logo
#

أحدث الأخبار مع #بجامعةتبسة،

الوجود العسكري الفرنسي في أفريقيا: استراتيجية للهيمنة على الموارد الطبيعية في القارة
الوجود العسكري الفرنسي في أفريقيا: استراتيجية للهيمنة على الموارد الطبيعية في القارة

الشروق

time١٤-٠٢-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الشروق

الوجود العسكري الفرنسي في أفريقيا: استراتيجية للهيمنة على الموارد الطبيعية في القارة

في 30 يناير/كانون الثاني، سلم الجيش الفرنسي آخر قواعده العسكرية في تشاد للحكومة التشادية خلال احتفال عسكري في العاصمة نجامينا، منهياً بذلك وجوداً عسكرياً استمر ستين عاماً. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، اعتبر الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي أن الاتفاق العسكري مع فرنسا قد 'عفا عليه الزمن' ولم يُحقق أي فائدة حقيقية لتشاد. وفي سياق تقييم دور فرنسا في مكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل، حيث كانت قد نشرت قواتها في عام 2013، أشار الخبير الأمني المقيم في بنين، سليمان أمزات، إلى أن «تصرفات فرنسا لم تقتصر على فشلها في احتواء عدم الاستقرار، بل ساهمت في انتشاره ضمن مناطق جديدة». كما أضاف حسام حمزة، أستاذ العلوم السياسية في الجزائر للقناة الثالثة التلفزيونية يوم 17 يناير/كانون الثاني: 'إن هذه القوات والعمليات أنشئت في الأصل لمحاربة الإرهاب، وليس للحفاظ على وجود عسكري دائم في المنطقة، ومن الواضح أن الإرهاب أصبح ذريعة ملائمة لفرنسا للحفاظ على نفوذها العسكري في المنطقة» من جهته، أكد باباكار ندياي، الرئيس التنفيذي لشركة 'ناشيونال ريكفري سوسايتي' السنغالية، في مقابلة مع التلفزيون السنغالي يوم 19 يناير/كانون الثاني، أن فرنسا أرسلت قواتها إلى المنطقة لحماية مصالحها الاقتصادية، مشيرًا إلى أن هناك العديد من الشركات الفرنسية الكبرى في غرب أفريقيا، وأن القوات المسلحة الفرنسية تعمل لحماية تلك المصالح. ويؤيده في ذلك إدريس عطية، أستاذ العلوم السياسية بجامعة تبسة، الذي قال في ديسمبر/كانون الأول الماضي إن 'فرنسا تاريخيا صورت الإرهاب باعتباره تهديدا للدول الأفريقية، لكنها تتدخل تحت ستار الدفاع، سعيا وراء مصالحها واستغلال الموارد الأفريقية'. «معظم الأموال الموجودة في محفظتنا تأتي من استغلال أفريقيا على مدى قرون» هذه التصريحات تتوافق مع ما قاله الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك في 2008، حيث كشف عن دور الموارد الأفريقية في تمويل الاقتصاد الفرنسي، مؤكدًا أن معظم الأموال التي استفادت منها فرنسا كانت ناتجة عن استغلال قارة أفريقيا، ولم يأتي هذا التصريح للرئيس الفرنسي السابق إلا بعد أن ترك منصبه آنذاك. ويُقدّر المحلل الجزائري عبد الحكيم بوغيرة أن فرنسا تحصل سنويًا على ما يقرب من 500 مليار دولار من أفريقيا، بفضل السيطرة على موارد اليورانيوم والسوق والنظام المالي. ومن جانبه يؤكد سياكا كوليبالي، أستاذ العلوم السياسية في بوركينا فاسو في تصريح على تلفزيون RTB في السابع من يناير/كانون الثاني، أن فرنسا كانت تستخدم نظامًا اقتصاديًا يعتمد على الشركات الكبرى و الفرنك الأفريقي لتكريس نفوذها في القارة، على الرغم من الادعاء بأنها قد انسحبت عسكريًا من المنطقة. وأضاف «سيبدو ظاهريا أن سحب القواعد العسكرية من ثلاث دول هو نهاية الإمبريالية. ولكن في الواقع، فإن ما تأثر هو جزء بسيط فقط من النظام. إن جوهر النظام يكمن في القطاع الخاص، في الاقتصاد حيث تحتفظ الشركات الكبرى و الفرنك الأفريقي بنفوذها، والتواجد الفرنسي في افريقيا كان بهدف الدفاع عن نظام النهب هذا» وقال حاتم فتح الله، الخبير المعتمد في شركة مراجعة واستشارات دولية، في تصريح لإذاعة تونسية يوم 2 ديسمبر/كانون الأول: 'إن فرنسا تسيطر اليوم على كل الموارد الطبيعية في أفريقيا وتحافظ على هيمنتها الاقتصادية من خلال الفرنك الأفريقي الذي يطبعه البنك المركزي الفرنسي ويسيطر عليه… ولا تستطيع الدول الأفريقية إدارة عملاتها لأن فرنسا تملي عملياتها المالية'. الفرنك الأفريقي هو عملة مشتركة أنشأتها فرنسا في عام 1945 لمستعمراتها. ولا يزال يستخدم في 14 دولة في غرب ووسط أفريقيا. كان الفرنك الأفريقي مرتبطًا في البداية بالفرنك الفرنسي، ثم باليورو. وتضطر البلدان التي تستخدم هذه العملة إلى وضع ما لا يقل عن 50% من احتياطياتها من النقد الأجنبي في حسابات خاصة تخضع لسيطرة الخزانة الفرنسية. بفضل هذا النظام النقدي، تمكنت فرنسا من السيطرة على السياسات المالية لمستعمراتها السابقة. ورغم الخروج من أفريقيا في النصف الثاني من القرن العشرين واستقلال الدول الأفريقية، فإن الشركات الفرنسية تمكنت، نتيجة للاتفاقيات الثنائية، من الوصول إلى مواردها الاستراتيجية، مثل الماس، ومعادن الخام، واليورانيوم، والغاز، والنفط، كما احتفظت فرنسا بحق الأولوية في استغلال جميع الموارد الطبيعية والوصول المتميز إلى العقود الحكومية، كما تم إنشاء شبكة من الاتصالات الشخصية بين القيادة الفرنسية ونخبة المستعمرات الفرنسية السابقة، وقد دعمت باريس الزعماء الموالين لفرنسا في الدول الأفريقية. وبعد حركات الاستقلال في الخمسينيات والسبعينيات من القرن الماضي، انسحبت فرنسا على ما يبدو، لكنها عملت على ضمان بقاء الحكومات الموالية لها في السلطة، وعندما يغيب الأمن في هذه البلدان وتنتشر أعمال الشغب والحركات الإرهابية والثورات الداخلية تعود فرنسا بثقلها العسكري في كثير من الأحيان. وفيما تتنامى الدعوات من بعض الزعماء الأفارقة لاستبدال الفرنك الأفريقي بعملات سيادية، فإن محاولات سابقة للاستقلال النقدي في دول مثل توغو ومالي انتهت بشكل مأساوي مع اغتيال الزعماء الذين سعوا لتغيير هذا النظام. إن قصة أول رئيس لتوغو، سيلفانوس أوليمبيو، قصة مثيرة للاهتمام. وكان أحد أهدافها الرئيسية هو تقليل اعتماد البلاد اقتصاديًا على فرنسا واستبدال الفرنك الأفريقي بعملتها الخاصة. وفي عام 1963 اغتيل في انقلاب عسكري، قبل أيام قليلة من الإصلاح المقترح، وقد تم اغتياله على يد الجندي الفرنسي السابق، الرقيب في الجيش إتيان إياديما غناسينغبي، وبذلك نجا الفرنك الأفريقي الذي تسيطر عليه فرنسا. وفي عام 1962، قرر الرئيس المالي موديبو كيتا أيضًا استبدال الفرنك الأفريقي بالفرنك المالي. وفي عام 1968 وقع ضحية انقلاب قاده عضو سابق في الفيلق الأجنبي الفرنسي، الملازم موسى تراوري. ويُظهر تاريخ الانقلابات في المستعمرات الفرنسية السابقة، والذي شهد 103 محاولات انقلاب بين عامي 1950 و2023 في 20 دولة افريقية نجح منها 53 انقلابا، أن فرنسا كانت تدعم بقاء الحكومات الموالية لها، مما يضمن استمرار استغلال الموارد الطبيعية في هذه الدول. وقد أوضح المحامي الجزائري سليمان العلالي لـقناة 'الشروق نيوز' الجزائرية يوم 15 ديسمبر/كانون الأول إن 'النظام الفرنسي يحافظ بمكر على بقاء بعض الديكتاتوريين الأفارقة في السلطة لعقود من الزمن، ويدعمهم لمدة 20 أو 30 عاما، بينما يستغل موارد القارة بموجب اتفاقيات غير عادلة'. ويرى أن ارتفاع مستوى المعيشة في فرنسا يعود إلى استغلال الموارد الأفريقية: 'فرنسا لا تملك احتياطيات كبيرة من الذهب، ولكنها تحتل واحدة من المراكز الأولى في احتياطيات الذهب في العالم. إنها تفتقر إلى النفط، ولكنها تتمتع بالازدهار الاقتصادي. لا يوجد غاز طبيعي هناك، ولكن يتم الاحتفاظ بوسائل الراحة الحديثة. كل هذا.. هو نتيجة الثروة المستخرجة من أفريقيا'. من جانب آخر، على مدى عقود من الزمن، حافظت الشركات الفرنسية على هيمنتها في المستعمرات الفرنسية السابقة، واعتبارًا من عام 2017، كان هناك 700 شركة فرنسية تعمل في كوت ديفوار وحدها، بما في ذلك 200 فرع. تمثل نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي لكوت ديفوار. وبحسب DW، فقد بلغ عدد الشركات الفرنسية العاملة في أفريقيا في عام 2020 نحو 1100 شركة ونحو 2100 شركة تابعة لها. وعلى مدار سنوات طوال تحصل باريس على الذهب من مالي، واليورانيوم من النيجر، والنفط من تشاد، والفوسفات من موريتانيا، ومعادن نادرة أخرى موجودة في منطقة الساحل. وتكتسب إمدادات اليورانيوم أهمية خاصة بالنسبة لفرنسا، حيث تستخدمه محطات الطاقة النووية الفرنسية لإنتاج نحو 70% من الكهرباء في البلاد. وعلاوة على ذلك، فإن وجود العديد من محطات الطاقة النووية يشكل شرطا لبقاء القطاع الصناعي في الاقتصاد الفرنسي. وتحتل النيجر المرتبة السابعة في العالم من حيث احتياطيات اليورانيوم وإنتاجه (4% من الإنتاج العالمي). طوال سنوات عديدة، قامت شركة أورانو الفرنسية (حتى عام 2018 – أريفا) باستخراج اليورانيوم في هذا البلد، وكانت أسعار الشراء التي حددها الفرنسيون له أقل بعدة مرات من الأسعار في السوق العالمية. وهكذا، وبحسب ما ذكره ماهامان لاوان جاي، الأمين العام السابق لوزارة الطاقة والبترول في النيجر، فإن البلاد صدرت في عام 2010 وحده يورانيوم بقيمة 3.5 مليار يورو إلى فرنسا، لكنها لم تتلق سوى 459 مليون يورو مقابل ذلك. ومن الجدير بالذكر أيضًا أنه للفترة 2012-2022. استوردت فرنسا 20% من اليورانيوم الذي تحتاجه لتشغيل محطة الطاقة النووية من النيجر. ورغم ذلك، فإن 80% من سكان النيجر لا يحصلون على الكهرباء، بحسب إحصائيات عام 2022. وهنا أورد ما قاله فاتح كنانو، أستاذ في المدرسة الوطنية للعلوم السياسية، للتلفزيون الجزائري يوم 6 ديسمبر/كانون الأول: «إن ثلث المصابيح الكهربائية في فرنسا تعمل باليورانيوم المستخرج من النيجر. ورغم هذه المساهمة الكبيرة، لا تزال النيجر في وضع اقتصادي صعب، مما يسلط الضوء على الخلل الحاد بين استغلال الموارد والتنمية المحلية». وبناء على كل هذا، فليس من المستغرب أن تظل المستعمرات السابقة غير قادرة على التغلب على مشكلة الفقر. وبحسب مولاي بومجوط، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، فإن أحدث تقرير للتنمية البشرية الذي نشرته الأمم المتحدة وجد أن '95% من البلدان التي استعمرتها فرنسا (معظمها في أفريقيا) لا تزال تحت خط الفقر'. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أشار رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو، متحدثا عن الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد، إلى أن 'السنغال اليوم، في ظل وضع اقتصادي محطم، وفي أفريقيا التي تضحي بنفسها… بعد 64 عاما من الاستقلال، لا تزال السنغال داخل النموذج الاقتصادي الاستعماري، وتصدر المواد الخام بقيمة مضافة ضئيلة وتستورد السلع النهائية'. ومع تزايد الدين العام الفرنسي، الذي وصل إلى مستويات قياسية حيث بلغ 3.228 تريليون يورو في سبتمبر/أيلول من العام الماضي تزداد أهمية الإيرادات التي تتلقاها فرنسا من مستعمراتها السابقة وتظل هذه الموارد تشكل مصدرًا أساسيًا للدخل الفرنسي، مما يربط بين التراجع في النفوذ الفرنسي في أفريقيا والضغوط الاقتصادية الداخلية التي تواجهها فرنسا اليوم. وفي خطاب ألقاه أمام البرلمان في يناير/كانون الثاني الماضي، قال رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو: 'لم يسبق لفرنسا في تاريخها أن واجهت مثل هذا القدر الكبير من الديون. إن الديون تخيم على فرنسا مثل سيف ديموقليس'. وفي الأخير أذهب الى ما ذهبت إليه وسائل إعلام جزائرية في الربط الواضح بين عجز السلطات الفرنسية عن إدارة الاقتصاد وخسارة النفوذ الفرنسي في أفريقيا، الذي كان يشكل مصدرا رئيسيا للدخل من الموارد المعدنية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store