logo
#

أحدث الأخبار مع #الهيئةالفرنسيةفرانس

فرنسا لا تحتاج إلى مواجهة المهاجرين بـ "سياسة أوروبية"
فرنسا لا تحتاج إلى مواجهة المهاجرين بـ "سياسة أوروبية"

Independent عربية

timeمنذ يوم واحد

  • أعمال
  • Independent عربية

فرنسا لا تحتاج إلى مواجهة المهاجرين بـ "سياسة أوروبية"

مع التغيرات الديموغرافية السريعة في فرنسا لم تعد الهجرة مجرد قضية سياسية أو اجتماعية، بل أصبحت ركيزة أساسية لضمان استدامة الاقتصاد ونظام الحماية الاجتماعية، ويسلط تقرير حديث صادر عن مركز الأبحاث "تيرا نوفا" الضوء على الحاجة الملحة إلى استقبال أعداد كبيرة من العمال المهاجرين سنوياً كحل ضروري لمواجهة تحديات شيخوخة السكان وتراجع معدلات الولادة التي تهدد التوازن بين القوى العاملة وغير النشيطة في البلاد. وقدَّر معدو التقرير أن فرنسا تحتاج إلى استقبال نحو 310 آلاف مهاجر جديد سنوياً للحفاظ على توازن القوى العاملة، وتعد الهجرة ليست خياراً مفتوحاً بلا ضوابط، بل ضرورة مدروسة تهدف إلى دعم القطاعات الاقتصادية الحيوية وضمان استمرار النمو الاقتصادي والاجتماعي في فرنسا. ويؤكد التقرير أن الهدف ليس فتح الحدود بصورة كاملة، بل المحافظة على مستوى الانفتاح الحالي مع توجيه أكبر لواردات المهاجرين نحو القطاعات الأكثر حاجة. العمال المهاجرون عماد الاقتصاد الفرنسي تشير دراسة أجرتها دائرة الدراسات والإحصاءات "داراس"، الجهة الإحصائية التابعة لوزارة العمل الفرنسية، إلى أن العمال المهاجرين يشكلون نسبة كبيرة في قطاعات عدة، منها 39 في المئة في الخدمة المنزلية، و28 في المئة في الأمن، و39 في المئة في الخدمة المنزلية، والعمال ذوو المهارات المحدودة في البناء الثقيل والاستخراج بنسبة 27 في المئة، إضافة إلى العمال المهرة في البناء بنسبة 25 في المئة، وهذه القطاعات تعاني نقصاً في العمالة المحلية بسبب الطلب المرتفع. ولا يقتصر دور المهاجرين على الوظائف ذات المهارات المحدودة، بل يتعداه ليشمل وظائف عالية التأهيل تعاني أيضاً نقصاً في الأيدي العاملة، مثل الأطباء الجراحين الحاصلين على شهاداتهم من الخارج، الذين يمثلون 21 في المئة من المتخصصين في هذا المجال. وتبرز جائحة "كوفيد-19" بوضوح أهمية العمالة المهاجرة، فقد أظهرت دراسة لمجلس التحليل الاقتصادي، أشار إليها تقرير مركز "تيرا نوفا"، أن القطاعات التي تعتمد بصورة كبيرة على العمالة الأجنبية، مثل الصناعة وتكنولوجيا المعلومات والعمل المنزلي، وكذلك الفنادق والمطاعم، شهدت خلال عامي 2019 و2020 تراجعاً حاداً في تصاريح الإقامة بنسبة 20.5 في المئة، وفي التأشيرات بنسبة تقارب 80 في المئة، بسبب تداعيات الجائحة، وأدى ذلك خلال عام واحد من بداية الجائحة إلى اختلالات عدة، مما يؤكد أهمية المهاجرين في دعم الاقتصاد الفرنسي. فيما يتعلق باستعداد الفرنسيين لاستقبال موجة جديدة من المهاجرين كشفت نتائج استطلاع أجرته مؤسسة "كرادوك" بالتعاون مع مركز "تيرا نوفا" عن أن 55 في المئة منهم يعارضون زيادة أعداد المهاجرين في فرنسا، بينما أبدى 43 في المئة منهم قبولهم لاستقبال مهاجرين بشرط أن تكون الهجرة منظمة ومحددة وفقاً لحاجات سوق العمل، مما يشير إلى تفضيل أكبر للهجرة العمالية مقارنة بالهجرة العائلية. مع ذلك يبقى الرأي العام منقسماً بوضوح حول ملف الهجرة، حيث كشف استطلاع آخر عن أن نحو نصف الفرنسيين يدعمون تبني سياسة هجرة صفرية، وفي هذا السياق، تعترف مؤسسة "تيرا نوفا" بوجود هذا الانقسام، لكنها تؤكد ضرورة إدارة الحوار بشفافية ووضوح، معتبرة أن الهجرة ليست حلاً موقتاً، بل ضرورة حتمية لمواجهة التحديات الاجتماعية والديموغرافية التي تنتظر فرنسا في المستقبل. ومن جهتها أظهرت دراسة صادرة عن الهيئة الفرنسية "فرانس استراتيجي"، المتخصصة في التحليل الاستشرافي عام 2022، أن الفرنسيين يميلون بصورة متزايدة إلى دعم الهجرة الموجهة، لا سيما مع توقع ازدياد نقص اليد العاملة في قطاعات تعاني ضغوطاً متنامية خلال السنوات المقبلة. وأشار مركز الأبحاث "تيرا نوفا" في استطلاع رأي له حول تصورات الفرنسيين للهجرة إلى أن معالجة هذه القضية تتطلب تعزيز قبول المجتمع للهجرة. وفي السياق نفسه كشفت دراسة أجراها مركز "كريدوك" لدراسة ورصد ظروف المعيشة أن 73 في المئة من المشاركين يبالغون في تقدير نسبة المهاجرين ضمن السكان، حيث يعتقد أكثر من ثلثهم أن النسبة تتجاوز 25 في المئة، بينما تقدر الهيئة الوطنية للإحصاء "إينسي" هذه النسبة بـ10.7 في المئة. قراءة وتحليل في تقرير "تيرا نوفا" يرى المحلل السياسي المتخصص في الشأن الفرنسي نبيل شوفان أن قضية العمال المهاجرين تعد من أكثر القضايا تعقيداً وإثارة للجدل في فرنسا، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي، ففي بلد عرف تاريخياً بانفتاحه الثقافي واستقباله للمهاجرين منذ الحقبة الاستعمارية، تشهد النقاشات حول الهجرة اليوم تصاعداً في التوتر، بخاصة مع تنامي نفوذ الأحزاب اليمينية المتطرفة، ويأتي هذا الجدل بين من يعدون الهجرة عاملاً اقتصادياً ضرورياً، ومن يرون فيها تهديداً للنموذج الاجتماعي والثقافي الفرنسي. في هذا السياق أوضح شوفان أنه من المستحيل الاستغناء عن العمال المهاجرين في القطاعات الحيوية، كما أشار تقرير صادر عن مركز الأبحاث والمؤسسة "تيرا نوفا"، وذلك لأسباب ديموغرافية تتعلق بشيخوخة السكان ونقص اليد العاملة. ومع قوة التحليل في التقرير، إلا أنه لا يخلو من بعض نقاط الضعف التي سلطت عليها بعض الصحف الفرنسية الضوء، مثل تحديات الاندماج، والضغط على الخدمات العامة، إضافة إلى الجدل الدائر حول الهوية والانتماء. وأشار المتحدث إلى أن تقرير "تيرا نوفا" يثني على قدرة العمال المهاجرين في سد الثغرات بسوق العمل، لكنه لا يتناول بالتفصيل الانتقادات التي توجهها النقابات والتيارات اليسارية الراديكالية، فهذه الجهات ترى أن المهاجرين يستخدمون أداة ضغط لخفض كلفة اليد العاملة، ويستغل أصحاب العمل هشاشة أوضاعهم لتقديم أجور منخفضة دون احترام الحقوق الاجتماعية، مما يضعف الطبقة العاملة بصورة عامة، ويزيد من الفوارق الطبقية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويطرح شوفان سؤالاً أعمق وأكثر إلحاحاً هل تستخدم الهجرة كبديل عن إصلاحات هيكلية ضرورية في النظام الاقتصادي، على حساب العدالة الاجتماعية؟ وهذا لا يؤثر فقط في العلاقة بين المهاجرين والفرنسيين، بل يمتد ليشمل التفاوتات داخل المجتمع الفرنسي نفسه. ويعرض التقرير إحصاءات تؤكد اعتماد قطاعات حيوية في الاقتصاد الفرنسي على العمالة الأجنبية بصورة كبيرة، مثل البناء والأشغال العامة، والرعاية الصحية والعناية بالمسنين، والسياحة والمطاعم، إضافة إلى خدمات النظافة واللوجيستيات. هذه القطاعات تعاني نقصاً حاداً في اليد العاملة المحلية بسبب صعوبة طبيعة العمل، انخفاض الأجور، وقلة الحوافز الاجتماعية، مما يجعل العمال المهاجرين الخيار الوحيد القادر على سد هذا النقص وتلبية حاجات السوق. ويضيف شوفان أن التقرير لا يغفل إثارة النقاش حول مدى قدرة النموذج الفرنسي على دمج المهاجرين اجتماعياً وثقافياً، ويعترف بالتحديات التي تواجه استقبالهم، بخاصة مع ارتفاع معدلات البطالة بين المهاجرين من الجيلين الأول والثاني، وتركيزهم في الضواحي الحضرية المهمشة التي تعاني ضعف التمثيل السياسي والنقابي، كما يشير التقرير إلى الهوة الكبيرة التي خلقتها المواقف المتطرفة لأحزاب اليمين المتطرف، فضلاً عن الخطابات السائدة في بعض وسائل الإعلام التي تربط الهجرة بمخاوف متعلقة بالأمن أو التطرف الديني. في الإطار يقترح التقرير تكاملاً بين السياسة والواقع وتبني سياسة هجرة واضحة ومعلنة تعتمد على حاجات السوق مرفقة بسياسات اندماج كتعلم اللغة الفرنسية، وتسهيل الوصول إلى العمل الشرعي، ومحاربة التمييز في السكن والتعليم، إلى جانب الاستفادة من تجارب دول مثل ألمانيا، التي تعتمد سياسة هجرة منظمة مع معايير مهنية لضبط الهجرة وتحديد حاجات السوق وجودة المترشحين. غير أن التقرير يعترف بأن تطبيق هذا النموذج في فرنسا يواجه عدة عقبات، أبرزها غياب التوافق السياسي بين اليمين واليسار حول أي نموذج معتمد، إضافة إلى تعقيد القوانين والبيروقراطية التي تعوق التغيير السريع. ولفت شوفان إلى أن المشكلة الأهم أن النموذج الألماني أو الأسترالي أو الكندي "نظام النقاط" أثار جدلاً كبيراً في فرنسا منذ طرحه رسمياً في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي بسبب الحساسية التاريخية تجاه مفهوم "الهجرة المختارة"، المرتبط بميراث فرنسا الاستعماري والنقاشات الأخلاقية والسياسية التي رافقت هذا التاريخ، فالهجرة المختارة تعني انتقاء المهاجرين بناءً على مؤهلاتهم، ولكن فرنسا كقوة استعمارية سابقة تحمل عبئاً أخلاقياً وسياسياً تجاه شعوب مستعمراتها السابقة. تصنيف المهاجرين وتعد فكرة تصنيف المهاجرين حسب الفائدة الاقتصادية إهانة لروابط تاريخية يفترض أنها تتجاوز البراغماتية الاقتصادية إلى مبادئ المساواة والمواطنة المجردة من الانتماءات الإثنية أو الدينية أو الجغرافية. بالتالي يقول شوفان إن انتقاء المهاجرين على أساس العرق أو الأصل أو الدين أو حتى المؤهلات الاقتصادية ينظر إليه على أنه تمييز وانحراف عن قيم الجمهورية، كما أن اليسار نفسه ومنظمات حقوق الإنسان ينظرون إلى سياسة الهجرة الانتقائية باعتبارها باباً مقنعاً للعنصرية الهيكلية، لأنها تفضل مهاجرين على مهاجرين كما حدث في الاتهامات التي رافقت النزوح الأوكراني. وأردف شوفان أن ما يميز تقرير "تيرا نوفا" هو محاولته الخروج من ثنائية "الترحيب" و"الرفض" ليطرح سؤالاً أكثر أهمية، وهو كيف يمكن بناء سياسة هجرة واقعية وإنسانية وفعالة؟ ويقترح التقرير خطوات عدة، منها دمج سياسة الهجرة ضمن السياسات الاقتصادية الكبرى مثل التوظيف والتكوين المهني، واعتماد خطاب سياسي جديد يبتعد بالهجرة عن السجالات الشعبوية، إضافة إلى تعزيز أدوات الدولة في التخطيط والاستقبال ومتابعة الاندماج، غير أن الوصول إلى هذا النموذج يتطلب إرادة سياسية قوية وتوافقاً مجتمعياً واسعاً، وهو أمر صعب التحقيق في ظل الاستقطاب الحاد الذي يشهده المشهد السياسي والاجتماعي في فرنسا. أما فيما يتعلق بالحلول المقترحة في التقرير، فيؤكد شوفان أنه لا يمكن تحقيقها إلا من خلال تعزيز قبول الهجرة في المجتمع، وهو ما يعترف به التقرير نفسه، فقد أورد التقرير نتائج استطلاع رأي أجراه مركز البحث لدراسة ومراقبة الظروف المعيشية "كريدوك"، حيث تبين أن 73 في المئة من المستطلعين يبالغون في تقدير نسبة المهاجرين ضمن السكان، والتي تقدر بـ10.7 في المئة وفقاً لمعهد الإحصاء الوطني. في حين يعتقد أكثر من ثلث المستطلعين أن النسبة تتجاوز 25 في المئة، وهو فهم خاطئ يغذي قلقاً غير متناسب، وفقاً لـ "تيرا نوفا"، وعلى رغم ذلك، لا تزال الغالبية العظمى من الفرنسيين تؤيد الهجرة "الانتقائية" وفقاً للحاجات. يقترح التقرير كذلك أن نبدل أسئلة الاستطلاع من هل تريدون استمرار الهجرة في فرنسا؟ إلى هل ترغبون في طرد 17 في المئة من الأطباء المتخصصين العاملين في فرنسا و21 في المئة من الجراحين؟ أو هل تريدون أن تصبح فرنسا كلها صحراء طبية شاسعة؟ أو مثلاً هل تريدون أن تدفعوا أكثر بكثير مقابل شريحة لحم مع بطاطا مقلية وتخاطروا بعدم الحصول عليها؟ 22 في المئة من الطهاة في فرنسا هم من المهاجرين، وترتفع هذه النسبة إلى 55 في المئة في منطقة إيل دو فرانس، وهناك سؤال آخر، وهو هل ترغبون في عدم الوصول إلى خدمات تكنولوجيا المعلومات في شركتكم وتوقف رقمنة الاقتصاد الفرنسي؟ 14 في المئة من مهندسي الكمبيوتر هم من المهاجرين، وهل تريدون توقف قطاع البناء؟ هل تريد أن تترك جدتك وحدها دون رعاية؟ وبالنسبة إلى الكاثوليك، ما رأيك في قداس من دون كاهن؟ (24 في المئة من القساوسة هم من المهاجرين وأكثر من 50 في المئة منهم دون سن 50 سنة). ويختم نبيل شوفان قائلاً "الهجرة ليست مجرد أرقام أو قوة عاملة، بل هي رؤية المجتمع لذاته وعدالته وتعدديته ومستقبله، بالتالي تحتاج إلى مقاربة تعترف بالحقائق ولا تتجاهل المخاوف، لكي تستطيع الوصول إلى صيغة تحقق التوازن بين الحاجة والمبادئ، والهجرة موجودة في فرنسا وستستمر لأن المجتمع الفرنسي في حاجة إلى يد عاملة من الخارج ولأنه بعد الحرب العالمية الثانية. ويتابع القول "لقد وضعت أوروبا وفرنسا قواعد وقيماً تهدف إلى عدم إغلاق الباب أمام المضطهدين، الهجرة تسبب المشكلات بالطبع، ولكن لنخرج من الزوايا الميتة كشيطنتها أو محاربتها ولنبحث عن حلول تجعل الهجرة كما كانت دائماً في التاريخ الفرنسي عامل حيوية وعمل وترابط إنساني حضاري وتنوع وثقافة وتقدم وازدهار". واقع معقد وحاجة استراتيجية ومع تعقيدات الواقع السياسي والاجتماعي تبقى الحقيقة واضحة، وهي أن فرنسا لا تستطيع أن تزدهر من دون عمالها المهاجرين الذين يسدون الفجوات ويضخون الحيوية في شرايين اقتصادها، فبدلاً من النظر إلى الهجرة كخطر أو عبء، يجب أن تعد فرصة للتجديد، لبناء مجتمع أكثر تماسكاً وإنسانية، وللحفاظ على مستقبل يليق بتاريخ هذه الأمة العريقة. إن قبول الهجرة وتدبيرها بحكمة ومسؤولية هو الطريق الوحيد نحو استدامة النمو والتقدم، وليس مجرد خيار، بل ضرورة حتمية تفرضها حقائق العصر. يؤكد تقرير "تيرا نوفا" أن تنظيم الهجرة وإدارتها بصورة دقيقة ليس ترفاً، بل ضرورة ملحة لضمان استمرارية القطاعات الحيوية، وعلى رغم ذلك، يظل الجدل الاجتماعي والسياسي حول الهجرة محتدماً، مع وجود انقسامات واضحة في شأن قبول المهاجرين.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store