logo
#

أحدث الأخبار مع #الفرنكالأفريقي

الاستعمار الجديد.. الحكاية العجيبة للفرنك الأفريقي
الاستعمار الجديد.. الحكاية العجيبة للفرنك الأفريقي

الجزيرة

time٢٥-٠٣-٢٠٢٥

  • أعمال
  • الجزيرة

الاستعمار الجديد.. الحكاية العجيبة للفرنك الأفريقي

تخيل أن تشترط دولة ما على بلدك إيداع نصف احتياطاته من النقد الأجنبي لديها، مقابل السماح له بإصدار عملة خاصة به. وتخيل أيضًا أن تتحكم هذه الدولة في قيمة عملتك وتمتلك حق النقض (الفيتو) على أسعار صرفها. قد يبدو الأمر أقرب للاحتلال المالي، لكنه واقع تعيشه 14 دولة أفريقية، تودع نصف احتياطاتها لدى فرنسا –القوة الاستعمارية السابقة– التي لا تزال تفرض هيمنتها من خلال عملة تُدعى "الفرنك الأفريقي". ولادة الفرنك الأفريقي أُنشئ الفرنك الأفريقي في ديسمبر/كانون الأول 1945، بمرسوم من الجنرال ديغول ، عقب مصادقة فرنسا على اتفاقية بريتون وودز. ووفقًا لمؤسسة بروكينغز، أصبح الفرنك العملة الرسمية لمستعمرات فرنسا في أفريقيا. ويُستخدم الفرنك الأفريقي اليوم في 14 دولة أفريقية جنوب الصحراء ضمن ما يُعرف بـ"منطقة الفرنك الأفريقي"، وتنقسم إلى منطقتين لكل منهما بنك مركزي: منطقة غرب أفريقيا: وتضم كلا من بنين، وبوركينا فاسو، وكوت ديفوار، وغينيا بيساو، ومالي، والنيجر، والسنغال، وتوغو. وتُشكل "الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا" (WAEMU)، وبنكها المركزي هو البنك المركزي لدول غرب أفريقيا. ويرمز لعملتها بـ"إكس أو إف" (XOF). منطقة وسط أفريقيا: وتضم الكاميرون، وأفريقيا الوسطى، والكونغو، والغابون، وغينيا الاستوائية، وتشاد. تُشكل "الجماعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا" (CEMAC)، وبنكها المركزي هو بنك دول وسط أفريقيا. يرمز لعملتها بـ"إكس إيه إف" (XAF). القيمة والربط بالعملات وتضمن الخزانة الفرنسية سعر صرف ثابتا للفرنك الأفريقي، وتُلزم الدول الأعضاء بإيداع 50% من احتياطاتها من النقد الأجنبي لديها، وفقًا لتقرير بثته قناة "سي إن بي سي". ومنذ إنشائه، رُبط الفرنك بالفرنك الفرنسي بنسبة 1:50، حتى خفضت فرنسا قيمته عام 1994 بنسبة 50%، ليصبح 1:100، مما سبب أزمات اقتصادية واسعة، وفقًا لبروكينغز. وبعد انضمام فرنسا لمنطقة اليورو، رُبط الفرنك بالأخير بسعر صرف ثابت 1 يورو = 655.96 فرنكا أفريقيا، وفقًا لبنك فرنسا. ورغم أن كلتا العملتين منفصلة نظريًا، فإنهما متكافئتان من حيث القيمة. نظام صارم وشروط مُقيّدة وتُدار حسابات النقد الأجنبي من خلال حسابات مفتوحة لدى الخزانة الفرنسية، وتشمل القواعد: طباعة العملات تتم في فرنسا. على البنوك المركزية إيداع 50% من الأصول الأجنبية لدى الخزانة الفرنسية. الحفاظ على "غطاء نقد أجنبي" بنسبة لا تقل عن 20%. فرنسا تحتفظ بحق الفيتو ضد تعديل أسعار الصرف. الاستعمار الجديد وفي دراسة منشورة على منصة "ريسيرتش غيت"، يؤكد الباحثان فيليب لوسو وتريفور هوبر أن الاستقلال السياسي لا يُنهي الاستعمار، ما لم تبنِ الدول قاعدة اقتصادية وسياسية مستقلة. ويُطلق على هذه الحالة اسم "الاستعمار الجديد"، حيث تستمر القوى الاستعمارية السابقة في التحكم بمؤسسات الدول المستقلة. وتشكل دول الفرنك الأفريقي نحو 14% من سكان القارة، وتغطي مساحة 965 ألف ميل مربع، وتسهم بـ12% من الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا، بحسب صندوق النقد الدولي. ووفقًا لمجلة "هارفارد الدولية"، لا تحتفظ هذه الدول إلا بـ30% فقط من احتياطاتها، بعد إيداع 50% في فرنسا و20% للغطاء المالي، مما يؤثر سلبًا على نمو الدخل الفردي ومعدلات الفقر. فرنسا: شراكة أم نفوذ؟ فرنسا الرسمية نادرًا ما تُعلّق على هذا النظام بشكل مباشر، لكنها ترى فيه آلية لضمان استقرار اقتصادي ونقدي في دول تُعاني من هشاشة اقتصادية. كما تقول باريس إن دول الفرنك تستفيد من سعر صرف مستقر وتضخم منخفض مقارنة بجيرانها. غير أن منتقدي النظام يرون في هذه الحجة تبسيطًا يتجاهل أثر القيود النقدية على التنمية، وحرمان الدول من أدوات سيادية أساسية مثل تحديد الفائدة أو إدارة التضخم وفق أولويات محلية. أبرز التأثيرات الاقتصادية السلبية وفقًا لدراسة للبنك الأفريقي للتنمية، فإن أبرز التأثيرات السلبية نتيجة تطبيق هذه السياسات تشمل: فقدان السيادة النقدية: لعدم قدرة الدول على رسم سياسات نقدية مناسبة لظروفها. التعرض لصدمات اقتصادية خارجية: نتيجة ربط الفرنك باليورو. استنزاف الموارد: نتيجة إلزام الإيداع في فرنسا. ضعف التصنيع: بسبب الاعتماد على استيراد السلع النهائية، مما يعوق التنمية. آفاق المستقبل وتواصل فرنسا التحكم بسياسة الفرنك النقدية، بهدف الحفاظ على اقتصادات تابعة تُكمل اقتصادها، كمصادر للمواد الخام وسوق للمنتجات الأوروبية، وفقًا لمنصة "شبكة العدالة الضريبية". بيد أن بعض الدول بدأت التمرد على هذا النظام، وأعلنت بوركينا فاسو ومالي والنيجر نيتها التخلي عن الفرنك، بعد انسحابها من "إيكواس". وقال الرئيس البوركيني إبراهيم تراوري: "أي شيء يُبقينا في حالة عبودية.. سنكسر تلك القيود"، بحسب رويترز. كما صرّح رئيس النيجر عمر عبد الرحمن تياني أن التخلي عن الفرنك "علامة على السيادة"، رغم صعوبة الانتقال التي تتطلب تأسيس بنك مركزي جديد ووضع سياسة نقدية مستقلة بعد عقود من التبعية.

كعكة الموارد والنفوذ.. سباق في أفريقيا وواشنطن تراقب
كعكة الموارد والنفوذ.. سباق في أفريقيا وواشنطن تراقب

العين الإخبارية

time٢١-٠٣-٢٠٢٥

  • أعمال
  • العين الإخبارية

كعكة الموارد والنفوذ.. سباق في أفريقيا وواشنطن تراقب

يوما بعد يوم، تتحول أفريقيا إلى ساحة للتنافس الدولي على النفوذ، خاصة مع تحول النظام العالمي إلى التعددية القطبية. في هذا السياق، وبينما تسعى الولايات المتحدة إلى الحد من النفوذ الصيني عالميًا، تبرز أفريقيا كجبهة استراتيجية بحاجة إلى اهتمام أكبر من واشنطن. إذ سارعت الصين إلى ملء فراغ انسحاب القوات الفرنسية من دول مثل النيجر، وبوركينا فاسو، ومالي، وتشاد، بينما ظلت الولايات المتحدة على الهامش. وتتبنى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موقفًا أكثر تشددًا تجاه بكين، إذ ترى أن تنامي نفوذها في أفريقيا - القارة الغنية بالموارد الطبيعية والأسرع نموًا سكانيًا - يتطلب استجابة أمريكية أكثر فاعلية، وفق مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية. التغلغل الصيني في أفريقيا لا تزال الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا للعام الخامس عشر على التوالي، حيث تجاوزت قيمة التبادل التجاري بينهما 295 مليار دولار في عام 2024، بزيادة 4.8 في المائة عن العام السابق. وفي مجال البناء، استحوذت الشركات الصينية على 31 في المائة من المشاريع الكبرى في القارة، مقارنةً بـ12 في المائة فقط للشركات الغربية، وهو تراجع كبير عن نسبة 85 في المائة التي كانت تتمتع بها الشركات الأمريكية والأوروبية في عام 1990. وتعهد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في قمة منتدى التعاون الصيني-الأفريقي (FOCAC) لعام 2024، بتقديم 51 مليار دولار كقروض واستثمارات ومساعدات للقارة. كما تجاوزت الاستثمارات الصينية المباشرة نظيرتها الأمريكية، حيث ارتفعت من 75 مليون دولار في 2003 إلى 5 مليارات دولار في 2021. السيطرة على الموارد الأفريقية تسعى الصين إلى تأمين موارد أفريقيا لتعزيز موقعها الاقتصادي العالمي. ففي عام 2007، قدمت بكين 5 مليارات دولار لجمهورية الكونغو الديمقراطية لإنشاء بنية تحتية أساسية، ما منحها إمكانية الوصول إلى معادن حيوية مثل الكوبالت، والنحاس، والنيكل، واليورانيوم. وتمتلك الصين الآن معظم مناجم الكوبالت في الكونغو، والتي تحتوي على أكبر احتياطي عالمي لهذه المادة، كما زادت استثماراتها في تعدين النحاس في بوتسوانا وزامبيا، والليثيوم في زيمبابوي ومالي. إضافةً إلى ذلك، تسعى الصين للهيمنة على سلاسل التوريد العالمية من خلال السيطرة على البنية التحتية الأفريقية. فهي تدير أو تشارك في 62 مشروعًا للموانئ في القارة. كما قامت الشركات الصينية ببناء أو تطوير أكثر من 10,000 كيلومتر من السكك الحديدية، و100,000 كيلومتر من الطرق، وأكثر من 80 منشأة طاقة، مما يعزز صورتها الإيجابية لدى الأفارقة. الفارق بين النفوذ الصيني والغربي إحدى أهم ميزات الصين في أفريقيا مقارنة بالدول الغربية هي سياستها المعلنة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية. فبينما تفرض القوى الغربية شروطًا متعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، تركز بكين على المصالح الاقتصادية، مما يجعلها شريكًا مفضلًا للكثير من القادة الأفارقة. ونتيجةً لذلك، تحظى الصين بدعم دبلوماسي قوي من أفريقيا في المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة. تراجع النفوذ الفرنسي ولطالما سعت فرنسا للحفاظ على نفوذها في غرب ووسط أفريقيا عبر سيطرتها على الأنظمة المالية والمواد الخام. ومن خلال الفرنك الأفريقي (CFA)، الذي كان مرتبطًا باليورو، احتفظت باريس بسلطة مالية على 14 دولة أفريقية، حيث أُجبرت هذه الدول حتى عام 2019 على إيداع 50 في المائة من احتياطاتها النقدية في الخزانة الفرنسية، وفق المجلة الأمريكية. غير أن تصاعد المشاعر المناهضة للاستعمار أدى إلى فقدان فرنسا لنفوذها بسرعة. فعلى سبيل المثال، فقدت شركة "أورانو" الفرنسية حقوقها في تعدين اليورانيوم في النيجر بعد الانقلاب العسكري عام 2023. كما تواجه شركات فرنسية كبرى مثل "توتال إنرجي" و"أورانج" تحديات قانونية وخسائر في العقود الحكومية. فرصة واشنطن لم تكن فرنسا الوحيدة التي واجهت ردود فعل سلبية بسبب سياساتها الأفريقية، فقد أدى التدخل البلجيكي بعد الاستعمار في الكونغو ورواندا إلى زيادة النفوذ الصيني في وسط أفريقيا، بينما تواجه الشركات البريطانية انتقادات متزايدة بسبب ممارساتها الاقتصادية. في ظل هذا التراجع الأوروبي، تمتلك الولايات المتحدة فرصةً نادرة لإعادة صياغة سياستها الأفريقية من خلال الاستثمار والتعاون الاقتصادي، بعيدًا عن الإرث الاستعماري الذي أضر بالمصالح الغربية في القارة. ومن خلال اتباع نهج أكثر استباقية، يمكن لواشنطن أن تواجه النفوذ الصيني والروسي وتؤسس شراكات أكثر استدامة مع الدول الأفريقية. aXA6IDE5NC4zOC4yNC43NSA= جزيرة ام اند امز US

الوجود العسكري الفرنسي في أفريقيا: استراتيجية للهيمنة على الموارد الطبيعية في القارة
الوجود العسكري الفرنسي في أفريقيا: استراتيجية للهيمنة على الموارد الطبيعية في القارة

الشروق

time١٤-٠٢-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الشروق

الوجود العسكري الفرنسي في أفريقيا: استراتيجية للهيمنة على الموارد الطبيعية في القارة

في 30 يناير/كانون الثاني، سلم الجيش الفرنسي آخر قواعده العسكرية في تشاد للحكومة التشادية خلال احتفال عسكري في العاصمة نجامينا، منهياً بذلك وجوداً عسكرياً استمر ستين عاماً. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، اعتبر الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي أن الاتفاق العسكري مع فرنسا قد 'عفا عليه الزمن' ولم يُحقق أي فائدة حقيقية لتشاد. وفي سياق تقييم دور فرنسا في مكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل، حيث كانت قد نشرت قواتها في عام 2013، أشار الخبير الأمني المقيم في بنين، سليمان أمزات، إلى أن «تصرفات فرنسا لم تقتصر على فشلها في احتواء عدم الاستقرار، بل ساهمت في انتشاره ضمن مناطق جديدة». كما أضاف حسام حمزة، أستاذ العلوم السياسية في الجزائر للقناة الثالثة التلفزيونية يوم 17 يناير/كانون الثاني: 'إن هذه القوات والعمليات أنشئت في الأصل لمحاربة الإرهاب، وليس للحفاظ على وجود عسكري دائم في المنطقة، ومن الواضح أن الإرهاب أصبح ذريعة ملائمة لفرنسا للحفاظ على نفوذها العسكري في المنطقة» من جهته، أكد باباكار ندياي، الرئيس التنفيذي لشركة 'ناشيونال ريكفري سوسايتي' السنغالية، في مقابلة مع التلفزيون السنغالي يوم 19 يناير/كانون الثاني، أن فرنسا أرسلت قواتها إلى المنطقة لحماية مصالحها الاقتصادية، مشيرًا إلى أن هناك العديد من الشركات الفرنسية الكبرى في غرب أفريقيا، وأن القوات المسلحة الفرنسية تعمل لحماية تلك المصالح. ويؤيده في ذلك إدريس عطية، أستاذ العلوم السياسية بجامعة تبسة، الذي قال في ديسمبر/كانون الأول الماضي إن 'فرنسا تاريخيا صورت الإرهاب باعتباره تهديدا للدول الأفريقية، لكنها تتدخل تحت ستار الدفاع، سعيا وراء مصالحها واستغلال الموارد الأفريقية'. «معظم الأموال الموجودة في محفظتنا تأتي من استغلال أفريقيا على مدى قرون» هذه التصريحات تتوافق مع ما قاله الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك في 2008، حيث كشف عن دور الموارد الأفريقية في تمويل الاقتصاد الفرنسي، مؤكدًا أن معظم الأموال التي استفادت منها فرنسا كانت ناتجة عن استغلال قارة أفريقيا، ولم يأتي هذا التصريح للرئيس الفرنسي السابق إلا بعد أن ترك منصبه آنذاك. ويُقدّر المحلل الجزائري عبد الحكيم بوغيرة أن فرنسا تحصل سنويًا على ما يقرب من 500 مليار دولار من أفريقيا، بفضل السيطرة على موارد اليورانيوم والسوق والنظام المالي. ومن جانبه يؤكد سياكا كوليبالي، أستاذ العلوم السياسية في بوركينا فاسو في تصريح على تلفزيون RTB في السابع من يناير/كانون الثاني، أن فرنسا كانت تستخدم نظامًا اقتصاديًا يعتمد على الشركات الكبرى و الفرنك الأفريقي لتكريس نفوذها في القارة، على الرغم من الادعاء بأنها قد انسحبت عسكريًا من المنطقة. وأضاف «سيبدو ظاهريا أن سحب القواعد العسكرية من ثلاث دول هو نهاية الإمبريالية. ولكن في الواقع، فإن ما تأثر هو جزء بسيط فقط من النظام. إن جوهر النظام يكمن في القطاع الخاص، في الاقتصاد حيث تحتفظ الشركات الكبرى و الفرنك الأفريقي بنفوذها، والتواجد الفرنسي في افريقيا كان بهدف الدفاع عن نظام النهب هذا» وقال حاتم فتح الله، الخبير المعتمد في شركة مراجعة واستشارات دولية، في تصريح لإذاعة تونسية يوم 2 ديسمبر/كانون الأول: 'إن فرنسا تسيطر اليوم على كل الموارد الطبيعية في أفريقيا وتحافظ على هيمنتها الاقتصادية من خلال الفرنك الأفريقي الذي يطبعه البنك المركزي الفرنسي ويسيطر عليه… ولا تستطيع الدول الأفريقية إدارة عملاتها لأن فرنسا تملي عملياتها المالية'. الفرنك الأفريقي هو عملة مشتركة أنشأتها فرنسا في عام 1945 لمستعمراتها. ولا يزال يستخدم في 14 دولة في غرب ووسط أفريقيا. كان الفرنك الأفريقي مرتبطًا في البداية بالفرنك الفرنسي، ثم باليورو. وتضطر البلدان التي تستخدم هذه العملة إلى وضع ما لا يقل عن 50% من احتياطياتها من النقد الأجنبي في حسابات خاصة تخضع لسيطرة الخزانة الفرنسية. بفضل هذا النظام النقدي، تمكنت فرنسا من السيطرة على السياسات المالية لمستعمراتها السابقة. ورغم الخروج من أفريقيا في النصف الثاني من القرن العشرين واستقلال الدول الأفريقية، فإن الشركات الفرنسية تمكنت، نتيجة للاتفاقيات الثنائية، من الوصول إلى مواردها الاستراتيجية، مثل الماس، ومعادن الخام، واليورانيوم، والغاز، والنفط، كما احتفظت فرنسا بحق الأولوية في استغلال جميع الموارد الطبيعية والوصول المتميز إلى العقود الحكومية، كما تم إنشاء شبكة من الاتصالات الشخصية بين القيادة الفرنسية ونخبة المستعمرات الفرنسية السابقة، وقد دعمت باريس الزعماء الموالين لفرنسا في الدول الأفريقية. وبعد حركات الاستقلال في الخمسينيات والسبعينيات من القرن الماضي، انسحبت فرنسا على ما يبدو، لكنها عملت على ضمان بقاء الحكومات الموالية لها في السلطة، وعندما يغيب الأمن في هذه البلدان وتنتشر أعمال الشغب والحركات الإرهابية والثورات الداخلية تعود فرنسا بثقلها العسكري في كثير من الأحيان. وفيما تتنامى الدعوات من بعض الزعماء الأفارقة لاستبدال الفرنك الأفريقي بعملات سيادية، فإن محاولات سابقة للاستقلال النقدي في دول مثل توغو ومالي انتهت بشكل مأساوي مع اغتيال الزعماء الذين سعوا لتغيير هذا النظام. إن قصة أول رئيس لتوغو، سيلفانوس أوليمبيو، قصة مثيرة للاهتمام. وكان أحد أهدافها الرئيسية هو تقليل اعتماد البلاد اقتصاديًا على فرنسا واستبدال الفرنك الأفريقي بعملتها الخاصة. وفي عام 1963 اغتيل في انقلاب عسكري، قبل أيام قليلة من الإصلاح المقترح، وقد تم اغتياله على يد الجندي الفرنسي السابق، الرقيب في الجيش إتيان إياديما غناسينغبي، وبذلك نجا الفرنك الأفريقي الذي تسيطر عليه فرنسا. وفي عام 1962، قرر الرئيس المالي موديبو كيتا أيضًا استبدال الفرنك الأفريقي بالفرنك المالي. وفي عام 1968 وقع ضحية انقلاب قاده عضو سابق في الفيلق الأجنبي الفرنسي، الملازم موسى تراوري. ويُظهر تاريخ الانقلابات في المستعمرات الفرنسية السابقة، والذي شهد 103 محاولات انقلاب بين عامي 1950 و2023 في 20 دولة افريقية نجح منها 53 انقلابا، أن فرنسا كانت تدعم بقاء الحكومات الموالية لها، مما يضمن استمرار استغلال الموارد الطبيعية في هذه الدول. وقد أوضح المحامي الجزائري سليمان العلالي لـقناة 'الشروق نيوز' الجزائرية يوم 15 ديسمبر/كانون الأول إن 'النظام الفرنسي يحافظ بمكر على بقاء بعض الديكتاتوريين الأفارقة في السلطة لعقود من الزمن، ويدعمهم لمدة 20 أو 30 عاما، بينما يستغل موارد القارة بموجب اتفاقيات غير عادلة'. ويرى أن ارتفاع مستوى المعيشة في فرنسا يعود إلى استغلال الموارد الأفريقية: 'فرنسا لا تملك احتياطيات كبيرة من الذهب، ولكنها تحتل واحدة من المراكز الأولى في احتياطيات الذهب في العالم. إنها تفتقر إلى النفط، ولكنها تتمتع بالازدهار الاقتصادي. لا يوجد غاز طبيعي هناك، ولكن يتم الاحتفاظ بوسائل الراحة الحديثة. كل هذا.. هو نتيجة الثروة المستخرجة من أفريقيا'. من جانب آخر، على مدى عقود من الزمن، حافظت الشركات الفرنسية على هيمنتها في المستعمرات الفرنسية السابقة، واعتبارًا من عام 2017، كان هناك 700 شركة فرنسية تعمل في كوت ديفوار وحدها، بما في ذلك 200 فرع. تمثل نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي لكوت ديفوار. وبحسب DW، فقد بلغ عدد الشركات الفرنسية العاملة في أفريقيا في عام 2020 نحو 1100 شركة ونحو 2100 شركة تابعة لها. وعلى مدار سنوات طوال تحصل باريس على الذهب من مالي، واليورانيوم من النيجر، والنفط من تشاد، والفوسفات من موريتانيا، ومعادن نادرة أخرى موجودة في منطقة الساحل. وتكتسب إمدادات اليورانيوم أهمية خاصة بالنسبة لفرنسا، حيث تستخدمه محطات الطاقة النووية الفرنسية لإنتاج نحو 70% من الكهرباء في البلاد. وعلاوة على ذلك، فإن وجود العديد من محطات الطاقة النووية يشكل شرطا لبقاء القطاع الصناعي في الاقتصاد الفرنسي. وتحتل النيجر المرتبة السابعة في العالم من حيث احتياطيات اليورانيوم وإنتاجه (4% من الإنتاج العالمي). طوال سنوات عديدة، قامت شركة أورانو الفرنسية (حتى عام 2018 – أريفا) باستخراج اليورانيوم في هذا البلد، وكانت أسعار الشراء التي حددها الفرنسيون له أقل بعدة مرات من الأسعار في السوق العالمية. وهكذا، وبحسب ما ذكره ماهامان لاوان جاي، الأمين العام السابق لوزارة الطاقة والبترول في النيجر، فإن البلاد صدرت في عام 2010 وحده يورانيوم بقيمة 3.5 مليار يورو إلى فرنسا، لكنها لم تتلق سوى 459 مليون يورو مقابل ذلك. ومن الجدير بالذكر أيضًا أنه للفترة 2012-2022. استوردت فرنسا 20% من اليورانيوم الذي تحتاجه لتشغيل محطة الطاقة النووية من النيجر. ورغم ذلك، فإن 80% من سكان النيجر لا يحصلون على الكهرباء، بحسب إحصائيات عام 2022. وهنا أورد ما قاله فاتح كنانو، أستاذ في المدرسة الوطنية للعلوم السياسية، للتلفزيون الجزائري يوم 6 ديسمبر/كانون الأول: «إن ثلث المصابيح الكهربائية في فرنسا تعمل باليورانيوم المستخرج من النيجر. ورغم هذه المساهمة الكبيرة، لا تزال النيجر في وضع اقتصادي صعب، مما يسلط الضوء على الخلل الحاد بين استغلال الموارد والتنمية المحلية». وبناء على كل هذا، فليس من المستغرب أن تظل المستعمرات السابقة غير قادرة على التغلب على مشكلة الفقر. وبحسب مولاي بومجوط، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، فإن أحدث تقرير للتنمية البشرية الذي نشرته الأمم المتحدة وجد أن '95% من البلدان التي استعمرتها فرنسا (معظمها في أفريقيا) لا تزال تحت خط الفقر'. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أشار رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو، متحدثا عن الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد، إلى أن 'السنغال اليوم، في ظل وضع اقتصادي محطم، وفي أفريقيا التي تضحي بنفسها… بعد 64 عاما من الاستقلال، لا تزال السنغال داخل النموذج الاقتصادي الاستعماري، وتصدر المواد الخام بقيمة مضافة ضئيلة وتستورد السلع النهائية'. ومع تزايد الدين العام الفرنسي، الذي وصل إلى مستويات قياسية حيث بلغ 3.228 تريليون يورو في سبتمبر/أيلول من العام الماضي تزداد أهمية الإيرادات التي تتلقاها فرنسا من مستعمراتها السابقة وتظل هذه الموارد تشكل مصدرًا أساسيًا للدخل الفرنسي، مما يربط بين التراجع في النفوذ الفرنسي في أفريقيا والضغوط الاقتصادية الداخلية التي تواجهها فرنسا اليوم. وفي خطاب ألقاه أمام البرلمان في يناير/كانون الثاني الماضي، قال رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو: 'لم يسبق لفرنسا في تاريخها أن واجهت مثل هذا القدر الكبير من الديون. إن الديون تخيم على فرنسا مثل سيف ديموقليس'. وفي الأخير أذهب الى ما ذهبت إليه وسائل إعلام جزائرية في الربط الواضح بين عجز السلطات الفرنسية عن إدارة الاقتصاد وخسارة النفوذ الفرنسي في أفريقيا، الذي كان يشكل مصدرا رئيسيا للدخل من الموارد المعدنية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store