أحدث الأخبار مع #الربيعالعربي


الدستور
٢١-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- الدستور
فرصة ترامب التاريخية في الشرق الأوسط!
على مدى عقود من الزمان، كان الشرق الأوسط المنطقة التي تموت فيها الطموحات الدبلوماسية الأمريكية.. ومنذ ترك الرئيس الأمريكي، جورج بوش الأب، منصبه في أعقاب حرب الخليج على الأقل، انتهى الأمر بالرؤساء الأمريكيين المتعاقبين، في كثير من الأحيان بعد فترات عابرة من الأمل، إلى ترك المنطقة في حالة أكثر خطورة مما وجدها عليه. كان بيل كلينتون يعقد آمالًا كبيرة على التوصل إلى اتفاق سلام تاريخي بين الإسرائيليين والفلسطينيين؛ وقد نجح في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، في كامب ديفيد عام 2000، ولكن رئاسته انتهت بانهيار المحادثات وبداية الانتفاضة الثانية القاتلة.. وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر على الولايات المتحدة، نجح جورج دبليو بوش، في الإطاحة بنظام صدام حسين في العراق باسم (تحويل) المنطقة.. ولكن هذا المشروع تحول إلى مستنقع، قتل الآلاف من الأمريكيين وعزز من قوة إيران.. وسعى باراك أوباما إلى اغتنام فرصة ما أسموه بـ (الربيع العربي) عام 2011؛ ورغم أنه تفاوض على اتفاق نووي مع إيران، فإن تطلعاته إلى الديمقراطية والتعاون الإقليمي تقوضت بسبب ثورة الشعب المصري على حكم الإخوان في مصر، وصعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، واندلاع حرب أهلية مدمرة في سوريا.. في ولايته الأولى، كان دونالد ترامب يأمل أن يؤدي الانسحاب من الاتفاق النووي الذي أبرمه أوباما، وقتل قائد الحرس الوري الإيراني، قاسم سليماني، إلى الحد من التهديد الإيراني، ولكن عندما ترك منصبه عام 2017، كانت إيران توسِّع برنامجها النووي، وتستخدم وكلائها لمهاجمة القوات الأمريكية، وكذلك جيرانها.. ومؤخرًا، تجنَّب جو بايدن، مع وضع إخفاقات الماضي في الاعتبار، التطلعات الكبرى وركز على تحقيق الاستقرار في المنطقة، فقط ليُرى عامه الأخير في منصبه مستهلكًا، في أعقاب هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، وأهوال الحرب في غزة التي أعقبت ذلك. في ظل هذا التاريخ، قد يبدو من الحماقة أن نتخيل أن الشرق الأوسط اليوم، قد يكون أي شيء آخر غير مصدر للمتاعب لرئيس أمريكي جديد، كما يرى فيليب جوردون، مستشار الأمن القومي لنائبة الرئيس الأمريكي السابق، كامالا هاريس، من عام 2022 إلى عام 2025، ومنسق البيت الأبيض لشئون الشرق الأوسط خلال إدارة أوباما.. وهو مؤلف كتاب (خسارة اللعبة الطويلة: الوعد الكاذب بتغيير النظام في الشرق الأوسط)، في مقال له بصحيفةAffairs Foreign.. بل إن السنوات الثلاثين الماضية، أثبتت أن الشرق الأوسط من المستحيل تجاهله، ولا يفشل أبدًا في إثارة الدهشة.. وأنه مهما بدا الوضع سيئًا، فإنه يمكن أن يزداد سوءًا دائمًا.. ومع كل المشاكل والمخاطر الحقيقية في المنطقة، فإن ترامب يرث في الواقع سلسلة من الفرص.. وفي بعض النواحي، قد يكون في وضع جيد للاستفادة منها،.. وهو أمر أُقِر به ـ يفول جوردون ـ حتى بصفتي ناقدًا قاسيًا لترامب ومستشار الأمن القومي السابق لنائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس.. إلى جانب المشهد الاستراتيجي الجديد الذي ورثه، فإن طبيعة ترامب غير المتوقعة، قد تمنحه نفوذًا مع إيران وإسرائيل ودول الخليج، من بين آخرين.. وقد يبيع سياسات للكونجرس، مثل الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما لم يستطع رئيس ديمقراطي بيعه. لا شك أن ترامب قادر بشكل فريد على تفاقم مشاكل المنطقة، وقد فعل ذلك بالفعل، من خلال اتخاذ قرار بخفض المساعدات الأمريكية الحيوية للمنطقة، ودعوة الولايات المتحدة إلى إخلاء غزة والاستيلاء عليها.. وسوف يعتمد مصير الشرق الأوسط على مدى السنوات الأربع المقبلة إلى حد كبير، على ما إذا كان ترامب سيتمكن من الاستفادة من هذه الفرص الاستراتيجية، أو يهدرها بدلًا من ذلك بدوافعه المتهورة. إن الفرصة الأولى التي ورثها ترامب هي مع إيران، التي كانت لعقود من الزمن في قلب مشاكل الشرق الأوسط.. واليوم، أصبحت طهران أضعف، وربما أكثر عُرضة للاستغلال، مما كانت عليه منذ الثورة الإيرانية عام.1979. فقد تم القضاء عسكريًا على إثنين من وكلائها الرئيسيين، حزب الله في لبنان وحماس في غزة.. وقد أثبت أسطولها من الصواريخ الباليستية، الذي كان لفترة طويلة خط ردع ثانٍ إلى جانب هؤلاء الوكلاء، عدم فعاليته المؤثرة ضد الدفاعات الجوية الإسرائيلية التي تدعمها الولايات المتحدة وغيرها من القوى الإقليمية.. والآن لا يدير سوريا، الشريك الإقليمي الرئيسي لإيران، حليف إيران بشار الأسد، بل تحالف مناهض لإيران، حرم طهران من جسرها البري إلى لبنان.. كما أثبتت الدفاعات الجوية الإيرانية عدم كفاءتها ضد الضربات الجوية الإسرائيلية في خريف 2024، لدرجة أن إيران شعرت بالضعف الشديد، حتى أنها لم تحاول الرد على الضربة الإسرائيلية الأخيرة عليها.. كما أن الاقتصاد الإيراني، الذي دمرته سنوات من سوء الإدارة، والعقوبات الأمريكية والدولية، وفترة من انخفاض أسعار النفط، يتعرض لضغوط هائلة. في ظل هذه الظروف الجديدة، ليس من المستغرب أن يبدأ القادة الإيرانيون في الإشارة إلى الانفتاح على اتفاق نووي جديد، لأن البدائل لمثل هذه الصفقة بالنسبة لإيران أسوأ من أي وقت مضى.. انتُخِب الرئيس مسعود بيزشكيان عام 2024 على أساس برنامج تحسين الاقتصاد، والطريقة الوحيدة الممكنة لتحقيق هذا الهدف، هي إبرام اتفاق دبلوماسي مع الولايات المتحدة والحصول على تخفيف العقوبات.. وعلى الرغم من أن المرشد الأعلى، علي خامنئي، المتشكك منذ فترة طويلة في المحادثات، لا يزال صانع القرار النهائي، إلا أنه يعرف أن قدرة إيران على ردع الضربات العسكرية على برنامجها النووي أو البنية التحتية للطاقة ـ والتي تعتمد على الوكلاء، والضربات الصاروخية الباليستية ضد إسرائيل، والدفاع الجوي المحلي ـ قد انخفضت بشكل كبير.. كما يعرف القادة أن استعداد الولايات المتحدة وإسرائيل للقيام بضربات هجومية، قد زاد في ظل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وترامب الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته. لقد أشار ترامب إلى اهتمامه بالتوصل إلى اتفاق، وقد يؤدي المشهد الاستراتيجي الجديد، إلى دفع إيران إلى تقديم المزيد على الطاولة مما كان متصورًا في السابق.. وتشمل التنازلات التي لم تكن واقعية في الماضي، ولكنها قد تكون واقعية اليوم، فرض قيود صارمة على مستويات التخصيب النووي، وشروط بدون تاريخ انتهاء الصلاحية، وقيود على الصواريخ الباليستية، وحتى قيود على التدخل الإقليمي الإيراني (نظرًا لأن وكلاء إيران ضعفوا إلى هذا الحد على أي حال).. وقد يمنع الاتفاق الجديد حتى برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني المحلي، من خلال السماح لإيران بالوصول إلى بنك الوقود الدولي؛ ومن شأن مثل هذا الإعداد، أن يسمح لطهران بالادعاء بأنها حافظت على حقها في الاستفادة من إنتاج الطاقة النووية المدنية، كما يسمح لترامب والحكومة الإسرائيلية بالقول إنهما حرمتا إيران من السيطرة على التخصيب. ولكن، حتى في ظل الظروف الاستراتيجية الجديدة، سوف تكون هناك حدود للتنازلات التي قد تقدمها إيران، وقد يتجاوز ترامب حدوده بسهولة، أو حتى يسعى إلى تغيير النظام في طهران.. ولكن جاذبية الاتفاق الذي يمنع إيران بشكل يمكن التحقق منه من تطوير سلاح نووي ويحد من نفوذها الإقليمي، لابد وأن تكون واضحة.. والواقع، أن الجمع بين ضعف إيران والتهديد المتزايد المصداقية من جانب الولايات المتحدة باستخدام القوة، يجعل الاتفاق أكثر واقعية من أي وقت مضى.. وإذا تمكن ترامب من التفاوض على مثل هذا الاتفاق، فسوف يتفاخر بالحصول على (صفقة أفضل)، من تلك التي توصل إليها أوباما، ثم يبيع هذه الصفقة للكونجرس. ●●● الفرصة الثانية التي تسنح لترامب في المنطقة، هي إنهاء الحرب في غزة ـ وهي أكبر انتكاسة للسلام والاستقرار في المنطقة منذ حرب العراق ـ وبدء العملية الطويلة، المتمثلة في تحقيق الاستقرار في (اليوم التالي).. فمنذ الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، ورد إسرائيل اللاحق، كان الوضع في غزة مأساة لا يمكن تفسيرها.. ولكن وقف إطلاق النار واتفاق الرهائن الذي تم التوصل إليه بين حماس وإسرائيل في الخامس عشر من يناير، بعد أشهر عديدة من الجهود الفاشلة وبمساعدة فريق ترامب، يوفر مسارًا محتملًا لإنهاء الحرب أخيرًا.. فبعد خمسة عشر شهرًا من الدمار والمعاناة غير المسبوقين، علقت إسرائيل العمليات العسكرية الكبرى، وبدأت حماس في إطلاق سراح الرهائن، وبدأ سكان غزة في العودة إلى أحيائهم. إن المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار محدودة في الوقت والنطاق، ومن غير المضمون أن تستمر.. وسوف يتطلب الوصول إلى المرحلة الثانية، اتخاذ قرارات أكثر صعوبة بشأن إطلاق سراح الرهائن، بما في ذلك الجنود الإسرائيليين، وإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين، بما في ذلك المزيد من المحكومين بالمؤبد، وفي نهاية المطاف مصير حماس.. وفي الوقت نفسه، كانت صور الرهائن الإسرائيليين الهزيلين الذين تم إطلاق سراحهم في الثامن من فبراير، بمثابة تذكير صارخ لإسرائيل، بضرورة التوصل إلى اتفاق بشأن المرحلة الثانية، قبل أن يموت المزيد من الرهائن.. ويجب على حماس أن تدرك أيضًا أن نهاية الاتفاق لن تنتهي بشكل جيد بالنسبة للحركة.. لقد هدد ترامب حماس بـ (الجحيم) إذا رفضت الصفقة، وتعرف المجموعة أن (فرسانها)، حزب الله وإيران، لن يصلوا.. وهو السبب الرئيسي وراء موافقتها على وقف إطلاق النار، وصفقة الرهائن في المقام الأول. إذا تمكن ترامب من المساعدة في تمديد الاتفاق بين حماس وإسرائيل، أو حتى منع تجدد القتال، فسوف تتاح له الفرصة لبدء وضع اللبنات الأساسية، لتحقيق قدر ضئيل على الأقل من الاستقرار في غزة والضفة الغربية، وعلى المدى الطويل، لاتفاق (التطبيع) الذي طالما طال انتظاره بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وتمديد اتفاقيات إبراهام التي تفاوض عليها في ولايته الأولى.. هذه الرؤية التاريخية لا تتطلب فقط إنهاء الحرب في غزة، بل تتطلب أيضًا التزامًا إسرائيليًا بمسار يؤدي إلى دولة فلسطينية.. ومن المؤكد أن مثل هذا الالتزام يصعب تصوره في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية، لكنه ربما لا يكون مستبعدًا تحت ضغط من ترامب، الذي سيكون في وضع فريد من نوعه للتأثير على إسرائيل، خصوصًا إذا رأى في القيام بذلك مسارًا لجائزة نوبل للسلام. وهناك أيضًا أهداف أكثر واقعية ومحدودية، ينبغي لترامب أن يكون في وضع جيد لتحقيقها إذا كان راغبًا في ذلك: المطالبة بإصلاح حقيقي للسلطة الفلسطينية، مع رحيل الرئيس محمود عباس، البالغ من العمر تسعة وثمانين عامًا، عن المشهد؛ وإقناع إسرائيل بقبول دور للسلطة الفلسطينية في حكم غزة بعد الحرب، وهو الدور الذي قد تتسامح معه بقايا حماس، كبديل لمزيد من الإبادة؛ وإقناع دول الخليج العربي، التي تحرص على البقاء على علاقة جيدة مع الإدارة الأمريكية، بتقديم الدعم السياسي وأموال إعادة الإعمار، وربما قوات الأمن لدعم اتفاق السلام.. وسوف تظل المشاكل والتحديات هائلة، حتى مع مثل هذا التقدم، لكنها سوف تتضاءل بالمقارنة بالدمار والانقسامات والمعاناة التي سبقت اتفاق وقف إطلاق النار.. وسوف ينال ترامب الفضل، ويستحقه.. شريطة احترام الرؤية العربية لحل المشكلة الفلسطينية، والوثوق في الرؤية المصرية لإعادة الإعمار في غزة، دون اللجوء إلى التهجير، لا طوعًا ولا قسرًا. ●●● لقد ورث ترامب أيضًا فرصًا في لبنان، الذي بدت آفاقه قاتمة، حتى قبل الحرب بين إسرائيل وحماس، ولكنها ساءت بشكل واضح عندما وجهت إسرائيل قواتها ضد حزب الله، مما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا وعشرات الآلاف من المدنيين النازحين.. عانى لبنان لعقود من الزمان تحت قبضة حزب الله، ومنذ عام 2011، غمره أكثر من مليون لاجئ من الحرب في سوريا.. ولكن مع إضعاف حزب الله، أصبحت البلاد أخيرًا لديها فرصة لتحرير نفسها من قبضة إيران، وإقامة دولة أكثر وظيفية وسيادة. وتنبع هذه الفرصة، من الخسائر الهائلة التي تكبدها حزب الله، منذ بدأ خوض الحرب مع إسرائيل، في أعقاب هجمات السابع من أكتوبر.. ورغم أن البعض في إسرائيل دافعوا عن شن عملية عسكرية كبرى ضد حزب الله منذ البداية، إلا أن نتنياهو أحجم في البداية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الضغوط من إدارة بايدن لتجنب التصعيد الإقليمي.. ولكن مع استمرار هجمات حزب الله في شمال إسرائيل، في منع عشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم، من العودة إلى ديارهم، فقدت إسرائيل صبرها.. وفي الأشهر الأخيرة من عام 2024، أدت الضربات العسكرية الإسرائيلية المتصاعدة على حزب الله ـ بما في ذلك هجمات أجهزة النداء؛ واغتيال مسئولي حزب الله، بمن فيهم زعيمه الأعلى، حسن نصر الله؛ والضربات الجوية المتواصلة ضد البنية التحتية العسكرية لحزب الله ـ إلى تدمير المنظمة سياسيًا وعسكريًا تدريجيًا.. وبحلول نوفمبر 2024، وخوفًا من المزيد من الخسائر، وإدراكًا منه أن إيران ليست في وضع يسمح لها بالدفاع عنه، وافق حزب الله على وقف إطلاق النار مع إسرائيل، الذي أغفل شرطه المسبق السابق لإنهاء الحرب في غزة، وطالب الجماعة بسحب قواتها إلى شمال نهر الليطاني، وسمح لآلاف القوات المسلحة اللبنانية بالانتشار في منطقة عازلة في الجنوب.. كما مهد الاتفاق الطريق لتحقيق اختراق في السياسة اللبنانية، باختيار رئيس جديد، قائد الجيش السابق جوزيف عون، ورئيس وزراء، الفقيه المحترم نواف سلام، وكلاهما ملتزم بتحسين الحكم وضمان استقلال الدولة اللبنانية. ومع أن حزب الله لا يزال يمارس نفوذًا كبيرًا على السياسة اللبنانية، لكن نفوذه تقلص إلى حد كبير.. لقد سئم الشعب اللبناني من نتائج قيادة حزب الله.. لقد تضررت قدرة إيران على إعادة إمداد حزب الله بشدة بسبب خسارتها لسوريا، وقد تفوز الحكومة اللبنانية الجديدة بالدعم السياسي والاقتصادي والعسكري الدولي الذي تحتاجه للنجاح، بما في ذلك من الولايات المتحدة.. وإذا تمكن ترامب من التغلب على غرائزه ضد المساعدات الأجنبية، فستتاح له الفرصة لمساعدة الحكومة والجيش اللبنانيين، بالوسائل والثقة اللازمة لتهميش حزب الله بشكل أكبر والحد من نفوذ إيران. وأخيرًا، والأكثر إذهالًا، تأتي الفرصة في سوريا، التي كانت ربما المنطقة الأكثر زعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية.. فبعد سنوات من محاولة عزل بشار الأسد، بل وحتى الإطاحة به، بحلول عام 2020، كانت الولايات المتحدة والعديد من حلفائها العرب والأوروبيين، قد تجاوزوا في الغالب الواقع المروع المتمثل في حكم الأسد الدائم.. ولكن مع تركيز انتباه العالم على الوضع في غزة، ومع إضعاف إيران وروسيا بسبب صراعاتهما مع إسرائيل وأوكرانيا، اغتنمت المعارضة السورية بقيادة جماعة هيئة تحرير الشام المتمردة الفرصة للتحرك.. ولم يكن من قبيل المصادفة أن تشن هيئة تحرير الشام وحلفاؤها هجومهم العسكري مباشرة بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، والذي ضمن عدم سعي الجماعة اللبنانية لإنقاذ الأسد، كما فعلت عام 2011، عندما كان الأسد على وشك الانهيار آخر مرة. ولعل من المدهش بنفس القدر، أن هيئة تحرير الشام، التي لا تزال الولايات المتحدة تصنفها كمنظمة إرهابية، أعلنت، وحتى بدأت في التصرف، بناءً على التزامها بضمان حقوق الإنسان واحترام الأقليات والنأي بنفسها عن ماضيها الإرهابي.. وفجأة، اختفى النظام السوري الذي كان الحليف الرئيسي لإيران في الشرق الأوسط، وقناة للأسلحة إلى حزب الله، ومضيفًا للقوات العسكرية والقواعد البحرية الروسية، ومصدرًا رئيسيًا للمخدرات، وداعمًا للإرهاب الإسلاموي، وحلت محله فرصة لتشكيل سوريا جديدة. ولا يزال يتعين على الرئيس الجديد، أحمد الشرع، أن يثبت التزامه بسوريا الأفضل، ولكن حتى قبل ثلاثة أشهر فقط، كانت فكرة أن يرث ترامب الفرصة لدعم مثل هذه سوريا، تبدو وكأنها مجرد حلم. ولن تكون السياسة الأمريكية هي المتغير الرئيسي الذي يحدد النجاح أو الفشل في سوريا، ولكن واشنطن قادرة على إحداث الفارق.. فقد يرفع ترامب، على سبيل المثال، تصنيفات الإرهاب الأمريكية، في مقابل الحكم الرشيد والتعاون في تحقيق أهداف مكافحة الإرهاب، بما في ذلك الوجود العسكري الأمريكي المتفاوض عليه في الشمال الشرقي، للمساعدة في منع عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية.. وقد يرفع أيضًا العقوبات الأوسع نطاقًا ويقدم المساعدة الاقتصادية، إذا وافقت سوريا على منع روسيا من الوصول إلى القواعد البحرية، وقد يساعد البلاد في العثور على إمدادات الحبوب والنفط، لتحل محل المصادر الروسية والإيرانية المفقودة.. وقد يستخدم ترامب أيضًا نفوذ الولايات المتحدة مع تركيا ومع شركاء واشنطن السوريين الأكراد، للتوسط في التوصل إلى اتفاق سياسي بينهم وبين النظام الجديد في دمشق.. وهذه فرص لم تتح للولايات المتحدة منذ عقود، وينبغي لترامب أن يغتنمها. لا ينبغي لأحد أن يستخف بالتحديات والمخاطر، التي لا تزال تلوح في الأفق في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.. فالحكومات الضعيفة وغير الفعّالة؛ والخصومات الدينية والعرقية والصراعات بين بعض الدول؛ وتعدد الجهات الفاعلة السيئة ـ فضلًا عن عواقب الحرب الرهيبة في غزة التي ربما لم تنته بعد، سوف تستمر في التآمر ضد التقدم نحو السلام والاستقرار.. وفي الوقت نفسه، سيكون من الخطأ المأساوي أن نتجاهل الفرص التاريخية التي يقدمها المشهد الاستراتيجي الجديد، والتي كانت جميعها تبدو بعيدة المنال قبل عام، أو حتى بضعة أشهر فقط.. ولا شك أن ترامب لن يرغب في شيء أكثر من نجاحه في تحقيق ما فشل فيه العديد من أسلافه.. وينبغي لأي شخص يهتم بالمنطقة، أن يأمل في أن ينجح في تحقيق ذلك.. شريطة أن يذهب هو إلى أهدافة، حاملًا ميزان العدل بين دول وأطياف الشرق الأوسط، دون الانحياز التام لإسرائيل، على حساب هذا العدل، وعلى حساب تحطيم القوانين الدولية والإنسانية الواجب فرضها، وعلى إسرائيل أولًا.. فهل ينجح؟. حفظ الله مصر والأمة العربية من كيد الكائدين.. آمين.


سواليف احمد الزعبي
٠٥-٠٢-٢٠٢٥
- ترفيه
- سواليف احمد الزعبي
'اقتحام سفارة إسرائيل في القاهرة'.. لماذا تعرض تل أبيب مسلسلا عن ثورة 25 يناير 2011؟
#سواليف أثار #مسلسل ' #التحرير ' الإسرائيلي الجديد الذي يسرد أحداث #اقتحام #السفارة_الإسرائيلية بالقاهرة في أعقاب ثورة 25 يناير 2011 ضجة كبيرة بالشارع الإسرائيلي. والمسلسل الذي يحمل اسم باللغة العربية 'التحرير'، ونشر في الإعلام العبري تحت عنوان ' #فوضى في #مصر '، يكشف أحداث واقعية صادمة وقعت داخل في السفارة الإسرائيلية بمصر عام 2011. ويسرد المسلسل الدرامي الإسرائيلي الجديد والذي يبث حاليا على قناة YES الإسرائيلية، أن أحدث المسلسل المثير للجدل وقعت بعد أشهر قليلة من اندلاع ثورة ' #الربيع_العربي ' في #مصر حيث خرجت حشود من المتظاهرين في ميدان التحرير متجهين للتظاهر أمام السفارة الإسرائيلية. وتبدأ أحداث القصة في عام 2011، في إحدى الأمسيات الباريسية اللطيفة حيث يقضي زوجان شابان شهر العسل في المدينة الأكثر رومانسية في العالم، وعند مغادرة الفندق، اقترب رجال الشرطة من الرجل وألقوا القبض عليه، وتبين أنه مطلوب من قبل الإنتربول، ويوجد طلب تسليم ضده مقدم من الحكومة المصرية، وهو متهم بارتكاب جريمة قتل أثناء عمله حارساً أمنياً في السفارة الإسرائيلية في مصر. وكان ميدان التحرير في القاهرة، محورًا رئيسيًا للثورة المصرية عام 2011، والتي أدت إلى الإطاحة بالرئيس الراحل حسني مبارك بعد ما يقرب من 30 عامًا في السلطة. وقال موقع nessziona الإخباري الإسرائيلي، إن الربيع العربي كان يمكن أن يشكل لحظة فاصلة في نضال شعوب المنطقة من أجل الحرية والعدالة، ولكن نتائجه كانت معقدة. وفي حين نجحت تونس نسبيا في الحفاظ على إنجازاتها الديمقراطية، فإن العديد من البلدان الأخرى شهدت تدهورا إلى وضع أكثر خطورة مما كان عليه قبل الثورات. ويحكي المسلسل أنه بعد اندلاع الثورة في مصر تجمعت الحشود في ميدان التحرير، وحدث حادث أمني على الحدود المصرية الإسرائيلية أدى لمقتل جنديين مصريين على يد القوات الإسرائيلية، مما دفع حشدا غاضبا للتظاهر أمام السفارة الإسرائيلية، وإجلاء الدبلوماسيين والموظفين وعائلاتهم على عجل، ولكن يتم إصدار أوامر لعدد من حراس الأمن في السفارة الإسرائيلية في مصر بالبقاء حتى لا يتركوا السفارة ويجدوا أنفسهم محاصرين هناك، مع عدم وجود إمكانية للهروب وفرصة ضئيلة للنجاة. ويعتبر ضابط أمن السفارة روي بارزاني (شون سوفتي) مسؤولاً إلى حد ما عن وضعهم لأنه لم يطلب من رؤسائه إجلاء حراس الأمن أيضاً، فيما يعتقد نائبه وصديقه الحميم تال شيمتوف (مود شفايتزر) أن الطريقة التي يدير بها جهاز المخابرات الإسرائيلي الحدث ستؤدي بهم إلى الخراب وتتحدى سلطته. كما يكشف المسلسل أن كبار المسؤولين الذين يديرون هذا الحدث المثير للأعصاب على الجانبين الإسرائيلي والمصري منشغلون أيضًا بالنزاعات الداخلية وصراعات القوة، وهي لمحة خلف كواليس آليات صنع القرار في لحظة أزمة دبلوماسية وأمنية قد تنتهي بشكل مأساوي. وقال الدكتور محمد عبود، أستاذ الدراسات الإسرائيلية واللغة العبرية بجامعة عين شمس المصرية ، إن إنتاج التلفزيون الإسرائيلي لمسلسل درامي عن أحداث السفارة يثير علامات استفهام كثيرة من ناحية التوقيت والدلالات. وأضاف عبود: 'فمن ناحية التوقيت يشهد الإعلام الإسرائيلي منذ فترة لهجة هجومية متصاعدة ضد مصر برعاية أحزاب اليمين المتطرف، ويشهد تصدير مخاوف للداخل الإسرائيلي من تعاظم قوة الجيش المصري، ومن التوجهات السياسية في القاهرة التي تتعارض مع الاطماع التوسعية الإسرائيلية في المنطقة'. واستطرد أستاذ الشؤون العبرية قائلا: 'لا شك أن موقف الدولة المصرية الرافض للتهجير ولاحتلال قطاع غزة ولتصفية القضية الفلسطينية يغضب دعاة التطرف في إسرائيل'. أشار عبود إلى أن المسلسل يحاول فرض السردية الإسرائيلية على أحداث السفارة، حيث يقدم الإسرائيليين في صورة الضحية والمصريين في صورة المعتدي، متجاهلًا حقيقة أن الأحداث اشتعلت على خلفية استشهاد خمسة جنود مصريين على الحدود بنيران إسرائيلية، مما أثار غضبًا شعبيا واسعا في مصر. وأضاف: 'اللافت أن التلفزيون الإسرائيلي يعرض العمل بالتزامن مع ذكرى 25 يناير، ويطلق على المسلسل اسمًا عربيًا هو 'التحرير'، وينشر تقارير إخبارية عنه تحت عنوان 'فوضى في مصر'. هذه إشارات مغرضة وزائفة اعتاد الإعلام الإسرائيلي ترويجها عن القاهرة من حين لآخر، بهدف الإساءة إليها والضغط عليها، ومحاولة محاصرة دورها في دعم القضية الفلسطينية'.