logo
#

أحدث الأخبار مع #اجتياح_الكويت

الأنظمة ترحل.. فهل نُبقي الشعوب في سجون التاريخ؟
الأنظمة ترحل.. فهل نُبقي الشعوب في سجون التاريخ؟

الجزيرة

timeمنذ 3 أيام

  • سياسة
  • الجزيرة

الأنظمة ترحل.. فهل نُبقي الشعوب في سجون التاريخ؟

مضى أكثر من ثلاثة عقود على قرار سياسي دخل موسوعة غينيس بصفته "الأكثر رعونة" في تاريخ الأنظمة العربية الحديثة؛ إذ حول لحظة توتر إلى كارثة إقليمية، عندما أعلن النظام الصدامي اجتياحًا عسكريًا لجارتنا الشقيقة الكويت، في خطوة متهورة جرّت على المنطقة بأسرها أزمات لا تزال أصداؤها تتردد حتى اليوم. نحن بحاجة إلى صفحة جديدة تعيد النظر في طريقة التعاطي مع التاريخ، لا كأداة تذكير دائم بالعداوة، بل كأرضية لإنهاء حالة الشك لم يكن ذلك القرار إلا نتاج عقلية متهورة، قرأت الجغرافيا بالمدافع، وأسقطت من حساباتها وزن الشعوب وحقائق الزمن. قرار منفرد، قصير النظر، دفع شعب العراق إلى أن يرزح تحت وطأة عقوبات دولية قاسية، وعزلة سياسية شاملة، جعلت الحياة جحيمًا لا يطاق. فعلًا، إنها سنوات عجاف صار فيها حليب الأطفال سلعة نادرة، والمرضى يتشبثون بالأمل وسط ندرة الدواء، والشباب يجدفون بلا هوادة نحو أحلام ضائعة في سراب لا ينتهي، بينما الجوع يلف القلوب قبل البطون. وعلى الجانب الآخر من الحدود، عاش الأشقاء في الكويت مأساة لا تقل وقعًا؛ فقد حُرموا من وطنهم في لحظة غدر، وتقطعت بهم السبل وسط احتلال غاشم، أجبرهم على مواجهة قسوة الحرب وفقدان الأمن والاستقرار. كان الألم واحدًا، والجرح بليغًا؛ فكلا الشعبين -العراقي والكويتي- كانا ضحية لنفس العقلية الاستبدادية التي لم تفرق بين حدود أو دماء. حين تبقى الذاكرة مشرعة على جراحها دون أفق للتعافي، فإنها تمنع الشفاء، وتحول الذكرى إلى أداة تكرس الكراهية بدل أن تكون درسًا للحكم ما جرى في عام 1990م كان عدوانًا من البعث الصدامي الذي حكم بالحديد والنار، لا عدوان الشعب العراقي (كما وصفه "ضمنًا" أمير دولة الكويت، الشيخ مشعل الأحمد، إبان كلمته في القمة الخليجية الأميركية في الرياض). إعلان هذه الحقيقة يجب الإيمان بها، والتصريح بها أمام الشعوب والأجيال الجديدة؛ لأن السكوت عنها يرسخ التباسًا تاريخيًا، ويدق إسفين الخلاف بين الشعبين الشقيقين، ويبقي جمرة الخلاف متقدة إلى الأبد، تتحين كل فرصة للاشتعال. من حق الكويتيين أن يحتفظوا بذاكرتهم، ولكن من حق العراقيين أيضًا أن يعامَلوا كشعب تغيَّر، وتطهر، ودفع الثمن باهظًا، سياسيًا واقتصاديًا، وحتى إنسانيًا. فالدولة التي خرجت من رماد الاحتلال، والحروب الأهلية، والصراعات الطائفية، ليست هي تلك التي غزت في لحظة جنون، والدولة التي بناها العراقيون -بكل ما فيها من معاناة وصبر- تستحق أن يُنظر إليها بعين منصفة لا مشروطة. لا أحد يطلب نسيان ما جرى، ولكن هل يمكن أن نتفق على أن الشعوب لا ينبغي أن تدان إلى الأبد، وأن من ولد في ظل الحصار لا يمكن أن يحاكم كأنه من كتب سيناريو الغزو؟ نحن بحاجة إلى تطبيع الذاكرة بين الشعوب، وإلى جرأة سياسية تعترف بشفافية أن الأنظمة لا تورث ذنوبها إلى شعوبها، فلا ينبغي أن تحاسَب الشعوب على قرارات لم تصوت عليها، ولا شاركت في صناعتها نحن بحاجة إلى صفحة جديدة تعيد النظر في طريقة التعاطي مع التاريخ، لا كأداة تذكير دائم بالعداوة، بل كأرضية لإنهاء حالة الشك. نعم، نحن بحاجة إلى تطبيع الذاكرة بين الشعوب، وإلى جرأة سياسية تعترف بشفافية أن الأنظمة لا تورث ذنوبها إلى شعوبها، فلا ينبغي أن تحاسَب الشعوب على قرارات لم تصوت عليها، ولا شاركت في صناعتها. فحين تبقى الذاكرة مشرعة على جراحها دون أفق للتعافي، فإنها تمنع الشفاء، وتحول الذكرى إلى أداة تكرس الكراهية بدل أن تكون درسًا للحكمة. والشفاء هنا لا يعني النسيان، بل يعني إعادة توجيه الذكرى نحو التفاهم لا الاتهام، نحو بناء المستقبل لا اجترار الماضي. إننا اليوم أحوج ما نكون إلى استثمار منصات الخطاب السياسي والدبلوماسي، لا لمراكمة الشكوك والاتهامات، بل لمغازلة المشتركات، والتأسيس لأرضية جديدة من الحوار، قادرة على استيعاب الخلاف وإنتاج الحل. فلا خير في جامعة عربية لا تجمع، ولا في منظمة "تعاون" لا تمد جسور التعاون، ولا في قمم تعقد على ورق البيانات، بينما الشعوب تعيش في العراء بين ذاكرة الخوف وحاضر الانقسام. فإننا -في النهاية- شعوب لا يمكنها أن تغير الجغرافيا، لكن يمكنها أن تغير طريقة العيش عليها. إعلان

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store