منذ 11 ساعات
الذكاء الاصطناعي والتحليل الرقمي.. "ثورة صامتة" تقتحم الرياضة
خالد تيسير العميري
اضافة اعلان
عمان - تشهد الرياضات الفردية والجماعية تحولا عميقا تقوده الخوارزميات والتعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، وهي الأدوات التي أصبحت لاعبا رئيسيا في المشهد الرياضي العالمي، التي تؤثر في كل زاوية من زوايا اللعبة، بدءا من غرف التحليل التكتيكي وسلوك الجماهير، مرورا بالقرارات الحاسمة والمصيرية داخل الصالات المغلقة والملاعب المفتوحة.وأصبح الذكاء الاصطناعي والتحليل الرقمي، 'ثورة صامتة' تعيد تعريف مفهوم الأداء، وتضع الإنسان في مواجهة سابقة مع 'نموذج رقمي' لا يتعب ولا ينسى ولا يخطئ.ويساهم الذكاء الاصطناعي في تفكيك الجسد البشري إلى بيانات دقيقة، وذلك من خلال الأنظمة الذكية القابلة للارتداء كالأحزمة الذكية والمستشعرات الدقيقة، وهي الأدوات التي أصبحت قادرة على تحويل كل حركة يقوم بها اللاعب إلى سلسلة من البيانات القابلة للتحليل، ليتم استخدامها فيما بعد لقياس نسب الإجهاد العضلي والإصابات المحتملة وضبط برامج الأحمال التدريبية بشكل دقيق لكل لاعب، والتنبؤ بمستوى الأداء تحت الضغط، وربما يشكل نادي ليفربول الإنجليزي لكرة القدم، أنموذجا حيا في استخدام هذه الأدوات القائمة على الذكاء الإصطناعي لرصد 'الإرهاق الخفي'، وهو انخفاض الأداء غير الملحوظ الذي يسبق الإصابات العضلية للاعبين.ويمكن للمدربين الاستفادة من التحليل الرقمي عبر استخدام أدوات مثل' STATS Perform' و'Catapult'، ما يسمح لهم بتصميم أنظمة لعب تختبر رقميا قبل تطبيقها على أرض الواقع، ويمكن محاكاة مباراة كاملة ضد خصم معين بناء على سلوكه السابق، فيما تتنبأ الخوارزميات بأفضل خطوط التمرير والهجوم بناء على إحصائيات المنافس، كما أن هذه الخوارزميات باتت تعرف نقاط ضعف المدافعين أكثر مما يعرفونها عن أنفسهم.ويتواجد الذكاء الاصطناعي في التحكيم، لتكون نتائجه حائرة بين العدالة الرقمية والجدل الإنساني بالنسبة للفرق والمشجعين، وهناك تقنيات التحكيم مثل 'VAR' والتسلل شبه الآلي 'SAOT'، التي تستند إلى رؤية حاسوبية تتجاوز حدود الإمكانيات البشرية من حيث الدقة والتوقيت، وربما كانت بطولة كأس العالم الأخيرة 'قطر 2022' شاهدة على استخدام هذه التقنيات، التي كانت تحسم قرارات التسلل خلال ثوان معدودة، بعدما استخدمت كاميرات تلتقط 50 لقطة في الثانية الواحدة مع تتبع حوالي 29 نقطة في جسم اللاعب.ورغم تحسين العدالة في استعمال الأنظمة التقنية، يرى كثيرون أن الذكاء الاصطناعي يسلب اللعبة طبيعتها، ويخلق نوعا من 'البيروقراطية التكنولوجية'، التي تعيق تدفق اللعب، ليبقى السؤال، هل نفضل رياضة دقيقة أم لعبة بشرية مليئة بالأخطاء الجميلة؟وباتت الثورة الرقمية تتيح للأندية إمكانية صناعة المشجع الذكي باستخدام أدوات تحليل السلوك الرقمي، من خلال تخصيص التجربة الرقمية لكل مشجع، عبر التطبيقات وتصميم إعلانات وتذاكر ومحتوى حسب تفضيلاته وتحليل المزاج العام للجمهور بعد الخسارة والفوز، وبما يساهم في تحويل الجمهور من كتلة عاطفية إلى قاعدة بيانات ديناميكية يمكن التفاعل معها لحظيا.وأتاح الذكاء الاصطناعي أدوات تنبؤ وتحليل متاحة للجماهير، والمتضمنة احتمالات الفوز والخسارة، والتي تحسب بنماذج رياضية مع محاكاة نتائج البطولات ومقارنتها بالواقع، وتبرز من بين هذه المنصات 'Opta' و'FiveThirtyEight'، تجعلان الجمهور جزءا من اللعبة التكتيكية، بعيدا عن اعتباره متلقيا لها.وتبرز جملة من التحديات الأخلاقية والتقنية، المتعلقة بالخصوصية وسوء الاستخدام، لتطرح أسئلة حول من يملك بيانات اللاعب وكيف تحمي معلوماته البيولوجية والنفسية؟ إلى جانب الفجوة التقنية بين المناطق والأقاليم، وبما يساهم في حرمان الأندية الصغيرة من المنافسة العادلة، خصوصا الأندية صاحبة الإمكانيات المحدودة.الذكاء الاصطناعي ليس خيارا للمستقبل، بل ضرورة حاضرة، فلم يعد السؤال هل نستخدمه في الرياضة؟ بل كيف نستخدمه، ولأي غرض؟ فالرياضات الفردية والجماعية أمام لحظات مفصلية، إما أن تعيد اكتشاف نفسها كحقل علمي وإنساني متكامل، أو أن تصبح مجرد عرض رقمي خال من النبض البشري.