أحدث الأخبار مع #الحربالكونيةالأولى


النهار
٠٨-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- النهار
حرب ترامب التجارية... في أوج الزمن الشكسبيري!
كما في زمن هاملت وماكبث والملك لير، تحتدم الصراعات الشكسبيرية في زمننا المفعم بعدم اليقين، والمفارقات الدرامية، الزاخر بالأفعال الوخيمة لشخصيات معقدة، تكتنفها الفضائل والشرور على حد سواء، لتصير الأحداث بحد ذاتها دراما ومسخرة للعقل والتاريخ، حيث المؤامرات والخيانة والطموح والحب وصراعات السلطة. وإذ أظهرت خريطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي عرضها في حديقة الزهور، للتعريفات الجمركية فرض 10% على جزر الانتاركتيك- التي لا تسكنها إلا البطارق، اشتعلت السخرية اللئيمة للصحافة الأميركية عن ذنب هذه الحيوانات المسكينة لينتقم ترامب منها. بل، وحين تقول الصحافة الأميركية إنه لو مات هتلر سنة 1938 لدخل التاريخ كقوة تغيير إيجابية قبل أن يدمر العالم وألمانيا ذاتها! فإنها تقصد أنه، لئن كان ترامب جيداً في هدم القديم المتفسخ، فإنه سيدمر أميركا والعالم بسياساته العمياء. إذ ليس المقصود رفض مبدأ التعريفات، ولا رفض استرجاع أميركا لقاعدتها الصناعية والزراعية، بل تكمن الطامة في عمى هذه السياسات حتى طالت البطارق. فكيف تعاقب الولايات المتحدة بنغلادش مثلاً على اختلال ميزان وارداتها من سيارات تسلا والآيفون، بينما تصدّر قسماً هاماً من المنسوجات إلى أميركا. لكن المخاطر تبدو أبعد بكثير! هذا هو العالم الشكسبيري، وسواء يدري أو لا يدري، تتضافر تداعيات تعريفات ترامب لتضع العالم على حافة حروب كونية طاحنة! أولاً: تسهل الجدران الاقتصادية الانزلاق إلى المجابهات العسكرية. إذ تكفي قراءة بعض كتب التاريخ، لتؤكد أنه لطالما دفعت الحروب التجارية وحروب الممرات والموارد الحروب الإقليمية لتتدحرج "عفوياً" نحو حروب كونية. وأقرب مثال هو الحرب الكونية الأولى. لكن ترامب لا يحب قراءة الكتب الغليظة، بل ينتسب لعصر ما بعد القراءة، حيث يغرف الناس من المياه الآسنة لمنصات أكس وفيسبوك. في هذا السياق، يبرز الصراع حول الصين على وجه الخصوص، حيث تتصاعد الصراعات التجارية وتنعقد الحشود العسكرية والمناورات في بحر الصين وحول تايوان، بين أكبر اقتصادات العالم، ليتحول الإقليم إلى مكسر عصى مدمر يهدد مجمل الاقتصاد العالمي. ثانياً: وفيما تندفع أوربا وأوستراليا واليابان وكوريا وإندونيسيا والفلبين والمكسيك للبحث عن بديل تجاري استراتيجي، لا تجد أمامها إلا ذاك الماركسي اللينيني شي جينبينغ واقفاً على ناصية هذا المنعطف التاريخي. وإذ يدير ترامب ظهره لأوكرانيا، ويتنصل من التزامات أميركا تجاه حلفائها، ويهدد مباشرة حلفاءه الأقرب، كندا والدنمارك، وصولاً إلى تايوان والمكسيك، ينهار مفهوم الغرب الاستراتيجي الممتد من اليابان إلى كوريا وأوستراليا وصولاً إلى أوروبا وبريطانيا. ورغم أن أوروبا ترفع ميزانياتها الحربية أعلى بكثير مما طالب به ترامب، فإنها تخطط في عجالة كبيرة لإعادة رسم تحالفاتها الكونية، فيما يستبعد الخبراء عودة التحالف إلى لحمته بعد ترامب، "فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين"، فكيف بالأوروبيين؟ ثالثاً: وفيما تنخرط الدول الكبرى في حروب اقتصادية شعواء، فإنها تنخرط في حروب إقليمية ساخنة، تزيد من خطر المجابهات الكونية. رابعاً: لذلك، فيما تحاول الدول الغربية والآسيوية التفاوض مع ترامب، لشراء الوقت وتخفيف شروط التعريفات، فإنها تتجه، دون رجعة، إلى البحث العميق عن تحالفات استراتيجية وتجارية وأسواق بديلة. وهنا أيضاً تجد هذه الدول ملاذاً لها في دول الجنوب بدءاً من المملكة العربية السعودية إلى الأرجنتين، وصولاً إلى روسيا، والهند، والصين. أميركياً، لا شك أن استحقاق إعادة هيكلة الاقتصاد والتجارة الأميركية صار راهناً وحتمياً، وهذا ما قد يشرح دوافع ترامب، فلقد، سمح الاتساع الهائل للسوق الأميركية بترهل وبطر كبيرين. ترهلٌ عن دفع عملية التجديد وإعادة هيكلة الصناعة والأكاديميا بحسب متطلبات التحول التقني الكوني الكبير. وبطرٌ سببه جشع كبار مساهمي الشركات في اعتصار الأرباح لجيوبهم، وحجبها عن تمويل عمليات البحث والتطوير. بحيث انتقلت الولايات المتحدة لتتحول من دولة مصنعة عملاقة صلبة، إلى عملاق خدمات سائل وهش. لذلك وفيما تبدو سياسة ترامب مبررة، فان أخطر ما فيها هو عشوائيتها. أولاً: غنها تكسر بشكل مفاجئ سلاسل الإنتاج الأميركية، حيث ثمة تداخل عولمي عميق يربط إنتاج كل سلعة، بمجرة هائلة من الصناعات الرديفة والبيوتات الصناعية النوعية والدقيقة، تختص كل منها بمكون نوعي في البضاعة النهائية. بل، ونتيجة التخصص العالي وأسرار عمليات الإنتاج، تعبر بعض القطع الحدود الأميركية مع المكسيك أو كندا سبع أو عشر مرات ذهاباً وإياباً. ثانياً: وفيما تحاول هذه التعريفات استعادة الصناعة التقليدية الأميركية وتخاطب مصالح العمال، إلا أن غالبية المصانع المستحدثة في أميركا الآن تتسم بأتمتة عالية في ما يسمى المعامل المظلمة، حيث تقوم الروبوتات بأكثر من 95% من العمل. لذلك لا تبدو حلول ترامب مجدية بالنسبة لقاعدته الانتخابية العمالية التقليديية. ثالثاً: في نهاية الأمر تتعلق النتيجة بالخبز والزبدة 'Bread and Butter ' ، حيث يقدر أن ترتفع أسعار السيارات الفارهة الآن 10,000 دولار والسيارات العشبية بمقدار 2000 دولار. وهذا مؤشر هائل للتضخم المقبل. بل تخشى صناعة السيارات، نتيجة ذلك مثلاً، أن يحجم الناس عن الشراء فينكمش السوق ويُسرّح العمال أو تغلق المصانع. فقرارات من المستهلك الأميركي العادي لها الكثير من الرمزية في الانتخابات والخيارات السياسية للمواطن الأميركي. فحين تنخفض شيكات التقاعد ينخفض الدعم للصحة والتعليم. رابعاً: ثم، حين يقول ترامب إنه سيعيد فروقات الأسعار للمواطنين، عبر تخفيض الضرائب، فإنه يناقض ما سبق أن وعد به وهو أن التعريفات ستستخدم لتخفيض ديون الخزينة. وإلا تسببت بمزيد من التضخم. خامساً: وهنا الأخطر، وهو أن الاقتصاد الأميركي ينزلق نحو أزمة انكماش وتضخم جديدة، يقدرها الخبراء بـ 4% على الأقل، ما يعني، بدوره، إبقاء ارتفاع أسعار الفائدة، بكل ما يحمله ذلك من تكبيل للاقتصاد. ويظهر حفل تنصيب ترامب، تواطؤ ثلاثة أصناف من البشر: أولها صنف الأثرياء، الأذكياء، المهووسون والشاذون، الذين تنهال الآن الأسواق على رؤوسهم. وثانيها صنف 'Make America Great Again' الذين تتراجع عائداتهم التقاعدية وترتفع أسعار سلعهم، وتزيد بطالتهم. والصنف الثالث كان من أولئك الموظفين الطموحين المفتونين بالصعود الفروسي على سلم البيروقراطية. هؤلاء لا يزالون يقاتلون إلى جانب ترامب، لكنهم خائفون من تصاعد غضب البيزنس والجمهور في كل البلاد. وتجاوزت تداعيات سياسات ترامب حد المناورات والشطارات التفاوضية، لتصبح خطراً جدياً بكل المقاييس. عندها وكما في عام 1976 يتضافر الفشل في السياسة الخارجية، مع الفشل الداخلي كي تغير أميركا دمها من جديد!

عمون
٢٤-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- عمون
ديمقراطيات إمبريالية – ترمب نموذجاً
صناديق الاقتراع هي من أوصلت هتلر وحزبه النازي إلى الحكم في المانيا، وذات الصناديق هي من أوصلت أيضاً موسوليني وحزبه الفاشي إلى الحكم في إيطاليا، وقد مثل ذلك تفويضاً للحرب لكلا الزعيمين مما حّول صناديق الاقتراع إلى صانعة حروب كبرى إذ قادت العالم إلى حرب كونية ثانية بعد 25 عاماً فقط من الحرب الكونية الأولى. واقعياً ومنطقياً لم يكن غريباً كثيراً حصول حربين كونيتين خلال فترة قصيرة في ضوء ما تنبأ به مفكرو النظام الحر في الغرب قبل أكثر من قرن ونصف نتيجة لما افضت إليه مراجعاتهم لفلسفة الحياة العامة في الغرب التي صاحبت نشأة التفكير في الديمقراطيات الحرة حتى قيامها. حيث خلصت مراجعاتهم إلى ضعف وتراجع قدرة النظم السياسية في الغرب على تجديد نفسها. ثلاثة عقود فقط بعد الحرب الكونية الثانية كانت كافية لكي تواجه النظم الديمقراطية الغربية تحدياً كبيراً زاد من ضعف قدرتها على تجديد نفسها بعد ما أصاب الرأسمالية وسوقها الحر من توحش مكنها من التمرد على قواعد الحوكمة الرشيدة للاقتصاد ومراكمة ثروات خيالية مكنت الشركات الكبرى والبنوك وأسواق المال والصناعات العملاقة بثرواتها الضخمة وإعلامها الطاغي من إختطاف الرأي العام وتوجيه صناديق الاقتراع والتأثير على مخرجاتها. بعد 45 عاماً من نهاية الحرب الكونية الثانية أي مطلع تسعينات القرن الماضي أطل اليمين الراديكالي المتشدد برأسه على الغرب بداية في أوروبا وبات يتصاعد في كل من النمسا وإيطاليا وفرنسا، ولم يتأخر في اطلالته على الولايات المتحدة التي إزدهرت فيها مسيحية سياسية صهيونية ( المجددون والانجيليون)، والليبراليون الجدد بتأثير من الحركة الصهيونية ظهر ذلك مع انتخاب جورج بوش الأبن في دورتين وتكرر ذلك في فوز ترامب في المرة الأولى ثم في فوزه ثانية في الانتخابات الأخيرة. ترمب وصقور إدارته هم حالياً احدث مخرجات صناديق الاقتراع في ظل نفوذ الحركة الصهيونية وأمراض الرأسمالية في الولايات المتحدة المواتية لإنتاج نخب شوفينية الفكر والسلوك تسعى للجمع بين السلطة والثروة. وعن ترمب بالذات فهو نموذج لشوفينية الامريكي الأبيض، ونفوذ الحركة الصهيونية في أمريكا، وتوحش الرأسمالية في مرحلتها الامبريالية، وحرص أمريكا على ممارسة دور الشرطي العالمي بعد أن لم تعد الرياح تجري بما تشتهيه سفنها. فهي اليوم تحت مديونية تبلغ(36) ترليون دولار بنسبته (124%) من ناتجها الإجمالي . حتى أصبحت كلفة قواعدها العسكرية عبئاً عليها، وباتت تطلب خفض حصتها في الناتو، ولم تعد قادرة على خوض حروب خارجية بعد هزائمها خاصة في فيتنام وأفغانستان وميلها مؤخراً لإدارة حروبها بالوكالة كما هو حالها مع كيانها الصهيوني مخلباً لها في الشرق الأوسط والمنطقة العربية المتخمة بالنفط ومنافذ المواصلات الدولية والموقع الاستراتيجي العالمي المتوسط.