أحدث الأخبار مع #الرجلالأبيض


يا بلادي
٠١-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- يا بلادي
حرب الريف: عندما استعان الفرنسيون والإسبان بطيارين أمريكيين لقصف مدينة شفشاون
خلال العقد الثاني من القرن العشرين، أعلن الزعيم الريفي محمد بن عبد الكريم الخطابي عن تأسيس جمهورية الريف، بعد إلحاقه هزائم متوالية بالجيش الإسباني، وهو ما جعل فرنسا التي كانت تحتل أجزاء كبيرة من المغرب بموجب معاهدة الحماية، تتخوف من الخطابي، لتقرر الانضمام إلى إسبانيا في مواجهته. وشكل صمود الخطابي وأنصاره أمام فرنسا وإسبانيا، حالة نادرة في تاريخ الحروب الاستعمارية في العالم، وهو ما دفعهم للاستعانة بخدمات طيارين أمريكيين سابقين. وهاجم الطيارون الأمريكيون تحت قيادة المغامر تشارلز سويني مدينة شفشاون، في محاولة منهم لتركيع الزعيم السياسي والعسكري للريف، في شتنبر 1925. وفي كتابهما " تشارلز سويني، الرجل الذي ألهم همنغواي" قال الكاتبان الأمريكيان تشارلي روبيرت و تشارلز هيس، إنه قبل أشهر من القصف، قام عبد الكريم بـ "خطأ فادح"، حيث قام في أبريل 1925، بمهاجمة المواقع العسكرية الفرنسية، في محاولة منه لجعل القبائل الجنوبية تنضم إلى جيشه لمحاربة القوى الاستعمارية، إلا أن هذه الخطوة انعكست سلبا عليه. فقرار الخطابي، دفع الفرنسيين إلى توحيد صفوفهم مع إسبانيا ضد قبائل الريف، و"في هذه المرحلة من حرب الريف، اقترح سويني (...) على رئيس الوزراء الفرنسي بول باينليف ارسال عدد من الطيارين الأمريكيين لدعم المجهود الحربي الفرنسي في المغرب". حسب ما جاء في الكتاب نفسه. وأشار موقع " كود أند داجر" إلى أن سويني أراد من خلال تقديمه هذا الاقتراح تجنب الملل، بشنه معركة تبقيه مشغولا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. وأوضح الكتاب نفسه، نقلاً عن سجلات في المركز التاريخي للجيش الفرنسي في فينسينس، أن بول باينليف رحب "بحرارة بطلب العقيد". وفي يونيو 1925، شرع سويني في تنفيذ مغامرته الجديدة وأرسل برقية إلى المحاربين القدامى الأمريكيين الذين قاتلوا في الحرب العالمية الأولى، ومن بينهم بول إيريس روكويل، الذي سبق له أن حارب مع سويني في الفيلق الأجنبي الفرنسي. وكتب سويني في رسالة لزميله السابق الذي وافق بدوره على أن يكون ضمن السرب، "إنه اقتراح إعادة إحياء فرقة لافاييت إسكادريل، للخدمة في المغرب، وهو ما سيجمع نصف الأعضاء القدامى فهل ترغب في الانضمام أنت أيضا". وقال الكاتبان الأمريكيان إنه "بحلول شهر يوليوز، جمع سويني 17 متطوعًا، من بينهم 12 طيارًا، شقوا طريقهم إلى المغرب". لكن فريق سويني لم يكن موضع تقدير من قبل الحكومة الأمريكية، حيث أمرت قنصلها في المغرب بـ"تقديم النصح للأمريكيين الذين يخاطرون بفقدان جنسيتهم الأمريكية، وسجنهم وتغريمهم إذا استمروا في القتال ضد شعب لا يوجد أي خلاف بينه وبين الولايات المتحدة"، حسب الكتاب نفسه. وأشار موقع "كود أند داجر" إلى أن هذه التحذيرات لم تمنع سويني من قصف مدينة شفشاون، فبالنسبة له، كانت فرنسا "تحارب دفاعا عن قضية حضارة الرجل الأبيض، وكل أعضاء السرب يعرفون بما يكفي العالم ليقدروا جيدا ما تعنيه حضارة الرجل الأبيض". وأوضح الكاتبان الأسباب التي أدت إلى اختيار مدينة شفشاون كهدف من قبل الفرنسيين، نقلا عن روكويل الذي قال "كان هدفنا هو شفشاون، مدينة رجال القبائل المقدسة في جبالة، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 7000 نسمة". وأضاف أن شفشاون "لم يتم قصفها من قبل، وبسبب مكانتها وقدسيتها، فإنه كان من المتوقع أن يؤدي ذلك الهجوم الجوي إلى تخويف قبائل جبالة وأن يكون له مفعول إيجابي في فصلهم عن عبد الكريم". وقال بول روكويل إنني "ندمت على مهاجمة بلدة لطالما حافظت على استقلالها باستثناء بضع سنوات من الاحتلال الأسباني"، وتابع حديثه في وصفه جمال شفشاون أثناء وقت القصف بالقول "بدت المدينة جميلة من أعلى الجو، وهي تعانق جبلها المرتفع وتحيط بها العديد من الحدائق والمساحات الخضراء ... لمحت من الأعلى العديد من المحميات، بالإضافة إلى ستة مساجد، وبناية من العصور الوسطى، وساحة كبيرة بها نافورة يتناثر بها الماء في الفضاء، كنت أتمنى لو لم يتخرب أي شيء منها". أسقط هذا القصف مجموعة من الضحايا المدنيين، واستنكرت مجموعة من الوسائل الإعلام الأمريكية وكذا الحكومة الأمريكية هذا الهجوم، الذي يعتبر واحدًا من أولى الهجمات ضد المدنيين بواسطة الطائرات، وهو ما أجبر فرنسا على حل الوحدة العسكرية التي نفذته، بعد ستة أشهر فقط من بدء عملها. وأشارت وكالة "أسوشييتد بريس" في حينه إلى أن المحاربين القدامى الأمريكيين، المتورطين في مهاجمه شفشاون، "انتهكوا قوانين الحياد الأمريكية".


اليوم السابع
٢١-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- اليوم السابع
كيف نقرأ التاريخ "7"
ما زلنا مع الحديث عن قراءة التاريخ، فأرجو من القارئ العزيز مراجعة الحلقات السابقة من هذه السلسلة. "احترس من الخطاب التاريخى المتطرف" يخطئ الكثيرون فيحسبون أن الخطاب المتطرف هو خطاب بالضرورة، ولكن للتاريخ نصيب من تطرف الخطاب.. إليك بعض الأمثلة: عندما غزا الاستعمار قارة أفريقيا واحتلها واستعبد الملايين من الأفارقة، كانت دعايته هى أنه يقوم بـ "عبء الرجل الأبيض" فى "نشر الحضارة" بين "الشعوب الأقل تطورا والأكثر همجية" يعنينا الشق التاريخى فى هذه الدعاية، فالخطاب العنصرى المتطرف قد قرر أن يمحو آلاف السنين من الحضارات الأفريقية - مثل الحضارة المصرية القديمة وحضارات غرب أفريقيا الموصوف بساحل العبيد وحضارة قرطاج وحضارة أكسوم فى الحبشة ومراحل الحضارة العربية والإسلامية فى مصر وشمال أفريقيا وغيرها، وكذلك قرر أن يتجاهل أن لأوروبا موروثا تاريخيا طويلا من «التأخر والهمجية» متمثلا فى الشعوب الجرمانية التى وصفها الرومان بـ "البرابرة" وهجمات الفايكينجز ضد المراكز الحضارية فى شمال أوروبا، وعصور سيطرة الرجعية والتعصب الدينيين ومحاربة محاكم التفتيش للعلوم والإبداع. قرر خطاب الاستعمار أن الإنسان الأبيض هو الأكثر تحضرا فقط لأنه هو، والإنسان الملون هو الأكثر تأخرا فقط لأنه هو. ومن تطرف الخطاب التاريخى الاستعمارى لتطرف لا يقل خطورة، هو الخطاب التاريخى الصهيونى، يقوم الخطاب الصهيونى على عدة عناصر: «الاستحقاقية» فى ادعاء حق تاريخى مستمر فى منطقة جغرافية بعينها بغير اعتبار لوجود تجارب حضارية أطول عمرا وأبعد جذورا وأكثر استمرارية فى تلك المنطقة.. والادعاء بوجود وحدة تاريخية وإثنية وعرقية غير منقطعة لفئات بشرية متنوعة الجنسيات واللغات فقط لأنها تعتنق نفس الدين - اليهودية - بحيث تصبح اليهودية بمثابة "الجنسية" بغض النظر حتى عما إذا كان ذلك اليهودى مؤمنا بدينه أم أنه يهودى بالوراثة فقط. كذلك يوجد عنصر إجبار القراءة التاريخية على التمحور حول "رحلة وملحمة الشعب اليهودى" فى انفصال عن واقع أن التاريخ لا يتمحور حول شخص بعينه أو فئة بعينها، وأنه لا يوجد تاريخ "يهودى" واحد بحكم انتماء اليهود عبر التاريخ لدول وشعوب وتجارب حضارية متعددة. كما نجد عنصر التوقف بالتاريخ عند واقعة الاضطهاد النازى ومذابح النازيين بحق اليهود "الهولوكوست"، وجعلها محورا للقراءة الصهيونية للتاريخ أو بلغة أبسط: المتاجرة بها.. فضلا عن التناقض المفضوح بين كون الصهيونية حركة علمانية من ناحية، واستدعاء نماذج وأمثلة توراتية وبعثها لإسقاطها على السياسات الصهيونية المعاصرة، من ناحية أخرى. ومن الخطاب التاريخى الصهيونى المتطرف لخطاب يخطئ البعض باعتباره حديث الميلاد بينما هو أقدم مما يحسبون، وهو خطاب "المركزية الإفريقية/ أفروسنتريزم". لا تستغرب قولى إنه خطاب قديم، فالمطالع لتاريخ الأمريكيين من أصول أفريقية يكتشف أن بداية الأمر كانت فى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيث أدت نهاية العبودية لاتجاه كثير من الأمريكيين-الأفارقة للبحث عن جذور «مشرفة» لهم تنفى عنهم تهمة أنهم "عبيد بطبعهم"-وفقا للادعاء العنصرى الأبيض، فراح بعض منظريهم وزعماء حركاتهم يختلقون مثل تلك الجذور، فمن قائل بأنهم من أبناء "كنعان بن حام بن نوح" وأنهم ينحدرون من حضارة قرطاج- فى تونس الشقيقة حاليا-والتى تنحدر بدورها من الحضارة الفينيقية - فى لبنان الشقيق حاليا - ومن قائلين بأن أجدادهم هم بعض صحابة الرسول محمد الذى وصفوه بأنه "نبى أسود بعثه الله ليحرر العبيد". وتطور الأمر لنجد أنفسنا فى مواجهة خطاب المركزية الإفريقية المعاصر الذى يدعى أن الحضارة المصرية القديمة كانت حضارة «أفريقية سوداء» وأن شعوبا غير أفريقية "سرقتها" وحرفت التاريخ فادعت ملكيتها! الحقيقة أن المروجين لهذا الخطاب من الأمريكيين - الأفارقة هم ضحايا وجناة فى الوقت ذاته، فمن يملك الحد الأدنى من كل من المعرفة والذكاء يمكنه بسهولة إدراك أن خطاب المركزية الأفريقية إنما هو موجه ضد الثقافة والتاريخ الأفريقيين. بلى.. ففى عصر ترتفع فيه أصوات الفئات التى طالما تعرضت للظلم والاضطهاد للمطالبة باعتذار الدول والأنظمة التى ورثت تركة مسؤولية هذا الظلم، يكون الحل عند من قامت ثروات دولهم على نهب واستعباد الأفارقة هو توجيه طاقة الغضب تلك إلى اتجاه آخر.. فضلا عن توجيه طاقة "البحث عن الجذور" إلى اتجاهات أخرى لا تؤدى لاكتشاف من ظُلم أسلافهم أنهم انحدروا من تجارب حضارية مشرفة-كحضارات مالى وغانا وغرب إفريقيا-ولم يكونوا شعوبا همجية بائسة «أنقذها» الاستعمار الأوروبى من همجيته وقام بإهدائها "الحضارة". وهم جناة على أنفسهم قبل غيرهم، فتهافت خطابهم الذى تفضحه عقود من علوم المصريات، والتاريخ والآثار بشكل عام-والعلوم ذات الصلة-يضرب مصداقية أى خطاب آخر لهم فى مقتل، ومنها-بطبيعة الحال-خطابات المطالبة بالإنصاف والاعتذار عن الظُلم السابق. ولننهى مقالنا بتناول الخطاب التاريخى الأكثر خطورة على مجتمعنا، وهو الخطاب التاريخى المتطرف لتيار الإسلام السياسى.. يشترك هذا الخطاب مع النماذج سالفة الذكر فى عدة خصائص: فهو من ناحية يمحور التاريخ حول "المسلمون"، فالتاريخ قصة بطلها "المسلمون" الذين يتآمر عليهم العالم ويتحالف ضدهم ويحاربهم.. فعبارة مثل «لأنهم يحقدون على الإسلام والمسلمين» هى تفسير جاهز لأى حدث تاريخى موجه ضد فئة مسلمة، استسهالا لها عن محاولة تحليل الأسباب والدوافع السياسة والاقتصادية للأحداث التاريخية.. فما التاريخ إلا مؤامرة ضخمة ضد الإسلام! يشترك معها كذلك فى تقسيم العالم إلى "أبيض وأسود"، الناس إما "معنا" أو "ضدنا"، ومن ليس معى فهو ضدى ونحن الأخيار ومن سوانا الأشرار ولا مكان للمساحات الرمادية ها هنا. كما أنه خطاب يتسم بالانتقائية، فهو ينتقى من التاريخ ما "يراه" مشرفا-وهذا يعنى بعبارة أخرى: ما يراه يخدم أهدافه وفكره ومنهجه - ويحوله لمزيج من "حائط المبكى" و"الأطلال التى يبكى عندها الشعراء" من ناحية، و"النموذج المخاطب للنوستالجيا عند بسطاء الفكر والثقافة باعتباره النموذج المراد بعثه" من ناحية أخرى. أما إذا تم تناول أية مناطق "مظلمة" أو أحداث مؤسفة أو سلبيات واقعية، أو-وهو الأخطر فى نظره - انتقاد النماذج التاريخية التى يروج لها، فهو يروج لأن هذا جزء من "المؤامرة على الإسلام والمسلمين". وللخطاب التاريخى المتطرف لهذا التيار سمة خبيثة هى تحصين روايته التاريخية بالدين، فهو لا يرد على الحجة التاريخية بحجة تاريخية مثلها، بل ينقل الجدال إلى ساحة الدين ليحصن خطابه أو كما يقول المثال العامى "الشنطة فيها كتاب دين". ومن أخطر جرائم أصحاب هذا الخطاب فى حق علم التاريخ أنهم ينشرون ما يوصف بـ "القراءة الماضوية للتاريخ"، وهى قراءة تحبس صاحبها فى الماضى فتحبسه بين "بكاء وتحسر على أمجاد الماضى" أو "محاكمة للحاضر بقوانين الماضى"، وهى نقيض "القراءة المستقبلية للتاريخ" التى تعتبر تحقيقا لأهداف هذا العلم الهام، وهي-كما ذكرتُ فى حلقات سابقة نقلا عن العلامة عبد الرحمن بن خلدون-تحليل الماضى لفهم الحاضر بغرض الاستعداد للمستقبل. ختاما.. أرجو أن أكون قد وُفِقتُ فى هذه السلسلة من المقالات أن أجيب على أسئلة الأعزاء الذين يسألون عن كيفية قراءة التاريخ، أعترف أن التزامهم بما ورد بالمقالات من نصائح لن يكون سهلا فى البداية، لكن علينا أن نتصالح مع حقيقة أننا نتعلم دائما بالتجربة والخطأ.


الرأي
١٠-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الرأي
حديث سابق لأوانه
من السابق لأوانه الحديث عن إفرازات مجلس الأمة القادم بعد استكمال المدة (4 سنوات) قابلة للتمديد، وذلك لمعطيات عدة من أهمها القاعدة الانتخابية العريضة وإعادة تركيبها من جديد وخروج آلاف ودخول غيرهم. وثانياً الاختيار الصائب والوعي لمعنى الصالح العام وليس الخاص. وثالثاً لن تكون الانتخابات والبرامج الانتخابية وإفرازات النتائج كسابق عهدها جذرياً، وذلك لأننا أمام مرحلة جديدة تخطينا بحمد الله بكل نجاح وتميز أخطاء المرحلة السابقة وعوامل النجاح في قادم الأيام كثيرة أكثر من عوامل الإخفاق، لكن الذي يهمنا في الدرجة الأولى أداء العنصر الوطني! وهو ما سيتم التركيز عليه في هذا المقال. لقد كان العربي الجاهلي القديم يؤمن بأنه هو الإنسان صاحب اللسان الواضح المُبين! ومن عداه أعاجم وعلوج لا يفقهون ما يقال ولا يدينون بدين المروءة والاحساب والأنساب! وكان الإنسان اليوناني القديم يؤمن بأنه وحده الإنسان المهذب والفيلسوف، ومن عداه برابرة لا يدركون حقيقة فلسفته، ولا يفقهون معنى لغة الحضارة! وكذلك كان أبناء فارس والهنادك والصين... وبقيت هذه الشنشنة بين أمم الحضارة المدنية في العصر الحديث... فاغتر بها اليهود والأوروبيون وتفاخروا على أبناء القارات الأخرى ولكنهم لبثوا فيما بينهم يُعير كل شعب منهم جاره بالعادات والأخلاق والمآثر! كما عند الفرنسيين والألمان والإنكليز وإن تقاربوا في السلالة واللغة والعقيدة! ولم تجمعهم الكنيسة بقدر ما جمعتهم الجينات الشقراء... حيث جعلوا هذا اللون الأبيض رسالة يبشر بها الأوروبيون من عداهم من الملونين وسَمُّو تلك الرسالة (عبء الرجل الأبيض) الذي حمّله الله إياها لهداية خلقه الذين لم يبلغوا مبلغهم في العلم والارتقاء! وبقيت هذه المفاخر من قبيل الموروث الشعبي والعادات الاجتماعية يتناقلها جيلٌ عن جيل... لا يرجع فيها إلى قياس منطقي سليم ولا إلى موازنة علمية ثابتة! فكانت أشبه ما تكون بمفاخرات الصبيان بعضهم لبعض بآبائهم وأمهاتهم وإخوانهم وجيرانهم وبيوتهم التي يسكنون فيها ومدنهم التي ينشأون فيها... وهذه مفاخرة الأجناس من هذا القبيل الذي يُطلق عليه (عِبّية الجاهلية)، بمعنى أن كل جنس هو أفضل الأجناس لغير سبب... وهذا ليس من دواعي الفخر؛ لأن الإنسان مسيّر فيها وليس مخيراً. ثم اتسع نطاق البحث العلمي في القرن الثامن عشر فأُدخلت الفوارق بين الشعوب في موضوعات كثيرة وجُعل لها أقسامٌ علمية في الجامعات العريقة يُسمى عِلم (الأجناس البشرية). ولما كان القرن التاسع عشر قرن التوسّع في الاستعمار وتسخير العلم لخدمة المطامع الاستعمارية والمنازعات السياسية... وقام من أوروبا من يبشر بعلو العنصر الآري على بقية الأجناس ويرجع إليه الفضل في كل فتح من فتوح الحضارة والعلم! ولا شك أن حروب نابليون كانت لها اليد الطولى في تمكّن هذه النزعة؛ لأنها كانت سلاحها الذي تحارب به، العاري عن افتخارها القولي في الحروب التي خاضتها مع الملونين أو بين أمم الشمال وأمم الجنوب... وكانت هي السبب في تخلف الجرمان عن جيرانهم لجهة هذه العنصرية! وتطوّح الغلو بدعاه هذه العنصرية حتى بلغوا بها مبلغاً لم يسبقهم إليه سابق في عالم الحقيقة ولا حتى في عالم الخيال... فجعلوا أجناس البشر فصائل تتعاقب راسياً طبقة تحت طبقة حتى تلتقي مع القردة وجعلوا أنفسهم نخبة مختاره في الطبقة العليا! وأختم بأن الإسلام هو دين الدولة، الذي يقرر مبدأ العدالة بقوله تعالى: «إن اكرمكم عند الله اتقاكم» (سورة الحجرات: 13)، فليس الجنس ولا الأصل ولا اللغة ولا حتى أشرف البقاع، هي التي تُشرّف صاحبها فقط... فالعمل والصدق في الأعمال الجليلة -التي هي فعلاً جليلة- هما الأساس وليس التزوير وازدواجية المعايير، وإلّا فأبو لهب وأبو جهل عناصر وطنية، ومن أشرف الناس نسباً، ولكنهما فراعنة هذه الأمة! فماذا نفعل بالعنصر الوطني والحال هذه؟! هل نجاملهم على حساب الحق والحقيقة؟! فلم ولن ولا نبني الكويت بنهج كهذا ... والناس سواسية أمام القانون الإلهي؟!

مصرس
١٧-٠٢-٢٠٢٥
- ترفيه
- مصرس
«سنووايت».. روح جميلة في سجن البدن
يدهشني شباب السينما المصرية من الجنسين بموهبتهم، وبتلك المعالجات المبكرة لأفكار صعبة، وبتقديم شخصيات درامية بحساسية وفطنة، و في كل مرة ينجحون في تقديم أفلام مميزة وممتعة، وحافلة بالعناصر الفنية الشبابية الممتازة، ولا أشك في أنهم سيأخذون مكانة كبيرة في مستقبل الفيلم المصري، كما لا أشك أن هذا الموسم السينمائي (2025) بدأ بداية قوية ومختلفة، بفضل تلك الأفلام. محمود عبد الشكورمن هذه النوعية بجدارة فيلم "سنووايت" تأليف وإخراج المدهشة تغريد عبد المقصود أبو الحسن، وليس تميّز الفيلم لأنه يطرح موضوع قصار القامة فحسب، بل لأن التميّز يتعلّق أساسا بالمعالجة الفنية الذكية شكلا وموضوعا وتكاملا للعناصر الفنية، وبطريقة خلّاقة تتجاوز حتى موضوع قصر القامة، إلى فكرة العلاقة مع الذات والآخر، وفكرة ضرورة أن تعرف البشر من الداخل، وليس من الخارج فقط، وحكاية تلك الروح الجميلة، والعقل الجميل أيضا، الذى يراد حبسه فى بدن صغير، مع رسم بورتريه فريد لبطلة الفيلم قصيرة القامة، التى لعبت دورها بحضور وحيوية فائقين الصيدلانية مريم شريف، كإنسانة عادية، نراها من الداخل، مثلما نراها من الخارج، فنحبها فى الحالتين، بكل سلاسة ونعومة، ودون افتعال أو اصطناع.ليس هذا هو الفيلم الروائى الطويل الذى يظهر فيه قصار القامة، فقد شاركوا يحيى الفخرانى بطولة فيلم "الأقزام قادمون"، أول أفلام الثنائى ماهر عواد وشريف عرفة، كما ظهر قصار القامة فى أدوار كوميدية فى أفلام كثيرة قديمة وحديثة، واستخدموا كمصدر للتريقة والسخرية، أشهرها مثلا فى فيلم " الرجل الأبيض المتوسط".ولكن "سنووايت" مختلف تماما فى تركيزه معالجته على قصر القامة، سواء عند بطلته، أو قصر القامة عموما، من زاوية أن تكون هذه الهيئة القصيرة محور الحكاية، وليس عنصرا مساعدا أو رمزيا كما فى فيلم "الأقزام قادمون"، بل إن فيلمنا الجديد يرفض أصلا استخدام كلمة "الأقزام" ذات الدلالة الساخرة، ويصححها إلى تعبير "قصار القامة"، ويشير فى خلفية حكاية بطلته إيمان، إلى نشاط وتجمعات قصار القامة، وشكواهم من التنمر، ومن منعهم مثلا قيادة السيارات.لكن جمال المعالجة المرهفة، وصعوبتها أيضا، فى أن يكون قصر قامة البطلة التى تعمل فى وكالة مقرها مجمع التحرير، حاضرا ومحوريا، بنفس درجة حضور مشاعر البطلة الإنسانية، وعقلها الناضج، وشخصيتها القوية، وهى أشياء لا تختلف فيها عن أى إنسانة طبيعية بل إن اللعبة الدرامية كلها قائمة على هذه الثنائية الصعبة جدا : قامة غير طبيعية، وإنسانة تريد أن تعامل بصورة طبيعية، ولذلك سنتقبلها تماما فى نهاية الفيلم، بنفس شكلها وهيئتها، وستفرض إيمان الجميلة علينا شخصيتها ومحبتها وحضورها الإنسانى الباذخ.ليس سهلا أبدا أن تحقق ذلك، ولكنه حدث بالرسم البارع للشخصية المحورية إيمان نجيب، وعلاقاتها، وعالمها المحدود، وبالذات علاقتها مع أختها الصغرى صفية، حيث تقوم إيمان بدور الأم والأخت معا، وتتعهد أمام عريس الأخت (محمد جمعة)، وأسرته، بأن تشترى لأختها ثلاجة 16 قدما، بينما يتأفف أهل الزوج من أخت صفية قصيرة القامة.ستكون هذه الثلاجة أساس انطلاق الدراما، التى سيتم تطويرها فى ثلاثة اتجاهات ذكية: جهود إيمان الشاقة والمتعثرة، فى الحصول على سلفة من أجل شراء الثلاجة، ومحاولة إيمان أن تحصل على عريس من خلال أحد مواقع التزويج، وتبدأ علاقة حب مع شاب فى الخارج (محمد ممدوح)، دون أن يعرف أنها من قصار القامة، والخط الثالث ظهور شاب من قصار القامة، يعمل فى جمعية خاصة برعايتهم، وهو يحاول أيضا أن يفوز بقلب إيمان.يتحرك السيناريو برهافة تثير الإعجاب بين الخطوط الثلاثة، تضفرها تغريد معا، وتنسج تفاصيل إنسانية، بصورة ثرية، وتقدم وسط البلد وميدان التحرير وميدان الجلاء بصورة استثنائية، وتصنع كذلك مزيجا بين المشاهد المرحة، والمشاهد الجادة، والمواقف المؤثرة، ودوما تملأ الممثلة مريم شريف الصورة طوال الوقت، مرحا وجدلا وبكاء ورقصا ودلالا.الأهم من ذلك توظيف إمكانيات السينما صوتا وصورة ومونتاجا وموسيقى، هناك مشاهد بأكملها أقرب إلى اللوحات المتكاملة، مثل مشهد حلم إيمان بالممثل كريم فهمى الذى تحبه ومشهد دخلوها فى فستان طويل وردي، ومشهد سباحتها فى البحر، ومشهدين رائعين رقصت فيهما إيمان على أغنية وردة "فى يوم وليلة".تتكرر علامتان بصريتان مهمتان فى الفيلم: ممرات ضيقة تسير فيها إيمان، وسلالم كثيرة تصعد إليها أو تهبط منها، ورغم جسد وقامة الممثلة الضئيل، إلا أنها تتوسط الصورة، وتتحرك فى محيط فارغ وساكن، مع كلوزات بديعة لوجهها ويديها الصغيرتين الجميلتين، فكأن الكاميرا تتغزل فيها، وتجعلنا نراها جسديا بشكل مختلف.هنا مخرجة فاهمة وذكية، عرفت كيف تصنع من الجسد الصغير حضورا بصريا هائلا، وعرفت كيف تدير بطلتها بشكل عام، وإن كان الأداء فى بعض المشاهد أقل من غيرها، كما أن عناصر الفيلم الفنية كلها متميزة: بالذات موسيقى مصطفى الحلواني، التى لازمتنى منها جملة موسيقة حلوة صنعت فالسا بديعا، ومونتاج رانيا المنتصر بالله فى تتابعات كثيرة، وفى إيقاع الفيلم عموما، وصورة أحمد زيتون التى تلونت بلون مشاعر الشخصية، بين الفرح والحزن، وديكورات شيرين فرغل بالذات فى حجرة إيمان، بذوقها الرفيع، وألوانها المبهجة، رغم ظروف البطلة الصعبة، وملابس مى جلال، التى تعكس مشاعر إيمان صعودا وهبوطا.ولا يجب أن أنسى تقديم تحية خاصة لمنتج الفيلم محمد عجمي، الموضوع صعب وغير مألوف، والكاتبة والمخرجة والبطلة يقدمن فيلما طويلا لأول مرة، وتحمسه للسيناريو ولهن، يدل على عين فنية واعية جدا.ربما تمنيت أن يكتمل خط إيمان مع صديقها قصير القامة، وألا تلتبس أحيانا رغبة إيمان بأن يحبها أحد لذاتها، وليس كشخصها، بخاطر غير صحيح بأنها تكره قامتها القصيرة، أو بخاطر آخر غير صحيح أيضا بأن يمكن أن تكون مخادعة، فالحقيقة أنها شخصية قوية وذكية، والمشكلة ليست عندها إطلاقا، ولكن عند الجميع بمن فيهم أختها وخطيبها ورئيسها فى العمل .. إلخ.بدأ الفيلم أيضا متعدد النهايات، وكلها جميل فعلا، ولكن كان يمكن التركيز فقط على نهاية الفرح الأكثر مناسبة بمفردها، ووضع المشاهد الجميلة الأخرى، مثل سباحة إيمان فى البحر بمناطق أخرى من الفيلم.ولكننا فى النهاية أمام أحد أفضل وأجمل وأذكى أفلام العام شكلا وموضوعا، وأمام مولد مخرجة سيكون لها شأن كبير اسمها تغريد عبد المقصود أبو الحسن، وقد أخبرتنى شيرين فرغل مهندسة مناظر الفيلم، أنها عملت مع تغريد أيضا على نفس الحكاية كفيلم قصير، قبل أن يعملا عليها كفيلم طويل ممتع.سنووايت فى الحكاية المعروفة كانت طويلة القامة، وساعدها قصار القامة، وحكايتنا عن قصيرة القامة لا تقل جمالا عن سنووايت يساعدها طوال القامة، ومعهم شاب جميل من قصار القامة.شكرا شباب السينما المصرية الموهوبون على هذه المتعة الصافية.


العرب اليوم
١٢-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- العرب اليوم
غزة ليست للبيع
آخر تصريحات الرئيس ترامب حول شراء غزة وتهجير أهلها: «سوف نشترى غزة ونعيد تقسيمها». هذا يذكرنا بتاريخ الهنود الحمر، الذين تمت إبادتهم والاستيلاء على أراضيهم ، وهى من الصفحات السوداء فى تاريخ أمريكا.. ومازالت قصص الإبادة حاضرة فى أعمال روائية كثيرة حول تاريخ السود، الذين تشردوا أمام غزوات الرجل الأبيض القادم من أوروبا.. الواضح أن الرئيس ترامب يحمل جينات أجداده البيض، الذين شاركوا فى مذابح الهنود الحمر، ولنا أن نتصور الوحشية التى تعاملت بها إسرائيل مع أهل غزة، وحجم الدمار الذى لحق بكل شئ.. لم تتراجع أمريكا لحظة عن تدمير غزة، ولم تتوقف عن تقديم الدعم للوحشية الإسرائيلية، وجاء الرئيس ترامب ليضع خطة لشراء غزة، وإخراج سكانها، والبحث عن شركاء فى هذه الصفقة التى تمثل عارًا على الدولة العظمى.. السؤال الآن: هل يصمت العالم العربي؟ وهل يتراخى العالم أمام وحشية إسرائيل وأطماع أمريكا؟ هل يستسلم العرب لاحتلال أراضيهم وكسر إرادتهم؟ وماذا لو امتدت أحلام ترامب التوسعية إلى مناطق وأجزاء أخرى، خاصة أن الرجل يؤكد كل يوم إصراره على إكمال مشروعه؟.. نحن أمام أمة مهددة فى وجودها، وتاريخها، وسكانها، وثوابتها، ولا بديل عن المواجهة قبل أن يهبط الطوفان.. ينبغى ألا يتصور البعض أن ترامب يؤدى دورًا فى مسلسل فى هوليوود.. الرجل يتكلم، ويستطيع أن يفعل، وقبل ذلك، هو يحكم ولديه سلطة القرار..