أحدث الأخبار مع #اتحادأوروبا

المدن
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- المدن
لماذا اعتمدت أوروبا سمفونية بيتهوفن نشيداً لها؟
قد تكون سمفونية لودفيغ فان بيتهوفن التاسعة وفي ذروتها "نشيد الفرح"، المقطوعة الموسيقية الأشهر في عالم الموسيقى الكلاسيكية، خصوصاً منذ أن اعتمدها القادة الأوروبيون نشيداً رسمياً العام 1985 قبل إعلان الاتحاد الأوروبي، كرمز للقيم المشتركة والوحدة الأوروبية. وفي التاسع من أيار يُردّد هذا النشيد ويُعزف في كافة الدول الأعضاء احتفالاً بـ"يوم أوروبا" المخصص لذكرى إعلان شومان العام 1950 الذي أرسى أسس الاتحاد وأطلق عصراً من الازدهار والسلام في القارة العجوز. في ذلك التاريخ أصدر وزير الخارجية الفرنسي آنذاك روبير شومان إعلاناً اقترح فيه تجميع إنتاج الفحم والصلب الفرنسي والألماني تحت سلطة عليا منفتحة أمام مشاركة دول أخرى، على أمل أن "يوفر ذلك الأسس المشتركة للتنمية الاقتصادية كخطوة أولى في اتحاد أوروبا" وأن يغير "مصائر تلك المناطق التي كرست نفسها منذ مدة لتصنيع الذخائر الحربية والتي كانت هي ضحاياها بشكل مستمر" كما ورد في نص الخطاب الذي نشرته مؤسسة شومان، ما مّهد لإنشاء المجموعة الأوروبية للفحم والصلب التي كانت نواة تأسيس الاتحاد الأوروبي. هكذا ولدت فكرة أوروبا الموحدة التي تحتفل بيومها في التاسع من أيار من كل سنة بفعاليات وأنشطة وبرامج يتخللها بالطبع عزف "نشيد الفرح" ، نشيد الاتحاد الأوروبي الرسمي الذي كان اعتمده قبل ذلك مجلس أوروبا بشكل منفصل في 1972. هذا النشيد وهو في الأصل قصيدة للشاعر الألماني فريديريش شيلر يحتفي بالوحدة والسلام والأخوة وهي قيم تشكل ركيزة الاتحاد الأوروبي الذي يقول موقعه الرسمي إن النشيد "لا يحتوي على كلمات انما هو موسيقى فقط. وبلغة الموسيقى العالمية يعبر هذا النشيد عن المثل الأوروبية، الحرية والسلام والتضامن" مشدداً على أنه لا يحلّ محل الأناشيد الوطنية للدول الأعضاء الـ27 بل "يحتفي بالقيم المشتركة بينها". وإذا كانت الموسيقى الشعبية والأناشيد الوطنية تساهم في بناء الهوية والحس الوطني، فكيف وصل "نشيد الفرح" إلى حوالى 447 مليون شخص هم سكان دول الاتحاد الأوروبي، يعمد الصغار إلى تعلمه ويردده الكبار في معظم المناسبات الرسمية؟ "الفرح، بريق الآلهة الجميل، سحرك يجمع مجدداً ما فرقته الأعراف بصرامة، يصبح كل الناس أخوة"، هذه العبارة من قصيدة شيلر تلخص كل شيء وتوصل الرسالة الأساسية: الفرح كقوة إلهية توّحد الإنسانية رغم انقساماتها (An die Freude). تحمل المقطوعة رسالة عالمية بُنيت على أساس قصيدة شيلر، الشاعر الذي خلف شغفاً وإعجاباً لدى بيتهوفن على مدى عشرين عاماً، كونها تحتفي بالسلام والأخوة والوحدة وهي قيم أساسية كانت ركيزة الاتحاد الأوروبي عند انشائه، كما أن لحنها المفعم بالأمل والتفاؤل يحرّك مشاعر العمل الجماعي متجاوزاً حدود اللغة أو الانتماء الوطني ويخلق طاقة حيوية تعكس الشعور بالفرح والاحتفال. واستخدام نشيد الفرح من السمفونية التاسعة من دون كلمات إنما عبر آلات موسيقية فقط يوجه رسالة وحدة تتخطى حدود الدول أو لغة أو ثقافة معينة، مركزة فقط على البعد الأوروبي الذي يجمع معظم أمم القارة. كما يأخذ طابعاً تاريخياً كونه يرمز لانتهاء الحرب لا سيما بعد عزفه في مناسبات عديدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، احتفاءً بالتغلب على الانقسامات في القارة وتكريس الوحدة والسلام. تعمّد الاتحاد الأوروبي اعتماد اللحن فقط لكي يكون العنصر الذي يوّحد الشعوب بحيث تكون قادرة على التعرف على النشيد بدون الغوص في تعقيدات الترجمة او اللكنات المختلفة. يُعزف النشيد في مختلف المناسبات أو احتفالات المدارس بالتوزيع نفسه من أجل تسهيل أدائه بشكل منسق. وتعكس هذه السمفونية الإرث الثقافي المشترك بين الشعوب الأوروبية حيث أن بيتهوفن هو من أعظم الملحنين الذين طبعوا الحياة الثقافية في القارة، وتعدّ السمفونية التاسعة التي استكملها العام 1824 من أهم ركائز الموسيقى الكلاسيكية الغربية، وعزفها في المناسبات العامة والمهمّة يربط بشكل تلقائي في الذاكرة بين الاتحاد الأوروبي والشعور بالانتماء الثقافي المشترك. في موقع خاص بمؤسسة "نشيد الفرح" يتم التعريف عن السمفونية التاسعة لبيتهوفن التي عزفت للمرة الأولى في فيينا في السابع من أيار 1824، والبالغة مدّتها ما بين 70 و75 دقيقة، على أنها "تحفة فنية خالدة تجسد قيم الأخوة العالمية والإنسانية والحرية والفرح وقوة الفن القادرة على التحوّل" بعد تفنيد وصفها بأنها "احتفاء بالحياة والروح الإنسانية" حيث "تُعبّر طاقة الموسيقى النابضة بالحياة والجوقة المبهجة عن شعور عميق بالفرح والاحتفال" لا سيما وأنها تعبر عن "تعاطف عميق مع صراعات وانتصارات التجربة الإنسانية". أدرجت منظمة اليونيسكو هذه السمفونية التاسعة المؤلفة من أربع حركات تختتم بـ"نشيد الفرح"، في سجل "ذاكرة العالم" الذي يحمي التراث الوثائقي، العام 2001، واعتبرت أن "تأثيرها في تاريخ الموسيقى كان مهما جداً وقوياً في القرنين التاسع عشر والعشرين، ولم يقتصر على نوع السمفونيات. ففي الحركة الأخيرة أدخل الصوت البشري للمرة الأولى في سمفونية. وأصبح "نشيد الفرح" هذا الذي لحن قصيدة ل فريديريش فون شيلر ، رمزاً للسلام بين جميع الأمم والشعوب في العالم". وشدّدت اليونيسكو على أهمية السمفونية في "ذاكرة الشعوب ووعيهم"، وقالت في موقعها الإلكتروني إنه "بعد سقوط جدار برلين العام 1989 حظيت هذه السمفونية بأهمية خاصة لدى شعوب الشرق والغرب، في ألمانيا وأوروبا الشرقية أيضاً"، ما يظهر بعدها العابر للحدود. "هذه القُبلة للعالم أجمع!" Diesen Kuß der ganzen Welt! هكذا أراد الشاعر الألماني شيلر في القصيدة التي كتبها العام 1785، أن يستخدم القبلة رمزاً الى فكرة اتحاد كل البشر بالفرح والحب والإنسانية المشتركة، موحياً بأن الفرح لا تحصره قيود إنما هو ملك للجميع متساويين، وهي الرسالة التي خلّدها بيتهوفن إيماناً منه بان الفن مكرس لخدمة الإنسانية جمعاء.


الاقتصادية
٠٢-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- الاقتصادية
أوروبا تواجه معضلة دفاعية تتطلب 3 تريليونات دولار
زمن ترمب يضع أوروبا بمواجهة سؤال: هل تزيد إنفاقها الدفاعي أم تواجه خطر تفكك الاتحاد؟ أوروبا اعتادت التعويل في الدفاع على واشنطن وتركيز إنفاقها على الرعاية الاجتماعية يستخدم ترمب اليوم تفوّق الإنفاق العسكري الأمريكي كورقة ضغط في وجه أوروبا " أن نكون أو لا نكون"، بهذا الاقتباس من مسرحية هاملت لخّص رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا بايرو المعضلة التي تواجهها أوروبا في ظلّ تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالانسحاب من الترتيبات الأمنية التي قادتها واشنطن في القارة على مرّ عدة عقود، فيما يضغط رئيس روسيا فلاديمير بوتين ليحقق مكاسبَ في محادثات لوقف إطلاق النار في أوكرانيا غُيبت عنها أوروبا . في خضمّ ذلك كله، تتصاعد الهجمات الإلكترونية والتهديدات التي تستهدف البنية التحتية الحيوية، من إيطاليا حتى آيسلندا. يمكن أيضاً التعبير عن هذه المعضلة بطريقة أخرى: إما زيادة الإنفاق العسكري، أو أن يندثر اتحاد أوروبا ليكون أثراً بعد عين . اعتماد مفرط على أمريكا مثل شخصية مسرحية شكسبير، هاملت، اختارت أوروبا أن تركن إلى سكون التأسي ومناجاة النفس كما في الشعر على السعي الجاد لضمان مصالحها الأمنية. بينما تتوالى الاجتماعات على أعلى المستويات، بحثاً عن رد على ما يبدو وكأنه إعادة تموضع من جانب ترمب تجاه روسيا، لم تعد هناك منفعة من التمسك بوهم استمرار آلية "الحامي والمستجير"، رغم ما حققته من مكاسب في الماضي . لقد غذت هذه الآلية وهم "السلام الدائم" على امتداد أراضي قارة عجوز تضع النفقات الاجتماعية في صدارة أولوياتها. وأفرزت أيضاً خطراً أخلاقياً، فبينما تنفق بولندا أكثر من 3% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، لا تتجاوز نسبة الإنفاق في إيرلندا 0.2%. هذا الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة أتاح لواشنطن أن تستخدم دورها كأكبر قوة من حيث الإنفاق العسكري كهراوة في وجه الاتحاد الأوروبي. بلغ هذا النهج ذروته في عهد ترمب الذي طالب الأوروبيين بمعاودة مضاعفة التزاماتهم تجاه حلف شمال الأطلسي، بينما راح يخفف التزامات بلاده. وقد بلغ الأمر أن اتهم إيلون ماسك ونائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس الحكومات الأوروبية بأنها عدوّ من الداخل . يرى مارك بييريني، الزميل الأول في مؤسسة "كارنيجي أوروبا"، أن هذا التحوّل يمثل لحظة فارقة في مستقبل الأمن الأوروبي، تضاهي في أهميتها سقوط جدار برلين عام 1989 . زيادة الإنفاق الدفاعي بدل الانشغال بما إذا كان ترمب يناور بمهارة إستراتيجية أو يرتجل قراراته، تبقى الورقة الرابحة لأوروبا اليوم هي زيادة الإنفاق الدفاعي، وهي الطريقة الأفضل لتقاسم مزيد من عبء الولايات المتحدة ولتعزيز قدرتها على ردع التهديدات الروسية، وتحفيز النمو الاقتصادي في آن معاً . يبدو أن تخصيص 4% من الناتج المحلي الإجمالي للدفاع هو الخيار الأمثل، باعتبار أن 3% لا يكفي و5% يفوق اللازم. تظهر تقديرات بلومبرغ إيكونوميكس أن ذلك يستلزم أن تنفق الدول الأوروبية الخمس الكبرى في حلف شمال الأطلسي 2.7 تريليون دولار إضافية خلال العقد المقبل، وعلى رأسها ألمانيا المعروفة بتشددها حيال الديون . لا شك أن المهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة، إذ تتطلب إنفاق 270 مليار دولار إضافية سنوياً. يمكن توزيع هذا العبء عبر جهود أوروبية مشتركة قد تغطي نصف المبلغ، أي ما يعادل 1% من الناتج الإجمالي الأوروبي والباقي تغطيه الميزانيات الوطنية. قال جونرام وولف، الزميل الأول في المؤسسة البحثية "بروجيل " (Bruegel) : إن "التأمين الجماعي أرخص من التأمين الفردي"، في إشارة إلى أن الديون المشتركة والمشتريات الجماعية للذخيرة والطائرات المسيّرة أقل تكلفة وتأثِّر إيجابياً في الاقتصاد . لقد بدأت بعض هذه الدول بزيادة إنفاقها الدفاعي، مثل الدنمارك موطن مسرحية هاملت، إذ يقترب الإنفاق هذا العام من 3.2% من الناتج المحلي الإجمالي. حتى دون خوض تحولات جذرية، كتبني اقتراح ماريو دراجي بإصدار سندات يورو، تبقى لدى بروكسل خيارات متعددة لتحقيق هذه الأهداف . تغيير في أسلوب الحياة الأوروبي لكن كيف يجب إنفاق هذا المبلغ؟ تقاسم المزيد من العبء مع الأمريكيين يتطلب استثماراً أوروبياً مشتركاً في القدرات التي تفتقر إليها القارة، وفقاً للمؤسسة البحثية (EUISS) ، ويشمل ذلك الاستخبارات العملياتية وأنظمة الدفاع الجوي والجسور الجوية وإعادة التزود بالوقود . إن الإنتاج الضخم للذخيرة والطائرات المسيّرة لا يساعد فقط على منافسة القدرات العسكرية الروسية، بل يسهم أيضاً في دعم الشركات الناشئة في قطاع الدفاع، مثل شركة "هيلسينج " (Helsing) المتخصصة في الذكاء الاصطناعي . أما توسيع الطلبيات المشتركة وتوحيد معايير المعدات، مثل الدبابات، فسيخفف تشرذم الأسواق الدفاعية الأوروبية، ويتماشى مع دعوة شركات مثل "إيرباص" و"راينميتال " (Rheinmetall) لمزيد من الدمج . ولكن كما الحال دائماً، التحدي الحقيقي ليس مالياً بقدر ما هو سياسي. فهذه مسائل تمسّ صميم المصلحة الوطنية وما يُعرف بـ"أسلوب الحياة" الأوروبي الذي يقدم الإنفاق الاجتماعي على الإنفاق العسكري. لا يمكن لأي تخطيط تكنوقراطي أن يلغي الحاجة إلى اتخاذ قرارات صعبة. ولا شكّ أن بايرو يدرك جيداً الرابط بين المتطلبات الدفاعية وتوقع أن يصل العجز في نظام الرواتب التقاعدية إلى 15 مليار يورو (15.7 مليار دولار) سنوياً بحلول 2035 . اليوم هو الوقت الأمثل لاتخاذ موقف شجاع وشرح فوائد التصرف سريعاً للناخبين، خاصة بما أن التكاليف لا تزال في متناول اليد، بدل الانتظار طويلاً وتحمل تكاليف باهظة لاحقاً. ربما يتعين على القارة أن تعيد ابتكار هيكلية سياسية جديدة لتجاوز الفجوات الواضحة في الرؤية الإستراتيجية والتنفيذ العملي. فيجب بذل كل جهد ممكن لتجنب سقوط أوروبا في غياهب النسيان كقوة كبرى ساعية للدعة . خاص بـ " بلومبرغ"