منذ 9 ساعات
جامعات بريطانيا وحرية التعبير
الأسبوع الذي شغل الرأي العام البريطاني كحرب إيران وإسرائيل، ونقل طائرات مقاتلة بريطانية إلى الشرق الأوسط، انتهى بتسلل محتجين من شبكة «العمل من أجل فلسطين» إلى قاعدة للقوات الجوية وتعطيلهم نفاثتين برشّ الطلاء في المحركات «كفعل مباشر لكسر حلقة في سلسلة القهر»، بعد اتهام الجماعة بريطانيا بالمشاركة في «جرائم الحرب في غزة والشرق الأوسط».
طالب كثيرون بتطبيق القانون الجنائي ضدهم، ودافع يساريون بأن القانون يكفل حرية التعبير الاحتجاجي. المفارقة أن اليساريين أنفسهم يحتجون على قانون التعليم العالي لعام 2023، الذي يبدأ تنفيذه بعد 6 أسابيع، لأنه يلزم كلَّ المؤسسات الأكاديمية اتخاذَ الإجراءات المطلوبة لحماية حرية التعبير. ويذكر قراؤنا ما سمَّيناه بظاهرة «اللامنبرة» بضغوط الجماعات والتيارات اليسارية الراديكالية بين صفوف الطلاب، التي ترغم إدارة الجامعة على فرض «رقابة» على محاضرين، أو إلغاء محاضرات لزائرين متخصصين، لأنهم عبروا عن آراء، لا علاقة لها بموضوع المحاضرة، بل عدّ اليساريون آراءهم مخالفة لما يعتقدون أنه صوابٌ سياسيٌ واجتماعيٌ وثقافيٌ.
في نهاية الأسبوع أصدر «مكتب الطلاب» (الهيئة العامة المستقلة التي تنظم العمل والنشاط في التعليم العالي) لائحة جديدة استعداداً لبداية العمل بقانون 2023 لحماية حرية التعبير والبحث والنشاط الأكاديمي في الجامعات. اللائحة تطالب الدارسين الطلاب الملتحقين بالجامعات الاستعداد لمشاهدة وسماع ما قد يخالفهم الرأي ويناقض ما ألفوه، وما قد يجدونه مهيناً أو صادماً لثقافتهم السائدة. فتلقي صدمة ثقافية أو الاطلاع على ما يخالف معتقداتهم، ومناقشة الرأي المخالف مهما بدا غريباً أو مهيناً أو معاكساً لما شبّوا عليه أو ما يعتقدون أنه صواب، هي «مرحلة لا تنفصل عن مناهج التعليم الجامعي وتطوير التفكير» في قول عارف محيي الدين أحمد، مدير لجنة حرية التعبير والحرية الأكاديمية في مكتب الطلاب، ومن المدافعين عن حرية التعبير في الجامعات.
وكان الاتحاد العام للطلاب احتج بأن القانون الجديد قد يؤدي الي «تهميش الأقليات» أو ترويج ما يسيء إلى معتقداتهم.
لكن محيي الدين أحمد، وهو خريج أكسفورد وله كتب في الفلسفة، وكان زميلاً، ثم بروفسور للفلسفة في كامبريدج، يرى أن حرية التعبير ودراسة المعارف، التي توسع الأفق بدراسة المخالف للمعتقدات السائدة، من أهم الخطوات لاحتضان الأقليات المهمشة وتطوير ثقتها في التعبير حتى بما يعارض الأغلبية.
وكانت الأكاديمية كاثلين ستوك تركت منصبها كبروفسورة للفلسفة في جامعة ساسيكس قبل 4 سنوات بسبب ما تعرضت له من مضايقات من طلاب غاضبين واتهامات بسبب ما عبّرت عنه من آراء تتعارض مع التيار اليساري السائد بين الطلاب في ظواهر اجتماعية، يتبناها اليسار في السنوات الأخيرة. وبعد تحقيق مطول لمكتب الطلاب، وجدت اللجنة أن إدارة الجامعة أخفقت في حماية حرية البحث الأكاديمي وحماية هيئة التدريس من الاضطهاد والمضايقات. وفرضت على الجامعة غرامة 585 ألف جنيه، قبل شهرين، وتنوي الجامعة مقاضاة المكتب.
لكن القانون الجديد سيكون أكثر تحديداً في تحميل إدارات الجامعات مسؤولية مباشرة في حماية حرية التعبير في المحاضرات والنشاطات خارج المقررات الدراسية، وأيضاً في حرية البحث الأكاديمي. لكن النشاط الثقافي الموازي هو ما يثير التعقيدات مع الاتحادات الطلابية اليسارية.
فتزايد نسبة العرقيات، خاصة من حملة الجنسيات المزدوجة من خلفيات وثقافات جديدة نسبياً على الجامعات التقليدية، تواجهها بتحديات جديدة. فنقص ميزانية الجامعات تدفعها للترحيب بالطلاب الأجانب من خارج بريطانيا، ويقاربون 800 ألف (26 في المائة من طلاب الجامعات) يدفعون مصروفات أعلى من زملائهم البريطانيين (أكثر من مليونين و100 ألف)، وهم مصدر دخل يسد عجز الميزانية.
لائحة مكتب الطلاب تتضمن بنوداً خاصة بحماية الطلاب وحماية المؤسسات من الضغوط من جهات خارجية، فمن ناحية هناك حالات لطلاب ينتمون للمؤسسة الحاكمة في بلدان تساهم تبرعاتها في تمويل نشاطات ثقافية وفنية، بجانب مصاريف الدراسة الباهظة. وهناك بلدان لها أعداد من الطلاب، فإذا كان هناك نشاط يثير حساسية هذه البلدان، تخشى الجامعات من تحولهم إلى جامعات بلدان أخرى.