أحدث الأخبار مع #الإتحادالسوفييتي


ساحة التحرير
٠١-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- ساحة التحرير
فيتنام 30 نيسان/ابريل 1975 – 2025!الطاهر المعز
فيتنام 30 نيسان/ابريل 1975 – 2025! الطاهر المعز لمحة تاريخية تحررت سايغون (مدينة هوشي منه حاليا) رسميا، قبل نصف قرن، يوم الثّلاثين من نيسان/أبريل 1975، بعد الهزيمة العسكرية التاريخية لجيش الإمبريالية الأمريكية ( بعد الهزيمة النّكْراء للجيش الفرنسي في فيتنام سنة 1954 ) الذي كان أقوى جيش في العالم، ولكنه اندحَر بعد سيطرة قوات جيش شمال فيتنام والجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام وهي قوات مُشكّلة في معظمها من أبناء الفلاحين الفُقراء ومن عُمّال المُدُن، على مدينة هوشي منه (التي كانت تسمى آنذاك سايغون) وعلى المناطق الأخرى من جنوب البلاد، بعد حوالي ثلاثة عُقُود من النضال ضد الإمبريالية اليابانية والبريطانية والفرنسية والأمريكية، وصوّرت كاميرات الصحافيين هروب موظفي السفارة الأمريكية في سايغون الذي تم ترحيلهم بطائرة مروحية حطّت على سطح السفارة، يوم الثلاثين من نيسان/ابريل 1975، وكان السفير يُضرم النار في كومة من الدّولارات لكي لا تستفيد منها فيتنام المُحَرّرة… تم إعلان استقلال فيتنام مرة أولى خلال شهر آب/أغسطس 1945، مع هزيمة الاستعمار الياباني بنهاية الحرب العالمية الثانية، لكن فرنسا استعمرت البلاد بسرعة إلى أن هُزِم جيشها، المدعوم من قِبَل قوات حلف شمال الأطلسي، شرّ هزيمة عسكرية في موقعة 'ديان بيان فو' (من 13 آذار/مارس إلى 7 أيار/مايو 1954 ) وعانت الهند الصينية (فيتنام وكمبوديا ولاوس) من حربين إمبرياليتين مُدمّرتين متعاقبتين، الأولى فرنسية ثم أميركية. بعد هزيمة الجيش الفرنسي، تم توقيع اتفاقيات جنيف سنة 1954 التي تضمنت سَحب قوات شمال فيتنام إلى 'منطقة تجميع مؤقتة' في شمال البلاد، ولم يتم تقْيِيد حركة جيش سلطة فيتنام الجنوبي التي كانت مُوالية للإمبريالية، وكان من المُتوقّع أن تُفْضِي الإنتخابات المُقرّر إجراؤها شمالا وجنوبًا إلى انتصار الحزب الشيوعي بقيادة 'هو شي مينه'، غير إن الحكومة الفرنسية ( بقيادة التيار 'الإشتراكي') اتفقت مع حكومة الولايات المتحدة وسلّمتها مواقعها جنوب البلاد، لكي يصبح تقسيم البلاد أمْرًا واقعًا ودائمًا، وبدأت القوات الخاصة واستخبارات الولايات المتحدة تُنظم (مع جيش الجنوب) عمليات تخريب وتُهيِّئ هجومًا عسكريًّا مضادًّا للإطاحة بجمهورية فيتنام الديمقراطية في الشّمال، واستغل نظام سايغون انسحاب القوات المسلحة الثورية الشمالية لشن حملة قمعية واسعة ضدّ مناضلي وأنصار الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام، وارتكبت حملات قتل واعتقالات واسعة استهدفت صغار الفلاحين وقبائل التلال في المرتفعات، التي كانت تُشكل القاعدة الجماهيرية للجبهة. مناخ العدوان الأمريكي خرج الإتحاد السوفييتي منتصرًا من الحرب العالمية الثانية، سياسيا وعسكريا، رغم الخسائر البشرية والمادّية الهائلة، وتعززت حركات التّحرّر في آسيا ( الهند ) ضدّ الإستعمار البريطاني وفي إفريقيا ضدّ الإستعمار الفرنسي، بدعم من الإتحاد السوفييتي، وكانت الإمبريالية الأمريكية ( بدعم من الإمبريالية البريطانية والفرنسية ) تُريد القضاء على الديناميكية الثورية في جنوب شرق آسيا، فكانت الحرب الباردة وتأسيس حلف شمال الأطلسي، وفي هذا الإطار جاءت الحرب الكورية ( 1950 – 1953 ) حيث تصادمت الكُتلة الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة مع الكتلة الإشتراكية ( الصين والإتحاد السّوفييتي )… في فيتنام، كانت الولايات المتحدة، منذ السنوات الأخيرة للإحتلال الفرنسي، تدعم قوات جنوب فيتنام بالخُبراء والمُستشارين والجواسيس، ولم تُرد التّورّط المُباشر، لكن النظام الدّكتاتوري والفاسد في سايغون لم يتمكّن من الصّمود، واضطرّت الولايات المتحدة إلى التورط المُباشر وانتهى بها الأمر إلى حشد 550 ألف جندي وضابط، واستخدام الطائرات الحربية، من ب- 26 إلى ب- 52، وقصف المدنيين والمزارع والغابات بمبيدات الأعشاب وبالمواد الكيماوية الحارقة ( مثل النّبالم و'المادّة البُرتقالية' السّامّة) واستخدام أحْدَث الأسلحة، واستفاد جيش فيتنام الشمالي ومقاتلي الجبهة الوطنية للتحرير في الجنوب من الدّعم السوفييتي والصّيني، لكن هذه المُساعدات متواضعة، غير إن الصمود البطولي بالكفاح المُسلّح والتفاف المواطنين حول الجيش وقوات الجبهة، خصوصًا بداية من سنة 1968، (هجوم تيت )، والتضامن الدّولي، وخصوصًا الحركة المناهضة للحرب في الولايات المتحدة، خلال السنوات الأخيرة، عوامل ساعدت على النّصر… ارتفاع الثّمن وانقلاب الرّأي العام داخل الولايات المتحدة: ساهم المجتمع الأمريكي في دعم الحرب طيلة سنوات، فدعمت البرجوازية الأمريكية 'المجهود الحربي'، وساهمت أغلبية الأكاديميين والعلماء والباحثين والمهندسين في تزويد الجيش بالدّراسات وبالتقنيات التي يحتاجها، وكانت مصانع الأسلحة تعمل بكامل طاقتها، وبدأت مُعارضة الحرب تنمو بين الشباب في سن الإلتحاق بالجيش، بارتفاع الخسائر العسكرية الأمريكية وارتفاع عدد الجنود الأمريكيين القتلى، وخصوصًا بعد هجوم تيت سنة 1986، وأصبح قسم من البرجوازية الأمريكية يعتبر التكلفة الاقتصادية للحرب مرتفعة ( أي إن الإستثمار في الحرب أصبح غير مُجْزٍ ) واهتزّت مكانة وقوة و 'شرعية الزعامة' الأمريكية للصف الإمبريالي، وكانت الأزمة السياسية الدّاخلية في ظاهرها، والتي تمثلت في فكّ الإرتباط بين الذّهب والدّولار، سنة 1871، وتمثلت كذلك في فضيحة ووترغيت سنة 1972 واستقالة الرئيس رتشارد نيكسون، إحدى مظاهر الإنقسام في صفوف الرأسمالية الأمريكية، ومن عوامل اضطرار الإمبريالية الأمريكية إلى التفاوض، خصوصًا بعد ارتفاع الخسائر على الجبهة، والإحتجاجات داخل الولايات المتحدة… بدأت مفاوضات باريس وسط معارك طاحنة، بمشاركة جمهورية فيتنام الديمقراطية وحكومة الثورة المؤقتة في الجنوب من جهة، والولايات المتحدة ونظام سايغون من جهة أخرى، وكانت الولايات المتحدة تريد انسحابًا تدريجيا، لكي لا تُفاقم الأزمة الدّاخلية الأمريكية، وتعزيز قوات نظام فيتنام الجنوبي أو ما سُمِّي 'فَتْنَمَة الحرب'، وتم يوم 27 كانون الثاني/يناير 1973، توقيع اتفاقية باريس، وزادت الولايات المتحدة من دعمها لجيش فيتنام الجنوبي الذي لم يتمكن من الصمود أكثر من سنتَيْن وانهار سنة 1975، إثر الهجوم النهائي الذي فاجأ الجيش الأمريكي وحليفه الفيتنامي الجنوبي، وتمت إعادة توحيد البلاد التي كانت مُدمّرة، فقد أدت ثلاثة عقود من الحرب ( من 1945 إلى 1975 ) إلى استنزاف المجتمع،ونجحت الإمبريالية الأمريكية في فَرْض حصار على فيتنام المُستقلة والموحّدة لكنها مُحاطة بالعديد من عُملاء الإمبريالية الأمريكية، وعانت فيتنام من الصراع الصيني السوفييتي ومن الوضع في كمبوديا و لاوس، وتدخّل الجيش الفيتنامي في كمبوديا ( في ظل نظام 'الخمير الحمر') خلال شهر كانون الأول/ديسمبر 1978، بعد مجازر ارتُكِبَت ضد الأقلية الفيتنامية في كمبوديا وتمت الإطاحة بسلطة 'الخمير الحمر، وردّت الصين بحملة عسكرية فاشلة انتهت بعد شهر واحد (آذار/مارس 1979 ) ولم ينسحب الجيش الفيتنامي من كمبوديا سوى سنة 1989، خلاصة حشدت الإمبريالية الأمريكية أكثر من نصف مليون جندي أمريكي في فيتنام، ونشرت قوة نارية استثنائية ألحقت أضرارًا بالقوات الفيتنامية والسكان والأرض والمُحيط، وبلغ وزن القنابل الملقاة على فيتنام حوالي ثلاثة أضعاف إجمالي تلك المستعملة في جميع ميادين الحرب العالمية الثانية، كما استعملت الولايات المتحدة أسلحة كيميائية، مثل مبيدات الأعشاب المحتوية على الديوكسين، والتي لا تزال تسبب الوفيات والأضرار الجينية حتى اليوم، بينما حصلت فيتنام على إمدادات عسكرية من الصين والاتحاد السوفيتي ساهمت في انتصار الشعب الفيتنامي وتحرير مدينة هو تشي منه ( سايغون سابقًا ) التي مثّلت رمزًا لحدود القوة العسكرية والتكنولوجية والإستخباراتية، فقد كانت المروحيات تنقل الدّبلوماسيين الأمريكيين وبعض عملائهم الفيتناميين إلى سفن حربية تنتظرهم قبالة الساحل، وانهزمت القوة العسكرية الأمريكية بفضل الصمود والمقاومة التي أحدثت انقسامًا داخل المجتمع الأمريكي، وهذا دَرْس بليغ للشعوب المضطَهَدة والواقعة تحت الإستعمار ( كالشعب الفلسطيني ) ومفادها إن شعبًا فقيرًا مثل شعب فيتنام قادر على هزيمة ثلاث امبرياليات خلال أقل من أربعة عقود: اليابان وفرنسا والولايات المتحدة… لا يزال الحزب الحاكم والأوْحَد يُسمي نفسه 'الحزب الشيوعي الفيتنامي'، لكن للأسف فهو حزب يختلف عن حزب هوشي مينه والجنرال جياب، ولم تكن إنجازات الإستقلال في مستوى تضحيات الشعب الفيتنامي ( بقيادة الحزب الشيوعي والجبهة الوطنية للتحرير في الجنوب ) حيث قُدِّرَ عدد الشهداء بنحو ثلاثة ملايين… بادرت السلطات الحاكمة، منذ نهاية عقد الثمانينيات من القرن العشرين (قبل انهيار الإتحاد السوفييتي) إلى 'تحرير الاقتصاد'، وتسارعت وتيرة عملية عولمة الإقتصاد وخصخصة قطاعات عديدة كليا أو جزئيا، بما في ذلك المصارف والكهرباء والأراضي المملوكة للدّولة، منذ العقد الأخير من القرن العشرين، واعتمدت دعاية الدّولة لاجتذاب رأس المال الأجنبي على 'العمالة الرخيصة ' لتصنيع المنتجات ذات القيمة المضافة المنخفضة، مثل الملابس والمعدات الرياضية والأثاث، للشركات الأجنبية، وخاصة الشركات اليابانية والصينية، قبل اجتذاب شركات تصنيع المعدات الإلكترونية والألواح الشمسية والسيارات والحواسيب والهواتف المحمولة، وانتقلت البلاد من نموذج التنمية الذي يعطي الأولوية للقطاع الزراعي والاكتفاء الذاتي إلى اقتصاد 'مفتوح على العالم' يعتمد بشكل كبير على صادرات التصنيع والاستثمار الأجنبي، بدعم من العديد من البلدان الرأسمالية المتقدمة التي تريد تحويل فيتنام ( والهند ) إلى بديل للصين في المنطقة، ولكن لا تزال الصين مَصْدَرَ ثُلُثِ واردات فيتنام، وتشكل صادراتها إلى الولايات المتحدة ربع ناتجها المحلي الإجمالي… أصبحت البلاد اليوم مرتعًا للشركات العابرة للقارات ، خصوصًا بعد زيادة الرواتب في الصين واعتماد الإقتصاد على التنمية بواسطة الطّلب الدّاخلي، حيث لجأت هذه الشركات إلى فيتنام وبنغلادش والدّول ذات العمالة الكثيفة والرخيصة والقوانين المواتية للإستغلال المُكثّف، وهي شركات ذات منشأ أمريكي وياباني وكوري الجنوبي وتايواني ( بوينغ و كانون و سامسونغ و أبل وإنتل وفوكسكون…) وتقمع الشرطة الفيتنامية بعنف شديد أي محاولة إضراب أو احتجاج على ظروف العمل في قطاعات الملابس والأحذية والجِلد ( Nike – Puma – Gap – H&M – Zara -) والإلكترونيك وتركيب قطع الغيار و 'أشارت منظمة العمل الدّولية إلى اهتمامها منذ 2015 بظروف عمل القوى العاملة في مجال التجميع – الذي تُسيطر عليه الشركات العابرة للقارات – والتي تتكون في المقام الأول من العمال ذوي المهارات المنخفضة ومعظمهم من الإناث، وإلى ضرورة تحسينها، وإلى ضرورة تعزيز العمل اللائق'، وفق منظمة العمل الدّولية ( تقرير بعنوان 'تعزيز العمل اللاّئق في فيتنام' أيار 2023 ) عندما بدأ العدوان الصهيوني المُكثّف على الشعب الفلسطيني في غزة ( السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023) والضفة الغربية، ردّت سلطات الدّول الإمبريالية بسرعة وبعنف شديد، وقمعت حركة التضامن الواسعة مع الشعب الفلسطيني وضد المخيمات الاحتجاجية في الجامعات خوفًا من تزايد الاحتجاجات وانتشارها كما حدث ضد حرب فيتنام، وكان هذا القمع مُقدّمة لمحاولة الحدّ من حرية التعبير والتّظاهر والإحتجاج بكافة أشكاله، وكانت الدعاية والإعلام الإمبريالي ينعتان معارضي الحرب الإمبريالية في فيتنام بـ 'الشيوعيين'، في محاولة لتشويههم، و يتم اليوم اتهام مُعارضي الإبادة الصهيونية بـ 'معاداة السامية'، فقد استخلصت الطبقات الحاكمة بعض الدّروس من فيتنام وعلينا استخلاص الدّروس من مثابرة الشعب الفيتنامي وصموده ومُقاومته، رغم عدم توازن القوى… 2025-05-01 The post فيتنام 30 نيسان/ابريل 1975 – 2025!الطاهر المعز first appeared on ساحة التحرير.


ساحة التحرير
٢٦-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- ساحة التحرير
مكانة إفريقيا في الأطماع الدّولية سنة 2025 ( 1)!الطاهر المعز
مكانة إفريقيا في الأطماع الدّولية سنة 2025 ( 1)! الطاهر المعز تتكون هذه الدّراسة من ثلاثة أجزاء عن بعض الوضع في إفريقيا في خضم التغيرات الحاصلة منذ نهاية القرن العشرين، ويتضمن الجزء الأول محاولة لرَصْد مظاهر التبادل غير المتكافئ الذي تُمثّل قارة إفريقيا نموذجًا له، منذ موجة الإستقلال الشّكلي خلال عقد الستينيات من القرن العشرين، وتغيير أشكال الإستغلال والهيمنة، بفعل انتقال مركز القوة من أوروبا ( فرنسا وبريطانيا) إلى الولايات المتحدة، وترصد الأجزاء الثلاثة للدّراسة احتداد المنافسة الأمريكية لفرنسا في شمال وغرب إفريقيا والمنطقة المحيطة بالصحراء الكبرى، وترصد مظاهر 'القُوّة النّاعمة' الصّينية في إفريقيا والعودة ( البطيئة أو المُحْتَشمة) لروسيا بعد قرابة ثلاثة عقود من انهيار الإتحاد السوفييتي الذي كان يدعم حركات التحرر والقوى التقدمية… ترصد الدّراسة تأثيرات الدّيُون الخارجية وما سُمِّيَ 'مُساعدات دولية' وتأثيرها المباشر على حياة المواطن، ويظهر هذا التّأثير بشكل جَلِيّ بعد إعلان الرئيس الأمريكي شَلّ عمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدّولية وتعليق التمويل لبرامج الرعاية الصحية والتدريب في إفريقيا ( وغيرها) والإبقاء على البرنامج العسكري الأمريكي في إفريقيا (أفريكوم)، كما ترصد الدّراسة التغييرات الحاصلة خلال السنوات الأخيرة، على مستوى السّلطة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وكذلك في السينغال، وعلى مستوى الشعوب التي انتفضت ضد ارتفاع الأسعار وتدهور ظروف العيش، وكذلك ضدّ الهيمنة الإمبريالية، وقد تؤدّي هذه التغييرات إلى سيطرة شعوب إفريقيا على ثرواتها وعلى مصيرها… تقديم تُمثّل قارة إفريقيا نموذجًا للعلاقات غير المتكافئة بين المركز الرأسمالي الإستعماري وبلدان المُحيط الواقعة تحت الهيمنة الإمبريالية، وتهدف الفقرات الموالية إبراز التناقض بين ثراء أعماق البحار وباطن الأرض الإفريقية وفَقْر سُكّانها، وتُركز بعض الفقرات على ما تسمى 'المُساعدات الدّولية من أجل التنمية' ومحاولة إظهار طابعها الإستغلالي فهي استثمارات لصالح الدّول والشركات العابرة للقارات وليست مُساعدات لسكان إفريقيا وتُشكل العلاقات الفرنسية مع دول إفريقيا الغربية وعلاقات الولايات المتحدة مع البلدان الإفريقية أبرز مثال على هذا الطابع الإستغلالي والعسكري، وتُفيد البيانات المُتاحة للفترة 2004 – 2022 بلوغ إجمالي 'المساعدات الإنمائية' الرسمية الممنوحة في جميع أنحاء العالم 1,729 تريليون دولا، وحصلت إفريقيا على 805 مليار دولار من المساعدات الإنمائية الرسمية خلال هذه السنوات الثماني عشرة، ويتم تنفيذ 87% من الميزانيات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لكن كلما ارتفعت قيمة وحجم 'مساعدات التنمية' ازداد تفاقم الفقر فقد ارتفع عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر (أقل من 1,90 دولار في اليوم) في القارة الأفريقية، وارتفعت نسبة فُقراء العالم الذين يعيشون في إفريقيا من 10% سنة 1970 إلى 75% بنهاية سنة 2023، ويتوقع البنك العالمي أن تصل هذه النسبة إلى 90% بحلول سنة 2030، مما يثير تساؤلات مشروعة حول أهداف مساعدات التنمية، خلافًا للمساعدات الصينية التي تستهدف إحداث تغييرات جذرية في المجتمع، وهذه فُرصة لطرح تساؤلات – قد لا تتوفر الإجابة عنها في هذه الوَرَقَة – بشأن طريقة الخروج من دوّامة الدُّيُون و'المُساعدات' والتَّبَعِيّة، والبدائل للدّيُون و'المُساعدات' ( وهما وَجْهان لعُمْلَة واحدة) ونمط التنمية المنشود وكيفية تنفيذ أو إنجاز السياسات البديلة. إفريقيا – ثراء البَحْر وباطن الأرض وفَقْر السّكّان توقّع مصرف التنمية الإفريقي، في بداية العام 2025، ارتفاع نسبة النمو الإقتصادي للقارة من 3,7% سنة 2024 إلى 4,3% سنة 2025، غير إن ارتفاع نسبة النّمو لا تُحسّن بشكل مُباشر وضع الكادحين والفُقراء، وهم يمثلون أغلبية السّكّان في كل مناطق العالم، وفي إفريقيا بشكل خاص حيث ترتفع نسبة الفَقْر إلى حوالي ثُلُث المواطنين ( 465 مليون في حالة فقر مدقع) ونَظَرًا لِنَدْرَة الوظائف وارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة، من المُرجّح استمرار الفقر الذي تستغلّه المنظمات الإرهابية والجريمة المُنظّمة والتجارة بالبشر لِنَشْر الفوضى، كما تستغلّه القوى الإمبريالية – التي يدعم بعضها مجموعات الإرهاب والجريمة المُنظّمة – لإِحْكام السيطرة على القارّة وثرواتها، كما يحصل في المنطقة المُحيطة بالصّحراء الكبرى وفي شرق إفريقيا، ويُصرّ رأس المال العالمي ( المُعَوْلَم ) على السيطرة على إفريقيا لأن معدل عائد الاستثمار الأجنبي في أفريقيا أعلى منه في أي منطقة أخرى من بلدان 'العالم الثالث' ( الجنوب)، وارتفع معدل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال القرن الواحد والعشرين بأكثر من ضعف معدله خلال العقدَيْن الأخيرَيْن من القرن العشرين، بفضل نمو قطاعات الإنشاء ( البُنْية التحتية ) والبناء والاتصالات والخدمات المصرفية وتجارة التجزئة، في غياب الصناعات التحويلية لمعالجة الإنتاج الإفريقي من المحروقات والمعادن والمنتجات الزراعية والصيد البحري، ولتبرير عدم الإستثمار في هذه المجالات في إفريقيا، تتعلّل الشركات العابرة للقارات بمجموعة من التحديات، ومن بينها الضغوط البيئية وارتفاع حِدّة الاحتجاجات الاجتماعية والصراعات وانعدام الأمن، ولم تتمكّن التّجمّعات الإقليمية مثل المجموعة الإقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) أو منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، من حلّ معضلات التّبَعِية الإقتصادية والبطالة والفقر والهجرة غير النّظامية، بل تقلّص حجم المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) التي تحتفل هذا العام بالذكرى الخمسين لتأسيسها، بعد خروج مالي وبوركينا فاسو والنيجر، بنهاية شهر كانون الثاني/يناير 2025، بسبب الموقف المُعادي للسلطات الجديدة في هذه الدّول الثلاثة وبسبب ولاء قادة دُول 'إيكواس' للإمبريالية الأوروبية، وفرنسا بشكل خاص – التي سحبت قواتها بنهاية العام 2024، من مالي والنيجر وبوركينا فاسو وأعلنت سَحْبَ 'معظم' قواتها المنتشرة في ساحل العاج والسنغال سنة 2025 – وأسست مالي وبوركينا فاسو والنيجر 'تحالف دول الساحل' وطالبوا بإغلاق القواعد العسكرية الفرنسية ومغادرة جنودها البلدان الثلاثة، فيما لا تزال الضّبابية تَلُفُّ القواعد الأمريكية، وتُحيط بالعلاقات مع برنامج القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا (أفريكوم)… تواجه العديد من البلدان والشعوب الإفريقية تهديدات أمنية خطيرة، سواء في المنطقة المُحيطة بالصّحراء الكبرى، حيث ازدادت المجموعات الإرهابية قُوّةً بعد تفتيت ليبيا من قِبَل حلف شمال الأطلسي، وسيطرة الجماعات الإرهابية على أسلحة الجيش الليبي، وتشريد ثلاثة ملايين عامل إفريقي كانوا يعملون في ليبيا، كما تعيش العديد من البلدان الإفريقية، من نيجيريا غربًا إلى الصّومال والسودان شرقًا، صراعات مُسلّحة تدعمها القوى الإمبريالية وشركاتها العابرة للقارات، للسيطرة على ثروات البلدان ( كالمحروقات في نيجيريا والذهب في مالي والسودان والمعادن في الكونغو…) وعلى الموقع الإستراتيجي لأراضيها، وأدّت هذه الحروب إلى نزوح ما لا يقل عن عشرين مليون شخص خلال سنتي 2023 و 2024 وفي بَلَدَيْن فقط، هما الكونغو والسّودان… يحتوي باطن أرض قارّة إفريقيا على العديد من الموارد الطبيعية المهمة: الذهب والحديد والنحاس والألمنيوم والبلاتين والكروم والنفط والغاز الطبيعي، بما يُعادل ثُلُثِ احتياطيات العالم من المعادن، ومن ضمنها 90% من البلاتين و78% من الماس و60% من الكوبالت و40% من الذهب و40% من الكروم و28% من المَنْغَنِيز و18% من اليورانيوم، ونحو 7,5% من احتياطيات النفط المؤكدة و7,1% من الغاز الطبيعي، ولذلك أصبحت إفريقيا في خط المواجهة الاقتصادية العالمية، وفي قلب الصراع على النفوذ الاستعماري الجديد، واستغلّ الكيان الصّهيوني وضع عدم الإستقرار ليدعم الحركات الإنفصالية في بيافرا ( نيجيريا) والكونغو وجنوب السّودان وغيرها ( بالتعاون مع نظام المَيْز العنصري بجنوب إفريقيا والإستعمار البرتغالي، فضلاً عن الإستخبارات الامريكية والبريطانية والفرنسية) ولتعزيز التعاون الأمني والعسكري والفلاحي مع العديد من الأنظمة الإفريقية، قبل تدعيم العلاقات الإستراتيجية مع النظام المغربي، واستخدام المغرب كبوابة لتوسيع النّفوذ الصّهيوني في منطقة جنوب الصحراء الكبرى وإفريقيا الغربية، وزيادة التّغلغل الأمني والعسكري والإستخباراتي، وتأجيج التوترات الإقليمية ودعم بعض المنظمات الإنفصالية، منها بعض منظمات الطوارق على سبيل المثال، وما الكيان الصهيوني سوى جزء من الإمبريالية ( أو فرع منها أو وكيل لها) التي تريد التّوسُّع باستمرار وتعزيز الهيمنة والسيطرة على المواد الخام وطرق الاتصال والمرور والأسواق وقوة العمل، لتحقيق التراكم الرأسمالي وزيادة الأرباح… شَكّلَ رأس المال الطبيعي ما بين 30% و 50% من الثروة الإجمالية للدول الإفريقية، وتُشكّل الموارد الطبيعية للقارة 77% من مجمل وارداتها، و42% من مجمل عائداتها الحكومية، مما يعني إنه يتم تصدير هذه الثروات الطبيعية الهائلة خامّة، دون مُعالجة، لتعود في شكل إنتاج مُصنّع بأسعار مُضاعَفَة، وفق برنامج الأمم المتحدة للبيئة سنة 2012، واستمر استنزاف الثروات منذ ذلك الحين، واستمر العجز الغذائي والجوع رغم ارتفاع نسبة الأراضي الصالحة للزراعة إلى 65% من أراضي القارة، مما يجعلها قادرة على إنتاج ما يكفيها وزيادة من الغذاء، ولكن سُكّان القارة – الّذين تُشكّل نسبة الشّباب مِمّن تقل أعمارهم عن 25 سنة 60% منهم – لا يستفيدون من هذه الثّروات التي تستغلها وتستفيد منها الشركات العابرة للقارات والدّول الإمبريالية التي تنهبها، وتُغْرِق الدّول الإفريقية بالدُّيُون، وتُمثّل إفريقيا نموذجًا للتّقْسيم الدّولي للعمل وللعلاقات غير المُتكافئة بين بُلْدان المركز ( الدّول الإمبريالية) وبُلْدان 'المُحيط' أو 'الأطراف' ( الواقعة تحت الهيمنة الإمبريالية)، ويُتَرْجَمُ ذلك في اعتماد دُول الأطراف ( ومنها دول إفريقيا) على رأس المال الأجنبي ( الشّركات العابرة للقارّات ) لاستخراج ثرواتها الطّبيعية وتصْدِير الموادّ الخام ليتم تصنيعها وتحويلها في الخارج إلى آلات وتجهيزات يُعاد بيعها في بلدان المحيط بأضْعاف سعر تكلفتها، مما يُبْقِي بلدان الأطراف في حالة تَبَعِيّة للإستعمار الذي يحكمها بواسطة 'نُخَب' مَحلِّيّة تابعة له. لم تتمتّع شُعُوب إفريقيا بثرواتها المعدنية والزراعية والبحرية وغيرها، وبقيت القارة تُعاني من غياب برامج التنمية المُستدامة وانعدام الأمن الغذائي، ولا تزال منذ القرن السادس عشر، هدفًا لأطماع القوى الإستعمارية كالبرتغال وإسبانيا وبريطانيا سابقا، ثم حاليا الولايات المتحدة وأوروبا والصين وروسيا وتركيا والهند واليابان والكيان الصهيوني، واحتدّت المنافسة على ثروات إفريقيا بين القوى 'الغربية' والصّين، وقلّصت الصين نشاطها والتزاماتها المالية تجاه أفريقيا خلال السنوات الأخيرة، مما دفع العديد من الدول الأفريقية إلى البحث عن شراكات جديدة مع تركيا والهند والكيان الصهيوني والسعودية والإمارات… إفريقيا في الأجندة الأمريكية سنة 2025 طرحت إدارة جورج بوش الإبن مشروع القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا، وتم إنجاز وتنفيذ المشروع خلال رئاسة باراك أوباما الذي طرحت إدارته، قبل أكثر من عشر سنوات، برنامجًا لدعم الشركات الأمريكية التي تستثمر في مشاريع الطاقة والبنية التحتية في إفريقيا، بهدف منافسة الصّين، ولم يتحقق الشيء الكثير من تلك المشاريع – باستثناء تكثيف الحضور العسكري والإستخباراتي – إلى أن أعلن الرئيس دونالد ترامب، خلال شهر كانون الثاني/يناير 2025، قرار تعليق المساعدات العامة الأميركية بواسطة الوكالة الأمريكية للتنمية الدّولية، وتتضمن تلك 'المُساعدات' برامج المنظمات 'غير الحكومية' التي تُشرف على خطط الرّعاية الصحية وتعليم الأطفال، وإدامة التّبَعِية تجاه الولايات المتحدة التي تستفيد شركاتها من تمويل هذه البرامج، في ظل إهمال السلطات الإفريقية استراتيجيات التنمية، طيلة حوالي 65 سنة من الإستقلال… زار باراك أوباما، خلال آخر رحلة رسمية له إلى قارة إفريقيا ( تموز/يوليو 2015 )، الحبشة وكينيا وكانت أهمية زيارة كينيا رمزية لأنها كانت موطن والده، ولم تطأ قدم أي رئيس أميركي أرضاً أفريقية منذ حوالي عَشْر سنوات، بعد تأجيل زيارة جوزيف بايدن إلى أنغولا التي كانت مقررة لشهر تشرين الأول/اكتوبر 2024، ولم يقم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيارة القارّة خلال فترة ولايته الأولى بين سنتَيْ 2017 و 2021، ولم يبد أي اهتمام بها – باستثناء الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية (كانون الأول/ديسمبر 2020) مقابل إقامة الرباط علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني، ولم يستقبل دونالد ترامب خلال فترة رئاسته الأولى سوى رئيسَيْ نيجيريا (محمد بُخاري) وكينيا ( أوهورو كينياتا )، وزار مايك بومبيو، وزير خارجية ترامب، بين سنتَيْ 2018 و2021، إفريقيا ( السينغال والحبشة ) مرة واحدة، وأدّتْ زوجته ميلانيا زيارة 'دبلوماسية وإنسانية' إلى كينيا، مرتدية خوذة استعمارية، وهدّد جون بولتون، مستشار الأمن القومي، الدّول الإفريقية التي لم تدعم الولايات المتحدة في الأمم المتحدة والقِمَم الدّولية، واعتبر إفريقيا – خلال خطاب ألقاه سنة 2018، بمؤسسة هيريتج المُغْرِقة في الرّجعية – مجرّد ساحة معركة اقتصادية ضد المصالح الروسية والصينية، ولم يأت دونالد ترامب على ذِكْر قارة إفريقيا أبدًا خلال حملته الانتخابية سنة 2024، بل ازدراها ووصفها ( مع هايتي ) في اجتماع في البيت الأبيض خلال شهر كانون الثاني/يناير 2018، بـ 'الدول القذرة'… تُركّز الحملات الإنتخابية الأمريكية على بعض جوانب الوضع الدّاخلي، لذلك كان شعار دونالد ترامب 'لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى' انعكاسًا للشوفينية الأمريكية، ويَقِلّ اهتمام الجمهور الأمريكي بما يحدث في العالم، باستثناء الأحداث التي تُركّز عليها وسائل الإعلام السّائد اهتمامها، مثل تشويه الأنظمة والحكومات التي تختلف مع السلطات الأمريكية، وفق جيف هوكينز، السفير الأمريكي السابق لدى جمهورية أفريقيا الوسطى والباحث في معهد البحوث الوطنية والاستراتيجية (IRIS) 'وعمومًا لم تكن أفريقيا موضع اهتمام لأن السياسة الخارجية الأمريكية تُركّز حاليا على فلسطين المحتلة ( الكيان الصهيوني) وإيران أوكرانيا والصين… رحّب بعض رؤساء الدّول الإفريقية بفوز دونالد ترامب، بعد خيبة أملهم من الرئيس 'الدّيمقراطي' جوزيف بايدن، وكانوا يأملون تعزيز التعاون الإقتصادي مع الولايات المتحدة، رغم شعار 'لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى'، وكان سَحْب 'المساعدات' الأمريكية لإفريقيا من أولوياته، غير إن أعضاء الكونغرس سواء من حزبه ( الحزب الجمهوري) أو من الحزب الدّيمقراطي، اعترضوا على مشروع القرار، مما سمح بالحفاظ على المبادرات الرئيسية والميزانيات المخصصة، وتم إنقاذ برنامج 'ازدهار إفريقيا' الذي تُمَوِّلُهُ الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، لأنه غير مرتبط بالبيت الأبيض، وهو لا يهدف في الواقع 'مُساعدة إفريقيا' بل يهدف مواجهة التوسع الاقتصادي الصيني، مع الإشارة إلى حجم المُساعدات الصينية إلى قارة إفريقيا البالغ سبع مليارات دولارا سنويا، قبل تخفيضها منذ 2023… تُمثل سياسات الهجرة وتقديم المنح الدّراسية مُؤشّرًا على العلاقات الأمريكية/الإفريقية، فقد أغلقت أوروبا حدودها، منذ حوالي ثلاثة عُقُود، ويعانى كذلك الآلاف من سياسة إغلاق الحدود الأمريكية في وجه البشر والسّلع القادمة من إفريقيا بذرائع 'أَمْنِيّة'، وعلّقت وزارة الخارجية الأمريكية إصدار التأشيرات لمواطني ليبيا والصومال والسودان، منذ سنة 2027، ومواطني غانا سنة 2019، ومواطني تشاد أو نيجيريا سنة 2020، وانخفض عدد الطلاب الإفريقيين بالجامعات الأمريكية بنحو 50% خلال فترة رئاسة دونالد ترامب الأولى، وخفضت الولايات المتحدة تمويل بعض الجمعيات والمنظمات غير الحكومية الأفريقية المُهتمّة بمجالات الصحة والتعليم وحماية البيئة، وتم توجيه هذا التمويل إلى مجموعات التبشير للمسيحيين الإنجيليين والجمعيات المناهضة للإجهاض… تجدر الإشارة إلى تمسُّك دونالد ترامب بالدّور العسكري الأمريكي في إفريقيا وتعزيز هذا الدّوْر من خلال دعمه للقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، التي بدأت نشاطها الفعلي سنة 2007 'لتنسيق الأنشطة الأمنية في القارة ودعم القتال ضد الجماعات الجهادية'… مُساعدات أم استثمارات؟ تُعرّف قَوامِيس العلوم السياسية 'المساعدات الدولية' كالتالي: هي المساعدات الطَّوْعِيّة المُقَدَّمَة إلى البلدان أو الشعوب الأجنبية، ويشير مفهوم المساعدات الدولية عمومًا إلى المساعدات الإنمائية الرسمية، والتي تشمل جميع المنح والقروض التفضيلية المُحَوَّلَة من ميزانية دولة 'متقدمة' إلى دولة 'نامية'، ويُستخدم مصطلح 'المساعدات الدولية' لوصف المساعدات الإنمائية الرسمية التي تقدمها الدول أو المنظمات والمُؤسّسات الدولية مثل البنك العالمي والمساعدات المقدمة من قبل المنظمات الخاصة أو التشاركية أو الخيرية (المؤسسات والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الدينية، إلخ)، وقد تشمل المساعدات في شكل تبرعات، نقدًا أو عينًا، وقروض بأسعار تفضيلية أو حتى إلغاء الديون، ويتضمن كلا المَفْهُومَيْن مساعدات التنمية الأكثر تحديدًا والتي تُفهم عمومًا على أنها مساعدات هيكلية متوسطة أو طويلة الأجل 'لمعالجة أسباب التخلف'، والمساعدات الإنسانية أو حالة طوارئ تتكون من تقديم المساعدة قصيرة أو متوسطة المدى للاستجابة لتأثيرات كارثة طبيعية أو جائحة أو أمر طارئ، وبالتالي فالمساعدات الدولية متنوعة ويمكن أن تشمل برامج محو الأمية ممول من قبل منظمة غير حكومية باستخدام التبرعات التي تم جمعها من الجمهور، أو تحويل مالي مباشر من حكومة الدولة الغنية إلى الدّولة الفقيرة أو مساهمة في صندوق الأمم المتحدة أو حملة تطعيم ضد شلل الأطفال أو إرسال متعاونين، وقد تتضمن كذلك إلغاء الدّيْن العام أو قُوضًا بمعدل فائدة تفضيلي مع فترات سماح بالسداد خلال عدد من السنوات… مهما تعدّدت التعريفات والمفاهيم بشأن المساعدات الدولية والتنمية، فإن الأسباب الاقتصادية هي الأسباب الرئيسية، وهناك ارتباط كبير بين تطور الفكر الاقتصادي السائد وتطور ممارسة المساعدات الدولية ومفهوم التنمية، ولا تتلقى الدّول التي يختلف نظامها السياسي مع الدّول الإمبريالية أي مساعدات ( مثل كوبا أو فنزويلا أو إيران ) بل تتجه 'المساعدات نحو 'البلدان النامية' التي تعلن ولاءها للإمبريالية وتُنفّذ المبادئ التوجيهية التي تفرضها الدّول الإمبريالية والمؤسسات المالية الدّولية… من جهة أخرى، وجب التنبيه إلى دَوْر مجموعات الضّغط التي تُموّلها الشركات الكبرى وغُرف التجارة ونقابات أرباب العمل الفلاحي والصناعي والخدماتي والقادرة على توجيه مستويات وطبيعة وأهداف الدّعم ( الأمريكي أو الألماني على سبيل المثال) نحو البلدان التي تضم المواد الأولية أو أسواقًا تجارية واسعة وفئات وسطى ( فئة المُستهلكين) قادرة على شراء السلع الأجنبية المُستورَدَة، وتُقدّم بعض القُروض في شكل 'مُساعدات' مقابل تلبية بعض الشروط كتحرير الأسواق وفتحها، وخصخصة المؤسسات العامة، وتقليص استثمارات الدولة، وتقليص حجم الخدمة المدنية، وهي جزء من 'الإصلاحات الهيكلية'، وتريد هذه المجموعات – التي تستأثر بالمساعدات الحكومية من المال العام – استخدام 'المساعدات' فتجعلها وسيلة لتوسيع مجال صادراتها إلى أسواق جديدة، مما يُعرقل نمو رأس المال المحلي بالدّول الفقيرة، أو للحصول على المواد الخام بأسعار منخفضة، في إطار التبادل غير المتكافئ بين 'المركز' و 'الأطراف'، وعمومًا تخضع 'المُساعدات' الخارجية إلى ( وترتبط ب) أهداف الدول 'المانحة' ومصالحها السياسية والإقتصادية والأيديولوجية… أدّى تطبيق برامج التكيف الهيكلي الذي فرضه صندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي ( نيابةً عن الدّول الإمبريالية) منذ عقد الثمانينيات من القرن العشرين ( عقد حُكم مارغريت تاتشر في بريطانيا ورونالد ريغن في الولايات المتحدة ) إلى انهيار الخدمات العمومية في الدّول الفقيرة ('النامية') وإلى الركود الإقتصادي وتراجع المؤشرات الاجتماعية، وزيادة الفقر، لأن المساعدات تخضع بشكل أساسي إلى معايير إيديولوجية وولاء حكومات الدّول المُتلَقِيَة 'للمساعدات' لمانحيها من الدّول الإمبريالية، أي إن المساعدات تشترط الولاء العقائدي والسياسي، وفق جوزيف ستيغليتز الذي كان مديرًا بالبنك العالمي… 'المُساعدات' الأمريكية تعد قارة إفريقيا المستفيد الرئيسي من المساعدات التي تقدمها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، حيث حصلت دول إفريقيا الواقعة جنوب الصّحراء الكبرى على نحو 11 مليار دولارا من ميزانية إجمالية قدرها أربعون مليار دولارا سنة 2023، من خلال المنظمات غير الحكومية أو الوكالات الدولية أو الاتفاقيات الثنائية، وكانت الحبشة وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية من المستفيدين الرئيسيين من هذا التّمويل الأمريكي، وهي ثلاث دول عانت من الصراعات المسلحة لعدة سنوات، ويعتمد سكانها إلى حد كبير على المساعدات الإنسانية للحصول على الرعاية الطبية والغذاء، وتمثل 'المُساعدات الأمريكية في جنوب السودان نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وفقاً لأرقام مركز التنمية العالمية، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، كما يتصدر قطاع الصحة قائمة استثمارات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في القارة، لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية، ومن خلال برنامجها 'بيبفار' وهي الخطة الطارئة للإغاثة من الإيدز، وتلقت دولة جدنوب إفريقيا التي تُعد من إحدى الدّول الأكثر تضرراً منه، مساعدات أميركية نحو 500 مليون دولار سنة 2023، أو 17% من الميزانية المخصصة لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية، وقد يتوقّف تمويل مثل هذه البرامج الصّحّيّة سنة 2025، نتيجة لقرار خفض ميزانية ونشاط الوكالة الأمريكية للتعاون الدّولي في بلدان عديدة مثل نيجيريا وغانا وغيرها. أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، يوم العاشر من آذار/مارس 2025، عن الانتهاء من مراجعة البرامج في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID). وسيتم خفض 83% من المساعدات، وستكون بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أول المتأثرين بهذا 'الإنسحاب' الأمريكي، لأنها ثاني أكبر منطقة متلقية لتمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية على مستوى العالم (بعد أوكرانيا ( بنسبة 40% من ميزانيتها في سنة 2023 )، كانت البلدان الخمسة التالية، الواقعة جنوب الصحراء الكبرى: الصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى وليبيريا وملاوي وموزامبيق هي البلدان التي استفادت أكثر من غيرها من مساعدات التنمية التي قدمتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لإفريقيا سنة 2023، واستفادت منها ثلاثة مجالات رئيسية: المساعدات الإنسانية (47%)، والصحة (38%)، والتنمية الاقتصادية (8% )، وسوف تكون العواقب وخيمة لهذا الانقطاع المفاجئ لتمويل برامج الصحة ومكافحة الأمراض القاتلة للسكان المحليين. بَرَّرَ دونالد ترامب تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بسياسته ' 'أمريكا أولاً' التي تهدف إعطاء الأولوية للمصالح الوطنية المباشرة على حساب الشراكات الدولية الاستراتيجية، وسوف تتم إعادة التفاوض على الاتفاقيات الاستراتيجية مع البلدان الأفريقية، بهدف ترجيح المصالح الأمريكية، والحصول على مزايا اقتصادية وتجارية، وخاصة في قطاع المعادن. تصدر ست دول أفريقية جنوب الصحراء الكبرى( جنوب إفريقيا ونيجيريا وغانا والنيجر وليبيريا وتوغو) سلعًا إلى الولايات المتحدة، وستكون هذه البلدان عُرْضَةً بشكل خاص للتعريفات الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة التي قد تُخاطر بتعريض الموقف الاستراتيجي لأميركا لمنافسة الصين، لكن لا تبدو قارة إفريقيا حاليا من بين الأولويات الدبلوماسية لدونالد ترامب، حيث لم يتم ذكر هذه القارة التي يبلغ عدد سكانها 1,4 مليار نسمة مطلقًا خلال حملته الانتخابية، ولكن أحد أول قراراته كرئيس كان تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تقريباً، وهو قرار يؤثر اليوم على أفريقيا أكثر من أي منطقة أخرى في العالم. تُعاني 'مناطق الصراع'، وخاصة المنطقة المحيطة بالصحراء الكبرى، من عدم الاستقرار والعنف المُسْتَمِرَّيْن. من مالي إلى النيجر ونيجيريا والسودان والحبشة والصومال، حيث تنفذ المنظمات الإرهابية المسلحة هجمات منتظمة، كما تتميز منطقة البحيرات الكُبْرى، وخصوصًا جمهورية الكونغو الديمقراطية، بالاشتباكات بين الفصائل المختلفة، والتي غالبا ما تغذيها التنافسات والصراعات على السيطرة على الموارد الطبيعية، مما يؤدّي إلى خسائر بشرية كبيرة وتحديات أمنية ونزوح السكان وتعطيل الحياة الطبيعية وحرمان السكان المحليين من العيش في مناطقهم الأصلية والتمتع بثرواتهم، وأدّت هذه الصّراعات المسلّحة إلى انعدام الأمن الغذائي الشديد في العديد من الدول الأفريقية، وبدل العمل على وقف الحروب وجشع الشركات العابرة للقارات، قدّمت الدّول الإمبريالية وإعلامها هذا الوضع كنتيجة طبيعية لتخلف إفريقيا وأهلها، وتم التركيز على 'المساعدات الدّولية الإنسانية' وبالأخص 'المساعدات الأميركية'، وحصلت دول مثل نيجيريا وجنوب السودان وجمهورية الكونغو على أكثر من 50% من مساعدات التنمية الخاصة بها من الولايات المتحدة، سنة 2023 تدهور الوضع في القارة يشكل التضخم والديون العامة ضغوطا شديدة على ميزانيات الدول الأفريقية، ففي موزمبيق، يتم تخصيص 20% من الإنفاق العام لسداد فوائد الديون، ويتم إنفاق 7% فقط من الإنفاق العام على الصحة والتعليم والخدمات العامة الأخرى، وسوف يُؤَدِّي قرار إلغاء الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) إلى تفاقم الوضع الهش، في حين أن الحبشة متخلفة عن سداد ديونها، وتواجه موزمبيق صعوبات هائلة بعد أن تضاعفت ديونها ثلاث مرات خلال عشرين عاما، وسوف يُؤَدِّي ارتفاع الأسعار وقرار خفض أموال المساعدات الدّولية يجعل الوضع الصحي في البلدان الأفريقية أكثر خطورة،ولقد كانت للحرب في أوكرانيا عواقب وخيمة على أفريقيا التي تعاني من ديون عامة مرتفعة للغاية، وقد أدى سياق هذه الحرب في أوكرانيا إلى سباق إعادة التسلح الذي صاحبه خفض الإنفاق الاجتماعي والأموال المخصصة للمساعدات للدول النامية، وأصبحت شعوب أفريقيا ضحايا جانبية لهذه الحرب وللوضع الدولي، لأن الحرب أدت إلى تفاقم الوضع التضخمي مع ارتفاع أسعار المواد الخام والوقود والمنتجات الغذائية وغيرها. لقد أدى سباق التسلح في الدول الغربية إلى خفض المساعدات للاجئين من الحروب وخفض تمويل برامج الرعاية الصحية وتنقية المياه وتضررت سيراليوني وجنوب السودان من خفض بريطانيا مساعداتها الدّولية بنسبة 50% قبل قرار الحكومة الأميركية تجميد المساعدات الخارجية للمنظمات الإنسانية التي تساعد آلاف اللاجئين في أفريقيا، مما اضطرها إلى تسريح مئات من العاملين المحليين في برامج مكافحة الإيدز والسل والملاريا، ولن يتم القضاء على مشاكل إفريقيا من خلال 'المُساعدات' المسمومة التي يوقفها 'المانحون' متى عَنَّ لهم، غير إن إلغاءها الفجئي يُخلّف مشاكل عديدة، فيما تحتاج أفريقيا تحتاج إلى استثمارات وبرامج تنمية حقيقية لأن 'المُساعدات' الدّولية لا تهدف مساعدة الشعوب على تحرير أنفسهم، بل تهدف إبقاءهم تحت سيطرة الدول المانحة، مثلما وَرَد في دراسة نشرتها المجلة الفصلية ( ربيع 2025) لمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS)، ويُشكل القرار الأمريكي بتعليق معظم أعمال الوكالة الأمريكية للتعاون الدّولي فرصةً للتفكير في أوجه القصور في نظام المساعدات الدولية، والحلول والملائمة لتعويض 'المساعدات' الخارجية للبلدان منخفضة الدخل التي لا تخدم سوى مصالح 'الجهات المانحة'، بحلول مُستدامة منبثقة من الواقع المَحَلِّي، تتضمن الاستثمارات الاستراتيجية والتجارة العادلة والتمويل الميسر ( وليس 'المساعدات' )، ولا يمكن التعويل على المؤسسات المالية الدّولية لتمويل برامج التنمية ولإحداث تغييرات اقتصادية هيكلية في البلدان النامية، فقد رفضت المؤسسات المالية الدّولية دعم وتمويل إنشاء المصرف الإفريقي للطاقة الذي بادرت نيجيريا وليبيا وأنغولا إلى إنشائه، وتذرعت تلك المؤسسات المالية بحماية البيئة، ويهدف مشروع المصرف الإفريقي للطاقة إلى تعميم توزيع النفط والغاز والكهرباء، حيث لا يحصل نحو 600 مليون شخص، أو 43% من إجمالي سكان إفريقيا على الكهرباء، ويعيش أغلبهم في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، كما رفضت نفس المؤسسات تمويل تعاونيات المزارعين وحِرَفِيِّي الصناعات التقليدية في العديد من بلدان إفريقيا… 'المساعدات الإنسانية' مجرد واجهة للإستعمار الجديد يُقَدّر سكان إفريقيا بنحو 1,4 مليار نسمة، وقُدِّرت قيمة 'المُساعدات الإنمائية' التي تحصل عليها الأنظمة الحاكمة في إفريقيا بنحو ستين مليار دولارا، من بينها عشرين مليار دولارا من الولايات المتحدة، بينما تُقدّر قيمة صادرات المواد الخام من إفريقيا نحو الدّول الغنية بنحو 610 مليار دولارا سنويا، أي إن قيمة الثروات المنهوبة من إفريقيا تفوق عشرة أضعاف 'مُساعدات التّنمية' المُصَنّفة 'تبرعات' والتي تسبب إلغاؤها من قِبَل الولايات المتحدة في فوضى كبيرة في قطاعات التعليم والصّحة فِي بلدان إفريقية عديدة اعتادت التّرويج لثقافة البُؤس والصّدَقة والدفاع عن المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدّولي الذي تكون قُرُوضُهُ مشرُوطَةً بمعايير لا تستجيب لمتطلبات التنمية ولا تترك سوى مساحة ضئيلة للإستثمار الذي يتم تقليصه إلى الحد الأدنى… يزعم صندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي، منذ أكثر من ست عُقُود 'إن الإدارة الجيدة للمالية العامة تشكل أحد الشروط لجذب الاستثمار الخاص وتنمية الاقتصاد' لكن هذا الخطاب الذي يُركز على موازنة الحسابات العامة، لم يُعْطِ نتائج إيجابية لأنّه لا يرتكز على واقع تلك البُلْدان، مثل غانا التي وقعت حكوماتها 17 اتفاقية مع صندوق النقد الدولي، ولكن اقتصادها لم يتحسّن وغابت التنمية المَوْعُودة، بلأصبحت الدّولة في حالة عجز عن السّداد بنهاية سنة 2022، لأن مؤسسات بريتون وودز ليست مصممة لمساعدة البلدان ( الإفريقية وغير الإفريقية) على التخلص من الفقر، بل إن قراراتها سياسية، وتفرض برامجها استراتيجيات تنموية خاطئة، ولا تخدم قرارات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي مصالح بضع عشرات من الشركات الرأسمالية 'الغربية'، خلافًا للإستثمارات والقُروض الصينية غير المَرْفُوقة بشروط سياسية. تحتاج أفريقيا إلى تصفية آثار الإستعمار وإدارة شؤونها بنفسها، وإلى الدعم والمساعدة غير المتحيزة والملموسة والمناسبة لسياق كل بلد من بلدانها، وبعضها يضم ثروات هائلة لا تعود بالنّفع على أغلبية السّكّان، وتتطلب تنمية أفريقيا قدراً كبيراً من مشاركة المواطنين، إذ لا يكفي إلغاء الدَّيْن أو بناء مدرسة، إذا لم تتوفر الموارد اللازمة لتوفير الرعاية الصحية والأطباء والمدارس والمعلمين، وبالتالي وجبت معالجة جذور المشاكل الحالية والأزمات التي تعيشها مختلف البلدان الإفريقية… تقوم العديد من البلدان الغنية بتوزيع المساعدات النقدية على أفريقيا وتجبرها على استخدام هذه 'المساعدات' في شراء الإنتاج الأوروبي أو الأمريكي، وتمارس في ذات الوقت سياسة الحماية الجمركية التي تُقصي إنتاج إفريقيا، لصالح قطاعات الصناعة والزراعة في البلدان الغنية، أي دعم الشركات الإحتكارية العابرة للقارات لجعلها أكثر قدرة على المنافسة، وهذا يشكل عقبة رئيسية أمام تقدم البلدان الفقيرة، حيث أن الوصول إلى هذه الأسواق أكثر صعوبة بالنسبة لها… تُغذِّي 'المُساعدات الدّولية' عَقْلِيّة ( ثقافة؟ ) الإعتماد على الغَيْر، ولا تهدف 'المُساعدات' توفير حياة كريمة للشعوب الأخرى، بل غالبًا ما تكون المساعدة مقيدة بشروط مجحفة لأن الدّول التي تُقدّمها لا تفعل ذلك بإيثار، بل 'لغايةٍ في نَفْسِ يعقوب'، أي لتعزيز مصالحها الاقتصادية والأيديولوجية، وسيطرتها علىلا الأنظمة السياسية المُستفيدة من فُتات 'المثساعدات القاتلة' ( أو 'المسمومة' ) على رأي الخبيرة الاقتصادية الزامبية دامبيسا مويو (كتاب 'المساعدة القاتلة – 2009' ). بَيَّنَ القرار الأمريكي بشأن وقف مساعدات الوكالة الأمريكية للتنمية الدّولية ضرورةَ التحول من نموذج غير مستدام للمساعدات إلى نظام يعزز المشاريع المحلية وتقرير المصير، وتوفير الغذاء والأدوية والسّكن والنّقل والكهرباء بأسعار معقولة.. 2025-04-26 The post مكانة إفريقيا في الأطماع الدّولية سنة 2025 ( 1)!الطاهر المعز first appeared on ساحة التحرير.


مستقبل وطن
٠٩-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- مستقبل وطن
مصر تحتفل بيوم الشهيد.. ذكرى استشهاد الجنرال الذهبي عبدالمنعم رياض
اعتزازا بشهداء مصر الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل الوطن تحيي مصر في التاسع من مارس كل عام ذكرى يوم الشهيد تزامنًا مع إحياء ذكرى الشهيد الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق الذي أستشهد بين جنوده على الجبهة. ذكرى استشهاد الجنرال الذهبي عبدالمنعم رياض يعتبر الفريق عبدالمنعم رياض واحدًا من أشهر العسكريين العرب في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث شارك في الحرب العالمية الثانية بين عامي 1941 و1942، وشارك في حرب فلسطين عام 1948، والعدوان الثلاثي عام 1956، وحرب 1967 كما أشرف على الخطة المصرية لتدمير خط بارليف خلال حرب الاستنزاف. ولد الجنرال الذهبى فى 22 أكتوبر 1919 فى قرية سبرباى بمدينة طنطا وكان والده القائم مقام (رتبة عقيد حاليًا) محمد رياض عبد الله قائد بلوكات الطلبة بالكلية الحربية، بدأ عبدالمنعم رياض حياته العسكرية بالالتحاق بالكلية الحربية، التي تخرج فيها عام 1938 برتبة ملازم ثان، ثم حصل علي شهادة الماجستير في العلوم العسكرية عام 1944 وكان ترتيبه الأول، وأتم دراسته كمعلم مدفعية مضادة للطائرات بامتياز في إنجلترا. شغل عده مناصب ففى عامي 1947 — 1948 عمل في إدارة العمليات والخطط في القاهرة، وكان همزة الوصل والتنسيق بينها وبين قيادة الميدان في فلسطين، ومنح وسام الجدارة الذهبي لقدراته العسكرية التي ظهرت آنذاك، تولى قيادة مدرسة المدفعية المضادة للطائرات في عام 1951، وكان وقتها برتبة مقدم، ثم عين قائداً للواء الأول المضاد للطائرات في الإسكندرية، عام 1953، وفي العام التالي اختير لتولي قيادة الدفاع المضاد للطائرات في سلاح المدفعية، وظل في هذا المنصب إلى أن سافر في بعثة تعليمية إلى الإتحاد السوفييتي عام 1958 وأتمها في عام 1959 بتقدير امتياز، وحصل على لقب (الجنرال الذهبي). تمت ترقيته في عام 1966 إلى رتبة فريق، وأتم في السنة نفسها دراسته بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وحصل على زمالة كلية الحرب العليا، وفي 30 مايو 1967، عين الفريق قائداً لمركز القيادة المتقدم في عمان، وأعلن قائداً عاماً للجبهة الأردنية، لكن لم يمض أسبوع حتى استدعاه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ليعينه فى 11 يونيو رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية، فبدأ مع وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة الجديد الفريق أول محمد فوزي إعادة بنائها وتنظيمها، بعد أن تأثرت بالنكسة. حقق الجنرال الذهبى انتصارات عسكرية فى المعارك والحروب التى خاضها كتدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات فى 21 أكتوبر 1967 كما أنه صمم الخطة (200) الحربية التي طُورت بعد ذلك لتصبح خطة العمليات في حرب أكتوبر، وكان على يقين أن العرب لن يحققوا النصر إلا في إطار إستراتيجية شاملة تأخذ البعد الاقتصادي في الحسبان وليس مجرد إستراتيجية عسكرية. وكان يؤمن بأنه إذا وفرنا للمعركة القدرات القتالية المناسبة وأتحنا لها الوقت الكافي للإعداد والتجهيز وهيأنا لها الظروف المواتية فليس ثمة شك في النصر الذي وعدنا الله إياه" وفي صبيحة يوم 9 مارس قرر عبدالمنعم رياض أن يتوجه بنفسه إلى الجبهة ليرى نتائج المعركة ويشارك جنوده في مواجهة الموقف، فانطلق يطوف المواقع في الخطوط المتقدمة، يتحدث إلى الضباط والجنود، يسألهم ويسمع منهم، ويرى ويراقب ويسجل في ذاكرته الواعية ويرفع من الروح المعنوية للجنود وقرر أن يزور أكثر المواقع تقدمًا التي لم تكن تبعد عن مرمى النيران الإسرائيلية سوى 250 مترا، ووقع اختياره على الموقع رقم 6 وكان أول موقع يفتح نيرانه بتركيز شديد على دشم العدو في اليوم السابق وفجأة بدأ الضرب يقترب، وبدأت النيران تغطي المنطقة كلها، وكان لابد أن يهبط الجميع إلى حفر الجنود في الموقع. شهد هذا الموقع الدقائق الأخيرة في حياة الفريق عبدالمنعم رياض، حيث انهالت نيران العدو فجأة على المنطقة التي كان يقف فيها وسط جنوده واستمرت المعركة التي كان يقودها الفريق عبد المنعم بنفسه حوالي ساعة ونصف الساعة إلى أن انفجرت إحدى طلقات المدفعية بالقرب من الحفرة التي كان يقود المعركة منها ونتيجة للشظايا القاتلة وتفريغ الهواء أصيب ونقل إلي مستشفى الإسماعيلية والتي توفي فيها عبدالمنعم رياض بعد 32 عاما قضاها عاملا في الجيش متأثراً بجراحه. وأقيمت للشهيد البطل جنازة عسكرية كبيرة في القاهرة حضرها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وجميع قادة القوات المسلحة آنذاك حصل على العديد من الأوسمة والأنواط كـ ميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة ووسام نجمة الشرف ووسام الجدارة الذهبي ووسام الأرز الوطني بدرجة ضابط كبير من لبنان ووسام الكوكب الأردني من الطبقة الأولى. كذلك تم تكريمه بوضع أسمه على الكثير من الميادين العامة والشوارع في مصر والدول العربية نعاه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ومنحه رتبة الفريق أول ونجمة الشرف العسكرية التي تعتبر أكبر وسام عسكري في مصر، ووضع له تمثالاً فى أحد أكبر ميادين القاهرة بمنطقة وسط البلد وأطلق عليه أسمه ميدان عبدالمنعم رياض كما تم اختيار يوم 9 مارس من كل عام بعد انتصار حرب أكتوبر ليكون يومًا للشهيد، تخليدًا لذكرى رحيل رئيس أركان حرب الجيش المصري الشهيد عبدالمنعم رياض.


جفرا نيوز
١٨-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- جفرا نيوز
الإعمار كطُعم سياسي
جفرا نيوز - المحامية هبة أبو وردة الإعمار من وجهة نظر السياسة، معركة أخرى تُخاض بالحبر والتوقيعات، كما خِيضت سابقًا بالنارِ والدمارِ. فكما أن الجيوش لا تدخل المدن إلا بعد أن تُفتح لها الأبواب، كذلك لا تَدخل مشاريع الإعمار إلا بعد أن تُرفع الرايات السياسية التي تناسب المانحين "تُجار النكبات". مسرحية دولية!! تُعقد المؤتمرات، حيثُ الممثلون أنفسهم، لكن بأقنعة مختلفة، وقت مستقطع لوقفة التعازي الاستثمارية؛ يجلس المانحون "تُجار النكبات"، على طاولات فاخرة، في قاعاتٍ مكيفة، يتناقشون بجدية مفتعلة حول "كيفية إعادة الحياة'، إلى مكان قرروا مسبقًا أنه لا يجب أن يحيا بالكامل، تُطرح المُقترحات بسخاء، يرسون على أرقامًا فلكية كثمنٍ لولاءٍ مُغلف بإسم الإعمار، يُعاد رسم الجدران بما يخدم الهندسة السياسية الجديدة، على طاولةٍ لا يملك أصحابها مقعدا عليها، تُرفع التقارير، تُعلن الوعود، ثم يبتسمون للكاميرات؛ منتظرين من الشعوبِ، أن تمسح ذاكرة الدمار كما مُسحت سبورة قاعة الاجتماع الدولي، وأن تُصفق بسذاجة لمن صنعوا الفوضى، ثم عادوا ليبيعوا الترياق. إنتهى، هكذا أصبح الإعمار امتدادَا آخر للحرب، لكن بأدوات أكثر تهذيبًا، وأقل ضجيجَا؛ التاريخ يعيدُ نفسه، ولكن بأدواتٍ أكثر حداثة، وديكوراتٍ أعلى دبلوماسية؛ فمن يقرأ التاريخ يُدرك تمامًا أن التدميرَ العنيف، يليه مباشرةً إعادةِ بناءٍ مشروطة، ثم نظام سياسي جديد أكثر طواعية، الحربُ هي الأداةُ الأولية، لكن الإعمار هو المعركة الحقيقية، حيثُ لا تطلقُ رصاصةً واحدة، لكن! يتم حسم المصير بقراراتِ مجلس الهيمنة، وليس مجلس حرب. فالإعمارِ ليس عملًا خيريًا، بل هو أحد أذكى أدوات الهيمنة؛ ففي السياسة لا شيء يُمنح بالمجان، بل يُستثمر حيث يُضمن الولاء قبل الطوب، والطاعة قبلَ الخرسانة، فكما أن القصف لم يكن عشوائيًا، كذلك إعادة البناء لن تكون هباء، وكما أن الهدم ليس نهاية، كذلك الإعمار ليس بداية، كلاهما وجهانِ لعملةِ الهيمنة. عندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، كانت أوروبا مجردِ كومةً من الخرابِ، مُدنها أطلال، وإقتصادها متهالك، تتنازعُها جاذبيةَ قُطبين؛ الإتحاد السوفييتي بتوجهِه الإشتراكي، والولاياتُ المتحدةُ الأمريكية، وكلاهما حائطَ سد في وجهِ الآخر، وقفت أمريكا تتأمل المشهد كما يتأمل مقاول بارع أرضًا خصبة لمشاريع ضخمة، ورأى في الدمارِ فرصة لصياغة نظام عالمي ضمن مقاييس واشنطن، وهنا ظهر مشروع مارشال، كحصانِ طروادة إختراق الجدرانَ السياسية، ومد حِبالهِ لأوروبا الغربية فَحملها من تحت أنقاض الحرب، و دفق عليها 13 مليار دولار، فجرفتها تحت الأنقاض مرةً أخرى!! لكنها أنقاض الولاء السياسي؛ فلم يكن الإعمار مجرد إحسان، بل كان استثمارًا استراتيجيًا لضمانِ ولاءِ الدول الأوروبية للمعسكرِ الغربي، في مواجهة الإتحاد السوفييتي؛ أي وسيلة لتعزيز الهيمنة الأمريكية في أوروبا، ضمن معادلة حرب باردة، وهكذا، لم يكن المال وحده هو الذي تدفق على أوروبا، بل تدفقت معهُ الهيمنة السياسية والاقتصادية، التي أعادت تشكيل القارة وفق مصالح واشنطن، فهي الممول وهي المهندس، وهي المشرف على البناء، وهكذا استبدلت أمريكا الأنقاض بالتحالفات، والخراب بالتبعية. فكما أن مارشال لم يكن سوى إعادة تدويرٍ لأوروبا، وفقَ مقاييسِ واشنطن، فإن أيُ مشروعِ إعمارٍ لقطاع غزة اليوم لن يكون سوى إعادة ترسيم للخارطةِ السياسية؛ وفق مصالح القوى الكبرى، فالقصف مجاني، لكن البناء باهظُ الثمن، الفاتورة ستدفع بالسياسة، لا بالمال. صفقة مع الخراب، اتفاق غير مكتوب بين من يدمّر ومن يموّل، يُنظر إلى الركامِ كما ينظر إلى ناطحةِ سحابٍ قبل تشييدها؛ لا يهم من سكنها سابقًا، المهم مَن يملك مفاتيحها بعد البناء، وكأنهم كانواسكانًا لا أصحاب سيادة، و الحجارةِ المحطّمة ليست جريمة، بل فرصة لإعادةِ ترتيب الأوراق، وإملاءِ شروط جديدة، مشروع ترامب، لم يكن خطة سلام، بل إعلان تصفيةً سياسية، حيث طُرحت فلسطين كما لو كانت شركة خاسرة، تنتظرُ عرض إستحواذ، وكأن الحقوق التاريخية تُباع على شكل أسهم، والسيادة تُقاس بعدد "المشاريع الاقتصادية' التي سيجودَ بها المانحون الجدد "تجار النكبات"، كان المشروع أشبه بمزاد علني، لمنطقة صناعية، أو ميناء في بقعةٍ ما خارج حدود التاريخ والجغرافيا. إعادة إعمار الدول بعد الحرب ليست سوى فصلٌ آخر من العبثِ السياسي، حيث يعود الخراب متنكرًا في هيئة إعمار، وتُسكب الأموال كما تُسكب التعازي بلا روح، وبلا نية حقيقية لتعويض الفقدان، الدول التي كانت بالأمس مسرحًا للدمار تصبح اليوم سوقًا مفتوحة، حيث يُعاد بناؤها لا كما كانت، بل كما يشتهي الممولون، وكما تقتضي شروط "التمويل' الممهورة بتوقيع من تسبب في الكارثة أولًا، فتبدأ الجرافات عملها، لكن ليس لإزالة آثار العدوان، بل لرسم ملامح جديدة لوطن لم يعد يشبه نفسه، تُبنى الجسور، لكن لا تصل بين الأحياء التي فُصلت، بل بين المصالح التي تكرّست، تُرمّم المؤسسات، لكن بآليات تجعلها أكثر قابلية للتحكم، وأقل قدرة على الحياة. لطالما كان إعادة الإعمار أداة جيوسياسية تُوظَّف لترسيخ النفوذ وإعادة تشكيل المشهد وفق مصالح الفاعلين الدوليين، من مشروع مارشال الذي أعاد ترتيب الخارطة الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، إلى الحديثِ عن مشروع ترامب لإعادةِ إعمار غزة بعد العدوان الأخير، يبقى الإعمار في جوهره عملية سياسية مشروطة، تحمل في طياتها أكثر من مجرد إعادة بناء ما دُمِّر، فتحول حق إلى ورقةِ تفاوض، ومن ضرورة إنسانية إلى أداةٍ للتحكم؛ حيثُ يصبح الإسمنت قيدًا صلبًا، والمال مشروطًا بالولاء، في النهاية! ليست المعركة مع الدمارِ فقط،، بل مع من يريدُ أن يجعلَ إعادةِ الإعمارِ استكمالًا للهزيمة، لا بدايةً للنجاة.