أحدث الأخبار مع #الجيوبوليتيك


صحيفة الخليج
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- صحيفة الخليج
خصائص سوريا الجيوبوليتيكية
تتمتع الجمهورية العربية السورية بمكانة جيوبوليتيكية مُتقدمة، وللبلاد تاريخ حافل بالمحطات والأحداث، ومنها انطلقت أمجاد امبراطوريات غابرة، وفيها انتهت أحلام امبراطوريات أخرى، وهي رَفَدت العالم بمآثر علمية، وكانت محطة للترويج للحضارة العربية الأصيلة. ظُلِمت في التاريخ المعاصر، وعانى شعبها من ويلات لا تُعدُ ولا تحصى، لكنها لم تضمحلّ، بل حافظت على خصائصها كونها «بيضة قبان» عند احتساب أحجام الموازين الدولية والإقليمية، وهي تواجه اليوم تحديات كبيرة ناتجة عن مجموعة عوامل، وأهم هذه العوامل الجنوح العدواني الإسرائيلي الذي يُصيب الحجر والبشر في آنٍ واحد. من الطبيعي أن تكون سوريا محل أطماع خارجية، فجغرافيتها تُوصِل بين كل مفاصل السياسة شرق الأوسطية، ويمكن أن تُفرِّق بين هذه المفاصل في آنٍ واحد. فالتغييرات التي حصلت فيها منذ سقوط النظام السابق، أدت الى انكفاء محور سياسي، وبروز محور سياسي آخر. والأطماع الإسرائيلية في تفتيت المنطقة العربية، ترى في سوريا أرضاً خصبة لتنفيذ مشروع انشاء دويلات متناحرة تُحيط بها، كانت قد فشلت في تحقيقه بعد هزيمة العام 1967، ومن سوريا يمكن العبور الى واحات الشرق برمته، من خلال إنشاء «كوريدور» أو ما يطلق عليه «ممر داوود» لتتمكن من تحقيق أكبر أذية ممكنة في بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين برمتهما. لاقت الإدارة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع مساندة عربية واسعة، واحتضنتها بعض القوى الدولية، لكن شيء من العتب عليها يدور في أروقة هؤلاء، على اعتبار أن خمسة أشهر مضت كانت كافية لإخفاء النتوءات المؤذية التي «تضرب» في الجسد السوري وتُنكيء فيه جراحاً مؤلمة، وبعض التقصير حصل في سياق استعادة اللحمة الوطنية، وفي طمأنة الخائفين من مكونات الشعب السوري، في ظل تزايد هجمة المنتفعين والذين يضمرون شراً للبلاد، ويمكن التأكيد أن التوازن المجتمعي ما زال يميل نحو فوضى قد تُطيح بكل الإنجازات إذا لم يتم استدراك مخاطرها. وإذا كان احتضان الإدارة الجديدة واقعاً ملموساً عند الحريصين على سوريا وشعبها، فهناك المتربصين شراً بها، وهؤلاء نُشطاء، ويحاولون شرذمة النسيج السوري المتماسك، ويستخدمون أساليب متعددة ومتنوعة للإساءة، منها فرض عادات وتقاليد بعيدة عن تُراث الشعب السوري المُتنور والمُفتح على الثقافات والعلوم، ومن هذه الأساليب أيضاً، محاولات جادة لإحداث شروخ طائفية مقيتة، فيها تكفير وتجني ومبنية على أسباب واهية غير صحيحة، كتركيب الفيديوهات المغشوشة التي تناولت الرسول الكريم، بينما الأغلبية الساحقة من أطياف الشعب السوري تنتمي اليه وتُقدس ديانته السمحاء، والأقلية المسيحية في سوريا، تحترم التقاليد الإسلامية، وتراعي الأعراف العربية، وتعدّ نسفها جزء لا يجزأ من النسيج القائم. إفشال المخطط الذي يستهدف تخريب سوريا، يتطلَّب عدم إعطاء ذرائع للمُصطادين في المياه العكِرة، ويفرض وضوحاً في مقاربة الملفات الداخلية والخارجية، وطمأنة مكونات الشعب السوري المتنوعة ضرورة لا يمكن القفز فوقها عن طريق تعميم شعار «الذي يُحرِّر يُقرِّر»، علماً أن أغلبية من الخائفين على مستقبلهم اليوم، كانوا شركاء في التحرير، وبذلوا جهوداً كبيرة لمواجهة النهج السابق، وهؤلاء فوجئوا بوجود مجموعات غير مُنضبطة – كما تقول الإدارة الجديدة – تحاول فرض نمطية حكم مُتشدِّد، وتقوم بأعمال لا تليق بسمعة الحكومة الجديدة. وعلى الضفة الأخرى، هناك مجموعات مرتبطة بدوائر خارجية، تحاول النيل من وحدة سوريا ومن النظام الجديد، ولا يهما ما يمكن أن يحصل نتيجة أعمالها غير السويَّة. سوريا أمام مخاضٍ صعب، والملفات المطروحة على طاولة الإدارة الجديدة متنوعة ومُتشعبة، بينما يسود الغموض حول الموقف من مستجدات وازنة. فالعلاقة مع العراق لم تسلُك طريقها نحو النجاح بعد، رغم الرغبة الجامحة عند الحكومتين العراقية والسورية بالتعاون، بينما العلاقات مع الجارة الشمالية تخضع للتأويلات والتفسيرات المتعددة، والقوى الكردية تتأثر على شاكلة واسعة بالموقف من هذه العلاقة، و«قسد» لن تسمح بأن تكون سوريا جزءاً من أي نفوذ إقليمي جديد. أما المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، والتي أعلن الرئيس الشرع عن حصولها الأسبوع الماضي، فلم تتوضح معالمها بعد، والعدوان الإسرائيلي مستمر على الأراضي السورية، في ظل تصريحات تفضح نواياها وتدخُلاتها في الشأن الداخلي السوري. أما بالنسبة لتموضع سوريا في السياق الدولي، فإن المصلحة الداخلية والعربية تفرض إبقاء قنوات التواصل مع الجميع، وبرغم أهمية تسوية الخلافات الموروثة مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، لكن التركيبة السياسية والاقتصادية للبلاد ما زالت تتأثر في النمط الشرقي، وبالتعاون الذي كان قائماً مع روسيا على مدى أكثر من 50 عاماً في المجالات التعليمية والتجارية والعسكرية والسياحية والنفطية. لسوريا مكانة مُهمة في الجغرافيا السياسية للمنطقة، ودورها العربي، مركزي، وجمالُ الأصلِ في سوريا أكثرُ بريقاً من التجميل المُضاف الذي يضرُّ بأهميتها وبمصالح شعبها كثيراً، ولا يجوز اعتبارها خرجت من محور إقليمي والتحقت في محورٍ آخر، كما لا يجوز السماح لبعض الخارجين عن القانون – كما تقول الحكومة – بالتأثير في مستقبل البلاد الواعد.


الجزيرة
٠١-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- الجزيرة
وللماضي خباياه (2)
" السفر يتركك بلا كلمات، ثم يحولك إلى راوٍ للقصص (ابن بطوطة). لم أخض في حياتي تجربة السفر خارج البلاد من قبل؛ فالأمر إضافة إلى أنه يتطلب المال الوفير: (تذكرة السفر، الحجز الفندقي، الأكل، التجوال…) يتطلب أيضًا إمكانات أخرى، كاللغة التي يمكن بها التواصل مع الآخرين، ومعرفة عاداتهم ونمط عيشهم، حتى تتم كل جوانب الاحترام والتفاهم. والحق أن فرنسا لم تكن في يوم من الأيام غريبة عني، بحكم الترابط التاريخي منذ المعركة التاريخية التي جرت بين جيوش السلطان عبدالرحمن والألوية الفرنسية في معركة إسلي في 14 أغسطس/ آب 1844، هذه المعركة التي دخلها المغرب دفاعًا عن الأمير عبدالقادر، دون معلومات استخباراتية مسبقة تمكّنه من معرفة نقاط القوة والضعف لدى الخصم. دخل المغرب في معركة، ولم يكن ينوي من خلالها سوى حماية الأمير عبدالقادر، الذي طلبت السلطات الفرنسية من المغرب تسليمه، بعد مطاردة دامت أكثر من 13 سنة. خرجت من الماضي الأندلسي لأدخل في الماضي الاستعماري الفرنسي، حينما ظهر لأول مرة عِلم الجيوبوليتيك على يد ماكندر ببريطانيا. هذا العِلم -الذي هو دراسة العلاقة بين المكان والسلطة- فتح الباب أمام القوتين السائدتين آنذاك (فرنسا وبريطانيا) للصراع حول المستعمرات، وكان من حظ المغرب المرير أن وضعت السلطات الفرنسية عينها عليه، توج ذلك بمعاهدة الحماية سنة 1912 بحجة الدفاع عن السلطان عبدالحفيظ، بعد الأحداث الدموية التي شهدتها فاس في 30 مارس/ آذار 1912. ظلت مخيلتي شاردة بين ثنايا الماضي وانكسارات مرايا التاريخ، التي لم نتعلم بعد منها الدروس والعبر رغم مرور السنين والقرون، وكأننا كائنات مجردة من التفكير ذي الرؤية المستقبلية!. لم نتمكن من صقل تجاربنا، التي قال عنها أينشتاين ذات يوم: "المعرفة لا تؤتى إلا بالتجربة، ويظل ما بقي مجرد معلومات." مع وصولنا إلى أورليون orléans، طلب منا السائق الاستمتاع بآخر استراحة على الطريق السيار، قبل التوجه مباشرة إلى جنفيليه (Gennevillier) في الضاحية الباريسية. هنا بدأ زخم من الأسئلة يتهاطل على مخيلتي.. يا ترى، باريس مدينة جميلة بالفعل، كما كنت أرى في الأفلام، أم إن الواقع كفيل بأن يعطينا صورة أخرى عن هذه المدينة العالمية؟ وكنت شغوفًا برؤية نهر السين، وزيارة متحف اللوفر الشهير، والوقوف على رفات جون جاك روسو وفولتير، اللذين وضعا في متحف ومقبرة البونتيون (Le Pantheon)، ثم هل بإمكاني زيارة المقبرة الشهيرة "الأب لاشيز" ( Pere-Lachaise)؟ أن تأخرنا وتشرذمنا مرده إلى تقشف حكوماتنا في الإنفاق على التعليم العالي والبحث العلمي، وما دمنا على هذا النهج فسنظل دومًا في نقطة الصفر، في زمن عرفت فيه عجلة الذكاء الاصطناعي سرعة تفوق الخيال كانت الأسئلة تنهمر عليَّ وكأنني سأستطيع فعل كل هذه الأمور في وقت وجيز.. باريس التي قال عنها مترنيخ يومًا: "إذا أصيبت باريس بالزكام، فاعلم أن أوروبا بأسرها ستصاب بنزلات البرد"!. يبدو أنه الشغف والتطلع لمعرفة واستكشاف عاصمة الأنوار، ما جذبني إليها الجانب الثقافي أكثر من غيره. ولعل هذا الجانب هو الذي دفعني مرارًا لزيارة الحي اللاتيني (Le Quartier latin)، حيث الكتب ولوحات الفنانين، وفرق الموسيقيين الذين يؤدون معزوفات غاية في الجمال في الممرات التي تؤدي إلى مترو الأنفاق، وخزانة الكتب الشهيرة المعروفة بمركز بومبيدو. ولم أتوقع أن أجد باريس مدينة ضخمة، تصعب زيارتها حتى في أيام متتالية، بين الحي اللاتيني في المقاطعة السادسة لباريس، والحي الصيني في المقاطعة الثالثة عشرة، وحي الجزائريين المعروف اختصارًا بباربيص، وأحياء الطبقة الثرية كالمقاطعة الثامنة والمقاطعة السادسة عشرة، والمقاطعات الفقيرة التي تسكنها فئات من المهاجرين كالمقاطعات الثامنة عشرة، والتاسعة عشرة، والعشرين، التي كتب عنها إيميل زولا في رواياته كـ"جرمينال" (Germinal). لا أدري كيف أسرت هذه المدينة قلبي، رغم نورها الإيماني الفاتر، وقوتها الظلامية الآخذة في الصلابة. فبين جدرانها المشربة ببرودة قرون من التجارب، وهوائها الذي يمتزج فيه الصفاء مع الرومانسية، وتطاير كؤوس القهوة والمطاعم التركية التي تفوح منها رائحة الشاورما لتعطي صورة أقل ما يقال عنها إنها غير متناسقة، بين آلاف المواطنين الذين يملؤون أرضيات محطات القطارات كل صباح وكل مساء بغية الذهاب إلى عملهم الروتيني، ومئات المتشردين الذين يخرجون كلما أدلج الليل، في رحلة تسول بين آلاف المسافرين.. متشردون يدعون أنهم في حاجة للأكل وللاستحمام، يحاولون استعطاف الجميع، رغم أن نيتهم صرف تلك النقود في المشروبات الكحولية، أو بقصد تناول المخدرات. أقول هذه الكلمات انطلاقًا من مقارنتي باريس بمدن أخرى، بما فيها مدينتي التي نشأت وترعرعت فيها، وقد قال دو مارتان باج: "إذا أردت أن تحب باريس، فلا بد أولًا أن تجرب العيش في مكان آخر." هي المدينة التي أسرت في يوم من الأيام قلب الكاتب المصري طه حسين، الرجل الذي قال عنها إنها مدينة الجن والملائكة!. لم يكتفِ طه حسين بهذه المقولة، بل ألّف مجموعة قصصية بعنوان: "صوت باريس"، وكأنه يريد أن يحمل ذكريات مرحلة الدراسة الجامعية في العاصمة الفرنسية إلى بلده، في اختيار حميمي لضم هذه الذكريات، وجمعها بين ثنايا كتابه. وازداد اندهاشي لأول مرة حينما أيقنت أن باريس بضواحيها تضم ثلاث عشرة جامعة، ومدرسة للدراسات الجيوسياسية، ومركزًا للدراسات الشرقية، وهو المعروف اختصارًا بـ"INALCO"، ومدرسة عليا للعلوم السياسية، معروفة بـ"Sciences Po".. أدركت حينها أن تأخرنا وتشرذمنا مرده إلى تقشف حكوماتنا في الإنفاق على التعليم العالي والبحث العلمي، وما دمنا على هذا النهج فسنظل دومًا في نقطة الصفر، في زمن عرفت فيه عجلة الذكاء الاصطناعي سرعة تفوق الخيال. ليث شعري، لو كانت هذه الإمكانات الدراسية موجودة في بلادنا العربية، حينها سيسمع العالم عن عباقرة بصوت ولكنة عربيين، ولكن العيب في أمة لم تتدرب منذ نعومة أظفارها على حب الكتاب، والتشبع بالسياسة والفكر. لكن، لماذا كل هذا العناء؟ فحكامنا يريدون عقولًا فارغة، تعفيهم من كثرة السؤال والقيل والقال، في زمن غيبوبة البال وتقلب الأحوال، ليصير الجهل مقدرًا بالمال، وذو العقل مكبلًا بالأغلال.


حدث كم
٢٢-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- حدث كم
في لقاء مع منتدى تاونات : المفكر حسن أوريد يقاربُ التغيّرات الجيوسياسية وتأثيراتها على المَغرب
احتضن مؤخرا أحد مطاعم مدينة سلا محاضرة ألقاها المفكر والأكاديمي حسن أوريد في سمر رمضاني، كانت تحت عنوان:'التغيّرات الجيوسياسية وتأثيرها على المغرب'؛ سيّرها الوزير الأسبق البروفسور نجيب زروالي وارثي. الدكتور حسن أوريد قال في هذا اللقاء الذي كان من تنظيم 'منتدى كفاءات إقليم تاونات'، بأن 'الناس تتماهى عادة بالفطرة مع السياسة، وتكاد تكون معها في علاقة انصهار'؛ مُذكرًا في ذات السياق أن 'العالم الذي نعرفه قد انتهى مع سقوط جدار برلين'، ومع سقوطه 'انتهت المنظومة القديمة بتطورات الحرب الروسية الأوكرانية' على المستويين الإقليمي والعالمي. وأضاف أوريد في سياق مختلف أن 'العالم تخلص من الالتزامات والمعاهدات الدولية'، وأصبحنا أمام واقع جديد' لا يعترف إلا بالقوة'. وأشار أنه في الوقت الذي اعتقدت أوربا أنها 'حصّنت نفسها وتعافت من داء الحروب، وجدت نفسها تنغمس مُكرهَة في أتونها'، وأن الحرب تعنيها، عكس ما كانت تعتقد سابقا من أن 'الأمر لا يهم سوى جنوب الكرة الارضية'، واعتقدت أوروبا واهمة أن وضع يوغسلافيا 'لا يعدو أن يكون نشازا، ليس إلا…!!' واعتبر أوريد من جهة أخرى أن 'حدود الدول لم تعد مُحصنة كما كانت'، حتى أنه في حرب الخليج الثانية 'تم تأديب الرئيس صدام حسين، لأنه خرج عن المألوف، وتهجّم على الحدود بالقوة'، وهو 'ما لم نلمسه في الحرب الرّوسية الاوكرانية' يقول المحاضر. في هذه الحرب، ولأول مرة في التاريخ الحديث 'تم التلويح والتهديد باستعمال السلاح النووي، ولو بشكل جزئي وإن تكتيكي'، بعدما كان هذا النوع من السلاح مُجرّد سلاح للتهديد بالرّدع في إطار توازن الرُّعب بين القطبين التقليديين. كما عرَّج المُحاضر على الحدث الأبرز الثاني، متمثلا في حرب غزة الأخيرة أو ما عُرف بطوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، وهذه الحالة 'اكتست صفة حرب دون مراعاة لضوابط القانون الدولي'، كما أوضح المحاضر في كلمته. وأضاف حسن أوريد بأن 'هذا الحدث في حدّ ذاته عبّر عن وحشية في استعمال القوة'. وكل ما سلف، يقول المحاضر، أفرز لنا واقعا عالميا جديدا، متجاوزا بذلك 'النطاق الجغرافي الشرق أوسطي، مشكلا حديقة خلفية للحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما أعطى لروسيا فرصة لإتمام ترتيباتها العسكرية في المنطقة'. بعد ذلك، انتقل المحاضر إلى الحديث عن الظاهرة الثالثة، متمثلة في رجوع دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، واعتبر المحاضر ذلك بأنه ظهور 'ترامبية جديدة'. هذه الترامبية، يقول أوريد، تتبنى رؤى جديدة، مما يعتبر مدا للشعبوية اليمينية الأكثر تعقيدا في العصر الحالي. وأن الأمر قد تجاوز الاستحواذ على ما تحت الأرض من خيرات، إلى المطالبة بالأرض نفسها. واستحضر المحاضر في هذا الباب أحداثا بذاتها، من قبيل: «وضع اليد على جرينلاند' مرورا بمسألة 'الترحيل القسري للفلسطينيين من قطاع غزّة'، وكذلك 'التخلي على الحليف الأوكراني، ومعه حتى بعض الحلفاء الأوروبيين'، وهذه السلوكيات تبدو تجاوزا للقانون والاعراف الدولية. ويمكن اعتبار السياق الدولي الحالي بمثابة «تهليل لصالح قومية جديدة'، كما أوضح أوريد في محاضرته. وتابع أوريد قائلا بأن «جدية الموضوع تستدعي استحضار مفاتيح أخرى جديدة لكي نفهم بتأني ما يجري من حولنا، معتبرا في ذات الوقت بأن «الأمر ليس علما، وأنه علينا أن نحافظ على discipline'،لأن 'الجيوسياسية والجيو بوليتيك تختلط عادة عند العامة بالجيو- استراتيجية، علما بأن الأمران مختلفان تماما'. وتفاديا لأي لبس في المفهوم والمفاهيم، يقول أوريد أن 'الجيوستراتيجية هي تأثير الجغرافية في المجال، أما الجيوبوليتيك فهي تأثير السياسة في الجغرافيا، وذلك انطلاقا من تصور يفرزه السياسي'. واسترسل أوريد قائلا بأننا 'أمام عالم قديم- جديد مع دخول الصين بصفتها فاعلا جديدا، وهي صاحبة التحدي الوجودي، كما ينظر إليه ترامب'. واستحضر جملة شهيرة تقول: 'إذا كانت روسيا عاصفة، فإن الصين هي تغيير مناخي، وبالتالي هناك تغييرات حتمية قادمة، ستغيّر من ملامح خريطة العالم مستقبلا'. أما المغرب من جهته، كما يقول أوريد دائما، فقد 'ساير بكل حنكة ظروف الحرب الباردة، ومع سقوط برلين أصبح أكثر انفتاحا. وبعد هجمات11سبتمبر، أصبح للمقاربة الأمنية دورا كبيرا'. كما استحضر حسن أوريد قضية المغرب الوجودية الأولى، متمثلة في صحرائه ووحدته الترابية، مُستحضرًا في ذات الوقت ما أفرزته حرب غزة المدعومة من إيران، وما خلفه سقوط بشار الأسد في سوريا من تداعيات في البلقان والشرق أوسط، وهو ما انعكس سلبا على دولة الجزائر. وأكد في ذات السياق أن 'خيار الحرب كان واردا، ولكنه لم يكن أبدا في صالح الجزائر'، واستحضر في المحاضرة التي ألقاها أمام جمهور نوعي الهزائم التي مُنيت بها الدبلوماسية الجزائرية في المحافل الدولية، ممّا حتم عليها العمل على 'إعادة انتشار دبلوماسيتها، خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي بدأت في الخروج تدريجيا عن عروبيتها، ومغازلة هذه القوة العالمية، وهو ما عبّر عنه السفير بوقادوم باستعداد الجزائر بيع معادنها النفيسة للولايات المتحدة الامريكية'. بعد ذلك، انتقل المحاضر إلى طرح إشكالية سياسية تهم الطريقة المثلى للتعامل اليوم مع ثلاثة فاعلين أساسيين في العالم، ويتعلق الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية، أوربا والصين. ورأى أوريد أن الحل قد يكون كما فعلت بعض الدول الآسيوية، ولكنها 'وجدت نفسها بين فكّي كمّاشة، وبالتالي كان عليها أن تتعامل مع النقيضين، مثل حالة سنغافورة مع الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ودول أخرى التي اختارت الملاءمة، وخلقت نوعا من التوازن'. كما شدّد المحاضر على أن 'الخيار الأطلسي الذي أطلقه الملك محمد السادس، يبقى هو الخيار الاستراتيجي، ويمكن للمغرب أن يستثمر فيه. وعلينا أن نبقى مستمرين في علاقتنا مع الدول التي تربطنا بها علاقات اقتصادية، وأن نكون حاضرين بقوة في الساحة العربية، وخاصة مع دول الخليج التي أصبحت طرفا مُهمّا في المُعادلة الدولية. كما يجب علينا كمغاربة أن نكون حاضرين بقوة مع الولايات المتحدة الامريكية'. وركّز أوريد في محاضرته على ضرورة 'استعمال مفاتيح جديدة لأقفال تغيّرت، حتى نتمكن من فهم العالم الجديد'. وفي الختام فتح باب المناقشة، وانهارت الأسئلة من جامعيّين وعمداء كليات ووزراء سابقين واطر عليا ومثقفين، تلتها أجوبة شافية من المُحاضر. بعدها سلم رئيس المنتدى الأستاذ إدريس الوالي درعا وشهادة تقديرية للأكاديمي حسن أوريد. تجدر الإشارة أن رئيس 'منتدى كفاءات إقليم تاونات' إدريس الوالي عبّر من خلال كلمته في بداية اللقاء عن شكر المفكر حسن أوريد على تلبية الدّعوة، مُعرّجًا في ذات الوقت على التعريف بالمُنتدى وأهدافه وسبب اختيار الموضوع، كما قدم نُبذة من سيرة المُحاضر. د.و

عمون
٠٥-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- عمون
خطط عمل للتعامل مع المرحلة القادمة!
قفز الشأن الخارجي ليستولي اليوم على اهتمام مطبخ القرار في عمان وغالبية الرأي العام الأردني، لما في التحولات الدولية والإقليمية من تأثير بالغ على الأمن القومي والدور الإقليمي للأردن، الذي يمثل الجيوبوليتيك بالنسبة له أحد أهم محددات السياسات الخارجية والداخلية تاريخياً، ليس فقط بوصفه دولة صغيرة محدودة الموارد وسط بيئة إقليمية عاصفة، بل لوجود المشروع الصهيوني- الإسرائيلي في الجوار، الذي ينقل أهمية ما يحدث في المنطقة إلى مرتبة مهمة على صعيد سياسات الدول العظمى، بخاصة الولايات المتحدة الأميركية، وللاشتباك العضوي والتاريخي الأردني مع القضية الفلسطينية والضفة الغربية والقدس منذ اللحظات الأولى لولادة الإمارة وحتى اليوم! الوضع في المنطقة العربية، عموماً، والمشرق العربي بصورة خاصة يشبه إلى درجة كبيرة مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وتقسيم المنطقة العربية إلى الصيغة الجغرافية- السياسية القائمة، وما حدث، وما يزال، في غزة والضفة الغربية والقدس وسوريا ليس إلاّ حلقة من حلقات تغييرات هيكلية على صعيد صورة المنطقة في المرحلة القادمة، بخاصة بعد تراجع النفوذ الإيراني، والشعور بـ»فائض القوة» لدى بنيامين نتنياهو، الذي يسعى إلى ترسيم حدود جديدة للنظرية الأمنية الإسرائيلية غير مسبوقة، وتعزز سياسات ترامب هذه التوجهات. وسط هذ الوضع الإقليمي الخطير واللحظة الحرجة، فإنّ السؤال الأكبر أردنياً: كيف نبني مقاربة وطنية تهدف إلى حماية الأردن والاستقرار السياسي، بدرجة أولى ورئيسية، وكيف نعيد تعريف الأمن القومي الأردني في ضوء هذه التطورات بدرجة ثانية، ثم كيف يمكن تعزيز المصالح الاستراتيجية والدور الإقليمي الأردني؟ حجر الأساس في هذه المقاربة الأردنية من الضروري أن يكون داخلياً، فالمعادلة الداخلية هي أحد أهم مصادر القوة السياسية والاستقرار السياسي ومن أبرز مداخل صناعة السياسة الخارجية، وفي الوضع الأردني، ببعده الجغرافي ومعادلته الداخلية فإنّ الجبهة الداخلية بالضرورة تمثّل الأولوية رقم 1 لبناء منعة وطنية وتأمين الأردن في مواجهة الإعصارات الإقليمية، والمقصود بالجبهة الداخلية عوامل عدة؛ في مقدمتها الوحدة الوطنية، التي تعتمد، بدورها، بدرجة كبيرة على ثلاثة عوامل رئيسية؛ الأول وجود ثقة رئيسية بين الحكومة والشارع، والعامل الثاني هو دور النخب السياسية والمثقفة في تطوير سردية وطنية متماسكة تعزز الأرضية المشتركة لدى المواطنين جميعاً في النظر إلى التطورات الإقليمية، والعامل الثالث، وهو منوط أيضاً بوجود قنوات اتصال فاعلة وحيوية وتوسيع مساحة الحوار الداخلي، وتطوير «الرسائل السياسية» الداخلية وتعزيز دور الماكينة الإعلامية القادرة على شرح وتوضيح مواقف الدولة ومحددات السياسة الخارجية للرأي العام الداخلي. الجانب الآخر في الجبهة الداخلية يتمثّل بوجود تصورات استراتيجية واضحة لدى دوائر القرار لما يحدث في المنطقة والسيناريوهات المتوقعة، ثم الخيارات الاستراتيجية لدى الدولة في التعامل معها، سواء ما يتعلّق بملف غزة أو الضفة الغربية أو الملف السوري، الذي أصبح مقلقاً لصانع القرار بخاصة مع السلوك الإسرائيلي هناك، والوضع العراقي والإيراني في ضوء تزايد التوتر والمخاطر المتعلّقة بضربة أميركية أو احتمالات لتطور عوامل عدم الاستقرار السياسي والأمني في الجوار، مثل هذه التصورات الاستراتيجية من المفترض أن يتم إعدادها من خلال «فريق عمل» Task Force، مشكل من خبرات داخل السيتسم ومن أوساط النخب والمتخصصين وبالتعاون مع مراكز التفكير والأبحاث. لتطوير أوراق دقيقة لتقدير الموقف، ثم أوراق سياسات توضع على طاولة صنع القرار، ويكون هنالك تنوير للرأي العام والإعلام بها، وبالمحددات التي يمكن أن يتحرك من خلالها مطبخ القرار في عمان. ما قامت وتقوم به الدبلوماسية الأردنية هو دور مهم وكبير ومقدّر، لكن الوضع بدأ يختلف الآن، لأنّ المطلوب أن يتم إسناد دوائر القرار بقراءات وتصورات من قبل خبراء ومختصين، ومن الضروري أن يتم التفكير في الرسائل السياسية الموجهة للرأي العام الأردني، لأنّ قناعته بسياسة دولته وإدراكه لمحددات القرار وتحدياته ووقوفه إلى جانب الوطن، واصطفاف القوى السياسية والأحزاب والموالاة والمعارضة معاً مع مصالح الدولة وقيمها وأمنها، هو مصدر رئيس لقوة القرار والعكس صحيح.


أخبارنا
٠٤-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- أخبارنا
محمد ابو رمان : خطط عمل للتعامل مع المرحلة القادمة!
أخبارنا : قفز الشأن الخارجي ليستولي اليوم على اهتمام مطبخ القرار في عمان وغالبية الرأي العام الأردني، لما في التحولات الدولية والإقليمية من تأثير بالغ على الأمن القومي والدور الإقليمي للأردن، الذي يمثل الجيوبوليتيك بالنسبة له أحد أهم محددات السياسات الخارجية والداخلية تاريخياً، ليس فقط بوصفه دولة صغيرة محدودة الموارد وسط بيئة إقليمية عاصفة، بل لوجود المشروع الصهيوني- الإسرائيلي في الجوار، الذي ينقل أهمية ما يحدث في المنطقة إلى مرتبة مهمة على صعيد سياسات الدول العظمى، بخاصة الولايات المتحدة الأميركية، وللاشتباك العضوي والتاريخي الأردني مع القضية الفلسطينية والضفة الغربية والقدس منذ اللحظات الأولى لولادة الإمارة وحتى اليوم! الوضع في المنطقة العربية، عموماً، والمشرق العربي بصورة خاصة يشبه إلى درجة كبيرة مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وتقسيم المنطقة العربية إلى الصيغة الجغرافية- السياسية القائمة، وما حدث، وما يزال، في غزة والضفة الغربية والقدس وسوريا ليس إلاّ حلقة من حلقات تغييرات هيكلية على صعيد صورة المنطقة في المرحلة القادمة، بخاصة بعد تراجع النفوذ الإيراني، والشعور بـ»فائض القوة» لدى بنيامين نتنياهو، الذي يسعى إلى ترسيم حدود جديدة للنظرية الأمنية الإسرائيلية غير مسبوقة، وتعزز سياسات ترامب هذه التوجهات. وسط هذ الوضع الإقليمي الخطير واللحظة الحرجة، فإنّ السؤال الأكبر أردنياً: كيف نبني مقاربة وطنية تهدف إلى حماية الأردن والاستقرار السياسي، بدرجة أولى ورئيسية، وكيف نعيد تعريف الأمن القومي الأردني في ضوء هذه التطورات بدرجة ثانية، ثم كيف يمكن تعزيز المصالح الاستراتيجية والدور الإقليمي الأردني؟ حجر الأساس في هذه المقاربة الأردنية من الضروري أن يكون داخلياً، فالمعادلة الداخلية هي أحد أهم مصادر القوة السياسية والاستقرار السياسي ومن أبرز مداخل صناعة السياسة الخارجية، وفي الوضع الأردني، ببعده الجغرافي ومعادلته الداخلية فإنّ الجبهة الداخلية بالضرورة تمثّل الأولوية رقم 1 لبناء منعة وطنية وتأمين الأردن في مواجهة الإعصارات الإقليمية، والمقصود بالجبهة الداخلية عوامل عدة؛ في مقدمتها الوحدة الوطنية، التي تعتمد، بدورها، بدرجة كبيرة على ثلاثة عوامل رئيسية؛ الأول وجود ثقة رئيسية بين الحكومة والشارع، والعامل الثاني هو دور النخب السياسية والمثقفة في تطوير سردية وطنية متماسكة تعزز الأرضية المشتركة لدى المواطنين جميعاً في النظر إلى التطورات الإقليمية، والعامل الثالث، وهو منوط أيضاً بوجود قنوات اتصال فاعلة وحيوية وتوسيع مساحة الحوار الداخلي، وتطوير «الرسائل السياسية» الداخلية وتعزيز دور الماكينة الإعلامية القادرة على شرح وتوضيح مواقف الدولة ومحددات السياسة الخارجية للرأي العام الداخلي. الجانب الآخر في الجبهة الداخلية يتمثّل بوجود تصورات استراتيجية واضحة لدى دوائر القرار لما يحدث في المنطقة والسيناريوهات المتوقعة، ثم الخيارات الاستراتيجية لدى الدولة في التعامل معها، سواء ما يتعلّق بملف غزة أو الضفة الغربية أو الملف السوري، الذي أصبح مقلقاً لصانع القرار بخاصة مع السلوك الإسرائيلي هناك، والوضع العراقي والإيراني في ضوء تزايد التوتر والمخاطر المتعلّقة بضربة أميركية أو احتمالات لتطور عوامل عدم الاستقرار السياسي والأمني في الجوار، مثل هذه التصورات الاستراتيجية من المفترض أن يتم إعدادها من خلال «فريق عمل» Task Force، مشكل من خبرات داخل السيتسم ومن أوساط النخب والمتخصصين وبالتعاون مع مراكز التفكير والأبحاث. لتطوير أوراق دقيقة لتقدير الموقف، ثم أوراق سياسات توضع على طاولة صنع القرار، ويكون هنالك تنوير للرأي العام والإعلام بها، وبالمحددات التي يمكن أن يتحرك من خلالها مطبخ القرار في عمان. ما قامت وتقوم به الدبلوماسية الأردنية هو دور مهم وكبير ومقدّر، لكن الوضع بدأ يختلف الآن، لأنّ المطلوب أن يتم إسناد دوائر القرار بقراءات وتصورات من قبل خبراء ومختصين، ومن الضروري أن يتم التفكير في الرسائل السياسية الموجهة للرأي العام الأردني، لأنّ قناعته بسياسة دولته وإدراكه لمحددات القرار وتحدياته ووقوفه إلى جانب الوطن، واصطفاف القوى السياسية والأحزاب والموالاة والمعارضة معاً مع مصالح الدولة وقيمها وأمنها، هو مصدر رئيس لقوة القرار والعكس صحيح.