منذ 10 ساعات
لا عدالة في رواتب القطاع العام: 8000 دولار لرئيس مجلس الإنماء والإعمار و1400 للمدير العام!
"ليبانون ديبايت" - باسمة عطوي
في جلسة مجلس الوزراء التي عُقدت في 16 حزيران الجاري في القصر الجمهوري، وافق مجلس الوزراء على 3 مشاريع مراسيم تُحدد مخصصات كل من رئيس وأعضاء مجلس الإنماء والإعمار، رئيس وأعضاء مجلس إدارة الهيئة العامة للطيران المدني، ورئيس وأعضاء الهيئة الوطنية لتنظيم قطاع الكهرباء. للوهلة الأولى قد يبدو الإجراء روتينيا وخطوة نحو تطبيق الإصلاحات، التي يطلبها صندوق النقد من لبنان للخروج من الأزمة، لكن الإطلاع على قيمة رواتب الموظفين الذين تمّ تعيينهم، يُظهر أن هوّة سحيقة تفصل بين المخصصات التي حددتها الدولة اللبنانية لهم، وبين الرواتب و"المساعدات" التي يتقاضاها موظفو القطاع العام والأسلاك العسكرية والتي لا يصل أعلاها إلى 700 دولار أميركي (راتب العميد في الجيش اللبناني)، و1400 دولار لموظفي الفئة الاولى.
بلغة الأرقام وبحسب القرارات التي إتخذها مجلس الوزراء، بلغ التعويض الشهري لرئيس مجلس إدارة مجلس الإنماء والإعمار 805,500,000 ليرة لبنانية، وراتب العضو المتفرغ 626,500,000 ليرة لبنانية، وراتب العضو غير المتفرغ 134,250,000 ليرة لبنانية. أما التعويض الشهري المقطوع لرئيس وأعضاء الهيئة الوطنية لتنظيم قطاع الكهرباء فهو بين 8 و7 آلاف دولار، يتم تقاضيها بالليرة اللبنانية. وبلغت تعويضات رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للطيران المدني 716,000,000 ليرة لبنانية، والأعضاء 626,500,000 ليرة لبنانية ولا يستفيد الرئيس والأعضاء من أي تعويضات أو بدل إضافي، ما عدا التقديمات الصحية والعائلية التي يستفيد منها المستخدون لدى الهيئة.
بغض النظر عن المآخذ على إنتاجية موظفي القطاع العام، خصوصا في ظل الأزمة، ومع الموافقة على ضرورة إعادة هيكلته (القطاع العام) وضرورة تحديد ماهية الوظيفة العامة من جديد ، إلا أنه لا يجوز في ظل الظروف الطاحنة التي تخيّم على جميع اللبنانيين، ومنهم موظفي القطاع العام ( إنهيار عملة، تضخم مفرط، ومراوحة في الأزمة)، أن تعمد الحكومة التي رفعت شعار الاصلاح منذ تشكيلها، إلى تعميق الفجوة عدم الإنصاف بين موظفيها وتكرّيس مبدأ عدم العدالة بينهم. لأن ذلك سيؤدي بحسب مصدر مختص إلى "خطر أكبر وهو شعور الموظفين "المظلومين" إما باللامبالاة تجاه واجباتهم، أو بقرار الإنكفاء، أو حتى إلى تطبيع سلوكيات غير سليمة، كطلب التعويض بطرق غير رسمية أو السعي وراء مكاسب فردية من خارج إطار القانون"، مشددا على أن "هذا الفارق الكبير بين الرواتب يمهّد الطريق لتجذّر الفساد، فيتحول الإنحراف الأخلاقي إلى وسيلة مبررة للبقاء في وجه نظام متهاوٍ، والنتيجة الحتمية هي خسارة القيادات النزيهة والمجرّبة، وتكريس ثقافة الإستغلال التي تهدف الإصلاحات أصلًا للقضاء عليها، وتآكل الأسس التي يقوم عليها العمل العام".
يجزم المصدر على أنه "لا يمكن لأي مشروع إصلاحي أن يُبنى على قرارات مجتزأة أو متفرقة. فقد أظهرت الدول التي واجهت أزمات مشابهة أن التجاهل الطويل لإنهيار الأجور، أو معالجتها بتسرّع ودون دراية مالية، أدى إلى تجدّد الأزمات، ولا يمكن لأي عملية نهوض أن تعتمد فقط على وجوه جديدة. فالتعافي الحقيقي يبدأ بإنصاف من ثبت في زمن الإنهيار، وإشراكهم في عملية التعافي، والإستفادة من خبراتهم المتراكمة، لا معاملتهم كمجرد شهود على مرحلة انتهت".
ويختم:"لا يمكن بناء قدرة الدولة على تقديم خدمات فعّالة ومستدامة، ومواجهة مقتضيات العمل في منطقة متقلّبة متأثرة بالنزاعات عبر اللجوء إلى قرارات مرحلية، بمعزل عن سياسة أجور وتقاعد واضحة ضمن خطة مالية متماسكة. هذا أمر لا يهدد فقط العدالة بين العاملين، بل يُقوّض شرعية المؤسسات، ويُرسّخ حالة من التخبط تعيق أي إصلاح حقيقي".
قطب: قرارات الحكومة ستؤدي الى فرز طبقي بين موظفيها
يعتبر الدكتور مروان قطب (أستاذ المالية العامة في الجامعة اللبنانية) عبر "ليبانون ديبايت" ، أن"التعويضات التي وافق مجلس الوزراء عليها والمذكورة أعلاه ، مُبالغ فيها وتصل إلى 8000 دولار تقريبا في حين أن الاجور في القطاع العام حاليا تتراوح بين 400 الى 1400 دولار كحد أقصى(موظف الفئة الاولى)، أي المدراء العامين وهذه الاجور مشروطة بالدوام الكامل للموظف، ولا يستطيع التغيب حتى في حال الاجازة المرضية والادارية، وفي حال لم يستوف عدد أيام محدد من الدوام، يُحرم من البدلات الاضافية التي تعطى له".
يضيف:"هذه القرارات تخلق تفاوت كبير داخل القطاع العام، وتؤدي إلى مجموعة من النتائج وتولد إهتزازا في معنويات موظفي القطاع العام وشعورا بعدم الإنصاف والظلم، خصوصا أن الأجور التي يتقاضونها هزيلة ولا تتناسب مع الواقع المعيشي والاقتصادي القائم في البلاد"، لافتا إلى أن "هذا الأمر يدفع موظفي القطاع العام ولا سيما الفئة الاولى إلى ترك وظائفهم، وأن ينضموا في هذه الهيئات مما يؤدي الى شغور جديد في وظائف الفئة الاولى، كما أن النخب في القطاع العام ستترك وظائفها للعمل في القطاع الخاص لأن التعويضات التي يحصلون عليها هزيلة، ويؤكد عليها مجلس الوزراء من خلال المراسيم التي وافق عليها".
ويُشدد قطب على أن "هذه القرارات تخلق نوع من الطبقية داخل القطاع العام، ونقمة وعدم تعاون وتخلق شرخا في جسم القطاع العام، علما أن الهيئات الناظمة لا يمكنها القيام بدورها الا من خلال الإدارة العامة. الشعور بالغبن لدى موظفي القطاع العام سيؤدي إلى عدم تحفيزه وتراجع الخدمات التي يقدمها"، مشيرا إلى أنه "يعزز الفساد المالي والرشوة في الإدارات التي هي على تماس بالمواطنين مباشرة، للتعويض عن ما فاته من حقوق وهذا أمر خطير. ولذلك فإن محاربة الفساد والرشوة تقتضي بإعطاء الموظفين حقوقهم".
ويلفت إلى أنه "حاليا تسعى الحكومة الى تفعيل دور مجلس الخدمة المدنية في التعيينات المقبلة في القطاع العام ، فإذا كانت الرواتب هزيلة سيؤدي ذلك الى العزوف عن التقدم للعمل فيها. أما أساليب معالجة هذه تبدأ من تحريك الرأي العام وخلق نوع من ضغط شعبي"، جازما أن "الدخول في هذا المسار لا يدل على أن الحكومة تسلك مسارا إصلاحيا، وسيؤدي الى البقاء الى نفس الاساليب القديمة التي حوّلت الإدارة العامة إلى مكان فيه ظلم وتفاوت ومحسوبية، وهذا أمر لن يوصل الى الإصلاح الإداري المنشود".
ويشير إلى أنه "على المسار القانوني يمكن اللجوء الى مجلس شورى الدولة، للطعن بالمراسيم التي أقرت هذه البدلات لأنها تتعارض مع مبدأ المساواة على مستوى الوظيفة العام والرواتب والأجور ويمكن إبطالها".
ويختم:"نطرح العودة الى وضع سلسلة رتب ورواتب للقطاع العام بكل قطاعاته (من ضمنها الهيئات الناظمة ومجلس الانماء والاعمار) لكي تكون متناسبة مع الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، ولا تُثقل كاهل المالية العامة وهو أمر مُلح يجب إقراره قريبا".