logo
#

أحدث الأخبار مع #الكلاكلة

هكذا بدأت الخرطوم تنفض غبار الحرب
هكذا بدأت الخرطوم تنفض غبار الحرب

الجزيرة

timeمنذ 7 أيام

  • أعمال
  • الجزيرة

هكذا بدأت الخرطوم تنفض غبار الحرب

الخرطوم – في سوق الكلاكلة بجبل أولياء جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم ، استعادت المدينة ضجيج الحياة في الأسابيع الأخيرة، وعادت حركة الباعة والمتسوقين المتنقلين بين بسطات الخضار والفاكهة والمواد التموينية والمشروبات الباردة. على جانب أحد طرقات السوق، لا تزال سيارة محترقة من مخلفات القتال الشرس الذي شهدته نواحي العاصمة طيلة عامين ماضيين حتى تمكنت قوات الجيش السوداني من استعادة السيطرة على معظم الخرطوم وإبعاد قوات الدعم السريع إلى خارجها. وفي سوق الكلاكلة الذي يُعد من أكبر أسواق جنوب الخرطوم، عادت الأفران للعمل بالطاقة الشمسية في ظل انقطاع الكهرباء المتواصل، في حين بدأت حركة النقل ما بين الكلاكلة أقصى جنوب الخرطوم و أم درمان غربا في ازدياد مضطرد. تعيد أصوات الباعة المتجولين للأذهان صخب ما قبل الحرب التي اندلعت أواسط أبريل/نيسان 2023 ولا تزال مستمرة، في حين أن العاملات في بيع الأطعمة والقهوة يشكلن حضورا بارزا ويعطين السوق صبغة خاصة، وسط عودة ملحوظة للسكان في الأحياء المجاورة مثل "طيبة الحسناب" وحي "الشجرة". وتعكس حركة الناس والسيارات، وبعضها حديثة، وجه العاصمة السودانية عامة، التي بدت في الأسابيع الأخيرة كطائر الفينيق، تحاول النهوض من تحت الركام المتناثر على مدى عامين طالت الحرب فيهما كل ملامحها ودمرت بنيتها التحتية، فتحولت من واحة تضجّ بالحياة إلى مدينة أشباح مهجورة. وفي الذكرى الأولى لاندلاع الحرب على السودان (أبريل/نيسان 2024) قدّرت المنظمة الدولية للهجرة أن نحو 10.7 ملايين شخص نزحوا بسبب النزاع السوداني، منهم 9 ملايين داخل البلاد، في حين فرَّ 1.7 مليون إلى دول الجوار. وأشارت البيانات في حينه إلى أن 90% من أهالي العاصمة الخرطوم نزحوا عنها. مؤخرا، وبعد سيطرة الجيش عليها، يعود ضجيج الحياة رويدا رويدا إلى مدن الخرطوم المختلفة مثل بحري وشرق النيل، حيث استعادت الأسواق والمستشفيات وخطوط النقل نشاطها، فضلا عن استئناف بعض الجامعات التدريس بعد توقف لعامين. Zobraziť tento príspevok na Instagrame Príspevok, ktorý zdieľa الجزيرة (@aljazeera) أم درمان الأسرع في مدينة أم درمان، كبرى مدن العاصمة الخرطوم وأحد أبرز مراكزها الاقتصادية، عادت الحياة بصورة أقوى لأنها كانت الأسرع في مقاومة قوات الدعم السريع؛ حيث قام الجيش بتأمين أجزاء واسعة منها منذ وقت مبكّر. وعادت نسبة كبيرة من أهالي المدينة إلى أحيائها القديمة مثل "أبو روف" و"ود البنا" و"ود نوباوي" و"الهجرة". وفي المدينة نفسها أيضا، استأنفت مستشفيات عدة نشاطها مثل مستشفى أم درمان التعليمي ومستشفي النو والمستشفى السعودي، الذي استقبل مراجعيه بمبانٍ مجددة طُليت جدرانها حديثا ورُفعت على أحد أقسامه لافتة تشير إلى "إعادة تأهيله بجهود تجمع الأطباء السودانيين في الولايات المتحدة". وقال وزير الصحة بولاية الخرطوم فتح الرحمن الأمين للجزيرة نت إن بعض المستشفيات عادت للخدمة في الأيام الماضية خاصة في أم درمان بعد أن خربتها قوات الدعم السريع ونهبتها. ووفق الوزير، فإن قوات الدعم السريع دمّرت المستشفيات بالعاصمة الخرطوم، فضلا عن تشريد الكوادر الطبية ونهب معداتها. وفي قطاع التعليم الذي يكابد من أجل تعويض الفاقد الطويل لطلابه، فتحت جامعة الخرطوم -كبرى جامعات السودان وأقدمها- وعبر فروعها في أم درمان أبوابها. وضجت كلية التربية بأصوات الطلاب العائدين لمقاعدهم بعد انقطاع طويل. كما أعلنت عدد من الجامعات استعدادها للعودة في الفترة القادمة. اقتصاديا، تعد أم درمان الأكثر نشاطا، حيث تعمل متاجرها على مدار الساعة، وعادت أبرز أسواقها للعمل مثل "سوق أم درمان" و"سوق صابرين"، وعجت شوارعها بحركة الباعة المتجولين. وبينما تمارس خطوط النقل الداخلية نشاطها المعتاد، اكتظت مساجدها بالمصلين بعد عودة نسبة كبيرة من سكانها الذين نزحوا خلال الحرب. يقول عمر علي، أحد التجار بسوق أم درمان، للجزيرة نت إنهم عادوا لفتح محلاتهم التجارية رغم الدمار الذي لحق بالسوق. وأضاف "بدأنا تجارتنا من الصفر بعد أن نُهبت كل بضاعتنا ومحالنا التجارية". كان علي تاجرا في مجال المواد الغذائية قبل أن يتم تدمير متجره وحرق معظم أنحاء السوق، الذي يشهد أبرز أنشطة العاصمة الاقتصادية وأكبرها. وقال إن العودة إلى سوق أم درمان في ازدياد رغم الركود في حركة البيع والشراء. وتشير تقديرات الخبراء الاقتصاديين إلى أن الحرب تسببت في تدمير نحو 20% من الرصيد الرأسمالي للاقتصاد السوداني، الذي يُقدّر بنحو 600 مليار دولار. كما أدت إلى تآكل أكثر من نصف الناتج القومي الإجمالي البالغ متوسطه السنوي نحو 33 مليار دولار. ويرجع الخبراء حجم هذه الخسائر إلى اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم، التي تُعد المركز الاقتصادي الأول في البلاد بنسبة 25% من الاقتصاد السوداني، إضافة إلى امتداد الصراع إلى مدن حيوية أخرى مثل نيالا و الفاشر في دارفور و ود مدني ب ولاية الجزيرة ، وهي مناطق تُشكل عصب الإنتاج الزراعي والصناعي. بحري تتنفس بعد عامين من الحرب، اعتبرت مدينة الخرطوم بحري أكثر مدن العاصمة دمارا. وكانت تضم أسواقا ضخمة ومؤسسات خدمية وتعليمية وخطوط نقل تحولت جميعها إلى أنقاض. بيد أن المدينة التي تقع شمالي الخرطوم، بدأت في النهوض، وانتعشت أحياؤها الشمالية مثل "الدروشاب" و"السامراب" و"الكدرو" و"الحلفايا"، لا سيما بعد عودة التيار الكهربائي إليها. أما الحركة التجارية فلا تزال ضئيلة وسط الخرطوم بحري، وشرعت الحكومة في تأهيل بعض المرافق الصحية مثل مستشفى "حاج الصافي" بعد تدميره في الفترة السابقة. أما حركة النقل بين بحري وأم درمان، فتعد الأنشط. وبدأت بعض المصانع في المدينة العودة إلى العمل خاصة مصانع الدقيق والأدوية، رغم الدمار الهائل الذي طال منطقة بحري الصناعية. حركة الجسور تضم العاصمة الخرطوم أكثر من 10 جسور بينها جسور نيلية (على مجرى النيل)، وتعطلت الحركة كليا بين الجسور خلال الحرب، وخاصة التي تربط بين بحري وأم درمان والخرطوم، وشرق النيل وجبل أولياء. وبعد استعادة الجيش أكثر من 95% من العاصمة الخرطوم، عادت حركة الجسور مثل جسر النيل الأبيض وجسر الإنقاذ وجسر الحلفايا، التي تربط بين أم درمان وبحري للعمل. كما عادت الحركة لجسور "المك نمر" والنيل الأزرق وكوبر التي تربط بين الخرطوم والخرطوم بحري. وعاد الحركة أيضا إلى جسري سوبا والمنشية الرابطين بين الخرطوم وشرق النيل.

الخرطوم.. طائر الفينيق ينهض من تحت الركام
الخرطوم.. طائر الفينيق ينهض من تحت الركام

الجزيرة

timeمنذ 7 أيام

  • أعمال
  • الجزيرة

الخرطوم.. طائر الفينيق ينهض من تحت الركام

الخرطوم – في سوق الكلاكلة بجبل أولياء جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم ، استعادت المدينة ضجيج الحياة في الأسابيع الأخيرة، وعادت حركة الباعة والمتسوقين المتنقلين بين بسطات الخضار والفاكهة والمواد التموينية والمشروبات الباردة. على جانب أحد طرقات السوق، لا تزال سيارة محترقة من مخلفات القتال الشرس الذي شهدته نواحي العاصمة طيلة عامين ماضيين حتى تمكنت قوات الجيش السوداني من استعادة السيطرة على معظم الخرطوم وإبعاد قوات الدعم السريع إلى خارجها. وفي سوق الكلاكلة الذي يُعد من أكبر أسواق جنوب الخرطوم، عادت الأفران للعمل بالطاقة الشمسية في ظل انقطاع الكهرباء المتواصل، في حين بدأت حركة النقل ما بين الكلاكلة أقصى جنوب الخرطوم و أم درمان غربا في ازدياد مضطرد. تعيد أصوات الباعة المتجولين للأذهان صخب ما قبل الحرب التي اندلعت أواسط أبريل/نيسان 2023 ولا تزال مستمرة، في حين أن العاملات في بيع الأطعمة والقهوة يشكلن حضورا بارزا ويعطين السوق صبغة خاصة، وسط عودة ملحوظة للسكان في الأحياء المجاورة مثل "طيبة الحسناب" وحي "الشجرة". وتعكس حركة الناس والسيارات، وبعضها حديثة، وجه العاصمة السودانية عامة، التي بدت في الأسابيع الأخيرة كطائر الفينيق، تحاول النهوض من تحت الركام المتناثر على مدى عامين طالت الحرب فيهما كل ملامحها ودمرت بنيتها التحتية، فتحولت من واحة تضجّ بالحياة إلى مدينة أشباح مهجورة. وفي الذكرى الأولى لاندلاع الحرب على السودان (أبريل/نيسان 2024) قدّرت المنظمة الدولية للهجرة أن نحو 10.7 ملايين شخص نزحوا بسبب النزاع السوداني، منهم 9 ملايين داخل البلاد، في حين فرَّ 1.7 مليون إلى دول الجوار. وأشارت البيانات في حينه إلى أن 90% من أهالي العاصمة الخرطوم نزحوا عنها. مؤخرا، وبعد سيطرة الجيش عليها، يعود ضجيج الحياة رويدا رويدا إلى مدن الخرطوم المختلفة مثل بحري وشرق النيل، حيث استعادت الأسواق والمستشفيات وخطوط النقل نشاطها، فضلا عن استئناف بعض الجامعات التدريس بعد توقف لعامين. Zobraziť tento príspevok na Instagrame Príspevok, ktorý zdieľa الجزيرة (@aljazeera) أم درمان الأسرع في مدينة أم درمان، كبرى مدن العاصمة الخرطوم وأحد أبرز مراكزها الاقتصادية، عادت الحياة بصورة أقوى لأنها كانت الأسرع في مقاومة قوات الدعم السريع؛ حيث قام الجيش بتأمين أجزاء واسعة منها منذ وقت مبكّر. وعادت نسبة كبيرة من أهالي المدينة إلى أحيائها القديمة مثل "أبو روف" و"ود البنا" و"ود نوباوي" و"الهجرة". وفي المدينة نفسها أيضا، استأنفت مستشفيات عدة نشاطها مثل مستشفى أم درمان التعليمي ومستشفي النو والمستشفى السعودي، الذي استقبل مراجعيه بمبانٍ مجددة طُليت جدرانها حديثا ورُفعت على أحد أقسامه لافتة تشير إلى "إعادة تأهيله بجهود تجمع الأطباء السودانيين في الولايات المتحدة". وقال وزير الصحة بولاية الخرطوم فتح الرحمن الأمين للجزيرة نت إن بعض المستشفيات عادت للخدمة في الأيام الماضية خاصة في أم درمان بعد أن خربتها قوات الدعم السريع ونهبتها. ووفق الوزير، فإن قوات الدعم السريع دمّرت المستشفيات بالعاصمة الخرطوم، فضلا عن تشريد الكوادر الطبية ونهب معداتها. وفي قطاع التعليم الذي يكابد من أجل تعويض الفاقد الطويل لطلابه، فتحت جامعة الخرطوم -كبرى جامعات السودان وأقدمها- وعبر فروعها في أم درمان أبوابها. وضجت كلية التربية بأصوات الطلاب العائدين لمقاعدهم بعد انقطاع طويل. كما أعلنت عدد من الجامعات استعدادها للعودة في الفترة القادمة. اقتصاديا، تعد أم درمان الأكثر نشاطا، حيث تعمل متاجرها على مدار الساعة، وعادت أبرز أسواقها للعمل مثل "سوق أم درمان" و"سوق صابرين"، وعجت شوارعها بحركة الباعة المتجولين. وبينما تمارس خطوط النقل الداخلية نشاطها المعتاد، اكتظت مساجدها بالمصلين بعد عودة نسبة كبيرة من سكانها الذين نزحوا خلال الحرب. يقول عمر علي، أحد التجار بسوق أم درمان، للجزيرة نت إنهم عادوا لفتح محلاتهم التجارية رغم الدمار الذي لحق بالسوق. وأضاف "بدأنا تجارتنا من الصفر بعد أن نُهبت كل بضاعتنا ومحالنا التجارية". كان علي تاجرا في مجال المواد الغذائية قبل أن يتم تدمير متجره وحرق معظم أنحاء السوق، الذي يشهد أبرز أنشطة العاصمة الاقتصادية وأكبرها. وقال إن العودة إلى سوق أم درمان في ازدياد رغم الركود في حركة البيع والشراء. وتشير تقديرات الخبراء الاقتصاديين إلى أن الحرب تسببت في تدمير نحو 20% من الرصيد الرأسمالي للاقتصاد السوداني، الذي يُقدّر بنحو 600 مليار دولار. كما أدت إلى تآكل أكثر من نصف الناتج القومي الإجمالي البالغ متوسطه السنوي نحو 33 مليار دولار. ويرجع الخبراء حجم هذه الخسائر إلى اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم، التي تُعد المركز الاقتصادي الأول في البلاد بنسبة 25% من الاقتصاد السوداني، إضافة إلى امتداد الصراع إلى مدن حيوية أخرى مثل نيالا و الفاشر في دارفور و ود مدني ب ولاية الجزيرة ، وهي مناطق تُشكل عصب الإنتاج الزراعي والصناعي. بحري تتنفس بعد عامين من الحرب، اعتبرت مدينة الخرطوم بحري أكثر مدن العاصمة دمارا. وكانت تضم أسواقا ضخمة ومؤسسات خدمية وتعليمية وخطوط نقل تحولت جميعها إلى أنقاض. بيد أن المدينة التي تقع شمالي الخرطوم، بدأت في النهوض، وانتعشت أحياؤها الشمالية مثل "الدروشاب" و"السامراب" و"الكدرو" و"الحلفايا"، لا سيما بعد عودة التيار الكهربائي إليها. أما الحركة التجارية فلا تزال ضئيلة وسط الخرطوم بحري، وشرعت الحكومة في تأهيل بعض المرافق الصحية مثل مستشفى "حاج الصافي" بعد تدميره في الفترة السابقة. أما حركة النقل بين بحري وأم درمان، فتعد الأنشط. وبدأت بعض المصانع في المدينة العودة إلى العمل خاصة مصانع الدقيق والأدوية، رغم الدمار الهائل الذي طال منطقة بحري الصناعية. حركة الجسور تضم العاصمة الخرطوم أكثر من 10 جسور بينها جسور نيلية (على مجرى النيل)، وتعطلت الحركة كليا بين الجسور خلال الحرب، وخاصة التي تربط بين بحري وأم درمان والخرطوم، وشرق النيل وجبل أولياء. وبعد استعادة الجيش أكثر من 95% من العاصمة الخرطوم، عادت حركة الجسور مثل جسر النيل الأبيض وجسر الإنقاذ وجسر الحلفايا، التي تربط بين أم درمان وبحري للعمل. كما عادت الحركة لجسور "المك نمر" والنيل الأزرق وكوبر التي تربط بين الخرطوم والخرطوم بحري. وعاد الحركة أيضا إلى جسري سوبا والمنشية الرابطين بين الخرطوم وشرق النيل.

الخرطوم وهاء السكت
الخرطوم وهاء السكت

Independent عربية

time٢٦-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • Independent عربية

الخرطوم وهاء السكت

تتزاحم الفيديوهات على الوسائط عن مدينة الخرطوم بعد جلاء قوات "الدعم السريع" عنها، فكثيراً ما طاف أحدهم بكاميرا هاتفه في شارع من أحيائها، والراقية خصوصاً في الرياض والطائف والمعمورة، وقد خلا من كل حركة حتى إنك لا تسمع سوى خشخشة حذائه على الأرض وموسيقى جنائزية النشيج في الخلفية. وترى مدينة في حال "هاء السكت". وعلى أن "هاء السكت" مصطلح نحوي عربي إلا أنه ذاع منذ عقود عن الكاتب السوداني بشرى الفاضل الذي قال إنه مرض يصيب الشخص بحيرة لا قبل له بها فيلزم الصمت. وأنشبت "هاء السكت" أظافرها في المدينة. فخضرة أشجارها بلهاء التوهج لأنه لا عين تخضل برؤيتها. وأبواب دورها سدى لأن البيت الذي تحرسه مستباح من حيطانه الأربعة وحتى سقفه. ولافتات محال بقالاتها وصيدلياتها وكوافيرها عبثية حيث هي لأن لا بيع ولا شراء فيها. ونبت العشر في غفلة من الزمن، وتدلت جرائد النخل اليابسة شعثاء غبراء فأنا يستجاب لها، والسيارات عند الدور فاغر كبوتها، ظالع عند بعض إطارتها، لم يبقَ النهاش منها الاسم. ولم تبقَ لشارات المرور سوى التأرجح العقيم. بعبارة، حال المدينة هي ما وصف به الشاعر الوزير محمد أحمد محجوب السودان بعد وفاة السيد عبدالرحمن المهدي (1959)، فقال "وصوح الورد فيها بعد نضرته والماء جف بها واحطوطب العشب". صار العادي في مجرى الحياة حدثاً بعد سنتين من العيش إكراهياً اضطرارياً في براثن الحرب. وتعاظم بالنتيجة الاحتفال بالعادي. فتجد فيديو التقط صاحبه نداء كموسنجية موقف حافلات للركاب 'لفة لفة لفة'. الكلاكلة (حي في جنوب الخرطوم) اللفة اللفة اللفة". كان هذا نداء للركاب في يومه، لكنه صار بشارة في يومنا بعد السكت. وأطلق آخر العنان لكاميرا هاتفه في شارع بحي الشجرة بالخرطوم يصور كل ما يعثر به كإنجاز، أولاد وبنات في طريقهم إلى المدرسة وجلسة جيران عند شجرة ودكان فاتح أبوابه للبيع وبائع جالس على الأرض عند أكوام طماطم وبائع طعمية. الشيء نفسه. رقشة على زجاجها صورة الفنان محمود عبدالعزيز (الحوت) نجم الغناء في أوساط الشباب وسبيل مياه مبلل العروق ووالد يحمل بستلة وولده كأنهما عائدان من دكان وباب بيت عند شجرة، ثم باب بيت بعد باب بيت بعد باب بيت مختلفة الألوان، وشجرة ظليلة. وخلاص. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وصارت حماية البيوت والممتلكات ساحة لمبادرات متطوعين من غمار الشباب وغير متطوعين. فخشوا عليها من اللصوص العاديين، الشفشافة، حتى بعد خروج "الدعم السريع" من أحياء الخرطوم. فيظهر فتى ملتحٍ بسبحة حول عنقه متنقلاً بين سيارة وأخرى في مجمع منها. قال "ما زلنا مواصلين في شغلنا الإيجابي". وقف عند سيارة وسأل صاحبه. "دي فستو صاح؟". قال صاحبه "نعم. فستو"، فقال "بابها فاتح"، وقال صاحبه "ما عليها ديباجة"، وقال "وبلا رقم" وطلب من أصحاب السيارات المتروكة التواصل معه باسمه مدين ياسر على صفحته. وزاد أنهم إن تأخروا فقد لا يجدونها يوم يأتون في توقيتهم هم. وذهب من ثم إلى سيارة صفراء اللون، وسأل صاحبه "دي أوتوماتيك"، قال صاحبه "فستو بلا أرقام". ثم تحرك إلى عربة أخرى وصفها بـ"المضلعة"، قائلاً "والله المضلعة دي مال صاحبها مال حلال. تنتظر فقط صاحبها ليأتي ويسوقها من مكانها. وخاطب صاحبها "سيارتك تنتظرك. رقمها 82652". وتحرك نحو سيارة أخرى، قائلاً "دي عايزة بطارية ما عدا ذلك مكتملة". ثم إلى أخرى "هذه الأنصر. تبارك الله. الإطارات في محلها. جاهزة أيضاً. إذا تأخرت الدنيا ما مضمونة يا صاحبها". وجاء إلى سيارة أخرى "هذه أيضاً توسان 33645. ستحتاج إلى إطارات فقط. والله تبارك الله". وحاول فتح الباب ليقول بعد فشله "مؤمنة لم تفتح". وتحرك إلى سيارة أخرى، "دي توسان أيضاً. كاملة تعال يا صاحبها وتسلمها". وليقف عند غيرها "دي شفر سبارك (شيفروليه) تحتاج إلى بطارية. موجودة بحال كويسة". ثم تحرك إلى أخرى "وهذه هيونداي مكتملة 99323. إطارات وتدور. مبروك. حاجات على خفيف والله. لا تتأخر تضيع حقك". ثم سأل عند وقوفه عند سيارة أخرى "ما هذه؟"، فقال صاحبه "آي تونتي (I20)"، فردّ "عاملة حادثة في الظاهر. التفاصيل في الفيديو". ثم ظهر الشاب نفسه في فيديو صور عملية تقفيل أبواب البيوت. قال "زي ما اشتغلنا حملة تقفيل أبواب المنازل في حي الفيحاء بشرق النيل نواصل عملنا اليوم بحي المعمورة بطلب من بعض الأسر، وقمنا باللازم. الاتصال بنا على صفحاتنا في 'فيسبوك' و'تيك توك'. إذا ما رجعت بنفسك إلى بيتك فأسرع بإرسال أحد ليقعد في البيت. أصحاب البيوت يأتون لإقفال بيوتهم. ونحن بدأنا نقفل وتفاصيل شغلنا كما في الفيديو كما ترون. وإن شاء الله ربنا يتقبل". ووقف عند باب مغلق بطبل في نهاية سلسل وقال "هذا غير مفيد. لا يحفظ البيت من الحرامية عليه. نحن عاوزين نشتغل باللحام مثلما فعلنا في حي الفيحاء. يجزيكم الله خير. وربنا يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال". وبدا من فيديوهات بعضهم أنها ترويج لاستتباب الأحوال وبمثابة دعوة للنازحين إلى العودة، فقال أحدهم خلال فيديو عن شارع الشرقي في الخرطوم وعند "محل الفادني الإجمالي" "دا الفادني في شارع الشرقي"، وتظهر أكوام بصل. وواصل قائلاً "دي محال الفادني جملة وقطاعي وعنده غاز". وتظهر أنابيب الغاز على الفيديو. وزاد "وعنده بصل". ويظهر محل البقالة كامل العدد والعدة والبضاعة تملأ كل رف بينما يقف الزبائن أمام البائع. وجاء الصوت "وعنده فول وطعمية عمنا محمد وناس أحمد فاتحين عندو بارد، وكيك السيسي، وعنده العندومي، عنده كل المواد الغذائية، بالبيبي فاين". وقال سيد الدكان له "قول ليهم الفراخ جاي". وواصل صاحب الفيديو "وعنده اللحوم والفراخ والبهارات موجودة عندهم الفادني للجملة والقطاعي شارع الشرقي في الطائف بعد صبرنا شغالين عندهم الغاز" (يظهر كوم أنابيب غاز). ففي شارع نوباوتيا بحي جبرة بالخرطوم خرج أحدهم بفيديو مر به على جزء من السوق بالمحل ليعلن "الكافتيريا اشتغلت، الصيدلية اشتغلت، الموية جات". واحتفى آخر في حي الشجرة، الحامداب بفتح عبدالرحمن حمزة لمغلقه وسماه باسم الشهرة التي له منها اثنان، البرق وشنبر. وتجول آخر بالكاميرا في سوق الكلاكلة اللفة ليطوف بأكوام الطماطم والبصل والعجور. وظهر سوري من المقيمين في السودان على شارع الستين، قائلاً "سنبدأ تأهيل محالنا. فالخرطوم آمنة مطمئنة وسترجع أحسن من أول. قدام قدام". كما تجد من يروج لعودة الخدمات. فقال أحدهم إن "برنامج سقيا" في حي شمبات الأراضي بمدينة الخرطوم بحري حصل على لوحات للطاقة الشمسية من وقف ابن الحي سعد بابكر لتركيبها لتشغيل طلمبة المياه. وعرض آخر متوضأ ينصب الماء من حنفيته مدراراً منادياً إن الله أكبر. وعقبال الكهرباء. وشمل رفع آثار احتلال "الدعم السريع" للعاصمة إرشاد الناس للحذر من مخلفات الحرب. فكان أمام الرجل الذي عرف نفسه بـ"الفدائي من حي كوبر" (حي بالخرطوم بحري) مرتبة موضوعة عليها مجموعة من الطلقات والدانات مختلفة الأحجام. قال "أهلنا ناس كوبر. الناس تكون واعية. امتنعوا عن حريق ما حولكم من أكوام النفايات والزبالة. لا تحرقونها. هذه الدانة دي وجدناها في منزل ونوصي الناس يا جماعة أي زول لقى ذخيرة أو أي دانة يبلغ. الطلقات الصغيرة ممكن لمها عادي أما الدانات فمن وجدها يتركها حيث وجدها ويأتي إلى أحمد (إلى جانبه). والدانة التي أحملها هذه فيها انفصالان لا يزالان. لم تنفجر. بلغ. وأهم شيء لا تحرق النفايات لأنها قد تحوي دانات". كما اعتنى الناس بالإصحاح البيئي. فعرض أحدهم لكراكات تعمل في نظافة سوق خضراوات مدينة بحري الرئيس. فكنست الأنقاض والنفايات إلى جانب، بينما شرع متطوعون في نظافة مساطب البيع وتطهيرها. وبقيت، في قول صاحب الفيديو، مساطب البطيخ والبصل. ورحب بهذا الإنجاز لإقناع الناس بالعودة، وقال إن مثل هذا الإصحاح للبيئة جهاد في حد ذاته لأن "الدعم السريع" وأنصارها يروجون لغير هذا. كما قامت حملة في حي الكلاكلة القلعة بمحلية جبل أولياء لمكافحة نواقل الأمراض وصحة وسلامة المياه بدعم كويتي وفريق صحي من ولاية النيل الأبيض. وبعض هذه الخدمات في الأحياء قدمها خيرون من أهل الأحياء نفسها ومتطوعون من أهلها علق أحدهم على فيديو لشارع مطوي في هاء سكته في حي الصافية بأن "في الصمت كلاماً". فلم تصَب الخرطوم بهاء السكت جزافاً. وهو كلام غير رحيم عن تصالحها عند أنها طرف أصيل في الكارثة التي دمدمت عليها. وهي هذا الطرف بوجهين، فظلمت الخلق بإفراغها الدولة، وعلى عهد دولة الإنقاذ بصورة صميمة، فتقطعت سبلها بأهلها غير آصرة العنف، فصارت شبحاً مروعاً من وراء تطاول بنيانها وواجهاتها الأنيقة. أما الوجه الآخر، وهو الأنكر، فأنها آزرت بمعارضتها وسدت الدروب في وجهها فلم تعُد لها، وهي حاضنة "الوجود المغاير" في قول نبيه للشاعر التيجاني يوسف بشير (1912-1937)، سوى إذاعة تلك المظالم في الهامش من دون غيره لإيغار الصدور وتلويثها بمعارضة عقيم. ولما نجحت هذه المعارضة في الثورة عليها في ديسمبر (كانون الأول) عام 2018 لم يكُن قد اتفق لها وجود مغاير. والباقي حرب. الخرطوم المدينة تتعافى. ولكن عافيتها كحاضرة سياسية تنتظر فكراً غير الذي كان في نشأتها الأولى لتخرج من "هاء السكت" إلى الرحاب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store