logo
#

أحدث الأخبار مع #البستان2020

اعترافات بيتهوفن (8 من 8)
اعترافات بيتهوفن (8 من 8)

النهار

time١٧-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • النهار

اعترافات بيتهوفن (8 من 8)

إِنه نصٌّ فرنسيٌّ للكاتب اللبناني الفرنكوفوني المحامي اسكندر نجَّار، كان صدر كتابًا في بيروت لدى منشورات L'Orient des livres. تمَّ إِطلاقُهُ ضمن "مهرجان البستان 2020" في الاحتفاليةٍ الخاصة: "أُمسيات باريس"، على "مسرح إِميل البستاني" مساءَ الأَربعاء 26 شباط/فبراير 2020 بأَداء الممثِّل الفرنسي جان فرنسوا بالمير Balmer قراءةً النص، وعبدالرحمن الباشا عزفًا على الـﭙـيانو. ومساء التاسع من آب/أغسطس 2022، تَمَّ إطلاقُ النص بالعربية على مسرح "مونو" – الأَشرفية، بأَداء الممثل بديع أَبو شقرا قراءةً النص، والفرنسي نيكولا شوڤرو Chevereau عزفًا على البيانو. وصدرَ النص العربي كتابًا لدى "منشورات سائر المشرق". اقتطفْتُ من تلك "الاعترافات" مقاطعَ موجزةً على 8 حلقات مختَصَرة. وهنا الحلقة الثامنة (الأَخيرة). ها أَنا تاركٌ للخلود بعدي أَعمالًا تُشبهني. كنتُ خصيبًا كثيرًا كأَعمالي. كنتُ سنديانةً لا تهتزُّ ولا تُقْتَلَع مهما تُهاجمها عواصفُ الخصومة. وكما في موسيقاي، اختَرَقَتْني لحظاتُ حُزنٍ وحركاتُ أَمَل، ومثل موسيقاي عرفتُ لحظاتِ حنانٍ لامتناهيةً كانت عزاءً بلسمَ عذاباتـيَ الصمَّاء. لَـم أَتزوَّجْ ولا تركتُ عقِبًا. لكنَّ مؤَلّفاتي هي أَولادي، وستنتقل من جيلٍ إِلى جيلٍ وتنشر الجمال بَعدما أَكونُ غادرتُ هذا العالَـم. أَمضيتُ حياتي أُؤَلِّفُ ما يُطلَبُ مني. وسأَبقى حيًّا في مؤَلّفاتي التي تُؤَمِّن لي الخلود، وتُداويني من ظُلْم القدر، فتُعوِّض لي حُزنَ حياتي اليوم حياةً متَوَّجَـةً بالـمجد غدًا. في حياتي، لم يفهَمْني أَبي، ولا فهِمَتْني النساء، ولا استوعبَني مَن انزعجوا من طبعِيَ النَزِقِ الغَضوب. عزائي أَنَّ مؤَلَّفاتي تُـهديني حبًّا سوف يتقاسمه بعدي ملايينُ مُـحبّي الـموسيقى. لـم أَكُن ثرثارًا في سرد اعترافاتي (خلال الحلقات السبع الماضية)، لكنني كنتُ فيها مُـخْلِصًا. وإنني لا أَستجْدي إِعجابَ أَحد ولا شَفَقةَ أَحد. وحدَه تَسَامُحُكم يكفيني. قولوا أَنْ لستُ أُسطورةً، بل كائنٌ من لـحمٍ ودم. قولوا أَنْ لستُ إِنسانًا متفوِّقًا بل عاديٌّ. إِنسانٌ اسـمُه بكل بساطة: لودْﭬِــيك ﭬَـان بيتهوﭬِـن!

اعترافات بيتهوفن ( 7 من 8)
اعترافات بيتهوفن ( 7 من 8)

النهار

time١٣-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • النهار

اعترافات بيتهوفن ( 7 من 8)

إِنه نصٌّ فرنسيٌّ للكاتب اللبناني الفرنكوفوني المحامي اسكندر نجَّار، كان صدر كتابًا في بيروت لدى منشورات L'Orient des livres. تمَّ إِطلاقُهُ ضمن "مهرجان البستان 2020" في الاحتفاليةٍ الخاصة: "أُمسيات باريس"، على "مسرح إِميل البستاني" مساءَ الأَربعاء 26 شباط/فبراير 2020 بأَداء الممثِّل الفرنسي جان فرنسوا بالمير Balmer قراءةً النص، وعبدالرحمن الباشا عزفًا على الـﭙـيانو. ومساء التاسع من آب/أغسطس 2022، تَمَّ إطلاقُ النص بالعربية على مسرح "مونو" – الأَشرفية، بأَداء الممثل بديع أَبو شقرا قراءةً النص، والفرنسي نيكولا شوڤرو Chevereau عزفًا على البيانو. وصدرَ النص العربي كتابًا لدى "منشورات سائر المشرق". سأَقتطف من تلك "الاعترافات" مقاطعَ موجزةً على 8 حلقات مختَصَرة. هنا الحلقة السابعة (قبل الأَخيرة). كارل ابنُ أَخي جُرحٌ بليغٌ آخَرُ في اعترافاتي، يَعصُر قلبي كلَّما أَتذَكُّرُه: علاقتي بــكارل، ابنِ شقيقيَ الأَوسط غاسبار الذي مات فجأَةً عن 41 سنة (1774-1815). كان، في سنواته الأَخيرة، عَهَد إِليَّ بأَن أَكُون وحدي وصيًّا على وحيده كارل، لكنه قبيل وفاته قرَّر تعيينَ زوجته جوانَّا شريكةً لي في الوصاية. بصفتي وصيًّا على كارل، وحيال سُوء السلوك لدى أَرملة أَخي، خِلتُ أَني أَستطيع أَن أَحضُنَه وأَهتمَّ به وحدي. كنتُ في حماستي أَرى في كارل وَلَدي الذي لم أُرْزَقْهُ. وتمنّيتُ أَن أَجعلَ منه الـمُبدع الـمُبْكر كما كانَ موزار، وفي بالي أَنني أَقوم بما كان يريده لي أَبي في طفولتي. مارستُ على أُمِّه ضغوطًا قاسية أَعترف أَنني مارستُ عليه امتلاكيةً مَرَضية ضاغطة. كنتُ بغُروري أَدَّعي أَن أَكون له ﭘـيغماليون، إِنما لم تكُن له أَيُّ مهارةٍ، ولا أَيُّ رغبةٍ أَن يصبحَ عازفَ ﭘـيانو ماهرًا. عاندتُ. رفعتُ دعوى على أُمه متهمًا إِياها في الـمحكمة لأَحرُمها من الوصاية وأَمنعَها من رؤْيته. اِتّهمتُها بالخيانة الزوجية، وبالتسميم لزوجها، وبجرائمَ أُخرى اختَلَقْتُها زُورًا يـمنعني الخجل من ذكرها هنا. سـمَّيْتُها "ملِكة الليل"، لأُثبتَ أَنْ لا خصالَ أَخلاقيةً لها كي تربّـِي ولَدها. ربما كان يمكن أَن أَنجحَ في رعايته وحدي، من دون اتهام أَرملة أَخي لو أَنها انصاعت، لكنَّ عنادَها الشَرِس أَرغمَني على مواجهتها خمس سنوات متتالية في الـمحكمة. وبفضل علاقاتي مع المسؤُولين، ربحتُ الدعوى، ونلتُ رعاية الولد وحدي. ولا أَنسى، لحظة صدور الحكْم، نِظْرةً مُـخيفةً في عينَي جُوانَّا، امتزجَ فيها اليأْس والحقد، الضِيقة والثورة. كان عازفًا بليدًا برغم انشغالاتي وإِعاقتي، تبنَّيتُ وحدي تربية ابن أَخي. رسائلي إِليه، وهو في المدرسة الداخلية، كنتُ أَبدأُها بعبارة "ولَدي الحبيب"، وأُوقِّعها بعبارة "أَبوكَ الطيِّب الـمُخْلص". وكما الـمروِّضُ يَلجُم حصانه، كنتُ أَستعيدُه المعزوفةَ ذاتها عشرات الـمرّات حين أُعطيه درس العزف، عاجزًا بسبب صمَمي عن تقدير مستوى عزْفه. كنتُ أَظُن أَن الـمثابرة الـمتواصلة معه قد تؤَدّي به إِلى مستوى الإِبداع. لـم أَتنبَّه إِلى أَن الـموهبة لا تتكوَّنُ ولا تنمو بأَمْرٍ من أَحد. كان كارل عازفًا مواظبًا، صحيح، إِنما بلا مهارة. لكنني أَصمَمْتُ عنه، وهنا التعبير عن الصمَم في محلّه، مدفوعًا برغبتي أَن أَراه يحمل الشعلة من أُسرة بيتهوﭬـن. يتجنَّب السير حدّي كان قليلَ التهذيب، كثيرَ الـمعاشرات السيئة، متواصلَ الاستدانة، دائمَ العُقوق تجاهي، رافضًا حتى السيرَ حدِّي متحجِّجًا بــ"مظهري الـمـجنون". لم أَرَ، بل لم أَشأْ أَن أَرى، كيف لا تستهويه الموسيقى. وحين باح لي يومًا أَنه يهوى الأَحصنة، ويحلم بأَن ينضمَّ إِلى سلاح الفرسان، انفجرْتُ ضاحكًا. ظننتُ أَنه يمزح. ذات صباح، بلا أَيِّ إِشارة مُسْبَقة، هرَب من بيتي، عابرًا شوارعَ ﭬـيينَّا إِلى قلعة رَاوْهِنْشْتَايْن (قلعةٌ مهجورة خَرِبَة يعود بناؤُها إِلى القرن الثاني عشر) في بادِن (مدينةٌ نـمساوية على 26 كلم جنوبـيَّ ﭬـيينا) حيث اعتدْنا أَن نتنزَّه. هناك، وسط الخراب، استلَّ مسدّسًا، وجَّهَهُ إِلى صدغه وضغَط على الزناد. لكنَّ الطلقة حادَت قليلًا، وأُعجوبيًّا لَـم يُصَب إِلَّا بِـجرحٍ فقط في جبينه. ولاحقًا صرَّح: "فَلْيَكُفَّ عمِّي عن إِزعاجي باتّهاماته وتَذَمُّراته. أَمسيتُ أَسوأَ، لكثرة ما يريدني أَن أكون أَرادني أَفضل". كارل بيتهوفن رجلًا: تحرَّر من ضغوط عمِّه المجنون كاد ينتحر بسببي محاولةُ الانتحار هدَّتْني: كدتُ أُسبِّب موتَ مَن كنتُ أَعتبرُه ولدي! أَخيرًا تراجعتُ نادمًا فتحرَّر كارل من قبضتي وراح يعيش مع أُمه، ملتحقًا بالخدمة العسكرية في إِيغلو) مدينةٌ تشيكية، على 122 كلم جنوبي شرقي العاصمة ﭘْـــراغ(. آخرُ ما وصلني منه: صورة له بالبزَّة العسكرية، وعلى جبينه خصلةُ شَعرٍ تُـخفي الجرح في جبينه. في تلك الصورة ما يختصر ابنَ أَخي: تَـخَـلِّـيه عن عالَـم الـموسيقى، وفي جبينه أَثَرٌ بالغٌ عن عملٍ بائسٍ قام به، سبَبُهُ إِصراري على أَن أَجعلَ منه مبدعًا لَـم يكُن يريد أَن يَـكونَه.

اعترافات بيتهوفن (5 من 8)
اعترافات بيتهوفن (5 من 8)

النهار

time٠٧-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • النهار

اعترافات بيتهوفن (5 من 8)

إِنه نصٌّ فرنسيٌّ للكاتب اللبناني الفرنكوفوني المحامي اسكندر نجَّار، كان صدر كتابًا في بيروت لدى منشورات L'Orient des livres. تمَّ إِطلاقُهُ ضمن "مهرجان البستان 2020" في الاحتفاليةٍ الخاصة: "أُمسيات باريس"، على "مسرح إِميل البستاني" مساءَ الأَربعاء 26 شباط/فبراير 2020 بأَداء الممثِّل الفرنسي جان فرنسوا بالمير Balmer قراءةً النص، وعبدالرحمن الباشا عزفًا على الـﭙـيانو. ومساء التاسع من آب/أغسطس 2022، تَمَّ إطلاقُ النص بالعربية على مسرح "مونو" – الأَشرفية، بأَداء الممثل بديع أَبو شقرا قراءةً النص، والفرنسي نيكولا شوڤرو Chevereau عزفًا على البيانو. وصدرَ النص العربي كتابًا لدى "منشورات سائر المشرق". سأَقتطف من تلك "الاعترافات" مقاطعَ موجزةً على 8 حلقات مختَصَرة. هنا الحلقة الخامسة. فشلي مع نساء (الجزء 2 من 2) بعد تريز برونشفيك وشقيقتها جوزفين، غازلتُ جولـيــيــتَّــا جوكياردي (نمساوية (1782-1856) درسَت الـﭙـيانو على بيتهوﭬـن سنة 1801. أَحبَّها ووضَع لها "سوناتا الـﭙـيانو رقم 14" التي اشتهرَت لاحقًا بـ"سوناتا ضوء القمر"). لم تتجاوب معه، وتزوَّجَت سنة 1803 من البارون روبرت ﭬـون غالِنْبُرغ). وهي كونتيسة صبية، ملَكية الـمِشية، زرقاويةُ العينَين، كنتُ أُلقِّنُها العزف على الـﭙـيانو. صدَّقتُ تلك العلاقة لإِعجاب جولييتّا بـي. كانت ترسُمني، وأَهدتْني يومًا رسمًا لها ما زلتُ أَحتفظ به. سحرَتْني أُنوثتُها فأَهديتُها سوناتا "الفانتازيا". لكنَّ فارق الطبقة الاجتماعية بيننا، واختبارَها مزاجيَ الغَضوبَ الذي كان يدفعني إِلى تمزيق أَو دَوْس مخطوطاتي حين لا تُـحْسِنُ عزفَها، جعلاها تُشيح عني، وتتزوَّج من الكونت غالِـنْـبُرغ، بعدما تجرَّأَتْ أَن تستدين مني خمسمئة فلورينة كي تعطيها ذاك التعِسَ التافهَ لـحاجته إِليها. الكونتيسة إِردودي وعرفتُ أَيضًا الكونتيسَّة آنَّا ماريَّا إِردُودي (نبيلةٌ هنغارية (1779-1837). تزوَّجَت سنة 1796 من الكونت ﭘـيتر ﭬـون إِردودي. أَنجبت له ثلاثة أَولاد. انفصلَت عنه سنة 1805. عاشرَت من دون زواجٍ مدرِّس أَولادها فرانز كزافير بروخْل. اِستضافَت بيتهوﭬـن في قصرها سنتَي 1808 و1809 في ﭬـيينا. أَهداها ثُلاثيَّتَين للـﭙـيانو، ومقطوعَتَين للتْشِلُّو). وهي عازفةً ممتازة ، تركَها زوجها باكرًا، وأَصابتْها إِعاقةٌ دائمة استقرَّت بعدها في كْرُوَاتيا حيث تعلَّقَت مدرِّبَها على ركوب الخيل، وكان غريب الشخصية أَوقعها في إِدمان الأَفيون. بعدها كانت إِليونور ﭬـون بْرونِنْغْ، ولقبُها "لورْشِنْ" (قد تكون أَول امراة أَحبَّها بيتهوﭬـن. وهي (1771-1841) من أُسرة ٍكانت تحنو عليه وتساعده. أَهداها سُوناتا للـﭙـيانو رقم 51. غادرَت بُونّ سنة 1792. تزوَّجَت سنة 1802 من صديق طفولته فرانز غيرهارد ويغلر). غافلتني، كما في مسرحيةٍ هزلية، وارتمَت في حضن صديقيَ الأَقرب وِغْلِر (طبيبٌ أَلـمانـيٌّ شهير، صديق بيتهوﭬـن منذ الطفولة). الشقيقتان بْرنْتانو ثم كانت الشقيقتان أَنطونيا وبيتّينا برنْتانُو. (أنطونيا مُـحسنةٌ أَلـمانية وداعمةُ فنون (1780-1869). في التداوُل أَن رسالة بيتهوﭬـن "إِلى الحبيبة الـخالدة" كتبَها لها. وهو أَهداها متتاليات "تنويعات للـﭙـيانو" وضَعها بين 1819 و1823). وبيتّينا (روائية أَلـمانية (1785-1859). كانت صديقةً لبيتهوﭬـن. تزوَّجَت سنة 1811 من الشاعر الرومنطيقي آكيم ﭬـون آرنيم وأَنجبَت له سبعة أَولاد. توفي سنة 1831، وأَبقَت على علاقتها بالشاعر غوته ونشرَت سنة 1835 كتاب "رسائل بين غوته وصبيَّة" هي التي تبادلاهُـما طيلة سنوات). كثيرات... ولا واحدة عرفتُ غيرهنَّ، وكُنَّ جميلاتٍ ساحراتٍ لا تُـحصيهِنَّ ذاكرتي. طالـما توغّلْتُ بعيدًا في اعترافاتي، وأُقِرُّ بأَنني، في 6 تـموز/يوليو 1812، كتبتُ رسالةً لاهبةً صريحةً، أُوردُ منها هنا مقطعًا مع اعتذاري على غنائيّتي الزائدة فيها: "حبيبتي الخالدة، منذ أَفتحُ عينيَّ في سريري تتهافتُ أَفكاري إِليكِ. تبدأُ مزقزِقةً فرَحًا ثم تنحسرُ حزنًا. أَرجو القَدَر أَن يكون رحيمًا بنا. لم أَعُد يمكنني أَن أَعيشَ إِلَّا معكِ باستمرارٍ أَو أنني لا أَعيش. حبُّكِ جعلَني أَسعدَ إِنسان وأَتعس إِنسان". هذه الرسالة، كأَنما يكتبُها مراهقٌ متردِّدٌ راجفٌ، لم أَجرؤْ على إِرسالـها إِلى "حبيبتي الخالدة". ولا بدَّ أَنها ستُثير استغراب مَن سيجدُها بين أَوراقي بعد موتي. سيتساءَل حتمًا لِـمَن كتبْتُها، وسوف يَغرق في التخمينات، وسيُجْري استقصاءات بلا جدوى، أَسخَر منها منذ الآن، لأَنه لن يعرف أَنني كتبتُها لِـمُوحِياتٍ كثيراتٍ أَلْـهَمْنَني ونساءٍ فشلتُ في حبِّهِنَّ. حياة فاسقة اليوم، بعد إِخفاقي وخيباتي في علاقاتٍ فاشلة، أُعلنُ أَنني شُفيتُ من آخر أَوهامي. فكما استقلْتُ من صحَّتي، كذلك استقَلْتُ من الحبّ. رحتُ أَتردَّد على الحانات، وأُعاشر بناتِ الهوى، تلك "العَمارات الـخَرِبة" اللواتي أَعرفُ أَنهنَّ لن يُعلِّلْنَني بآمالٍ كاذبة، ولن أَقع في حبِّهنّ. فأَنا موقنٌ أَنْ "من دون اتـّحاد الأَرواح، تبقى حيوانيةً نشوةُ الـحواسّ، ولا تترك لنا أَيَّ شعورٍ بالطبيعة السامية. بل لا تتركُ فينا سوى الندم". أَشْـمئزُّ مني على انزلاقي بلا رادعٍ إِلى تلك "الأَماكن الـمُوحِلة"، لكنَّ لِـجسدي حاجاتٍ لا يعرفها قلبي. وحدها باقية لي: الموسيقى أَعرف أَنْ سأَموتُ وحيدًا بلا حُبّ، كما غاليليو قبلي: هو الأَعمى وأَنا الأَصَمّ. لا عزاءَ وحيدًا لي إِلَّا الموسيقى. هي هَدْهَدَتْني، وهي أَنقَذَتْني من الانتحار. وحدَه الفنُّ خلاصي. ولن أُغادرَ هذا العالَـم قبل أَن أُطْلع مني كلَّ ما أُحسُّه يَنبُض بي. لذا تبقى الـموسيقى أَصدَقَ رفيقاتي، وأَسـماهُنَّ على الإِطلاق!

اعترافات بيتهوفن (4 من 8)
اعترافات بيتهوفن (4 من 8)

النهار

time٠٣-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • النهار

اعترافات بيتهوفن (4 من 8)

إِنه نصٌّ فرنسيٌّ للكاتب اللبناني الفرنكوفوني المحامي اسكندر نجَّار، كان صدر كتابًا في بيروت لدى منشورات L'Orient des livres. تمَّ إِطلاقُهُ ضمن "مهرجان البستان 2020" في الاحتفاليةٍ الخاصة: "أُمسيات باريس"، على "مسرح إِميل البستاني" مساءَ الأَربعاء 26 شباط/فبراير 2020 بأَداء الممثِّل الفرنسي جان فرنسوا بالمير Balmer قراءةً النص، وعبدالرحمن الباشا عزفًا على الـﭙـيانو. ومساء التاسع من آب/أغسطس 2022، تَمَّ إطلاقُ النص بالعربية على مسرح "مونو" – الأَشرفية، بأَداء الممثل بديع أَبو شقرا قراءةً النص، والفرنسي نيكولا شوڤرو Chevereau عزفًا على البيانو. وصدرَ النص العربي كتابًا لدى "منشورات سائر المشرق". سأَقتطف من تلك "الاعترافات" مقاطعَ موجزةً على 8 حلقات مختَصَرة. هنا الحلقة الرابعة. فشلي مع النساء (الجزء 1 من 2) هل أَحبَبْنَني فعلًا كرجُل؟ أَم تَوَهَّمْن ذلك فيما أَحبَبْنَ موسيقاي؟ حياتي العاطفية كلُّها هدَمَتْها الـخلافات وتصرُّفاتي النَزِقة. كانت النساءُ معجَبَاتٍ بي مؤَلِّفًا، من دون أَيِّ تعلُّقٍ بي رجُلًا كنَّ ينظرن إِليه شنيعًا، متعجرفًا، متسلِّطًا، سيِّئَ الـمعاشرة. كنتُ أُحاول تغطيةَ عيوبـي بـجمال موسيقاي، وأَهديتُ مقطوعاتٍ كثيرةً إِلى فتياتٍ كنتُ أُريد اجتذابـهنّ. لكني فشِلْتُ في كل ذلك. الحاجة إِلى الحب لكلِّ فنانٍ حاجةٌ إِلى حبٍّ غامرٍ وإِحاطةِ حنان، كي يهنأَ ويُــبدع. وهكذا أَنا: أَجثو لسُلطة الـحُبّ وأُحبُّ النساء الجميلات. لدى مرور إِحداهنَّ في الشارع أَستديرُ إِليها، أَتقصَّاها بنظاراتـي غير عابئٍ بـهُزءِ صديقي فردينان (هو فردينان رايس (1784-1838) مُؤَلِّفٌ موسيقيٌّ وأُستاذُ ﭘـيانو. تلميذ بيتهوﭬـن في العزف وكان لفترةٍ سكرتـيرَه. وسنة 1838 أَصدر عنه كتابَ مذكّراتٍ جامعًا بمشاركة صديق آخَر لبيتهوﭬـن: الطبيب فرانز ويغلر). كثيرًا ما ردَّدتُ أَنْ "وحدَه الـحُبُّ يـجعل الـحياةَ أَكثرَ سعادةً"، وضرعتُ إِلى الله كي يُساعدني "أَن أَجِدَ المرأَة التي تُنصِّعُ فضائلي فيتيح لي الله أَن تكون حبيبتي". ولهذه الحاجة بي، وضعتُ موسيقى "إِلى الحبيبة النائية" على نصٍّ للشاعر آلُوْيِــيْـس إِيزيدُور جِيْتْلِسّ (هو طبيبٌ وصحافيٌ و كاتبٌ نـمساوي (1794-1858). أَصدرَ سلسلةَ قصائد بعنوانٍ واحد: "إِلى الحبيبة النائية"، وضَع بيتهوﭬـن لها موسيقى سنة 1816. لا وثيقةَ تُثبت أَن يكون الشاعرُ كتبَها خصيصًا لبيتهوﭬـن، أَو أَن يكونَ هذا الأَخير وجدها مطبوعةً في كتاب). وفي تلك المقطوعة عبَّرُت موسيقيًّا عن ضَنى الوحدة والغياب وعن انتظار مَـجيْء المرأَة المنْقذة. لكنَّ الفنَّ ليس دَربًا تلقائيةً إِلى جميع القلوب، ولا مفتاحًا صالحًا لجميع الأَبواب. لذا، وبلا خجلٍ، أَعترف أَنَّ مغامراتي العاطفية انتهت جميعها إِلى الفشل، جاعلةً مني شريدًا دائمًا من نعمة الحب. الحب المستحيل غالبًا ما كنتُ أُقاربُ امرأَةً مستحيلةً: بورجوازيةً أَو متزوِّجةً أَو الإِثنتَين معًا. كان أَصدقائي يلُومونني على تَوَرُّطي في علاقاتٍ صعبة، خصيصًا كي أَتـجنَّبَ الارتباط بالنساء. لكنهم مُـخْطئُون: فأَنا مَـجَّدتُ الـحبَّ الزوجي في أُوﭘـرا Fidelio "الـمُخْلِص" (العمل الأُوﭘــرالي الوحيد لــبيتهوﭬـن، من فصلَين. النصُّ لـــجوزف فردينان ﭬـون صُونْلايْتْنِر، كتبهُ عن حادثةٍ جرَت في السجن إِبَّان الثورة الفرنسية. وضَع بيتهوﭬـن موسيقاها سنة 1805 لكنها لم تنجح، فظلّ يعدِّل فيها حتى أَنهى صيغتها الأَخيرة سنة 1814). حاولتُ أَكثرَ من مَرةٍ أَن أَتزوَّج، لكنني فشِلْتُ في كلّ مَرَّة. طلبْتُ أَولًا للزواج تريز مالْفاتي (بارونةٌ نـمساويَّة (1792-1851) عازفةُ ﭘـيانو. يرجَّح أَن تكونَ هي التي وضَعَ لها مقطوعة "إِلى إِيليز" الشهيرة للـﭙـيانو. وُجِدَت بين مـخطوطاته بعد وفاته). كانت أَرستقراطيةً في الثامنةَ عشْرَة، تَتَلمَذَت عليَّ، لكنَّ أَهلَها رفضوا ارتباطنا بحجّة أَنني "رجلٌ مشوَّشُ الفكر". ورماني رفْضُهم من أَعلى نشْوتي إِلى هوةٍ عميقة. وكان أَن تزوَّجت تريز تزوَّجت نـمساويًّا نبيلًا في سنّي). بعدها طلبتُ للزواج الـمغنِّية ماغدالينا وِلْـمَـنّ (سوﭘـرانو أَلـمانية كانت تشكِّل مع شقيقِها ماكس وِلْمَنّ وزوجتِه فْرولِن تريبوليه ثلاثيًّا أُوﭘـراليًّا يقدِّم عروضًا في مسرح بُونّ وهناكَ عرفَها بيتهوﭬـن سنة 1794. سنة 1795 رفَضَتْ عرضَه للزواج وتزوَّجت من التينور الإِيطالي غَلـﭭـاني سنة 1799. توفيَت سنة 1801). لكنها رفضتْني بحجّة أَنني "بشِعٌ ونصف مجنون" وتزوَّجَت مغنّي أُوﭘـرا إِيطاليًّا. تريز أُخرى وشقيقتها جوزفين بعدها أَحببتُ تريز برونزويك (بارونةٌ هنغارية الأَصل (1775-1861). درسَت الـﭙـيانو على بيتهوﭬـن سنة 1799. تعلَّق بها وصارحَها بحبّه سنة 1806، ودام حبّهما سنتَين. سنة 1809 أَهداها "سوناتا الـﭙـيانو رقم 24". وعَنْوَنَـها :"إِلى تريز". أَصدَرها مطبوعةً سنة 1810 وسمّاها "سوناتا إِلى تريز"). ثم أَحببتُ شقيقتَها جوزفين (كونتيسةٌ هنغارية (1779-1821). درسَت الـﭙـيانو على بيتهوﭬـن، ولعلَّها أَكثر امرأَة تَوَلَّهَ بها. كتَب لها 15 رسالة حبّ لاهبة، كان يبدأُها دومًا بعبارة "حبيبتي الوحيدة". وإِحدى رسائله إِليها عنَوْنَـها "رسالةٌ إِلى حبيبتي الخالدة" (صدَرَت تلك الرسائل سنة 1957). تزوَّجَت من الكونْت جوزف دايْـم (1752-1804) وكان يكبرها بثلاثين عامًا. لكنَّ بيتهوﭬـن ظلَّ على علاقةٍ سرّية بها إِلى أَن تزوجَت البارون كريستوف ﭬون سْتاكِلْبُرغ (1777-1841). كان زواجها تعيسًا منذ شهره الأَول وانتهى إِلى الطلاق). كُنْتُ أُسـمِّيها "ﭘــايـــﭙـــي" وأَهدَيتُها عددًا من الـمقطوعات. قلتُ لها يومًا: "أُحبُّكِ أَكثرَ مـما تكرهيني"، فأَجابتْني: "أَتاحَت لي صداقتُكَ لذَّةً كان يمكن أَن تُتوِّج حياتي لو انك أَحبَبْـتَـني بشهوةٍ أَقلَّ. شهوتُكَ الجارفة حالت دون تـجاوُبي مع ميولك الجنسية". قالتْها لي بكل فظاظة، كأَنما الشهوةُ الجنسيةُ جريمة.

اعترافات بيتهوفن (3 من 8)
اعترافات بيتهوفن (3 من 8)

النهار

time٢٩-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • النهار

اعترافات بيتهوفن (3 من 8)

إِنه نصٌّ فرنسيٌّ للكاتب اللبناني الفرنكوفوني المحامي اسكندر نجَّار، كان صدر كتابًا في بيروت لدى منشورات L'Orient des livres. تمَّ إِطلاقُهُ ضمن "مهرجان البستان 2020" في الاحتفاليةٍ الخاصة: "أُمسيات باريس"، على "مسرح إِميل البستاني" مساءَ الأَربعاء 26 شباط/فبراير 2020 بأَداء الممثِّل الفرنسي جان فرنسوا بالمير Balmer قراءةً النص، وعبدالرحمن الباشا عزفًا على الـﭙـيانو. ومساء التاسع من آب/أغسطس 2022، تَمَّ إطلاقُ النص بالعربية على مسرح "مونو" – الأَشرفية، بأَداء الممثل بديع أَبو شقرا قراءةً النص، والفرنسي نيكولا شوڤرو Chevereau عزفًا على البيانو. وصدرَ النص العربي كتابًا لدى "منشورات سائر المشرق". سأَقتطف من تلك "الاعترافات" مقاطعَ موجزةً على 8 حلقات مختَصَرة. هنا الحلقة الثالثة. كيف نشَأْتُ أَكرَهُ الناس سنة 1802 كتبتُ إِلى شقيقَيَّ رسالةً أَشرحُ لهما فيها أَنَّ صمَمي يرهقُني حتى بتُّ أَكره كل الناس. وهو ما باتوا ينعتونني به. ومما كتبتُ في رسالتي: "يا مَن تجدونني حاقدًا، عنيدًا، كارهًا كلَّ الناس، وبِذا تعاملونني: كم أَنتم مُـجحفون! تجهلون الـخفِيَّ بـي ومسبِّبَ ما تَرَوْن. لا تعرفون أَنَّ مرَضًا خبيثًا أَصابني منذ سنواتٍ ستٍّ، ضاعفَ من ضرره أَطبَّاءُ جهَلة. وسنةً بعد سنةٍ، رحتُ أَيْأَسُ من تَـحَسُّن سَـمْعي، فقرَّرتُ الانعزالَ باكرًا، والعيشَ في وِحدةٍ مغلَقَة، بعيدًا عن الناس...". هكذا، في مَيلي إِلى الوِحدة والصمْت، انطويتُ على ذاتي. فمزاجي، فعلًا، بات مزعجًا: تلك خادماتٌ كثيراتٌ فرَرنَ من بيتي، هَرَبًا من تَقَلُّباتِ طبعي، وقسْوةِ نَعتي إِيَّاهنَ "مُشَعْوِذاتٍ خبيثات"، واتهامِي إِيَّاهنَّ بسرقتي مدفوعًا بشكُوكي حيالهنَّ غير مبرَّرَة. حاليًّا، بتُّ أَتنقَّل كثيرًا. وحيثما أَسكُن، يتحوَّلُ بيتي مستودَعًا فوضويًّا مزعجًا، أَطرُدُ منه زوَّارًا مزعجين وأَطبَّاءَ جهَلة. من تصرفاتي الغريبة الشاذَّة سَكِرْتُ كثيرًا. أَهرَقْتُ كمّياتٍ من الخمر في كُؤُوسٍ بلَّورية. لكنَّ الخمر لم يُنْسِني همومي، بل حوَّلَني مُدْمِنًا حتى النَزَق. خاصمْتُ جميع أَصدقائي، وشكَكْتُ في مَن هادَنوني متَّهمًا إِياهم بأَنهم استغلاليون طُفَيليُّون. ناسخو مخطوطاتي يتحمَّلون غضبي وثوراتي وانفعالاتي وصواعقي، حين يصعُب عليهم تفكيكُ خربشاتي وخطّي غيرِ المقروء. ناشرو مؤَلَّفاتي يتجنَّبُونني، منذ بعتُ مرةً خمسةَ ناشرين معًا معزوفةً واحدة. دافعتُ عن ذلك، بأَنني "لستُ رجلَ أَعمال، والتنافُس يدفعني إِلى ذلك". لكنني عارفٌ تمامًا أَنها حجَّة ضعيفة. أُكرِّر: سببُ مِزاجيَ النَفُور المزعج هو صمَمي الذي أَصابني مذ كنتُ في السابعة والعشرين. وكيف لا أَكونُ نَفُورًا مزعجًا، والموسيقى شغَفي ومصدرُ رزقي؟ جاء يومٌ ضعُفَ فيه سمْعي، فلم أَعُدْ قادرًا على الاستماع جيِّدًا إِلى رهافةِ الآلات والأَصوات. يُهنِّـــئُــني الناس ولا أَسمع ما سمعوا حتى يهنِّئوني. يظنُّونني متكبرًا، أَو فَظًّا، حين أَستفهمُ منهم وأَنا مُقَطَّبُ الجبين: "نعم؟ ماذا قُلتُم؟" هكذا فقَدْتُ ثقتي بـي، حتى بتُّ أَتردَّد كثيرًا في العزف على الـﭙـيـانو أَمام الجمهور، وأَخشى قيادةَ الأُوركسترا كي لا أَبدو مضحكًا عند كثير تَعَـثُّري. عقْدةُ حضوري في الصالة في صالة المسرح يصيبُني الـهَمُّ ذاتُه: أَجلس قريبًا من الخشبة ،كي أَفهمَ ما يقول الـممثِّلون. في الحفلات الـموسيقية، أَتظاهر بالإِنصات الطبيعيّ، لكنَّ إِعاقتي البائسةَ تفضَحُني. أُحاولُ إِرهافَ الإِنصات، والتركيزَ أَكثر، فأَضع في أُذنـيَّ مساميعَ مـختلفة، أَو قُطْنًا كي أُخفِّف من وقْع الطنين القويّ على سَـمعِيَ الضعيف. أَمُدُّ إِلى خشبة الـﭙـيانو قضيبًا خشبيًّا أَضَعُهُ بين أَسناني كي تَصِلَني ذبذباتُ الصوت، أَو أَبتُرُ قاعدةَ البيانو كي أَتحسَّسَ عَزْفها من نبض الأَرض. ... ولم ينفعني شيْءٌ من كلّ ما كنتُ أَفعلُه. رحتُ أَستسلمُ إِلى مخاطبةِ الناس حَولي بكتابتي على دفاترَ خاصةٍ، يكتب عليها مُــخاطِـبِيَّ كلماتِهم التي لا أَسمعها لو قالوها لي شفاهةً. أُحسُّني كمَن يضمُّ في يده حفنةَ ماءٍ، فتــتسلَّل بين أَصابعه وتَتسرَّب وتـختفي. هكذا، في عمق يأْسي، أَشعُرُ أَنَّ حاسةَ السـمْع - وهي الأَداةُ الأَغلى في عملي - تتسلَّل مني وتَـختفي، وأَتأَكَّدُ أَنَّ صَمَمي الـمتزايد لا أَملَ من شفائه. أَمضيتُ حياتي أُؤَلِّفُ الموسيقى، أُرقِّصُ النوطات، أُخَلِّدُ أَنغامًا وحركاتٍ موسيقيةً، أُدَوِّنها كي لا تتسلَّل مني. ولكنَّ الـﭙـيانو يَـخونني. كيف أَتحدَّاني؟ إِلى متى أَتظاهَر بشُرودٍ، أُخفي به عجزي عن تحيَّتي جمهورًا يصفِّق لي وراءَ ظهري، ولا أَسمعُه؟ كلُّ هذا... أَلَا يبرِّر مزاجيَ النَفُورَ وطبْعيَ النَزِق؟ مع ذلك تَـحدَّيتُ يأْسَ الانهيار، وقرَّرتُ أَن أَتَـجاوَزَ إِعاقتي، فأُوَاصلَ التأْليفَ طالـما أَنني أَبنيه في فكري، وأَسمعُه في داخلي. وأَقْنَعْــتُني: "لا تَعِشْ بعد اليوم إِلَّا لفنِّك. وَهْنُ حواسِّكَ حدَّ من أُفُقِكَ المحدود، فاجعَلِ الـموسيقى أُفْقَكَ اللامـحدود". منذ بُلوغي تلك القناعةَ، رحتُ أَتقدَّمُ ضدَّ اليأْس. ضاعفتُ من عملي في التأْليف: سمفونياتٍ وسوناتاتٍ ورباعياتٍ وكونشرتُوَات. هكذا، سنة 1806 وحدها، وضعتُ السمفونيا الرابعة، وصمَّمتُ للخامسة والسادسة، وأَنْـجزْتُ كونشرتو الكمان والأُوركسترا، وأَلَّفتُ رابعَ كونشرتو للـﭙـيانو والأُوركسترا، وثلاثَ رباعياتٍ للوتريات، والسوناتا 23 التي سمّيتُها "الشَغُوفة". هكذا استسلمتُ إِلى قدري، واعتمدتُ مبدأ: "الانصياع-الإِذعان-الإِذعان". كان عليَّ أَن أَتقبَّلَ عاهتي، فأَجني منها حصادًا معنويًّا، حتى أَكونَ جديرًا بـمغفرة الله.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store