر'، دون النظر في دوافع الفعل أو حتى الرجوع إلى قواعد الدين وأحكام الفقه. ما هو حكم المنتحر؟ هل يُعد كافر خارج عن المِلة؟ فلا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مدافن المسلمين ولا يجوز الترحم عليه؟ هل الانتحار كفعل مُخرِج عن الدين في كل أحواله؟ أم ليس كذلك أيضًا في كل أحواله؟ أم يتوقف الأمر على مُلابسات كل حالة؟ تعريف الكفر الكفر في اللغة هو تغطية الشيء وستره. أما حسب الاصطلاح الفقهي فهو 'عدم الإيمان بالله ورسله، سواءً كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب، بل شك وريب، أو إعراض عن الإيمان حسدًا أو كبرًا أو اتباعا لبعض الأهواء الصارفة عن اتباع الرسالة، فالكفر صفةٌ لكل من جحد شيئًا مما افترض الله الإيمان به، بعد أن بلغه ذلك سواء جحد بقلبه دون لسانه، أو بلسانه دون قلبه، أو بهما معًا، أو عمل عملًا جاء النص بأنه مخرج له بذلك عن اسم الإيمان'. ('مجموع الفتاوى' لابن تيمية و'الإحكام في أصول الأحكام' لابن حزم. وبالرجوع إلى حافظ الحكمي (1924- 1958م) في كتابه 'أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة' نجد إن الكفر مصنف لأربع أنواع، وخمسة عند ابن القيم؛ بإضافة كفر الشك 'وهو التردد بين التصديق والتكذيب'، وأقتبس التعريفات التالية نصًا من المرجع نفسه. كفر الجهل والتكذيب: 'هو ما كان ظاهرًا وباطنًا كغالب الكفار من قريش ومن قبلهم من الأمم الذي قال تعالى فيهم: ﴿ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ (70 – غافر)'. بمعنى تكذيب الأنبياء وما جاءوا به من عند الله. كفر الجحود: 'هو ما كان بكتمان الحق وعدم الانقياد له ظاهرًا مع العلم به ومعرفته باطنًا، ككفر فرعون وقومه بموسى، وكفر اليهود بمحمد، قال تعالى في كفر فرعون وقومه: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ (14 – النمل)'. 'وقال تعالى في اليهود: ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾، وقال فيهم أيضًا: ﴿وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾'. وهنا نموذج لمعرفة الحق والإصرار على عدم الإذعان له. كفر عناد واستكبار: 'هو ما كان بعد الانقياد للحق مع الإقرار به، ككفر إبليس إذ يقول الله تعالى فيه: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾، وهو لم يمكنه جحود أمر الله بالسجود وإنكاره، وغنما أعترض عليه وطعن في حكمة الأمر به وعدله'. يشير هذا النموذج لرفض أحد أوامر الله ليس عن جهالة أو عدم معرفة أو حتى شك، بل يكون الرفض ناتج عن غرور أو عناد. كفر نفاق: هو ما كان بعدم تصديق القلب وعمله مع الانقياد ظاهرًا رئاء الناس، ككفر ابن سلول وحزبه، والذين قال تعالى فيهم: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾'. والمثال هنا يشير لمن يدعي الإيمان ظاهرًا وفي باطنه ينكره، فهو بذلك كافر ويعامله الله معاملة الكافر لأنه يعلم ما تخفي الصدور، لكن على الناس التعامل معه بظاهر أعماله فليس عليه عقوبة ولا حد، كما إنه يغسل ويكفن ويصلى عليه، كما حدث مع 'ابن سلول'. في الأخير، وبعد استعراض أنواع الكفر وتعريف كل نوع منها لا نجد أي إشارة لكفر من يقتل نفسه لأي سبب، ياسًا أو خوفًا أو مرضًا أو أيًا كان. الانتحار في السُنة رغم خلو القرآن من أي إشارة لكفر المنتحر وكذلك رغم عدم تماس تعريفات الكفر بحالة قتل النفس، لكن بالنظر للأحاديث المنسوبة للنبي يمكن الوصول لأكثر من نص يفهم منه صراحة أو ضمنيًا تكفير المنتحر. ديمومة العذاب: يُنسب للنبي القول بخلود المنتحر في النار وأن يظل فيها يكرر فعلته في سرمدية سيزيفية. 'مَن تَرَدَّى مِن جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهو في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فيه خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَجَأُ بِهَا في بَطْنِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا'. (الراوي: أبو هريرة – المصدر: صحيح البخاري). الرأي نفسه يتكرر بصيغة مختلفة، منسوبة أيضًا للنبي ضمن ما نُسِب له في صحيح البخاري، لكن هذه المرة برواية ثابت الضحاك: 'مَن حَلَفَ علَى مِلَّةٍ غيرِ الإسْلامِ فَهو كما قالَ، وليسَ علَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيما لا يَمْلِكُ، ومَن قَتَلَ نَفْسَهُ بشيءٍ في الدُّنْيا عُذِّبَ به يَومَ القِيامَةِ ، ومَن لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهو كَقَتْلِهِ، ومَن قَذَفَ مُؤْمِنًا بكُفْرٍ فَهو كَقَتْلِهِ'. وهنا يبرُز سؤال ناتج عن فرق الزمان، الآن ومع تطور صناعة المُسكِرات والمواد المُخدرة، ماذا إذا انتحر شخص عن طريق تناول كمية ضخمة من مادة مُخدرة مُثيرة للضحك أو البهجة، فكيف يكون عذاب هذا المنتحر -طبقًا لنص الحديث 'إذا صح متنُه'- عبارة عن ديمومة الضحك أو البهجة المُفرطة؟، أم إنه بهذا الخيار يكون قد نجح في التحايل على مُقِر العذاب، حاشا لله. الحرمان من الجنة: يتعرض حديث أخر في صحيح البخاري، برواية جندب عبد الله، لقضية الانتحار ويفهم منه بشكل قطعي أن المنتحر مُخلد في جهنم، إذ يقول: 'قال جُنْدُبُ بن عبد اللهِ البجلي أن رَسُولُ اللَّهِ قال: «كان فيمن كان قبلكم رجل به جُرْحٌ فَجَزِعَ؛ فأخذ سكِّينا فحَزَّ بها يده ، فما رَقَأَ الدم حتى مات، قال الله عز وجل: عبدي بَادَرَنِي بنفسه، حرمت عليه الجنة »'. وهنا يقدم الحديث حكم عام على أي شخص يقتل نفسه، رغم أن الانتحار أنواع أو بالأحرى له أسباب متباينة يصعب حصرها في اتجاه واحد ليتم الاتفاق على رأي منه، فهناك من يفعلها يأسًا من الحياة وأخر خوفًا من عذاب وامتهان وثالث فقدانًا للأمل ورابع من هول الصدمة وخامس يفعلها كنتيجة لمرض نفسي أو عقلي ألم به فأفقده القدرة على اتخاذ القرارات السليمة.. وغيرها كثير. رأي الفقهاء بادئ ذي بدء يُقَسِم الفقهاء المنتحرين إلى قسمين؛ المنتحر نتيجة لمرض أصاب قدرته على الاختيار السليم والمنتحر ضعفًا ويأسًا من رحمة الله. فأقروا أن الأول مريض 'وليس على المريض حرج'، حيث أن الأمراض النفسية الدافعة للانتحار يمكنها أن تسيطر على عقل الإنسان تمامًا وتدفعه دفعًا لاختيارات ما كان ليتخذها في حالته الطبيعية. وكما هو معلوم فسلامة العقل هي شرط التكليف. أمراض تؤدي للانتحار: عديد الأمراض النفسية يمكنها دفع المصاب بها لإذاء نفسه لدرجة إنهاء حياته، فكلها تُأثر بيولوجيًا على مخ، فتختل بسببها المعدلات الكميائية الطبيعية؛ ما يؤثر على رؤية الإنسان لنفسه وللعالم من حوله بالتالي تؤثر على مشاعره ومن ثم على قراراته واختياراته بشكل عام، من أهم هذه الأمراض وأكثرهال انتشارًا: الأكتئاب الحاد ، وهو يجعل المصاب به يميل للعزلة وتجنب الاختلاط بالبشر قدر المستطاع، فيهمل مظهره أو يقل مجهوده البدني إلى أخر التصرفات والأعراض التي تبعده ع الأخرين وتبعدهم عنه، وفي أقصى درجاته يؤدي بصاحبه للانتحار بهدف الخلاص من الحياة بكل ما تشكله من أعباء في نظرته المتأثرة بالمرض. القلق ، أضطرابات القلق أو القلق الهستيري مرض تستطيع أعراضه أن تدمر حياة المريض كليًا، فيصبح في غاية القلق من كل شيء حوله ومن كل قرار يفكر فيه، فلا يتوقف عقله للحظة عن التفكير في كافة الاحتمالات السيئة لكل أمر من أمور الحياة.. حتى أبسطها، الأمر الذي يدفع المريض في بعض الحالات للانتحار من اجل الخلاص من هذا القلق الهستيري الذي لا ينتهي. وتطول قائمة الأمراض النفسية القاتلة فتضم الفصام، الأضطراب ثنائي القطب، أضطراب الشخصية الحدية، وغيرهم. الخلفية القرآنية: أما بالنسبة للمنتحر الصحيح نفسيًا وعقليًا واختار الموت قنوطًا من رحمة الله فقد آثم أثمًا عظيما، ذلك بمخالفته قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ (29 – النساء). ويرى جمهور الفقهاء مسألة المُنتحر صحيح العقل في ضوء آيتين من سورة النساء، الآية 29 بما تحمله من نهي عن قتل النفس، والآية 48 ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾ بما تحمله من تأكيد أن كل ذنب دون الشِرك قابل للمغفرة، وأن الفيصل هو المشيئة الإلهية. بالتالي 'لم يقل بكفر المنتحر أحد من علماء المذاهب الأربعة، لأنّ الكفر هو الإنكار والخروج عن دين الإسلام، وصاحب الكبيرة – غير الشّرك – لا يخرج عن الإسلام عند أهل السّنّة والجماعة، وقد صحّت الرّوايات أنّ العصاة من أهل التّوحيد يعذّبون ثمّ يخرجون'. (أرشيف ملتقى أهل الحديث – المكتبة الشاملة الحديثة). إلا إذا استحل فعله، فهنا يصبح الحكم عليه عائد لإنكاره أمر الله وتحليله لما حرمه الله.. وليس على فعل الانتحار في حد ذاته. الموقف من الحديث: بالنسبة للأحاديث سالفة الذِكر، والتي تقول بتحريم الجنة على المنتحر أو بخلوده في جهنم، فلا تقع على كل منتحر.. إنما فقط من يستحل قتل النفس، ويأتي بشرح النووي عن مسلم، باب بيان غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، تعليق على حديث سرمدية قتل النفس في جهنم: 'أ‌. أحدها أنه محمول على من فعل ذلك مستحلا مع علمه بالتحريم فهذا كافر وهذه عقوبته. ب‌. والثاني أن المراد بالخلود طول المدة والإقامة المتطاولة لا حقيقة الدوام كما يقال خلد الله ملك السلطان. ت‌. والثالث أن هذا جزاؤه ولكن تكرم سبحانه وتعالى فأخبر أنه لا يخلد في النار من مات مسلما'. الاستناد لحديث أخر: المنتحر دون استحلال هو آثم وأثمًه كبير، إذ أتى بواحدة من الكبائر، لكن الكبائر لا تخرج من الملة، بالتالي فالمنتحر ليس بكافر ويستدل على ذلك من الحديث المنسوب للنبي في صحيح مسلم؛ برواية جابر بن عبد الله: 'أنَّ الطُّفَيْلَ بنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أتَى النبيَّ، فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، هلْ لكَ في حِصْنٍ حَصِينٍ ومَنْعَةٍ؟ قالَ: حِصْنٌ كانَ لِدَوْسٍ في الجاهِلِيَّةِ، فأبَى ذلكَ النبيُّ لِلَّذِي ذَخَرَ اللَّهُ لِلأَنْصارِ، فَلَمَّا هاجَرَ النبيُّ إلى المَدِينَةِ، هاجَرَ إلَيْهِ الطُّفَيْلُ بنُ عَمْرٍو وهاجَرَ معهُ رَجُلٌ مِن قَوْمِهِ، فاجْتَوَوُا المَدِينَةَ، فَمَرِضَ، فَجَزِعَ، فأخَذَ مَشاقِصَ له، فَقَطَعَ بها بَراجِمَهُ، فَشَخَبَتْ يَداهُ حتَّى ماتَ، فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بنُ عَمْرٍو في مَنامِهِ، فَرَآهُ وهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ، ورَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ، فقالَ له: ما صَنَعَ بكَ رَبُّكَ؟ فقالَ: غَفَرَ لي بهِجْرَتي إلى نَبِيِّهِ، فقالَ: ما لي أراكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟ قالَ: قيلَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ ما أفْسَدْتَ، فَقَصَّها الطُّفَيْلُ علَى رَسولِ اللهِ، فقالَ رَسولُ اللهِ: اللَّهُمَّ ولِيَدَيْهِ فاغْفِرْ'. في (باب الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر) علق الإمام النووي على الحديث السابق قائلا: 'الحديث فيه حُجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة، أن من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها ومات من غير توبة فليس بكافر ولا يقطع له بالنار بل هو في حكم المشيئة'. (شرح النووي على مسلم). ختامًا الخطايا كثيرة وكل البشر خطاؤون، لكن رحمة الله واسعة ولو كانت كل خطيئة ولو حتى كبيرة مصيرها الخلود بجهنم لما دخل الجنة إلا الأنبياء والمرسلين وقليلًا من الصالحين. وبشكل عام فإن حساب البشر والحكم عليهم هي أمور يختص به الخالق وحده بلا شريك ولا مستشار أو أي من ذلك. الكاتب رامي يحيى شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store