
الأنظمة ترحل.. فهل نُبقي الشعوب في سجون التاريخ؟
مضى أكثر من ثلاثة عقود على قرار سياسي دخل موسوعة غينيس بصفته "الأكثر رعونة" في تاريخ الأنظمة العربية الحديثة؛ إذ حول لحظة توتر إلى كارثة إقليمية، عندما أعلن النظام الصدامي اجتياحًا عسكريًا لجارتنا الشقيقة الكويت، في خطوة متهورة جرّت على المنطقة بأسرها أزمات لا تزال أصداؤها تتردد حتى اليوم.
نحن بحاجة إلى صفحة جديدة تعيد النظر في طريقة التعاطي مع التاريخ، لا كأداة تذكير دائم بالعداوة، بل كأرضية لإنهاء حالة الشك
لم يكن ذلك القرار إلا نتاج عقلية متهورة، قرأت الجغرافيا بالمدافع، وأسقطت من حساباتها وزن الشعوب وحقائق الزمن.
قرار منفرد، قصير النظر، دفع شعب العراق إلى أن يرزح تحت وطأة عقوبات دولية قاسية، وعزلة سياسية شاملة، جعلت الحياة جحيمًا لا يطاق.
فعلًا، إنها سنوات عجاف صار فيها حليب الأطفال سلعة نادرة، والمرضى يتشبثون بالأمل وسط ندرة الدواء، والشباب يجدفون بلا هوادة نحو أحلام ضائعة في سراب لا ينتهي، بينما الجوع يلف القلوب قبل البطون.
وعلى الجانب الآخر من الحدود، عاش الأشقاء في الكويت مأساة لا تقل وقعًا؛ فقد حُرموا من وطنهم في لحظة غدر، وتقطعت بهم السبل وسط احتلال غاشم، أجبرهم على مواجهة قسوة الحرب وفقدان الأمن والاستقرار. كان الألم واحدًا، والجرح بليغًا؛ فكلا الشعبين -العراقي والكويتي- كانا ضحية لنفس العقلية الاستبدادية التي لم تفرق بين حدود أو دماء.
حين تبقى الذاكرة مشرعة على جراحها دون أفق للتعافي، فإنها تمنع الشفاء، وتحول الذكرى إلى أداة تكرس الكراهية بدل أن تكون درسًا للحكم
ما جرى في عام 1990م كان عدوانًا من البعث الصدامي الذي حكم بالحديد والنار، لا عدوان الشعب العراقي (كما وصفه "ضمنًا" أمير دولة الكويت، الشيخ مشعل الأحمد، إبان كلمته في القمة الخليجية الأميركية في الرياض).
إعلان
هذه الحقيقة يجب الإيمان بها، والتصريح بها أمام الشعوب والأجيال الجديدة؛ لأن السكوت عنها يرسخ التباسًا تاريخيًا، ويدق إسفين الخلاف بين الشعبين الشقيقين، ويبقي جمرة الخلاف متقدة إلى الأبد، تتحين كل فرصة للاشتعال.
من حق الكويتيين أن يحتفظوا بذاكرتهم، ولكن من حق العراقيين أيضًا أن يعامَلوا كشعب تغيَّر، وتطهر، ودفع الثمن باهظًا، سياسيًا واقتصاديًا، وحتى إنسانيًا.
فالدولة التي خرجت من رماد الاحتلال، والحروب الأهلية، والصراعات الطائفية، ليست هي تلك التي غزت في لحظة جنون، والدولة التي بناها العراقيون -بكل ما فيها من معاناة وصبر- تستحق أن يُنظر إليها بعين منصفة لا مشروطة.
لا أحد يطلب نسيان ما جرى، ولكن هل يمكن أن نتفق على أن الشعوب لا ينبغي أن تدان إلى الأبد، وأن من ولد في ظل الحصار لا يمكن أن يحاكم كأنه من كتب سيناريو الغزو؟
نحن بحاجة إلى تطبيع الذاكرة بين الشعوب، وإلى جرأة سياسية تعترف بشفافية أن الأنظمة لا تورث ذنوبها إلى شعوبها، فلا ينبغي أن تحاسَب الشعوب على قرارات لم تصوت عليها، ولا شاركت في صناعتها
نحن بحاجة إلى صفحة جديدة تعيد النظر في طريقة التعاطي مع التاريخ، لا كأداة تذكير دائم بالعداوة، بل كأرضية لإنهاء حالة الشك.
نعم، نحن بحاجة إلى تطبيع الذاكرة بين الشعوب، وإلى جرأة سياسية تعترف بشفافية أن الأنظمة لا تورث ذنوبها إلى شعوبها، فلا ينبغي أن تحاسَب الشعوب على قرارات لم تصوت عليها، ولا شاركت في صناعتها.
فحين تبقى الذاكرة مشرعة على جراحها دون أفق للتعافي، فإنها تمنع الشفاء، وتحول الذكرى إلى أداة تكرس الكراهية بدل أن تكون درسًا للحكمة.
والشفاء هنا لا يعني النسيان، بل يعني إعادة توجيه الذكرى نحو التفاهم لا الاتهام، نحو بناء المستقبل لا اجترار الماضي.
إننا اليوم أحوج ما نكون إلى استثمار منصات الخطاب السياسي والدبلوماسي، لا لمراكمة الشكوك والاتهامات، بل لمغازلة المشتركات، والتأسيس لأرضية جديدة من الحوار، قادرة على استيعاب الخلاف وإنتاج الحل.
فلا خير في جامعة عربية لا تجمع، ولا في منظمة "تعاون" لا تمد جسور التعاون، ولا في قمم تعقد على ورق البيانات، بينما الشعوب تعيش في العراء بين ذاكرة الخوف وحاضر الانقسام. فإننا -في النهاية- شعوب لا يمكنها أن تغير الجغرافيا، لكن يمكنها أن تغير طريقة العيش عليها.
إعلان
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 39 دقائق
- الجزيرة
جراح بريطاني متطوع بغزة: الوضع مريع وكارثي ولا نستطيع علاج الجرحى
وصف الدكتور توم بوتوكار، وهو جراح بريطاني متطوع في مستشفيات غزة ، الأوضاع في القطاع بالكارثي، وقال -في مقابلة مع قناة الجزيرة- إن صعوبة الأوضاع تقف حائلا أمام القطاع الطبي لتقديم الرعاية اللازمة التي يحتاجها المصابون. وقال إن القصف الإسرائيلي المتواصل، الذي يؤدي إلى سقوط مصابين معظمهم من النساء والأطفال، يسهم في تدهور الأوضاع، بالإضافة إلى الحصار الذي يحول دون توفر المواد الطبية الكافية، فضلا عن مشكلة الطعام وسوء التغذية. وأضاف أن نظام الرعاية الصحية في غزة يعاني أزمة كبيرة نتيجة للظروف السيئة، فالكثير من المرضى يعانون وجروحهم لا تشفى، كما أن التهجير والنزوح المستمر لأهالي غزة يصعّب عمليات نقل المرضى من المستشفيات باستمرار. وعلى الرغم من الإنهاك الذي وصلت إليه الطواقم الطبية في القطاع، فإنها تواصل جهودها دون استسلام، وتقدم أفضل ما تستطيع في ظل الظروف الحالية، بحسب الجراح البريطاني. وقال في هذا السياق "لا نستطيع توفير الرعاية اللازمة للمصابين بسبب الظروف الصعبة"، وهناك حالات بحاجة إلى فترة طويلة جدا للتعافي، بسبب إصابات في الدماغ والأطراف. وأكد الجراح البريطاني أنه رغم قساوة المشاهد التي يتابعها الناس بشأن معاناة سكان غزة، فإن ما يتم نقله هو جزء من الصورة، وليس الصورة كلها. وقال "ما يحدث في غزة مريع ومخيف ورسالتي هي: يجب أن يتوقف هذا الوضع، ويجب على كل من هم في السلطة أن يتحركوا بالأفعال، وليس بالأقوال فقط". وكانت منظمة الصحة العالمية أعلنت أن الهجمات الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة المحاصر منذ سنوات دفعت النظام الصحي نحو الانهيار، وأشارت إلى أن 94% على الأقل من مستشفيات القطاع تعرضت لأضرار جسيمة، أو دُمرت بالكامل.


الجزيرة
منذ 40 دقائق
- الجزيرة
"غلوبس": العجز المالي لإسرائيل يتسع بسبب تمويل حرب غزة
قالت صحيفة "غلوبس" المختصة بالاقتصاد الإسرائيلي، في تقرير لها، إن الحكومة الإسرائيلية ستضطر إلى توسيع العجز المالي لمواجهة كلفة استدعاء 450 ألف جندي احتياط، في إطار توسيع الحرب بقطاع غزة، وهي خطوة تُعد الأكبر منذ اندلاع العمليات العسكرية. وصادقت الحكومة رسميا على استدعاء هذا العدد الضخم عبر أوامر طارئة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، وهو رقم قياسي غير مسبوق، ويتجاوز القرار السابق باستدعاء 400 ألف جندي حتى نهاية مايو/آيار. وبررت الحكومة ذلك بالقول "من المتوقع أن يكون عام 2025 عاما للحرب، مشابها لعام 2024". لكن الميزانية العامة التي أقرها الكنيست قبل شهرين فقط لم تكن مصممة لتمويل عام آخر من الحرب، مما أدى إلى تسارع كبير في النفقات العسكرية خارج الإطار المحدد في الخطة الأصلية. تمويل الحرب يتجاوز قدرات الدولة وتُقدّر وزارة المالية أن كل جندي احتياط يُكلّف الدولة نحو 800 شيكل (نحو 230 دولارا) يوميا، دون احتساب التكاليف طويلة الأجل مثل المِنح المستقبلية. وإذا خدم 450 ألف جندي احتياط لمدة 3 أشهر، فإن التكلفة النظرية تصل إلى 32 مليار شيكل، أي ما يعادل نحو 8.9 مليارات دولار أميركي. وحتى لو لم يُستدعَ جميع الجنود أو لم يخدموا طوال الفترة، فإن الكلفة المتوقعة قد تبلغ نصف هذا المبلغ، أي 16 مليار شيكل نحو 4.5 مليارات دولار، وهو رقم يتجاوز الإطار المالي للموازنة. وتمتلك وزارة المالية صندوق طوارئ بقيمة 10 مليارات شيكل (2.828 مليار دولار)، لكن تبقّى منه فقط 3 مليارات شيكل (848.4 مليون دولار) قبل استئناف الحرب على غزة، وهي قيمة غير كافية تماما لتغطية المصاريف الجديدة. وهذا ما دفع العديد من الخبراء داخل الوزارة للتأكيد على أن فتح الميزانية أصبح أمرا لا مفر منه، وفق الصحيفة. إجراءات تقشفية قاسية ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، اضطرت الحكومة إلى تمويل الحرب وتبعاتها بمئات المليارات من الشواكل، ما دفعها إلى سلسلة من إجراءات التقشف وزيادة الضرائب، شملت: رفع ضريبة القيمة المضافة. زيادة مساهمات التأمين الوطني. اقتطاع أيام المرض من رواتب الموظفين. فرض ضرائب جديدة على أرباح الشركات المجمدة. خفض مؤقت في رواتب القطاع العام. توسيع ضريبة الدخل الإضافية على أصحاب الدخل العالي. لكن وعلى الرغم من هذه الخطوات، رفضت الحكومة تقليص الأموال الائتلافية، ولم تُغلق الوزارات الزائدة عن الحاجة، وتجنبت مواجهة القضايا السياسية الحساسة مثل تجنيد الحريديم (اليهود المتدينين) للجيش، حسب الصحيفة. وذكرت "غلوبس" أن وزارة المالية قد تضطر إلى إجراء مزيد من الاقتطاعات في موازنات الوزارات، إلا أن الموارد "الحرة" المتاحة قد نُهبت بالكامل تقريبا، كما أن الثقة العامة في الحكومة باتت متدهورة، مما يُصعّب تمرير أية إجراءات تقشفية إضافية. الفجوة تتسع وزير المالية بتسلئيل سموتريتش لا يزال يرفض رسميا فتح الميزانية، مراهنا على قدرة الجيش على التصرف ضمن إطار ميزانية الدفاع الضخمة لعام 2025، التي تبلغ أكثر من 110 مليارات شيكل (30.9 مليار دولار)، عبر "تحسين الكفاءة الداخلية". لكن الفجوة بين المخطط والواقع، حسب التقرير، تبلغ بالفعل نحو 20 مليار شيكل (نحو 5.66 مليارات دولار)، ناجمة بشكل رئيسي عن نفقات الاحتياط وتأجيل تمديد الخدمة الإلزامية للجنود. إعلان وفي حين يشير البعض داخل الحكومة إلى أن التمديد الحربي حتمي، مثل وزير الدفاع يسرائيل كاتس ، الذي يؤكد أن "الجيش لن ينسحب من أي أرض خلافية"، فإن جهود الوساطة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب للتوصل إلى اتفاق مع حماس قد تُغيّر مجرى الأمور، حسب غلوبس. ومع استنزاف جميع الاحتياطات المالية، فإن الخيار الوحيد المتبقي أمام الحكومة الإسرائيلية، وفق الصحيفة، هو توسيع العجز المالي إلى مستويات خطرة وغير مسبوقة، في وقت يشهد فيه الاقتصاد تباطؤا في النمو وزيادة في الضغط الشعبي.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
صحيفة إسرائيلية: الخطة الجديدة لغزة تُخفي رؤية كابوسية
يفيد كاتب إسرائيلي في مقال له بصحيفة "نيوز 12" بأن الخطة الإسرائيلية الجديدة لإدارة المساعدات الإنسانية في قطاع غزة ، والتي تُقدم على أنها حل لمشكلة التوزيع، هي غطاء لأهداف استعمارية أعمق وأكثر خطورة. وأشار الكاتب عوفر شلخ، في الصحيفة التي تنشر بالإسرائيلية، إلى أن هذه الخطة ليست سوى الخطوة الأولى نحو احتلال كامل للقطاع، وتهجير سكانه إلى مساحات ضيقة، وتشجيع هجرتهم القسرية. وقال إن هذه الأهداف هي الأهداف الحقيقية للخطة غير المعلنة للحكومة الإسرائيلية رغم الضغط الدولي، الذي تعلم أنه لن يتراجع لحظة واحدة، وأن التداعيات الدبلوماسية والعسكرية ستكون باهظة. خطة غامضة ومحفوفة بالمخاطر وذكر الكاتب أن هذه الخطة أُعدت بصورة غير منظمة، حيث كشفت التحقيقات عن تورط غامض لضباط في الخدمة الفعلية، ورجال أعمال وشركات أميركية مجهولة الهوية تسعى لإخفاء بياناتها، ووصف الخطة بأنها مليئة بالثغرات، حيث يكتنف الغموض الجهة التي ستتولى تمويل إطعام ما يقرب من مليوني شخص. وأوضح الكاتب أن المسؤولين الإسرائيليين يستخدمون مصطلحات تحمل دلالات مؤلمة، مثل إبقاء السكان "فوق عتبة الجوع" فقط. كما أشار إلى الاحتمال الكبير لتعرض نقاط التوزيع لهجمات من حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مما يهدد بانهيار النظام برمته أمام الحشود الجائعة التي قد تنهب كل شيء. وشدد الكاتب على أن هذه الخطة غير المكتملة لن تخفف من الضغط الدولي على إسرائيل ، التي ستظل مسؤولة عن الفوضى المتوقعة، وعن تصرفات المرتزقة في حال شعورهم بالخطر. وأضاف أن إسرائيل ستتحمل المسؤولية عن الجوع المتفاقم، والنزوح المستمر، والاكتظاظ الشديد لسكان القطاع ضمن مساحة لا تتجاوز ربع مساحته، وكذلك المسؤولية المباشرة عن سقوط أعداد كبيرة من المدنيين الأبرياء يوميا، في سياق يخدم أهدافا عسكرية غامضة وغير واضحة. رؤية استعمارية مكشوفة وتابع الكاتب بأن هذا المشروع، الذي يستفيد منه بعض المرتزقة والمنتفعين عبر تضارب مصالح وفساد مستتر، يعد جزءًا من خطة استعمارية أشمل بكثير. وأوضح أن من ينكر ذلك عليه مراجعة مقال تضمّن تحقيقات رسمية أعدها ضابطان احتياطيان، العميد إيرز وينر والعقيد غابي سيبوني. وأشار إلى ان الضابطان أكدا أن الهدف الإستراتيجي للحرب يتطلب سيطرة أمنية مطلقة على قطاع غزة، عبر وجود عسكري مباشر على الأرض، مع ضرورة تشغيل شركات مدنية وقوى محلية تحت إشراف الحكم العسكري، مع خلق الظروف الملائمة لهجرة السكان. ثمن باهظ بلا أفق سياسي ويرى الكاتب أن هذه الرؤية الاستعمارية تخلو من أي أفق سياسي حقيقي، متجاهلة تماما أن هذه السياسة ستؤدي إلى فقدان فرص إقامة تحالفات إقليمية أو تطبيع علاقات مع دول المنطقة، كما أن هذه الخطوة تحكم أيضا على الأسرى بمعاناة طويلة وحياة مهددة بالخطر. واختتم الكاتب مقاله بالقول إن تكلفة هذه الخطوة ستكون باهظة على الصعيد الدبلوماسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري، وقد بدأ المجتمع الإسرائيلي دفع ثمنها بالفعل.