#أحدث الأخبار مع #السوسيولوجياالرباط١٥-٠٥-٢٠٢٥صحةالرباطحكاية انعتاق طالبة أستاذة منوالجنون للكاتبة والأديبة ماجدة غرابو [الجامعة ...أساتذتي وشعبة السوسيولوجيا ]حكاية انعتاق طالبة أستاذة منوالجنون للكاتبة والأديبة ماجدة غرابو [الجامعة …أساتذتي وشعبة السوسيولوجيا ] الرباط نيوز إن كتاب: 'البورناوت' Burn- Out انعتاق طالبة أستاذة من الجنون؛ هو صرخة بصيغة نون النسوة؛ لانطلاق طائر الفينق وإحيائه من جديد، والانبعاث من الرماد للانطلاق بكل قوة وحرية.. كتب / ماجدة غرابو لم أفكر يوما أن أكتب سيرة ذاتية، فحياتي ليست بثراء حياة نوال السعداوي أو مغامرات كازانوفا أو صدمة وقسوة حياة شكري! فما أنا إلا أستاذة أو معلمة بسيطة عاشت حياتها بكل هدوء وهي تحادي الجدران، تحلم بغد أفضل لأبنائها وأسرتها الصغيرة. وما هذه السيرة الذاتية إلا صرخة نملة/ أستاذة في هذا المجتمع بصوت جميع ممتهني مهنة التدريس؛ الذين احترقوا مهنيا دون أن يفهموا ما أصابهم ودون أن يجدوا من يشد بأيديهم وعلى. عضدهم لينعتقوا من مصابهم، فمنهم من ظل قابعا في قسمه شبه ميت وكأنه جذع شجرة خاو محترق إلى أن تقاعد، ومنهم من انتهى به الأمر كالمجذوب في الحواري والشوارع أو البراري، ومنهم من انتهى به الأمر في مستشفى المجاذيب أو المجانين ومنهم من انتحر منهيا عذابه وصراعه مع الواقع رغم إيمانه الشديد ووثوقه بالله أكثر من أشد الواثقين به سبحانه. فدافعي الأول لكتابة سيرتي الذاتية هو إصابتي بمرضي الذي أتقدم له بجزيل الشكر؛ وممتمنة له أيما امتنان لإصابتي به، فهو كان دافعي للخلاص إما منه أو من الحياة، وصدفة كنت من المحظوظين لوجود أشخاص رائعين بحياتي وجدتهم حولي كما الخبيثين لدفعي بقوة وللتحدي لأظل بهذه الحياة وهذه الدنيا لأتقاسم معناتي بمرض 'الاحتراق المهني' المشخص بمرض القلق الذي أثار اهتماما خاصا لدى أحد أعلام الحرية الوجودية كيير كيغارد (Kier Kegard) من حيث هو دافع إلى الإنجاز والإبداع، ويراه كيير كيغارد -أي القلق الخلقي- على أنه موجود منذ عصيان آدم عليه السلام ربه. ولكنه لا يتضح لدى الفرد إلا بعد ارتكابه إثما يعترف به أو يكون منبعا للإبداع، وبأن قوة النفس تنبثق من نجاح الفرد في مواجهة الخبرات التي تثير القلق، فالقلق سبيل إلى نضج النفس الإنسانية وتفتحها عن طبيعتها العميقة الخلاقة، ولكنه يقود إلى الانسحاب أحيانا بدلا من الخلق والإبداع، ويمكن أن يتطور إلى عصاب شديد الأثر. فانبثقت أولى بوادر هذا الانعتاق والخلاص والخلق حين فكرت في أن أتابع دراستي الجامعية بشعبة السوسيولوجيا وأن ألقى أساتذتي الأجلاء الذين أتوجه إليهم بكل الامتنان والاحترام والتقدير، فلم يبخل أساتذتي علي في شعبة الفلسفة ومسلك السوسيولوجيا على إمدادي بالطاقة اللازمة لأواصل دراستي وبكل التشجيع لأطور من عطائي وكتاباتي، فكانت الدراسة بالنسبة لي شفاء وبلسما، وكانت الكتابة تحررا من أسر الذات وميلادا منبثقا من الرماد والاحتراق وأسر المرض ومن ضروب الجنون من زاوية النظر المغربية… الجامعة… أساتذتي وشعبة السوسيولوجيا وبدون سابق إنذار أصبحت طالبة بشعبة 'علم الاجتماع' بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمارتيل، جامعة عبد المالك السعدي. وقد سبق لي قبل حوالي ثلاث سنوات مضت وبعد إلحاح من زميلة لي في العمل أن نعبئ طلبا من أجل متابعة الدراسة الجامعية، فرفضت بحجة: «أننا لن نستطيع أن نجمع وأن نوفق بين العمل والدراسة ورعاية أسرنا وأطفالنا وهم في مراحل حرجة من عمرهم -مراهقتهم- فهم أحوج إلى وجودنا معهم في أي لحظة أكثر من أي وقت مضى»، لكنها ألحت علي في أن نجرب فقط، ونختبر هل وزارة التربية الوطنية والتعليم ستسمح لنا بذلك أم لا؟ أي هل ستسمح لنا بممارسة هذا الحق؟ وأتذكر أنه في استمارة الطلب من المفروض علينا تحديد الشعبة المرغوب في دراستها، فسألتها حينها عن الشعب المتوفرة في كلية الآداب والعلوم الانسانية بمارتيل ومن بين ما قالت: «أن هناك بالإضافة إلى الشعب المألوفة -وسردتها علي- هناك شعبة جديدة وهي شعبة علم الاجتماع». فحددت رغبتي مباشرة وبدون أدنى تردد مني، وكتبت هذه الشعبة نفسها في استمارة الطلب، وجاءنا الرد على طلباتنا من أجل الدراسة الجامعية بالقبول، لكني لم أكلف نفسي عناء المحاولة أو الذهاب للكلية لسببين اثنين، لظني أن مرضي بالسكري سيعوق دراستي لأن نفسيتي لن تتحمل الإرهاق الدراسي أو ترقبي للنقط وما يشوب ذلك من خوف وانتظار وتوتر فصحتي في غنى عنهم، ثم لاحتياج أولادي لكل وقتي وطاقتي ظانة أنني بدراستي سأنشغل عنهم وسأهملهم، لما تحتاج الدراسة من تفرغ وعناء وقد كنت جد واهمة ومخطئة في ذلك. لم أظن حينها أن المرض سيغير طريقة تفكيري، لم أظن يوما أن حزني الشديد وأن كرهي لعملي وحياتي وبيتي والعالم كله، سيحيي رغبتي في الدراسة، لم أظن أن قراري الحاسم في عدم متابعة دراستي بسبب أسرتي ومرضي سينقلب رأسا على عقب، لم أظن أن المسافة من طنجة إلى مارتيل لن تثنيني عن رغبتي في الدراسة، وكأن قوى خفية أصبحت تدفعني وتحركني، وتحرضني على تحقيق أحلام عمري المؤجلة! لم يتحمس زوجي كثيرا لذهابي لمارتيل من أجل الدراسة، هو لا يرفضها لكن يفضل أن أدرس بطنجة وأن أكتفي بالشعبة المتاحة بها بالنسبة لي وهي دراسة القانون، هو نفسه عشق دراسة شعبة أصول الدين -رغم تخصصه في العلوم الرياضية- لكن تواجد هذه الشعبة بتطوان منعه من تحقيق رغبته في متابعة دراسته لما يحبذ. وكنت أستغرب لتواجد كل شعب العلوم الإنسانية بمارتيل مع أن مدينة طنجة هي المدينة الدولية، وهي الكبرى، كنت أستنكر ذلك التقسيم الجهوي في دراسة الشعب، قبل أن أحبه وأتشبت به فيما بعد، كأحد المقومات الحاسمة في دراستي وفي علاجي. فبعد أن كنت أبحث دون وعي مني عن أي هروب، حيث أنني مرارا خرجت بدون وجهة محددة. فمرة كانت وجهتي المدرسة، لأغيرها وأرتمي في الشاطئ على الرمال باكية، لا أعلم لماذا؟ باكية كالطفل الصغير الذي حرم من حضن أمه لسنين ليذهب للمدرسة، أكيد هو نفس إحساسي حينها وأنا ذاهبة للمدرسة لعملي 'التدريس'. ووجدت نفسي بمارتيل بكلية الآداب والعلوم الانسانية أبحث عن استعمال الزمن، فقد تسجلت متأخرة جدا، لم أنتظر أخذ توصيل تسجيلي حتى تستكمل الإجراءات الإدارية لأعرف الفوج الذي انتمي إليه – وهذا سيكلفني فيما بعد – لم أكن أعلم أن طلبة شعبة السوسيولوجيا كثر وبأن هناك فوجين في هذه الشعبة، وأن عدد طلابها والراغبين فيها أكثر من ألف طالب وبأن لها مريدين ومحبين وعاشقين مثلي. وها أنا ذي طالبة في شعبة 'علم الاجتماع'، يا لها من صفة جديدة. ياه! عشتها قبل أكثر من عشرين سنة مضت كطالبة في شعبة الأدب العربي بالدار البيضاء، بكلية الآداب والعلوم الانسانية بابن امسيك. وكان أول ما شرعت فيه أنني بحثت عن استعمال الزمن الذي استوقفني كثيرا وأنا أقرأ فحواه ومواد شعبة 'علم الاجتماع'، وخصوصا أسماء الأساتذة الذين سيدرسونني، دهشت كثيرا، ما هذا؟ أي زمن أعيش؟ وفي أي فترة زمنية بعثت فيها لأدرس مواد هذه الشعبة في هذه المدينة الشاطئية الصغيرة مارتيل وفي هذه الكلية بالضبط اللتين اخترتهما؟، ما هذه المصادفات الغريبة العجيبة؟ هذا الاندهاش والانبهار وما حللته حينها يدعوني إلى استحضار ما درسته في شعبة 'علم الاجتماع' فيما بعد بالفصل الثالث بمادة 'سوسيولوجيا الثقافة' والتي من محاورها (الثقافة والهوية)، وعرفت أن الهوية تبدأ بالاسم الشخصي واللقب، وبأن هناك أسماء مرتبطة بالزمن وأيضا هناك أسامي لها مرجعية إحيائية للشرف أو التاريخ، كما أن الهوية هي عنوان الانتماء وهي ما أعرف به ذاتي وأنتظر من الآخرين الاعتراف بها . أو كما يقول مختار الهراس : «الاسم الشخصي يسبقنا إلى الوجود ويستمر بعدنا وهو يكشف عن تداعيات الآخر الذي يختار لنا اسمنا الشخصي، ومن تمة عن نسبية حريتنا الفردية واستقلالنا عن الجماعة الأسرية… ويتميز الاسم الشخصي بثقل الأشياء ويصمد أمام تيارات التحول والتلاشي، ويتعذر أو ترفض ترجمته الى لغات أخرى». تساءلت عن أي زمن سأحياه بهذه الكلية ومع من؟ فقد قرأت في استعمال الزمن في الفصل الأول بشعبة 'علم الاجتماع' أنني سأدرس مادة الفكر الفلسفي عند أستاذ اسمه المعتصم ، فدهشت وتساءلت: 'أتراني بعثت في العصر العباسي؟؟!' وامعتصماه! أنجدني، لم أسمع قط في عصر العولمة هذا وطمس الهويات، وزمن التكنولوجيا السريعة هذا اللقب، مع أنني أشتغل بمهنة التدريس لأكثر من عشرين سنة، وأدرس كل سنة أكثر من أربعين تلميذا في كل فوج (أدرس فوجين) ولسنين عديدة، لم أصادف لقبا كهذا أو أي لقب من العصور القديمة التي شهدت ازدهارا عربيا وفكريا وثقافيا كذاك الزمن. آه، أين نحن الآن من العصر العباسي وما تفتقت عنه بطون وأرحام النساء العربيات من شعراء وأدباء، وما كان خلال ذاك العصر من عطاءات وإبداعات لا زلنا نعيش على أطلالها حتى عصرنا هذا، أترى هذا الأستاذ الجامعي من أحفاد مفكري العصر العباسي؟؟؟ إن الاسم يشكل الهوية، واسم هذا الأستاذ اسم عربي قح منحدر من عهد العباسيين. بعدها ستقع عيناي على اسم: الغزالي ! يا الله، الغزالي وهو من سيدرسني مادة علم النفس، ما هذه المصادفة المبهرة لي، أكيد أنه رجل كبير في السن وقور حامل لنظارة سميكة من كثرة بحوثه وقراءاته، ويضع ربطة عنق، وبطنه بارزة نوعا ما، هكذا تخيلت حتى لا أتخيله يضع عمامة ويحمل كتابا قديما تحت إبطه، ويلبس لباسا عربيا قديما أي لباسا منسدلا، حسب ما يتلاءم وبيئة وجو شبه الجزيرة العربية. إنه الغزالي أحد أعلام عصره، ذو البصمة الواضحة في علوم الفلسفة وعلم الكلام والتصوف والمنطق، رحل إلى بغداد بطلب من نظام الملك، ليدرس في المدرسة النظامية في عهد الدولة العباسية، هو أيضا عاش العصر الذهبي العباسي في أواخره، شتان بين بغداد اليوم وبغداد الأمس، خربت بغداد اليوم وحطمت حضارتها من طرف أمريكا، وأصبحت أرض دجلة والفرات ومهد أولى الحضارات في خبر كان، يوم كانت مدينة شيكاغو الأمريكية لم تر النور بعد بقرون عديدة، يا لمهازل التاريخ! وفعلا فهؤلاء الأساتذة اسم على مسمى، فلا يمكن للغزالي إلا أن يدرس مادة 'علم النفس' المنبثقة من الفلسفة، ولا يمكن للمعتصم إلا أن يدرس مادة 'الفكر الفلسفي'. بعدها سألحظ اسم الأستاذ الشتوكي مدرس مفاهيم فلسفية، قلت في نفسي: 'أكيد هو منحدر من منطقة شتوكة التي تتواجد بمنطقة دكالة'، ربما هو على شاكلة قامات الدكاليين، سيكون طويلا ضخما كما هي قامات أهل دكالة، وهذا اسمه مغربي دكالي واضح، ليس كما هو الغزالي والمعتصم فهما معا اسمان عربيان بادية هي هويتهما العربية من اسميهما. بعدها سألاحظ اسم الاستاذ بوطالب وهو مدرس مادة 'أسس علم الاجتماع'، لم أكون عليه فكرة واضحة، وكون أن هذا الاسم من الأعلام الفاسية الوازنة في بلدنا، كنت منبهرة خصوصا باسمي المعتصم والغزالي، بعدها ستقع عيني على اسم الزياني مدرس 'ميادين علم الاجتماع'، فأدركت بفطنتي وبسرعة ودون أدنى تردد مني أنه من 'اولاد زيان'، أحد المناطق القريبة من الدار البيضاء، فأكيد أنه من هناك، حتى أن محطة السفر الكبرى بمدينة الدار البيضاء تحت مسمى ' اولاد زيان'، فغالبا سيكون بيضاويا منحدرا من ضاحية أولاد زيان، وهي المنطقة المعروفة بما تزخر به من فلاحة وخير وكرم أهاليها مثل جهة دكالة، كان هذا هو انطباعي عنهم من خلال أسمائهم أي هوياتهم. فالهوية تبدأ بالاسم الشخصي واللقب. وهي ما أعرف به ذاتي وأنتظر من الآخر أن يعترف لي بها. هكذا درسنا في مادة 'سوسيولوجيا الثقافة'! لأدخل أول حصة كانت أمامي ذاك اليوم الغريب عني، وأنا أحس بالخجل لكبر سني ظانة أنني أكبر طالبة بالجامعة، متواجدة في مكان غريب، وكل من حولي غرباء، لا أعرفهم كلهم، أغلبهم صغار السن، فأول تلاميذي الذين درستهم أكبر منهم! وتساءلت: هل سأجلس بجوار هؤلاء الشباب الصغار الذين هم كلهم حماس وحركة وإرادة وقوة؟؟ هل سأستطيع مجاراة اجتهادهم هم الحاصلون على الباكالوريا حديثا؟؟ وقد تكلست بالمقابل معلوماتي وعلاها الغبار، طيلة هاته السنين؟ هل… وهل… وهل… العديد من الهلهلات، التي تطرق رأسي. ودخلت أول حصة وهي مادة الفكر الفلسفي للدكتور المعتصم. أحاسيس كثيرة خالجتني حينها، الخوف، الفرح، الخجل، الرهبة، التردد… وخاصة الرغبة في أن أخرج من المدرج هاربة إلى طنجة دون أوبة إلى هذه المدينة مارتيل وهذه الكلية، ليدخل أمامنا شاب أنيق ويقول لنا بعد إلقائه للتحية : «سأعود بعد قليل، لأننا نتدارس مواعيد اختباراتكم 'للدورة الخريفية'»، خفق قلبي بقوة وخوف من كلمة 'اختباراتكم' وأنا برحاب المدرج أول حصة، بعد سكونه لسنين وألمه، هذا القلب الذي لم يخفق من مدة طويلة بهذه الطريقة من مثل هذا الحدث، هذا القلب الحزين الذي لم يعد يعرف إلا التضخم والتصلب والإحساس بالوخز، كأن مقدمة سكين حادة منغرسة فيه، سأعرف هذا نتيجة إحساسي بالألم وببعض التحاليل الطبية، فقد كان بين الحين والآخر يعطيني الطبيب المتخصص في 'داء السكري' تحاليل سنوية منها إجراء فحص على قلبي، وفي إحدى الفحوصات كتب لي الطبيب المختص في القلب 'رسالة' مغلقة إلى طبيب 'داء السكري' والذي بمجرد اطلاعه على فحواها، سألني مستنكرا: «ما بك قلقة إلى هذا الحد؟ ما يؤلمك؟» وسأل زوجي نفس السؤال: «ما بها؟» فاستغربت سؤاله! وكان معي زوجي كعادته، فهو يرافقني أثناء كل فحص عند أي طبيب وعند إجرائي لكل التحاليل لحرصه على ذلك ولخوفي الشديد من الحقنة، بل لرعبي منها. فطبيبي هذا يعرف جيدا مؤازرة زوجي لي لذلك سأله مستغربا. فلم أجد أي جواب في جعبتي لأجيبه به، غير أنني أتأثر بأي خبر مؤلم يمكن أن أشاهده على وسائل التواصل أو أقرأه في جريدة أو أسمعه في بعض برامج الواقع وخصوصا إن تأكدت من صحته، فإنني أسقطه مباشرة على حياتي أو على أولادي، وقد أمضي أسبوعا بعد ذلك أو أكثر متألمة، وبمجرد وضعي لرأسي على وسادتي حتى أبدأ في اجترار واستعراض واستحضار كل تلك الآلام. فنصحني طبيبي بأن أقاطع مشاهدة كل الأخبار المؤلمة عبر جميع وسائل الاتصال والتواصل، المسموعة منها والمرئية، وإن أردت البحث عن الآلام الواقعية اليومية والحقيقية والمرئية مباشرة، فيكفيني الذهاب للمحكمة والوقوف ببابها حتى أرى شابات صغيرات تجاوزن العشرينات بقليل وهن يمسكن بأطفال صغار، يعانين من مشاكل لا حصر لها مع أزواج يرفضون تطليقهن أو هاربون عن أداء نفقاتهن ونفقات أطفالهن… وأضاف الطبيب: «وهذا كاف لكي تشبعي قلبك مباشرة بمشاكل واقعية حزنا وألما». لكن هذا القلب سيتحرك بشكل آخر وأنا داخل الحرم الجامعي. خالجت قلبي أحاسيس كثيرة وخفقان على حين غرة حين سماعي من الأستاذ كلمة اختبارات، وما لهذه الكلمة من وقع على النفس، وبمجرد انصراف الأستاذ عن المدرج، ألقيت نظرة على استعمال الزمن، فسألت أحد الطلبة بجواري: «هل هذا الذي يتكلم، هو الأستاذ المعتصم ؟»، أجابني الطالب بالإيجاب! فاستنجدت داخل صدري، وا معتصماه! ما هذا؟ أنجدني يا معتصماه! هل في أول حصة بالنسبة لي ستعلن امتحانات الدورة الخريفية؟! هل سأستطيع استجماع الدروس وفهم ما فاتني من هؤلاء الأساتذة الأجلاء؟! هكذا أراهم، وهكذا أحس وأنا أقف أمامهم، نعم أجلاء! فهم على أعلى قمة في الهرم الاجتماعي يتربعون كما يقول بذلك أفلاطون وكما قسم المجتمع، فمهما تدهور حال التعليم ببلادي، ومهما اختلفت المقاييس عبر الزمن، فأغلب الأساتذة بالنسبة لي: هم أهل فكر، وهم أشرف الناس، وأهمهم في المجتمع، أحب من أحب وكره من كره. ومهما تكالبت مجموعة من الظروف لهز صورة الأستاذ في مجتمعاتنا، فقيمته تستمد منه شخصيا، ومن مهنته الشريفة التي يشوبها نوع من القدسية والقداسة والشرف والصدق، على عكس ما يعارضها ويخالفها من مجموعة مهن، فمهما ارتقت بصاحبها ماديا ومجتمعيا، ومهما ذرته من أموال طائلة على ممارسيها كالرقص وتجارة المخدرات…. فتبقى مثل هاته المهن إذا اعتبرناها كذلك مع أنها حاضرة في مجتمعنا شئنا ذلك أم أبيناه أو هي ممارسات موصومة بالدناسة وفي خانة التدنيس. ولا يهمني مهما سمعت عنهم، فهم أساتذتي الذين أحترمهم، وكل ما يهمني منهم هو علمهم ومعرفتهم وما سأستفيد من خبرتهم، ولا تهمني حياتهم الخاصة أو انزلاقاتهم أو انتماءاتهم الدينية أو الحزبية أو ايديولوجياتهم…!! عاد الأستاذ المعتصم سليل العصر العباسي المنظم في هندامه، والملقي لمحاضراته دون الخروج عن الموضوع ولو للحظة واحدة، فهو ليس كما تخيلته من خلال اسمه / هويته، بل أصغر بكثير من خيالاتي. في حركاته وكلامه يظهر حسه الديناميكي الهائل، وأكيد وواضح أنه كان مجدا خلال دراسته وشديد التنظيم. أو هكذا بدا لي، وبمجرد دخوله للمدرج أخبرنا بمواعيد الاختبارات بعد حوالي أسبوعين فقط!! وبعد انتهاء الحصة، لحقت به مسرعة، والخفقان بقلبي! هل لازال قلبي يعرف الخفقان؟ ياه! من مدة طويلة وقلبي جامد لا يخفق لا يعرف إلا الوخز، وقد تكلست عروقه. ولا يعرف غير الألم. أخذ قلبي يخفق وكأنني تلميذة صغيرة أمام أستاذها، وليس امرأة ناضجة، وربما تقارب أستاذها سنا، وبعد إلقائي التحية عليه، قلت له: «كان لي شرف سماع محاضرتك»، وقبل أن أتمم كلامي، عقب علي بسرعة: «أنا من كان له الشرف بذلك!» وامعتصماه، أنك لا تدري وقع مثل هذا الكلام على نفسيتي، وعلى قلبي ولا تدرك أنك بهذا الرد طردت عني فكرة الهروب والانسحاب من الكلية وأنك بهذا الرد الجميل تنقدني من براثين الحلكة المظلمة التي أعيشها، كيف يعقل هكذا كلام؟ أي دكتور بجلالة قدره -ولو أنه لازال شابا- يقول لي: «هو من له الشرف أن أحضر لمحاضرته؟» أي تواضع هذا؟ وأي تعامل في قمة النبل، وقمة الأخلاق؟ هي الأخلاق التي أتغنى بها عند غالبية رجال التعليم. وبعد الخوف والوجل والخجل والرهبة والتردد، سيقفز قلبي بين أضلعي فرحا، لأتم سؤالي: «هل يمكنني أن أساير وأفهم وأن أتدارك ما فاتني، ونحن على أبواب الاختبارات، مع أنني لن أفوز إلا بحضور القليل من المحاضرات المتبقية خلال هذا الفصل الأول؟» وبكل ثقة وسرعة أجابني: «أجل، إنك تستطيعين ذلك بالتأكيد…!» لا أذكر بقية الكلام الذي كان كله تشجيعا لي وكله في هذا السياق، لأنني بدأت أحلق بأحلامي هائمة في ملكوت جديد يبزغ منه شعاع بريق قادم نحوي. وفرحت جدا، فلا غرابة ولا عجب، فأكيد هذه هي أخلاق سلف العصر العباسي ورجالات فكره الأجلاء. بعدها مباشرة وفي الحصة الموالية، أذكر أنني حضرت محاضرة للأستاذ 'بوطالب' ! الشخصية الكارزمية الأكثر شهرة في الكلية بالنسبة لشعبة السوسيولوجيا، أو هو الشخصية الأكثر إثارة للجدل، وهو من بين الأساتذة الذين يدرسون في أغلب الفصول الستة لهذه الشعبة لمدة الثلاث سنوات لنيل الإجازة، يتعاقب فيها على الطلبة بشخصيته الحازمة مع الرعب الذي يخلفه لدى الطلبة خصوصا أيام الاختبارات. لم أكن حينها قد عرفت عنه كل هذا بعد! فبدا لي ذي سحنة تطوانية، ولم أعرف لماذا غيبت في تحليلي هوية اسمه، وكنت لمدة ليست بالهينة -وحسب ملامحه – ظننته تطوانيا، فلون شعره أشقر، وعينيه مائلتين للون الفاتح فلونهما ليس أسودا، مع أنه لا يتكلم بلكنة شمالية حين يتكلم اللهجة الدارجة، فينطق القاف كما ينطقها 'أهل الداخل'، هكذا يلقبنا أهل الشمال حين يكون أمامهم من هو ليس جبليا أو ريفيا، لكن في غيابنا نحن غير الشماليين يلقبوننا 'العروبية'، ولو كان القادم للشمال من مدينة الدار البيضاء أو الرباط أو فاس.. أو غيرها من المدن المغربية الأكثر تحضرا! لكن كان مترسخا في ذهني أنه تطواني، لا أعرف لما؟؟، مع أن اسم بوطالب من أعرق الأسماء الفاسية ونواحيها، ويمثل هذا الاسم أكبر رجالات السياسة بالمغرب والفكر أيضا. ونفس ما حدث لي مع الأستاذ المعتصم، وربما لكوني لازلت لم أسمع تعاليق الطلبة عنه، لم أتردد لحظة فتقدمت اليه، وقلت له نفس ما قلته لمعتصماه (منقدي الأول في الكلية بمارتيل)، ليجيبني بنفس الأدب، وبنفس التواضع: أنني يمكنني المسايرة، رغم ضيق الوقت، وقال لي: ما اعتبرته المفتاح السري في تعاملي مع كل الاختبارات فيما بعد، «أننا نكون طلبة باحثين وليس طلبة يردون لنا ما نلقنهم إياه في المحاضرات». فأحيانا انطباعاتنا المغلوطة عن الأشخاص وأحكامنا المسبقة عنهم قد تجعلنا مترددين للوهلة الأولى في التعامل معهم، أو قد نمتنع عن التعامل معهم نهائيا!! وهذا يمكنه أن يضيع علينا معرفة الكثير من الناس وخسارة التعامل معهم لمجرد أحكام مسبقة قد لا تمت للحقيقة بصلة وقد تحول دون التواصل معهم والتعرف عليهم عن قرب. سمعت الدكتور بوطالب يردد مرارا هذا الكلام -أننا نكون طلبة باحثين- مرارا في محاضراته خصوصا في الأيام الاخيرة قبل كل الاختبارات، فاستنتجت من نصيحته هاته، أنه لا يجب أن أكتفي بمحاضرات الأساتذة التي يلقونها علينا، بل يجب البحث في كتب أخرى أو عبر الشبكة العنكبوتية عن إضافات جديدة في كل مادة. ثم استطرد بعد تشجيعه لي، أنه يمكنني الذهاب عنده لمكتبه للاستشارة وطرح كل تساؤلاتي في أي وقت شئت! يا الله ما هذا النعيم الذي أعيشه، فقد دخلت للكلية بعد عناء طويل من المرض وعدم الرغبة في الخروج من البيت أو محادثة أي شخص، لتبدأ لحظات الانتعاش النفسي عندي بهذه الكلمات من أستاذ جامعي له وزنه.
الرباط١٥-٠٥-٢٠٢٥صحةالرباطحكاية انعتاق طالبة أستاذة منوالجنون للكاتبة والأديبة ماجدة غرابو [الجامعة ...أساتذتي وشعبة السوسيولوجيا ]حكاية انعتاق طالبة أستاذة منوالجنون للكاتبة والأديبة ماجدة غرابو [الجامعة …أساتذتي وشعبة السوسيولوجيا ] الرباط نيوز إن كتاب: 'البورناوت' Burn- Out انعتاق طالبة أستاذة من الجنون؛ هو صرخة بصيغة نون النسوة؛ لانطلاق طائر الفينق وإحيائه من جديد، والانبعاث من الرماد للانطلاق بكل قوة وحرية.. كتب / ماجدة غرابو لم أفكر يوما أن أكتب سيرة ذاتية، فحياتي ليست بثراء حياة نوال السعداوي أو مغامرات كازانوفا أو صدمة وقسوة حياة شكري! فما أنا إلا أستاذة أو معلمة بسيطة عاشت حياتها بكل هدوء وهي تحادي الجدران، تحلم بغد أفضل لأبنائها وأسرتها الصغيرة. وما هذه السيرة الذاتية إلا صرخة نملة/ أستاذة في هذا المجتمع بصوت جميع ممتهني مهنة التدريس؛ الذين احترقوا مهنيا دون أن يفهموا ما أصابهم ودون أن يجدوا من يشد بأيديهم وعلى. عضدهم لينعتقوا من مصابهم، فمنهم من ظل قابعا في قسمه شبه ميت وكأنه جذع شجرة خاو محترق إلى أن تقاعد، ومنهم من انتهى به الأمر كالمجذوب في الحواري والشوارع أو البراري، ومنهم من انتهى به الأمر في مستشفى المجاذيب أو المجانين ومنهم من انتحر منهيا عذابه وصراعه مع الواقع رغم إيمانه الشديد ووثوقه بالله أكثر من أشد الواثقين به سبحانه. فدافعي الأول لكتابة سيرتي الذاتية هو إصابتي بمرضي الذي أتقدم له بجزيل الشكر؛ وممتمنة له أيما امتنان لإصابتي به، فهو كان دافعي للخلاص إما منه أو من الحياة، وصدفة كنت من المحظوظين لوجود أشخاص رائعين بحياتي وجدتهم حولي كما الخبيثين لدفعي بقوة وللتحدي لأظل بهذه الحياة وهذه الدنيا لأتقاسم معناتي بمرض 'الاحتراق المهني' المشخص بمرض القلق الذي أثار اهتماما خاصا لدى أحد أعلام الحرية الوجودية كيير كيغارد (Kier Kegard) من حيث هو دافع إلى الإنجاز والإبداع، ويراه كيير كيغارد -أي القلق الخلقي- على أنه موجود منذ عصيان آدم عليه السلام ربه. ولكنه لا يتضح لدى الفرد إلا بعد ارتكابه إثما يعترف به أو يكون منبعا للإبداع، وبأن قوة النفس تنبثق من نجاح الفرد في مواجهة الخبرات التي تثير القلق، فالقلق سبيل إلى نضج النفس الإنسانية وتفتحها عن طبيعتها العميقة الخلاقة، ولكنه يقود إلى الانسحاب أحيانا بدلا من الخلق والإبداع، ويمكن أن يتطور إلى عصاب شديد الأثر. فانبثقت أولى بوادر هذا الانعتاق والخلاص والخلق حين فكرت في أن أتابع دراستي الجامعية بشعبة السوسيولوجيا وأن ألقى أساتذتي الأجلاء الذين أتوجه إليهم بكل الامتنان والاحترام والتقدير، فلم يبخل أساتذتي علي في شعبة الفلسفة ومسلك السوسيولوجيا على إمدادي بالطاقة اللازمة لأواصل دراستي وبكل التشجيع لأطور من عطائي وكتاباتي، فكانت الدراسة بالنسبة لي شفاء وبلسما، وكانت الكتابة تحررا من أسر الذات وميلادا منبثقا من الرماد والاحتراق وأسر المرض ومن ضروب الجنون من زاوية النظر المغربية… الجامعة… أساتذتي وشعبة السوسيولوجيا وبدون سابق إنذار أصبحت طالبة بشعبة 'علم الاجتماع' بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمارتيل، جامعة عبد المالك السعدي. وقد سبق لي قبل حوالي ثلاث سنوات مضت وبعد إلحاح من زميلة لي في العمل أن نعبئ طلبا من أجل متابعة الدراسة الجامعية، فرفضت بحجة: «أننا لن نستطيع أن نجمع وأن نوفق بين العمل والدراسة ورعاية أسرنا وأطفالنا وهم في مراحل حرجة من عمرهم -مراهقتهم- فهم أحوج إلى وجودنا معهم في أي لحظة أكثر من أي وقت مضى»، لكنها ألحت علي في أن نجرب فقط، ونختبر هل وزارة التربية الوطنية والتعليم ستسمح لنا بذلك أم لا؟ أي هل ستسمح لنا بممارسة هذا الحق؟ وأتذكر أنه في استمارة الطلب من المفروض علينا تحديد الشعبة المرغوب في دراستها، فسألتها حينها عن الشعب المتوفرة في كلية الآداب والعلوم الانسانية بمارتيل ومن بين ما قالت: «أن هناك بالإضافة إلى الشعب المألوفة -وسردتها علي- هناك شعبة جديدة وهي شعبة علم الاجتماع». فحددت رغبتي مباشرة وبدون أدنى تردد مني، وكتبت هذه الشعبة نفسها في استمارة الطلب، وجاءنا الرد على طلباتنا من أجل الدراسة الجامعية بالقبول، لكني لم أكلف نفسي عناء المحاولة أو الذهاب للكلية لسببين اثنين، لظني أن مرضي بالسكري سيعوق دراستي لأن نفسيتي لن تتحمل الإرهاق الدراسي أو ترقبي للنقط وما يشوب ذلك من خوف وانتظار وتوتر فصحتي في غنى عنهم، ثم لاحتياج أولادي لكل وقتي وطاقتي ظانة أنني بدراستي سأنشغل عنهم وسأهملهم، لما تحتاج الدراسة من تفرغ وعناء وقد كنت جد واهمة ومخطئة في ذلك. لم أظن حينها أن المرض سيغير طريقة تفكيري، لم أظن يوما أن حزني الشديد وأن كرهي لعملي وحياتي وبيتي والعالم كله، سيحيي رغبتي في الدراسة، لم أظن أن قراري الحاسم في عدم متابعة دراستي بسبب أسرتي ومرضي سينقلب رأسا على عقب، لم أظن أن المسافة من طنجة إلى مارتيل لن تثنيني عن رغبتي في الدراسة، وكأن قوى خفية أصبحت تدفعني وتحركني، وتحرضني على تحقيق أحلام عمري المؤجلة! لم يتحمس زوجي كثيرا لذهابي لمارتيل من أجل الدراسة، هو لا يرفضها لكن يفضل أن أدرس بطنجة وأن أكتفي بالشعبة المتاحة بها بالنسبة لي وهي دراسة القانون، هو نفسه عشق دراسة شعبة أصول الدين -رغم تخصصه في العلوم الرياضية- لكن تواجد هذه الشعبة بتطوان منعه من تحقيق رغبته في متابعة دراسته لما يحبذ. وكنت أستغرب لتواجد كل شعب العلوم الإنسانية بمارتيل مع أن مدينة طنجة هي المدينة الدولية، وهي الكبرى، كنت أستنكر ذلك التقسيم الجهوي في دراسة الشعب، قبل أن أحبه وأتشبت به فيما بعد، كأحد المقومات الحاسمة في دراستي وفي علاجي. فبعد أن كنت أبحث دون وعي مني عن أي هروب، حيث أنني مرارا خرجت بدون وجهة محددة. فمرة كانت وجهتي المدرسة، لأغيرها وأرتمي في الشاطئ على الرمال باكية، لا أعلم لماذا؟ باكية كالطفل الصغير الذي حرم من حضن أمه لسنين ليذهب للمدرسة، أكيد هو نفس إحساسي حينها وأنا ذاهبة للمدرسة لعملي 'التدريس'. ووجدت نفسي بمارتيل بكلية الآداب والعلوم الانسانية أبحث عن استعمال الزمن، فقد تسجلت متأخرة جدا، لم أنتظر أخذ توصيل تسجيلي حتى تستكمل الإجراءات الإدارية لأعرف الفوج الذي انتمي إليه – وهذا سيكلفني فيما بعد – لم أكن أعلم أن طلبة شعبة السوسيولوجيا كثر وبأن هناك فوجين في هذه الشعبة، وأن عدد طلابها والراغبين فيها أكثر من ألف طالب وبأن لها مريدين ومحبين وعاشقين مثلي. وها أنا ذي طالبة في شعبة 'علم الاجتماع'، يا لها من صفة جديدة. ياه! عشتها قبل أكثر من عشرين سنة مضت كطالبة في شعبة الأدب العربي بالدار البيضاء، بكلية الآداب والعلوم الانسانية بابن امسيك. وكان أول ما شرعت فيه أنني بحثت عن استعمال الزمن الذي استوقفني كثيرا وأنا أقرأ فحواه ومواد شعبة 'علم الاجتماع'، وخصوصا أسماء الأساتذة الذين سيدرسونني، دهشت كثيرا، ما هذا؟ أي زمن أعيش؟ وفي أي فترة زمنية بعثت فيها لأدرس مواد هذه الشعبة في هذه المدينة الشاطئية الصغيرة مارتيل وفي هذه الكلية بالضبط اللتين اخترتهما؟، ما هذه المصادفات الغريبة العجيبة؟ هذا الاندهاش والانبهار وما حللته حينها يدعوني إلى استحضار ما درسته في شعبة 'علم الاجتماع' فيما بعد بالفصل الثالث بمادة 'سوسيولوجيا الثقافة' والتي من محاورها (الثقافة والهوية)، وعرفت أن الهوية تبدأ بالاسم الشخصي واللقب، وبأن هناك أسماء مرتبطة بالزمن وأيضا هناك أسامي لها مرجعية إحيائية للشرف أو التاريخ، كما أن الهوية هي عنوان الانتماء وهي ما أعرف به ذاتي وأنتظر من الآخرين الاعتراف بها . أو كما يقول مختار الهراس : «الاسم الشخصي يسبقنا إلى الوجود ويستمر بعدنا وهو يكشف عن تداعيات الآخر الذي يختار لنا اسمنا الشخصي، ومن تمة عن نسبية حريتنا الفردية واستقلالنا عن الجماعة الأسرية… ويتميز الاسم الشخصي بثقل الأشياء ويصمد أمام تيارات التحول والتلاشي، ويتعذر أو ترفض ترجمته الى لغات أخرى». تساءلت عن أي زمن سأحياه بهذه الكلية ومع من؟ فقد قرأت في استعمال الزمن في الفصل الأول بشعبة 'علم الاجتماع' أنني سأدرس مادة الفكر الفلسفي عند أستاذ اسمه المعتصم ، فدهشت وتساءلت: 'أتراني بعثت في العصر العباسي؟؟!' وامعتصماه! أنجدني، لم أسمع قط في عصر العولمة هذا وطمس الهويات، وزمن التكنولوجيا السريعة هذا اللقب، مع أنني أشتغل بمهنة التدريس لأكثر من عشرين سنة، وأدرس كل سنة أكثر من أربعين تلميذا في كل فوج (أدرس فوجين) ولسنين عديدة، لم أصادف لقبا كهذا أو أي لقب من العصور القديمة التي شهدت ازدهارا عربيا وفكريا وثقافيا كذاك الزمن. آه، أين نحن الآن من العصر العباسي وما تفتقت عنه بطون وأرحام النساء العربيات من شعراء وأدباء، وما كان خلال ذاك العصر من عطاءات وإبداعات لا زلنا نعيش على أطلالها حتى عصرنا هذا، أترى هذا الأستاذ الجامعي من أحفاد مفكري العصر العباسي؟؟؟ إن الاسم يشكل الهوية، واسم هذا الأستاذ اسم عربي قح منحدر من عهد العباسيين. بعدها ستقع عيناي على اسم: الغزالي ! يا الله، الغزالي وهو من سيدرسني مادة علم النفس، ما هذه المصادفة المبهرة لي، أكيد أنه رجل كبير في السن وقور حامل لنظارة سميكة من كثرة بحوثه وقراءاته، ويضع ربطة عنق، وبطنه بارزة نوعا ما، هكذا تخيلت حتى لا أتخيله يضع عمامة ويحمل كتابا قديما تحت إبطه، ويلبس لباسا عربيا قديما أي لباسا منسدلا، حسب ما يتلاءم وبيئة وجو شبه الجزيرة العربية. إنه الغزالي أحد أعلام عصره، ذو البصمة الواضحة في علوم الفلسفة وعلم الكلام والتصوف والمنطق، رحل إلى بغداد بطلب من نظام الملك، ليدرس في المدرسة النظامية في عهد الدولة العباسية، هو أيضا عاش العصر الذهبي العباسي في أواخره، شتان بين بغداد اليوم وبغداد الأمس، خربت بغداد اليوم وحطمت حضارتها من طرف أمريكا، وأصبحت أرض دجلة والفرات ومهد أولى الحضارات في خبر كان، يوم كانت مدينة شيكاغو الأمريكية لم تر النور بعد بقرون عديدة، يا لمهازل التاريخ! وفعلا فهؤلاء الأساتذة اسم على مسمى، فلا يمكن للغزالي إلا أن يدرس مادة 'علم النفس' المنبثقة من الفلسفة، ولا يمكن للمعتصم إلا أن يدرس مادة 'الفكر الفلسفي'. بعدها سألحظ اسم الأستاذ الشتوكي مدرس مفاهيم فلسفية، قلت في نفسي: 'أكيد هو منحدر من منطقة شتوكة التي تتواجد بمنطقة دكالة'، ربما هو على شاكلة قامات الدكاليين، سيكون طويلا ضخما كما هي قامات أهل دكالة، وهذا اسمه مغربي دكالي واضح، ليس كما هو الغزالي والمعتصم فهما معا اسمان عربيان بادية هي هويتهما العربية من اسميهما. بعدها سألاحظ اسم الاستاذ بوطالب وهو مدرس مادة 'أسس علم الاجتماع'، لم أكون عليه فكرة واضحة، وكون أن هذا الاسم من الأعلام الفاسية الوازنة في بلدنا، كنت منبهرة خصوصا باسمي المعتصم والغزالي، بعدها ستقع عيني على اسم الزياني مدرس 'ميادين علم الاجتماع'، فأدركت بفطنتي وبسرعة ودون أدنى تردد مني أنه من 'اولاد زيان'، أحد المناطق القريبة من الدار البيضاء، فأكيد أنه من هناك، حتى أن محطة السفر الكبرى بمدينة الدار البيضاء تحت مسمى ' اولاد زيان'، فغالبا سيكون بيضاويا منحدرا من ضاحية أولاد زيان، وهي المنطقة المعروفة بما تزخر به من فلاحة وخير وكرم أهاليها مثل جهة دكالة، كان هذا هو انطباعي عنهم من خلال أسمائهم أي هوياتهم. فالهوية تبدأ بالاسم الشخصي واللقب. وهي ما أعرف به ذاتي وأنتظر من الآخر أن يعترف لي بها. هكذا درسنا في مادة 'سوسيولوجيا الثقافة'! لأدخل أول حصة كانت أمامي ذاك اليوم الغريب عني، وأنا أحس بالخجل لكبر سني ظانة أنني أكبر طالبة بالجامعة، متواجدة في مكان غريب، وكل من حولي غرباء، لا أعرفهم كلهم، أغلبهم صغار السن، فأول تلاميذي الذين درستهم أكبر منهم! وتساءلت: هل سأجلس بجوار هؤلاء الشباب الصغار الذين هم كلهم حماس وحركة وإرادة وقوة؟؟ هل سأستطيع مجاراة اجتهادهم هم الحاصلون على الباكالوريا حديثا؟؟ وقد تكلست بالمقابل معلوماتي وعلاها الغبار، طيلة هاته السنين؟ هل… وهل… وهل… العديد من الهلهلات، التي تطرق رأسي. ودخلت أول حصة وهي مادة الفكر الفلسفي للدكتور المعتصم. أحاسيس كثيرة خالجتني حينها، الخوف، الفرح، الخجل، الرهبة، التردد… وخاصة الرغبة في أن أخرج من المدرج هاربة إلى طنجة دون أوبة إلى هذه المدينة مارتيل وهذه الكلية، ليدخل أمامنا شاب أنيق ويقول لنا بعد إلقائه للتحية : «سأعود بعد قليل، لأننا نتدارس مواعيد اختباراتكم 'للدورة الخريفية'»، خفق قلبي بقوة وخوف من كلمة 'اختباراتكم' وأنا برحاب المدرج أول حصة، بعد سكونه لسنين وألمه، هذا القلب الذي لم يخفق من مدة طويلة بهذه الطريقة من مثل هذا الحدث، هذا القلب الحزين الذي لم يعد يعرف إلا التضخم والتصلب والإحساس بالوخز، كأن مقدمة سكين حادة منغرسة فيه، سأعرف هذا نتيجة إحساسي بالألم وببعض التحاليل الطبية، فقد كان بين الحين والآخر يعطيني الطبيب المتخصص في 'داء السكري' تحاليل سنوية منها إجراء فحص على قلبي، وفي إحدى الفحوصات كتب لي الطبيب المختص في القلب 'رسالة' مغلقة إلى طبيب 'داء السكري' والذي بمجرد اطلاعه على فحواها، سألني مستنكرا: «ما بك قلقة إلى هذا الحد؟ ما يؤلمك؟» وسأل زوجي نفس السؤال: «ما بها؟» فاستغربت سؤاله! وكان معي زوجي كعادته، فهو يرافقني أثناء كل فحص عند أي طبيب وعند إجرائي لكل التحاليل لحرصه على ذلك ولخوفي الشديد من الحقنة، بل لرعبي منها. فطبيبي هذا يعرف جيدا مؤازرة زوجي لي لذلك سأله مستغربا. فلم أجد أي جواب في جعبتي لأجيبه به، غير أنني أتأثر بأي خبر مؤلم يمكن أن أشاهده على وسائل التواصل أو أقرأه في جريدة أو أسمعه في بعض برامج الواقع وخصوصا إن تأكدت من صحته، فإنني أسقطه مباشرة على حياتي أو على أولادي، وقد أمضي أسبوعا بعد ذلك أو أكثر متألمة، وبمجرد وضعي لرأسي على وسادتي حتى أبدأ في اجترار واستعراض واستحضار كل تلك الآلام. فنصحني طبيبي بأن أقاطع مشاهدة كل الأخبار المؤلمة عبر جميع وسائل الاتصال والتواصل، المسموعة منها والمرئية، وإن أردت البحث عن الآلام الواقعية اليومية والحقيقية والمرئية مباشرة، فيكفيني الذهاب للمحكمة والوقوف ببابها حتى أرى شابات صغيرات تجاوزن العشرينات بقليل وهن يمسكن بأطفال صغار، يعانين من مشاكل لا حصر لها مع أزواج يرفضون تطليقهن أو هاربون عن أداء نفقاتهن ونفقات أطفالهن… وأضاف الطبيب: «وهذا كاف لكي تشبعي قلبك مباشرة بمشاكل واقعية حزنا وألما». لكن هذا القلب سيتحرك بشكل آخر وأنا داخل الحرم الجامعي. خالجت قلبي أحاسيس كثيرة وخفقان على حين غرة حين سماعي من الأستاذ كلمة اختبارات، وما لهذه الكلمة من وقع على النفس، وبمجرد انصراف الأستاذ عن المدرج، ألقيت نظرة على استعمال الزمن، فسألت أحد الطلبة بجواري: «هل هذا الذي يتكلم، هو الأستاذ المعتصم ؟»، أجابني الطالب بالإيجاب! فاستنجدت داخل صدري، وا معتصماه! ما هذا؟ أنجدني يا معتصماه! هل في أول حصة بالنسبة لي ستعلن امتحانات الدورة الخريفية؟! هل سأستطيع استجماع الدروس وفهم ما فاتني من هؤلاء الأساتذة الأجلاء؟! هكذا أراهم، وهكذا أحس وأنا أقف أمامهم، نعم أجلاء! فهم على أعلى قمة في الهرم الاجتماعي يتربعون كما يقول بذلك أفلاطون وكما قسم المجتمع، فمهما تدهور حال التعليم ببلادي، ومهما اختلفت المقاييس عبر الزمن، فأغلب الأساتذة بالنسبة لي: هم أهل فكر، وهم أشرف الناس، وأهمهم في المجتمع، أحب من أحب وكره من كره. ومهما تكالبت مجموعة من الظروف لهز صورة الأستاذ في مجتمعاتنا، فقيمته تستمد منه شخصيا، ومن مهنته الشريفة التي يشوبها نوع من القدسية والقداسة والشرف والصدق، على عكس ما يعارضها ويخالفها من مجموعة مهن، فمهما ارتقت بصاحبها ماديا ومجتمعيا، ومهما ذرته من أموال طائلة على ممارسيها كالرقص وتجارة المخدرات…. فتبقى مثل هاته المهن إذا اعتبرناها كذلك مع أنها حاضرة في مجتمعنا شئنا ذلك أم أبيناه أو هي ممارسات موصومة بالدناسة وفي خانة التدنيس. ولا يهمني مهما سمعت عنهم، فهم أساتذتي الذين أحترمهم، وكل ما يهمني منهم هو علمهم ومعرفتهم وما سأستفيد من خبرتهم، ولا تهمني حياتهم الخاصة أو انزلاقاتهم أو انتماءاتهم الدينية أو الحزبية أو ايديولوجياتهم…!! عاد الأستاذ المعتصم سليل العصر العباسي المنظم في هندامه، والملقي لمحاضراته دون الخروج عن الموضوع ولو للحظة واحدة، فهو ليس كما تخيلته من خلال اسمه / هويته، بل أصغر بكثير من خيالاتي. في حركاته وكلامه يظهر حسه الديناميكي الهائل، وأكيد وواضح أنه كان مجدا خلال دراسته وشديد التنظيم. أو هكذا بدا لي، وبمجرد دخوله للمدرج أخبرنا بمواعيد الاختبارات بعد حوالي أسبوعين فقط!! وبعد انتهاء الحصة، لحقت به مسرعة، والخفقان بقلبي! هل لازال قلبي يعرف الخفقان؟ ياه! من مدة طويلة وقلبي جامد لا يخفق لا يعرف إلا الوخز، وقد تكلست عروقه. ولا يعرف غير الألم. أخذ قلبي يخفق وكأنني تلميذة صغيرة أمام أستاذها، وليس امرأة ناضجة، وربما تقارب أستاذها سنا، وبعد إلقائي التحية عليه، قلت له: «كان لي شرف سماع محاضرتك»، وقبل أن أتمم كلامي، عقب علي بسرعة: «أنا من كان له الشرف بذلك!» وامعتصماه، أنك لا تدري وقع مثل هذا الكلام على نفسيتي، وعلى قلبي ولا تدرك أنك بهذا الرد طردت عني فكرة الهروب والانسحاب من الكلية وأنك بهذا الرد الجميل تنقدني من براثين الحلكة المظلمة التي أعيشها، كيف يعقل هكذا كلام؟ أي دكتور بجلالة قدره -ولو أنه لازال شابا- يقول لي: «هو من له الشرف أن أحضر لمحاضرته؟» أي تواضع هذا؟ وأي تعامل في قمة النبل، وقمة الأخلاق؟ هي الأخلاق التي أتغنى بها عند غالبية رجال التعليم. وبعد الخوف والوجل والخجل والرهبة والتردد، سيقفز قلبي بين أضلعي فرحا، لأتم سؤالي: «هل يمكنني أن أساير وأفهم وأن أتدارك ما فاتني، ونحن على أبواب الاختبارات، مع أنني لن أفوز إلا بحضور القليل من المحاضرات المتبقية خلال هذا الفصل الأول؟» وبكل ثقة وسرعة أجابني: «أجل، إنك تستطيعين ذلك بالتأكيد…!» لا أذكر بقية الكلام الذي كان كله تشجيعا لي وكله في هذا السياق، لأنني بدأت أحلق بأحلامي هائمة في ملكوت جديد يبزغ منه شعاع بريق قادم نحوي. وفرحت جدا، فلا غرابة ولا عجب، فأكيد هذه هي أخلاق سلف العصر العباسي ورجالات فكره الأجلاء. بعدها مباشرة وفي الحصة الموالية، أذكر أنني حضرت محاضرة للأستاذ 'بوطالب' ! الشخصية الكارزمية الأكثر شهرة في الكلية بالنسبة لشعبة السوسيولوجيا، أو هو الشخصية الأكثر إثارة للجدل، وهو من بين الأساتذة الذين يدرسون في أغلب الفصول الستة لهذه الشعبة لمدة الثلاث سنوات لنيل الإجازة، يتعاقب فيها على الطلبة بشخصيته الحازمة مع الرعب الذي يخلفه لدى الطلبة خصوصا أيام الاختبارات. لم أكن حينها قد عرفت عنه كل هذا بعد! فبدا لي ذي سحنة تطوانية، ولم أعرف لماذا غيبت في تحليلي هوية اسمه، وكنت لمدة ليست بالهينة -وحسب ملامحه – ظننته تطوانيا، فلون شعره أشقر، وعينيه مائلتين للون الفاتح فلونهما ليس أسودا، مع أنه لا يتكلم بلكنة شمالية حين يتكلم اللهجة الدارجة، فينطق القاف كما ينطقها 'أهل الداخل'، هكذا يلقبنا أهل الشمال حين يكون أمامهم من هو ليس جبليا أو ريفيا، لكن في غيابنا نحن غير الشماليين يلقبوننا 'العروبية'، ولو كان القادم للشمال من مدينة الدار البيضاء أو الرباط أو فاس.. أو غيرها من المدن المغربية الأكثر تحضرا! لكن كان مترسخا في ذهني أنه تطواني، لا أعرف لما؟؟، مع أن اسم بوطالب من أعرق الأسماء الفاسية ونواحيها، ويمثل هذا الاسم أكبر رجالات السياسة بالمغرب والفكر أيضا. ونفس ما حدث لي مع الأستاذ المعتصم، وربما لكوني لازلت لم أسمع تعاليق الطلبة عنه، لم أتردد لحظة فتقدمت اليه، وقلت له نفس ما قلته لمعتصماه (منقدي الأول في الكلية بمارتيل)، ليجيبني بنفس الأدب، وبنفس التواضع: أنني يمكنني المسايرة، رغم ضيق الوقت، وقال لي: ما اعتبرته المفتاح السري في تعاملي مع كل الاختبارات فيما بعد، «أننا نكون طلبة باحثين وليس طلبة يردون لنا ما نلقنهم إياه في المحاضرات». فأحيانا انطباعاتنا المغلوطة عن الأشخاص وأحكامنا المسبقة عنهم قد تجعلنا مترددين للوهلة الأولى في التعامل معهم، أو قد نمتنع عن التعامل معهم نهائيا!! وهذا يمكنه أن يضيع علينا معرفة الكثير من الناس وخسارة التعامل معهم لمجرد أحكام مسبقة قد لا تمت للحقيقة بصلة وقد تحول دون التواصل معهم والتعرف عليهم عن قرب. سمعت الدكتور بوطالب يردد مرارا هذا الكلام -أننا نكون طلبة باحثين- مرارا في محاضراته خصوصا في الأيام الاخيرة قبل كل الاختبارات، فاستنتجت من نصيحته هاته، أنه لا يجب أن أكتفي بمحاضرات الأساتذة التي يلقونها علينا، بل يجب البحث في كتب أخرى أو عبر الشبكة العنكبوتية عن إضافات جديدة في كل مادة. ثم استطرد بعد تشجيعه لي، أنه يمكنني الذهاب عنده لمكتبه للاستشارة وطرح كل تساؤلاتي في أي وقت شئت! يا الله ما هذا النعيم الذي أعيشه، فقد دخلت للكلية بعد عناء طويل من المرض وعدم الرغبة في الخروج من البيت أو محادثة أي شخص، لتبدأ لحظات الانتعاش النفسي عندي بهذه الكلمات من أستاذ جامعي له وزنه.