logo
#

أحدث الأخبار مع #العطلةالصيفية

الأوراق الساخنة لمذكرات فتح الله ولعلو (1): عندما اعتقلت بسبب جثة شخص مقتول بالرصاص
الأوراق الساخنة لمذكرات فتح الله ولعلو (1): عندما اعتقلت بسبب جثة شخص مقتول بالرصاص

الأيام

time٠٥-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الأيام

الأوراق الساخنة لمذكرات فتح الله ولعلو (1): عندما اعتقلت بسبب جثة شخص مقتول بالرصاص

تعززت الخزانة الوطنية قبل أيام بمولود جديد عبارة عن مذكرات أصدرها الوزير والقيادي الاتحادي السابق فتح الله ولعلو، طافحة بالعديد من الأحداث التي عاشها خلال مساره السياسي والأكاديمي على عهد ملكين، الملك الراحل الحسن الثاني ووارث عرشه الملك محمد السادس. هي مذكرات رجل استثنائي، كان لعقود واجهة الاتحاد الاشتراكي البرلمانية، التي ظلت تهز الرأي العام المتعطش للديمقراطية والعدالة الاجتماعية. كان فتح الله ولعلو خطيبا مفوها شاء القدر أن تتطابق قدراته البرلمانية مع الوزن السياسي لحزب القوات الشعبية. هذه هي الصورة التي يحفظها جيلان على الأقل عن هذا الرباطي ذي الملامح الطفولية، وهي مغايرة نسبيا للصورة التي خلفها الرجل نفسه وهو أول وزير للمالية في حكومة التناوب سنة 1998. وإضافة إلى أنه اقتصادي بارز وثاني مغربي يحصل على الدكتوراه من باريس في هذا التخصص بعد الراحل عزيز بلال، فإن من سيقرأ مذكراته التي نزلت يوم الخميس 24 أبريل في المعرض الدولي للكتاب بالرباط، سيكتشف رجلا آخر، وسيخلق بالتأكيد حميمية مع رجل لا يمكن أن تميز في سيرته بين ما هو خاص وما هو عام، بين حياته ونضاله. وربما لهذا أعطى هذه المذكرات عنوان «زمن مغربي» وهو يرجح العام على الخاص وهذا مفهوم عموما، ولكنه سيفهم أكثر عندما يبحر القارئ في الصفحات الطويلة والغنية في مجلدين بالتمام والكمال. يبدأ ولعلو مذكراته منذ الولادة حين تزوج والده بنعيسى ولعلو بنت خاله غيثة الجزولي، وسكن دار أبيها بالسويقة في المدينة القديمة بالرباط، ليفتح عينيه في أسرة ليست أرستقراطية ولكنها أسرة «عمل وكد واجتهاد» كما يصفها. وأما عن جده من والده، فيقول إنه كان بائع خضر صغيرا قرب زنقة القناصل، ولكن من بيت جده لأمه مصطفى الجزولي سيبني ولعلو كل عالمه في بيت كبير سيتحول إلى قبلة للوطنيين إلى أن يقرر والده الرحل إلى حي العكاري ويواصل الفتى دراسته وينخرط في العمل النضالي. المذكرات طويلة جدا، ونحن هنا سنقوم بانتقاء، هو على أية حال تعسفي، وما نتمناه أن يكون هذا التعسف مهنيا نابها. وأن نقرب القارئ من حياة هذه الشخصية المغربية الوازنة وهي تقدم روايتها للتاريخ بمرافقة الزميل لحسن العسيبي، الذي أعد المذكرات للنشر، وخصنا بهذا السبق، فشكرا على ثقة الرجلين. وهذه هي الصفحات الساخنة التي ارتأت الأيام نشرها: كنت أبيع الدلاح والبطيخ في عطلي الصيفية توفي جدي من والدتي في نفس فترة انتقالنا إلى حي العكاري مما جعل والدي يستقل طبيعيا بتجارته، خاصة بعد أن تم بيع متجر جدي من قبل الورثة. الأمر الذي جعله يفتتح محلا تجاريا جديدا للمواد الغدائية قرب الجوطية بالعكاري يساعده فيه الشاب الأمازيغي من تمنار الذي حكيت عنه من قبل الذي كان قريبا من العائلة بل جزء منها. ثم أن يفتتح أيضا دوشا عصريا جديدا (إضافة إلى دوش المدينة القديمة) وإلى جانبه مباشرة دكانان صغيران. كان الدكان الأول منهما مخصصا لبيع الملابس النسائية والعطور. حيث كنت في كل عطلة دراسية (خاصة العطلة الصيفية) أعمل في ذلك الدكان، مما مكنني باكرا أن أحتك بنساء الحي تجاريا وفطنت لتقنياتهن في الشراء، الأمر الذي شحذ عندي باكرا واجب الإنتباه إلى علاقة السوق بالقدرة الشرائية. كانت أغلب أولئك النسوة محجبات وأدركت باكرا طبيعة تفكيرهن اجتماعيا بالمعنى الذي يعني غلبة الرؤية للذات من داخل منظومة قيمية تقليدية بدوية وفلاحية. مما أذكره أن من زبائننا آنذاك شابة من الحي ستصبح فيما بعد ممثلة شهيرة هي الفنانة فاطمة الركراكي رحمها الله. بينما كان الزبناء الذين يثيرون فضولي وأنا ما أزال فتى في ما بين الحادية عشرة والرابعة عشرة من عمري هم الجنود السينغاليون، الذين كانوا يشترون كل يوم أحدٍ العطور (خاصة نوع «ريفدور» الذي ما زلت أذكر ثمنه وهو درهمان وعشرين سنتيما). كانوا يأتون جماعات من الثكنة العسكرية «غارنيي» حيث يقيمون التي تحولت في ما بعد إلى الحي الجامعي مولاي اسماعيل بحي المحيط، فاكتشفت من خلالهم تقاليد سلوكية لشعوب إفريقية مختلفة عن تقاليدنا، ساهمت في توسيع مداركي وتجاربي في الحياة ومكنني ذلك الإحتكاك أن أطرح أسئلة باكرا حول ثقافة الشعوب الإفريقية، الأمر الذي أغناني معرفيا وجعلني أصدر دوما عن أحكام نسبية غير إطلاقية في الرؤية إلى الآخرين بمختلف ثقافاتهم. فيما كان الدكان الثاني يخصصه والدي في فصل الصيف لبيع فاكهتي البطيخ الأصفر والبطيخ الأخضر (الدلاح)، كنت أقضي به أيضا أوقاتا كثيرة للمساعدة في عمليات البيع. حيث كنا نأتي بتلك الفاكهة الصيفية من نواحي مدينة فاس بواسطة شاحنة والدي، التي وظف في ما بعد سائقا مساعدا له كان جنديا مغربيا سابقا عائدا من حرب الفيتنام شهد هزيمة فرنسا في معركة ديان بيان فو الشهيرة في 7 ماي سنة 1954. من خلاله سأعرف باكرا تفاصيل مدققة عن تلك المعركة ساهمت في زيادة تفتح وعيي السياسي ببعد دولي. عندما اعتقلت بسبب جثة شخص مقتول بالرصاص كنا مرة عائدين ثلاثتنا أنا والمساعد حماد والجندي السائق من منطقة الكاموني حاملين الخشب لدوش جدي بالمدينة القديمة وولجنا عبر الباب الجديد، وما أن بلغنا أمام فندق أروبي يقطنه فرنسيون إسمه «فندق فرنسا» (لا يزال موجودا إلى اليوم) على بعد عشرين مترا من الحمام، حتى وجدنا جثة مغربي مرمية على الأرض في حوالي السابعة مساء مقتولا بالرصاص. أدركتُ مباشرة أنه أحد الخونة تمت تصفيته من قبل رجال المقاومة. كانت تلك أول مرة في حياتي أرى فيها جثة رجل مقتول، بل أكثر من ذلك اعتقلتنا الشرطة لأننا الوحيدون الذين كنا واقفين هناك حينها، قبل أن يتدخل نزلاء الفندق من الفرنسيين الذين شهدوا لصالحنا أننا وصلنا بعد عملية التصفية. رغم ذلك بقينا معتقلين حتى منتصف الليل، فكانت تلك أول تجربة اعتقال لي من قبل الشرطة الفرنسية الإستعمارية بصمتني وفتحت أسئلة كثيرة في ذهني حول المقاومة والإستعمار وأنا طفل في الحادي عشرة من عمره. شكل الإنتقال إلى المرحلة الثانوية بليسي مولاي يوسف الشهير بالرباط بداية ارتباك غير مسبوق عندي، غيَّرَت من شخصيتي كثيرا. أولا لأن سمعة الثانوية تلك التي تعتبر من أول الثانويات التي بناها الإستعمار بالمغرب تَسْبِقُها، كونها ظلت تضم فريقا من الأساتذة فطاحلةٌ في مجالات تخصصهم، منهم من كان حاصلا على الدكتوراه أو كان مبرزا. ثانيا لأنه كانت تُصْنَعُ بها النخبة المغربية الجديدة في علاقة مع سوق الشغل خاصة في مجال الترجمة وباقي مجالات الوظيف الإداري الجديد حينها على المغاربة. ثالثا لأن ذلك الإنتقال إليها قد تزامن مع حدث اعتقال والدي وإيداعه السجن مع الوطنيين سنة 1952. ثم أخيرا أنه بسبب سياسة تدبيرية تربوية فرنسية استعمارية، تتأسس على خطة ليوطي في المحافظة على الخصوصيات المحلية، كانت إدارة الثانوية تخصص أقساما ثانوية إعدادية للتلاميذ الرباطيين وتخصص أقساما أخرى للتلاميذ السلاويين. بالتالي كما سبق وأشرتُ حين كان أحد تلك الأقسام لا يستوفي العدد الكافي من التلاميذ يتم تطعيمه بتلاميذ من هذه الجهة أو تلك. حيث وجدتُني كثيرا ما أُكْمِلُ قسما من أقسام التلاميذ السلاويين، الأمر الذي جعلني عمليا أرتبط بالفضاء السلاوي أكثر وانسلخت عمليا عن الفضاء الرباطي. دون إغفال انفتاحنا ونحن لا نزال بعد فتية على ثقافة تلاميذ مغاربة جدد داخليين قادمين من مختلف مناطق المغرب من زعير ومنطقة الغرب والأمازيغ، وكذا تلاميذ جزائريين قبل اندلاع الثورة الجزائرية سنة 1954. كل هذه المعطيات ستؤثر على الفتى الذي كنته حينها، كان لها انعكاس على سلوكي اليومي كنوع من المقاومة لاستحقاق مكان لي ضمن ذلك الفضاء العمومي الجديد. مثلما كانت له انعكاسات على مستواي الدراسي، جعلني أدخل مرحلة محاسبة مع ذاتي شحذت داخلي بسرعة قرار تجاوز عثراتي والإنتصار عليها والتصالح مع فضائي الجديد ذاك. كنت عمليا قد ولجت إلى مرحلة جديدة لإعادة التربية سلوكيا باستقلال عن المنظومة التربوية التي تشربتها ضمن فضاء العائلة، ليس بمعنى القطيعة أو التجاوز بل بمعنى النضج والوعي بالأشياء بشكل مختلف وجديد، حيث كان ذلك عنصر غنى لي. تجدر الإشارة إلى أن الحارس العام لتلك الداخلية حينها شاب إسمه عبد الواحد الراضي (الذي أصبح كاتبا أول لحزب الإتحادالإشتراكي للقوات الشعبية في ما بعد ورئيسا للبرلمان المغربي ورفيق نضال سياسي طويل).

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store