#أحدث الأخبار مع #بانورامابرشة،العربي الجديد٠٩-٠٥-٢٠٢٥ترفيهالعربي الجديدعن "رفعت عيني للسما" مُجدّداً: إيقاع سينمائي يكشف وقائعكتابات نقدية عدّة تقرأ "رفعت عيني للسما" (2024، 102 د.) ، للمصريين ندى رياض وأيمن الأمير، وحوارات متفرّقة معهما، يجهد بعضها الجدّي في تفكيك الوثائقيّ والبحث في اشتغالاته السينمائية والاجتماعية والفكرية، وهذا كلّه منذ عرضه الدولي الأول في النسخة الـ63 (15 ـ 23 مايو/أيار 2024) لـ"أسبوع النقاد"، المُقامة في الفترة نفسها للدورة الـ77 لمهرجان "كان". لاحقاً، هناك عروضٌ في مهرجانات أخرى، آخرها حاصلٌ في الدورة الـ15 (29 إبريل/نيسان ـ 5 مايو/أيار 2025) لـ"مهرجان مالمو للسينما العربية (السويد)"، فيفوز بجائزة أفضل فيلم في مسابقة الأفلام الطويلة، وقيمتها المالية 35 ألف كورونة سويدية (3630 دولاراً أميركياً). لكنّ المهرجانات والجوائز، وإنْ يكن بعضها دولياً ومُصنّفاً فئة أولى، غير مهمّة في تأكيد سينمائيّته، وسلاسته البصرية في مواكبة ستّ شابات منتميات إلى "فرقة بانوراما برشة"، في قرية برشة في المِنْيا (245 كيلومتراً جنوبي القاهرة)، التي تُقدّم عروضها المسرحية في الشارع. ف الوثائقي ، بحدّ ذاته، يكشف متانة نصّه السينمائي، وآلية التقاطه نبض قرية قبطية في صعيد مصر، يلتزم ناسها تقاليد محافظة، غير خالية من شيء ذكوري، في العلاقات واليوميات والتفكير. والتقاط هذا منبثقٌ من التصاق الكاميرا (مديرو التصوير: دينا الزنيني وأحمد إسماعيل وأيمن الأمير) بالشابات الستّ، مع أنّ ثلاثاً منهنّ يمتلكن المساحة الأكبر في النصّ والحكاية: ماجدة مسعود ومونيكا يوسف وهايدي سامح. رغم أنّ في القرية موروثاً تربوياً محافظاً، يَظهر انفتاحٌ في مواقف وحالات وتصرّفات، بدءاً من تقديم الشابات عروضاً في قريتهنّ، أمام بعض أهلها، طارحاتٍ فيها مسائل تمسّ جوهر الموروث ذاك، في الزواج والحبّ واللباس مثلاً. يواجهن ناس القرية بأسئلةٍ، لن يتمكّن أحدٌ منهم/منهنّ الردّ عليها، وإنْ يتجرّأ شابُّ على الردّ، فردّه يؤكّد فشله في إجابة واضحة وصادقة: "لا دَخْل لك" ("لا يعنيك الأمر"، بنبرة جافة ومتعالية). والإجابة المبتورة هذه تأكيدٌ على ذكورية و تقاليد محافظة، غير قادرة ـ في الوقت نفسه ـ على منع الشابات من ممارسة ما يرغبن فيه: مسرح وغناء يقُلن عبرهما تفكيراً وأحاسيس وتأمّلات عن وقائع حيّة في يوميّات الجميع. سينما ودراما التحديثات الحية ندى رياض وأيمن الأمير: "قرّبنا لغة الفيلم من حقيقة ما عشناه" في سرد بعضهنّ اختبارات يعشنها في أعوامٍ سابقة، يتجلّى واضحاً انفضاض اجتماعٍ عنهنّ، أو استهزاء بهنّ. فلمونيكا صوتٌ أجشّ يقترب من صوت الرجل، ما يؤدّي إلى تنمّر وسخرية منها. رغم هذا، تُصرّ على الغناء، كما تُصرّ ماجدة على تحقيق حلمها بدراسة المسرح في القاهرة : في المشهد الأخير، تستقلّ باصاً متّجهاً إلى العاصمة المصرية. لكنْ، لن يُعرف مصيرها هناك، وهذا المُعلّق في المشهد بديع وصادق، ويُشبه على نحوٍ ما المُعلّق في مصيرَي مونيكا وهايدي، اللتين تتزوّجان، و"مشروع" الزواج يمرّ في حالاتٍ عدّة، أجملها ما يحصل بين هايدي ووالدها، ليس فقط بالنسبة إلى الزواج، بل أيضاً بالنسبة إلى انسحابها التدريجي من الفرقة. فوالد هايدي مُصرّ على أنْ يكون لها هامشٌ كبير من حرية التفكير بالزواج، والتمهّل في اتّخاذ القرار. كلامه معها، وطريقة كلامه أيضاً، رائعان بقدر صدقهما وشفافيتهما. يخاف عليها، فيُخبرها أنْ لا طلاق في الزواج المسيحي. يحاول أنْ يفهم سبب قبولها، بعد رفضٍ يتكرّر سابقاً. بعد الزواج، ينتبه إلى تخلّيها عن الفرقة، فيسألها لمعرفة السبب، إذْ يشكّ في تسلّط الزوج عليها، الذي يظهر معها قبلاً وهو يضغط عليها لمحو أرقام هواتف صديقاتها في الفرقة ، وهو يطالبها بتركهنّ والابتعاد عنهنّ. كلام الأب بأسئلته متأتٍ من قلق وشكّ وحبٍّ كبير لها، لكنّه غير متمكّن من ممارسة ضغط عليها، فهذا ليس من شِيَمه. هذا نموذج مستلّ من فيلمٍ مليءٍ بجمالياتٍ فنية، تكشف قسوة عيش، وبراعة مواجهة، وعفوية تربية تمنح (العفوية) المرء أحياناً تفكيراً متنوّراً في مسائل يختبرها في حياته. شخصية ماجدة مسعود مُثيرة لاكتشافها، لما فيها من شفافية غير خالية من هدوءٍ في المواجهة خارج العرض المسرحي، ونبرة حادّة في المواجهة داخل العرض المسرحي. تريد استمراراً للفرقة، لكنّ الزواج والإنجاب (مونيكا) يصنعان شرخاً غير مقصود. في كلّ لحظةٍ تقريباً، هناك ما يُثير في كلامٍ وبوحٍ، ويدعو إلى تأمّل في أحوال وقناعات وممارسات. بهذا، يبتعد الثنائي ندى رياض وأيمن الأمير عن المباشرة في التصوير، إذْ تلتقط الكاميرا ما يحصل أمامها، من دون تقييد كلّ شخصية بعدستها. كلّ كلامٍ عفوي يؤكّد، بنبرة أو حركة أو سلوك، أنّ ما تعيشه الشابات كشفٌ سينمائي لبيئة متكاملة. الثنائي رياض ـ الأمير مكتفٍ بمتابعة تصويرية، بعد وقتٍ في الاشتغال والتحضير وإيجاد منافذ للثقة بينه وبين الشخصيات . والكشف يرتكز على إيقاع هادئ، يوهم ببطءٍ في سرد حكايات وتصوير حالات. لكنّ الوهم يتداعى سريعاً، فهدوء الإيقاع يُراد له أنْ يتمعّن في تفاصيل، وأنْ يُدقِّق، بل أنْ يُتيح للمهتمّ/المهتمّة التدقيق في كلّ تفصيل يشارك في صُنع "رفعت عيني للسما".
العربي الجديد٠٩-٠٥-٢٠٢٥ترفيهالعربي الجديدعن "رفعت عيني للسما" مُجدّداً: إيقاع سينمائي يكشف وقائعكتابات نقدية عدّة تقرأ "رفعت عيني للسما" (2024، 102 د.) ، للمصريين ندى رياض وأيمن الأمير، وحوارات متفرّقة معهما، يجهد بعضها الجدّي في تفكيك الوثائقيّ والبحث في اشتغالاته السينمائية والاجتماعية والفكرية، وهذا كلّه منذ عرضه الدولي الأول في النسخة الـ63 (15 ـ 23 مايو/أيار 2024) لـ"أسبوع النقاد"، المُقامة في الفترة نفسها للدورة الـ77 لمهرجان "كان". لاحقاً، هناك عروضٌ في مهرجانات أخرى، آخرها حاصلٌ في الدورة الـ15 (29 إبريل/نيسان ـ 5 مايو/أيار 2025) لـ"مهرجان مالمو للسينما العربية (السويد)"، فيفوز بجائزة أفضل فيلم في مسابقة الأفلام الطويلة، وقيمتها المالية 35 ألف كورونة سويدية (3630 دولاراً أميركياً). لكنّ المهرجانات والجوائز، وإنْ يكن بعضها دولياً ومُصنّفاً فئة أولى، غير مهمّة في تأكيد سينمائيّته، وسلاسته البصرية في مواكبة ستّ شابات منتميات إلى "فرقة بانوراما برشة"، في قرية برشة في المِنْيا (245 كيلومتراً جنوبي القاهرة)، التي تُقدّم عروضها المسرحية في الشارع. ف الوثائقي ، بحدّ ذاته، يكشف متانة نصّه السينمائي، وآلية التقاطه نبض قرية قبطية في صعيد مصر، يلتزم ناسها تقاليد محافظة، غير خالية من شيء ذكوري، في العلاقات واليوميات والتفكير. والتقاط هذا منبثقٌ من التصاق الكاميرا (مديرو التصوير: دينا الزنيني وأحمد إسماعيل وأيمن الأمير) بالشابات الستّ، مع أنّ ثلاثاً منهنّ يمتلكن المساحة الأكبر في النصّ والحكاية: ماجدة مسعود ومونيكا يوسف وهايدي سامح. رغم أنّ في القرية موروثاً تربوياً محافظاً، يَظهر انفتاحٌ في مواقف وحالات وتصرّفات، بدءاً من تقديم الشابات عروضاً في قريتهنّ، أمام بعض أهلها، طارحاتٍ فيها مسائل تمسّ جوهر الموروث ذاك، في الزواج والحبّ واللباس مثلاً. يواجهن ناس القرية بأسئلةٍ، لن يتمكّن أحدٌ منهم/منهنّ الردّ عليها، وإنْ يتجرّأ شابُّ على الردّ، فردّه يؤكّد فشله في إجابة واضحة وصادقة: "لا دَخْل لك" ("لا يعنيك الأمر"، بنبرة جافة ومتعالية). والإجابة المبتورة هذه تأكيدٌ على ذكورية و تقاليد محافظة، غير قادرة ـ في الوقت نفسه ـ على منع الشابات من ممارسة ما يرغبن فيه: مسرح وغناء يقُلن عبرهما تفكيراً وأحاسيس وتأمّلات عن وقائع حيّة في يوميّات الجميع. سينما ودراما التحديثات الحية ندى رياض وأيمن الأمير: "قرّبنا لغة الفيلم من حقيقة ما عشناه" في سرد بعضهنّ اختبارات يعشنها في أعوامٍ سابقة، يتجلّى واضحاً انفضاض اجتماعٍ عنهنّ، أو استهزاء بهنّ. فلمونيكا صوتٌ أجشّ يقترب من صوت الرجل، ما يؤدّي إلى تنمّر وسخرية منها. رغم هذا، تُصرّ على الغناء، كما تُصرّ ماجدة على تحقيق حلمها بدراسة المسرح في القاهرة : في المشهد الأخير، تستقلّ باصاً متّجهاً إلى العاصمة المصرية. لكنْ، لن يُعرف مصيرها هناك، وهذا المُعلّق في المشهد بديع وصادق، ويُشبه على نحوٍ ما المُعلّق في مصيرَي مونيكا وهايدي، اللتين تتزوّجان، و"مشروع" الزواج يمرّ في حالاتٍ عدّة، أجملها ما يحصل بين هايدي ووالدها، ليس فقط بالنسبة إلى الزواج، بل أيضاً بالنسبة إلى انسحابها التدريجي من الفرقة. فوالد هايدي مُصرّ على أنْ يكون لها هامشٌ كبير من حرية التفكير بالزواج، والتمهّل في اتّخاذ القرار. كلامه معها، وطريقة كلامه أيضاً، رائعان بقدر صدقهما وشفافيتهما. يخاف عليها، فيُخبرها أنْ لا طلاق في الزواج المسيحي. يحاول أنْ يفهم سبب قبولها، بعد رفضٍ يتكرّر سابقاً. بعد الزواج، ينتبه إلى تخلّيها عن الفرقة، فيسألها لمعرفة السبب، إذْ يشكّ في تسلّط الزوج عليها، الذي يظهر معها قبلاً وهو يضغط عليها لمحو أرقام هواتف صديقاتها في الفرقة ، وهو يطالبها بتركهنّ والابتعاد عنهنّ. كلام الأب بأسئلته متأتٍ من قلق وشكّ وحبٍّ كبير لها، لكنّه غير متمكّن من ممارسة ضغط عليها، فهذا ليس من شِيَمه. هذا نموذج مستلّ من فيلمٍ مليءٍ بجمالياتٍ فنية، تكشف قسوة عيش، وبراعة مواجهة، وعفوية تربية تمنح (العفوية) المرء أحياناً تفكيراً متنوّراً في مسائل يختبرها في حياته. شخصية ماجدة مسعود مُثيرة لاكتشافها، لما فيها من شفافية غير خالية من هدوءٍ في المواجهة خارج العرض المسرحي، ونبرة حادّة في المواجهة داخل العرض المسرحي. تريد استمراراً للفرقة، لكنّ الزواج والإنجاب (مونيكا) يصنعان شرخاً غير مقصود. في كلّ لحظةٍ تقريباً، هناك ما يُثير في كلامٍ وبوحٍ، ويدعو إلى تأمّل في أحوال وقناعات وممارسات. بهذا، يبتعد الثنائي ندى رياض وأيمن الأمير عن المباشرة في التصوير، إذْ تلتقط الكاميرا ما يحصل أمامها، من دون تقييد كلّ شخصية بعدستها. كلّ كلامٍ عفوي يؤكّد، بنبرة أو حركة أو سلوك، أنّ ما تعيشه الشابات كشفٌ سينمائي لبيئة متكاملة. الثنائي رياض ـ الأمير مكتفٍ بمتابعة تصويرية، بعد وقتٍ في الاشتغال والتحضير وإيجاد منافذ للثقة بينه وبين الشخصيات . والكشف يرتكز على إيقاع هادئ، يوهم ببطءٍ في سرد حكايات وتصوير حالات. لكنّ الوهم يتداعى سريعاً، فهدوء الإيقاع يُراد له أنْ يتمعّن في تفاصيل، وأنْ يُدقِّق، بل أنْ يُتيح للمهتمّ/المهتمّة التدقيق في كلّ تفصيل يشارك في صُنع "رفعت عيني للسما".