logo
#

أحدث الأخبار مع #الكوميدياديلارتي،

التلفزيون المغربي: فرصة مهدورة للارتقاء الثقافي
التلفزيون المغربي: فرصة مهدورة للارتقاء الثقافي

إيطاليا تلغراف

time٢٨-٠٣-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • إيطاليا تلغراف

التلفزيون المغربي: فرصة مهدورة للارتقاء الثقافي

إيطاليا تلغراف عبد العزيز العمراني أستاذ التعليم العالي المغرب مع اقتراب نهاية شهر رمضان المبارك، يحق لنا تقديم بعض الملاحظات العامة حول الإنتاجات الفنية التي عُرضت على القنوات الحكومية المغربية. قد يتساءل البعض: لماذا أقحم نفسي في مجال يُعد حكرًا على النقاد الفنيين؟ غير أنني، باعتباري أستاذًا للأدب والدراسات الثقافية، وأحد المساهمين في تمويل القنوات العمومية عبر الضرائب، أجد نفسي معنيًا بمستوى الرداءة التي تطغى على معظم البرامج الفنية المعروضة خلال شهر رمضان المبارك على القنوات الرسمية للدولة. فالصمت أمام هذا الانحطاط من قِبل المختصين والمثقفين لا يؤدي إلا إلى شرعنته واستمراره، مما يخلق واقعًا ثقافيًا مُشوّهًا لا يعكس عمق الهوية المغربية. الفن ليس فقط مجرد وسيلة للترفيه والتسلية، بل هو أيضا أداة قوية تُسهم في تقدم الأمم عبر نقد البُنى السلطوية وكشف الظواهر الاجتماعية التي تعيق تطورها. فمن خلال مساءلة الوضع القائم، يساهم الفن في رفع مستوى الوعي المجتمعي، ويفضح المظالم، ويسلط الضوء على الفئات المهمشة، بل وقد يؤدي أحيانًا إلى تغييرات قانونية واجتماعية عميقة. في أوروبا، كان للأعمال المسرحية والأدبية تأثير هائل في نقد السلطة وتوجيه الرأي العام، كما هو الحال مع مسرحيات شكسبير التي كشفت خفايا الصراع السياسي، أو روايات فيكتور هوغو التي ساهمت في إثارة الوعي حول الظلم الاجتماعي، ولا سيما البؤساء التي ألقت الضوء على معاناة الطبقات المسحوقة وساهمت في تحفيز النقاش حول الإصلاحات الاجتماعية في فرنسا. وإذا نظرنا إلى إيطاليا، نجد أن النهضة الأوروبية ذاتها لم تكن لتتحقق لولا الدور الحاسم للفن في تشكيل وعي المجتمع وإعادة تعريف القيم الجمالية والفكرية. ففي عصر النهضة، لم يكن الفن مجرد انعكاس للواقع، بل كان قوة محركة للتغيير والإبداع. لقد لعبت أعمال مايكل أنجلو ورافائيل وليوناردو دافنشي دورًا جوهريًا في ترسيخ قيم الفكر الإنساني وإعادة الاعتبار للجمال والمعرفة. كما أن المسرح الإيطالي، ممثلًا في الكوميديا ديلارتي، ساهم في توجيه النقد الاجتماعي والسياسي من خلال شخصيات ساخرة كشفت عيوب الطبقات الحاكمة وألهمت الحركات الإصلاحية لاحقًا. هذه النهضة الفنية لم تكن ترفًا، بل كانت تعبيرًا عن طموح أمة بأكملها للخروج من عصور الظلام نحو الحداثة والتقدم. إذا كان التاريخ الأوروبي حافلًا بأمثلة تثبت قدرة الفن على قيادة التغيير، فإن المغرب، بحضارته العريقة الممتدة لآلاف السنين، يستحق أن يكون له إنتاج فني يرقى إلى مستوى هذا الإرث الثقافي. لكن، وللأسف، ما يُعرض اليوم على القنوات العمومية لا يعكس الهوية المغربية ولا يواكب التحولات الفكرية التي تشهدها البلاد، بل يساهم في تسطيح الوعي الجماعي من خلال محتوى خالٍ من العمق والإبداع. إن المتأمل في مضامين الأفلام والمسلسلات والسيتكومات التي تُعرض على القنوات المغربية يجد أنها، بدلًا من أن تُقدم محتوى راقيًا يعزز القيم الإيجابية، تُكرّس أنماطًا اجتماعية وسلوكية غير أخلاقية لا تمتّ إلى النسيج الثقافي المغربي بصلة. نلاحظ، على سبيل المثال، الترويج لعلاقات محرّمة، مثل علاقة رجل بزوجة عمّه، أو تصوير فتاة قاصر تدخل في علاقة غير متكافئة مع رجل خمسيني، مما يُعد تطبيعًا مع ممارسات غير مقبولة اجتماعيًا. كما أن الانتشار المفرط لمشاهد العنف واستعمال الأسلحة البيضاء، إلى جانب توظيف عبارات سوقية مبتذلة، يعكس انحدارًا في الذوق العام بدلًا من الارتقاء به. والمثير للسخرية أن بعض هذه الأعمال لا تتناول أي قضية مجتمعية ذات مغزى، بل تدور في حلقات مفرغة، كما هو الحال مع بعض الإنتاجات التي لا يجد مخرجوها موضوعًا أكثر أهمية من تصوير مشاهد عشوائية لسرقة أبقار في كل حلقة! إن خطورة هذا النوع من المحتوى لا تكمن فقط في تدني مستواه الفني، بل في تأثيره على الأجيال القادمة، حيث يُعيد تشكيل وعيهم وفق أنماط ثقافية لا تعكس واقعهم الحقيقي، بل تكرّس قيمًا سطحية تُفرغ الفن من جوهره التنويري. وقد شهد التاريخ الأوروبي فترات مشابهة، حيث انتشرت في بعض الحقب أعمال تهدف إلى الترفيه الفج دون أي قيمة فنية أو فكرية، مما دفع نخبة من المثقفين إلى المطالبة بإصلاحات ثقافية شاملة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، الحركة الأدبية والفنية في عصر التنوير، التي واجهت الرداءة السائدة آنذاك وساهمت في تطوير أعمال نقدية هادفة، مثل كتابات ديدرو ومونتسكيو التي لعبت دورًا في تشكيل الوعي السياسي والاجتماعي. إن استمرار هذا التوجه في الإنتاج التلفزيوني المغربي يُعد مؤشرًا خطيرًا على انحراف الفن عن دوره الحقيقي. فبدلًا من أن يكون أداة للإبداع والتطور، أصبح وسيلة لتكريس الركود الثقافي والجمود الفكري. والأدهى من ذلك هو غياب الدراما الدينية والتاريخية التي تعكس الإسلام المغربي المعتدل والشخصية المغربية المتفردة. فالمغرب، بتاريخه العريق وإرثه الروحي والثقافي الغني، يزخر بشخصيات تاريخية تستحق أن تُقدَّم في أعمال درامية تبرز قيم التسامح والاعتدال التي ميّزت التجربة المغربية عبر العصور. لكن بدلًا من ذلك، نجد المحتوى المعروض اليوم يقتصر على أنماط نمطية مكررة، تُهمّش البعد الحضاري والديني للبلاد، ولا تُقدّم أي بديل فكري أو ثقافي يمكن أن يساهم في بناء وعي مجتمعي رصين. رغم هذه العتمة التي تغلف المشهد الفني، إلا أن هناك نقطة مضيئة تستحق الإشادة. تتمثل هذه النقطة في بعض المحاولات الفنية الناجحة التي سعت إلى إحداث تغيير في المجتمع عبر تسليط الضوء على الظواهر القبيحة والممارسات الاجتماعية السلبية. على سبيل المثال، تناول بعض الأعمال الفنية قضايا مثل التسول، الذي أصبح ظاهرة تزداد تعقيدًا في المغرب، والرقية الشرعية التي يتم استغلالها لأغراض تجارية أو لترويج الخرافات. هذه الأعمال لم تكتفِ بتسليط الضوء على هذه الظواهر، بل دعت أيضًا إلى ضرورة معالجتها على المستوى الاجتماعي والإنساني. وعلى الرغم من أن هذه المحاولات قد تكون قليلة، إلا أنها تعكس وعيًا فنيًا حقيقيًا واهتمامًا بالقضايا المجتمعية التي تساهم في بناء ثقافة نقدية ومؤثرة. المغرب، كأمة ذات تراث حضاري عميق، يستحق فنًا يُسهم في تطوير فكر أبنائه، لا أن يُغرقهم في مستنقع التفاهة والاستهلاك السطحي. وإذا كان الفن في أوروبا قد نجح في تجاوز مراحل الرداءة بفضل جهود المثقفين والنقاد الذين طالبوا بالإصلاح، فإن المغرب بحاجة إلى نهضة فنية مماثلة تعيد للفن مكانته كوسيلة للتنوير والتغيير. إيطاليا تلغراف

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store