أحدث الأخبار مع #باسمخندقجي


الميادين
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- الميادين
الأسير خندقجي يحطم ب"سادن المحرقة" السردية الصهيونية
راوية الأسير الشاعر والروائي باسم خندقجي "سادنُ المحرقة" الصادرة عام 2024 عن دار الآداب/ بيروت، تعتبر الجزء الثاني من روايته السابقة "قناع بلون السماء". تدور أحداث الرواية بين صِراع الهويّات والبحث عن السردية الفلسطينية لبلورة الهويّة في الحقّ التاريخي للشعب الفلسطيني، وتفكيك المجتمع الصهيوني الاستعماري لفلسطين، حيث تدور التفاصيل عن شخصيّة "أور شابيرا" الجندي الإشكنازي ـــــ أي اليهودي الأصل ـــــ الآتي من ألمانيا والمستوطن لأرض فلسطين، وهو ابن جندي وحفيد جندي، ومن عائلة ناجية من المحرقة النازية في ألمانيا، أخوهُ أيضاً، جنديٌّ إسرائيليٌّ قتل في أحد مخيمات رام الله واسمه "جدعون". فأور شابيرا يظهر في الرواية بأنّهُ يُعاني من مرضٍ نفسيٍّ يسمّى: "بوست تروما" عوارض ما بعد الصدمة من حرب لبنان تمّوز 2006 مع حزب الله، ومن حرب 2008 مع المقاومة الفلسطينية في غزة، ويتلقّى العلاج والمتابعة مع طبيبته الصهيونية "هداس" التي يتردّد على عيادتها مراراً. ويبدأ صِراع الهويّات بين " أور" العبري و"أور الآخر" أي هو نور الشهدي ـــــ الاسم العربي من أور ـــــ الاسم العبري، حيث في الرواية السابقة "قناع بلون السماء" يعثر نور الشهدي الفلسطيني العربي على هوية إسرائيلية باسم "أور شابيرا" في جيب معطف يشتريه من محلّ لبيع الثياب المستعملة، ويكمل باسم خندقجي صِراع الهويّات هنا بين هويّة نور وأور شابيرا، أي بين أصحاب الهويّة الحقيقية وبين أصحاب الهوية المصطنعة، وبالطبع "سادنُ المحرقة" فكلمة "سادن" تعني: "حارس"، يتضح أنّ الجندي الإشكنازي "أور شابيرا" هو سادن المحرقة الذي يعيش اضرابات وكوابيس نفسية، ولا سيما عندما يدور الحوار بينه وبين نور الشهدي حول ضحايا المحرقة من جهة وضحايا النكبة عام 1948 من جهةٍ أخرى. ولا يكفُّ الروائي الأسير باسم خندقجي عن النبش بالسردية الفلسطينية الحقيقية لإظهار الحقّ الفلسطيني أمام المستعمر الصهيوني، من خلال معلمة اللغة العربية الخاصة لأور شابيرا وهي "مريم فاطم"، فلسطينية من يافا، يأخذ أور دروساً في اللغة العربية معها، وتعلّمهُ المقالات المكتوبة بالعبرية وكيفيّة نقلها إلى اللغة العربية، حيث تشير المعلمة "مريم" ـــــ وهي رمزية هنا لمريم المجدلية ـــــ إلى المناطق باللغة العربية أمام أور شابيرا، حيث تقول لهُ: "دير ياسين" فيقول لها: أعرفها باسم "جفعات شاؤول"، ويقول: "تل أبيب" فتردّ عليه تقصد "يافا"، وتدخل معهُ في صِراع المصطلحات من: مقاومين أو مخرّبين بالنسبة له، وهنا تكمن الصورة الأصلية من المحتل، وحتى حين تتدخّل مريم فاطم معلمة اللغة العربية بين أور شابيرا ونور الشهدي، حيث تعمل على إظهار حقيقة نور العربي من أور اليهودي، حيث يقول أور شابيرا لنور الشهدي في محادثة إلكترونية، في صفحة 171: " تقتحم مريم خلوتنا الإلكترونية. مريم فاطم، هل تعرفها؟ هي المعلمة التي لقّنتني لغتك ولغتها. بلى، إنّها عربيّة من جماعتك، فدعنا نرَ ما تريدهُ مريم هذا المساء". يتكلّم الراوي بلسان أور في الرواية من البداية حتى نهايتها، ويظهر ذلك في حلقات البودكاست تحت عنوان: "حكي كونيالي" التي يتكلّم فيها عن الكائن الكونياليّ الخاضع، أي حقيقة الفلسطيني القابع تحت الاحتلال والسجين تحت سياط الجلّاد الصهيوني، ويحاور فيها أور العبري نور العربي "كأنّهُ يحاور نفسهُ" يقول لهُ في الصفحتين 167 و168: "حسناً... ما رأيك الآن بأن أستمع إلى صوتك، لكي تمنحني فرصةً للتعرّف عليك أكثر، للاستحواذ على صوتك. لديك بودكاست أسبوعيّ بعنوان: "حكي كونياليّ". ما بك أنت؟ كلُّ شيءٍ لديكَ كونياليٌّ كونياليّة؟ ألا تتقن سوى هذا المصطلح؟ ألا تحترم نفسك؟ ألا تعتقد أنّك كونياليٌّ أكثر منّي حين استعرت هويّتي؟ بلى، لا تتّهمني بالوقاحة الآن أرجوك. أنت استعرت هويّتي انتحالاً وزيفاً وقناعاً. لا تنكر هذا أرجوك". تتميّز رواية "سادنُ المحرقة" أنّها تجاوزت روايتها، فهي عدّة روايات في رواية واحدة، لأنّها اشتغلت بشكل كبير على معنى الجذور الحقيقية والحفر في الآثار التاريخية للشعب الفلسطيني، تبدأ من الأسماء الحقيقية والهويّة القوميّة إلى التراث الأصلي حتى مريم المجدلية، وعلاقة الحجر بالإنسان وعلاقة الإنسان بالحجر، ضدّ اصطناع الأشياء وسلبها واستعمارها والسيطرة عليها، من الصعب أن يُصبح أور المصطنع ابن قمر مدينة "تل أبيب" المصطنعة ذات الحجر المصطنع. على أور الجندي الإسرائيلي أن يكسر مرآته، وهو الذي لا يستطيع التعافي من مرضه النفسي "بوست تروما"، لأنّ ذاكرته وذاكرة أجداده "سوزانا" وغيرها..، مليئة بالدماء والمجازر والمحرقة، فهل بإبادة أهل الأرض الأصليين تستطيعون بناء سماء لكم؟ وهناك الكثير من الأسئلة التي تطرحها الرواية عند قراءتها، ولا سيما حين يتذكّر أور رواية "باب الشمس" للروائي اللبناني الراحل الياس خوري التي علّمتهُ منها اللغة العربية "مريم فاطم"، يقولُ أتذكّر خاتمتها: " أقف: المطر حبالٌ تمتدّ من السماء إلى الأرض، قدماي تغرقان في الوحل، أمدُّ يدي، أمسك بحبال المطر، وأمشي وأمشي وأمشي". ويستمرّ الصِراع السردي بين أور وأور الآخر، نور الشهدي، لكنّهُ لا يلتقيه، حتى عند الموعد الذي كان مرتقباً في حفل توقيع الرواية، كأنّ هناك حاجزاً بين لقائه بنور، حيث في خاتمة الرواية يقولُ لمريم: "قولي لنور الشهدي إنّنا سنلتقي يوماً ما. ربّما بعدما أن أدفن أبي". ويظهر والدهُ الضابط في لواء المظلّلين الذي يتلقّى العلاج في العناية الفائقة في مستشفى "تل أبيب"، وهنا المقصود في الخاتمة ربّما، حين يولد أور الجديد ويدفن ذاكرته سيلتقي بمرآته "نور الحقيقي".


مصراوي
٠٩-٠٢-٢٠٢٥
- ترفيه
- مصراوي
"يوم فلسطين" بمصر.. "وسلام لغزة" رغم أنف الصهاينة
د. أمــل الجمل دُعيت لمناقشة رواية «سادن المحرقة» - الجزء الثاني من رواية «قناع بلون السماء» ثلاثية المرايا - للروائي الفلسطيني الأسير باسم خندقجي. الحقيقة، لم تتوقف الدعوة عند كونها فرصة للتعرف على أسلوب روائي فلسطيني ماهر، يتجاوز أسوار السجن وقسوة السجان فيكتب بحرية عن تيمات مغايرة لهموم السجين. أعجبتني لغته وخياله ومهارته في التلاعب باللغة وتوظيفها في دلالات موحية، وإن كان لي بعض التحفظ عليها، يمكن التطرق إليها - جميعاً - في مقال تحليلي خاص بها. لكن، تلك الدعوة الكريمة بمقر سفارة دولة فلسطين بالقاهرة - في إطار الدورة الثالثة من صالون فلسطين الثقافي تحت شعار «سلام لغزة» - منحتني إطلالة جميلة على الإبداع المنسوج بعقول فلسطينية، وفي مقدمتها افتتاح معرض رسوم فنية لأطفال من قطاع غزة، بعضهم فقدوا ذويهم، فعبر الأطفال عن وجعهم خلال حرب الإبادة الجماعية. الفكرة ذاتها التي تم تنفيذها تعتبر خطوة مهمة على طريق العلاج لهؤلاء الأطفال من صدمات تلك الحرب المروعة. أيضاً، كان من بين الإشهارات والمناقشات - لـــ 9 إصدارات فكرية وبحثية - مطالعة قضايا إشكالية هامة تخص الأرض والحيازات وكيف استحوذ العدو الصهيوني على الأراضي الفلسطينية بالتزييف والتلاعب، والتي يطرحها كتاب «تطور وحيازة الأراضي الزراعية في فلسطين»، إذ يتطرق لحفاظ الفلسطينيين على أرضهم ما قبل النكبة، وتوثيق كافة المراحل التي عاصرها الفلاحون الفلسطينيون ما قبل النكبة واستماتتهم للحفاظ على أرضهم، وكيف عانت الأرض الفلسطينية من قرصنة الاستعمار البريطاني حتى استيلاء الاحتلال الإسرائيلي عليها خلال النكبة. أثناء ذلك، استعانت المؤلفة الباحثة بالدلائل القانونية المادية بكيفية ارتباط الإنسان الفلسطيني بأرضه ليشهد العالم صموده، وليشهد العالم بالقانون الدولي الألاعيب التي مورست للتحايل وسرقة الأرض الفلسطينية من أصحابها من خلال تحالف الاحتلال والانتداب بما يدحض الدعايا الصهيونية. كانت وراء هذا الجهد الخرافي - في مجلدين كبيرين - سيدة عظيمة رغم سنوات عمرها المديدة لكنها قامت بجهد وبحث وتنقيب وتدقيق لا يقدر عليه سوى الشباب. إنها د. هند البديري. أعجبني، كذلك مناقشة كتاب «العلاقات السوفيتية الإسرائيلية في ميزان القضية الفلسطينية« للباحثة د. شيماء حمزة خطاب، وتقديم د. أشرف مؤنس. الكتاب كان مفاجأة لي عن دور الاتحاد السوفيتي في نشأة إسرائيل ودعمها، ثم اختلافهما لاحقاً وفق الموقع من سياسة القطبين. أما كتاب «خطابات من جدات فلسطين» للكاتب المصري إبراهيم شلبي فيوثق لما تحاول إسرائيل تهويده ومحوه من آثار، بل وتحويل بعض المساجد والكنائس إلي مباني للخيول والحيوانات. من دون أن أنسي استهلال ذلك اليوم بفيلم وثائقي عن حرب الإبادة في غزة صنعه فريق من الطالبات والطلاب المصريين في أكاديمية الشروق، وذلك من خلال مواد مُرسلة مباشرة وحية من أهالي غزة، تكشف اللحظات المروعة، فيلم إنساني مؤثر، يكشف عن حس فني عن هؤلاء الطلاب وللطالبات، فالفيلم ركز على الإنسان دون أن يغفل الحطام، ركز على حشود البشر، أثناء الفرار، أو الهرب من الصواريخ، أو بحثاً عن الطعام، طابور ممتد بينهم طفلة تتقدم فتلحظ الكاميرا، تحاول أن تواري وجهها خجلاً بينما تمد يدها لتأخذ قسطاً من المساعدات، تتردد بين الخجل والإقدام، وكأنها تمسح دموعها، لقطة تحاكم ضمير الإنسانية، موجعة، جدا، هناك نساء يحملن أولادهن في لحظات الفرار، شعور يصعب الحكي عنه أن ترغم على ترك بيتك، وسكنك، تحت التهديد، وقد تؤخذ حياتك أثناء اغتصاب بيتك! إحدى النساء الجالسات إلي جواري لمحتها ترفع منديلها وتمسح دموعها، بعد قليل أشارت إلي الشاشة وقالت هامسة: «بيتي كان هناك.» الحقيقة عجزت عن الرد، كانت المشاهد مؤلمة، لكنها تمر على لحظات من المقاومة: ضحكة بين امرأة وطفلها الصغير جداً يتدرب على السير، وأخرى تحتضنه، مشاهد تُعيدنا إلى لقطات فرحة أهالي غزة بالعودة، حتى لو كانت العودة إلي الركام، لا يعرف شعور أهل غزة إلا من يترك بيته ثم يعود إليه. إنها فرحة لا تساوي كنوز الدنيا. ربنا لا يحرم إنسان من بيته. قضيت يوما كاملاً مراوحاً بين الألم والبهجة، بين التأمل والاستمتاع، في حب فلسطين، خصص اليوم بالكامل لها، مع سلام لغزة. كان يوماً ثقافياً أدبياً فنياً يُؤكد على أن فلسطين في القلب، على أن فلسطين لن تستلم، دقائق تشحن الساعات بالمتعة الممزوجة بالوجع في أبيات القصائد، موسيقي العود تصدح مصاحبة لعدد منها، مع قراءات من ديوان «على راح القلب» للشاعرة نهى عمر، ديوان «رماد للظلال» للشاعر ناصر عطا الله. وقراءة من رواية «على يمين القلب» للكاتبة ليالي بدر. قراءة من رواية «كتاب غزة - يوميات ورسائل وقصائد من غزة»، بمشاركة الشاعر يوسف القدرة. ومن رواية «رسائل ذاك الغريب العاشق»، بمشاركة الكاتب سعيد أبو غزة. مثلما حرص الكتّاب والأدباء المشاركون على تقديم أصوات الكتاب الفلسطينيين من أبناء قطاع غزة والذي استشهد بعضهم إبان حرب الإبادة الجماعية، أو قراءة لشعراء آخرين من غزة لم يتمكنوا من السفر وحضور الصالون. يالله على الجمال! كل هؤلاء الشعراء من غزة فقط! هل يعقل! فما بالنا بعدد الشعراء في أرجاء فلسطين؟ أتأمل النشاط، الحيوية، النقاشات الجانبية يكتنفها الحماس فتعلو الأصوات أحياناً، أشعر بجو عائلي دافئ، د. محمود بركة يروح ويجيء بين الحضور، يقدم القراءات أو يقرأ شعراً، يعرفني بعدد من الحضور، مثلما قام بإدارة مناقشة الرواية «سادن المحرقة» - التي قدمتها كاتبة هذه السطور - ود. سهام أبو العمرين والتي شاركت في تقديم قراءة شعرية آخرى في نهاية تلك السهرة الاستثنائية. في ذلك اليوم القريب جداً كانت الأحداث كثيرة يصعب ضمها بين ضفتي مقال، لكن ما يهمني أن أختتم به هو أنني أضم صوتي لصوت المبدع الروائى والمستشار الثقافي ناجي الناجي في كلمته الافتتاحية عن أهمية وقيمة الفعل الثقافي والفكري في كافة مراحل النضال الفلسطيني، ذلك الفعل الذي يُساهم في توثيق السردية الفلسطينية وصمودها أمام كل محاولات التزييف. أُحييه على ذلك الجهد إيماناً مني بقيمة الفعل الثقافي وبأنه ضرورة لا غني عنها، للثقافة دور أساسي، ليس فقط الترفيه، لكنه دور فاعل مؤثر وإن كان على المدى الطويل أحياناً.