logo
#

أحدث الأخبار مع #الدّولار

'الأضْرار الجانبية' للحرب الإقتصادية الأمريكية – الجزء الأول!الطاهر المعز
'الأضْرار الجانبية' للحرب الإقتصادية الأمريكية – الجزء الأول!الطاهر المعز

ساحة التحرير

time٠٧-٠٥-٢٠٢٥

  • أعمال
  • ساحة التحرير

'الأضْرار الجانبية' للحرب الإقتصادية الأمريكية – الجزء الأول!الطاهر المعز

'الأضْرار الجانبية' للحرب الإقتصادية الأمريكية – الجزء الأول! الطاهر المعز تُشكّل الحرب الإقتصادية والتّجارية الأمريكية إعادة نظر أو مُراجعة للمنظومة الدّولية التي تم إرساؤها سنة 1944 (بريتون وودز) لتقاسم العالم بنهاية الحرب العالمية الثانية التي أدّت إلى انحسار الإمبرياليتَيْن البريطانية والفرنسية وإلى توسّع الإمبريالية الأمريكية والإتحاد السوفييتي، وتندرج هذه الحرب الإقتصادية ضمن تعاظم القوة العسكرية للولايات المتحدة، وأهمية الدّولار ( القُوّة المالية)، وكذلك ضمن انعطافة هامة للدّول الإمبريالية نحو اليمين المتطرف والفاشية المُغَلَّفَة بقِناع 'الدّيمقراطية'، وتجسيد التحالف بين قوى القوى العنصرية والفاشية ( أحزاب اليمين المتطرف ) وأثرى الأثرياء في أوروبا وأمريكا الشمالية ضدّ الأُجَراء والكادحين والمضطَهَدِين والفقراء داخل الدّول الرأسمالية المتقدّمة وفي العالم، فهي حرب الأغنياء ضدّ الفقراء… بدأت هذه الحرب منذ سنوات، ولكنها تكثفت خلال العقد الثّاني من القرن الواحد والعشرين، وما يفعله دونالد ترامب حاليا هو استمرار لسياسة إدارة جوزيف بايدن ضد الصين ( المنافس الأكبر) التي استفادت من التجارة الحرة، وضدّ مجموعة بريكس التي هدّدتها الولايات المتحدة بالوَيْل إذا تَخلّت عن الدّولار، واستمرارٌ لتدمير المؤسسات التي فرضتها الإمبريالية بعد الحرب العالمية الثانية كالأمم المتحدة ومنظماتها واتفاقياتها المُتعَدِّدَة التي يتجاهلها الكيان الصهيوني بتشجيع من مجمل الدّول الرأسمالية المتقدّمة وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا، وتمثّل الدّور الأمريكي في تخفيض أو إلغاء تمويل هذه المنظمات الدّولية ومُغادرة بعضها ( منظمة الصحة العالمية) وعدم تطبيق قرارات المحاكم الدّولية… وقَّعَ دونالد ترامب، يوم الثامن من نيسان/أبريل 2025 أمرًا تنفيذيًّا لدعم قطاع التعدين، حيث تراجع عدد العاملين بالمناجم خلال عقد واحد من سبعين ألف إلى أربعين ألف عامل ( وكالة رويترز 08 نيسان/ابريل 2025)، وعلّق توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز على ذلك: 'يسعى دونالد ترامب – من خلال الميزانية الإتحادية – إلى تقليص تمويل التكنولوجيا النظيفة، وطاقة الرياح والشّمس وإلغاء الحَدّ من التلوث، كمما إنه بصدد عَزْل الولايات المتحدة من خلال مهاجمة أقرب حلفائها، مثل كندا واليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي، واستفزاز الصين – خصمنا الأكبر – ويدعم صناعات الطاقة المدمُرة للمناخ على حساب الصناعات المستقبلية…'، مع العلم إن توماس فريدمان من كبار الكُتّاب والصّحافيين الدّاعمين للقوة الأمريكية… من جهتها درست صحيفة 'وول ستريت جورنال' احتمالات تراجع المُضاربين عن شراء سندات الخزانة الأمريكية، مما قد يضطر الإحتياطي الأمريكي إلى رفع أسعار الفائدة لاجتذاب المشترين، ويؤدّي رَفْعُ أسعار الفائدة إلى انخفاض الإستهلاك داخل الولايات المتحدة، بفعل ارتفاع أقساط ديون العقارات والسيارات وغيرها… تُؤكّد صحيفة فايننشال تايمز إن قرارات دونالد ترامي تُؤدّي إلى انخفاض عدد الزّائرين للولايات المتحدة ( تحتل الولايات المتحدة منذ أكثر من عشر سنوات المرتبة الأولى بإيرادات السياحة الخارجية قبل إسبانيا وفرنسا) وعدد الطّلبة النابغين الذين كانوا يُخطّطون للدراسة في الولايات المتحدة، ثم حوّلوا وجهتهم إلى كندا أو أوروبا، هربًا من انعدام سيادة القانون ومن قَمع حرية التعبير والإعتقال التّعسّفي والتّرحيل، وبذلك تفقد الولايات المتحدة موقعها كقوة جذب المهاجرين والباحثين والمُبْتَكِرِين وتفقد موقعها كمركز علمي ومالي عالمي، وقد تظهر أصوات تُطالب بنقل الأمم المتحدة خارج هذه الدّولة المارقة، فيما أصبحت الصين 'الدولة الرائدة عالميًا من حيث ناتج البحث العلمي في مجالات الكيمياء والفيزياء وعلوم الأرض والبيئة، وتحتل المرتبة الثانية في علوم الأحياء والعلوم الصحية' وفق مجلة ( Nature )… تؤدّي زيادة الرسوم الجمركية إلى تقليص الواردات لكنها تضر بنمو الإقتصاد الأمريكي الذي يتم تعزيزه منذ عقود من خلال زيادة الديون الحكومية وارتفاع نسبة الفائدة، وإضعاف قيمة الدّولار ( الهدف الذي يسعى إليه دونالد ترامب لتعزيز صادرات الولايات المتحدة ) الذي قد يضر بمكانة الدّولار كمُستقطب للإستثمارات الدّولية في الولايات المتحدة، لأن الأجانب يحتفظون بقيمة حوالي عشرين تريليون دولارا من الأسهم الأمريكية، وبقيمة تفوق سبع تريليونات دولارا من سندات الخزانة الأمريكية، وبأكثر من خمس تريليونات دولارا من سندات الشركات الأمريكية، مما يرفع الدّيْن الخارجي الأمريكي إلى ما لا يقل عن 24 تريليون دولارا، وقد تؤدّي السياسات المُتهوّرة لإدارة دونالد ترامب إلى اهتزاز ثقة المُستثمرين وإلى انهيار الطلب على الأصول الأمريكية، والتهديد بانهيار منظومة الإقتصاد العالمي الذي تُشكّل الولايات المتحدة قاطِرَتَهُ، وفق المعهد الدولي للتمويل (IIF) تعليقًا على تراجع أسواق المال العالمية… نشر موقع صحيفة فايننشال تايمز بتاريخ الرّابع من أيار/مايو 2025، تعليقًا على قرارات الرّسوم الجمركية التي اتخذها دونالد ترامب الذي يتبنّى رؤية اقتصادية قومية شوفينية لتحقيق أهداف جيوسياسية، وشبّه هذه القرارات ب' الإعصار المالي' الذي أدّى إلى 'اضطراب الأسواق العالمية ولدى المُستثمرين بفعل حجم الاقتصاد الأميركي ومركزه في المنظومة المالية العالمية'، وقد تكون النتائج السلبية عديدة ومن بينها انخفاض الناتج العالمي وعدم استقرار الأسواق وانعدام الثقة، لأن رأس المال يحتاج إلى الإستقرار، ولا يعترف بالحدود القومية، لأن دينه ومذهبه الوحيد هو الرّبح، وأدّى الإضطراب الناتج عن قراراتدونالد ترامب هروب رؤوس الأموال وتراجع قيمة الدّولار الذي لم يعُد ملاذًا آمنا وتراجعت أسعار الأسهم وإلى ارتفاع عدد عمليات بيع سندات الخزانة، خصوصًا بعد إجراءات انتقامية قام بها دونالد ترامب ضد بعض مكاتب المحاماة، وبعض الشركات، وبعد قطع التمويل عن جامعات عريقة مثل 'هارفارد'، ويرى بعض خبراء صندوق النقد الدولي 'إن الحرب التجارية أضافت ضغوطًا جديدة إلى تلك التي كانت قائمة بفعل الحروب ( أوكرانيا والمشرق العربي) مما قد يؤدّي خفض توقعات نمو الاقتصاد العالمي من 3,3% إلى 2,8% ' توتّر العلاقات الدّولية تندرج السياسات العدوانية للولايات المتحدة، من خلال قرارات رئيسها دونالد ترامب، ضمن محاولات بسط النّفوذ وتأكيد الهيمنة الأمريكية على العالم، ورفض أي شكل من أشكال المنافسة أو تقاسم النّفوذ في إطار التقسيم الدّولي للعمل والتبادل التجاري، وأدّى إعلان الحرب الإقتصادية والتّجارية إلى مجموعة من العواقب، خلال أقل من ثلاثة أشهر، وتحاول الفقرات الموالية تقديم أمثلة لما يحصل عَمَلِيًّا جراء هذه القرارات، وقد تكون بعض التفاصيل مُملّة لكنها أداة فَعّالة لمن يريد سَبْرَ أغوار تأثيرات هذه القرارات الأمريكية، وهذه بعضها: قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لصحيفة 'تسايت' الألمانية (16 أبريل/نيسان 2025) ردا على سؤال حول الدور القيادي المحتمل للاتحاد الأوروبي في ما سَمّته الصحيفة العالم الغربي: 'الغرب كما عرفناه جميعا لم يعد موجودا بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض'، وتجدر الإشارة إلى أن أورسولا فون دير لاين هي وزيرة ألمانية سابقة، ثَرِيّة (وكذلك زوجها) ومؤيدة لأميركا وأطلسية وصهيونية. تخطط الإدارة الأميركية للتفاوض مع أكثر من سبعين دولة للحصول على التزامات من شركائها التجاريين بعزل الصين اقتصاديا مقابل خفض الرسوم الجمركية التي فرضها البيت الأبيض، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال (16 نيسان/ابريل 2025)، بهدف هو مَنْعِ الصين من نقل البضائع إلى أراضي هذه البلدان أو عِبْرَها، ومنع الشركات الصينية من ترسيخ وجودها في هذه البلدان بهدف التحايل على الرسوم الجمركية الأميركية، ومنع دخول المنتجات الصناعية الصينية الرخيصة إلى أسواقها. من ناحية أخرى، تهدد الإدارة الأميركية بفرض رسوم جمركية بنسبة 245% على الواردات من الصين في سياق تصعيد درجة التوترات التجارية بين البلدين، بحسب بيان صادر عن مكتب الإعلام الصّحفي للبيت الأبيض، والذي يذكر بأنه في أوائل نيسان/ أبريل 2025، فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوماً جمركية بنسبة 10% على جميع الدول ورسوماً جمركية إضافية على المنتجات من الدول 'التي تعاني الولايات المتحدة من أكبر عجز تجاري معها، من أجل تحقيق التوازن التجاري وضمان الأمن القومي الأميركي'، وفي وقت لاحق، أعلن البيت الأبيض أن أكثر من 75 دولة حول العالم 'بدأت بالفعل مفاوضات' مع واشنطن من أجل 'إبرام اتفاقيات تجارية جديدة'، وفي ضوء هذه المناقشات، تم تعليق الرسوم الجمركية على جميع الدول باستثناء الصين، التي ردّت بالمثل، ونتيجةً لهذه الإجراءات، قد تواجه الصين الآن رسومًا جمركية تصل إلى 245% على الواردات الأمريكية، وفقًا للبيان، ولم يقدم البيت الأبيض تفاصيل بشأن توقيت أو شكل الإجراءات المشددة. من جهتها، علّقت الصين صادراتها من مجموعة واسعة من المعادن والمغناطيسات الأساسية، مُهدّدة بخنق إمدادات المكونات الأساسية لشركات صناعة السيارات ومصنعي الطائرات وشركات أشباه الموصلات والمقاولين العسكريين حول العالم، وتوقفت شحنات المغناطيسات، الضرورية لتجميع كل شيء من السيارات والطائرات من دون طيار إلى الروبوتات والصواريخ، في العديد من الموانئ الصينية، ريثما تُصوغ الحكومة الصينية قرارات تنظيمية جديدة، وفق صحيفة «نيويورك تايمز»، وبمجرد تطبيقه، يُمكن للنظام الجديد أن يمنع وصول الإمدادات إلى شركات مُعيّنة، بما في ذلك المقاولون العسكريون الأميركيون، بشكل دائم، كما أعلنت الصين تعليق مشترياتها من شركة بوينغ بسبب الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وأعلنت الحكومة الصينية وقف تسليم طائرات بوينغ لشركات الطيران الصينية، حسبما ذكرت وكالة بلومبرغ (16 نيسان/أبريل 2025)، ردًّا على فَرْض الولايات المتحدة زيادة حادّة في الرّسوم الجمركية المفروضة على السلع الصينية تصل إلى 145% منذ الثاني من نيسان/ابريل 2025، وفرضت الحكومة الصينية منذ يوم الرابع من نيسان/ابريل 2025، قيوداً على تصدير ستة معادن أرضية نادرة ثقيلة، تُكرّر بالكامل في الصين، بالإضافة إلى مغناطيسات أرضية نادرة، تحتكر الصين إنتاج نسبة 90% منها، ولا يُمكن الآن شحن هذه المعادن، والمغناطيسات الخاصة المصنوعة منها، خارج الصين إلا بتراخيص تصدير خاصة، لكن الصين لم تبدأ بعدُ – حتى منتصف نيسان/ابريل 2025 – في إنشاء نظام لإصدار التراخيص، مما أثار قلق مسؤولي الصناعة من احتمال إطالة أمد العملية، ومن احتمال انخفاض الإمدادات الحالية من المعادن والمنتجات خارج الصين، وإذا نفدت مغناطيسات الأرضية النادرة القوية من المصانع في مصانع السيارات بمدينة ديترويت الأمريكية وأماكن أخرى، فقد يمنعها ذلك من تجميع السيارات وغيرها من المنتجات المزوّدة بمحركات كهربائية تتطلب هذه المغناطيسات، وتتفاوت الشركات بشكل كبير في حجم مخزوناتها الاحتياطية لمثل هذه الحالات الطارئة، لذا يصعب التنبؤ بتوقيت انقطاع الإنتاج، وبحسب موقع «ستاتيكا» للإحصاءات، تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على واردات المعادن الأرضية النادرة من الصين، التي شكلت 70% من وارداتها بين سَنَتَيْ 2020 و2023، بينما تُعدّ ماليزيا واليابان وإستونيا المُوَرِّدِين الرئيسيِّين الثلاثة الآخرين للولايات المتحدة، ويُستورد الإيتريوم، أحد العناصر المشمولة بالقواعد الجديدة، بشكل شبه حصري من الصين، حيث تأتي 93% من مركبات الإيتريوم المستوردة إلى الولايات المتحدة بين سَنَتَيْ 2020 و2023 من الصين، ووفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية، تعتمد الولايات المتحدة على استيراد الإيتريوم بنسبة 100%، وهو يُستخدم بشكل أساسي في المحفزات والسيراميك والإلكترونيات والليزر والمعادن والفوسفور. تُستخدم 'المعادن الأرضية النادرة الثقيلة' التي يشملها قرار الصين بتعليق التصدير في المغناطيسات الأساسية للعديد من أنواع المحركات الكهربائية، وتُعدّ هذه المحركات مكونات أساسية للسيارات الكهربائية والطائرات الآلية ( من دون طيار)، والروبوتات والصواريخ والمركبات الفضائية، كما تستخدم السيارات التي تعمل بالبنزين أيضاً محركات كهربائية مزودة بمغناطيسات أرضية نادرة لأداء مهام حيوية مثل التوجيه. كما تُستخدم المعادن النادرة أيضاً في المواد الكيميائية المستخدمة في تصنيع محركات الطائرات وأجهزة الليزر ومصابيح السيارات وبعض شمعات الاحتراق، وتُعدّ هذه المعادن النادرة مكونات أساسية في المكثفات، وهي مكونات كهربائية لرقائق الحاسوب التي تُشغّل خوادم 'الذكاء' الاصطناعي والهواتف 'الذكية'. صرّح رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة «أميركان إليمنتس»، وهي شركة توريد مواد كيميائية مقرها لوس أنجليس، بأن شركته أُبلغت بأن الأمر سيستغرق 45 يوماً قَبْلَ إصدار تراخيص التصدير واستئناف صادرات المعادن الأرضية النادرة والمغناطيس، وأضاف أن شركته زادت مخزونها الشتاء الماضي تحسباً لحرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين، ويمكنها الوفاء بعقودها الحالية أثناء انتظار التراخيص، وأعرب رئيس اللجنة الاستشارية للمعادن الحرجة في مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة ووزارة التجارة، عن قلقه بشأن شُح توافر المعادن النادرة، وقال: «هل من المحتمل أن يكون لضوابط أو حظر التصدير آثار وخيمة على الولايات المتحدة؟ نعم». وأكد رئيس قسم التجارة الدولية والأمن القومي في شركة «بوكانان إنغرسول وروني» للمحاماة، ضرورة إيجاد حل سريع لمشكلة المعادن النادرة لأن استمرار انقطاع الصادرات قد يضر بسمعة الصين باعتبارها مورداً موثوقاً، غير إن وزارة التجارة الصينية، التي أصدرت قيود التصدير الجديدة بالاشتراك مع الإدارة العامة للجمارك، مَنَعَت الشركات الصينية من التعامل مع قائمة متزايدة من الشركات الأميركية، وخصوصاً المقاولين العسكريين، وأعلن أحد رواد التعدين الأميركيين والرئيس التنفيذي لشركة «إم بي ماتيريالز»، إن إمدادات المعادن الأرضية النادرة للمقاولين العسكريين كانت مصدر قلق خاص، وأضاف: « إن الطائرات المسيرة والروبوتات هي الأسلحة التي سيتزايد استخدامها على نطاق واسع في الحروب المُستقبلية، وبناءً على كل ما نراه، فقد توقفت المدخلات الأساسية لسلسلة التوريد مما يثير تساؤلات حول مستقبل الصناعات الحربية المستقبلية '، وتجدر الإشارة إن الشركة التي يُديرها – «إم بي ماتيريالز» – تمتلك منجم المعادن الأرضية النادرة الوحيد في الولايات المتحدة، وهو منجم ماونتن باس في صحراء كاليفورنيا بالقرب من حدود نيفادا، وتأمل الشركة في بدء الإنتاج التجاري للمغناطيس في تكساس بنهاية العام 2025 لحساب شركة «جنرال موتورز» وغيرها من الشركات المصنعة. أما في اليابان، فإن بعض الشركات تحتفظ بمخزونات من المعادن الأرضية النادرة تزيد على إمدادات عام كامل، لأنها استخلصت الدّروس بعد أن تضررت سنة 2010، عندما فرضت الصين حظراً لمدة سبعة أسابيع على صادرات المعادن الأرضية النادرة إلى اليابان خلال نزاع إقليمي. بدأت قيود التصدير الصينية حيز التنفيذ قبل أن تعلن إدارة ترمب مساء الجمعة 11 نيسان/ابريل 2025 أنها ستعفي العديد من أنواع الإلكترونيات الاستهلاكية الصينية من أحدث تعريفاتها الجمركية، لكن صادرات المغناطيسات لا تزال محظورة هذا الأسبوع، وفق تصريحات خمسة مسؤولين تنفيذيين في صناعة العناصر الأرضية النادرة والمغناطيسات التي تخضع – مثل معظم السلع الصينية – لأحدث الرسوم الجمركية عند وصولها إلى الموانئ الأميركية، ولكن مَضت الصين قُدُمًا في التعامل بالمثل والرّد، خصوصًا وإنها تحتكر المعادن النادرة وأنتجت – حتى سنة 2023 – نحو 99% من إمدادات العالم من المعادن الأرضية النادرة الثقيلة، مع إنتاج ضئيل من مصفاة في فيتنام، لكن هذه المصفاة أُغلقت خلال العام 2024 بسبب نزاع ضريبي، مما ترك الصين في حالة احتكار، كما تنتج الصين 90% من إجمالي إنتاج العالم من مغناطيسات المعادن الأرضية النادرة، الذي يبلغ نحو 200 ألف طن سنوياً، وهي أقوى بكثير من مغناطيسات الحديد التقليدية، وتنتج اليابان معظم الكمية المتبقية، وتنتج ألمانيا كمية ضئيلة أيضاً، لكن اليابان وألمانيا تعتمدان على الصين في الحصول على المواد الخام، لأن أغنى رواسب المعادن الأرضية النادرة الثقيلة في العالم تقع في وادٍ صغير مُغطى بالأشجار على مشارف مدينة لونغنان في تلال الطين الأحمر بمقاطعة جيانغشي في جنوب وسط الصين، وتقع معظم مصافي التكرير ومصانع المغناطيس الصينية في لونغنان وغانتشو أو بالقرب منهما، وهي بلدة تبعد نحو 80 ميلاً، وتقوم المناجم في الوادي بنقل الخام إلى المصافي في لونغنان، وتتمثل عملية 'التّصْفِيَة' في إزالة الملوثات وإرسال المعادن النادرة إلى مصانع المغناطيس في قانتشو… تباطؤ النّمو يُمثل تباطؤ النّمو أحد أهم نتائج الحرب التجارية، إذْ أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ( أونكتاد)، يوم الإربعاء 16 نيسان/ابريل 2025، إن النمو الاقتصادي العالمي ربما يتباطأ فينخفض من 2,8% سنة 2024 إلى 2,3% سنة 2025، بسبب التوتر التجاري وحالة الضبابية التي تؤدّي إلى الرّكود، ووَرَدت هذه التّوقّعات المتشائمة ضمن تقرير نشرته منظمة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة ( أونكتاد) عن توقعات التجارة والتنمية لهذا العام 2025: 'يُمثل هذا تباطؤًا كبيرًا مقارنةً بمتوسط معدلات النمو السنوية المسجلة في فترة ما قبل جائحة كورونا، والتي كانت في حد ذاتها فترة من النمو الضعيف عالميًا'. أما الأسواق المالية فقد اضطربت منذ بداية شهر نيسان/ابريل 2025، بسبب حالة عدم اليقين الإقتصادي والتجاري، بعد إعلان بداية تنفيذ الرّسوم الجمركية الإضافية بداية من الثاني من نيسان/ابريل 2025، قبل تعليق تطبيقها على 12 اقتصاد، لكنها لا تزال سارية المفعول بنسبة 145% بخصوص واردات الولايات المتحدة من المنتجات الصينية، وفي فقرة أخرى من تقرير 'أونكتاد' وَرَدَ 'إن جولات متتالية من التدابير التجارية التقييدية والمواجهة الجيواقتصادية يحملان مخاطر حدوث اضطرابات حادة في خطوط الإنتاج العابرة للحدود وتدفقات التجارة الدولية، ما يؤدي بدوره إلى تراجع النشاط الاقتصادي العالمي وزيادة تخوفات المُستثمرين… ( ولذا) تتّسِمُ التوقعات العالمية للعام 2025 بأعلى مستوى من عدم اليقين السياسي الذي شهدناه هذا القرن، مما يتسبب في تكبد الشركات خسائر كبيرة وتأخير الاستثمار والتوظيف…' وحثت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية إدارة ترامب على 'استثناء أفقر الاقتصادات وأصغرها من التعريفات الجمركية المتبادلة، ( لأن ذلك ) سيكون له تأثير ضئيل على أهداف السياسة التجارية للولايات المتحدة'. تراجع حركة التجارة الدّولية خفضت منظمة التجارة العالمية توقّعاتها لحركة التجارة الدّوْلية للسلع، لسنة 2025، من نمو قوي بنسبة 3% إلى نحو 0,2% بسبب زيادة الرسوم الجمركية الأميركية وامتداد تبعاتها وتأثيراتها التي يتوقّع أن تكون 'أشدَّ ركودٍ منذ ذروة جائحة كوفيد-19…' استنادًا إلى الإجراءات الأمريكية التي بدأ تطبيقها يوم الثاني من نيسان/ابريل 2025 وتوقعت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية انكماشًا حادًّا وانخفاضًا في حركة التجارة الدّولية بنسبة 1,5%، وهو أكبر تراجع منذ سنة 2020، مما يؤدّي إلى انخفاض نمو الناتج الإجمالي المحلي للدّول، وانكماش الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 7% في الأمد البعيد، إذا لم يتم حل الإشكالات المطروحة حاليا، وإلى انعكاسات سلبية على الأسواق المالية وعلى قطاعات اقتصادية أخرى على نطاق واسع، خصوصًا في البلدان الفقيرة المُسمّاة 'نامية'، وقد تؤدّي هذه الحرب التجارية إلى فك الارتباط بين الاقتصادين الأميركي والصيني الذي قد يؤدِّي إلى 'عواقب وخيمة إذا ساهم في تفتيت أوسع للاقتصاد العالمي على أسس جيوسياسية وتحويله إلى كتلتين معزولتين'، وتتوقع منظمة التجارة العالمية انخفاض تجارة السلع بين البلدين ( الولايات المتحدة والصّين) بنسبة 81%، وهو معدل كان من الممكن أن يصل إلى 91% في حال عدم إعلان الاستثناءات الأخيرة لمنتجات من بينها الهواتف الذكية، ونقلت وكالة رويترز عن مُدير تنفيذي سابق بصندوق النّقد الدّولي 'أصبح التنبؤ بسيناريو أساسي موثوق مسألة مستحيلة تقريبا ( بسبب) تَراجُعِ ما تبقى من نظام التجارة القائم على القواعد، لصالح وضع فوضوي قائم على الصفقات، وتعتمد أي توقعات بشأنه على قدرة الحكومات على إبرام صفقات ثنائية مع الولايات المتحدة…' انخفاض قيمة الدّولار امتدّت وطأة التداعيات السلبية المباشرة للحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي تثير تقلبات حادة في الأسواق كافة لتُصيب العُملة الأمريكية ( الدّولار) الذي كان يُعَدُّ ملاذًا آمنا، يرتفع أو يستقر سعرًهص خلال فترات الإضطراب، ولكنه لم يتمكّن من البقاء بعيدًا عن 'التّأثيرات الجانبية' لتلك الحرب، ولم يتمكّن من تجنّب التّقلّبات التي أثارت قلق الرأسماليين والمُضاربين بالأسهم ( المُستثمِرِين) وأَثّرت سلبًا في السوق المالية 'وول ستريت' فانخفض مؤشر الدّولار الذي يقيس قيمة العملة الأميركية مقابل سلة من العملات الرئيسية، إلى أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات، خلال الأسبوع الثاني من شهر نيسان/ابريل 2025، بفعل تزايد حالة عدم اليقين التي أثارتها قرارات زيادة الرسوم الجمركية، وفي مقابل انخفاض قيمة الدّولار، ارتفعت قيمة اليورو الأوروبي والين الياباني بأكثر من %4 مقابل الدّولار، خلال الأسبوعَيْن الأوّلَيْن من شهر نيسان/ابريل 2025، بعد تسريب تقارير المصارف الأمريكية الكبرى بشأن احتمال حدوث انكماش النّمو الإقتصادي وارتفاع معدّلات البطالة في الولايات المتحدة، وعادةً ما يساهم تدهور الوضع الإقتصادي في زيادة الضُّغُوط على الأسواق وفي تراجع الطلب على الدّولار، وتراجع مؤشر الدولار الذي يفقد مكانته كملاذ آمن زمن الأزَمات، كما تراجع الطلب على السندات وعلى أسهم الشركات الأمريكية، ويُهدّد هذا الوضع مكانة الدّولار في النظام المالي الدّولي، ويزيد من البحث عن سُبُل 'فكّ الإرتباط' بالدّولار الذي يهيمن حاليا، وعلى مدى قصير وحتى متوسّط على التجارة العالمية وأسعار المواد الأولية ( ومن ضمنها المحروقات) وعلى التحويلات المالية الدّولية، ولكن السلطات الأمريكية تُدْرِك جيّدًا الخسائر التي تُصيبها جراء التّخَلِّي عن الدّولار ولذلك هدّد دونالد ترامب الدّول ( بما فيها أعضاء مجموعة بريكس) التي تعتزم تقويم المبادلات التجارية بعملات أخرى غير الدّولار، وفي واقع الأمر ساهمت الولايات المتحدة في محاولات بعض الدّول خفض التعامل بالدّولار، بسبب القرارات الأمريكية الجائرة: الحَظْر والعُقوبات واستغلال النفوذ الإقتصادي والسياسي والإعلامي والعَسْكَرِي لابتزاز الدّوَل… يُؤَدِّي تراجع الدّولار إلى ارتفاع مكانة الذّهب كملاذ آمن ( بَدَل الدّولار)، فقد ارتفعت مشتريات المصارف المركزية من الذّهب مما رفع سعره بنسبة 27% منذ بداية العام 2025، وإلى مستوى قياسي ( 3359,5 دولارا للأونصة أو الأوقية) صباح الخميس، السابع عشر من نيسان/ابريل 2025، مما يزيد من تراجع الدّولار، وترافق ارتفاع سعر الذّهب مع ارتفاع سعر المعادن النفيسة الأخرى، كالفضة والبلاتين… خسائر شركات التكنولوجيا: انفيديا وأيه إم دي تأثّرت شركات التكنولوجيا الأمريكية باحتداد التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين، فقد أعلن متحدث باسم شركة 'إنفيديا'، يوم الثلاثاء 15 نيسان/ابريل 2025، إن قرارات الحرب التجارية وحظر التعامل مع الصين تؤدّي إلى خسارة الشركة نحو 5,5 مليار دولارا من التّكاليف الإضافية بعد أن حَدَّت الحكومة الأميركية من صادرات شريحتها للذكاء الاصطناعي، وفرضت قيودا على صادرات رقاقة الذكاء الاصطناعي (إتش20) إلى الصين، وهي سوق رئيسية لإحدى أشهر رقائقها، ويندرج هذا القرار ضمن محاولة مسؤولي الحكومة الأمريكية الحفاظ على صدارة سباق الذكاء الاصطناعي، مع الإشارة إلى سيطرة شركة إنفيديا على أكثر من 90% من سوق وحدات معالجة الرسومات المستخدمة بشكل أساسي في مراكز البيانات، وفقًا لشركة أبحاث السوق آي.دي.سي ( نهاية آذار/مارس 2025)، وانخفضت أسهم شركة إنفيديا بنسبة 6% لأن رقائق 'إتش 20 ' مطلوبة في السوق الصينية ومن قِبَل شركات صينية عديدة مثل 'علي بابا' و 'تينسنت' و 'بايت دانس' ( الشركة الأم لتطبيقات تيك توك ) وهي أكثر تطوّرًا من الرقائق الأخرى المعروضة في أسواق الصّين، وعلّلت الحكومة الأمريكية تقييد مبيعات (إتش20) للصين بسبب 'خطر استخدامها في حواسيب عملاقة' وسبق أن أعلنت شركة إنفيديا ( يوم الاثنين 14 نيسان/ابريل 2025) أنها تخطط لبناء خوادم ذكاء اصطناعي بقيمة تصل إلى 500 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدى السنوات الأربع المقبلة بمساعدة شركاء مثل تايوان سيميكوندكتور مانيوفاكتشرينج (تي.إس.إم.سي)، تماشيا مع سعي إدارة ترامب للتصنيع المحلي. بالإضافة إلى إنفيديا، أعلنت شركة صناعة أشباه الموصلات الأميركية أدفانسد ميكرو ديفايسز ( AMD – أيه.إم.دي) إنها تتوقع تكبد خسائر بقيمة 800 مليون دولار من إيراداتها نتيجة القيود التي قررت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرضها على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي إلى الصين، وإنها ستسعى للحصول على تراخيص لتصدير منتجاتها إلى الزبائن في الصين، لكنها لا تستطيع التأكد من حصولها عليها، وفق وكالة بلومبرغ بتاريخ 15 نيسان/ابريل 2025، وتجدر الإشارة إن إدارة الرئيس 'الدّيمقراطي' جوزيف بايدن أصدرت قرارات عديدة تزيد من القيود على تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين بذريعة احتمال ' تهديدات للأمن القومي' من منافس جيوسياسي. انخفضت أسهم شركات التكنولوجيا وتصنيع الرقائق، يوم الإربعاء 16 نيسان/ابريل 2025، بعد إعلان شركة إنفيديا أن الضوابط الأميركية الجديدة على صادرات رقائق الذكاء الاصطناعي ستُكلفها 5,5 مليار دولار إضافية، وكانت إنفيديا قد أعلنت أنها ستبدأ إنتاج حواسيبها الفائقة للذكاء الاصطناعي بالولايات المتحدة لأول مرة، وانخفضت أسهم منافِستها «إيه إم دي» بنسبة 6,5%، كما انخفضت أسعار أسهم شركات التكنولوجيا الآسيوية الكبرى، فتراجعت أسهم شركة أدفانتست، المُصنّعة لمعدات الاختبار، بنسبة 6,7% في طوكيو، وخسرت شركة ديسكو 7,6% ، بينما انخفضت أسهم شركة تي إس إم سي التايوانية بنسبة 2,4%… من أسباب التراجع الأمريكي عن الرسوم الجمركية أعلن بيان البيت الأبيض يوم الجمعة 11 نيسان/ابريل 2025، عن مجموعة من الإعفاءات الجمركية المؤقتة لبعض الواردات الإلكترونية من الصين (الهواتف الذكية والأجهزة المنزلية وأشباه الموصلات وخوادم الذكاء الاصطناعي)، وتُقَدَّرُ نسبتها ما بين 20% و25% من إجمالي الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة، ولم يكن هذا التراجع ناتجا عن تأثير الرسوم الجمركية على أسعار الإستهلاك داخل الولايات المتحدة بل بسبب ارتفاع الطلب على سندات الخزانة الأمريكية التي تُعَدُّ أكبر وأكثر أسواق الدَّيْن الحكومي تطورًا، وهي شريان الحياة للميزانية العمومية الأمريكية، وجزءًا من أدوات الإستقرار الإقتصادي والمالي، وعادةً ما يلجأ المستثمرون – خصوصًا خلال الشدائد والأزمات – إلى الذهب، وصناديق الإستثمار المَوْثُوقة وإلى سندات الدّيْن الحكومية التي ترتفع أسعارها وترتفع عائداتها عند ارتفاع الطلب عليها، أي ارتفاع الدّيُون الحكومية وفوائدها، وهو ما حصل لسندات الخزانة الأمريكية مُؤَخّرًا، فالسندات الأمريكية تتميز بأنها مُقوّمة بالدّولار ( أي العملة المحلية للولايات المتحدة) وارتفعت العائدات على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 4,5% يوم الجمعة 11 نيسان/ابريل 2025… أدّت المخاوف بشأن المؤسسات الأمريكية والأضرار الاقتصادية الجسيمة الناجمة عن القرارات الحمائية الأمريكية، والقلق من احتمال تصاعد التوترات العالمية بين الولايات المتحدة وحلفائها، وعلى رأسهم الصين، والتوقعات السلبية بشأن دخول الإقتصاد الأمريكي في حالة ركود عميق، إلى تَحَوُّلٍ في الموقف تجاه الاقتصاد الأمريكي، ولم تَعُدْ صناديق التقاعد الدنماركية والكندية (وهما من أكبر المستثمرين في العالم) تعتبر الولايات المتحدة مصدرًا موثوقًا للنمو، وتَلَقَّى الاحتياطي الفيدرالي عددًا قياسيًا من طلبات المصارف المركزية الأجنبية لسحب احتياطياتها الذهبية من فرع الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وإعادتها فعليًا، ولا علاقة للصين بعمليات السّحت، فهي تمتلك حيازات ضخمة من الأصول والسندات الأمريكية، تُقدّر ب 759 مليار دولار، والصين ثاني أكبر دائن للولايات المتحدة… وردت معظم المعلومات والبيانات بمواقع وكالتَيْ رويترز و بلومبرغ 16 و 17 نيسان/ابريل 2025يتبع ‎2025-‎05-‎07 The post 'الأضْرار الجانبية' للحرب الإقتصادية الأمريكية – الجزء الأول!الطاهر المعز first appeared on ساحة التحرير.

كيف يؤثر نقل الاخبار الملفقة في الوضع الاقتصادي في لبنان؟
كيف يؤثر نقل الاخبار الملفقة في الوضع الاقتصادي في لبنان؟

الديار

time٠٣-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الديار

كيف يؤثر نقل الاخبار الملفقة في الوضع الاقتصادي في لبنان؟

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب في الوقت الذي يسعى فيه العالَم جاهدًا للوصولِ إلى الحقيقة، نُواجه اليوم تحدّيًا في معرفتها بسبب انتشار الأخبار المُلفقة أو ما يعرف بالـ Fake news. ومن دون أيّ تبريرٍ أو سابق إنذار، تساهم بعض وسائل الإعلام في نشر الأخبار المُلفّقة، إمّا بهدف التّشويق ولفت الانتباه، وإمّا بهدف التّحريض والكراهيّة. ولطالما استُخدمت هذه الأنواع من الأخبار، لتحقيق مكاسب سياسيةٍ واقتصاديةٍ في الحياة العامة بواسطة نشر خطابٍ معادٍ موجّه ضد الطرف الآخر. ولأنّ خطاب الكراهيّة يضعف المجتمعات ويدمّرها، كما يعمل على زرع بذور الخوف والكراهية وانعدام الثّقة في نفوس أفرادها، بات من الضّروري إصلاح النّسيج الإعلامي والحدّ من نشر الأخبار الملفقة بهدف مكافحة خطاب الكراهيّة والحدّ منه. في لبنان، شهدت الأزمات المتعدّدة الأوجُه، تسارعًا وتفاقمًا في الأحداث، سيطرت على مختلف السرديّات في الخطاب الإعلامي كما صعّدت حدّة التوتر في بعض المناطق. وقد قدّرت اليونيسف أنّ أكثر من نصف السكّان باتوا الآن يعيشون تحت خط الفقر وأنّ "مشاكل وباء كوفيد-19، وتفجيرات آب 2020 في بيروت، وانعدام الاستقرار، قد اجتمعت كلها لإيجاد ظروف أسوأ مما كانت عليه حتى أيام الحرب الأهلية بين 1975 و1990". وتزايدت المخاوف الأمنية في مناطق مختلفة، مع تفاقم التوتّرات حتى مستويات خطرة، وِفق ما عكسته الاشتباكات بين سكان باب التبانة في طرابلس والجيش اللبناني. لذلك، أصبح وبشكلٍ حتميٍ، التّحريض على العنف جزءًا لا يتجزأ من محتوى مواقع التّواصل الاجتماعي. وفي ظل استمرار التّوتر في عالمنا العربي لا سيّما لبنان، حتمًا ما سيؤثر ذلك في مضمون ما يُبثّ عبر شاشاتنا وما يكتب عبر مواقعنا الإلكترونيّة وجرائدنا. الجهات التي تروّج للأخبار المُلفقة غالبًا ما تكون الظّروف هي المُساعدة الاولى لانتشار الأخبار المُلفّقة. فمثلًا تزداد تلفيق الاتهامات والإشاعات خلال فترة الأزمات لأنّ معظم النّاس تكون مُربَكة وقادرة على تصديق أيّ شيءٍ. فخلال الأزمات الاقتصادية، تؤدي الأخبار المُلفّقة نهجًا في تخويف المواطنين، وجعلهم يشعرون بالقلق المُستمرّ والارتباك ما يؤثّر في نفسياتهم ويبدؤون بتصديق ما يُقال، خصوصًا إذا كانت هذه الأخبار منتشرة عبر مواقع التّواصل الاجتماعي. اقتصاديًا: في الكثير من الأحيان، تحمل الأخبار المُلفّقة طابع التوقّع المستقبليّ، كتوقّع ما ستؤول إليه الحالة الاقتصادية في البلاد، ما يثير الذّعر والخوف في نفوس النّاس ويبدؤون بتصديق أيّ خبرٍ يُكتب. وهُنا، لا تؤدي الأخبار المُلفّقة دورًا مهمًا في إقناع الجمهور خلال فترة الأزمات فقط، إنّما تكون في كثير من الأحيان لاعبةً بنفسها في خلق أزمةٍ جديدةٍ من خلال نشر الخوف والقلق لدى النّاس، تمامًا مثل أزمة الدّولار وهبوط العملة الوطنية أمامها. بدأت يومذاك بعد التطبيقات الزائفة بإلإدلال بأرقامٍ خاطئةٍ حول سعر صرف الدّولار الرسمي، رغم أنّه كان خاطئًا. وبات الاعتماد على هذه التطبيقات الزائفة لفترةٍ مهمةٍ إلى أن أصبحت هي نفسها صانعة الأخبار المُلفّقة. فهي التي كانت تقوم بتحديد سعر الصّرف في دولار السّوق السّوداء. وبحسب ما أكدّه مصدر خاص للدّيار، "معظم الأزمات الاقتصادية في البلد، تبدأ بكذبة وتنتهي بكذبة". وأكّد خبير اقتصادي رافضًا الإدلاء باسمه، أنّ "الحرب كانت وليدة الثورة، والثورة كانت وليدة الأزمة الاقتصادية، والازمة الاقتصادية كانت وليدة دفع رسوم إضافية على الواتساب، وهي في الأساس كانت كذبة. لذلك، أي خبر مزيف يمكنه أن يدمّر واقعنا الاقتصادي بشكل أو بأخر". ولفت إلى أنّ "معظم التطبيقات التي باتت ترفع الدولار إلى أرقام جنونية، تم تصديقها بسبب الإشاعات والأكاذيب التي كانت تدّعي وقتذاك أن لا سقف للدولار. فتم تصديق الكذبة وبتنا في مأزق حقيقي". سياسيًا: لا يمكن اختصار الأزمات بالأزمات الاقتصادية طبعًا، لأنّ معظمها تبدأ خلال المنافسات الرئاسية والانتخابية وغيرها. ففي زمن الانتخابات (مهما يكن نوع الانتخابات الحاصلة: اختياريّة، بلديّة، نيابيّة، رئاسيّة..) تظهر الأخبار المُلفّقة بأكثر من مستوى على الصعيد المحلّي والعالمي. وتزداد حينئذ الأخبار المُلفّقة لتصل إلى ذروتها، محققةً مكاسبها خلال هذه الفترة الحساسة. وتكون الجهات وهميّة، مثل المواقع المؤيّدة لرؤساء أحزاب أو بلديات أو مخاترة أو نوّاب بهدف تطبيق أجنداتها، أو عبر وسائل الإعلام. أو بعض الجهات الإستخباراتية أو الدّولية، التي توظّف هذه الأخبار ضمن ما يُسمّى "حرب معلومات" لزعزعة استقرار خصومها أو الأثير على قضايا دوليّة. وأحيانًا كثيرة، يكون الخبر الملفّق الواحد، كفيلًا لاشتعال حربٍ بأكملها. لذلك، فإنّ غياب التحقق من المصادر لدى الجمهور في لحظة خوف، يكون قادرًا على انتشار الأخبار الملفقة، تصديقها، وإعادة نشرها أكثر فأكثر لتصبح ككرة الثلج تنمو شيئًا فشيئًا. على الرغم من محاولات بعض المنصّات مواجهة الأخبار المُلفّقة والمسيئة، ولكن لا تزال بعض الأخبار تنتشر بسهولة مثل حملات التضليل الإعلامي والصّحي. وتقوم منصّاتٍ عديدةٍ مثل فيسبوك ويوتيوب بوضع سياساتٍ للمحتوى، مثل منع مشاهد السلاح أو لقطات للتدخين أو مشاهد دموية، لكنّها تظل تعتمد على خوارزميات ذكية تكافح المُحتوى الضّار، ممّا يعني أن بعض المحتوى يُفلت من الرّقابة. لذلك، من الضروري نشر الوعي حول كيفية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكلٍ آمنٍ ومسؤولٍ، مع ضرورة زيادة الرقابة الحكومية وفرض قوانين أكثر صرامة على مواقع التواصل الاجتماعي والتعاون بين الحكومات ومزوّدي خدمات الإنترنت لتطبيق قوانين أفضل وأكثر فعاليةٍ.

هاني بحصلي: الأسعار مستقرة وارتفاع سعر اليورو قد يؤثر على استيرادنا من أوروبا
هاني بحصلي: الأسعار مستقرة وارتفاع سعر اليورو قد يؤثر على استيرادنا من أوروبا

صوت بيروت

time٢٩-٠٤-٢٠٢٥

  • أعمال
  • صوت بيروت

هاني بحصلي: الأسعار مستقرة وارتفاع سعر اليورو قد يؤثر على استيرادنا من أوروبا

طمأن رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائيّة في لبنان ​هاني بحصلي​، اللّبنانيّين بشأن 'استقرار أسعار المواد الغذائية'، مؤكّدًا أنّ 'الأسعار لم تتأثّر حتّى الآن بانخفاض سعر صرف الدّولار مقابل سلّة العملات الأجنبيّة، نتيجة الحرب التّجاريّة الحاصلة بين الولايات المتّحدة الأميركيّة والصين'. وأوضح في بيان، بإطار 'إطلاع الإعلام والرّأي العام على تطوّرات أسعار المواد الغذائيّة المستورَدة، نتيجة الحرب التّجاريّة العالميّة، ومنع حصول أي تجاوزات واستغلال لهذا الموضوع من قبل البعض'، 'أنّنا منذ اليوم الأوّل، أكّدنا أنّه لن يكون هناك تأثير مباشر للحرب التّجاريّة في المدى القريب على أسعار المواد الغذائيّة'. وأشار بحصلي إلى أنّ 'هناك عنصرًا آخر قد يؤثّر على الأسعار بشكل غير مباشر، ويتمثّل بارتفاع سعر صرف اليورو مقابل الدولار، الّذي سجّل ارتفاعًا بنسبة 8%، وهذا ارتفاع ليس بقليل، بخاصّة أنّ لبنان يستورد نحو ثلث حاجاته من الأسواق الأوروبيّة. وبالتّالي نخشى أن يكون هناك تأثير لارتفاع سعر اليورو على استيرادنا من أوروبا والمناطق المجاورة الّتي تتعامل باليورو'. ولفت إلى أنّ 'تأثيرات ارتفاع اليورو مقابل الدّولار تحتاج إلى وقت لتتجلّى في السّوق اللّبنانيّة على هذا المستوى'، مشدّدًا على أنّ 'السّوق حاليًّا في فترة استقرار'. وركّز على أنّ 'ارتفاع اليورو لا يعني أنّ أسعار المواد الغذائيّة كافّة سترتفع'، مبيّنًا أنّ 'دائمًا هناك أسواق بديلة، وهذا ما لمسناه عندما حصلت الأزمة الماليّة في لبنان، إذ تحوّلنا للاستيراد من أسواق أخرى. لكن أثبتت التّجربة ألّا غنى عن البضاعة الأوروبيّة في أماكن معيّنة، إذ أنّ المستهلك اللّبناني يفضّل الجودة'. كما أكّد أنّ 'في الوقت الحاضر نحن في حالة ترقّب للأسواق، حتّى نتمكّن من تحديد هوامش ارتفاعات الأسعار في حال حصلت، ونحن سنطلع الإعلام والرّأي العام على تطوّرات هذا الموضوع، بهدف منع حصول أي تجاوزات وإستغلال من قبل البعض'.

من تداعيات الحرب التجارية ( 3)!الطاهر المعز
من تداعيات الحرب التجارية ( 3)!الطاهر المعز

ساحة التحرير

time٢٣-٠٤-٢٠٢٥

  • أعمال
  • ساحة التحرير

من تداعيات الحرب التجارية ( 3)!الطاهر المعز

من تداعيات الحرب التجارية ( 3)! الطاهر المعز تتضمن هذه الحلقة الأخيرة متابعة للتأثيرات المباشرة ( الآنية) للقرارات الأمريكية –أحادية الجانب – وردود فعل الصين، ومنها التّخلّص التّدريجي من السّندات الأمريكية والأضرار التي تلحق المستهلكين في العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة التي تظاهر الآلاف من سُكّانها في معظم الولايات الأمريكية احتجاجًا على خفض الإنفاق الحكومي وتسريح الموظفين والقمع وما إلى ذلك وتدرس بعض الفقرات بعض النتائج الأخرى ومن ضمنها إعادة هيكلة الإقتصاد العالمي لصالح رأس المال الإحتكاري 'الغربي'، وتتضمن هذه الورقة فقرتان – هما الأهم وفق وجهة نظري – بشأن بعض الإستخلاصات وبشأن موقع دول 'الأطراف' ( أو 'الجنوب العاللمي' ) من هذه الحرب التجارية وبعض الآراء بشأن التعاون الإقليمي بهدف الخروج من حالة التبعية إلى ما يُسمّى 'التنمية المُستدامة'… الآثار الأولى لِارتفاع الرسوم الجمركية الأميركية يُعتبر خَفْض الصّين مشترياتها من البضائع والخدمات الأمريكية من النتائج الأولى المباشرة للحرب التجارية الأمريكية، ونشرت وكالة بلومبرغ الأمريكية، يوم الإثنين 21 نيسان/ابريل 2025 تقريرًا يُشير إلى خَفْض الصّين وارداتها من السلع الأمريكية بشكل حاد خلال شهر آذار/مارس 2025، وفي بعض الحالات إلى الصفر، اعتمادًا على بيانات الجمارك الصّينية، بسبب تصاعد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، وأوقفت الصين مشتريات الغاز الصّخري المُسَال ( الذي كان يُشكل 5% من واردات المحروقات الصينية)، والقمح الذي كان يُشكل 17% من واردات الصين من الولايات المتحدة، وكانت الصين قد فرضت رسوما جمركية إضافية على المنتجات الأمريكية، ردًّا على الحرب التجارية الأمريكية، وتراوحت هذه الرسوم الصينية، خلال شهر شباط/فبراير 2025، بين 10% و15% على واردات الطاقة، ورسوم مشابهة خلال شهر آذار/مارس 2025 على المنتجات الزراعية الأمريكية، وتتوقع وكالة بلومبرغ أن تتراجع مشتريات الصين من السلع الأمريكية بشكل أكبر بعد تصاعد الحرب التجارية في بداية شهر نيسان/أبريل 2025، وتجاوزت الرسوم الجمركية نسبة 100%، وبالإضافة إلى تراجع مشتريات الصين من الحبوب الأمريكية، تراجعت مشتريات الصين من المنتجات الزراعية الأمريكية الأخرىبشكل حادّ خلال شهر آذار/مارس 2025، حيث تراجعت واردات القطن الأمريكية بنسبة 90% مقارنة بشهر آذار/مارس 2024 لتصل إلى ما يزيد قليلا عن 14 ألف طن، وانخفضت واردات الذرة إلى أقل من 800 طن، وهو أدنى مستوى لها منذ شهر شباط/فبراير 2020، في بداية جائحة كورونا وتوقف حركة التجارة آنذاك… عينة من التأثيرات المباشرة والظاهرة للحرب التجارية الأمريكية. التّخلّص التّدريجي من السّندات الأمريكية تُمَوّل الولايات المتحدة اقتصادها وحروبها وإنفاقها العسكري الضخم بواسطة الدّولار وهو عبارة عن ورقة يتم طبعها في الولايات المتحدة ولا يُقابلها إنتاج، وبواسطة طَرْح سندات الخزانة الأميركية – وهي أداة دَيْن – التي تمتلك الصين ثاني أكبر حصّة منها، وأدّت الحرب التجارية إلى تخلّص الصّين التدريجي ( لأن البَيْع المُكثّف يؤدّي إلى انهيار قيمة السّندات) من السّندات الأمريكية لصالح الاستثمار في أدوات الدين والسندات الحكومية الأوروبية واليابانية والذّهب، بالتوازي مع تراجع نصيب الدّولار في استثمارات الأفراد والشركات الصينية، مما أدّى إلى تضرر الأصول المُقَوَمَة بالدولار، لأنها فَقَدَت مكانتها كملاذٍ آمن في أعقاب إعلان دونالد ترامب الحرب التجارية… تضرّر المُستهلكين تراجع الطّلب على المنتجات المصنوعة في الصين والتي كانت تُباع بأسعار بخسة في جميع أنحاء العالم، ومن ضمنها الأسواق الأمريكية التي تُمثل حوالي 30% من صادرات الملابس المصنوعة في الصين، بما في ذلك المبيعات بواسطة المنصّات التجارية الإلكترونية، وقد يُؤدّي ارتفاع الرسوم الجمركية، وارتفاع أسعار هذه السلع من الملابس واللُّعَب إلى الهواتف ومختلف الأجهزة الإلكترونية إلى تخلي الشركات الصينية عن السوق الأميركية، والبحث عن أسواق بديلة، مما يتطلب وقتًا إضافيا وتسريح ملايين العمال والعاملات في الصّين. أما في الولايات المتحدة فإن الرسوم الجمركية الإضافية تَرْفَعُ الأسعار وتزيد من نسبة التّضخم، وتؤثّر سَلْبًا على المستهلكين وعلى الشركات في الولايات المتحدة، وفق رئيس الاحتياطي الفدرالي الأميركي جيروم باول الذي يُصِرّ دونالد ترامب على إقالته لأنه لا يتفق مع قراراته الإقتصادية والمالية، كما تُؤثّر هذه القرارات سلبًا على حياة الصينيين، وخصوصًا العاملين في مصانع تصدير السلع إلى الولايات المتحدة، وبخصوص تأثير قرارات دونالد ترامب على القطاعات والشركات الأمريكية، وَرَد في الجزء الأول من مقال 'من تداعيات الحرب التجارية – 1 ' ذِكْرُ تقرير نيويورك تايمز بشأن الأضرار التي لحقت شركة 'إنفيديا' وشركات تصنيع الرقائق وأشباه المواصلات، في أمريكا والعالم بما في ذلك شركة تي إس إم سي في تايوان، المَحْمِيّة الأمريكية، وشركة إس كيه هاينكس الكورية الجنوبية، وشركة إيه إس إم إل الهولندية العملاقة للرقائق، وشركة 'إنتل'، ذات العلاقات الوثيقة جدًّا بالكيان الصهيوني، وبذلك تحولت شركات تصنيع الرقائق إلى سلاح استراتيجي في الصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين، ولن تتمكّن الولايات المتحدة من حرمان الصين من التكنولوجيا ولكنها تُؤَخِّرُ وتُبْطِئُ تطورها… نُمُو الإعتراضات على السياسة الأمريكية نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا يوم 27 آذار/مارس 2025، يُشير إلى الدّعوات المُتزايدة الصادرة عن آلاف المواطنين الأوروبيين ( والكَنَدِيِّين) إلى مقاطعة الإنتاج الأميركي ونَشْر قائمة منتجات محلية بديلة، وأصبحت بعض المتاجر الأُوروبية تُشير إلى المنتجات المحلية برموز يسهل على المُتَسَوِّقِين تمييزها، وأدّى انتشار حملات المقاطعة إلى انزعاج مسؤولي الشركات الأمريكية، فقد حذّرت شركة (بيوند ميت)، وهي شركة أغذية نباتية مقرها كاليفورنيا، من احتمال فقدان بعض زبائنها في الخارج بسبب ما أَسْمَتْهُ 'المشاعر المعادية لأميركا'، وفي كندا، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة 'إمبارير' ثاني أكبر سلاسل المتاجر الكندية، انخفاضًا كبيرًا في مبيعات الشركة من المنتجات الأميركية، مما اضطر الشركة إلى عَرْض المزيد من منتجات الدّول الأخرى. أما شركة تسلا للسيارات الكهربائية المملوكة لإيلون ماسك أحد أهم داعمي دونالد ترامب واليمين المتطرف الأوروبي، فأصبحت مُصنّفة ضمن أكبر المتضررين من مقاطعة المنتجات الأميركية بالخارج، وفي مجال العالم الرقمي ألغى آلاف الأشخاص اشتراكاتهم في منصات أميركية أمثال 'نتفلكس' و'ديزني+' و'أمازون برايم فيديو' وغيرها، وفي مجال السياحة، تراجع عدد السائحين الأجانب في الولايات المتحدة بنسبة 12% خلال شهر آذار/مارس 2025، مقارنة بشهر آذار/مارس 2024، وفق موقع صحيفة واشنطن بوست، وانخفض عدد الحجوزات المسبقة من أوروبا إلى الولايات المتحدة بنسبة 25% وفق شركات الأسفار الأوروبية وأدّى ذلك إلى انخفاض أسهم شركات الطيران عبر الأطلسي، مثل شركة 'آي إيه جي إس إيه'، الشركة الأم للخطوط الجوية البريطانية… مظاهرات داخل الولايات المتحدة نادرًا ما لاقت السياسة الخارجية الأمريكية مُعارَضَةً داخلية، باستثناء السنوات الأخيرة من العدوان على شعب فيتنام، والأسابيع السّابقة لاحتلال العراق، لكن ارتفعت حدّة الإحتجاجات ضد الحَيْف الطّبقي والإغتيالات العُنْصُرية، وللمرة الأولى اعترض الشباب الجامعي على الدّعم الأمريكي المُطلق للكيان الصهيوني – خلال رئاسة 'الدّيمقراطي' جوزيف بايدن – بينما كان الإحتلال الصهيوني يحظى بدعم واسع من المواطنين الأمريكيين بسبب التّضليل الإيديولوجي والإعلامي، وبسبب تشابه نشأة الإستعمار الإستيطاني الأوروبي في أمريكا الشمالية وفي فلسطين… استمرّ الدّعم المُطلق للكيان الصهيوني واستمرّ القمع السّافر وسحب التمويل العام والخاص للجامعات، وكان تَظاهُرُ الآلاف في شوارع أهم المدن الأمريكية في بداية شهر نيسان/ابريل، ثم يوم السبت 19 نيسان/ابريل 2025، احتجاجاً على الإجراءات الأخيرة التي اتخذها الرئيس دونالد ترامب، مُفاجأة لمن يعيش خارج الولايات المتحدة، خصوصًا بعد إعلان بعض قيادات النقابات العُمّالية دعم الحرب التجارية التي أعلنها دونالد ترامب، واتخذت هذه المظاهرات اسم '50501'، الذي يرمز إلى 50 مظاهرة في و50 ولاية، ضمن حركة مُوَحَّدَة، في الذكرى السنوية الـ 250 لبداية حرب 'الاستقلال' الأمريكية ( وهنا تظْهر الشوفينية المُتغلْغِلَة في أذهان معظم أفراد الشعب الأمريكي ) وتجمّع المتظاهرون أمام البيت الأبيض، ومحلات بيع سيارات شركة تسلا في العديد من المدن الأمريكية، وتعكس هذه المظاهرات استطلاعات الرأي التي تُظْهِر عدم رضا الجمهور عن أداء دونالد ترامب خلال الأشهر الثلاثة الأولى من فترة رئاسته، والغضب من قرارات خفض الإنفاق الحكومي وخفض الوظائف الحكومية وترحيل المهاجرين، وفق وكالة أسوشيتد برس ( 19/04/2025) ونشرت وكالتا رويترز ووكالة الصحافة الفرنسية تقارير عن التحركات المعارضة التي انبثقت عن جمعيات ترفع شكاوى قضائية ضد تدابير تتخذها الحكومة الإتحادية برئاسة دونالد ترامب، بمناسبة مرور مائة يوم على تنصيبه، وتحولت الاجتماعات العامة التي يعقدها النواب الجمهوريون في دوائرهم – عملا بتقليد تسوده عادة روح توافقية – إلى مساحة للتعبير عن الغضب الشعبي حيال دونالد ترامب الذي تم انتقاده طريقة حُكْمِه بإصدار أعداد هائلة من المراسيم الرئاسية وبلبلة التجارة الدولية وتفكيك أجزاء كاملة من الدولة الفدرالية تحت إشراف حليفه الملياردير إيلون ماسك، وغيرها من التدابير، وجرت عدة تظاهرات في الأسابيع الأخيرة عبر الولايات المتحدة، طغت عليها شعارات الإحتجاج على خفض الإنفاق العام… إعادة هيكلة الإقتصاد العالمي لصالح رأس المال الإحتكاري 'الغربي' إن الطابع الجيوسياسي الحالي للإستفزاز الأمريكي بواسطة الرسوم الجمركية يؤدّي إلى توسيع العدوان – غير العسكري لحدّ الآن – إلى عشرات الدول ( 180 دولة وفق دونالد ترامب)، وعلى رأسها الصين، دون إعفاء الدّول الحليفة، مما يُحتّم إعادة النّظر في أُسس منظمة التجارة العالمية التي تعكس موازين القوى العالمية خلال حقبة العولمة النيوليبرالية، فقد أعلن دونالد ترامب عن ضرورة 'استرداد هيبة الاقتصاد الأميركي' ( وهي صيغة أخرى من شعاره الإنتخابي 'لنجعل أمريكا قوية من جديد ' Make America Great Again – MAGA ) ، والسيطرة على مختلف القطاعات من الرقائق الإلكترونية والهواتف الذّكية إلى الإنتاج الزراعي، رغم الثمن المرتفع، حيث خسرت سوق الأسهم الأمريكية سبع تريليونات دولارا خلال يوْمَيْن، وانخفضت قيمة الدّولار ليُصبح الذّهب ملاذًا آمنا بدل الدّولار وسندات الخزانة الأمريكية، غير إن دونالد ترامب يعتبر إن مُخططاته لها أهداف بعيدة المدى تتضمن إرساء قواعد جديدة للإقتصاد العالمي، فيما تعتبر الصين إنها ليست خصومة تجارية عابرة بشأن المنتجات، بل صراع حول السيطرة على مركز التصنيع العالمي، وأظهرت الصين إنها تسير وفق مخطط مدروس منذ نهاية القرن العشرين، فقد شجّعت حكومة الصين البحث العلمي والإبتكار، وأنفقت أكثر من 679 مليار دولار على مشاريع البنية التحتية العالمية، أي ما يعادل 9 أضعاف ما أنفقته الولايات المتحدة، وسجّلت، سنة 2023، أكثر من 798 ألف طلب براءة اختراع، أي ضعف ما سجلته أميركا التي تُقدّر حصتها من الصناعات العالمية ب 15% ، فيما تُقدّر حصة الصين ب 30% ، ونتيجة لذلك تضاعَفَ حجم الناتج المحلّي الصيني 15 مرة بين سنتَيْ 2000 و 2023، واتّبعت الصين أُسلوبًا مُغايرًا للولايات المتحدة التي تأسست على جماجم السكان الأصليين وعرق ودماء العبيد الذي نُقِلُوا بشكل قَسْرِي من إفريقيا إلى أمريكا الشمالية، ولذلك لا تمتلك الصين نظِيرًا للأساطيل الحربية التي تجوب البحار أو للقواعد العسكرية الأمريكية التي يفوق عددها ثمانمائة قاعدة حول العالم، وليست للصّين منطقة نُفُوذ استراتيجي كما الولايات المتحدة التي تُهيمن على مناطق استراتيجية تُحيط بالصين ( تايوان واليابان وكوريا الجنوبية…) وفي أمريكا الجنوبية وإفريقيا فضلا عن الهيمنة على قارة أوروبا، لأن الصين تبني شبكة واسعة من العلاقات الإقتصادية فيما يتمثل هدف الولايات المتحدة في السيطرة على العالم بقوة السّلاح والدّولار… قُدِّرَ حجم التبادل التجاري في السلع بين الولايات المتحدة والصين سنة 2024 بنحو 582,4 مليار دولار، وبلغت الصادرات الأميركية إلى الصين 143,5 مليار دولار، والواردات الأمريكية من الصين 439,9 مليار دولار (أي ما يعادل 16,4% من صادرات البلاد )، ليصل بذلك العجز التجاري لمصلحة الصين 295,4 مليار دولار، لأن الدّوْلتَيْن تنتهجان استراتيجيّتَيْن مختلِفَتَيْن ( في نطاق المنظومة الرأسمالية العالمية ) حيث تخلصت الرأسمالية الأمريكية من الصناعات المُلوثة وذات القيمة الزائدة الضّعيفة والتي تتطلب عمالة كثيفة منخفضة التّأهيل والأُجُور واحتفظت بالتكنولوجيا والقطاعات التي تتطلب مهارات عالية وتُستخرج منها قيمة زائدة مرتفعة، ويمثل شعار خفض العجز التجاري وتقليل الاعتماد على السلع الصينية من خلال فرض رسوم جمركية جديدة عليها، شعارًا (وممارسة) ديماغوجيًّا، لأن رأس المال الأمريكي انتقل إلى الصّين لاستغلال الموارد والعُمال ولبيع الإنتاج بأسعار رخيصة في الدّول الرأسمالية المتقدّمة، مما جعل الصين أكبر دولة مصدّرة في العالم سنة 2024 وبلغت قيمة صادراتها نحو 3,58 تريليونات دولار، بزيادة 5,9% عن العام 2023، فيما بلغت قيمة وارداتها 2,59 تريليون دولار، وتحقيق فائض تجاري تجاوز 822,1 مليار دولار أميركي، وتأتي الإلكترونيات الاستهلاكية في مقدمة السلع الصينية المُصدّرة سنة 2023 إلى الولايات المتحدة، بحصة تبلغ 96 مليار دولار، تليها المنسوجات والملابس بـ 68 مليار دولار، ثم المواد الكيميائية بـ 42 مليار دولار، آلات البناء ومواده بـ 33 مليار دولار، المعدات الكهربائية (باستثناء أشباه الموصلات) بـ 30 مليار دولار، المعادن الأساسية بـ 28 مليار دولار، الأجهزة المنزلية بـ 24 مليار دولار، معدات النقل بـ 24 مليار دولار، الطاقة النظيفة والبطاريات بـ 15 مليار دولار، وأخيرًا الأجهزة البصرية والطبية بـ 12 مليار دولار، وتُصدّر الولايات المتحدة إلى الصين: الحبوب والبذور الزيتية بقيمة 18,5 مليار دولار والنفط والغاز بـ 17,6 مليار دولار والتعليم والوسائل التعليمية بـ 13 مليار دولار والأدوية بـ 11,3 مليار دولار وقطع غيار ومعدات الطيران بـ 6,8 مليارات دولار وأدوات الملاحة بـ 6,8 مليارات دولار والمركبات الآلية بـ 6,1 مليارات دولار وأشباه الموصلات بـ 6 مليارات دولارًا والآلات الصناعية بـ 5 مليارات دولار، ومنتجات اللحوم بـ 4,5 مليارات دولار. تُقيم الصين علاقات تجارية مع أكثر من 150 دولة، وأظهرت التجربة إن الضغوط الممارسة على الصين منذ سنوات، لم تُحقق النتائج المَرْجُوّة، فقد ارتفع الناتج المحلي الصيني ليبلغ 18,8 تريليون دولارا أمريكيا سنة 2024، وقد تُؤَدِّي السياسة الحمائية الأمريكية إلى ارتدادات عميقة على حركة التجارة الدّوليّة، بناء على بعض المؤشرات مثل اضطراب الأسواق المالية والخسائر التي أعلنتها معظم بورصات العالم، وقد تتغيّر خارطة التحالفات الدّولية نتيجة لتهميش منظمة الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية من قِبَل الولايات المتحدة، ليتعزز التحالف بين روسيا والصين ولتَتَعَزّز التحالفات الإقليمية ومجموعة بريكس وأمثالها ضد الدّولة العدوانية المارِقَة المتمثلة بالولايات المتحدة مما قد يُزَعْزِع التوازنات الحالية ويُقوّض النفوذ العالمي للإمبريالية الأمريكية يعتمد الإقتصاد الأمريكي على السوق الدّاخلية ( الطّلب الدّاخلي ) ويُعْتَبَرُ أحد أقل الاقتصادات العالمية اعتمادًا على الصادرات التي لا يزيد حجمها عن 11% من الناتج المحلي الإجمالي (ثلثها يذهب إلى كندا والمكسيك) مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 30%، لأن الشركات الأمريكية تُوَفِّرُ نصف رأس المال الاستثماري العالمي، وتهيمن على إنتاج ضروريات الحياة مثل الطاقة والغذاء، وتحقق أكثر من نصف الأرباح العالمية في صناعات التكنولوجيا الفائقة، بما في ذلك أشباه الموصلات والفضاء والتكنولوجيا الحيوية، أي ما يقرب من عشرة أضعاف حصة الصين التي تُصدّر إلى الولايات المتحدة المواد الكيميائية الأساسية والأدوية البديلة والمعادن النادرة والرقائق منخفضة الجودة، وتستورد الصّين من الولايات المتحدة وحلفائها المُقرّبين التقنيات المتطورة والطّاقة والغذاء، كما تتمتع الولايات المتحدة بقوة عسكرية استثنائية منتشرة في أرجاء العالم، ولها أكثر من ثمانمائة قاعدة عسكرية ولها اتفاقيات دفاع وأمن ( استخبارات وتجسّس) وخدمات لوجستية مع سبعين دولة، فضلا عن القواعد الضّخمة في أوروبا وآسيا، وزعامة حلف شمال الأطلسي وتحالف التجسس 'العيون الخمس' وغير ذلك من التحالفات العسكرية، وهي ميزات لا تتوفر لدى الصين. من الوفاق الإمبريالي إلى التّفَرُّد بالقرار يمثل قرار رَفْع الرُّسُوم الجمركية بشكل حادّ تهديدًا لاقتصاد حُلفاء الولايات المتحدة ( دول الإتحاد الأوروبي وأعضاء حلف شمال الأطلسي) وخصومها ومنافسيها وجميع دول العالم، واضطرت الصين إلى الإنتقال من تكتيك المُهادنة إلى التّمَرُّد العلني والفَوْرِي، ولم تَخْتَر الصّين توقيت المُجابهة لكن أجْبَرَها التّحرُّش الأمريكي المُستمر منذ رئاسة باراك أوباما ( 2009 – 2017 ) على الرّدّ، خصوصًا بعد امتلاكها العديد من مُقومات القُوّة الإقتصادية والعسكرية، والتفوق في مجالات البحث العلمي وتطوير تكنولوجيا الإتصالات، وأصبحت الصّين المدافع الأول عن الإقتصاد الرأسمالي الليبرالي، من خلال الدّعوة إلى 'عالم مُتعدّد الأقطاب' فيما ترفض الولايات المتحدة تراجع دَوْرِها من الهيمنة المُطْلَقَة ( خصوصًا بعد انهيار جدار برلين والإتحاد السوفييتي، قبل 35 سنة) وزعامة القُطْب الواحد إلى تقاسم النّفوذ مع الصين وحلفائها في مجموعة بريكس، لأن الإمبريالية الأمريكية ترفض التّعامل بِغَيْر 'العصا الغليظة'، خلافًا للصّين التي تستغل الموارد ( خصوصًا في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية) بواسطة مصارفها وشركاتها وقُرُوضها دُون فَرْضِ شُرُوط سياسية، ولم تتورّط الصين لحد الآن في العُدْوان العسكري على شعوب البلدان الفقيرة… تَخَلّت الصين عن الإشتراكية منذ عُقود واعتمدت أُسُس الإقتصاد الرّأسمالي، داخليا بتكثيف استغلال العمال وتهجير صغار الفلاحين، وخارجيا باستغلال ثروات وشُعوب البلدان الأخرى، لكنها سياستها الخارجية تختلف عن الولايات المتحدة وأوروبا ولا تزال في مرحلة جَمْع المُتضرّرين من السياسات الأمريكية، بالتوازي مع محاولات تقويض أركان القُوّة الأمريكية، ومن ضمنها الدّولار الذي يُسيطر على عمليات التبادل التجاري والتحويلات المالية ( منظومة سويفت) وقُرُوض المؤسسات المالية وعلى احتياطيات المصارف المركزية من العملات الأجنبية، غير إن الغطْرَسة الأمريكية والمُبالغة في فرض 'العُقوبات' وحصار البلدان والشّعوب، جعلت العديد من البلدان ( ومن بينها مجموعة بريكس) تحاول التّخلّص من هذه الهيمنة، وتُشير بيانات صندوق النّقد الدّولي إلى انخفاض حصة الدولار من احتياطيات المصارف المركزية، من 70% سنة 2000 إلى 58% سنة 2023 ويعتبر ذلك تحوّلا تاريخيا رغم البُطْء الشّديد، يُضاهي كسر احتكار الإمبريالية الأمريكية للتفوق التكنولوجي والعسكري وما إلى ذلك، لكن لا تزال نسبة تفوق 50% من التجارة العالمية ونحو90% من المعاملات المالية الدولية تجري بالدولار، ويتم تحويلها من خلال المصارف المرتبطة بالولايات المتحدة التي تُتِيح لها هذه الهيمنة تهديد الدّول وفرض الحَظْر والحصار و'العقوبات'. أدّت العجْرَفَة الأمريكية إلى 'تَمَرُّد' أوروبا التي تورّطت في كافة جرائم الإمبريالية الأمريكية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ودعا مسؤولو بعض الشركات الأوروبية إلى استئناف شراء الغاز الرّوسي ( الذي فرضت الولايات المتحدة مُقاطعته) بدل الغاز الصخري الأمريكي الرّديء ومرتفع الثمن، ووصف بيان البرلمان الأوروبي ( الذي يخضع لمجموعات الضغط ولا يمتلك سلطةً حقيقية ) الإجراءات الحمائية الأمريكية ب'الإبتزاز الإقتصادي'، فيما تتخوف رئيسة منظمة التجارة العالمية من حدوث 'كارثة تتمثل في زيادة كبيرة في أسعار العديد من المنتجات وفي انخفاض كبير في الناتج المحلي الإجمالي العالمي '، جراء الرسوم الأمريكية، وكثف الإتحاد الأوروبي من الإتصلات مع الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأوروغواي، الأعضاء في سوق الجنوب المشتركة (ميركوسور – MERCOSUR )، بهدف توقيع اتفاقية للتبادل التجاري الحرّ، تشمل أكبر منطقة تجارة حرّة عالمياً، تضم الاتحاد الأوروبي ( 450 مليون نسمة) ومنطقة ميركوسور ( 280 مليون نسمة ) وصرّحت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين ( الأطلسية والصهيونية )، منذ كانون الأول/ديسمبر 2024: 'ليست هذه المعاهدة فرصة اقتصادية فقط، وإنّما هي أيضاً ضرورة سياسية' وإن أوروبا تريد توقيع اتفاقيات تتضمن قواعد واضحة في مجال العلاقات الإقتصادية والتجارة والاستثمار. ما موقع بلدان 'الأطْراف' (الجنوب العالمي)؟ يمكن اختيار قارة إفريقيا كنموذج لبلدان الأطراف الواقعة تحت الهيمنة الإمبريالية، فهي القارة التي لا تنال اهتمام الإمبريالية الأمريكية، باستثناء الموقع الإستراتيجي ولذلك أنشأت الولايات المتحدة خلال فترة رئاسة بوش الإبن القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا ( أفريكوم)، وتمّ إنجاز المُخطط في ظل رئاسة باراك أوباما، وتقوم أفريكوم بما لا يقل عن 350 مناورة وتدريب مع جيوش إفريقيا سنويا، وتعمل الولايات المتحدة على منع المنافسين ( روسيا والصين والهند وتركيا وفرنسا…) من استغلال موارد إفريقيا التي يقدّر أن يرتفع عدد سكانها إلى أكثر من مليار شخص سنة 2050، ورغم الثروات الهائلة تُعاني شُعُوب إفريقيا من الدُّيُون الخارجية ومن الفقر، وتتجاوز معدلات بطالة الشباب في العديد من الدّول الإفريقية 30% وتُعاني معظم بلدان القارة من انهيار البنية التحتية الأساسية ورداءة خدمات الرعاية الصحية والتعليم… نشرت الولايات المتحدة قواعد الطائرات المُسيّرة في إفريقيا، وجَرّبَ الجيش الأمريكي إرسال وحدات استطلاعية سريعة لتنفيذ الإعتداءات والتّدمير عن بُعْد، والانسحاب دون التعرض لخسائر، ولم تسلم قارة إفريقيا من الحرب التّجارية ومن الرُّسُوم الجمركية الإضافية أقرّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوما جمركية يوم الثاني من نيسان/ابريل 2025 بنسب تتراوح بين 10% إلى 49% على جميع الواردات الأمريكية، مع رسوم إضافية أخرى على الصّين وبعض الدول، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وإلى الرّكود الإقتصادي، ولم تَسْلم 184 دولة وجزيرة وإقليم، بالإضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي الـ27، ولم تسلم دويلات الخليج النفطية من رُعونة دونالد ترامب، لأن الركود يؤدّي إلى انخفاض الطّلب على النّفط وإلى انخفاض أسعاره، فيما ترتفع أسعار السلع الأخرى – ومن بينها الغذاء والدّواء – التي تشملها الرّسوم الجمركية، وسوف يتضرّر اقتصاد مصر والأردن ( رُوّاد التّطبيع) وجميع البلدان العربية الأخرى، مثل السودان ولبنان واليمن والسعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين وعُمان وسوريا والعراق والمغرب وتونس والجزائر وموريتانيا وليبيا وجزر القمر، وتراوحت الرسوم بين 20% ( الأردن) و 41% ( سوريا) وتراوحت الرسوم على سلع البلدان العربية الأخرى بين هاتيْن النّسْبَتَيْن، وتجدر الإشارة إلى بلوغ فائض تجارة السلع الأمريكية مع مصر 3,5 مليار دولار ومع السعودية 443,3 مليار دولارا ومع الإمارات 19,5 مليار دولارا سنة 2024، بحسب بيانات مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة، وسوف تُؤدّي الحرب التجارية إلى ارتفاع أسعار العديد من المنتجات التي تستوردها الدول العربية، وسوف تكون الإمارات والسعودية والكويت الأشد تضرراً من القرارات الأمريكية، بحكم ارتفاع حجم تعاملاتها التجارية مع الولايات المتحدة، وعمومًا يُعتَبَرُ حجم الصادرات الأمريكية للدول العربية الأخرى صغير جداً مقارنة بالصين والاتحاد الأوروبي. في إفريقيا، بلغت التعريفات الجمركية الأمريكية على منتجات 'ليوسوتو' 50% فيما كانت أقل بالنسبة للدول الإفريقية الأخرى، وشملت الرسوم المنسوجات والمعادن والجلود، مع إلغاء 'الامتيازات الضريبية' التي كانت سارية المفعول منذ سنة 2000، وسوف يتضرر اقتصاد 'ليوسوتو' الذي تتجه نسبة تزيد عن 90% من صادراته من الملابس نحو الولايات المتحدة، ويشغل القطاع نحو 45 ألف عامل، معظمهم من النساء، كما سوف يتضرر اقتصاد مدغشقر وجزيرة موريشيوس من الرسوم الأمريكية التي تجاوزت نسبتها 40%، وبلغت الرسوم على صادرات أنغولا إلى الولايات المتحدة 32%، وصادرات جنوب إفريقيا 30%، وتراوحت الرسوم المفروضة على صادرات نيجيريا وكينيا والحبشة وغانا بين 10% و 14%، وأثارت الرسوم الجمركية الجديدة على بعض السلع الإفريقية موجة من التساؤلات حول دوافع وجدوى وتداعيات هذه القرارات – أحادية الجانب – على اقتصادات القارة الإفريقية وقد تُعيد رسم خريطة العلاقات التجارية بين إفريقيا وأمريكا، وتدفع الدّول الإفريقية إلى تعزيز العلاقات فيما بينها ومع الصين والاتحاد الأوروبي… في آسيا بلغت الرسوم المفروضة على إنتاج كمبوديا 49% و'لاوس' 48% وفيتنام 46% كما فرضت الولايات المتحدة رسومًا إضافية على العديد من الدول الآسيوية مثل ماليزيا وإندونيسيا والهند وباكستان وتايلاند وتايوان وجب استغلال الرسوم الجمركية الأمريكية للتفكير في إستراتيجيات اقتصادية تُحقّق التنمية المُستدامة وعدم الإقتصار على تصدير المعادن والمحروقات والمواد الخام، والتعاون الإقليمي من أجل خلق صناعات تحويلية وتلبية حاجة المواطنين في مجالات الأغذية والأدوية والرعاية الصحية والطاقة وغيرها، وتعزيز التكامل الاقتصادي العربي أو الآسيوي أو الإفريقي وزيادة التجارة البينية وتنويع الشراكات الإقتصادية مع البلدان التي لا تفرض شُرُوطًا سياسية ، والإستثمار المُشترك في مجالات البنية التحتية ( الطرقات والسكة الحديدية والموانئ ) والتكنولوجيا والتّأهيل… تبحث جميع الدّول – الحليفة والمنافسة و'المُحايدة' – عن بدائل للحدّ من التبعية للولايات المتحدة وعملتها ( الدّولار) لأن الحرب التجارية تؤدّي إلى زيادة الأسعار وارتفاع نسبة التضخم وانخفاض الدّخل الحقيقي للأفراد وقد تؤدّي إلى انخفاض حجم الناتج الإجمالي العالمي، وتُعرقل الإستثمار، خصوصًا في البلدان الفقيرة التي تحتاج إلى تنشيط الإقتصاد وتنويع وزيادة الإنتاج لتلبية احتياجات المواطنين ولخلق فُرص عمل، ولا يمكن التّعويل على أي طرف خارجي ( لا الصين ولا الإتحاد الأوروبي ولا الولايات المتحدة) لتحقيق هذه الأهداف، مما يُؤكّد ضرورة خلق أُطُرٍ خاصة بالبلدان الفقيرة ( بلدان 'الأطْراف' الواقعة تحت الهيمنة الإمبريالية) وتعزيز التبادل بينها، وخلق أُطُر ومؤسسات ديمقراطية داخل كل بلد تُمكّن المواطنين من الإدلاء برأيهم ومن المُشاركة في عمليات اتخاذ القرارات ( السياسية والإقتصادية) ذات الصبغة الآنية والمُسْتَقْبَلِيّة، وتنفيذ تلك القرارات ومتابعة إنجازها وتقويمها… ‎2025-‎04-‎23 The post من تداعيات الحرب التجارية ( 3)!الطاهر المعز first appeared on ساحة التحرير.

الدّيون، إحدى أدوات الهيمنة 'النّاعمة' – الجزء الأول!الطاهر المعز
الدّيون، إحدى أدوات الهيمنة 'النّاعمة' – الجزء الأول!الطاهر المعز

ساحة التحرير

time٠٢-٠٤-٢٠٢٥

  • أعمال
  • ساحة التحرير

الدّيون، إحدى أدوات الهيمنة 'النّاعمة' – الجزء الأول!الطاهر المعز

الدّيون، إحدى أدوات الهيمنة 'النّاعمة' – الجزء الأول! الطاهر المعز يتضمّن هذا النّصّ أربعة أجزاء: يتناول الجزء الأول، وهو الأَطْوَلُ، مسألة الدُّيُون الخارجية في البلدان الواقعة تحت الهيمنة ( بلدان 'الجنوب' أو 'الأطراف' أو المُحيط'…) بشكل عام، ثم ثلاثة أجزاء يتناول كل منها نموذجًا للتأثيرات السّلبية على حياة المواطنين في البلدان المُسْتَدِينة، ويتطرق كل جزء إلى نموذج من كل قارّة: إفريقيا بشكل عام، دون تفاصيل كثيرة، وجنوب آسيا ( باكستان وسريلانكا ) وأمريكا الجنوبية ( الأرجنتين )، يلي ذلك خلاصة ودعوة للتفكير في البدائل… مقدّمة تندرج هذه الفقرات ضمن مجموعة من النّصوص التي أنْشُرها بشأن مسألة الدّيُون الخارجية كشكل من أشكال الهيمنة الإمبريالية على ثروات الشعوب، وآثار هذه الدُّيُون على حياة المواطنين والمجتمعات، وبالأخص في بُلدان 'الأطراف'، وتحاول هذه الفقرات تقديم نظرة شاملة لمسألة الدّيون، ثم التركيز على نماذج من قارات آسيا وإفريقيا وجنوب القارة الأمريكية. على مدى عشرين عاما، اقترضت الدول والشركات مبالغ ضخمة دون إعداد النمو الذي سيسمح لها بالسداد، وتوقعت صحيفة فاينانشال تايمز ( 04 آذار/مارس 2025) ارتفاع حجم الدين العام إلى مستوى قياسي يبلغ 12,3 تريليون دولار سنة 2025، بفعل ارتفاع النفقات العسكرية وارتفاع أسعار الفائدة، وقَدَّرت وكالة 'ستاندرد آند بورز' زيادة إصدارات السندات الحكومية بنسبة 3% في 138 دولة من شأنها أن ترفع الديون القائمة التي زادت منذ الأزمة المالية ( 2008/2009) وجائحة كوفيد-19 ( 2020/2021) وزيادة الإنفاق الحربي الأوروبي، إلى مستوى قياسي يبلغ 77 تريليون دولار، وتُعدّ الولايات المتحدة أكبر دولة مُقترضة – لأن الدّولار عُملة مرجعية وملاذ للمستثمرين – وقد يتجاوز عجز ميزانيتها 6% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2026. أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يوم الخميس 20 آذار/مارس 2025 تقريرًا عن 'الدُّيُون العالمية'، التي بلغت 73,8% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي سنة 2020، في ذروة الوباء، وانخفضت سنة 2024 إلى 70,2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتجاوزت العتبة التاريخية البالغة مائة تريليون دولار منذ بداية 2024، مع استمرار تكاليف الاقتراض في الارتفاع، مما قد يُهَدّد استقرار الإقتصاد والأسواق، في ظل زيادة الطّلب على الدّيُون – خصوصًا عبْرَ إصدار السّندات – من قِبَل الشركات والدّول للإستثمار في مجالات البنية التحتية والطّاقة، ويتوقع تقرير منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية أن يرتفع حجم الديون السيادية الصادرة عن الدول الأعضاء في المنظمة ( 38 دولة غنية) من 14 تريليون دولارا سنة 2023 و 16 تريليون دولارا سنة 2024 إلى 17 تريليون دولار سنة 2025، وتُشكل دُيُون الولايات المتحدة واليابان وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا نحو 85% منها بحسب موقع صحيفة وول ستريت جورنال. ديون البلدان الفقيرة ('العالم الثالث' ) شكل من الإستعمار الجديد شكّلت الدّيون الخارجية تِعِلَّةّ فرنسا لاحتلال تونس سنة 1881 وتعلّة بريطانيا لاحتلال مصر سنة 1882، ومنذ الإستقلال الشّكْلي تُعاني بعض الشعوب من ارتفاع حجم الدّيُون الخارجية ومن حدّة الفقر فيما تزخر أراضيها بثروات هائلة، وذلك نتيجة خيارات سياسية يتم إقرارها خارج حدود هذه البلدان ودون استشارة مواطنيها. كانت البلدان الواقعة تحت الإستعمار بعد انتهاء الاستعمار المباشر، تفتقد إلى البنية التحتية والمدارس والمستشفيات وما إلى ذلك، لأن الإستعمار ينهب ويُخرّب ولا يُعَمِّر ولا يَبْنِي، وكانت الدّيُون الخارجية وسيلة للسيطرة على بلدان 'الجنوب'، بعد صعود الإمبريالية الأمريكية وانحدار مكانة الإمبرياليَّتَيْن الفرنسية والبريطانية اللَّتَيْن كانتا تتقاسمان الهيمنة على العالم، وأصبحت الإمبريالية الأمريكية هي القُوّة المهيمنة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهندست – منذ سنة 1944، قبل نهاية الحرب – أشكال وأدوات الهيمنة العسكرية والمالية والإعلامية والإيديولوجية، عبْرَ خطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا التي أصبحت الشريك التجاري المُميّز للولايات المتحدة، وتزايد تداول الدولارات حول العالم (العملة المرجعية التي يمكن تحويلها إلى ذهب، حتى سنة 1971) حول العالم، وشجّعت السلطات الأميركية شركاتها على الاستثمار في الخارج، لتجنب عودة الدولارات الزائدة وارتفاع التضخم في الداخل، فارتفع حجم الدّولارات في مصارف الدّول الأوروبية ( حتى نهاية عقد الستينيات من القرن العشرين) وشكّلت القروض للبلدان حديثة الإستقلال منفذًا لاستثمار هذه الكميات الزائدة من الدّولارات… بعد فك الإرتباط بين الذّهب والدّولار، وابتكار 'البترودولار' لامتصاص إيرادات النفط والمواد الأولية واستثمارها في الولايات المتحدة، لأن شروط 'البترودولار'' تقتضي إيداع عائدات البلدان المنتجة للنفط في المصارف الأمريكية التي تستثمرها بدورها في شكل قُروض للدول 'النامية'، بداية من 1973/1974، حيث عرفت الدّول الإمبريالية الغنية فترة ركود اقتصادي مرفوق بارتفاع حجم البطالة، وكانت القروض شكلا من أشكال تشجيع بلدان 'الأطراف' على شراء الآلات والتجهيزات والسّلع من بلدان 'المَرْكز' المُتأزّم، واتخذت القروض الحكومية ( العمومية ) أو الثُّنائية شكل ائتمان الصادرات ( قُروض بفائدة منخفضة مقابل شراء سلع الدّولة المُقْرِضَة)، وإلى جانب قُروض المصارف الخاصة ( التي تريد استثمار الدّولارات الفائضة) والدّول التي تريد تصريف إنتاجها لمعالجة الرّكود، كانت قُرُوض البنك العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة – فهي التي أنشأته إلى جانب صندوق النّقد الدّولي – بأكثر من 17% من الأصوات في مجلس إدارته، مقابل 2% لمجموعة البلدان الـ24 الواقعة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، وارتبط هذا الدّور الجديد للبنك العالمي بتعيين روبرت ماكنمارا، وزير الحرب الأمريكي الأسبق الذي أدار تصعيد الحرب في فيتنام، رئيسًا للبنك العالمي سنة 1968 ( حتى سنة 1973) فكان البنك العالمي في ظل رئاسته إحدى أدوات الحرب الباردة ومواجهة الإتحاد السوفييتي، فارتفع حجم قُروض البنك العالمي خلال خمس سنوات وفاق مجمل قُروض البنك بين سنتَيْ 1945 و 1968، بهدف دعم الأنظمة الحليفة للإمبريالية الأمريكية في إفريقيا (زائير على سبيل المثال ) وآسيا (إندونيسيا مثلا) وأمريكا الجنوبية ( البرازيل والأرجنتين وتشيلي…) ورفض البنك الموافقة على القروض التي طلبتها مصر، خلال رئاسة جمال عبد الناصر، وغانا، خلال فترة رئاسة كوامي نكروما وجامييكا خلال رئاسة مانلي وإندونيسيا خلال رئاسة سوكارنو، وكان القروض تهدف ربط بلدان 'الأطراف ( أو المُحيط) بالسّوق العالمية، من خلال تمويل تحديث البنية التحتية والأجهزة الضرورية لزيادة الإنتاج ولتوجيه الإقتصاد نحو التّصدير، بدل تلبية الطّلب المحلي، بهدف تحصيل العملات الأجنبية لسداد الدّيُون، أما الوجه الآخر للقروض فكان ارتفاع حجمها 12 ضِعْفًا بين سنتيْ 1968 و 1980، أي ارتفاع أرباح المصارف ودول المَرْكز والبنك العالمي، بتواطؤ من البرجوازية الكممبرادورية في بلدان المُحيط، وأَفْضت هذه الخطّة إلى 'أزمة الدُّيُون' ( دُيُون البلدان الفقيرة ) خلال عقد الثمانينيات من القرن العشرين ( أي فترة النيوليبرالية في بريطانيا ومارغريت تاتشر، والولايات المتحدة ورونالد ريغن)، وكان 'العلاج' أفْظَع من الدّاء، إذْ لجأت سُلُطات البلدان المُثقَلة بالدُّيُون إلى صندوق النقد الدولي والبنك العالمي للحُصُول على قُرُوض جديدة لتسديد القروض القديمة وسدّ عجز الميزانية، وَفَرَضت المُؤسّستان المالِيّتان برامج 'الإصلاح الهيكلي' التي تتضمن 'الإنفتاح' والخصخصة وخَفض الإنفاق الإجتماعي وخفض أو إلغاء دعم الوقود والغذاء والخدمات الأساسية كالنقل والصّحة، وكان الهدف المُعْلن من التقشف وخفض الإنفاق هو خفض حجم الدّيون، غير إن الهدف الحقيقي كان تسديد ديون القطاع الخاص، وإدماج البلدان المُقترضة في 'العولمة النيوليبرالية'، والنتيجة: ارتفاع خدمة الدُيُون الخارجية للبلدان الفقيرة 19 ضِعْفًا بين سنتَيْ 1980 و 2023، وتجاوزت 'خدمة الدّيْن' ( المبالغ المُستحقة وفوائدها و'خدمات' الدّائنين' وإقامة بعثاتهم في البلدان المُستدينة وأُجُور 'الخُبراء' الخ) ميزانية الصحة والتعليم مجتمعة في معظم البلدان، وبلغت قيمة خدمة الدّين في تونس ما يعادل أربعة أضعاف ميزانية الصحة وفي كينيا خمس مرات، وسدّدت الدول 'النامية' سنة 2023 أكثر من 971 مليار دولار للدائنين الأجانب و3,833 تريليون دولارا بين سنتيْ 1970 و 2023، ومع ذلك فإن الدين العام الخارجي لـ 130 دولة لا يمثل سوى الدين العام الخارجي لـ 130 دولة لا يمثل سوى 10% من الدين العام للولايات المتحدة، أي إن إلغاء هذه الدّيون لا يضُر الإقتصاد العالمي، غير إن القطاع الخاص (صناديق التّقاعد الدّولية وصناديق الإستثمار والمصارف وشركات التأمين…) يمتلك حوالي نصف دُيُون بُلدان الأطراف، ويرفض هؤلاء الدائنون أي تخفيض أو إعادة هيكلة دُيُون البلدان الفقيرة، وخلقوا مشاكل عديدة دامت سنوات لبلدان مثل الأرجنتين أو زامبيا أو إكوادور… فيما يتمثل الإقتراض من القطاع الخاص؟ عندما لا تتمكّن الدّول من اقتراض المبلغ المطلوب من المؤسسات المالية الدّولية أو من الدّول 'الصّديقة'، تلجأ إلى الأسواق الدّولية من خلال إصدار السندات أو الأوراق المالية، ويتمثل ذلك في تعيين وسيط (مصرف عالمي كبير) ليعلن رغبة تلك الدّولة في الحصول على قرض بمبلغ معين لفترة مُحدّدة بمعدّل فائدة مُحدّدة، وتُقرّر المصارف أو شركات التّأمين أو صناديق التّحوّط أو الإستثمار المُشاركة في عملية الإقراض أم لا، وعادة لا تهتم هذه المؤسسات المالية الخاصة بمثل هذه العروض إذا كان معدّل الفائدة مرتفعًا في الدّول الرأسمالية الغنية، وعندما انخفضت أسعار الفائدة في أوروبا والولايات المتحدة خلال أزمة الرهن العقاري ( 2008/2009) أو أزمة كوفيد ( 2020/2021) وتوقف حركة التجارة والسياحة – التي تعتمد عليها العديد من البلدان الفقيرة للحصول على العملات الأجنبية – وانخفاض تحويلات العمّال المهاجرين من الدّول الفقيرة إلى الدّول الغنية، اتجهت هذه الصناديق المُفترسة نحو البلدان الفقيرة حيث معدّل الفائدة أعلى، واستثمرت في الدّيون بشرط رفع سعر الفائدة عندما يُقرّر الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفْعها، وتورّطت العديد من دول إفريقيا في قروض ذات أسعار فائدة متغيرة وفقاً لما تُحَدّده المصارف 'الغربية' الكُبرى كالإحتياطي الفيدرالي الأميركي والمركزي الأوروبي وبنك إنغلترا، وبذلك ارتفعت تكاليف الإقتراض، بداية من سنة 2022، وسدّدت العديد من الدّول الفقيرة فوائد ضخمة جعلت الإقتراض مكلفا جدًّا لأن 57% من الديون الخارجية المستحقة على الدول 'النامية' هي قروض ذات أسعار فائدة متغيرة، ارتفعت بداية من سنة 2022، بالتزامن مع ارتفاع أسعار الطاقة والحبوب والأسمدة الكيماوية بسبب الحرب في أوكرانيا (بداية من شهر شباط/فبراير 2022) وبالتالي زيادة نفقات الاستيراد بالنسبة للدول المستوردة لهذه السّلع جنوب في حين شَحّت عائدات التصدير وعائدات السياحة وتحويلات العمال المهاجرين فارتفع عجز ميزانيات معظم بلدان 'الجنوب' واضطرّت العديد منها إلى تقديم أسعار فائدة أعلى للسندات أو الأوراق المالية لإعادة تمويل ديونها (الاقتراض لسداد القروض القديمة المستحقة) أو لتغطية عجزها، وبالتالي زيادة الديون والفوائد التي تدفعها بلدان الأطراف التي تظافرت عدة عوامل ( أزمة كوفيد وحرب أوكرانيا وارتفاع أسعار الفائدة ) تسببت في انخفاض إيراداتها بالعملات الأجنبية (انخفاض السياحة وتعطيل سلاسل التوريد) وفي زيادة الإنفاق بالعملات الأجنبية بسبب ارتفاع أسعار الحبوب وكذلك أسعار الفائدة، وأدّى ارتفاع أسعار الفائدة في الدّول الغنية إلى انخفاض القروض لدول 'الجنوب' من خلال شراء السندات الحكومية من قبل القطاع الخاص إلى النصف بين سَنَتَيْ 2021 و2022 قبل أن ترتفع قليلاً في سنة 2023، وأدّت مجمل هذه العوامل إلى أزمة لأن دول 'المُحيط' ( أو الأطْراف) لم تعد تجد موارد لتسديد المزيد من حصص الدّيون وخدمتها التي حل أجلها، وأصبحت بلدان مثل سريلانكا وباكستان وكينيا وغانا وزامبيا والحبشة ومصر ولبنان وتونس على حافّة العجز أو التّخلّف عن السّداد بين سنتَيْ 2020 و 2023، ولكن أيًّا منها لم تُطالب بتعليق سداد الدّيْن أو إلغاء جزء منها، نظرًا للظروف والمتغيرات الدّولية الخارجة عن إرادتها. مأزق الدُّيُون وشُرُوطها تتضمّن قُرُوض صندوق النّقد الدّولي شُرُوطًا بعنوان 'برنامج الإصلاح الهيكلي' و 'تشجيع الإستثمار' وخفض الضرائب على أرباح الشركات وعلى الرّيوع والمُضاربة، مما يُخفّض إيرادات الدّولة التي تُعوّض هذا النّقص من خلال زيادة الضرائب على الأُجُور والإستهلاك، لكن ذلك لا يمنع ارتفاع عجز الميزانيات العامة واللُّجوء إلى الدُّيُون ( بفائدها قد تصل إلى 8,5% ) لسدّ العجز، وبذلك يتم إهمال الإستثمار في برامج التنمية والإنتاج بسبب توجيه المال نحو سداد حصة أقساط الدّيون التي يتوجب سدادها ( أي نقل المال العام من البلدان الفقيرة إلى الدّائنين) مقابل خَفْض الإستثمار في البُنية التحتية والإنفاق الإجتماعي… بعد عُقُود من فَرْض هذه الشُّرُوط المُدَمِّرَة للقُرُوض التي كانت مُصَمَّمَة أساسًا لتعميق دَرَجَة التّبَعِيّة واستدامتها (وليس لحل المشاكل الطّارئة)، نَشَر صندوق النّقد الدّولي يوم 17 كانون الأول/ديسمبر 2024، ورقة بحثية ( ورقة عَمَل من خمسين صفحة) كتبها خمسة من خُبَرائه الإقتصاديين بعنوان ( The urgency of conflict prevention – A macroeconomic perspective) أو ما يمكن ترجمته 'ضرورة الوقاية من الصراعات – منظور اقتصادي شمولي'، ولم تَحْظ هذه الدّراسة بدعاية واسعة، ولم يتم تداولها والتعليق عليها في وسائل الإعلام التي تُمَجّد النيوليبرالية، لأن خُبراء صندوق النقد الدّولي يعترفون بالتّأثير السّلبي لإجراءات التّقشف على حياة الشّعوب، وخصوصًا الفئات الفقيرة، مما يُؤَدِّي إلى 'التّوتّرات والإضطرابات الإجتماعية (وحتى) النّزاعات المُسلّحة…' ولذلك كان عنوان الورقة البحثية 'الوقاية من النزاعات'، التي تُهدّد 'السّلم الإجتماعي'، ويرى خبراء الصّندوق ضرورة مراقبة الدّولة لجيوش الفقراء والمُعطّلين عن العمل والتّدخّل لتجنّب التّوتّرات، ولتجنّب الأسباب التي قد تُؤدِّي إلى عرقلة التنمية، وربما إلى تقويض النّظام الرّأسمالي ومن بينها: تراجع معدّلات الإستثمار والتّدهوُر الإقتصادي وتدمير البُنْيَة التّحتية والخسائر البشرية… تدْرُسُ هذه الورقة البَحْثِيّة موضوع 'الوقاية من النزاعات' من منطق رأسمالي بحت، لا علاقة له بوقاية الشعوب وثروات البلدان الفقيرة، ويتمثل هذا المنطق في وضع الخسارة في كفّة والربح في كفّة أخرى من الميزان الإقتصادي، ويجب أن 'تتجاوز الفوائد طويلة الأجل لسياسات الوقاية ومنع النزاعات، التكاليف المرتبطة بالنزاعات نفسها' ويُؤكّد المُلخّص الذي قدّمه الصندوق 'إن الاستثمار في الوقاية يُمكن أن يُحقق فوائد هائلة على المدى الطويل، وتتراوح عوائد سياسات الوقاية في البلدان التي لم تشهد مؤخرًا أعمال عنف بين 26 و75 دولارًا أمريكيًا لكل دولار يُنفق على الوقاية، وفي البلدان التي شهدت مؤخرًا أعمال عنف، قد يصل معدل العائد إلى 103 دولارات أمريكية لكل دولار يُنفق على الوقاية…' وبذلك ينزع التقرير أي صفة 'أخلاقية' على الإستثمار في الوقاية من النزاعات، بل هو استثمار اقتصادي استراتيجي يتّسم بعوائد مالية ملموسة، ويقترح الخُبراء الذين أعَدُّوا ورقة العمل توصيات للحكومات و'لصانعي السياسات العالميين والمحليين، وللمؤسسات المالية الدولية والمنظمات متعددة الأطراف، لتعزيز السلام والاستقرار من خلال السياسات الاقتصادية الكلية'. لا تدرس الورقة – بل تتجاهل – أسباب النزاعات التي تُطلقها الدّول الإمبريالية وشركاتها العابرة للقارات، لنهب الثروات ( مثل الكونغو) أو للإستفادة من الموقع الإستراتيجي للبلدان ( مثل الصّومال أو اليمن)، وتتوقف عند نتائجها المتمثلة في الرّكود الإقتصادي طويل المدى وتراجع النّمو وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي ( بنسبة قد تفوق 9% ) وكذلك نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، كما تُؤَدِّي 'الصراعات' و 'النّزاعات' ( وهي في الواقع حروب عدوانية أحيانًا ومفروضة من أطراف خارجية) إلى تراجع الاستثمارات بشكل حادّ وهروب رأس المال المحلّي إلى الخارج، لأن رأس المال يبحث عن الهُدُوء والإستقرار لينمو بسرعة، مِمّا يعرقل التنمية الاقتصادية ويحد من حجم الوظائف… تُؤَدِّي 'الصراعات' و 'النزاعات المُسلّحة' إلى انخفاض إيرادات الدّولة وإلى زيادة الإنفاق الأمني أو الحَرْبِي وانخفاض الإنفاق على الصّحة والتعليم والخدمات العامة، وتعطيل شبكات النّقل والتّجارة وإغلاق المؤسسات الصناعية والتجارية وهجرة الكفاءات ( مثال سوريا) وقد يُؤَدِّي الركود الاقتصادي والبطالة إلى التحاق مجموعات من الشباب بالمجموعات المُسلّحة الإرهابية أو المُرتزقة، كما حدث في سوريا وأفغانستان والكونغو، ويؤدّي انتشار السّلاح الفردي والتحاق مجموعات واسعة من الشباب بالجماعات المُسلحة إلى سهولة التّعايش مع العُنف واستِسْهال استخدام السّلاح للقتل أو النّهب وإلى انتشار الجريمة المُنظّمة مما يعيق إعادة الإعمار و'التعافي الاقتصادي' لفترة طويلة… إن شروط صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي والمؤسسات المالية والدّائنين تُخالف ما ورد من توصيات واستنتاجات في هذا البحث الذي يعتبر الصندوق إنه لا يُعبّر سوى على رأي من كتبه، ولا يُعبّر بالضرورة عن موقف الصندوق كمؤسسة تفرض خفض الإنفاق الحكومي (باستثناء الإنفاق على 'الأمن') وخصخصة القطاع العام والخدمات الأساسية وقطاعات التعليم والرعاية الصحية وزيادة الإقتراض للإستثمار في البنية التحتية التي تحتاجها الشركات، ويعترف مُعِدّو الورقة البحثية 'إن تقليص الإنفاق العام بنسبة تفوق 1,1% من الناتج المحلي الإجمالي قد يؤدي إلى ارتفاع ضحايا النّزاعات بنسبة 8,5% ' كما يُؤكد التقرير على أهمية توفير الخدمات الجيّدة والوظائف لخفض مستويات العنف الفردي والجماعي… لم يتم تصميم الدُّيُون لإنقاذ الأُسَر أو الدّوَل من بعض المشاكل الطّارئة المتمثلة في الإختلال بين الدّخْل والإنفاق، بل تم تصميم الدّيون كأداة للثراء السّريع للدّائنين من خلال مُصادرة أراضي وممتلكات الأسر التي لا تتمكّن من سداد الدّيون والفوائد في إبّانها، والإستحواذ على ثروات الشعوب من خلال عملية الإقتراض من أجل تمويل العجز ( وليس من أجل الإستثمار في عملية الإنتاج)… في الدّول الغنية، فرضت السلطات السياسية (الحكومات) والمالية (المصارف المركزية) سياسات تقشف تمثلت في خفض ( أو إلغاء) الإنفاق الإجتماعي، وزيادة الإنفاق الحربي والأمني، وتوجيه الموارد لإنقاذ المصارف والشركات الكبرى خلال فترات الأزمات ( أزمة 2008/2009 و أزمة كوفيد 2020/2021…)، فضلا عن خفض الضّرائب على الأثرياء وعلى أرباح الشركات وعلى عوائد الأسهم والمُضاربة، وخَفْض الإنفاق على خلق الوظائف وتحسين مستوى عيش المواطنين… عمّمت السّلطات السياسية والمالية ( المصارف) نظام الإقتراض لشراء العقارات أو السيارات والقروض الإستهلاكية لشراء التجهيزات المنزلية والملابس وما إلى ذلك، وبعد خصخصة التعليم والصحّة اصبح الطلبة مُضطرون للإقتراض لإتمام التعليم الجامعي مما خلق مشاكل عديدة من بينها العجز عن السّداد في تشيلي والولايات المتحدة، على سبيل المثال، واضطرار المَرْضى للإقتراض للعلاج ( الولايات المتحدة)، وتضخّمت بالمقابل ثروات الأثرياء وأرباح القطاع المصرفي وعوائد الأسهم والسندات، وحوّلت سلطات بعض الدّول ( إيرلندا أو اليونان، على سبيل المثال) دُيُون المصارف الخاصّة إلى دُيُون عموميّة وإلى التزامات يُسدّدها المواطنون. أما في الولايات المتحدة، فقد فرضت السّلطات على المواطنين تَحمُّل عبء الدّيُون الضخمة، ومنها 13 تريليون دولارا منذ أزمة الرهن العقاري ( أيلول/سبتمبر 2008) أُضيفت إلى حجم الدّيُون العمومية، ومن بينها 5,3 تريليون دولار من الرهن العقاري السيء لمصارف فاني ماي وفريدي ماك، وتريليونَيْ دولار من المقايضات التي يُنفّذها الإحتياطي الإتحادي الأمريكية، فقد سدّدت الحكومات ديون المصارف والشركات والفئات الأكثر ثراءً من السكان، لما انفجرت فُقاعة العقارات أو الأسواق المالية، من خلال تحويل خسائرها إلى دافعي الضرائب، دون استشارة المواطنين الذين دفعوا الضرائب والنّاخبين الذين أدلوا بأصواتهم لصالح الرؤساء ونُوّاب المجالس التمثيلية والبرلمانات، مما وَسَّع الفجوة بين قِلّة من الأثرياء وأكثرية من الفُقراء… في البلدان الفقيرة ( أو 'النّاميَة' ) انخفضت إيرادات الدّولة لتعادل – خلال الفترة من 2020 إلى 2024 – حوالي 27,4% من الناتج المحلي الإجمالي فيما بلغ الإنفاق خلال نفس الفترة حوالي 31%، وارتفعت المدفوعات بفعل ارتفاع حجم الدّيُون وفوائدها، مما زاد من قيمة عجز الميزانية ( الفارق بين الإيرادات والإنفاق )، وهو عجز مُتوقَّع من قِبَل الدّائنين – وفي مقدّمتهم صندوق النّقد الدّولي – بهدف إغراق هذه الدّول بالديون بشكل يجعلها غير قادرة على الخروج من هذه الدّوّامة، ويفرض صندوق النقد الدّولي برامج 'الإصلاح الهيكلي' والتّقشُّف لتتمكن حكومات هذه الدّول من مُجابهة الدّيون المتراكمة التي ارتفع صافي فوائدها من 6,4% من إيرادات هذه الدّول سنة 2021 إلى 9,5% من إيراداتها سنة 2025 وتضاعفت نسبة ما تُسدّده هذه الدّول خلال عشر سنوات وفق بيانات البنك العالمي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ويقابل هذا الإرتفاع في مُخصّصات الدُّيُون انخفاض في الإنفاق على الصحة والتعليم والخدمات العمومية أو الاستثمار في مجالات الإنتاج والقطاعات الإنتاجية والوظائف، وقدّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن 56 بلداً ( أو ما يقارب نسبة 45% من البلدان 'النامية ')، تسدد أكثر من 10% من إيراداتها على فوائد الديون، ويُسدّد 17 بلد أكثر من 20% من إيراداتها، وتنفق البلدان الأشد فقرًا حوالي 15% من إيراداتها على مدفوعات الفائدة، وبلغت قيمة إجمالي الدين العام الخارجي (الفائدة وأصل الدين) لأفقر 31 بلدًا، نحو 205 مليار دولار وبلغت مدفوعات الفائدة وحدها نحو 36 مليار دولار سنة 2023، وترفض المؤسسات المالية الدّولية وكذلك المجموعات ( مثل نادي باريس) والدّول الدّائنة تخفيف الديون أو إلغاءها كليا أو جُزْئيًّا لأنها مصدر هام للرّبح. الأضرار 'الجانبية' للقُرُوض في بدان 'الأَطْراف' لم تستفد شُعُوب بلدان الأطراف ( الجنوب) من القروض التي حصل عليها الزعماء الذي يرأسون في معظمهم أنظمة ديكتاتورية فاسدة، حليفة للقوى الإمبريالية التي سمحت لها باختلاس جزء من المبالغ المقترضة، لأنها تعتبرها عمولات تجعل هؤلاء الدّكتاتوريين أكثر استعداداً لإغراق بلادهم بالديون، مثلما فعل رئيس الزائير ( جمهورية الكونغو الدّيمقراطية حاليا) الذي فرط طيلة ثلاثة عقود من الحُكْم في موارد البلاد للشركات الأجنبية مقابل رشاوى وعمولات تعادل ثُلُثيْ ديون البلاد، كما حكمت عشيرة دوفالييه (الأب والإبن) هايتي لفترة ثلاثة عقود وفاقت ثروة الأسرة قيمة ديون البلاد، وكانت إندونيسيا في أزمة خانقة، بينما قُدّرت ثروة سوهارتو – الذي حكم لمدة 32 سنة – وعائلته والمُقربين منه يمتلكون ثروات طائلة، ولولا الدّعم الإمبريالي لما وصل ثلاثتهم إلى الحكم ولما استمروا على رأس السلطة… لم يستفد المواطنون من القروض، بل ساءت ظروف عَيْش الأغلبية، فيما تم استثمار القُروض في مشاريع ضخمة وغير مناسبة في مجالات الطاقة أو البنية الأساسية (السدود ومحطات الطاقة الحرارية وخطوط أنابيب النفط…) في زائير ( الكونغو الدّيمقراطية حاليا) أتاح سد إنغا إنشاء خط كهرباء عالي الجهد بطول 1900 كيلومتر إلى كاتانغا، وهي مقاطعة غنية بالمعادن القابلة للاستخراج، ولم يتم تركيب محولات لتزويد القرى التي يمر فوقها بالكهرباء، وهذا نموذج لتوجيه القُروض نحو استخراج الموارد الطبيعية من دول 'المُحيط' (الجنوب ) ونقلها بسهولة إلى الأسواق العالمية، وخلال منتصف العقد الأخير من القرن العشرين، تم بناء خط أنابيب لنَقْلِ النفط من منطقة دوبا (تشاد، دولة غير ساحلية) إلى المحطة البحرية في كريبي (الكاميرون)، على مسافة ألف كيلومتر، وتم تنفيذ المشروع بقرض من البنك العالمي، دون الإهتمام بمصلحة السّكّان من البَلَدَيْن، فضلا عن الأضرار التي ألحقها المشروع بالفلاحة وتربية المواشي والمياه والغابات… يتم كذلك استخدام القُرُوض لشراء المنتجات التي تصنعها الشركات في الدولة الدائنة، مما يساعد على تصحيح ميزانها التجاري، كما تستفيد الشركات متعددة الجنسيات ذات المنشأ الأوروبي أو الأمريكي أو الياباني من مشاريع البُنية التحتية ومن شراء الأسلحة لقمع المواطنين، وللإختلاس والفساد حصة من هذه القروض أصبحت الغالبية العظمى من البلدان النامية خاضعة لسيطرة صندوق النقد الدولي، خلال العقد الأخير من القرن العشرين، وفقدت سيادتها في ظل هذا الإستعمار الإقتصادي، ولم تحل الدّيون الأزمات المالية بل فاقمتها بفعل الإنفتاح الكامل أمام رأس المال الأجنبي، وبفعل التدابير الليبرالية التي فرضها صندوق النقد الدولي سواء في أميركا الجنوبية حيث غادرت 'الأموال الساخنة' هذه البلدان خلال أزمة 1994 أو في جنوب شرق آسيا خلال أزمة سنة 1997، أو في روسيا سنة 1998، و في أميركا الجنوبية سنة 1999، وفي تركيا بين سنتَيْ 1999 و2002، وفي الأرجنتين سنتَيْ 2001 و2002، وفي البرازيل سنة 2002 الخ، وفي كل مرة تكون الأولوية لسداد الدّيون، فخلال أزمة 1994، تم توجيه العائدات من صادرات النفط المكسيكية عبر حساب في الولايات المتحدة، ويملك القاضي الأميركي سلطة منع تدفق الأموال من هذا الحساب إلى المكسيك إذا لم تسدد ديونها. صَخب إعلامي عَقِيم انخفضت أسعار المواد الخام بشكل حاد كل عشر سنوات تقريبًا، مما يزيد من مصاعب الدّول المُصدّرة لها، ومما يزيد من ثراء الدّول المُصنعة التي تستفيد من نهب الموارد ومن فوائد القُروض، ولما انخفضت الأسعار منتصف العقد الأخير من القرن العشرين، أعلن زعماء الدّول الإمبريالية، خلال قمّة مجموعة السّبْع سنة 1996، إطلاق مبادرة 'لتخفيف ديون البلدان الفقيرة، وتناقلت وسائل الإعلام السائد هذا الخبر على نطاق واسع وأَسْهَبَتْ في تحليله، ولم تتم ترجمة هذه البادرة إلى حين انعقاد قمة مجموعة السبع سنة 1999، ورغم الصخب الإعلامي، لم تستفد من هذا 'التخفيف من الدّيون' سوى 42 من أصل 165 دولة، ويتمثل الأمر في إعادة هيكلة الدّيون ( وليس إلغائها) وتخفيف أعْباء المتأخرات واستغلت المؤسستان ( الصندوق والبنك) هذه المناسبة لتعزيز برنامج الإصلاح الهيكلي و'تنفيذ الإصلاحات والسياسات الاقتصادية الجيدة' للإستفادة من تخفيف أعباء خدمة الدّيون ( وليس أصل الدّيون) ويتعين على الدّول المُستفيدة من هذا التخفيف توقيع اتفاقية مع صندوق النقد الدولي من أجل مواصلة تنفيذ الشروط القاسية لفترة ثلاث سنوات، وتتمثل في الخصخصة، وتحرير الاقتصاد من القيود التنظيمية، وبعد ثلاث سنوات يقوم صندوق النقد الدولي والبنك العالمي بمراجعة النتائج ويقرران أو يرفضات تخفيفًا بسيطًا للدّيون الخارجية، وبعد مرور أربع سنوات ( سنة 2000) حَوّلت البلدان الـ 42 الفقيرة المثقلة بالديون مبالغ إلى الدّول الغنية فاقت ما حصلت عليه من الدّيون بقيمة 2,3 مليار دولارا واستنتج مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) سنة 2000: '… لن يكون تخفيف أعباء الديون المخطط له كافيًا لجعله مستدامًا في المدى المتوسط (…) ولن يكون لمدى تخفيف أعباء الديون وطريقة تقديمه آثار مباشرة كبيرة على الحد من الفقر…'، وكنت 34 من البلدان الفقيرة المثقلة بالديون البالغ عددها 42 بلداً هي بلدان أفريقية جنوب الصحراء الكبرى، وأربع بلدان من أمريكا الجنوبية (هندوراس ونيكاراغوا وبوليفيا وغيانا)، وثلاث بلدان آسيوية (لاوس وفيتنام وميانمار) بالإضافة إلى اليمن، ولم تستفد نيجيريا وهايتي وأنغولا وكينيا و ليبيريا والسودان والصومال وفيتنام ولاوس واليمن من تخفيف عبء الدّيون، وفي نهاية الأمر، وبحلول شهر كانون الأول/ديسمبر 2002، لم تستفيد من هذا 'التّخفيف' الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة، سوى ست دول: أوغندا وبوليفيا وموزامبيق وتنزانيا وبوركينا فاسو وموريتانيا، وورد في تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ( أونكتاد – أيلول/سبتمبر 2002 ): 'بعد حوالي عِقْدَيْن من برامج التكيف الهيكلي، ازداد الفقر وأصبح النمو بطيئًا وغير منتظم في أغلب الأحيان وتفاقمت أزمات المناطق الريفية، وأدّى تراجع قطاع الصناعة إلى تقويض آفاق النّمو … ' ولم يُغَيِّر صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي استراتيجيتهما، بل عملا على استدامة الدّيون واستدامة تدفق الثروة من المُحيط ( الأطراف) إلى المركز الإمبريالي… ‎2025-‎04-‎02

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store