٢٦-٠٥-٢٠٢٥
هلال عيد الأضحى.. هل توافق الرؤية الحسابات الفلكية؟
من المعلوم أن هلال ذي الحجة يرتبط وثيقا بفريضة الحج وشعيرة الوقوف على عرفات في اليوم التاسع منه. غير أن تحديد يوم التاسع يعود إلى تحديد بداية الشهر نفسه.
وفي العام الحالي 1446 هـ الموافق للعام الميلادي 2025، بدأ الفلكيون والشرعيون على السواء بتتبع الهلال ومراقبة حركته ابتداء من الأيام الأخيرة من شهر ذي القعدة (الشهر السابق لذي الحجة، وكلاهما من الأشهر الحرم) إذ حركة الهلال الصباحية تنبئ عن ظهوره المسائي في أول ليالي الشهر التالي.
ولأن الفلكيين هم أصحاب الخبرة في رصد الهلال، فإنهم يقومون عادة بمراقبة وتصوير الهلال صباح الأيام الأخيرة من شهر ذي القعدة (وهذا ينطبق على شهر رمضان)، حتى يلاحقوه في 'عرجونه القديم'، وهو آخر هلال يظهر صباحا.
وقد ذكر أجدادنا الفلكيون العرب في كتب الأنواء أن آخر هلال صباحي يظهر في السماء ثم يستتر إما ليلة أو اثنتين، بحسب طول الشهر، فإن هو ظهر يوم الثامن والعشرين فإن ذلك يعني أن الشهر مكتمل 30 يوما، وإن لم يظهر في صبيحة ذلك اليوم (الثامن والعشرين) فهو شهر ناقص، أي 29 يوما. وهذا معنى كيف يستتر ليلة أو ليلتين قبل ظهوره بعيد غروب الشمس لإعلان الشهر الجديد.
هلال ذي الحجة 1446هـ.. هل يُرى الثلاثاء؟
يولد هلال ذي الحجة 1446 هـ صباح يوم الثلاثاء 27 مايو/أيار 2025 في تمام الساعة 6:02 بتوقيت مكة المكرمة. ومع غروب شمس ذلك اليوم في تمام الساعة (18:58) في سماء مكة المكرمة، سيكون قد انقضى من عمر الهلال 12 ساعة و56 دقيقة.
يترتب على ذلك أن القمر سيغيب بعد غروب الشمس في تلك البقعة المباركة من الأرض بعد 38 دقيقة فقط، وهي فترة ليست كافية لرؤية الهلال بشكل يقيني، وإن كانت ثمة تسجيلات تدعم إمكانية هذه الرؤية لكن من مناطق أخرى في الوطن العربي.
فبعيدا عن الظروف الجوية التي تلف منطقة الخليج صيفا -على وجه الخصوص- بسبب العوالق الترابية وأبخرة الماء- والتي تصعّب رؤية الهلال فيها، فإن في الوطن العربي والعالم الإسلامي أماكن شديدة نقاء السماء، بعيدة عن التلوث، مرتفعة الجبال، صحوة الطقس تسمح لمثل هذا الهلال بأن يرى لا فقط بالتلسكوبات وأجهزة الرصد الفلكية الحديثة، بل ربما بالعين المجردة أيضا.
فخريطة احتمالية رؤية الهلال، تفصح لنا عن تلك الأماكن التي يسهل عليها رؤية الهلال والأخرى التي يصعب فيها ذلك. ووفقا للحسابات الفلكية فإن جميع دول الخليج واليمن والسودان والصومال وباكستان سترى الهلال بصعوبة بواسطة التلسكوبات والأجهزة الرصدية، في حين أن إمكانية رؤيته تصبح أكثر احتمالية وأيسر في بلاد الشام والعراق وتركيا عبورا إلى مصر وبلاد المغرب العربي جميعا. وسيكون أوفرها حظا المغرب وموريتانيا، إذ سيمكث القمر في نواكشوط بعد غروب الشمس 47 دقيقة، وهو ما سيزيد من احتمالية رؤيته.
عرفات وعيد الأضحى
بثبوت رؤية الهلال يوم الثلاثاء -وهو الأكثر احتمالية وقبولا فلكيا- فإن الأربعاء 28 مايو/أيار 2025 سيكون غرة شهر ذي الحجة 1446هـ، وعليه فإن الوقوف على عرفات يوم التاسع من ذي الحجة سيوافق يوم الخميس 5 يونيو/حزيران، وسيكون يوم النحر الأكبر ويوم عيد الأضحى المبارك يوم الجمعة 6 يونيو/حزيران 2025.
ولأن رؤية الهلال ممتنعة -في أغلب الظن- عند بعض البلدان الإسلامية أمثال باكستان وإيران وبنغلاديشن، ولأنهم يتبعون المذهب الحنفي الذي يشترط رؤية الهلال بالعين، فإن ذا الحجة سيبدأ عندهم يوم الخميس 29 مايو/أيار، وعليه يوافق يوم عرفة عندهم يوم الجمعة 6 يونيو/ حزيران 2025. فهل ستصوم تلك البلاد مع الناس الواقفة على عرفة؟ أم أنهم سينتظرون حتى يحين يوم التاسع كما رأوه في بلادهم؟
تعدّ فتوى الشيخ ابن عثيمين -أحد كبار علماء السعودية وأكبر منظري المذهب السلفي في القرن العشرين- الأشهر والأكثر قبولا بين الفتاوى، إذ يفتي باتباع رؤية البلد بصرف النظر عن الرؤية في مكة المكرمة.
'فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عما إذا اختلف يوم عرفة نتيجة لاختلاف المناطق المختلفة في مطالع الهلال فهل نصوم تبع رؤية البلد التي نحن فيها أم نصوم تبع رؤية الحرمين؟
فأجاب فضيلته بقوله:
هذا يبنى على اختلاف أهل العلم: هل الهلال واحد في الدنيا كلها أم هو يختلف باختلاف المطالع؟ والصواب أنه يختلف باختلاف المطالع ، فمثلا إذا كان الهلال قد رئي بمكة ، وكان هذا اليوم هو اليوم التاسع، ورئي في بلد آخر قبل مكة بيوم وكان يوم عرفة عندهم اليوم العاشر فإنه لا يجوز لهم أن يصوموا هذا اليوم لأنه يوم عيد، وكذلك لو قدر أنه تأخرت الرؤية عن مكة وكان اليوم التاسع في مكة هو الثامن عندهم، فإنهم يصومون يوم التاسع عندهم الموافق ليوم العاشر في مكة، وهذا هو القول الراجح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا) وهؤلاء الذين لم ير في جهتهم لم يكونوا يرونه، وكما أن الناس بالإجماع يعتبرون طلوع الفجر وغروب الشمس في كل منطقة بحسبها ، فكذلك التوقيت الشهري يكون كالتوقيت اليومي. [مجموع الفتاوى 20]'.
متابعة الهلال في السماء.. مخطط الصبار- الضليع
في سبيل التسهيل على الراصدين للعثور على ذلك الهلال النحيل وقليل الإضاءة، قام الفلكيان: العراقي حسن الصبار والأردني هاني الضليع بتطوير وسيلة بصرية سهلة الاستعمال تحدد موضع الهلال بعد غروب الشمس كل خمس أو عشر دقائق.
فلأن السماء بعد الغروب لا يكون فيها أية معالم على الإطلاق -إلا من كوكب لامع أحيانا- فإن الاستدلال على موقع الهلال في السماء يضيع بمجرد غروب الشمس، وحتى نقطة غروب الشمس فإنها تضيع أحيانا، ولذلك فإن القاعدة الأولى في عملية الرصد هي تحديد النقطة التي غربت الشمس فيها فوق الأفق، لأنها ستكون المرجع الذي يعتمده مخطط الصبار- الضليع للعثور على الهلال كل مرة يتم فيها رفع المخطط -فوق الأفق مع مد كلا اليدين- الذي يفضل أن يطبع على ورقة شفافة.
ففي اللحظة التي تغيب فيها الشمس يكون الهلال في أعلى موضع له في المخطط، ثم ينزل القمر في السماء -بسبب دوران الأرض حول نفسها- رويدا رويدا متبعا مساره المائل يمينا، وبحسب الوقت المشار إلى موضعه كل 10 دقائق.
في الأثناء، يمكن استعمال المنظار مزدوج العينية (الدربيل) للبحث عن الهلال في ذلك الموضع. وهي طريقة لطالما أثبتت نجاعتها، ويكون صاحبها الأول في العثور على الهلال في مثل أحوال هلال ذي الحجة الحالي الممكن الرؤية بالأدوات المساعدة.