أحدث الأخبار مع #الأزمة_الهندية_الباكستانية


الميادين
منذ 5 أيام
- سياسة
- الميادين
"بروكينغز": ما هي الدروس المستفادة من الحرب الهندية الباكستانية؟
معهد "بروكينغز" الأميركي ينشر تقريراً يناقش الأزمة العسكرية الأخيرة بين الهند وباكستان، وما انطوت عليه من مواجهات عسكرية مباشرة، وتطورات تكنولوجية، وتحولات استراتيجية، مع تحليل لأبعادها وتداعياتها المستقبلية. ويقدّم التقرير تحليلاً عميقاً للأزمة الأخيرة بين الهند وباكستان، ويحذّر من أنّ أي صراع مقبل بين القوتين النوويتين سيكون أكثر خطورة وتعقيداً، مع ضرورة استيعاب هذه الدروس لتفادي كارثة مستقبلية. أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية: بعد أيّام من القصف والغارات الجوّية المتبادلة، يبدو اتّفاق وقف إطلاق النار الهش بين الهند وباكستان بوساطة الولايات المتحدة صامداً حتّى الآن. بينما يروي كلا الطرفين المتصارعين، مزاعم عن حقوقهما، مرصّعة بالشجاعة والإقدام بنسب متفاوتة عن مكاسب كلّ منهما. كما أكّدا بثقة أنّهما أدارا المواجهة بعناية تجنّبت التصعيد المنفلت، وأخطار حرب أوسع. مع ذلك، يجب أن تؤخذ هذه المزاعم بقدر كبير من الشكّ. فسياق الأحداث بين الطرفين خلال الأيّام القليلة الماضية، كشف عن ارتجال وانتهازية أدّت إلى بيئة غامضة ومخيفة في ساحة المعركة أحياناً، وخاصّة أنّ الهند وباكستان قوّتان نوويّتان. بينما الحقائق الأساسية حول الصراع ما تزال محجوبة بسبب ضباب الحرب، التي تعتبر أخطر أزمة بين البلدين الجارين منذ ربع قرن. ومن السابق لأوانه إجراء تقييم شامل لما يعنيه الحدث بالنسبة للهند وباكستان والمنطقة. وباعتقادي هناك ما لا يقلّ عن 4 ديناميكيّات ستشكّل طبيعة الأزمات المستقبلية. وهي تبدأ من النقاش العالمي الذي كان على نحو حاسم لمصلحة الهند، ولكن بطرق قد تؤدّي إلى تفاقم الضغوط السياسية على دلهي للردّ بتعجّل في أعقاب أيّ هجمات إرهابية مستقبلية. ثانياً، لقد وضع الجيشان سوابق جديدة مقلقة حول اختيار الأهداف التي ستؤثّر في التخطيط العسكري، ويمكن أن تزيد أخطار الحرب المستقبلية. ثالثاً، يبدو أنّ العمليات الاستخبارية تنتقل من الهوامش إلى مركز التخطيط الحربي، خاصّة داخل مؤسسة الدفاع الباكستانية. وأخيراً، أدّى الاستخدام الواسع النطاق للطائرات من دون طيّار والذخائر المتسكعة إلى تعقيد كيفية تفسير كلا الجيشين لسياق التصعيد بينهما. كلّ من هذه التطوّرات يمكن أن يجعل الأزمة المقبلة أكثر صعوبة في التنبؤ بها من تلك التي شهدناها منذ أيّام. اشتعلت هذه الجولة الحربية كما كان يحدث في معظم الأزمات الهندية الباكستانية خلال 3 عقود، حين وقع هجوم إرهابي في الهند في الـ 22 من الشهر الماضي، حيث ذبح مسلّحون بوحشية 25 هندوسياً ومرشداً سياحياً مسلماً في باهالغام. وزعمت الهند فوراً أنّ الهجمات نفّذتها جماعة ليست إلّا واجهة تابعة لمنظّمة "عسكر طيبة" الإرهابية، في حين نفت مصادر باكستانية الاتّهامات الهندية واعتبرتها زائفة. من اللافت للنظر أنّه في أعقاب هذا الحدث المروّع، لم يركّز إلّا بمستوى هامشي للغاية في هوية منفّذي هذه الهجمات، أو عن طبيعة صلات المهاجمين بالدولة الباكستانية. والسبب بسيط، لأنّ الولايات المتحدة وشركاء الهند الآخرين، تبنوا على مدى العقد الماضي نهج نيودلهي المتمثّل في تحميل باكستان مسؤولية الهجمات الإرهابية، استناداً إلى الدعم الراسخ الباكستاني للتطرّف المناهض للهند، بدلاً من اعتماد القرائن والأدلة. لقد نجحت الهند جزئياً في حثّ شركائها على تجاوز الحاجة إلى التعمّق في مسائل من ينفّذ الهجمات، واعتبار دعوات التحقيق مجرّد محاولات تسويف. ولا شكّ في أنّ خوض الولايات المتحدة المطوّل للجماعات الإرهابية المتمركزة في باكستان، وتنامي جاذبية الهند كشريك استراتيجي وتجاري لدول العالم، أسهما أيضاً في تطوير هذه الديناميكية. كما أنّ منح الهند هذه الميزة قبل شركائها أمر له قيمة كبيرة، لأنه يتيح لحكومة دلهي مساحة للتصرّف بسرعة وحسم ضد باكستان ردّاً على أيّ هجوم إرهابي مستقبلي على أراضيها. ومن خلال ذلك يستطيع صانعو الرأي الهنود تعزيز إسناد الشركاء وجعله يحدث بنوع من التلقائية المتتالية. ربّما نجحت القيادة الهندية في تهيئة أصدقائها للَوْم باكستان، ولكن عليها الآن أن تدير بشكل أكثر نشاطاً توقّعات شعبها، الذي يفترض أنّ ردّ الفعل الأوّل على الإرهاب ليس التحقيق عن المسؤول عنه، بل الانتقام. يبدو أنّ القادة الهنود على استعداد لقبول هذه الضغوط، كثمن وبديل لتجنّب التقاضي العلني حول الطبيعة الدقيقة لصلات الإرهابيين بالدولة الباكستانية. ولا يمكن لومهم على ذلك، لأنّ الجيش الباكستاني سمح لبعض الجماعات المسلّحة والإرهابية، بالعمل من دون عوائق على أراضيه. وهذه الجماعات لها روابط معقّدة مع كلّ من الأحزاب السياسية الباكستانية ومؤسّسات الدولة، وتعمل على الخطّ الأيديولوجي الذي تعمل فيه قيادة الجيش الباكستاني. كما أنّ تعاون الدولة الباكستانية مع هذه المجموعات مرئيّ بشكل لا لبس فيه، ولكن غالباً ما يصعب تتبّع تفاصيل أيّ شراكة عملياتية. ومن خلال العمل على تحييد مسألة الإسناد، حدّ القادة الهنود من قدرة باكستان على تأخير أو إنكار أو تدويل الأزمة التالية. لكنّها ربّما جعلت من الصعب في هذه العملية إخماد الدعوات الإعلامية للقوميين المتطرّفين للانتقام السريع والحاسم. لدى الطرفين مخاوف أيضاً من التصعيد في الصراع التالي، على خلفية الاستهداف بالقصف في المواجهة الأخيرة بينهما، حيث قصف الجيش الهندي المقرّ الرئيسي لجماعة "عسكر طيبة" ومجمّعاً لجماعة "جيش محمد". وأظهرت الضربات مستوى من التناسب بوضوح، حيث قصفت قواعد إرهابية كردّ على عنف إرهابي. لكن دلهي بذلك استنفدت من بنك أهدافها هذه المواقع المهمّة والرمزية من حيث قابليتها للبيع سياسياً للداخل والخارج. اليوم 12:10 15 أيار 12:33 وفي حالة وقوع هجوم آخر، قد تشعر دلهي بأنّها مضطرة للوصول إلى عمق قواعد الجماعات في باكستان، خاصة المواقع ذات القيمة السياسية والعملياتية. وبدلاً من استهداف البنية التحتية الإرهابية، قد تشعر دلهي بالضغط لاستهداف مقرّات الاستخبارات أو المنشآت العسكرية الباكستانية من الدرجة الثانية، أو قد تجمع بين ضربات مكافحة الإرهاب والعمليات الخاصّة أو الأنشطة البحرية لإظهار الجدّية. كلّ من هذه الخيارات، وغيرها محفوف بمخاطر جديدة. هناك احتمال أن تخرج باكستان من هذا الصراع بمخاوف متنوّعة، وخاصّة أنّ الذخائر الهندية لم تخترق الحدود الدولية فحسب، بل أظهرت أيضا دقّة في إصابة المواقع الدفاعية. وقد تمكّنت القوّات الجوّية الهندية من ضرب قاعدة نور خان الجوّية في روالبندي التي لا تبعد كثيراً عن مقرّ قيادة الجيش الباكستاني، ومطارات رئيسية أخرى. وعلى الرغم من أنّ الأضرار تبدو محدودة، إلّا أنّ اختيار الأهداف يشير إلى استعداد الهند لتحدّي الدفاعات الجوّية الباكستانية وتهديد الأصول العسكرية القريبة من قلب الدولة. عادة ما يرتفع قلق الجيوش عندما تستهدف أنظمة دفاعها الجوّي، لأنّ ذلك يثير شبح فقدان السيطرة على مراكز القيادة الحسّاسة، أو إساءة قراءة ضربة محدودة على أنّها تحضير لشيء أكبر. قد تشكّل هذه المخاوف العقيدة العسكرية الباكستانية في المستقبل، وتدفعها نحو التعبئة المبكّرة، وتصعيد أسرع في أيّ صراع مقبل. يتمثّل أحد المخاطر المهنية أمام الباحثين في شؤون الدفاع، حيث يضطرّون إلى قراءة العديد من النشرات العسكرية الأجنبية وغربلتها، والنظر في التطوّرات العقائدية المشروعة من بين الكمّيات الهائلة من مزاعم الانتصارات. وعلى مدى العقد الماضي، وجدت أنّ المجلّات الدفاعية الباكستانية مليئة بالمقالات حول حرب المعلومات. كنت قد نقدت هذه الكتابات على أنّها محاولة لتقليد الكتابات الصينية الأكثر دهاء حول حرب المعلومات، لكن، ربّما كنت مخطئاً. يبدو أنّ الجيش الباكستاني بذل جهوداً كبيرة لتشكيل بيئة متطوّرة نسبيّاً، وظهرت بوضوح حين نفت باكستان ضرب الهند في ليلة 8 _ 9 الشهر الجاري، في خضمّ تصاعد الأزمة، ما أدّى إلى غموض حقيقي حول اتّجاه ونسبة الردّ الهنديين اللاحقين. ومع ذلك، كانت هناك محاولات أخرى غير منطقية، مثل الادّعاءات الرسمية الباكستانية بأنّ الصواريخ البالستية الهندية كانت موجّهة نحو مراكز السكان السيخ في البنجاب، في محاولة واضحة لاستغلال الحساسية الطائفية. كما سعت الحسابات الرسمية الهندية إلى تشكيل بيئتها المعلوماتية، لكنّها كانت أكثر ثقلاً وتفاعلية، حيث كانت الإجازات الإعلامية غالباً ما تتأخّر عن الأحداث لساعات. وفي هذا الفراغ، تدفّق موجة إعلامية هندية شديدة الحماسة التنافسية، وأطلقت بلا مبالاة شائعات جامحة، مثل تدمير ميناء كراتشي، ووضع رئيس أركان الجيش الباكستاني قيد الإقامة الجبرية، حيث بدت هذه المبالغات كوميدية عند النظر إليها بأثر رجعي، لكنّها في تلك اللحظة، كانت تعرّض صانعي القرار لضغوط أكبر للتصرّف بشكل أكثر حزماً أو إرسال رسائل مربكة للمخطّطين الباكستانيين. ويجب ألّا نبالغ في تأثير هذه الفوضى من المعلومات المضلّلة على سير العمليات العسكرية الفعلية. فالحرب بطبيعتها مربكة. لكن سيكون من غير الحكمة اعتبار ذلك مجرّد تحوّل تدريجي. فالجهود المعلوماتية المتزايدة العدوانية من باكستان، إلى جانب البيئة الإعلامية الهندية المحمومة وغير المسؤولة بشكل غير عادي، تولّد مخاطر جديدة وكبيرة وتدفع نحو الخطأ في الحسابات خلال الأزمات. إنّ التطوّر العسكري الأكثر أهمّية للأزمة هو الاستخدام الواسع النطاق للمسيرات الجوّية واستخدامها كذخائر "متسكعة"، أي تبحث عن أهدافها. ويزعم مسؤولو الدفاع في كلا البلدين أنّ مئات الطائرات من دون طيّار بدءاً من المروحيات الرباعية الصغيرة إلى منصّات القتال ذات التحمّل الأطول، والتي أطلقت على مدى 4 ليال من المواجهة، والعديد منها استخدم في مهامّ أحادية الاتّجاه. ولأوّل مرّة، خاضت الهند وباكستان ما بدا وكأنّه حرب متبادلة بالطائرات من دون طيّار، مع مهامّ استكشافية وضربات واعتراضات وهجمات مضلّلة حدثت بشكل مستمرّ طوال مدّة المواجهة. يجب ألّا يكون الاستخدام الواسع للطائرات من دون طيّار في هذا الصراع مفاجئاً، نظرا للاهتمام الكبير الذي أولاه كلا الجيشين للدروس من حرب أوكرانيا. مع ذلك، هذا التطوّر مقلق لسببين. الأوّل، أنه كان يمكن ببساطة استهداف العديد من هذه الطائرات من دون طيار، حتّى تكشف دفاعات العدوّ الجوّّية، وتحفّز استخدامه الذخائر المكلفة الدفاعية. ولكن، يمكن اعتبار استهداف رادارات الدفاع الجوّي والبطاريات كعمل استفزازي قد ينذر بالإعداد لاعتداء أعمق على أراضي الخصم. الثاني، يبدو أن هذا الصراع قد وضع قواعد هرمية جديدة لنهج التصعيد. مثلاً وابل القصف المدفعي المتبادل عبر خطّ السيطرة المتنازع عليه، يعتبر درجة أقلّ من التصعيد، لكن، الصواريخ الباليستية وربّما الأقلّ، صواريخ الكروز أيضاً، ترفع من درجات التصعيد بسبب سرعتها وقوّتها التدميرية، وتنذر بإعلان التعبئة النووية. وبين تبادل القصف المدفعي التقليدي والصواريخ المتطوّرة تحتلّ الطائرات من دون طيار ولا سيّما المتسكّعة منطقة غامضة بين المستويين. وسيسعى الجانبان إلى التعلّم بسرعة ودمج الدروس المستفادة من هذا الصراع في المشتريات والخطط العملياتية المستقبلية. ومن المرجّح أن تضاعف باكستان تكاملها العميق مع القاعدة الصناعية الصينية، إلى جانب شراكاتها مع تركيا في تصنيع الطائرات من دون طيّار. كما يظهر أنّ أداء القوّات الباكستانية كان جيداً نسبياً في القتال الجوّي، على الرغم من أنّ بعض نجاحاته قد تُعزى إلى أنظمة الدفاع الجوّي الأرضية المتمركزة على طول الحدود، والتي استهدفت المقاتلات الهندية في مجالها الجوّي. مع ذلك، قد تثير تقييمات أضرار المعركة تساؤلات حول حجم وموثوقية أنظمة الدفاع الجوّي الباكستانية الأقوى، فضلا عن فائدة إطلاق عدد كبير من الطائرات المسيرة التي يبدو أنّها تسبّبت في أضرار متواضعة داخل الهند. كذلك، تواجه الهند مجموعة أكثر تعقيداً من الخيارات. ويبدو أنّ أداء شبكات دفاعها الجوي لديها كان جيداً، وأظهر جيشها أنّه يمكنه أن يستهدف باكستان بمزيج من الضربات الجوّية والأرضية. لكنّ هذه الأزمة يجب أن تثير مخاوف في دلهي بشأن الحاجة إلى احتياطيّات أكبر بكثير من الصواريخ والذخائر لصراع مستمرّ، وكذلك الحاجة إلى تنسيق ما يمكن أن يتطوّر إلى مواجهة متعدّدة الجبهات. كما هي الحال الآن، تتعامل القوّات الهندية مع ما سمّته "قوّة متنوعة" من الطائرات الإسرائيلية من دون طيّار، وأنظمة الدفاع الجوّي الروسية والهندية، والمقاتلات الفرنسية، وطائرات المراقبة الأميركية، والطائرات المسيرة المحلّية الصنع، ومجموعة من المنصّات الأخرى. كما أنّ دمج هذه القوّة في ساحة معركة واحدة مترابطة عبر جبهتين قاريتين ومسرح بحري واسع يتحوّل بسرعة إلى تحدّي التحديث المركزي للهند. ومن شأن هذا أن يزيد الضغط على المؤسّسة الهندية لتركيز جهودها المترامية الأطراف في مجال التوطين الدفاعي، بينما هناك عدد قليل من الاستثمارات الهادفة. كلّ ذلك سيقدّم مادّة للنقاش داخل الهند حول مشتريات المعدات الرفيعة المستوى، وهل سيكون من المصلحة إضافة أنظمة الدفاع الجوّي الروسية المختبرة في المعارك، أو تلك الطائرات المقاتلة الروسية من الجيل الخامس غير المختبرة، أم أنّ المزيج في بناء بيئة حرب شبكية واسعة ومرنة تشمل أيضاً معدّات غربية متطوّرة واعتماد أسلحة أميركية مثل الطائرة المقاتلة "إف 35"، ما سيمنح الولايات المتحدة نفوذاً غير مقبول على الأمن القومي الهندي، خاصّة في ضوء تصريحات الرئيس دونالد ترامب التي ربطت اتّفاق التجارة الثنائية بوقف إطلاق النار مع باكستان. أخيراً، يجب توقّع أن تستغرق جيوش وطرّادات كلا البلدين وقتاً كبيراً في معرفة كيفية تجنّب الوقوف على الهامش في الصراع المقبل. هذه المرّة، ولحسن الحظّ، تمّ إبقاء هذه القوّات في حالة تأهّب، ولكنّها كانت في الغالب مستنفرة احتياطاً. لكن ليس من المبكّر القلق من أنّ الجمع بين المعايير الجديدة حول التناسب في تحديد الأهداف وُضع على خلفية استفزازية، كما كانت بيئة الحرب المعلوماتية فوضوية، وكلّ هذا يمكن أن يؤدّي إلى أزمة تتصاعد بسرعة أكبر وبشكل أكثر غموضاً مع تكوين أوسع للجبهات وقدرات تدميرية أكبر. نقله إلى العربية: حسين قطايا.


الجزيرة
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
من يدعم من في الحرب بين الهند وباكستان؟
تعود جذور الأزمة الهندية الباكستانية إلى عام 1947، وهو العام الذي نالت فيه الهند استقلالها عن بريطانيا، وتقوم على تقسيم الهند، حيث ظلت منطقة كشمير منطقة متنازعًا عليها بين باكستان والهند. شهدت هذه الأزمة تصعيدًا وتهدئة على مرّ الزمن. اتخذت نيودلهي خطوات تصعيدية متبادلة، محمّلةً باكستان مسؤولية الهجوم الإرهابي الذي وقع في بهلغام بمنطقة كشمير الخاضعة للسيطرة الهندية. إنّ التحركات الدبلوماسية المتبادلة بين الطرفين، وتعليق الهند اتفاقية مياه السند، والتهديدات العسكرية المتبادلة، غيّرت مسار الأزمة. إنّ وصول قوتين نوويتين إلى حافة الحرب، يتجاوز كونه أزمة بين دولتين أو أزمة إقليمية تهم المنطقة التي تقع فيها الدولتان، بل سيكون له تداعيات عالمية. إنّ الأزمة الهندية الباكستانية التي تظهر في فترة يشهد فيها العالم إعادة تشكيل مراكز القوى، والانتقال من عالم أحادي القطب إلى عالم متعدد الأقطاب، يمكن تقييمها على أنها تطور عالمي تهتم به الجهات الفاعلة العالمية أكثر من الجهات الإقليمية. إنّ المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في العديد من المجالات، وعلى رأسها التجارة، واستمرار الأزمة بين الولايات المتحدة وروسيا، وإن كانت قد خفت حدتها نسبيًا مع تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة، يؤثران على تحديد المواقع الإقليمية والعالمية للدول الأخرى. إعلان من ناحية أخرى، تسعى القوى العالميّة المتمثلة في الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، في خضم تنافسها العالمي، إلى تطوير علاقات تحالف إستراتيجي مع دول أخرى، وخاصة تلك القوية في مناطقها، والتي تعتبر قوى إقليمية. بالنظر إلى الأزمة الهندية الباكستانية من منظور صراع القوى بين القوى العالمية، يمكننا أن نصل إلى نتيجة مفادها أن الأزمة أعمق من مجرد أزمة بين دولتين. تعدد الأقطاب إنّ تعدد الأقطاب الذي تقبله الولايات المتحدة الأميركية، يظهر بخصائص مختلفة عما كان عليه في فترة الحرب الباردة. خلال الحرب الباردة، كان العالم منقسمًا بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي. كان هذا الانقسام بينهما انقسامًا أيديولوجيًا وجغرافيًا. "العالم متعدد الأقطاب" في القرن الحادي والعشرين، لا يحمل خصائص الانقسام الجغرافي والأيديولوجي لفترة الحرب الباردة. لذلك، فإن مفاهيم الشرق والغرب، والشمال العالمي والجنوب العالمي، والعالم الغربي والعالم غير الغربي، لا تعبر بشكل كامل عن نظام "العالم متعدد الأقطاب" الذي هو في طور التشكيل، والذي لم تتضح معالمه بعد، والذي يتقدم من خلال العديد من العمليات المؤلمة. على الرغم من أن الكتل الأيديولوجية قد انهارت تمامًا، فإن الأيديولوجيات مستمرة في الوجود. لكن تأثير الأيديولوجيات هو موضوع نقاش. تتجه الدول نحو سياسات أكثر واقعية؛ لأن العالم أكثر تعقيدًا، وأكثر اعتمادًا على بعضه البعض، وأكثر تجزؤًا. العوامل التي ستشكل كتلًا جيوسياسية قوية في المستقبل هي: الاقتصاد، والتكنولوجيا، والأمن، والديمغرافيا، والثقافة، والحضارة. يمكن لهذه العوامل أن تخلق تحالفات وتنافسات وتوازنات قوى جديدة في النظام الدولي. إن عالم اليوم ليس منقسمًا بين كتل أو تحالفات أو أيديولوجيات أو أقطاب. أي أن الصفوف في عالم اليوم ليست مفصولة بشكل حادّ، كما كانت في فترة الحرب الباردة. على سبيل المثال، تتعاون فيتنام مع أميركا ضد الصين في المجال العسكري، بينما تقف إلى جانب روسيا في قضية أوكرانيا. تدعم تركيا كييف في الحرب الأوكرانية، وفي الوقت نفسه يمكنها أن تلعب دور الوساطة بين أوكرانيا وروسيا، ويمكنها أن تلعب دورًا فعالًا من خلال الجمع بين البلدين في اتفاقيات تهم العالم بأسره، مثل اتفاقية الحبوب. مثال آخر هو دول الخليج. تتمتع العديد من دول الخليج بعلاقات جيدة مع أميركا، وفي الوقت نفسه يمكنها توقيع اتفاقيات مهمة مع الصين في العديد من المجالات مثل الطاقة. توضح كل هذه الأمثلة أن "نظام العالم متعدد الأقطاب" الجديد يتميز بخصائص مختلفة عن "نظام العالم ثنائي القطب" القديم. من الممكن تقييم الوضع المعقد والفوضوي الذي يشهده عالم اليوم في مجالات مثل الاقتصاد والأمن، على أنه آلام المخاض للانتقال إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب. ستحدد هذه الأزمات التي تحدث في فترة الانتقال إطار العالم الجديد وتشكل مراكز القوى. الأزمة الهندية الباكستانية التي تحدث في مثل هذه الفترة الحرجة، يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل العالم متعدد الأقطاب إذا تحولت إلى حرب. لا يمكن تصور أن القوى العالمية التي تتابع هذه الفترة الانتقالية من كثب؛ الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، لن تتخذ موقفًا في الأزمة الهندية الباكستانية. إن اتخاذ القوى العالمية موقفًا لا يعني دائمًا المشاركة الفعلية في الحرب. لكن في الانتقال إلى "عالم متعدد الأقطاب"، لا ترغب القوى العالمية في دخول دولتين نوويتين في حرب كبيرة ولا تدعم ذلك؛ لأنه حتى لو كنت دولة تتمتع بقوة عالمية، فلا يمكنك توقع نتائج مثل هذه الحرب الكبيرة، ولا يمكنك أن تكون قادرًا على تحويل جميع مراحل الحرب لصالحك؛ لأن جميع الدول التي تتمتع بقوة عالمية قد لا ترى مثل هذه الحرب مربحة من حيث مواقعها العالمية. بعد اندلاع الأزمة بين الهند وباكستان، حذرت الولايات المتحدة الأميركية، والصين، وروسيا من تصعيد الأزمة، ودعت إلى الدبلوماسية والحوار. إن علاقات الولايات المتحدة، والصين، وروسيا مع الهند وباكستان تتشكل بما يتفق مع الشروط التي يفرضها نظام العالم متعدد الأقطاب الذي ذكرناه. تلعب خطوط التجارة العالمية والاقتصاد والتجارة والحروب التكنولوجية دورًا رئيسيًا في تحديد علاقة الدول العالمية بالدول الأخرى. الولايات المتحدة الأميركية أميركا ترى الصين أكبر منافس لها في الحرب التجارية التي بدأت من جديد مع تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة. في هذا الإطار، بينما رفع الرئيس الأميركي ترامب الرسوم الجمركية بنسب مختلفة حسب الدول، بدأت تظهر تفاؤلات بشأن إمكانية تحقيق نتائج إيجابية من مفاوضات التعريفة الجمركية الجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين. بينما تواجه الولايات المتحدة مشاكل مع الصين، واليابان في آسيا، فإن التقارب مع الهند هو تطور مهم يجب التركيز عليه. كان وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت قد ذكر أن أحد الاتفاقات الأولى التي سيتم إبرامها قد يكون مع الهند. بينما تسعى الولايات المتحدة من خلال هذه الخطوات إلى تنويع شبكة التوريد الخاصة بها، تبرز أيضًا تدفقات الأخبار التي تفيد بأن الشركات الأميركية تحوّل استثماراتها إلى الهند. على الرغم من أن الولايات المتحدة ترى الهند دولة ستملأ الفراغ الذي ستتركه الصين في الحرب التجارية، فإن الخبراء يعتقدون أن الهند لن تكون قادرة على ملء الفراغ التجاري الذي ستتركه الصين على المدى القصير. تلعب الممرات التجارية مكانًا مهمًا في الصراع العالمي. تدعم أميركا مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) لمواجهة مشروع "الحزام والطريق" الذي تقوده الصين. انحازت أميركا إلى جانب الهند في الأزمة التي نشأت عن الاشتباك الذي وقع بين الجيش الهندي، والجيش الصيني في شرق لاداخ في عام 2020. لذلك، على الرغم من أن أميركا تدعو إلى الدبلوماسية والحوار في الأزمة بين الهند وباكستان، فإنها ترى الهند دولة رئيسية في منافستها مع الصين. جمهورية الصين الشعبية تنزعج الصين من بروز الهند؛ بسبب تطورها في التجارة، وتقدمها في المجال التكنولوجي. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعزيز الهند قوتها على المستويَين: العالمي والإقليمي، والتي تطور علاقات وثيقة مع أميركا وتتحرك معها بشكل مشترك في الأزمات، يزعج الصين. عندما تأسّست مجموعة البريكس (BRICS) لأول مرة، تم تقييمها ككتلة بديلة ضد الكتلة الغربية. تم تفسير وجود الهند بين مؤسسي مجموعة البريكس مع الصين على أنه وقوف الهند إلى جانب الصين ضد أميركا. ولكن مع مرور الوقت، اتّضح أن مجموعة البريكس ليست منظمة تعاون اقتصادي ضد الغرب الذي تتواجد فيه أميركا. لأنه في 1 يناير/ كانون الثاني 2024، انضمت مصر، وإثيوبيا، وإيران، والإمارات العربية المتحدة، ثم المملكة العربية السعودية إلى المجموعة. لذلك، فإن وجود الصين مع الهند في مجموعة البريكس، لا يشكل سببًا لدعم حكومة نيودلهي في الأزمة مع باكستان. من ناحية أخرى، تعتبر باكستان الدولة الرئيسية في مشروع الحزام والطريق الذي استثمرت فيه الصين مليارات الدولارات. تظهر الصين من خلال التصريحات التي أدلت بها في الأزمة الهندية الباكستانية أنها تدعم حكومة إسلام أباد. لطالما اتسمت العلاقات الروسية الباكستانية بتقلبات منذ فترة الحرب الباردة. وقفت باكستان في مواجهة موسكو في احتلال السوفيات لأفغانستان. وقامت بتوريد الأسلحة إلى المجموعات التي تحارب السوفيات في أفغانستان. بعد انسحاب روسيا من أفغانستان، بدأت العلاقات بين البلدين في التحسن. حتى إن روسيا وعدت بتقديم الدعم لباكستان ضد طالبان في عام 2007. إعلان في هذه المرحلة، يتم تقييم روسيا والصين على أنهما حليفان إستراتيجيان يتحركان بشكل مشترك ضد أميركا. ومع ذلك، فإن التنافس بين الصين وروسيا في آسيا معروف منذ الحقبة السوفياتية. يمكننا القول إن تقارب الصين مع روسيا ناتج عن السياسات العدوانية التي تتبعها أميركا تجاه كلا البلدين. هذا التقارب الناجم عن سياسات أميركا لا يعني تخلي البلدين عن التنافس في آسيا. بالنظر إلى عملية الحرب الأوكرانية، لم تقدم الصين، التي تعتبر حليفًا إستراتيجيًا لروسيا، دعمًا عسكريًا ودبلوماسيًا لروسيا يحقق النصر لموسكو. لذلك، قد يكون من المضلل إجراء تقييم بناءً على العلاقات الصينية الروسية بأن موسكو ستدعم باكستان ضد الهند. لأن وزير الخارجية الروسي لافروف، بدلًا من اتخاذ موقف واضح بشأن الأزمة، عرض على البلدين إمكانية التوسط لحل المشكلة. ما الذي ستخسره الصين من الأزمة مما لا شك فيه أن أكثر الدول تضررًا من حرب محتملة بين الهند وباكستان هي الصين. فالصين، التي تواجه صعوبة في الحفاظ على سياسة متوازنة بين الهند وباكستان في إطار مصالحها الاقتصادية، قد تفقد موقعها العالمي، وقد تتضرر مصالحها الاقتصادية بشدة في حرب محتملة. تتردد الصين، التي تعبر عن مبادئ التعايش السلمي، في أن تكون لاعبًا أمنيًا وعسكريًا نشطًا على المستوى الدولي. في الواقع، يجلب الدور النشط ليس فقط الفوائد، ولكن أيضًا مخاطر كبيرة. في حرب محتملة، ستخاطر الصين بفقدان صورتها كقوة سلمية تكره الهيمنة وسياسات القوة والمنافسة التقليدية بين القوى الكبرى. في الوقت نفسه، غالبًا ما تؤدي حيادية الصين إلى نتائج إيجابية لأحد الأطراف المتنازعة. في الوضع الحالي، لا يمكن تجاهل حقيقة أن إسلام أباد تستفيد من حيادية الصين أكثر من نيودلهي. على الرغم من أن الصين أدانت بشدة الهجوم الذي وقع في بهلغام، فإنها لم تقدم أي دعم لادعاءات الهند، ولم تقبل طريقة تفسير نيودلهي للأحداث. بدلًا من تبني الادعاءات التي تربط باكستان بالهجوم، أيدت بكين دعوة الحكومة الباكستانية إلى إجراء تحقيق سريع وعادل. من ناحية أخرى، تعد الصين جزءًا من أزمة كشمير بين الهند وباكستان. لأن كشمير منطقة مقسمة بين الهند وباكستان والصين. حدث التقارب الصيني الباكستاني أيضًا عبر كشمير. في عام 1963، سلمت باكستان جزءًا من أراضي كشمير إلى الصين. لم يتم قبول ذلك من قبل الهند وقوبل برد فعل. أدت العلاقات الصينية الباكستانية التي تعمقت مع تسليم جزء من أراضي كشمير إلى تضييق المسافة بين بكين ونيودلهي. تمنع هذه التجربة التاريخية في كشمير بكين من التوسط في حل الأزمة بين الهند وباكستان. أعلن شي جين بينغ عن مشروع الحزام والطريق في عام 2013. يشكل الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني أهم ركيزة في هذا المشروع العالمي. وقد سمح ذلك لبكين بالوصول مباشرة إلى بحر العرب عبر ميناء جوادر، وتعزيز موقعها في هذه المنطقة الإستراتيجية. من ناحية أخرى، أثار التعاون في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني رد فعل الهند؛ بسبب تنفيذ بعض المشاريع في منطقة كشمير. جلبت العلاقات الاقتصادية بين البلدين تعاونًا في المجالات العسكرية والاستخباراتية. اليوم، تعد الصين أكبر مورد للأسلحة لباكستان. تشعر نيودلهي بالقلق إزاء علاقات الدفاع والعسكرية الوثيقة بين إسلام أباد وبكين. لأن الطرفين اتفقا على التدريب المشترك ونقل التكنولوجيا العسكرية وتبادل المعلومات الاستخباراتية. توجه الدوافع الجيوسياسية والاقتصادية حصة الصين في باكستان. تساعد الشراكة مع إسلام أباد بكين في الضغط على نيودلهي وموازنة طموحات الهند الإقليمية المتزايدة. في الوقت نفسه، فإن الهند القوية والمستقرة لا تتعارض بالضرورة مع مصالح الصين. على الرغم من انعدام الأمن والخلافات، تعد الهند واحدة من أكبر الشركاء التجاريين للصين. يوفر السوق المحلي الهندي فرصًا كبيرة للمصدرين الصينيين، كما أن وجود المستثمرين الصينيين في البلاد قوي منذ فترة طويلة. ومن المفارقات أن الصراع بين الهند وباكستان جاء في وقت بدأت فيه العلاقات الصينية الهندية في التحسن. اتفقت الدولتان مؤخرًا على تقليل التوترات الحدودية واستئناف الدوريات الحدودية المشتركة والرحلات الجوية المباشرة. قد يؤدي الصراع في كشمير إلى عكس هذا الاتجاه. لذلك، فإن العلاقات بين الصين والهند وباكستان في آسيا متشابكة في العديد من المجالات، بما في ذلك الاقتصاد والجيش والتكنولوجيا. بنيت هذه العلاقة على توازنات حساسة للتطورات الإقليمية والعالمية. المخطط الرئيسي والمنفذ لبناء هذه العلاقة هو الصين. هذه العلاقات الاقتصادية والعسكرية والاستخباراتية التي أنشأتها الصين ببذل الكثير من الجهد والمال على مرّ السنين، تواجه خطرًا كبيرًا من التضرر في حرب محتملة.


الجزيرة
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
حرب الهند وباكستان.. من الخاسر الأكبر؟
تعود جذور الأزمة الهندية الباكستانية إلى عام 1947، وهو العام الذي نالت فيه الهند استقلالها عن بريطانيا، وتقوم على تقسيم الهند، حيث ظلت منطقة كشمير منطقة متنازعًا عليها بين باكستان والهند. شهدت هذه الأزمة تصعيدًا وتهدئة على مرّ الزمن. اتخذت نيودلهي خطوات تصعيدية متبادلة، محمّلةً باكستان مسؤولية الهجوم الإرهابي الذي وقع في بهلغام بمنطقة كشمير الخاضعة للسيطرة الهندية. إنّ التحركات الدبلوماسية المتبادلة بين الطرفين، وتعليق الهند اتفاقية مياه السند، والتهديدات العسكرية المتبادلة، غيّرت مسار الأزمة. إنّ وصول قوتين نوويتين إلى حافة الحرب، يتجاوز كونه أزمة بين دولتين أو أزمة إقليمية تهم المنطقة التي تقع فيها الدولتان، بل سيكون له تداعيات عالمية. إنّ الأزمة الهندية الباكستانية التي تظهر في فترة يشهد فيها العالم إعادة تشكيل مراكز القوى، والانتقال من عالم أحادي القطب إلى عالم متعدد الأقطاب، يمكن تقييمها على أنها تطور عالمي تهتم به الجهات الفاعلة العالمية أكثر من الجهات الإقليمية. إنّ المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في العديد من المجالات، وعلى رأسها التجارة، واستمرار الأزمة بين الولايات المتحدة وروسيا، وإن كانت قد خفت حدتها نسبيًا مع تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة، يؤثران على تحديد المواقع الإقليمية والعالمية للدول الأخرى. من ناحية أخرى، تسعى القوى العالميّة المتمثلة في الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، في خضم تنافسها العالمي، إلى تطوير علاقات تحالف إستراتيجي مع دول أخرى، وخاصة تلك القوية في مناطقها، والتي تعتبر قوى إقليمية. بالنظر إلى الأزمة الهندية الباكستانية من منظور صراع القوى بين القوى العالمية، يمكننا أن نصل إلى نتيجة مفادها أن الأزمة أعمق من مجرد أزمة بين دولتين. تعدد الأقطاب إنّ تعدد الأقطاب الذي تقبله الولايات المتحدة الأميركية، يظهر بخصائص مختلفة عما كان عليه في فترة الحرب الباردة. خلال الحرب الباردة، كان العالم منقسمًا بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي. كان هذا الانقسام بينهما انقسامًا أيديولوجيًا وجغرافيًا. "العالم متعدد الأقطاب" في القرن الحادي والعشرين، لا يحمل خصائص الانقسام الجغرافي والأيديولوجي لفترة الحرب الباردة. لذلك، فإن مفاهيم الشرق والغرب، والشمال العالمي والجنوب العالمي، والعالم الغربي والعالم غير الغربي، لا تعبر بشكل كامل عن نظام "العالم متعدد الأقطاب" الذي هو في طور التشكيل، والذي لم تتضح معالمه بعد، والذي يتقدم من خلال العديد من العمليات المؤلمة. على الرغم من أن الكتل الأيديولوجية قد انهارت تمامًا، فإن الأيديولوجيات مستمرة في الوجود. لكن تأثير الأيديولوجيات هو موضوع نقاش. تتجه الدول نحو سياسات أكثر واقعية؛ لأن العالم أكثر تعقيدًا، وأكثر اعتمادًا على بعضه البعض، وأكثر تجزؤًا. العوامل التي ستشكل كتلًا جيوسياسية قوية في المستقبل هي: الاقتصاد، والتكنولوجيا، والأمن، والديمغرافيا، والثقافة، والحضارة. يمكن لهذه العوامل أن تخلق تحالفات وتنافسات وتوازنات قوى جديدة في النظام الدولي. إن عالم اليوم ليس منقسمًا بين كتل أو تحالفات أو أيديولوجيات أو أقطاب. أي أن الصفوف في عالم اليوم ليست مفصولة بشكل حادّ، كما كانت في فترة الحرب الباردة. على سبيل المثال، تتعاون فيتنام مع أميركا ضد الصين في المجال العسكري، بينما تقف إلى جانب روسيا في قضية أوكرانيا. تدعم تركيا كييف في الحرب الأوكرانية، وفي الوقت نفسه يمكنها أن تلعب دور الوساطة بين أوكرانيا وروسيا، ويمكنها أن تلعب دورًا فعالًا من خلال الجمع بين البلدين في اتفاقيات تهم العالم بأسره، مثل اتفاقية الحبوب. مثال آخر هو دول الخليج. تتمتع العديد من دول الخليج بعلاقات جيدة مع أميركا، وفي الوقت نفسه يمكنها توقيع اتفاقيات مهمة مع الصين في العديد من المجالات مثل الطاقة. توضح كل هذه الأمثلة أن "نظام العالم متعدد الأقطاب" الجديد يتميز بخصائص مختلفة عن "نظام العالم ثنائي القطب" القديم. من الممكن تقييم الوضع المعقد والفوضوي الذي يشهده عالم اليوم في مجالات مثل الاقتصاد والأمن، على أنه آلام المخاض للانتقال إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب. ستحدد هذه الأزمات التي تحدث في فترة الانتقال إطار العالم الجديد وتشكل مراكز القوى. الأزمة الهندية الباكستانية التي تحدث في مثل هذه الفترة الحرجة، يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل العالم متعدد الأقطاب إذا تحولت إلى حرب. لا يمكن تصور أن القوى العالمية التي تتابع هذه الفترة الانتقالية من كثب؛ الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، لن تتخذ موقفًا في الأزمة الهندية الباكستانية. إن اتخاذ القوى العالمية موقفًا لا يعني دائمًا المشاركة الفعلية في الحرب. لكن في الانتقال إلى "عالم متعدد الأقطاب"، لا ترغب القوى العالمية في دخول دولتين نوويتين في حرب كبيرة ولا تدعم ذلك؛ لأنه حتى لو كنت دولة تتمتع بقوة عالمية، فلا يمكنك توقع نتائج مثل هذه الحرب الكبيرة، ولا يمكنك أن تكون قادرًا على تحويل جميع مراحل الحرب لصالحك؛ لأن جميع الدول التي تتمتع بقوة عالمية قد لا ترى مثل هذه الحرب مربحة من حيث مواقعها العالمية. بعد اندلاع الأزمة بين الهند وباكستان، حذرت الولايات المتحدة الأميركية، والصين، وروسيا من تصعيد الأزمة، ودعت إلى الدبلوماسية والحوار. إن علاقات الولايات المتحدة، والصين، وروسيا مع الهند وباكستان تتشكل بما يتفق مع الشروط التي يفرضها نظام العالم متعدد الأقطاب الذي ذكرناه. تلعب خطوط التجارة العالمية والاقتصاد والتجارة والحروب التكنولوجية دورًا رئيسيًا في تحديد علاقة الدول العالمية بالدول الأخرى. الولايات المتحدة الأميركية ترى الصين أكبر منافس لها في الحرب التجارية التي بدأت من جديد مع تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة. في هذا الإطار، بينما رفع الرئيس الأميركي ترامب الرسوم الجمركية بنسب مختلفة حسب الدول، بدأت تظهر تفاؤلات بشأن إمكانية تحقيق نتائج إيجابية من مفاوضات التعريفة الجمركية الجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين. بينما تواجه الولايات المتحدة مشاكل مع الصين، واليابان في آسيا، فإن التقارب مع الهند هو تطور مهم يجب التركيز عليه. كان وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت قد ذكر أن أحد الاتفاقات الأولى التي سيتم إبرامها قد يكون مع الهند. بينما تسعى الولايات المتحدة من خلال هذه الخطوات إلى تنويع شبكة التوريد الخاصة بها، تبرز أيضًا تدفقات الأخبار التي تفيد بأن الشركات الأميركية تحوّل استثماراتها إلى الهند. على الرغم من أن الولايات المتحدة ترى الهند دولة ستملأ الفراغ الذي ستتركه الصين في الحرب التجارية، فإن الخبراء يعتقدون أن الهند لن تكون قادرة على ملء الفراغ التجاري الذي ستتركه الصين على المدى القصير. تلعب الممرات التجارية مكانًا مهمًا في الصراع العالمي. تدعم أميركا مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) لمواجهة مشروع "الحزام والطريق" الذي تقوده الصين. انحازت أميركا إلى جانب الهند في الأزمة التي نشأت عن الاشتباك الذي وقع بين الجيش الهندي، والجيش الصيني في شرق لاداخ في عام 2020. لذلك، على الرغم من أن أميركا تدعو إلى الدبلوماسية والحوار في الأزمة بين الهند وباكستان، فإنها ترى الهند دولة رئيسية في منافستها مع الصين. جمهورية الصين الشعبية تنزعج الصين من بروز الهند؛ بسبب تطورها في التجارة، وتقدمها في المجال التكنولوجي. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعزيز الهند قوتها على المستويَين: العالمي والإقليمي، والتي تطور علاقات وثيقة مع أميركا وتتحرك معها بشكل مشترك في الأزمات، يزعج الصين. عندما تأسّست مجموعة البريكس (BRICS) لأول مرة، تم تقييمها ككتلة بديلة ضد الكتلة الغربية. تم تفسير وجود الهند بين مؤسسي مجموعة البريكس مع الصين على أنه وقوف الهند إلى جانب الصين ضد أميركا. ولكن مع مرور الوقت، اتّضح أن مجموعة البريكس ليست منظمة تعاون اقتصادي ضد الغرب الذي تتواجد فيه أميركا. لأنه في 1 يناير/ كانون الثاني 2024، انضمت مصر، وإثيوبيا، وإيران، والإمارات العربية المتحدة، ثم المملكة العربية السعودية إلى المجموعة. لذلك، فإن وجود الصين مع الهند في مجموعة البريكس، لا يشكل سببًا لدعم حكومة نيودلهي في الأزمة مع باكستان. من ناحية أخرى، تعتبر باكستان الدولة الرئيسية في مشروع الحزام والطريق الذي استثمرت فيه الصين مليارات الدولارات. تظهر الصين من خلال التصريحات التي أدلت بها في الأزمة الهندية الباكستانية أنها تدعم حكومة إسلام أباد. لطالما اتسمت العلاقات الروسية الباكستانية بتقلبات منذ فترة الحرب الباردة. وقفت باكستان في مواجهة موسكو في احتلال السوفيات لأفغانستان. وقامت بتوريد الأسلحة إلى المجموعات التي تحارب السوفيات في أفغانستان. بعد انسحاب روسيا من أفغانستان، بدأت العلاقات بين البلدين في التحسن. حتى إن روسيا وعدت بتقديم الدعم لباكستان ضد طالبان في عام 2007. في هذه المرحلة، يتم تقييم روسيا والصين على أنهما حليفان إستراتيجيان يتحركان بشكل مشترك ضد أميركا. ومع ذلك، فإن التنافس بين الصين وروسيا في آسيا معروف منذ الحقبة السوفياتية. إعلان يمكننا القول إن تقارب الصين مع روسيا ناتج عن السياسات العدوانية التي تتبعها أميركا تجاه كلا البلدين. هذا التقارب الناجم عن سياسات أميركا لا يعني تخلي البلدين عن التنافس في آسيا. بالنظر إلى عملية الحرب الأوكرانية، لم تقدم الصين، التي تعتبر حليفًا إستراتيجيًا لروسيا، دعمًا عسكريًا ودبلوماسيًا لروسيا يحقق النصر لموسكو. لذلك، قد يكون من المضلل إجراء تقييم بناءً على العلاقات الصينية الروسية بأن موسكو ستدعم باكستان ضد الهند. لأن وزير الخارجية الروسي لافروف، بدلًا من اتخاذ موقف واضح بشأن الأزمة، عرض على البلدين إمكانية التوسط لحل المشكلة. ما الذي ستخسره الصين من الأزمة مما لا شك فيه أن أكثر الدول تضررًا من حرب محتملة بين الهند وباكستان هي الصين. فالصين، التي تواجه صعوبة في الحفاظ على سياسة متوازنة بين الهند وباكستان في إطار مصالحها الاقتصادية، قد تفقد موقعها العالمي، وقد تتضرر مصالحها الاقتصادية بشدة في حرب محتملة. تتردد الصين، التي تعبر عن مبادئ التعايش السلمي، في أن تكون لاعبًا أمنيًا وعسكريًا نشطًا على المستوى الدولي. في الواقع، يجلب الدور النشط ليس فقط الفوائد، ولكن أيضًا مخاطر كبيرة. في حرب محتملة، ستخاطر الصين بفقدان صورتها كقوة سلمية تكره الهيمنة وسياسات القوة والمنافسة التقليدية بين القوى الكبرى. في الوقت نفسه، غالبًا ما تؤدي حيادية الصين إلى نتائج إيجابية لأحد الأطراف المتنازعة. في الوضع الحالي، لا يمكن تجاهل حقيقة أن إسلام أباد تستفيد من حيادية الصين أكثر من نيودلهي. على الرغم من أن الصين أدانت بشدة الهجوم الذي وقع في بهلغام، فإنها لم تقدم أي دعم لادعاءات الهند، ولم تقبل طريقة تفسير نيودلهي للأحداث. بدلًا من تبني الادعاءات التي تربط باكستان بالهجوم، أيدت بكين دعوة الحكومة الباكستانية إلى إجراء تحقيق سريع وعادل. من ناحية أخرى، تعد الصين جزءًا من أزمة كشمير بين الهند وباكستان. لأن كشمير منطقة مقسمة بين الهند وباكستان والصين. حدث التقارب الصيني الباكستاني أيضًا عبر كشمير. في عام 1963، سلمت باكستان جزءًا من أراضي كشمير إلى الصين. لم يتم قبول ذلك من قبل الهند وقوبل برد فعل. أدت العلاقات الصينية الباكستانية التي تعمقت مع تسليم جزء من أراضي كشمير إلى تضييق المسافة بين بكين ونيودلهي. تمنع هذه التجربة التاريخية في كشمير بكين من التوسط في حل الأزمة بين الهند وباكستان. أعلن شي جين بينغ عن مشروع الحزام والطريق في عام 2013. يشكل الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني أهم ركيزة في هذا المشروع العالمي. وقد سمح ذلك لبكين بالوصول مباشرة إلى بحر العرب عبر ميناء جوادر، وتعزيز موقعها في هذه المنطقة الإستراتيجية. من ناحية أخرى، أثار التعاون في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني رد فعل الهند؛ بسبب تنفيذ بعض المشاريع في منطقة كشمير. جلبت العلاقات الاقتصادية بين البلدين تعاونًا في المجالات العسكرية والاستخباراتية. اليوم، تعد الصين أكبر مورد للأسلحة لباكستان. تشعر نيودلهي بالقلق إزاء علاقات الدفاع والعسكرية الوثيقة بين إسلام أباد وبكين. لأن الطرفين اتفقا على التدريب المشترك ونقل التكنولوجيا العسكرية وتبادل المعلومات الاستخباراتية. توجه الدوافع الجيوسياسية والاقتصادية حصة الصين في باكستان. تساعد الشراكة مع إسلام أباد بكين في الضغط على نيودلهي وموازنة طموحات الهند الإقليمية المتزايدة. في الوقت نفسه، فإن الهند القوية والمستقرة لا تتعارض بالضرورة مع مصالح الصين. على الرغم من انعدام الأمن والخلافات، تعد الهند واحدة من أكبر الشركاء التجاريين للصين. يوفر السوق المحلي الهندي فرصًا كبيرة للمصدرين الصينيين، كما أن وجود المستثمرين الصينيين في البلاد قوي منذ فترة طويلة. ومن المفارقات أن الصراع بين الهند وباكستان جاء في وقت بدأت فيه العلاقات الصينية الهندية في التحسن. اتفقت الدولتان مؤخرًا على تقليل التوترات الحدودية واستئناف الدوريات الحدودية المشتركة والرحلات الجوية المباشرة. قد يؤدي الصراع في كشمير إلى عكس هذا الاتجاه. لذلك، فإن العلاقات بين الصين والهند وباكستان في آسيا متشابكة في العديد من المجالات، بما في ذلك الاقتصاد والجيش والتكنولوجيا. بنيت هذه العلاقة على توازنات حساسة للتطورات الإقليمية والعالمية. المخطط الرئيسي والمنفذ لبناء هذه العلاقة هو الصين. هذه العلاقات الاقتصادية والعسكرية والاستخباراتية التي أنشأتها الصين ببذل الكثير من الجهد والمال على مرّ السنين، تواجه خطرًا كبيرًا من التضرر في حرب محتملة.