
الأوراق الساخنة لمذكرات فتح الله ولعلو (1): عندما اعتقلت بسبب جثة شخص مقتول بالرصاص
تعززت الخزانة الوطنية قبل أيام بمولود جديد عبارة عن مذكرات أصدرها الوزير والقيادي الاتحادي السابق فتح الله ولعلو، طافحة بالعديد من الأحداث التي عاشها خلال مساره السياسي والأكاديمي على عهد ملكين، الملك الراحل الحسن الثاني ووارث عرشه الملك محمد السادس.
هي مذكرات رجل استثنائي، كان لعقود واجهة الاتحاد الاشتراكي البرلمانية، التي ظلت تهز الرأي العام المتعطش للديمقراطية والعدالة الاجتماعية. كان فتح الله ولعلو خطيبا مفوها شاء القدر أن تتطابق قدراته البرلمانية مع الوزن السياسي لحزب القوات الشعبية. هذه هي الصورة التي يحفظها جيلان على الأقل عن هذا الرباطي ذي الملامح الطفولية، وهي مغايرة نسبيا للصورة التي خلفها الرجل نفسه وهو أول وزير للمالية في حكومة التناوب سنة 1998.
وإضافة إلى أنه اقتصادي بارز وثاني مغربي يحصل على الدكتوراه من باريس في هذا التخصص بعد الراحل عزيز بلال، فإن من سيقرأ مذكراته التي نزلت يوم الخميس 24 أبريل في المعرض الدولي للكتاب بالرباط، سيكتشف رجلا آخر، وسيخلق بالتأكيد حميمية مع رجل لا يمكن أن تميز في سيرته بين ما هو خاص وما هو عام، بين حياته ونضاله. وربما لهذا أعطى هذه المذكرات عنوان «زمن مغربي» وهو يرجح العام على الخاص وهذا مفهوم عموما، ولكنه سيفهم أكثر عندما يبحر القارئ في الصفحات الطويلة والغنية في مجلدين بالتمام والكمال.
يبدأ ولعلو مذكراته منذ الولادة حين تزوج والده بنعيسى ولعلو بنت خاله غيثة الجزولي، وسكن دار أبيها بالسويقة في المدينة القديمة بالرباط، ليفتح عينيه في أسرة ليست أرستقراطية ولكنها أسرة «عمل وكد واجتهاد» كما يصفها. وأما عن جده من والده، فيقول إنه كان بائع خضر صغيرا قرب زنقة القناصل، ولكن من بيت جده لأمه مصطفى الجزولي سيبني ولعلو كل عالمه في بيت كبير سيتحول إلى قبلة للوطنيين إلى أن يقرر والده الرحل إلى حي العكاري ويواصل الفتى دراسته وينخرط في العمل النضالي.
المذكرات طويلة جدا، ونحن هنا سنقوم بانتقاء، هو على أية حال تعسفي، وما نتمناه أن يكون هذا التعسف مهنيا نابها. وأن نقرب القارئ من حياة هذه الشخصية المغربية الوازنة وهي تقدم روايتها للتاريخ بمرافقة الزميل لحسن العسيبي، الذي أعد المذكرات للنشر، وخصنا بهذا السبق، فشكرا على ثقة الرجلين.
وهذه هي الصفحات الساخنة التي ارتأت الأيام نشرها:
كنت أبيع الدلاح والبطيخ في عطلي الصيفية
توفي جدي من والدتي في نفس فترة انتقالنا إلى حي العكاري مما جعل والدي يستقل طبيعيا بتجارته، خاصة بعد أن تم بيع متجر جدي من قبل الورثة. الأمر الذي جعله يفتتح محلا تجاريا جديدا للمواد الغدائية قرب الجوطية بالعكاري يساعده فيه الشاب الأمازيغي من تمنار الذي حكيت عنه من قبل الذي كان قريبا من العائلة بل جزء منها. ثم أن يفتتح أيضا دوشا عصريا جديدا (إضافة إلى دوش المدينة القديمة) وإلى جانبه مباشرة دكانان صغيران.
كان الدكان الأول منهما مخصصا لبيع الملابس النسائية والعطور. حيث كنت في كل عطلة دراسية (خاصة العطلة الصيفية) أعمل في ذلك الدكان، مما مكنني باكرا أن أحتك بنساء الحي تجاريا وفطنت لتقنياتهن في الشراء، الأمر الذي شحذ عندي باكرا واجب الإنتباه إلى علاقة السوق بالقدرة الشرائية. كانت أغلب أولئك النسوة محجبات وأدركت باكرا طبيعة تفكيرهن اجتماعيا بالمعنى الذي يعني غلبة الرؤية للذات من داخل منظومة قيمية تقليدية بدوية وفلاحية. مما أذكره أن من زبائننا آنذاك شابة من الحي ستصبح فيما بعد ممثلة شهيرة هي الفنانة فاطمة الركراكي رحمها الله. بينما كان الزبناء الذين يثيرون فضولي وأنا ما أزال فتى في ما بين الحادية عشرة والرابعة عشرة من عمري هم الجنود السينغاليون، الذين كانوا يشترون كل يوم أحدٍ العطور (خاصة نوع «ريفدور» الذي ما زلت أذكر ثمنه وهو درهمان وعشرين سنتيما). كانوا يأتون جماعات من الثكنة العسكرية «غارنيي» حيث يقيمون التي تحولت في ما بعد إلى الحي الجامعي مولاي اسماعيل بحي المحيط، فاكتشفت من خلالهم تقاليد سلوكية لشعوب إفريقية مختلفة عن تقاليدنا، ساهمت في توسيع مداركي وتجاربي في الحياة ومكنني ذلك الإحتكاك أن أطرح أسئلة باكرا حول ثقافة الشعوب الإفريقية، الأمر الذي أغناني معرفيا وجعلني أصدر دوما عن أحكام نسبية غير إطلاقية في الرؤية إلى الآخرين بمختلف ثقافاتهم.
فيما كان الدكان الثاني يخصصه والدي في فصل الصيف لبيع فاكهتي البطيخ الأصفر والبطيخ الأخضر (الدلاح)، كنت أقضي به أيضا أوقاتا كثيرة للمساعدة في عمليات البيع. حيث كنا نأتي بتلك الفاكهة الصيفية من نواحي مدينة فاس بواسطة شاحنة والدي، التي وظف في ما بعد سائقا مساعدا له كان جنديا مغربيا سابقا عائدا من حرب الفيتنام شهد هزيمة فرنسا في معركة ديان بيان فو الشهيرة في 7 ماي سنة 1954. من خلاله سأعرف باكرا تفاصيل مدققة عن تلك المعركة ساهمت في زيادة تفتح وعيي السياسي ببعد دولي.
عندما اعتقلت بسبب جثة شخص مقتول بالرصاص
كنا مرة عائدين ثلاثتنا أنا والمساعد حماد والجندي السائق من منطقة الكاموني حاملين الخشب لدوش جدي بالمدينة القديمة وولجنا عبر الباب الجديد، وما أن بلغنا أمام فندق أروبي يقطنه فرنسيون إسمه «فندق فرنسا» (لا يزال موجودا إلى اليوم) على بعد عشرين مترا من الحمام، حتى وجدنا جثة مغربي مرمية على الأرض في حوالي السابعة مساء مقتولا بالرصاص. أدركتُ مباشرة أنه أحد الخونة تمت تصفيته من قبل رجال المقاومة. كانت تلك أول مرة في حياتي أرى فيها جثة رجل مقتول، بل أكثر من ذلك اعتقلتنا الشرطة لأننا الوحيدون الذين كنا واقفين هناك حينها، قبل أن يتدخل نزلاء الفندق من الفرنسيين الذين شهدوا لصالحنا أننا وصلنا بعد عملية التصفية. رغم ذلك بقينا معتقلين حتى منتصف الليل، فكانت تلك أول تجربة اعتقال لي من قبل الشرطة الفرنسية الإستعمارية بصمتني وفتحت أسئلة كثيرة في ذهني حول المقاومة والإستعمار وأنا طفل في الحادي عشرة من عمره.
شكل الإنتقال إلى المرحلة الثانوية بليسي مولاي يوسف الشهير بالرباط بداية ارتباك غير مسبوق عندي، غيَّرَت من شخصيتي كثيرا. أولا لأن سمعة الثانوية تلك التي تعتبر من أول الثانويات التي بناها الإستعمار بالمغرب تَسْبِقُها، كونها ظلت تضم فريقا من الأساتذة فطاحلةٌ في مجالات تخصصهم، منهم من كان حاصلا على الدكتوراه أو كان مبرزا. ثانيا لأنه كانت تُصْنَعُ بها النخبة المغربية الجديدة في علاقة مع سوق الشغل خاصة في مجال الترجمة وباقي مجالات الوظيف الإداري الجديد حينها على المغاربة. ثالثا لأن ذلك الإنتقال إليها قد تزامن مع حدث اعتقال والدي وإيداعه السجن مع الوطنيين سنة 1952. ثم أخيرا أنه بسبب سياسة تدبيرية تربوية فرنسية استعمارية، تتأسس على خطة ليوطي في المحافظة على الخصوصيات المحلية، كانت إدارة الثانوية تخصص أقساما ثانوية إعدادية للتلاميذ الرباطيين وتخصص أقساما أخرى للتلاميذ السلاويين. بالتالي كما سبق وأشرتُ حين كان أحد تلك الأقسام لا يستوفي العدد الكافي من التلاميذ يتم تطعيمه بتلاميذ من هذه الجهة أو تلك. حيث وجدتُني كثيرا ما أُكْمِلُ قسما من أقسام التلاميذ السلاويين، الأمر الذي جعلني عمليا أرتبط بالفضاء السلاوي أكثر وانسلخت عمليا عن الفضاء الرباطي. دون إغفال انفتاحنا ونحن لا نزال بعد فتية على ثقافة تلاميذ مغاربة جدد داخليين قادمين من مختلف مناطق المغرب من زعير ومنطقة الغرب والأمازيغ، وكذا تلاميذ جزائريين قبل اندلاع الثورة الجزائرية سنة 1954.
كل هذه المعطيات ستؤثر على الفتى الذي كنته حينها، كان لها انعكاس على سلوكي اليومي كنوع من المقاومة لاستحقاق مكان لي ضمن ذلك الفضاء العمومي الجديد. مثلما كانت له انعكاسات على مستواي الدراسي، جعلني أدخل مرحلة محاسبة مع ذاتي شحذت داخلي بسرعة قرار تجاوز عثراتي والإنتصار عليها والتصالح مع فضائي الجديد ذاك. كنت عمليا قد ولجت إلى مرحلة جديدة لإعادة التربية سلوكيا باستقلال عن المنظومة التربوية التي تشربتها ضمن فضاء العائلة، ليس بمعنى القطيعة أو التجاوز بل بمعنى النضج والوعي بالأشياء بشكل مختلف وجديد، حيث كان ذلك عنصر غنى لي.
تجدر الإشارة إلى أن الحارس العام لتلك الداخلية حينها شاب إسمه عبد الواحد الراضي (الذي أصبح كاتبا أول لحزب الإتحادالإشتراكي للقوات الشعبية في ما بعد ورئيسا للبرلمان المغربي ورفيق نضال سياسي طويل).

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مراكش الآن
منذ ساعة واحدة
- مراكش الآن
الاستقلالي يونس أبوسكسو يعدد مناقب اعبودو مندوب فرع تامنصورت لمنظمة الكشاف المغربي في حفل تأبينه بمراكش
شهدت مدينة مراكش، اليوم الأحد، تنظيم حفل تأبيني للراحل مصطفى اعبودو، مندوب فرع تامنصورت لمنظمة الكشاف المغربي، وأحد رموز النضال والعمل الجمعوي والحزبي على صعيد جهة مراكش-آسفي، بحضور أسرته الصغيرة، وعدد من مناضلي حزب الاستقلال، ورفاقه في منظمة الكشاف، وجمع من أصدقائه ومحبيه. وفي كلمة مؤثرة خلال هذا الحفل، ألقى الأستاذ يونس أبوسكسو، أحد الوجوه البارزة في حزب الاستقلال، كلمة رثى فيها الفقيد معدداً خصاله الحميدة ومناقبه الوطنية والنضالية، مؤكداً أن الراحل 'كان من بين المناضلين الذين خلد التاريخ أسماءهم محلياً ووطنياً، لما قدمه من تضحيات في خدمة الحزب والوطن، متمسكاً بقيم الاستقامة والنزاهة طوال مسيرته الحياتية والمهنية'. وأشار أبوسكسو إلى أن الفقيد مصطفى اعبودو بدأ مساره منذ نعومة أظافره، من خلال انخراطه في جمعيات تربوية وتنظيمات شبابية مثل الشبيبة المدرسية وجمعية التربية والتنمية، قبل أن يلتحق بهياكل حزب الاستقلال، حيث تدرج من الخلية المحلية إلى المجلس الوطني للحزب، مبرزاً أن الراحل تحلى في مختلف محطاته بـ'الأخلاق العالية والصبر والتفاني في أداء المسؤولية'. كما توقف المتحدث عند التزام الراحل القوي بقيم الكشاف المغربي، مؤكداً أن مصطفى اعبودو 'تشبع بروح خدمة الوطن والغير، وكان دائم الاستعداد لنصرة الضعفاء والوقوف بجانبهم'، مستحضراً في هذا السياق مبادئ حزب الاستقلال المستلهمة من العقيدة الوطنية والفكر الإصلاحي لعلال الفاسي. وأضاف الأستاذ أبوسكسو أن الفقيد 'ظل وفياً لمبادئه إلى آخر لحظات حياته، رغم معاناته مع المرض، حيث أصر على التشبث بالأمل في الشفاء ليواصل عطاءه في الحقل الجمعوي والخيري'، مشدداً على أن وفاته 'خسارة كبيرة لكل من عرفه ورافقه في مساره النضالي والإنساني'. واختتم كلمته بالدعاء للراحل بالرحمة والمغفرة، سائلاً الله أن يسكنه فسيح جنانه، وأن يلهم أسرته الصغيرة ورفاقه الصبر والسلوان، مؤكداً أن الراحل ترك وراءه 'ذرية صالحة وسيرة عطرة ستبقى خالدة في ذاكرة المدينة'.


أخبارنا
منذ 3 ساعات
- أخبارنا
عبدالإله بنكيران وأحمد الشرع، إسلاميان بمواقف متضاربة
إنهما يرضعان من عقيدة واحدة ويستنيران، كما يزعمون، من شرع الله. فأحمد الشرع الذي طرد بشار الأسد ليتولى زمام الحكم في سوريا جاء لينقذ بلاده وليعبر عن وطنيته وأن سوريا بالنسبة له فوق جميع القضايا أيا كانت أهميتها. أما السيد عبد الإله بنكيران فهو على النقيض من ذلك يريد أن يقلب المعادلة بتغليب القضايا الإقليمية أو كما يسميها بقضايا الأمة الإسلامية ولا يضيره الأمر في شيء ولو كان ذلك على حساب الوطن. وبالمختصر المفيد فإن أحمد الشرع رجل وطني ولو أنه حديث العهد بالسياسة وأظهر حسا وطنيا من خلال سياسة برغماتية، فيما السيد بنكيران يبدو أنه رجل من طينة أخرى يمتهن الشعبوية في أوضح تجلياتها، يمارس السياسة باسم الدين ويسخر العقيدة لخدمة مخططاته السياسوية التي لا تلتقي مع الانشغالات الوطنية بل يشوش عليها. وأحكامنا في هذا الصدد لا نطلقها على عواهنها بل نقيم الحجة في ذلك على المواقف التي أظهرها الرجلان في الآونة الأخيرة والتي تعبر بالوضوح عن من هو قلبه وعقله على وطنه ومن هو الذي انشغل وينشغل بأهدافه بابتزاز ومساومة الدولة تحت غطاء الدفاع عن قضايا الغير واتخاذها مطية لدغدغة مشاعر الأبرياء والسدج من عامة الناس. المقارنة بين الرجلين تستند على الوقائع ولا علاقة لها بالتحامل على طرف دون غيره. والأحداث هنا تتحدث عن نفسها. السيد أحمد الشرع بصفته رئيسا للجمهورية السورية أظهر حرصا شديدا على إنقاذ بلده بإخراجه من العزلة الإقليمية والدولية مبتعدا في ذلك عن الحسابات العقائدية والإقليمية على مستوى العلاقات الخارجية التي لا تجدي بقدر ما هي مضرة. وبالفعل من منطلق حسه الوطني حرص على أن يتواصل مع كل الأطراف التي كانت تقاطع سوريا سواء على مستوى دول المنطقة أو على مستوى دول وازنة ومؤثرة في العلاقات الدولية. في إطار هذا الانفتاح على الجميع، حظي الرئيس أحمد الشرع باستقبال في قصر الإليزيه من طرف الرئيس الفرنسي "إمانويل ماكرون" وقد شكلت تلك الزيارة حدثا استثنائيا لا نظير له أو قلما نشاهد فيه رجلا بحمولة إسلامية يكون موضع ترحاب في باريس عاصمة الأنوار ورمز الحرية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مفهومه الغربي لقرون خلت. كل ذلك لم يثن السيد أحمد الشرع ولم ينل منه ولو قيد أنملة من عزيمته وإراداته في إتمام تلك الزيارة وتحقيق الأهداف المتوخاة. كما لم تقف قناعاته الدينية حجر عثرة أمام تطلعاته السياسية وتحقيق ما يريده الشعب السوري من مصالحة تاريخية مع العالم الخارجي. أما السيد عبدالإله بنكيران الذي خبر السياسة من موقع المسؤولية هو وحزبه على مدى عشر سنوات فقد كانت له مواقف أخرى وكان له رأي آخر تجاه الرئيس الفرنسي "إمانويل ماكرون" وهو الحليف الاستراتيجي للمغرب. فالرجل تهجم بكل وقاحة على رئيس دولة ووصفه بأقدح النعوت والصفات، وليس أي رئيس دولة بل هو الرئيس الذي ألقى خطابا أمام ممثلي الشعب المغربي بمقر مجلس النواب. إنه خطاب تاريخي أعلن فيه عن الاعتراف بمغربية الصحراء وبممارسة المغرب لسيادته في حاضرها ومستقبلها. وهذا الاعتراف له وقعه وتأثيره اليوم وفي وقت لاحق على مواقف دول أخرى التي ستتفاعل بشكل إيجابي مع الموقف الفرنسي. ومن المفارقة بينه وبين الرئيس السوري، وهي أن عبدالإله بنكيران بنى تهجمه على الرئيس الفرنسي على طائلة أن هذا الأخير لم يعلن عن اعترافه بالدولة الفلسطينية وكأن اعتراف "ماكرون" بمغربية الصحراء يظل ناقصا من غير الاعتراف بالكيان الفلسطيني. فيما الرئيس أحمد الشرع لم يربط علاقة سوريا مع فرنسا أو زيارته لباريس بالقضية الفلسطينية ومضى غير ملتفت وراءه في ما قد يعود على سوريا وشعبها بالنفع إيمانا منه أن دمشق أولى من غزة. فعلى السيد بنكيران أن يتعلم الدرس ويستوعب الرسائل من هذه المواقف المشرقية. فهم دهاة في السياسة على عكس السذاجة والبلادة كما هو حال البعض منا. ولا بأس من التذكير في هذا الصدد أنه بعد مؤتمر مدريد عام 1991 تشكل وفد عربي للتفاوض مع الجانب الإسرائيلي كفريق واحد لتنسيق المواقف، لكن الفلسطينيين الذين لم تكن تعنيهم لا الجولان ولا جنوب لبنان، تركوا الجانب العربي يتفاوض في نيويورك وذهبوا خلسة إلى أوسلو للتفاوض مع إسرائيل في غفلة من الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد. هذه هي العقلية السائدة في المشرق العربي عند الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين وهم يفهمون بعضهم البعض، أما نحن فلسنا أمامهم سوى سذجا. وما يبديه اليوم الرئيس أحمد الشرع من مواقف فهي ترجمة لتلك العقلية البرغماتية التي لا يفهمها السيد عبدالإله بنكيران أو أنه يتعامى عنها بعد أن أعمته مصالحه الضيقة. وكذلك ظهر التباين جليا بين الرجلين. فالرئيس السوري أحمد الشرع تحرر من الأغلال العقائدية وطغت عليه برغماتيته ليسارع إلى وضع يده في يد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتنسيق سعودي وعلى أرض المملكة. ولم تتملك الرجل ولو لحظة واحدة مشاعر الطيش ولا عنتريات الأعراب بأن الرجل الذي استقبله هو صاحب مشروع إخلاء غزة من ميلشيات حماس. السيد أحمد الشرع لم يكلف نفسه الدخول في حسابات خاسرة أمام ما قد حصل عليه من نتائج مبهرة أهمها رفع العقوبات عن سوريا وفك العزلة عنها إقليميا ودوليا. لقد عانت سوريا وحدها ما عانته بسبب ما يسمى بالمواقف القومية وبسبب احتضانها لفصائل فلسطينية كانت أول من حارب الشعب السوري بمؤازرة انفصاليي البوليساريو دفاعا على نظام آل الأسد. إذن أين هو عبدالإله بنكيران من هذه المواقف التي لا يتردد فيه رجل له نفس القناعات والمرجعيات الدينية. ليس المطلوب من السيد عبد الإله بنكيران أن يتماثل مع هذه المواقف كأمين عام لحزب العدالة والتنمية. فهو ليس في مستوى هذا المطلوب ولا في موقع المسؤولية ولن يتأتى له ذلك. بل المطلوب منه أن يخجل من نفسه وأن يتوقف عن التشويش. فله العبرة في هذا الذي يتقاسم معه العقيدة السيد أحمد الشرع، وله العبرة كذلك في الرئيس التركي الطيب رجب أردوغان الذي له علاقات دبلوماسية مع إسرائيل على مستوى السفارات كما له تأثير كبير في الدفع بسوريا الحالية إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وغدا لناظره قريب، ومنهم السيد بنكيران بعد أن جن جنونه وحمله الهذيان في شوارع الدار البيضاء والرباط ينشد أغنية وقف التطبيع شأنه في ذلك شأن "الكراب" الذي يقرع ناقوسا أخرس ليبيع الماء في السوق لغير العطشان. حزب العدالة والتنمية مدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة النظر في الحسابات التي كانت تخص السيد عبدالإله بنكيران وحده بعد أن أصر على إبعاد خصومه من القيادات الوازنة القادرة على إعادة التوازن والمصداقية للحزب. ولذلك، فإن حسابات بنكيران هي حسابات شخصية هدفها رفع التحدي في وجه الدولة وهي بالتالي لن تكون في صالح الحزب الذي يتطلع إلى أن يكون له حضور قوي في الاستحقاق الانتخابي المقبل. فشعبوية بنكيران لن تفي بالغرض.


أخبارنا
منذ 3 ساعات
- أخبارنا
إذاعة محمد السادس رؤية ملكية متبصرة لمكافحة التطرف والإرهاب
تميزت المملكة المغربية عن باقي دول العالم في محاربتها للتطرف والإرهاب، بفضل القيادة الملكية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بجهود كبيرة، وبمقاربة استباقية متعددة الأبعاد في مجال مكافحة التطرف والإرهاب، وتعتبر المملكة المغربية نموذج يحتذى به بالنسبة إلى باقي الدول العربية والدولية، في مجال مكافحة التطرف والإرهاب، ولم تتوقف المملكة المغربية عند حدود الردع الزجري، بل أيقنت المملكة على أن اقتلاع جذور الإرهاب يتطلب مقاربة جادة مشتركة شاملة، تجمع بين المؤسسات الأمنية والاهتمام بالبعد السوسيو- اقتصادي والتعاون الدولي، وتأهيل الحقل التربوي والديني...، هذا الأخير الذي شهد بدوره العديد من التحولات والإصلاحات الهيكلية المهمة، والتي تروم إلى نشر وتعزيز الوسطية والاعتدال، وقيم التسامح والتوازن بين الثوابت الدينية ومتطلبات العصر، وحماية ممارسة الشعائر والعبادات، وتنظيم الفتاوى. "لقد كان إطلاق قناة محمد السادس للقرآن الكريم، نابع من رؤية ملكية متبصرة لأمير المؤمنين"، للدور الكبير الذي تعلبه وسائل الإعلام في الإرشاد الديني ونشر تعاليم الدين الإسلامي السمحة، ومحاربة الفكر المتطرف واقتلاع جذوره، وأن محاربة الفكر المتطرف لا يقتصر على المقاربة القانونية والأمنية والقضائية فقط، ولكن هي مقاربة تستلزم تظافر كل الجهود. سموم فكرية متشددة منحرفة ضالة تهدد نظام القيم وأنماط السلوك بالمجتمع، من خلال نشر الفهم الخاطئ لتعاليم الدين الإسلامي، حيث يتعرض العديد من الأفراد لغسيل الدماغ، مما يهدد معه عالم يروم أفراده لنشر السلم والسلام، والأمن والطمأنينة. على مر السنوات، حظيت المقاربة المغربية الشاملة والمندمجة لمكافحة الفكر المتطرف والإرهاب، بإشادة دولية واسعة، تبوئه مكانة ريادية على الصعيدين الإقليمي والدولي في هذا المجال، وكما سبق الذكر أن المقاربة المغربية الاستباقية، جعلت من المملكة المغربية متميزة في تعاطيها مع الفكر المتطرف والإرهاب، هي رؤية وقائية استباقية نهجتها المملكة، ولعل إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم ساهمت بشكل فعال في محاربة الفكر المتطرف، من خلال نشر التفسيرات الدينية الصحيحة، في وقت شهد فيه المغرب قيام العديد من الأفراد ممن يحملون الفكر المتطرف المتشدد بنشر سمومهم داخل المجتمع. "سنة 2004 الأحداث الإرهابية ذاكرة جماعية مشتركة بين جميع المغاربة"، تأسيس إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم في 2 رمضان 1425 _ موافق 16 أكتوبر من نفس السنة، رؤية ملكية متبصرة حكيمة، لوقف ووضع حد للامتداد الفكر المتطرف، من خلال نشر التفسيرات المعتدلة للإسلام بما يتماشى مع رغبة المملكة في التحديث والانفتاح، ومنع تنامي التطرف في المساجد والمدارس والجامعات ووسائل الإعلام. جاء اختيار الراديو كوسيلة إعلامية ناجعة، باعتباره أكثر الوسائل الإعلامية المسموعة بين شرائح المجتمع المغربي، وبالتالي كانت الضرورة تستلزم العمل على توسيع دائرة نشر المعلومة الدينية وتعميمها الطريق الأمثل، وقد خلق هذا الاختيار قاعدة جماهيرية عريضة في كل المدن المغربية الكبرى، والمناطق الريفية على حد السواء، علاوة على أن لها متابعين من الجالية المغربية في الخارج، كما أن الإذاعة تبث برامج باللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية، والعديد من القضايا الاجتماعية ذات الصلة بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. "إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، آلية إعلامية ساهمت بشكل فعال في تحقيق الأمن الروحي وتأهيل الحقل الديني بالمغرب"، ومحاربة الفكر المتطرف والارهاب من خلال نشر تعاليم الدين الإسلامي السمح، والدعوة إلى التسامح والانفتاح واحترام الديانات الأخرى. " لقد شكلت إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم قيمة مضافة داخل المشهد السمعي البصري المغربي"، حيث تنوعت أدوارها بين ما هو تربوي وتثقيفي وديني، وساهم تواصل وتفاعل المواطنين المباشر، مع برامج الإذاعة والتي يحضر فيها علماء وفقهاء من مختلف المجالس العلمية، من خلال الأسئلة التي يطرحها المستمعين، وسيلة فاعلة وفعالة قطعت الطريق مع العديد من الممارسات التي يعمد فيها البعض إلى إصدار فتاوى، أو الإجابة عن أسئلة دينية بدون الاحتكام إلى أساس ديني صحيح، وبذلك ساهم هذا التواصل المباشر مع المواطنين، في نشر وتثبيت العقيدة الصحيحة، والإجابة عن استفسارات المواطنين المختلفة وتوعيتهم، "هي بوصلة شرعية صحيحة توجه الأفراد نحو الدين الإسلامي الحق السمح، دين وسطية واعتدال". إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، منذ نشأتها، وهي تعمل على تطوير شبكة برامجها لتخدم اهتمامات المستمعين وحاجاتهم في التوعية الدينية والصحية والاجتماعية، كما أن الإذاعة ومن خلال العديد من البرامج تناولت قضايا الشباب الراهن بأسلوب وسطي معتدل، ناصح ميسر. إن نموذج المملكة المغربية في مجال التدبير والتأطير الديني هذا، والذي يعتمد على استغلال وسائل الإعلام من أجل محاربة الفكر المتطرف والإرهاب، أصبح مرجعًا عالميًا في التسيير الديني الرشيد الميسر، ومكافحة الفكر المتطرف والإرهاب، والذي تسهر من خلاله المملكة على نشر العقيدة الصحيحة، والخطاب الديني الهادئ بما يضمن تحقيق الاستقرار والأمن الروحي، وهذا ما يعكس الإقبال المتزايد على الاستماع للإذاعة من طرف المواطنين. "حضور قوي للمرأة العالمة داخل إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم"، جاء تكريس انخراط المرأة داخل الحقل الديني من خلال الخطاب الملكي الثاني بتاريخ 30 أبريل 2004. مقتطف من الخطاب الملكي السامي بتاريخ 30 أبريل 2004 "وإدراكا من جلالتنا بأن هذا الركن المؤسسي، لا يمكن أن يستقيم إلا بتعزيزه بالركن التأطيري الفعال، فإننا قد وضعنا طابعنا الشريف، على ظهائر تعيين أعضاء المجالس العلمية، في تركيبتها الجديدة، مكلفين وزيرنا في الأوقاف والشؤون الإسلامية بتنصيبها، لتقوم من خلال انتشارها عبر التراب الوطني، بتدبير الشأن الديني عن قرب، وذلك بتشكيلها من علماء، مشهود لهم بالإخلاص لثوابت الأمة ومقدساتها، والجمع بين فقه الدين والانفتاح على قضايا العصر، حاثين إياهم على الإصغاء إلى المواطنين، ولا سيما الشباب منهم، بما يحمي عقيدتهم وعقولهم من الضالين المضلين، حريصين على إشراك المرأة المتفقهة في هذه المجالس، إنصافا لها، ومساواة مع شقيقها الرجل". الحرص المولي السامي، بإشراك المرأة العالمة في تأهيل الحقل الديني في شقه الإعلامي، هو حرص على إنصاف المرأة واعتراف بمكانتها داخل المجتمع، وبالأدوار المهمة التي تقوم بها، فقد أثبتت المرأة العالمة المغربية إعلاميا قدرتها واستحقاقها للأمانة التي أناطها بها أمير المؤمنين، في تأهيل المجتمع دينيا وتربويا ودعويا. إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، منشأة إعلامية كان لها الفضل الكبير، في ترسيخ العقيدة الصحيحة لدى العديد من المواطنين، وضمان تحقيق الاستقرار والأمن الروحي، ومحاربة الفكر المتطرف والإرهاب، في فترة حرجة عاشتها المملكة المغربية، وبرزت هذه المنشأة الإعلامية وفق رؤية ملكية متبصرة، وتعد مكسبا ثقافيا وإعلاميا، ونموذجا يحتذى به في محاربة الفكر المتطرف والإرهاب قاريا ودوليا يوسف بنشهيبة باحث في العلوم الجنائية والأمنية