
هكذا بدأت الخرطوم تنفض غبار الحرب
الخرطوم – في سوق الكلاكلة بجبل أولياء جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم ، استعادت المدينة ضجيج الحياة في الأسابيع الأخيرة، وعادت حركة الباعة والمتسوقين المتنقلين بين بسطات الخضار والفاكهة والمواد التموينية والمشروبات الباردة.
على جانب أحد طرقات السوق، لا تزال سيارة محترقة من مخلفات القتال الشرس الذي شهدته نواحي العاصمة طيلة عامين ماضيين حتى تمكنت قوات الجيش السوداني من استعادة السيطرة على معظم الخرطوم وإبعاد قوات الدعم السريع إلى خارجها.
وفي سوق الكلاكلة الذي يُعد من أكبر أسواق جنوب الخرطوم، عادت الأفران للعمل بالطاقة الشمسية في ظل انقطاع الكهرباء المتواصل، في حين بدأت حركة النقل ما بين الكلاكلة أقصى جنوب الخرطوم و أم درمان غربا في ازدياد مضطرد.
تعيد أصوات الباعة المتجولين للأذهان صخب ما قبل الحرب التي اندلعت أواسط أبريل/نيسان 2023 ولا تزال مستمرة، في حين أن العاملات في بيع الأطعمة والقهوة يشكلن حضورا بارزا ويعطين السوق صبغة خاصة، وسط عودة ملحوظة للسكان في الأحياء المجاورة مثل "طيبة الحسناب" وحي "الشجرة".
وتعكس حركة الناس والسيارات، وبعضها حديثة، وجه العاصمة السودانية عامة، التي بدت في الأسابيع الأخيرة كطائر الفينيق، تحاول النهوض من تحت الركام المتناثر على مدى عامين طالت الحرب فيهما كل ملامحها ودمرت بنيتها التحتية، فتحولت من واحة تضجّ بالحياة إلى مدينة أشباح مهجورة.
وفي الذكرى الأولى لاندلاع الحرب على السودان (أبريل/نيسان 2024) قدّرت المنظمة الدولية للهجرة أن نحو 10.7 ملايين شخص نزحوا بسبب النزاع السوداني، منهم 9 ملايين داخل البلاد، في حين فرَّ 1.7 مليون إلى دول الجوار. وأشارت البيانات في حينه إلى أن 90% من أهالي العاصمة الخرطوم نزحوا عنها.
مؤخرا، وبعد سيطرة الجيش عليها، يعود ضجيج الحياة رويدا رويدا إلى مدن الخرطوم المختلفة مثل بحري وشرق النيل، حيث استعادت الأسواق والمستشفيات وخطوط النقل نشاطها، فضلا عن استئناف بعض الجامعات التدريس بعد توقف لعامين.
Zobraziť tento príspevok na Instagrame
Príspevok, ktorý zdieľa الجزيرة (@aljazeera)
أم درمان الأسرع
في مدينة أم درمان، كبرى مدن العاصمة الخرطوم وأحد أبرز مراكزها الاقتصادية، عادت الحياة بصورة أقوى لأنها كانت الأسرع في مقاومة قوات الدعم السريع؛ حيث قام الجيش بتأمين أجزاء واسعة منها منذ وقت مبكّر. وعادت نسبة كبيرة من أهالي المدينة إلى أحيائها القديمة مثل "أبو روف" و"ود البنا" و"ود نوباوي" و"الهجرة".
وفي المدينة نفسها أيضا، استأنفت مستشفيات عدة نشاطها مثل مستشفى أم درمان التعليمي ومستشفي النو والمستشفى السعودي، الذي استقبل مراجعيه بمبانٍ مجددة طُليت جدرانها حديثا ورُفعت على أحد أقسامه لافتة تشير إلى "إعادة تأهيله بجهود تجمع الأطباء السودانيين في الولايات المتحدة".
وقال وزير الصحة بولاية الخرطوم فتح الرحمن الأمين للجزيرة نت إن بعض المستشفيات عادت للخدمة في الأيام الماضية خاصة في أم درمان بعد أن خربتها قوات الدعم السريع ونهبتها.
ووفق الوزير، فإن قوات الدعم السريع دمّرت المستشفيات بالعاصمة الخرطوم، فضلا عن تشريد الكوادر الطبية ونهب معداتها.
وفي قطاع التعليم الذي يكابد من أجل تعويض الفاقد الطويل لطلابه، فتحت جامعة الخرطوم -كبرى جامعات السودان وأقدمها- وعبر فروعها في أم درمان أبوابها. وضجت كلية التربية بأصوات الطلاب العائدين لمقاعدهم بعد انقطاع طويل. كما أعلنت عدد من الجامعات استعدادها للعودة في الفترة القادمة.
اقتصاديا، تعد أم درمان الأكثر نشاطا، حيث تعمل متاجرها على مدار الساعة، وعادت أبرز أسواقها للعمل مثل "سوق أم درمان" و"سوق صابرين"، وعجت شوارعها بحركة الباعة المتجولين. وبينما تمارس خطوط النقل الداخلية نشاطها المعتاد، اكتظت مساجدها بالمصلين بعد عودة نسبة كبيرة من سكانها الذين نزحوا خلال الحرب.
يقول عمر علي، أحد التجار بسوق أم درمان، للجزيرة نت إنهم عادوا لفتح محلاتهم التجارية رغم الدمار الذي لحق بالسوق. وأضاف "بدأنا تجارتنا من الصفر بعد أن نُهبت كل بضاعتنا ومحالنا التجارية".
كان علي تاجرا في مجال المواد الغذائية قبل أن يتم تدمير متجره وحرق معظم أنحاء السوق، الذي يشهد أبرز أنشطة العاصمة الاقتصادية وأكبرها. وقال إن العودة إلى سوق أم درمان في ازدياد رغم الركود في حركة البيع والشراء.
وتشير تقديرات الخبراء الاقتصاديين إلى أن الحرب تسببت في تدمير نحو 20% من الرصيد الرأسمالي للاقتصاد السوداني، الذي يُقدّر بنحو 600 مليار دولار. كما أدت إلى تآكل أكثر من نصف الناتج القومي الإجمالي البالغ متوسطه السنوي نحو 33 مليار دولار.
ويرجع الخبراء حجم هذه الخسائر إلى اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم، التي تُعد المركز الاقتصادي الأول في البلاد بنسبة 25% من الاقتصاد السوداني، إضافة إلى امتداد الصراع إلى مدن حيوية أخرى مثل نيالا و الفاشر في دارفور و ود مدني ب ولاية الجزيرة ، وهي مناطق تُشكل عصب الإنتاج الزراعي والصناعي.
بحري تتنفس
بعد عامين من الحرب، اعتبرت مدينة الخرطوم بحري أكثر مدن العاصمة دمارا. وكانت تضم أسواقا ضخمة ومؤسسات خدمية وتعليمية وخطوط نقل تحولت جميعها إلى أنقاض.
بيد أن المدينة التي تقع شمالي الخرطوم، بدأت في النهوض، وانتعشت أحياؤها الشمالية مثل "الدروشاب" و"السامراب" و"الكدرو" و"الحلفايا"، لا سيما بعد عودة التيار الكهربائي إليها.
أما الحركة التجارية فلا تزال ضئيلة وسط الخرطوم بحري، وشرعت الحكومة في تأهيل بعض المرافق الصحية مثل مستشفى "حاج الصافي" بعد تدميره في الفترة السابقة.
أما حركة النقل بين بحري وأم درمان، فتعد الأنشط. وبدأت بعض المصانع في المدينة العودة إلى العمل خاصة مصانع الدقيق والأدوية، رغم الدمار الهائل الذي طال منطقة بحري الصناعية.
حركة الجسور
تضم العاصمة الخرطوم أكثر من 10 جسور بينها جسور نيلية (على مجرى النيل)، وتعطلت الحركة كليا بين الجسور خلال الحرب، وخاصة التي تربط بين بحري وأم درمان والخرطوم، وشرق النيل وجبل أولياء.
وبعد استعادة الجيش أكثر من 95% من العاصمة الخرطوم، عادت حركة الجسور مثل جسر النيل الأبيض وجسر الإنقاذ وجسر الحلفايا، التي تربط بين أم درمان وبحري للعمل.
كما عادت الحركة لجسور "المك نمر" والنيل الأزرق وكوبر التي تربط بين الخرطوم والخرطوم بحري. وعاد الحركة أيضا إلى جسري سوبا والمنشية الرابطين بين الخرطوم وشرق النيل.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 3 أيام
- الجزيرة
هكذا بدأت الخرطوم تنفض غبار الحرب
الخرطوم – في سوق الكلاكلة بجبل أولياء جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم ، استعادت المدينة ضجيج الحياة في الأسابيع الأخيرة، وعادت حركة الباعة والمتسوقين المتنقلين بين بسطات الخضار والفاكهة والمواد التموينية والمشروبات الباردة. على جانب أحد طرقات السوق، لا تزال سيارة محترقة من مخلفات القتال الشرس الذي شهدته نواحي العاصمة طيلة عامين ماضيين حتى تمكنت قوات الجيش السوداني من استعادة السيطرة على معظم الخرطوم وإبعاد قوات الدعم السريع إلى خارجها. وفي سوق الكلاكلة الذي يُعد من أكبر أسواق جنوب الخرطوم، عادت الأفران للعمل بالطاقة الشمسية في ظل انقطاع الكهرباء المتواصل، في حين بدأت حركة النقل ما بين الكلاكلة أقصى جنوب الخرطوم و أم درمان غربا في ازدياد مضطرد. تعيد أصوات الباعة المتجولين للأذهان صخب ما قبل الحرب التي اندلعت أواسط أبريل/نيسان 2023 ولا تزال مستمرة، في حين أن العاملات في بيع الأطعمة والقهوة يشكلن حضورا بارزا ويعطين السوق صبغة خاصة، وسط عودة ملحوظة للسكان في الأحياء المجاورة مثل "طيبة الحسناب" وحي "الشجرة". وتعكس حركة الناس والسيارات، وبعضها حديثة، وجه العاصمة السودانية عامة، التي بدت في الأسابيع الأخيرة كطائر الفينيق، تحاول النهوض من تحت الركام المتناثر على مدى عامين طالت الحرب فيهما كل ملامحها ودمرت بنيتها التحتية، فتحولت من واحة تضجّ بالحياة إلى مدينة أشباح مهجورة. وفي الذكرى الأولى لاندلاع الحرب على السودان (أبريل/نيسان 2024) قدّرت المنظمة الدولية للهجرة أن نحو 10.7 ملايين شخص نزحوا بسبب النزاع السوداني، منهم 9 ملايين داخل البلاد، في حين فرَّ 1.7 مليون إلى دول الجوار. وأشارت البيانات في حينه إلى أن 90% من أهالي العاصمة الخرطوم نزحوا عنها. مؤخرا، وبعد سيطرة الجيش عليها، يعود ضجيج الحياة رويدا رويدا إلى مدن الخرطوم المختلفة مثل بحري وشرق النيل، حيث استعادت الأسواق والمستشفيات وخطوط النقل نشاطها، فضلا عن استئناف بعض الجامعات التدريس بعد توقف لعامين. Zobraziť tento príspevok na Instagrame Príspevok, ktorý zdieľa الجزيرة (@aljazeera) أم درمان الأسرع في مدينة أم درمان، كبرى مدن العاصمة الخرطوم وأحد أبرز مراكزها الاقتصادية، عادت الحياة بصورة أقوى لأنها كانت الأسرع في مقاومة قوات الدعم السريع؛ حيث قام الجيش بتأمين أجزاء واسعة منها منذ وقت مبكّر. وعادت نسبة كبيرة من أهالي المدينة إلى أحيائها القديمة مثل "أبو روف" و"ود البنا" و"ود نوباوي" و"الهجرة". وفي المدينة نفسها أيضا، استأنفت مستشفيات عدة نشاطها مثل مستشفى أم درمان التعليمي ومستشفي النو والمستشفى السعودي، الذي استقبل مراجعيه بمبانٍ مجددة طُليت جدرانها حديثا ورُفعت على أحد أقسامه لافتة تشير إلى "إعادة تأهيله بجهود تجمع الأطباء السودانيين في الولايات المتحدة". وقال وزير الصحة بولاية الخرطوم فتح الرحمن الأمين للجزيرة نت إن بعض المستشفيات عادت للخدمة في الأيام الماضية خاصة في أم درمان بعد أن خربتها قوات الدعم السريع ونهبتها. ووفق الوزير، فإن قوات الدعم السريع دمّرت المستشفيات بالعاصمة الخرطوم، فضلا عن تشريد الكوادر الطبية ونهب معداتها. وفي قطاع التعليم الذي يكابد من أجل تعويض الفاقد الطويل لطلابه، فتحت جامعة الخرطوم -كبرى جامعات السودان وأقدمها- وعبر فروعها في أم درمان أبوابها. وضجت كلية التربية بأصوات الطلاب العائدين لمقاعدهم بعد انقطاع طويل. كما أعلنت عدد من الجامعات استعدادها للعودة في الفترة القادمة. اقتصاديا، تعد أم درمان الأكثر نشاطا، حيث تعمل متاجرها على مدار الساعة، وعادت أبرز أسواقها للعمل مثل "سوق أم درمان" و"سوق صابرين"، وعجت شوارعها بحركة الباعة المتجولين. وبينما تمارس خطوط النقل الداخلية نشاطها المعتاد، اكتظت مساجدها بالمصلين بعد عودة نسبة كبيرة من سكانها الذين نزحوا خلال الحرب. يقول عمر علي، أحد التجار بسوق أم درمان، للجزيرة نت إنهم عادوا لفتح محلاتهم التجارية رغم الدمار الذي لحق بالسوق. وأضاف "بدأنا تجارتنا من الصفر بعد أن نُهبت كل بضاعتنا ومحالنا التجارية". كان علي تاجرا في مجال المواد الغذائية قبل أن يتم تدمير متجره وحرق معظم أنحاء السوق، الذي يشهد أبرز أنشطة العاصمة الاقتصادية وأكبرها. وقال إن العودة إلى سوق أم درمان في ازدياد رغم الركود في حركة البيع والشراء. وتشير تقديرات الخبراء الاقتصاديين إلى أن الحرب تسببت في تدمير نحو 20% من الرصيد الرأسمالي للاقتصاد السوداني، الذي يُقدّر بنحو 600 مليار دولار. كما أدت إلى تآكل أكثر من نصف الناتج القومي الإجمالي البالغ متوسطه السنوي نحو 33 مليار دولار. ويرجع الخبراء حجم هذه الخسائر إلى اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم، التي تُعد المركز الاقتصادي الأول في البلاد بنسبة 25% من الاقتصاد السوداني، إضافة إلى امتداد الصراع إلى مدن حيوية أخرى مثل نيالا و الفاشر في دارفور و ود مدني ب ولاية الجزيرة ، وهي مناطق تُشكل عصب الإنتاج الزراعي والصناعي. بحري تتنفس بعد عامين من الحرب، اعتبرت مدينة الخرطوم بحري أكثر مدن العاصمة دمارا. وكانت تضم أسواقا ضخمة ومؤسسات خدمية وتعليمية وخطوط نقل تحولت جميعها إلى أنقاض. بيد أن المدينة التي تقع شمالي الخرطوم، بدأت في النهوض، وانتعشت أحياؤها الشمالية مثل "الدروشاب" و"السامراب" و"الكدرو" و"الحلفايا"، لا سيما بعد عودة التيار الكهربائي إليها. أما الحركة التجارية فلا تزال ضئيلة وسط الخرطوم بحري، وشرعت الحكومة في تأهيل بعض المرافق الصحية مثل مستشفى "حاج الصافي" بعد تدميره في الفترة السابقة. أما حركة النقل بين بحري وأم درمان، فتعد الأنشط. وبدأت بعض المصانع في المدينة العودة إلى العمل خاصة مصانع الدقيق والأدوية، رغم الدمار الهائل الذي طال منطقة بحري الصناعية. حركة الجسور تضم العاصمة الخرطوم أكثر من 10 جسور بينها جسور نيلية (على مجرى النيل)، وتعطلت الحركة كليا بين الجسور خلال الحرب، وخاصة التي تربط بين بحري وأم درمان والخرطوم، وشرق النيل وجبل أولياء. وبعد استعادة الجيش أكثر من 95% من العاصمة الخرطوم، عادت حركة الجسور مثل جسر النيل الأبيض وجسر الإنقاذ وجسر الحلفايا، التي تربط بين أم درمان وبحري للعمل. كما عادت الحركة لجسور "المك نمر" والنيل الأزرق وكوبر التي تربط بين الخرطوم والخرطوم بحري. وعاد الحركة أيضا إلى جسري سوبا والمنشية الرابطين بين الخرطوم وشرق النيل.


الجزيرة
منذ 3 أيام
- الجزيرة
الخرطوم.. طائر الفينيق ينهض من تحت الركام
الخرطوم – في سوق الكلاكلة بجبل أولياء جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم ، استعادت المدينة ضجيج الحياة في الأسابيع الأخيرة، وعادت حركة الباعة والمتسوقين المتنقلين بين بسطات الخضار والفاكهة والمواد التموينية والمشروبات الباردة. على جانب أحد طرقات السوق، لا تزال سيارة محترقة من مخلفات القتال الشرس الذي شهدته نواحي العاصمة طيلة عامين ماضيين حتى تمكنت قوات الجيش السوداني من استعادة السيطرة على معظم الخرطوم وإبعاد قوات الدعم السريع إلى خارجها. وفي سوق الكلاكلة الذي يُعد من أكبر أسواق جنوب الخرطوم، عادت الأفران للعمل بالطاقة الشمسية في ظل انقطاع الكهرباء المتواصل، في حين بدأت حركة النقل ما بين الكلاكلة أقصى جنوب الخرطوم و أم درمان غربا في ازدياد مضطرد. تعيد أصوات الباعة المتجولين للأذهان صخب ما قبل الحرب التي اندلعت أواسط أبريل/نيسان 2023 ولا تزال مستمرة، في حين أن العاملات في بيع الأطعمة والقهوة يشكلن حضورا بارزا ويعطين السوق صبغة خاصة، وسط عودة ملحوظة للسكان في الأحياء المجاورة مثل "طيبة الحسناب" وحي "الشجرة". وتعكس حركة الناس والسيارات، وبعضها حديثة، وجه العاصمة السودانية عامة، التي بدت في الأسابيع الأخيرة كطائر الفينيق، تحاول النهوض من تحت الركام المتناثر على مدى عامين طالت الحرب فيهما كل ملامحها ودمرت بنيتها التحتية، فتحولت من واحة تضجّ بالحياة إلى مدينة أشباح مهجورة. وفي الذكرى الأولى لاندلاع الحرب على السودان (أبريل/نيسان 2024) قدّرت المنظمة الدولية للهجرة أن نحو 10.7 ملايين شخص نزحوا بسبب النزاع السوداني، منهم 9 ملايين داخل البلاد، في حين فرَّ 1.7 مليون إلى دول الجوار. وأشارت البيانات في حينه إلى أن 90% من أهالي العاصمة الخرطوم نزحوا عنها. مؤخرا، وبعد سيطرة الجيش عليها، يعود ضجيج الحياة رويدا رويدا إلى مدن الخرطوم المختلفة مثل بحري وشرق النيل، حيث استعادت الأسواق والمستشفيات وخطوط النقل نشاطها، فضلا عن استئناف بعض الجامعات التدريس بعد توقف لعامين. Zobraziť tento príspevok na Instagrame Príspevok, ktorý zdieľa الجزيرة (@aljazeera) أم درمان الأسرع في مدينة أم درمان، كبرى مدن العاصمة الخرطوم وأحد أبرز مراكزها الاقتصادية، عادت الحياة بصورة أقوى لأنها كانت الأسرع في مقاومة قوات الدعم السريع؛ حيث قام الجيش بتأمين أجزاء واسعة منها منذ وقت مبكّر. وعادت نسبة كبيرة من أهالي المدينة إلى أحيائها القديمة مثل "أبو روف" و"ود البنا" و"ود نوباوي" و"الهجرة". وفي المدينة نفسها أيضا، استأنفت مستشفيات عدة نشاطها مثل مستشفى أم درمان التعليمي ومستشفي النو والمستشفى السعودي، الذي استقبل مراجعيه بمبانٍ مجددة طُليت جدرانها حديثا ورُفعت على أحد أقسامه لافتة تشير إلى "إعادة تأهيله بجهود تجمع الأطباء السودانيين في الولايات المتحدة". وقال وزير الصحة بولاية الخرطوم فتح الرحمن الأمين للجزيرة نت إن بعض المستشفيات عادت للخدمة في الأيام الماضية خاصة في أم درمان بعد أن خربتها قوات الدعم السريع ونهبتها. ووفق الوزير، فإن قوات الدعم السريع دمّرت المستشفيات بالعاصمة الخرطوم، فضلا عن تشريد الكوادر الطبية ونهب معداتها. وفي قطاع التعليم الذي يكابد من أجل تعويض الفاقد الطويل لطلابه، فتحت جامعة الخرطوم -كبرى جامعات السودان وأقدمها- وعبر فروعها في أم درمان أبوابها. وضجت كلية التربية بأصوات الطلاب العائدين لمقاعدهم بعد انقطاع طويل. كما أعلنت عدد من الجامعات استعدادها للعودة في الفترة القادمة. اقتصاديا، تعد أم درمان الأكثر نشاطا، حيث تعمل متاجرها على مدار الساعة، وعادت أبرز أسواقها للعمل مثل "سوق أم درمان" و"سوق صابرين"، وعجت شوارعها بحركة الباعة المتجولين. وبينما تمارس خطوط النقل الداخلية نشاطها المعتاد، اكتظت مساجدها بالمصلين بعد عودة نسبة كبيرة من سكانها الذين نزحوا خلال الحرب. يقول عمر علي، أحد التجار بسوق أم درمان، للجزيرة نت إنهم عادوا لفتح محلاتهم التجارية رغم الدمار الذي لحق بالسوق. وأضاف "بدأنا تجارتنا من الصفر بعد أن نُهبت كل بضاعتنا ومحالنا التجارية". كان علي تاجرا في مجال المواد الغذائية قبل أن يتم تدمير متجره وحرق معظم أنحاء السوق، الذي يشهد أبرز أنشطة العاصمة الاقتصادية وأكبرها. وقال إن العودة إلى سوق أم درمان في ازدياد رغم الركود في حركة البيع والشراء. وتشير تقديرات الخبراء الاقتصاديين إلى أن الحرب تسببت في تدمير نحو 20% من الرصيد الرأسمالي للاقتصاد السوداني، الذي يُقدّر بنحو 600 مليار دولار. كما أدت إلى تآكل أكثر من نصف الناتج القومي الإجمالي البالغ متوسطه السنوي نحو 33 مليار دولار. ويرجع الخبراء حجم هذه الخسائر إلى اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم، التي تُعد المركز الاقتصادي الأول في البلاد بنسبة 25% من الاقتصاد السوداني، إضافة إلى امتداد الصراع إلى مدن حيوية أخرى مثل نيالا و الفاشر في دارفور و ود مدني ب ولاية الجزيرة ، وهي مناطق تُشكل عصب الإنتاج الزراعي والصناعي. بحري تتنفس بعد عامين من الحرب، اعتبرت مدينة الخرطوم بحري أكثر مدن العاصمة دمارا. وكانت تضم أسواقا ضخمة ومؤسسات خدمية وتعليمية وخطوط نقل تحولت جميعها إلى أنقاض. بيد أن المدينة التي تقع شمالي الخرطوم، بدأت في النهوض، وانتعشت أحياؤها الشمالية مثل "الدروشاب" و"السامراب" و"الكدرو" و"الحلفايا"، لا سيما بعد عودة التيار الكهربائي إليها. أما الحركة التجارية فلا تزال ضئيلة وسط الخرطوم بحري، وشرعت الحكومة في تأهيل بعض المرافق الصحية مثل مستشفى "حاج الصافي" بعد تدميره في الفترة السابقة. أما حركة النقل بين بحري وأم درمان، فتعد الأنشط. وبدأت بعض المصانع في المدينة العودة إلى العمل خاصة مصانع الدقيق والأدوية، رغم الدمار الهائل الذي طال منطقة بحري الصناعية. حركة الجسور تضم العاصمة الخرطوم أكثر من 10 جسور بينها جسور نيلية (على مجرى النيل)، وتعطلت الحركة كليا بين الجسور خلال الحرب، وخاصة التي تربط بين بحري وأم درمان والخرطوم، وشرق النيل وجبل أولياء. وبعد استعادة الجيش أكثر من 95% من العاصمة الخرطوم، عادت حركة الجسور مثل جسر النيل الأبيض وجسر الإنقاذ وجسر الحلفايا، التي تربط بين أم درمان وبحري للعمل. كما عادت الحركة لجسور "المك نمر" والنيل الأزرق وكوبر التي تربط بين الخرطوم والخرطوم بحري. وعاد الحركة أيضا إلى جسري سوبا والمنشية الرابطين بين الخرطوم وشرق النيل.


الجزيرة
منذ 7 أيام
- الجزيرة
وقف صادرات نفط جنوب السودان عبر السودان.. أسباب تقنية أم سياسية؟
قبل أيام من استئناف تصدير نفط جنوب السودان عبر الموانئ السودانية بعدما توقف نحو عام، شرعت الخرطوم في إغلاق خط الأنابيب الناقل للخام مرة أخرى، في خطوة عدّها مراقبون رسالة سياسية واقتصادية موجهة إلى جوبا، التي تتهمها دوائر حكومية سودانية بدعم قوات الدعم السريع. وقال مصدر في وزارة الطاقة والنفط السودانية إن السودان أبلغ حكومة جنوب السودان بأن السلطات السودانية أصدرت توجيهات لشركات النفط للبدء في إغلاق خط الأنابيب الناقل لخام النفط من جنوب السودان إلى موانئ التصدير في بورتسودان، حسبما أفاد مراسل الجزيرة في السودان. وعزا وزير الطاقة والنفط السوداني محيي الدين نعيم، في رسالة لنظيره الجنوب سوداني، الخطوة إلى هجمات نفذتها طائرات مسيرة تابعة ل قوات الدعم السريع استهدفت منشآت نفطية في السودان. وأوضحت الرسالة أن طائرة مسيرة هاجمت في التاسع من مايو/أيار الجاري محطة ضخ في منطقة الهودي شرقي عطبرة بولاية نهر النيل، مما أسفر عن خسائر بالغة، وقبلها بيوم هاجمت طائرة مسيرة مستودعًا للوقود بولاية النيل الأبيض. وأشارت الرسالة أيضًا إلى أن الهجمات على محطات الكهرباء تسببت في انقطاع التيار عن المحطات البحرية، مما أثّر على قدرتها في تحميل النفط الخام بشكل متزامن، إلى جانب أن استهداف المستودعات يهدد بحدوث نقص حاد في إمدادات الوقود الضرورية لأنظمة النقل. لماذا تصدر دولة جنوب السودان نفطها الخام عبر الأراضي والموانئ السودانية على البحر الأحمر؟ منذ انفصالهما في عام 2011، يعتمد جنوب السودان الذي لا يمتلك منافذ بحرية على تصدير نفطه عبر ميناء بورتسودان على البحر الأحمر. ويبلغ تدفق النفط الخام من جنوب السودان حوالي 100 ألف برميل يوميًا، مما يعد مصدرًا مهمًا للإيرادات لكلا الدولتين. كما أن غالبية الحقول ومراكز المعالجة الفنية تقع داخل الحدود السودانية، وقد تم تنفيذ خط الأنابيب السوداني قبل الانفصال. ودرست جوبا إنشاء خطوط أنابيب بديلة عبر كينيا أو جيبوتي مرورًا بإثيوبيا، لكنها وجدت أن ذلك لا جدوى اقتصادية منه، وأن السودان هو الخيار الأفضل لها في ظل ظروفها الحالية. هل سيكون وقف التصدير هو المرة الأولى منذ انفصال الجنوب عن جارته الشمالية؟ في فبراير/شباط 2024، أعلنت وزارة الطاقة في السودان حالة القوة القاهرة بعد توقف الخط عن العمل بسبب تجمد النفط داخل خط الأنابيب لأسباب فنية، إثر سيطرة قوات الدعم السريع على محطتي ضخ في ولاية النيل الأبيض وشرق ولاية الخرطوم. وفي مارس/آذار الماضي، أبلغت وزارة النفط السودانية نظيرتها الجنوبية برفع حالة "القوة القاهرة"، وبدأ ضخ الخام عبر الأنابيب بعد ذلك. كما استؤنف نقل نفط جنوب السودان عبر الأنابيب السودانية في أبريل/نيسان 2012 بعد توقف دام أكثر من عام، نتيجة تصاعد التوتر بين البلدين، وخصوصًا حول تقاسم عائدات النفط ورسوم عبوره. وفي السابع من مايو/أيار 2023، أعلنت الخرطوم أن نفط جنوب السودان تدفق مجددًا عبر الأراضي السودانية، ولكن في 27 من الشهر ذاته، أمر الرئيس السوداني السابق عمر البشير بوقف تدفق نفط الجنوب عبر الأراضي السودانية، بعدما اتهم حكومة الجنوب بدعم المتمردين في ولاية جنوب كردفان المحاذية لجنوب السودان وفي إقليم دارفور، قبل أن يتم تسوية الأزمة بين القيادتين لاحقًا. ما كمية النفط التي تنتجها دولة جنوب السودان؟ يمتلك جنوب السودان كمية كبيرة من احتياطات النفط المؤكدة، تضعه في المرتبة الثالثة في أفريقيا. وفي عام 2020، بلغ إجمالي تلك الاحتياطات نحو 3.5 مليارات برميل، معظمها غير مستغل بسبب ضعف البنية التحتية وضعف الاستثمارات. وورث جنوب السودان 75% من الاحتياطي النفطي السوداني عند إعلان استقلاله في يوليو/تموز 2011. وكان ينقل نحو 150 ألف برميل يوميًا من النفط الخام عبر السودان للتصدير، بموجب اتفاقية أُبرمت بعد الاستقلال، ليسيطر على ثلثي إنتاج النفط. وفي ذروته قبل الحرب الأهلية في دولة الجنوب، بلغ إنتاج النفط الخام في جنوب السودان ما بين 350 ألفًا إلى 400 ألف برميل يوميًا. ما الاتفاقيات الحاكمة بين السودان وجارته الجنوبية؟ وقّع البلدان، عقب انفصال الجنوب، اتفاقية لتصدير إنتاجه النفطي عبر خطين، يمتد أحدهما بطول أكثر من 1500 كيلومتر من حوض ملوط في ولاية أعالي النيل الجنوبية إلى ميناء بشائر السوداني على ساحل البحر الأحمر، في حين ينقل خط أنابيب آخر النفط من ولاية الوحدة إلى الميناء ذاته. وحسب ما أفاد به مسؤول في وزارة النفط السودانية للجزيرة نت، فإن الاتفاق يشمل كذلك استخدام منشآت المعالجة الفنية، وتشغيل 6 محطات ضخ في الأراضي السودانية حتى يصل الخام إلى ميناء بشائر. كيف يستفيد السودان ماديًا من ذلك؟ يوضح المسؤول الحكومي الذي طلب عدم الكشف عن هويته أن السودان يحصل على 25 دولارًا عن كل برميل، وتشمل رسوم معالجة النفط ورسوم النقل، بالإضافة إلى الرسوم السيادية والنسبة المتبقية من عائدات الترتيبات المالية الانتقالية الخاصة بتعويض السودان عما فقده من إيرادات بانفصال الجنوب. كما يستفيد السودان أيضًا بأخذ 10 آلاف برميل نصيبه خامًا لتكريره في مصفاة الخرطوم، وذلك بعد تراجع الإنتاج السوداني من حوالي 100 ألف برميل بعد انفصال الجنوب، إلى نحو 60 ألف برميل قبل اندلاع الحرب، وتدهور حاليًا إلى 15 ألف برميل يوميًا. ويستفيد السودان كذلك من الحصول على 18 ألف برميل يوميًا، خصمًا على نصيبه من الرسوم، لتشغيل محطة "أم دباكر" لتوليد الكهرباء في ولاية النيل الأبيض. وتعوض تلك الرسوم والخدمات ما فقدته الخرطوم عقب انفصال الجنوب، حيث فقدت ثلثي إنتاج النفط لوقوع الحقول في دولة الجنوب، وكانت عائدات النفط تمثل نحو 90% من موارد النقد الأجنبي للبلاد، وفقًا للمتحدث. كم تجني حكومة جنوب السودان من الأموال؟ يمثل القطاع النفطي العمود الفقري للاقتصاد في دولة جنوب السودان منذ إعلان انفصالها، ويشكّل النفط حوالي 98% من إجمالي الإيرادات الحكومية، و60% من الناتج المحلي الإجمالي، كما يعد المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي. وقد أنشأت حكومة الجنوب مصافي صغيرة لتكرير النفط، مما وفّر المحروقات وأسهم في استقرار الخدمات وتقليل الاعتماد على استيراد المشتقات النفطية. ويرى الباحث الاقتصادي خالد سليمان، في حديثه للجزيرة نت، أن الجنوب لديه مصلحة مباشرة في استئناف تصدير النفط لضمان استقراره السياسي والاقتصادي، حيث إن جميع نفقات التنمية ورواتب الموظفين تعتمد عليه. ومنذ حوالي عام، لم يتلق العاملون في الدولة وبعض القوات الحكومية رواتبهم، كما فقدت العملة "الجنيه" أكثر من 70% من قيمتها، وتصاعدت أسعار السلع والخدمات بعد توقف صادر النفط. هل تلويح السودان بوقف صادر نفط الجنوب وراءه أسباب تقنية أم سياسية أيضًا؟ يعتقد مراقبون أن هناك صعوبات فنية بعد قصف قوات الدعم السريع، عبر طائرات مسيرة، محطات كهرباء قرب بورتسودان، تغذي محطة ضخ خام النفط الجنوبي، مما أدى إلى توقفها. كما احترق بالقصف مستودع للوقود في الميناء يُستخدم في تشغيل المعدات والأجهزة المرتبطة بصادرات النفط. ولا يستبعد المراقبون أن تكون الحكومة السودانية تلوّح بوقف تصدير نفط الجنوب لممارسة ضغوط على جوبا، التي تتهمها تقارير دولية ومنصات قريبة من الجيش السوداني بتقديم تسهيلات لقوات الدعم السريع، وتمرير الأسلحة والوقود إلى إقليم دارفور عبر الحدود المشتركة، ومشاركة مرتزقة من الجنوب إلى جانب قوات الدعم السريع، وأسر وقتل مئات منهم.