logo
#

أحدث الأخبار مع #القصص

حين تمشي الفلسطينية بثقل حكاياتها
حين تمشي الفلسطينية بثقل حكاياتها

الجزيرة

timeمنذ 3 أيام

  • ترفيه
  • الجزيرة

حين تمشي الفلسطينية بثقل حكاياتها

الحقيبة التي لا تُرى في صباحٍ عاديٍّ من أيام العمل في إحدى مدن الضفة، تفتح الفلسطينية باب بيتها بثيابٍ أنيقة وعقلٍ مزدحم، تحمل حقيبة يدها، لكن لا أحد يرى الحقيبة الأثقل.. تلك التي على ظهر روحها! تمرُّ بين الناس، تبتسم، تلوّح، وتجلس إلى مكتبها أو فصلها، كأنها لم تكن منذ لحظات تغالب دمعةً علقت بطرف عينها وهي تودّع صغيرها، أو ترتّب عبثًا كلماتٍ في رأسها تحاول أن تقولها لشريك لم يسمعها منذ زمن، أو لنفسها التي لم تجد وقتًا تُحادثها. قد تكون ذاهبة إلى مكان بعيد، ولكنها دائمًا تحمل قصصًا ترويها في عقلها. هي لا تودّ أن تسمح لهذه القصص بأن تُسمع بالكامل، ولكن هناك من يراقبها بحذر، يسألها عن تفاصيل حياتها، على الرغم من أنّها في أغلب الأحيان لا تملك وقتًا لالتقاط أنفاسها. هذه الحقيبة -رغم كثافة ما فيها- لا يراها أحد إلا من خلال انعكاسات خفية على وجهها، تعبيرات حزنٍ تفضحها ابتساماتها. المرأة الفلسطينية لا ترى نفسها بطلةً، بل هي تمشي لأنه ليس أمامها خيار آخر! هي لم تتوقع أن ينقلب العالم من حولها مرارًا، ولكنها تعلم أن الحياة تُفرض عليها رغم كل ما يحدث حكايات لا تموت تحت الركام ليست وحدها في هذا، فالمرأة الفلسطينية لا تدخل يومها خالية الوفاض؛ تصطحب معها سردياتٍ كثيرة: أمّها التي كانت تنهض فجرًا رغم هشاشتها في مخيمات الشتات، وجدّتها التي حكت لها عن اللجوء الأول والبيوت التي سُرقت، وصديقتها التي لم تحتمل كل ذلك وغابت. هي لا تحمل حقيبة يد فقط، بل تحمل تاريخًا من الصبر، والخذلان، والبدايات المجهضة، والأمل العنيد. لا تكفّ عن العيش وسط تحديات الحياة المختلفة، بينما كل شيء حولها يعيد رسم تلك القصص في صمت. كلما نظرت إلى وجهها، ترى خطوطًا تذكرها بالظروف التي مرت بها، ولكنها أيضًا تمثل تطلعاتها المتجددة. الحروب، الفقد، الخذلان.. أشياء لا تتوقف، لكن الأمل يظلّ دومًا ينمو بين الضغوطات! تحمل على عاتقها أكثر من مجرد حياة يومية، بل هي حاملة لثقل ذاكرة الأمة الفلسطينية. التوازن المستحيل في ظلّ اللاممكن المرأة العاملة في فلسطين توازن بين دورها كأمّ، وكزوجة، وكمعيلة أحيانًا، وكعاملة في بيئة مضغوطة سياسيًّا واجتماعيًّا. تعيش يومها وهي تُوازن بين ما يُطلب منها خارج البيت، وما يصرخ بداخلها من بيتها.. لا أحد يرى جيدًا تلك الفجوة بين عطاءٍ يُنتظر منها، وتعبٍ لا يُفسَّر.. لا أحد يقرأ في عينيها الأسئلة التي لا تُقال: من يعتني بي؟ متى أضع رأسي وأبكي دون أن أبدو منهزمة؟ بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجز آخر تقف أمامه هذه المرأة الفلسطينية كل يوم: القيود التي تفرضها ظروف الاحتلال، سواء على الحركة أو على الوصول إلى الخدمات الأساسية. ومع كلّ خطوة تخطوها نحو الأمام، قد تجد نفسها عالقة في مكانها بسبب إغلاق الطرق أو حواجز عسكرية، ما يزيد من العبء النفسي والجسدي الذي تحمله. هي تمشي رغم كل شيء لكنها -رغم كل شيء- تمشي؛ لا لأن الطريق معبّد، بل لأن التوقّف ليس خيارًا. تمشي بثقلها، لكنها تمشي.. تحضر الاجتماعات، تُدرّس الدروس، تُشرف على المهام، تُربّي وتُواسي وتُصغي وتُصلح. وبمجرد أن تظن أنّها التقطت أنفاسها، تهتف حياة جديدة بطلب جديد، أحيانًا يأتي على هيئة غارةٍ فجائية أو خبر شهيد. المرأة الفلسطينية لا ترى نفسها بطلةً، بل هي تمشي لأنه ليس أمامها خيار آخر! هي لم تتوقع أن ينقلب العالم من حولها مرارًا، ولكنها تعلم أن الحياة تُفرض عليها رغم كل ما يحدث. تمشي، حتى وإن كانت قد أضاعت توازنها في بعض اللحظات، فذلك هو السبيل الوحيد للمضي قدمًا. بطولة يومية بلا تصفيق لا تنتظر الفلسطينية التصفيق، ولا حتى التفهُّم، فقط تُراكم أيامًا تُشبه بعضها، وتُخفي انتصاراتٍ صغيرة بين طيّات التفاصيل: كأن تُنهي يومًا دون أن تنفجر، أو تُضحك صغيرها رغم خذلانٍ طازج، أو تُعيد الكهرباء إلى بيتها الذي انقطعت عنه الحياة. هذه اللحظات اليومية لا يتم الاحتفاء بها كثيرًا، لكنها تتراكم لتصبح في النهاية شهادة على صمودٍ حقيقي، صمود يشبه الأرض الفلسطينية التي تتعرض للتهديدات المستمرة لكنها تظل ثابتة. في داخلي امرأة مثلها، وربما في داخلك أيضًا، لا تطلب أكثر من اعترافٍ بأن مشيها بهذا الثقل بطولة، وبأن الحكايات التي تمشي بها ليست ضعفًا، بل هي دليلٌ على أنّها لا تزال تختار الحياة، كل يوم، من جديد.. إنها تمشي بثقلها، لكنها تمشي. إنها ليست بطلة في معركة عسكرية، لكنها بطلة في معركة الحياة اليومية! تمشي بثقلها، ولكنها تمشي، وتستمر في السعي وراء العيش رغم كل التحديات. هذه هي فلسطين، وهذا هو وجه المرأة الفلسطينية، التي لا تكلّ ولا تملّ في مواجهة كل ظروف الحياة.

"شومان" تحول مشاركات جائزة أدب الأطفال للجنة التحكيم
"شومان" تحول مشاركات جائزة أدب الأطفال للجنة التحكيم

الغد

timeمنذ 6 أيام

  • ترفيه
  • الغد

"شومان" تحول مشاركات جائزة أدب الأطفال للجنة التحكيم

حولت مؤسسة عبد الحميد شومان الأعمال المشاركة في الدورة الحالية لجائزة أدب الأطفال إلى لجنة التحكيم التي شكلتها الهيئة العليا للجائزة، وتضم نخبة من العاملين في الأدب. اضافة اعلان وكانت مؤسسة عبد الحميد شومان، أغلقت باب التقديم للجائزة في دورتها 19 نهاية آذار (مارس) 2025، وهي الدورة التي خصصتها لموضوع "أدب الرحلات في مجال القصة"، والموجهة للفئة العمرية 9 سنوات وأكثر. وتقدم للجائزة 1349 طلبا، منهم 910 طلبات مكتملة، و484 طلبا غير مكتمل، أي لم يتم إنهاء متطلبات التقديم من قبل أصحابها. وجاءت الطلبات من 19 دولة عربية و13 دولة غير عربية، فيما توزعت الدول الأكثر "مشاركة على كل من: مصر 26.4 %، الأردن 20.4 %، سورية 11 %، الجزائر %10، فلسطين 7.2 %، المغرب 6.7 %، العراق 4.3 %، تونس 3.8 %، اليمن 3.3 %، لبنان 1.8 %، ليبيا والسودان 1.3 % لكل دولة منهما، سلطنة عُمان 1 %، بينما شكلت 0.5 % كل من: الإمارات، السعودية وقطر. وعلى مستوى محافظات الأردن الأكثر مشاركة، جاءت عمان بنسبة 59 %، إربد 11.5 %، الرصيفة %10.4، البلقاء والمفرق 4 %، الكرك ومادبا 3.5 % لكل منهما، ومعان 1.7 %، عجلون وجرش 1.2 % لكل منهما. وخضعت الأعمال المتقدمة إلى مرحلة الفرز الأولى للتأكد من مطابقتها الشروط الخاصة بالجائزة، وتم استبعاد 176 طلبا غير مطابق للشروط الخاصة بالجائزة من مجموع الطلبات المكتملة على النظام، فيما تم تحويل باقي الأعمال إلى اللجنة المختصة للتحكيم النهائي واختيار الأعمال الفائزة بالمراتب الثلاث. وبينت المؤسسة أن إعلان أسماء الفائزين بالجائزة سيكون خلال الربع الثالث من العام الحالي، فيما تستند معايير تقييم الأعمال إلى اللغة والأسلوب، المحتوى والأفكار، التجديد والإبداع، والابتكار وأصالة العمل. الرئيسة التنفيذية لمؤسسة عبد الحميد شومان فالنتينا قسيسية، أكدت أن المؤسسة تحاول التنويع في موضوعات الجائزة لكل سنة، وقد طرحت موضوع أدب الرحلات لإثراء المحتوى العربي المخصص للطفل في هذا الموضوع. واعتبرت قسيسية أن الرحلة تمثل لونا أدبيا مهما، يمكن أن يساهم في إغناء خيال الطفل من خلال السرد المبدع، كما يمكن له تحفيز عقل الطفل على المغامرة والتجريب المدروس. وأعربت قسيسية عن أملها في أن تساهم المشاركات في تحفيز كتاب أدب الطفل للالتفات إلى هذا النوع الأدبي، وأن يحاول الكتاب على الدوام طرق أبواب جديدة في أدب الطفل، لتعزيز ثقافته وفكره وخياله. وتعمل "شومان" منذ العام 2006 على تنظيم هذه الجائزة السنوية للأدباء في الوطن العربي وحول العالم. وتمنح مرة كل عام في مجال أدب الأطفال في أحد الفنون الأدبية الآتية: القصة، الشعر، الرواية والنص المسرحي. وتتألف الجائزة من شهادة باسم الفائز والموضوع الذي فاز به ودرع يحمل اسم وشعار الجائزة، إضافة إلى مبلغ مقداره (18) ألف دينار، موزع على: المرتبة الأولى: (10) آلاف دينار، المرتبة الثانية: (5) آلاف دينار، والمرتبة الثالثة: (3) آلاف دينار.

«شخصيات» أحمد الكتبي الافتراصية تنبش جواهر الموروث وتروي قصصه
«شخصيات» أحمد الكتبي الافتراصية تنبش جواهر الموروث وتروي قصصه

البيان

time١١-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • البيان

«شخصيات» أحمد الكتبي الافتراصية تنبش جواهر الموروث وتروي قصصه

في عصر تتسابق فيه التقنيات، وتُختصر الحكايات في ثوانٍ، يظهر صوت مختلف، قرر أن يستحضر ذاكرة المجالس القديمة ويحملها إلى المستقبل... بصرياً. إنه أحمد الكتبي، الإعلامي الإماراتي، الذي وظّف الذكاء الاصطناعي ليعيد رواية الموروث الشعبي عبر شخصيات افتراضية نابضة بالحياة، تتحدث بلهجتنا المحلية وتعبّر عن مشاعرنا وواقعنا. في مقابلة خاصة مع «البيان»، يكشف الكتبي كيف تحوّلت حكايات الطفولة التي كان يسمعها في المجالس إلى مشروع بصري مبتكر، يدمج بين التراث الأصيل وأدوات المستقبل. فرصة جديدة يقول الكتبي، الحاصل على شهادة في الإعلام تخصص إذاعة وتلفزيون، وعدة دبلومات متخصصة في الإنتاج الإعلامي مثل الإخراج التلفزيوني والسينمائي والتقديم الإذاعي والتلفزيوني، إنه منذ طفولته كان شغوفاً بالحكايات، ويستلهم منها أفكاراً ومشاهد بقيت عالقة في ذهنه. ويضيف: لطالما شعرت أن في هذه القصص روحاً لا تموت، وأنها تستحق أن تُروى من جديد بطرق حديثة تليق بقيمتها وعمقها، كنت أحلم بصناعة أفلام سينمائية تعرض عالمياً، لكن ظهرت أدوات الذكاء الاصطناعي ومنحتني فرصة جديدة لتحقيق الحلم بوسائل مبتكرة. من مكتبه الصغير، بدأ الكتبي إنتاج مقاطع قصيرة لشخصيات واقعية تحمل ملامح من بيئتنا الخليجية. يختار قصصاً تمس وجدان الناس، ومن بين القصص التي لاقت صدى واسعاً، يروي الكتبي أن أقرب فيديو إلى قلبه كان عن قصة امرأة مسنّة عاشت في مجتمع الدولة خلال فترة زمنية مضت، وكانت تعاني من اعتلال عقلي، حيث سكنت في تلك الأوقات ببيت «عريش» قديم على أحد الشواطئ. يقول: كانت بريئة ومظلومة، لكن مظهرها المختلف دفع الناس للخوف منها، حتى إن بعض الأمهات كنّ يستخدمن اسمها لتخويف أطفالهن إن لم يطيعوا الأوامر، ويقلن لهم: «بنادي لك جنية البحر». ويؤكد أن القصة التي أبدعها ومحورها سيرة واقعية، لامست أحاسيس الناس لأنها حقيقية جداً، ومليئة بالمشاعر المتضاربة: الخوف، البراءة، الظلم، والوحدة. ويضيف: ما ميّز العمل هو الصدق في تقديم الشخصية، والصورة البصرية التي نقلت إحساس المكان والزمن، وجعلت الكثيرين يعيدون التفكير في الأحكام السريعة التي نطلقها على الآخرين. يضيف الكتبي أن قصصه ليست نقلاً حرفياً للتراث، بل مزيج بين الموروث والخيال، يصوغها بأسلوب سردي عصري يلامس الأحاسيس. ويقول: القصص الجيدة تحتاج إلى لغة تخدم الإحساس والمشهد معاً، الكلمة عندي مثل الإضاءة في التصوير، يجب أن تكون في مكانها تماماً. أما عن صناعة الشخصيات، فيشرح الكتبي المراحل المتعددة التي تمر بها: تبدأ من توليد الصورة، وإلى تحريك ملامح الوجه والجسد، ثم إضافة الصوت، الذي قد يكون بشرياً أو بتقنيات تحويل النص إلى كلام. كل ذلك بهدف تحقيق واقعية عالية تحاكي التفاعل البشري. يستلهم الكتبي أفكاره من مشاهد يومية بسيطة ويقول: كل شيء ممكن أن يكون شرارة البداية. أحياناً نظرة عابرة من مسنّ في السوق، أو بيت مهجور يمر بجانبه الناس دون أن يلتفتوا إليه، تشعل في داخلي قصة كاملة. وغالباً ما تكون القصص خليطاً بين ذكريات الطفولة، مشاهد عالقة، وخيال يأخذني إلى ما وراء الواقع، ويؤكد أن المدة تختلف حسب تعقيد العمل، ولكن في العادة تتراوح بين 3 إلى 5 أيام. مرحلة الفكرة والكتابة تأخذ يومين تقريباً، ثم مرحلة التصميم البصري، وتحريك الشخصيات، ودمج الصوت والموسيقى، وأخيراً المونتاج والإخراج. كل مرحلة تحتاج تركيزاً حتى تخرج القصة كما يتخيلها بالضبط. وعن سرّ استمرار سحر القصص الشعبية، يرى الكتبي أن الناس تنجذب لما لا يُفسر، وأن هذه الحكايات تختزن مشاعر وذكريات تجمع الأجيال، لأنها ببساطة تمس شيئاً عميقاً فينا. ويتابع: الناس تحب الغموض، والقصص الشعبية تحوي رموزاً ومشاعر مشتركة بين الأجيال، وتحمل بين طياتها خوفاً قديماً وحنيناً دفيناً. وهذا ما يجعلها خالدة، وقادرة على التجدّد مع كل جيل. ويختم الكتبي حديثه إن طموحه أن يحوّل مشروعه إلى سلسلة درامية متكاملة أو عمل وثائقي طويل يدمج بين الذكاء الاصطناعي والتوثيق البصري للتراث، كما أفكر بجدية في إصدار كتاب مصور يحتوي على قصص المشروع وشخصياته، لتكون وثيقة بصرية تحفظ هذا التراث بأسلوب غير تقليدي.

تجربة عميقة
تجربة عميقة

البيان

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • البيان

تجربة عميقة

سأحكي تجربة بسيطة مررت بها بعدما نشرت مجموعتي القصصية الأولى، بالتأكيد وصلتني العديد من الانطباعات الإيجابية والمشجعة، والعديد كذلك من القراءات التي استطاع أصحابها الوصول إلى المعاني العميقة التي تحملها الرموز الواردة في القصص، ورغم أن هذه القراءات قليلة نظراً لأن المجموعة جديدة وليست متاحة بين أيدي القراء على نطاق واسع بعد، إلا أن ما وصلني يجعلني راضية جداً. أما التجربة التي أود الحديث عنها فتتعلق بقارئة، سألتني حول غلاف الكتاب الذي أثار إعجابها. حدثتها عن قصة الغلاف، وأرسلت لها إحدى قصص المجموعة التي يعتبر الغلاف تجسيداً لها، ولم أتوقع ردة الفعل أبداً، تلك كانت التجربة، لقد انهمرت دموع السيدة وتدفقت مشاعرها، ولم تتمكن من كتابة ما أرادت بسبب التأثر فأرسلت رسائل صوتية واحدة تلو الأخرى، والحقيقة إن نبرة صوت المرأة بكل تلك الحمولة العاطفية الهائلة والشجن الذي أثارته حكاية فتاة البرتقال في القصة، كان مفتاحاً رئيساً بالنسبة لي لأزداد يقيناً بقيمة الكلمة وعظمة الأدب وبتلك العبارة التي قالها يوسف إدريس يوماً حول مجد الكتابة. قالت السيدة: إن حكاية بطلة القصة أعادت لي مشاهد بلدتي التي غرقت في السيول منذ مدة وأولئك البشر الذين اختفوا في غمضة عين، وأخذت تشرح وتخرج ذلك الألم الذي قالت بأنها لطالما تجنبت الحديث عنه وابتعدت كثيراً حتى لا تتعثر وتغرق فيه، إلا أنها وإن ظنت أنها قد تجاوزت الكارثة أو نسيتها، فالحقيقة ليست كذلك، وإن بعض الأدب يفتح مغاليقنا للشمس كي نشفى، لا لكي نحزن أكثر..! إنها الكتابة التي ترسخ وظيفة الأدب والكلمة كرابطة بين البشر، الذين يؤمنون بضعفهم ويعيشونه من خلال هذا الأدب الذي يبكيهم ويفرحهم ويستثير ذاكرتهم وحنينهم، إن إنسانيتنا وهشاشتنا هذه التي يكشفها الأدب هي الضعف الخالص النقي فينا وكلما تبرأنا أو تعالينا على ضعفنا نقص شيء من إنسانيتنا فعلاً.. ذلك هو مجد الكتابة، أن تؤلف كتاباً، يقتنيه غريب، في مدينة غريبة، ويقرأه ليلاً فيختلج قلبه لسطرٍ يشبه حياته، ذلك هو مجد الكتابة كما قال يوسف إدريس.

لماذا تبقى القصص في ذاكرتنا... وتذوب الأرقام؟
لماذا تبقى القصص في ذاكرتنا... وتذوب الأرقام؟

صحيفة سبق

time٠٨-٠٥-٢٠٢٥

  • صحة
  • صحيفة سبق

لماذا تبقى القصص في ذاكرتنا... وتذوب الأرقام؟

"ليس كل ما يُقال ليبقى... ولكن كل ما يُروى يعيش فينا." هل تتذكر آخر قصة أثرت فيك؟ ربما سمعتها منذ سنوات، أو قرأتها في لحظة عابرة، لكنها بقيت معك... تفاصيلها، مشاعرها، وربما حتى صوت الراوي. وفي المقابل، كم من الأرقام والحقائق مرت أمامنا، ثم اختفت دون أثر يُذكر؟ ليست المسألة تفضيلًا عاطفيًا فحسب، بل حقيقة تؤكدها دراسات علمية حول تأثير السرد على الدماغ والذاكرة. فأدمغتنا تتذكر القصص أكثر مما تتذكر الإحصاءات، لأننا لا نفكر فقط... نحن نروي. نتعلّم، ونواسي، ونُلهم، ونقنع... من خلال الحكاية، قبل أي شيء آخر. لماذا يؤثر فينا "السرد القصصي" أكثر من أي رقم؟ يرى باحثون أن الإنسان بطبيعته "كائن سردي"، يفهم العالم من حوله من خلال القصص، لا الحقائق المجردة. وعندما نستمع إلى قصة، لا يعمل جزء واحد من دماغنا، بل عدة مناطق تنشط في آنٍ واحد: مراكز اللغة، العاطفة، التخيل، وحتى الحركة. أما المعلومات الرقمية، فتُعالج غالبًا في مناطق محدودة، ولا تحفّز الاستجابة العاطفية بالشكل نفسه. وهنا يظهر الفرق الكبير بين ما يُقال للعقل، وما يُروى للوجدان. ما يحدث حين نسمع قصة مؤثرة ليس مجرد تعاطف، بل محاكاة عصبية تشعر أجسادنا وكأنها تعيش التجربة، فتصبح القصة جزءًا من ذاكرتنا العاطفية. من هنا، تظهر القوة النفسية للسرد القصصي: •تمنحنا المعنى: في لحظات الألم أو الغموض، تساعد القصة في تفسير ما نمر به. •تخلق تواصلًا عميقًا: مع الآخرين ومع أنفسنا. •تسهم في الشفاء: لذلك تُستخدم القصص اليوم في العلاج النفسي، من خلال إعادة سرد التجارب وفهم الذات. •تزرع الأمل: لأننا نرى أنفسنا في أبطال الحكايات، فنؤمن أن التحوّل ممكن. قصة واحدة... أقوى من ألف رقم في إحدى الحملات التي أطلقتها منظمة "يونيسف" للتوعية بأهمية التعليم في المناطق النائية، لم تبدأ الحملة بأرقام حول نسب الأمية أو معدلات التسرب، بل بدأت بقصة فتاة صغيرة تُدعى ليلى. ليلى، من قرية في بنغلادش، كانت تمشي أكثر من 4 كيلومترات يوميًا للوصول إلى مدرستها. كانت تحلم بأن تصبح معلمة، وتحمل كتبها في حقيبة خيطتها والدتها من قماش قديم. لم تكن القصة مأساوية، لكنها كانت صادقة، إنسانية، ومفعمة بالأمل. تجاوز التفاعل مع الحملة كل التوقعات، لأن الناس لم يتأثروا بالنسب المئوية، بل تأثروا بوجه ليلى، وبكلماتها البسيطة، وبحلمها. هذا ليس استثناءً، بل قاعدة متكررة: ففي كل مرة نحاول إيصال فكرة إنسانية، تعليمية، أو حتى اجتماعية، تبقى القصة هي الجسر الأسرع إلى القلوب، والعقول، والذاكرة. حتى في العلاج النفسي، لا تُبنى الجلسات على مفاهيم مجردة، بل تُستحضر قصص الطفولة والعلاقات والمواقف، ويُعاد فهمها من زوايا جديدة.لأن السرد ليس مجرد تَذكّر... بل طريقة لإعادة بناء الذات. حين تروي... فأنت تعيد ترتيب نفسك ربما لهذا السبب، لا يقتصر أثر القصص على الكتب أو الأفلام. بل يمتد إلى الحملات التوعوية، والتعليم، والتسويق، والعلاقات الإنسانية. حتى في المحاضرات المجتمعية، كثيرًا ما تكون القصة الواقعية هي الجسر الحقيقي نحو التأثير. فحين تُروى تجربة قريبة من حياة الناس، تُصبح المعلومة أكثر وضوحًا، والرسالة أكثر حضورًا. وأنا شخصيًا، لطالما وجدت أن تضمين القصص في محاضراتي يُحدث فرقًا واضحًا في تفاعل الحضور وعمق الفهم. كثير من التفاهم يبدأ حين نشارك قصتنا، لا موقفنا فقط. نحتاج إلى أن نروي، لا لنقنع الآخرين فقط، بل لنفهم أنفسنا، ونلملم أجزاءنا، ونمنح مشاعرنا صوتًا ومعنى. في عالم مزدحم بالمعلومات، تبقى القصة هي الشيء الوحيد القادر على لمس القلب، هي التي تجعل الحقيقة "تُرى"، والشعور "يُسمع"، والمعرفة "تُعاش". قد ننسى رقمًا قرأناه البارحة، لكننا لا ننسى قصة عشناها أو سمعناها، لأنها لم تمر فقط عبر العقل، بل عبر القلب. لهذا، نحن لا نبحث فقط عن معلومات دقيقة أو بيانات موثقة، بل عن شيء يفسرنا، يمنحنا صوتًا، ويجعل معاناتنا مفهومة ومرئية. نحتاج إلى أن نُروى... وأن نُفهم كما نحن، لا كما تُقاس مشاعرنا بالأرقام. وفي النهاية، نحن لا نبحث فقط عن المعلومات، وهذا تمامًا ما يفعله السرد القصصي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store