logo
#

أحدث الأخبار مع #البرفسورعبداللهسرورالزعبي

جيواستراتيجية السيليكون: من الرمال الناعمة إلى مركز الصراع العالمي
جيواستراتيجية السيليكون: من الرمال الناعمة إلى مركز الصراع العالمي

جفرا نيوز

time٢٦-٠٤-٢٠٢٥

  • علوم
  • جفرا نيوز

جيواستراتيجية السيليكون: من الرمال الناعمة إلى مركز الصراع العالمي

البرفسور عبد الله سرور الزعبي مركز عبر المتوسط للدراسات الاستراتيجية في خضم التحولات العالمية المتسارعة نحو الرقمنة والذكاء الاصطناعي، لم تعد الجغرافيا السياسية مقتصرة على الحدود والجيوش، بل أصبحت التكنولوجيا ومستلزماتها، الأدوات الجديدة لصياغة ملامح الهيمنة المستقبلية. فاذا كان النفط والغاز ذهب القرن الماضي، فقد أصبح السيلكون (Si) المشتق من خامات السليكا (SiO₂)، من اهم المورد الاستراتيجية (الفيصل فيها النقاء، فأمريكا من أكبر الدول المصدرة للسليكا عالية النقاوة، والصين من أكبر المنتجين، وكذلك وروسيا والبرازيل)، والعمود الفقري للاقتصاد والتفوق التقني، وتعيد تشكيل التوازنات الجيوسياسية، وتشعل سباقًا عالميًا جديدًا في التصنيع والابتكار بين قطبين رئيسيين، وادي السيليكون التكنولوجي الأمريكي ودرع السيليكون الصيني. منذ العقود، أصبح وادي السيليكون في كاليفورنيا مركزًا عالميًا للابتكار والإبداع التقني، تقاطعت فيه الجامعات الامريكية العظيمة مع استثمارات حكومية، شكلت انعكاسًا حقيقياً لجوهر صناعة الرقائق microchips (التي تعتمد على السيليكون النقي كمادة أساسية، بنقاوة 99.999 N5 99.9999℅N6 و99.999999℅ N8) التي تدخل في صناعة الخلايا الشمسية عالية الكفاءة، وأشباه الموصلات، والإلكترونيات الدقيقة والهواتف الذكية، والحوسبة الكمومية، والمعدات العسكرية والتقنيات الفضائية والأجهزة الطبية وغيرها. ان هذا الامر، جعل من وادي السيليكون العقل المدبر والقلب النابض للتفوق التكنولوجي والابتكار في العالم، وادى لظهور شركات عملاقة (Big Tech) مثل ابل Apple، وGoogle (مهيمنة في مجال البحث والذكاء الاصطناعي والبنية التحتية السحابية)، وميتا Meta (تركز على تقنيات الواقع المعزز والافتراضي، ومنصات التواصل)، وانتل Intel (لاعب أساسي في صناعة أشباه الموصلات)، ونفيديا NVIDIA (الرائدة في معالجات الرسومات وتقنيات الذكاء الاصطناعي)، وتسلا Tesla، وشركات ناشئة متقدمة Deep Tech Startups (تعمل على تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي)، والبيوتكنولوجية، والنانوتكنولوجية، والروبوتات المتقدمة، وشركات صناعية متقدمة Lockheed Martin Space Systems وNorthrop Grumman ومراكز أبحاث Applied Materials وLam Research وغيرها من الشركات التي جعلت من أمريكا المتفوقة تكنولوجياً، وبفضل هذا التفوق، استطاعت أن تفرض هيمنة تكنولوجية عالمية، تجاوزت الحدود الجغرافية وامتدت لتشمل الأمن القومي والاقتصاد والإعلام وغيرها. ان الشركات العاملة في وادي السيلكون جعلت منه واحة استثمارية، فقد شهد في عام 2024، تدفقًا استثماريًا هائلًا، حيث استحوذت الشركات الناشئة على حوالي 90 مليار دولار من استثمارات رأس المال المغامر (Venture Capital)، وهو ما يمثل 57% من إجمالي التمويل الاستثماري في امريكا البالغ 178 مليار دولار لعام 2024. كما ان الاستثمارات الحكومية في برنامج CHIPS and Science Act (أكثر من 50 مليار دولار) تم توجيه جزء كبير منها إلى شركات ومراكز تعمل في وادي السيليكون، وتستثمر وزارة الدفاع الأمريكية ووكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة مليارات الدولارات سنويًا في الشركات التي تطور تقنيات ذات تطبيقات عسكرية واستراتيجية. ان النتائج التقنية لوادي السيلكون جعلت من أمريكا سيدة الموقف في الاستراتيجية التكنولوجية، والتفوق العسكري والاستخباراتي، ومقاومة التهديدات السيبرانية، والأمن القومي في مواجهة المنافسة الصينية والتقلبات الجيوسياسية. ان التفوق الامريكي في تصميم الشرائح الإلكترونية وتطويرها، أصبح في الآونة الأخيرة مهدداً بعدد من التحديات الاخذة بالتصاعد، ما يجعل مستقبل صناعات الوادي التكنولوجية موضع قلق استراتيجي، وما يزيد من التهديدات عدم القدرة الامريكية التصنيعية للرقائق بالكامل (تعتمد على شركات مثل TSMC التايوانية، وSamsung الكورية الجنوبية بشكل رئيسي)، مما يزيد من التهديدات لسلاسل الامداد ويحد من تفوقها. أمريكا، انتبهت لمثل هذه التحديدات، فعززت الاستثمار الداخلي لتصنيع الرقائق واشباه الموصلات، حيث وقعت اتفاقية مع شركة (TSMC) التايوانية لبناء مصنع بقيمة تتجاوز 100 مليار دولار (بسبب التهديدات الصينية لتايوان)، كما انها لن تتردد في استقطاب افضل المواهب العلمية العالمية (رغم قوانين الهجرة المشددة)، وخصصت اموالاً لدعم الشركات الناشئة ودعم مشاريع في الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية والأمن السيبراني (مشروع مانهاتن الرقمي)، وتعمل على الاستحواذ على عدد من الشركات الرائدة في مجالات الذكاء الاصطناعي وغيرها، وفرض المعايير التقنية، وعبر تحالفات تكنولوجية مع تايوان، شركة TSMC، وكوريا الجنوبية شركة Samsung (تقودان مركز الثقل التقني للرقائق)، واليابان، والهند، وأوروبا، للمحافظة على الهيمنة ولنفوذ الجيوسياسي. الصين التي استوعبت المعادلة منذ اكثر من عقدين من الزمن، وتحركت باستراتيجية محكمة لبناء درع السيليكون الخاص بها، والذي يشمل شركات عملاقة مثل Huawei للاتصالات و5G)، SMIC (الشرائح)، BYD (بطاريات السيارات الكهربائية) وشركات الذكاء الاصطناعي والمنصات الرقمية، وتطوير سلسلة إمداد محلية للسليكا (مؤمنة بان الرهان على السيليكون هو رهان على المستقبل)، ودعم تصنيع الرقائق (استطاعت تحقيق اختراق بالوصول الى 7 نانو ميتر، رغم القيود المفروضة عليها، ومنعها من الوصول الى المعدات الرئيسية مثل أنظمة الطباعة الضوئية Extreme Ultraviolet Lithography)، والسيطرة على معادن نادرة (وسعت نفوذها في افريقيا وغيرها من الدول للسيطرة عليها)، وإنشاء صندوق أشباه الموصلات الحكومي بقيمة عشرات المليارات، والتوسع في مشاريع الخلايا الشمسية والذكاء الصناعي (ضمن خطة القيادة في الذكاء الاصطناعي بحلول 2030، فدعمت شركات مثل Alibaba وBaidu وTencent)، لتحقيق السيادة التكنولوجية وضمان حماية أمنها القومي. كما عملت الصين على كسر الطوق المفروض عليها من خلال مبادرة الحزام والطريق الرقمي، وشراكات مع دول البريكس وغيرها. على الرغم من ان الصين تمتلك التصميم والإرادة السياسية والقدرة على الحشد المركزي طويل الأمد، الا انها تواجه العزلة التكنولوجية وخطر الاعتماد على السوق المحلي، الا انه من الواضح ان الطريق ما زال طويلاً امامها، لكي تلحق بالتفوق الأمريكي وحلفاءها في تصميم وتصنيع أشباه الموصلات. ومع كل ذلك فان الصين تراهن على الزمن، وحجم السوق، والإصرار السياسي لتحقيق استقلال السيليكون، حتى وإن استغرق ذلك لعقد من الزمن او أكثر. ان ما يجري من صراع بين وادي السيلكون (مركز القوة الناعمة الأمريكية) ودرع السيلكون (محاولة الصين لتأمين الاستقلال السيادي في العالم الرقمي الجديد)، غير من قواعد الاشتباك، ونقلها من التنافس على جزر بحر الصين الى المصانع التايوانية، التي تنتج رقائق بحجم 5 نانومتر، وادخل سلاسل امداد السيلكون كشريان جديد للمستقبل، وادخل مفهوم قوة السيطرة على التقنيات والمعادن اللازمة لإنتاج الرقائق بجانب مفهوم قوة السيطرة العسكرية. ان ما يجري في وادي السيليكون الأمريكي ودرع السيليكون الصيني، جعل العالم يقف على مفترق طرق تكنولوجي، تؤدي الى تشكيل نظام تكنولوجي مزدوج، لكل منهما خرائطه الخاصة للنفوذ والهيمنة ويعيد تشكيل الجغرافيا السياسية، التي كانت تقوم على من يملك الممرات البحرية أو الاحتياطيات النفطية وغيرها، لندخل فيها الى عصر الجيوسيلكون، راسماً جيواستراتيجية جديدة تكتب بالرمال النقية (ستظهر خريطة عالمية جديدة تُرسم فيها الحدود بالنانو والبت)، وفارضةً واقعاً جديداً على الدول الصغيرة باختيار احد المعسكرين التكنولوجيين (الحياد اصبح في خطر) ومهدداً سيادة الدول الرقمية. ان هذه المعادلة، تجعل من السليكا، تلك الحبيبات الرملية، مفتاحًا للسيادة الرقمية والاقتصادية، وهي التي يمتلك الأردن منها مليارات الاطنان والتي درست بدقة فائقة خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي من قبل المرحوم يوسف النمري واخرون ومن قبل جهات المانية مثل Federal Institute for Geoscience and Natural Resources في تقريرهم التفصيلي لعام 1980 (راس النقب وقاع الديسة والبيضاء وغيرها) وبينت ان درجة النقاوة لبعض العينات تصل الى 99.65℅ في راس النقب (هناك تقارير أخرى، بينت ان متوسط النقاوة 99 ℅)، وما زلنا نجري الدراسات، حيث بين معالي وزير الطاقة بان نقاوة السليكا تزيد عن 99.9 ( نتائج العينات المرسلة لمختبرات نورث كارولينا (North Carolina) مؤخرا، تشير الى ان نقاوة السليكا لبعض العينات وصلت الى 99.97℅، الا ان الوزارة مازالت تدرس العروض المقدمة من مختبرات (Anzaplan) الألمانية و(Sinonine) الصينية (حسب المعلن في الاعلام بتاريخ 27/3/2025)، وسأتحدث عن السليكا كأحد روافع الاقتصاد الأردني المستقبلي بمقال خاص لاحقاً.

المعادن الاستراتيجية والنادرة تعيد رسم الخارطة الجيوسياسية
المعادن الاستراتيجية والنادرة تعيد رسم الخارطة الجيوسياسية

وطنا نيوز

time٢١-٠٤-٢٠٢٥

  • أعمال
  • وطنا نيوز

المعادن الاستراتيجية والنادرة تعيد رسم الخارطة الجيوسياسية

البرفسور عبد الله سرور الزعبي مركز عبر المتوسط للدراسات الاستراتيجية استكمالاً للجزء الرابع من المقال، سنتحدث عن الولايات المتحدة (أكبر مستهلكي العناصر النادرة)، والتي تنبهت لتوسع الصين في الاستثمارات على الساحة الدولية، وسيطرتها على مدخلات الصناعات الحديثة، فسعت الى تعزيز استثماراتها العالمية، بما فيها قطاع التعدين، كجزء من استراتيجيتها لاستعادة نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي. تشير تقارير مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي (BEA)، بان الاستثمارات المباشرة لأمريكا بلغت حوالي 5.4 تريليون دولار (2023) في أوروبا وكندا وآسيا وغيرها. تركزت الاستثمارات الامريكية في التركيز على المعادن الاستراتيجية والنادرة، فسارعت للمحادثات مع الكونغو الديمقراطية للحصول على حقوق الاستكشاف فيها (على حساب النفوذ الصيني هناك)، مقابل تقديم الدعم لحمايتها من الجماعات المسلحة. وتعمل جاهدة للحصول على غرينلاند بسبب وفرة احتياطاتها من المعادن النادرة ولموقعها الجيواستراتيجي الذي يمكنها من تعزيز نفوذها في القارة القطبية الشمالية لتضمن السيطرة على موارد العالم في المستقبل (في ظل الأوضاع الدولية، من المحتمل انها ستحصل عليها او على الأقل ستزيد من نفوذها في غرينلاند بشكل كبير). تسعى امريكا لتعزيز وجودها في الحصول على معادن أوكرانيا، كجزء من استراتيجيتها لتحقيق مصادر المعادن الضرورية لأمنها القومي (وستحصل عليها اجلاً ام عاجلاً). تعمل أمريكا على تعميق علاقاتها مع الهند في القطاعات المختلفة (لمحاصرة النفوذ الصيني في شرق اسيا وتعزيز النفوذ الهندي (على الرغم من ان الصين والهند أعضاء في مجموعة البريكس)، وفجاءة تجد الهند نفسها امام فرصة ممتازة قد لا تتكرر (مع وجود صعوبة للمحافظة على التبادلات التجارية مع الصين، تبلغ 136 مليار دولار لعام 2023، وتعتمد الكثير من الشركات الهندية على سلاسل الامداد الهندية لصناعاتها)، يضاف الى ذلك المباحثات الامريكية المكثفة مع فيتنام، الغنية في المعادن النادرة للوصول الى اتفاق. أصبحت أمريكا مهتمة بالتعاون مع روسيا (بعد العرض الروسي للاستثمار في معادنها وهي الغنية فيها، وهل العرض لمعادن أراضي الدونباس الأوكرانية ام كافة الأراضي الروسية؟)، بهدف اضعاف العلاقات الروسية الصينية والتوسع في السوق الروسي كبديل عن الصيني (روسيا تسعى لإضعاف العلاقة الامريكية الأوروبية) ان استراتيجية أمريكا بالعودة الى المنافسة، جاء بقرار سياسي قوي، بسبب نقص الامدادات للمواد الخام الضرورية لصناعاتها التكنولوجية (اكتشفت ضعفها البنيوي في سلاسل الامداد)، المتفوقة فيها، فبادرت لتقديم دعم مالي غير مسبوق (مليارات الدولارات من قانون CHIPS & Science Act) لتطوير مناجمها في كاليفورنيا، والاستثمار في نتائج ابحاث جامعة تكساس التي بينت أن رماد الفحم في امريكا يحتوي على 11 مليون طن من المعادن النادرة، وانشاء مصفاة لاستخراج وفصل المعادن النادرة (تحتاج الى بضع سنوات لإنجازها) والابتكار في إعادة تدوير النفايات الإلكترونية. أمريكا، اتخذت قراراً بالمباشرة في استخراج المعادن من قاع المحيط (لتأمين مصادر موثوقة)، رغم التحديات الفنية، والقانونية والبيئية، والجيوسياسية، معتمدة على الدراسات المتوفرة من دائرة المساحة الجيولوجية والدراسات الجيولوجية والجيوفيزيائية الصادرة عن معهد ودز هول للمحيطات (Woods Hole Oceanographic Institution، تشرفت للعمل فيه كحاصل على منحة الفولبرايت 2000-2001، حيث قمت بدراسة حوض البحر الميت والقباب الملحية)، والتي تتشير الى ان ثروات المحيط تفوق بشكل كبير الثروات الموجودة في اليابسة، وسيكون التركيز على معادن النيكل والكوبالت والمنغنيز والمتواجدة على شكل عقد معدنية (Poly-metallic Nodules) في المنطقة (Clarion-Clipperton) الواقعة بين هاواي والمكسيك وكذلك في المحيط الهندي والهادي (على الرغم من عدم وجود ترخيص لديها من المنظمات الدولية (الصين سبق وان حصلت على 5 تراخيص للقيام بعمليات الاستكشاف البحري). على الرغم من كل الإجراءات الامريكية، الا انها تواجه مشكلة في البطء بتنفيذ المشاريع، والاعتماد على الصين في عملية تكرير المعادن النادرة حتى تاريخه، وبعض سلاسل الامداد الحرجة، الا انها على المدى المتوسط والبعيد (خلال عقدين من الزمن)، لديها فرصة لاستعادة التوازن (إذا نجحت في تطوير سلسلة إمداد مستقلة من خلال بناء التحالفات) وتنويع مصادر الاستيراد من أستراليا، وماليزيا، وفيتنام وغيرها، وتسريع تطوير تكنولوجيا تعدينية توازي الصينية. كما ان أمريكا باشرت في استثمار 5 مليار دولار لبناء سلاسل امداد مستقلة لتامين المعادن النادرة (عن طريق المحافظة على تحالفاتها مع أستراليا، كندا، والاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا وغيرها من الدول) وفي اعمال البحث والتطوير، بهدف تحقيق استدامة سلاسل الامداد المعدنية لصناعاتها المتفوقة بها على بقية الدول. دول الاتحاد الأوروبي، والتي تراجع دورها الاستراتيجي نسبياً، بسبب الازمات الداخلية لها والإقليمية، واعتمادها لسنوات للحصول على احتياجاتها من موارد الطاقة والمعادن، على روسيا وأمريكا والصين (الدول المحورية)، وضعت استراتيجية للحصول على المعادن بخطة استثمارية بـ 6 مليارات يورو لدعم الاستخراج المحلي والتكرير ضمن مبادرة 'Raw Materials Alliance' والاستثمار في عمليات التدوير والطاقة المتجددة، ومنافسة أمريكا على ثروات أوكرانيا. ان نقص الموارد اللازمة للإنتاج الصناعي في دول الاتحاد الأوروبي، جعلها تجد صعوبة بالغة في خلق حالة مقبولة من التوازن مع النفوذ الأمريكي ومواجهة النفوذ الصيني والروسي المتصاعد، وأصبحت تشعر بان هناك تهديد مباشر لأمنها، الامر الذي جعل دورها أقل تأثيراً في معادلات القوة الجيواستراتيجية العالمية في الوقت الحالي، مما يفرض عليها إعادة ترتيب بيتها الداخلي لضمان امنها والبقاء على خارطة المنافسة الجيواستراتيجية الدولية، كما كانت قبل عقود. اليابان، تقدر احتياجاتها من المعادن النادرة بحوالي 40 ألف طن سنوياً (تستورد 90℅ من الصين)، وكوريا الجنوبية، تستورد حوالي 30 ألف طن (80% منها من الصين)، وتايوان، تحتاج حوالي 15 ألف طن سنويا (تأتي من الصين)، الا ان هذه الدول ومنذ أكثر من عقد من الزمن توجهت الى الهند وأستراليا وفيتنام، وتوسعت في اعمال إعادة تدوير النفايات الاليكترونية. كما ان اليابان وكوريا الجنوبية اعدتا استراتيجية لاستثمار 3 مليار دولار في دول افريقيا وامريكا اللاتينية لمحاولة ضمان مصادر مستدامة للمعادن الاستراتيجية والنادرة بدلاً من المصادر الصينية (الا انها ستبقى تعتمد على سلاسل الامداد الخارجية). لن نتحدث عن السيلكون عالي النقاوة (يستخدم في صناعة أشباه الموصلات، والطاقة المتجددة والالياف الزجاجية وغيرها الكثير) والمستخرج من الصين وامريكا وروسيا والبرازيل، بشكل رئيسي. ان الصراع على المعادن النادرة أصبح أحد أهم محاور التنافس الجيوسياسي بين الدول، وخاصة امريكا والصين، ومع انطلاق شرارة الحرب الباردة الجديدة، التي دفعت الصين لفرض قيوداً على تصدير 7 من معادنها النادرة (مما سيشكل ازمة كبيرة للشركات الامريكية المصنعة للطائرات والرقائق والتوربينات والمغناطيسات والأجهزة الطبية والطاقة المتجددة وغيرها، ما لم يكن لديها مخزون يكفيها للسنوات القادمة) والتي تعد العمود الفقري لهذه الصناعات. ان الصراع على المعادن، لم يعد مجرد سباق اقتصادي، بل معركة حقيقة للفوز بالسيطرة الصناعية والتكنولوجية للعقود القادمة، وهذا يعكس تحولًا جيواستراتيجياً يمزج ما بين الاقتصاد والتكنولوجيا والسياسة، ومن يمتلك اليد العليا في هذا السباق، سيمتلك مفاتيح القوة للعقود المقبلة، ويصبح لاعب رئيسياً في التحولات الحاصلة في موازين القوى الجيوسياسية هذا العقد، والتي ستعيد هندسة الجيواستراتيجية العالمية والنظام العالمي القادم. كنتيجة للصراع على المعادن والحرب التجارية، تبرز التسأولات، هل من الممكن ان نرى ان بعض الدول ستخفق في المحافظة على وجودها كقوى عالمية مهيمنة او كدول؟ اوهل من الممكن ان نرى تبدل في مواقع بعض الدول الارتكازية في العالم؟، ام اننا سنرى نتائج ما اشار اليه دايموند من اسباب تؤدي الى إخفاق الحضارات وانهيار الأمم، ومنها وجود جيران عدائيين (احد نقاط قوة أمريكا، منذ البداية، لم يكن لديها جيران اقويا يهددون وجودها، وهل ستبقى كندا تنظر اليها كحليف موثوق) وفقدان الشركاء التجاريين (هذا ما يخيف العالم اليوم بسبب الحمائية التجارية)، والاضرار بالنظام البيئي (التعدين في قاع البحار والقارة القطبية الشمالية وغيرها) والتغيرات المناخية وانهيار المنظومة الثقافية (عدم قدرة المجتمع على التفاعل مع المشاكل المحيطة به) وفقدان القيادة. ام اننا سنرى إجابة على اسئلة غاردلز، حيث تسأل، هل من الممكن ان تحقق الدول اية طفرة قبل انهيارها؟ أو هل يتطلب الأمر وجود أزمة لكي يتحرك العقل العالمي لاحتوائها (ونضيف هل من الممكن ان تحتكم الدول للمنظمات الدولية، كمنظمة التجارة العالمية لرسم مسار جديد للعمل الدولي المستقبلي وتشكيل جبهة مشتركة للتعاون لمواجهة التحديات، التي تهدد الاقتصاد العالمي والبشرية) او هل من الممكن ان نرى تحالفات تقنية جديدة اخرى (دول كبرى مع دول نامية) تعمل على نقل التكنولوجيا المتطورة مقابل المعادن النادرة، وانشاء صندوق عالمي لضمان سلامة سلاسل التوريد العالمية. ان التخوف الحقيقي من ان يودي الصراع على المعادن النادرة الى تقسيم العالم، الى عالم يحتاجها وعالم يسيطر عليها تقوده الصين، التي بدأت تتحرك بسرعة في دول شرق اسيا وعلى المستوى الرئاسي، وفي حال نجحت الصين في تعزيز تحالفها مع روسيا وفيتنام ودول شرق اسيا والمحافظة على نفوذها في افريقيا ستكون أمريكا في وضع صعب الى حد ما، ما لم تستخدم أمريكا وحلفائها الضغط الكافي بعدم السماح لدول شرق اسيا او الاتحاد الأوروبي ان تبقى محايدة، وانه ليس امامها الا المتبقي من ال 90 يوماً (التي حددها الرئيس ترامب) لتحديد موقفها، بما فيها بعض الدول العربية، وبذلك سيبقى العالم يحبس أنفاسه حتى تتضح له معالم النظام العالمي الجديد. مؤكدين، كما هي زحزحة القارات (Plate Tectonics) مستمرة في الحركة وتعيد تشكيل الأرض، فان المواقع الجيوسياسية للدول ليست ثابتة وتتبدل، وان الامن الاستراتيجي للدول يعتبر اهم من كل اعتبار لمن يستطيع المحافظة علية في هذه المرحلة الحرجة لمستقبل الشرية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store