logo
#

أحدث الأخبار مع #براديكوربت

أوسكار 2025: The Brutalist.. بناء محكم البنيان يطوي الخواء!
أوسكار 2025: The Brutalist.. بناء محكم البنيان يطوي الخواء!

الشرق السعودية

time٠٢-٠٣-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الشرق السعودية

أوسكار 2025: The Brutalist.. بناء محكم البنيان يطوي الخواء!

يثير فيلم The Brutalist المرشح لعشرة جوائز أوسكار أكثر من مسألة خلافية، بعضها يتعلق بمضمونه، مثل انحيازه للصهيونية في الفصل الأخير من أحداثه، والصورة البشعة التي يرسم بها "الحلم الأميركي" على مدار فصوله كلها، وبعضها يتعلق باختيارات مخرجه برادي كوربت مثل زمنه الذي يصل إلى 214 دقيقة، واختيار طريقة تصوير بطل استخدامها منذ الخمسينيات، ولعل آخرها اكتشاف أن صناعه قد استخدموا تقنيات الذكاء الاصطناعي لتغيير صوت بطليه أدريان برودي وفيليستي جونز لتحسين نطقهما للغة المجرية. غالباً سيفوز برودي بجائزة أفضل ممثل، رغم ذلك، وغالباً سيفوز الفيلم بجائزة أفضل موسيقى أيضاً، ومن المحتمل أن يفوز بجائزة أفضل مخرج، وإن كان من الصعب فوزه بجائزة أفضل فيلم؛ بسبب كل هذا الجدل الذي سيجعله يفقد الكثير من أصوات أعضاء الأكاديمية، وقبل ذلك بسبب نقاط ضعفه وتعقيده الفني والمزاج العام الكئيب الذي يخلفه في نفوس مشاهديه. من يصنع العبودية؟ ينطلق الفيلم من وجهة نظر مؤلفه ومخرجه برادي كوربت، الناتجة عن تجارب مرت بها أسرته المهاجرة من أوروبا (حسب ما صرح به في أماكن عدة) من أن أميركا هي جحيم المهاجرين، أو كما تقول الزوجة بالقرب من نهاية The Brutalist: "كل شيء هنا عفن.. البلد كلها عفنة". وبغض النظر عن مدى عفن الولايات المتحدة الأميركية، فإن التي تقول ذلك ناجية من معسكرات التعذيب النازية في أوروبا، وسوف تذهب بعد هذه الجملة إلى إسرائيل، عسى أن تجد الجنة الموعودة، وللأسف يحتاج الفيلم إلى جزء ثان ليروي لنا حياة هذه الأسرة، حين تذهب إلى إسرائيل، حيث العفن الأصلي! في بداية الفيلم تقول الشخصية نفسها، في خطاب ترسله من أوروبا، حيث لا تستطيع الفرار بعد، مقتبسة من الأديب الألماني الكبير يوهان فولفجانج جوتة: "لا أحد مستعبد أكثر من هؤلاء الذين يعتقدون واهمين أنهم أحرار". وهذه العبارة الفلسفية تنطبق على شخصيات الفيلم، بطليه ومعظم الشخصيات الأخرى، كما تنطبق على معظم الناس، إذا استثنينا ربما، هؤلاء الزاهدين والنساك في الجبال والأديرة. The Brutalist قد يكون أيضا استعارة للظرف الإنساني عموماً، خاصة في المجتمع الرأسمالي الحديث الذي يستعبد الناس، دون أن يشعروا أنهم عبيد، مغرقاً إياهم بحلم الرفاهية على حساب أرواحهم وأجسادهم المهانة المغتصبة. ولكن للأسف لا يصرف كوربت من زمن الفيلم الطويل، ولو دقيقة واحدة ليوحي بهذا المعنى الأشمل والأعمق، مكتفياً بالنقد اللاذع لأميركا فقط، وبالاستغراق في مأساة أسرة بطله فحسب، المتوحد والمدمن والغارق في التلذذ بعذاباته حتى النخاع. وبطل الفيلم هذا، أدريان برودي، بملامحه وأداءه اللذان لا يعبران سوى عن المعاناة والعذاب، هو لازلو توث، المعماري اليهودي المجري الذي تعتقل عائلته على يد النازي، وينجو منها هو وزوجته إليزابيث (أو إرازبيث حسب الهجاء المجري أو اليصابات حسب الأصل العبري) وابنة أخته صوفيا (أو زوفيا حسب النطق المجري). يبدأ الفيلم بقطع متواز بين لقطات وأصوات من الجحيم الأوروبي الذي خرج منه لازلو، والسفينة التي تقله إلى الولايات المتحدة، ومع فرح المسافرين بالوصول تتحرك الكاميرا لنرى أول معالم أميركا وهو تمثال الحرية مقلوباً رأسا على عقب، لنرى وجهة نظر صانع الفيلم وبطله منذ اللحظة الأولى. ورغم بلاغة اللقطة السينمائية، إلا أنها تقول لنا شيئاً واضحاً وضوح الشمس، وللأسف لا يقال سوى على لسان أسوأ شخصية في الفيلم (رجل الأعمال العنصري الجشع هاريسون فان بورين، التي يؤديها ببراعة جاي بيرس)، الذي ينتقد لازلو الذاهل بفعل المخدر، وخلال مشهد اغتصاب بشع، بأنه جاء إلى أميركا محطماً بالفعل، وأنه يحمل دماره الشخصي معه أينما ذهب وبغض النظر عن الظروف التي تحيط به. إن أول ما يفعله لازلو في أميركا هو الذهاب إلى البغايا اللواتي يستقبلن المهاجرين بالقرب من الميناء، وثاني شيء يفعله هو أن يتعاطى الأفيون الذي تعرف إليه على السفينة كمسكن لآلام إصابته، ومهما علا شأنه خلال السنوات التالية، وانتقاله من الحضيض إلى فرص الحياة الذهبية، إلا أنه لن يتوقف عن الإدمان الذي سيصيبه بالعجز، ويدمر حياته في النهاية. تضيع هذه الفكرة العميقة، القديمة، التي عبر عنها الشاعر اليوناني السكندري قسطنطين كفافيس في قصيدته الشهيرة "المدينة"، والتي يتحدث فيها إلى شخص، هو الشاعر نفسه، مؤكداً له أن حياته لن تتغير بتغير المكان، وأن مصيره التعيس سيصيبه أينما ذهب، لأن المشكلة داخله هو. الكابوس الأميركي لا يمنع هذا بالطبع من أن أميركا والنظام الرأسمالي يستحقان الانتقاد، أو أنهما يحملان ما يحملانه من عفن، ولكن مشكلة شخصيات The Brutalist أنهم يصلون إلى أميركا مدمرين بالفعل جسدياً ونفسياً: الزوجة تصل غير قادرة على الحركة؛ بسبب هشاشة عظامها نتيجة الجوع في معسكرات التعذيب، وابنة الأخت تصل غير قادرة على الكلام؛ بسبب الاغتصاب والعنف الذي تعرضت له، وهي مثل خالها، ستترك نفسها عرضة له مرة أخرى في أميركا. ولن تقابل تلك المهانة سوى بالتطرف الديني والتوهم بأنها ستجد الجنة في أرض الميعاد إسرائيل، حيث هاجر المضهدون الأوائل ليفرغوا عقدهم وعذاباتهم على الفلسطينيين. ربما كان يتصور كوربت أنه يصنع فيلما عن "عفن" أميركا، والحقيقة أن فيلمه يعبر أكثر عن "اليهودي التائه"، الذي يحاول عبثاً أن ينهي شتاته في الأرض، متوهماً وجود "أرض الميعاد"، مرة في الولايات المتحدة، ومرة في فلسطين. يبدأ الفيلم بسفينة المهاجرين، متعددة الأعراق والجنسيات والأديان، كلهم من بؤساء الأرض الذين يبحثون عن فرصة أخرى في الحياة. أغلبهم سيتعرض لمعاناة شديدة حتى يستطيع أن يضع قدميه على طريق، وأن يثبتهما في الأرض، وغالباً سيتشكل طريق كل منهم وفقا للتركيبة التي أتى بها. ولنتذكر عائلة الدون كورليوني في الجزء الثاني من ثلاثية The Godfather مثلاً، أو عشرات الأفلام التي صنعت عن المهاجرين خلال السنوات الماضية. يحسب لفيلم The Brutalist رؤيته الجذرية الحادة للحلم/ الكابوس الأميركي، ولكن مشكلته هي التقوقع داخل نموذج خاص جداً للمهاجرين إلى أميركا. قد يكون صحيحاً أن أغلبهم جاء هرباً من معاناة، وأن أغلبهم تعرض أيضا لمعاناة في البلد الجديد، ولكن لازلو توث وأسرته جاءوا مدمرين بالفعل، وليس هناك قوة قادرة على الأرض قادرة على علاجهم! وبغض النظر عن خلل المضمون، الذي زاده كوربت خللاً بعرضه لإسرائيل كملاذ ناجع لأسرة لازلو، دون أن يتطرق من قريب أو بعيد لما واجهوه أو فعلوه هناك، وهو الخلل الذي حاول تعويضه في خطاب حصوله على جائزة أفضل مخرج بالدفاع عن فيلم فلسطيني، وفي تصريحات صحفية بذكر حق الصوت الفلسطيني وقطاع غزة في الوصول إلى العالم، بغض النظر عن المضمون، مرة ثانية، فإن طموح The Brutlaist ومكمن قوته يكمن في بناءه وأسلوبه الفني اللافت. صرح سينمائي كلاسيكي تقول إنجا كاريتنيكوفا في كتاب "كيف تتم كتابة السيناريو" (ترجمة أحمد الحضري، إصدارات المشروع القومي للترجمة)، أن صنع فيلم سينمائي أشبه ببناء كاتدرائية ضخمة في العصور الوسطى، و The Brutalist مثال على صحة هذه الفكرة، فالفيلم مبني معمارياً كما لو أن صاحبه يرغب بالفعل في بناء صرح عملاق، مثل الذي ينتهي به الفيلم، حتى لو كان صرح الفيلم، والصرح الذي يبنيه بطل الفيلم، مستلهمين من أبنية الهولوكست التي تغلغلت داخل كيان لازلو توث. وهذه الفكرة التي يختم بها الفيلم تبين مرة أخرى أن السجن والعذاب أصبح داخليا، وليس أدل على ذلك من أن لازلو، حين يصل إلى قاع الإذلال على يد فان بورين، يستدير ليسقط عذاباته على العمال الأبرياء في موقع العمل. وبغض النظر عن المضمون مرة ثالثة، فإن إنجاز he Brutalist الحقيقي يتمثل في بنائه الفني المعماري الذي يحاكي أسلوب "البروتاليست"، الذي ظهر في ألمانيا وأوروبا الشرقية بداية القرن العشرين، ويعتمد بالأساس على تقشف وجفاف التصميم وعدم استخدام الزينة أو أي محاولة لإخفاء أو تغطية "عظام" المبنى من حجارة أو حديد أو أخشاب. يقسم كوربت فيلمه إلى فصول أدبية، أو طوابق معمارية، بادئاً بتمهيد ثم مقسماً حياة شخصياته إلى فترات زمنية، تمتد من 1947 إلى 1980، خاتماً بتذييل. وعلى مستوى الصورة يستخدم كوربت طريقة VistaVision ذات الشاشة العريضة والألوان المشبعة، التي ظهرت في بداية خمسينيات القرن الماضي (مع بداية عمل لازلو في أميركا تقريباً)، والتي ظهرت من بين طرق أخرى لمواجهة ظهور التليفزيون بتجربة مشاهدة سينمائية أكثر إبهارا. ويعتمد الفيلم، بشكل عام، على اللقطات الكبيرة الواسعة، إلا أنه يختار زوايا غير مباشرة للكاميرا، ما يدعم الإحساس بثقل التكوين والطبقات والإطار المحيط بالشخصيات. ويتكامل هذا التصور للسيناريو والتصوير بالموسيقى التصويرية التي وضعها دانيل بلومبرغ، والتي تعتمد على الآلات الوترية الثقيلة، ويحاكي صوت إيقاعها حفارات البناء التي تدق بطن الأرض. يعوض هذا البناء الفني القوي خلل مضمون الفيلم سابق الذكر، وطول زمن عرضه الذي يدفع إلى الشعور بالملل أحيانا. رغم مزاياه، إلا أن The Brutlaist من النوع الذي تكتفي بمشاهدته مرة واحدة، أو على فترات، ولعل ذلك ما دفع بصاحبه إلى تقسيمه إلى جزأين، يفصل بينهما "استراحة" إجبارية، على طريقة أفلام الملاحم التاريخية للخمسينيات! مع نزول عناوين النهاية قد يعلق سؤال في ذهنك: ماذا وراء هذا البناء العظيم الذي صممه لازلو توث ويظهر في المعرض أثناء تكريمه؟ وماذا وراء هذا البناء العظيم للفيلم الذي تخرج منه مبهوراً، ولكن سرعان ما تكتشف خواءه. * ناقد فني

The Brutalist.. بناء محكم البنيان يطوي الخواء!
The Brutalist.. بناء محكم البنيان يطوي الخواء!

الشرق السعودية

time٢٧-٠٢-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الشرق السعودية

The Brutalist.. بناء محكم البنيان يطوي الخواء!

يثير فيلم The Brutalist المرشح لعشرة جوائز أوسكار أكثر من مسألة خلافية، بعضها يتعلق بمضمونه، مثل انحيازه للصهيونية في الفصل الأخير من أحداثه، والصورة البشعة التي يرسم بها "الحلم الأميركي" على مدار فصوله كلها، وبعضها يتعلق باختيارات مخرجه برادي كوربت مثل زمنه الذي يصل إلى 214 دقيقة، واختيار طريقة تصوير بطل استخدامها منذ الخمسينيات، ولعل آخرها اكتشاف أن صناعه قد استخدموا تقنيات الذكاء الاصطناعي لتغيير صوت بطليه أدريان برودي وفيليستي جونز لتحسين نطقهما للغة المجرية. غالباً سيفوز برودي بجائزة أفضل ممثل، رغم ذلك، وغالباً سيفوز الفيلم بجائزة أفضل موسيقى أيضاً، ومن المحتمل أن يفوز بجائزة أفضل مخرج، وإن كان من الصعب فوزه بجائزة أفضل فيلم؛ بسبب كل هذا الجدل الذي سيجعله يفقد الكثير من أصوات أعضاء الأكاديمية، وقبل ذلك بسبب نقاط ضعفه وتعقيده الفني والمزاج العام الكئيب الذي يخلفه في نفوس مشاهديه. من يصنع العبودية؟ ينطلق الفيلم من وجهة نظر مؤلفه ومخرجه برادي كوربت، الناتجة عن تجارب مرت بها أسرته المهاجرة من أوروبا (حسب ما صرح به في أماكن عدة) من أن أميركا هي جحيم المهاجرين، أو كما تقول الزوجة بالقرب من نهاية The Brutalist: "كل شيء هنا عفن.. البلد كلها عفنة". وبغض النظر عن مدى عفن الولايات المتحدة الأميركية، فإن التي تقول ذلك ناجية من معسكرات التعذيب النازية في أوروبا، وسوف تذهب بعد هذه الجملة إلى إسرائيل، عسى أن تجد الجنة الموعودة، وللأسف يحتاج الفيلم إلى جزء ثان ليروي لنا حياة هذه الأسرة، حين تذهب إلى إسرائيل، حيث العفن الأصلي! في بداية الفيلم تقول الشخصية نفسها، في خطاب ترسله من أوروبا، حيث لا تستطيع الفرار بعد، مقتبسة من الأديب الألماني الكبير يوهان فولفجانج جوتة: "لا أحد مستعبد أكثر من هؤلاء الذين يعتقدون واهمين أنهم أحرار". وهذه العبارة الفلسفية تنطبق على شخصيات الفيلم، بطليه ومعظم الشخصيات الأخرى، كما تنطبق على معظم الناس، إذا استثنينا ربما، هؤلاء الزاهدين والنساك في الجبال والأديرة. The Brutalist قد يكون أيضا استعارة للظرف الإنساني عموماً، خاصة في المجتمع الرأسمالي الحديث الذي يستعبد الناس، دون أن يشعروا أنهم عبيد، مغرقاً إياهم بحلم الرفاهية على حساب أرواحهم وأجسادهم المهانة المغتصبة. ولكن للأسف لا يصرف كوربت من زمن الفيلم الطويل، ولو دقيقة واحدة ليوحي بهذا المعنى الأشمل والأعمق، مكتفياً بالنقد اللاذع لأميركا فقط، وبالاستغراق في مأساة أسرة بطله فحسب، المتوحد والمدمن والغارق في التلذذ بعذاباته حتى النخاع. وبطل الفيلم هذا، أدريان برودي، بملامحه وأداءه اللذان لا يعبران سوى عن المعاناة والعذاب، هو لازلو توث، المعماري اليهودي المجري الذي تعتقل عائلته على يد النازي، وينجو منها هو وزوجته إليزابيث (أو إرازبيث حسب الهجاء المجري أو اليصابات حسب الأصل العبري) وابنة أخته صوفيا (أو زوفيا حسب النطق المجري). يبدأ الفيلم بقطع متواز بين لقطات وأصوات من الجحيم الأوروبي الذي خرج منه لازلو، والسفينة التي تقله إلى الولايات المتحدة، ومع فرح المسافرين بالوصول تتحرك الكاميرا لنرى أول معالم أميركا وهو تمثال الحرية مقلوباً رأسا على عقب، لنرى وجهة نظر صانع الفيلم وبطله منذ اللحظة الأولى. ورغم بلاغة اللقطة السينمائية، إلا أنها تقول لنا شيئاً واضحاً وضوح الشمس، وللأسف لا يقال سوى على لسان أسوأ شخصية في الفيلم (رجل الأعمال العنصري الجشع هاريسون فان بورين، التي يؤديها ببراعة جاي بيرس)، الذي ينتقد لازلو الذاهل بفعل المخدر، وخلال مشهد اغتصاب بشع، بأنه جاء إلى أميركا محطماً بالفعل، وأنه يحمل دماره الشخصي معه أينما ذهب وبغض النظر عن الظروف التي تحيط به. إن أول ما يفعله لازلو في أميركا هو الذهاب إلى البغايا اللواتي يستقبلن المهاجرين بالقرب من الميناء، وثاني شيء يفعله هو أن يتعاطى الأفيون الذي تعرف إليه على السفينة كمسكن لآلام إصابته، ومهما علا شأنه خلال السنوات التالية، وانتقاله من الحضيض إلى فرص الحياة الذهبية، إلا أنه لن يتوقف عن الإدمان الذي سيصيبه بالعجز، ويدمر حياته في النهاية. تضيع هذه الفكرة العميقة، القديمة، التي عبر عنها الشاعر اليوناني السكندري قسطنطين كفافيس في قصيدته الشهيرة "المدينة"، والتي يتحدث فيها إلى شخص، هو الشاعر نفسه، مؤكداً له أن حياته لن تتغير بتغير المكان، وأن مصيره التعيس سيصيبه أينما ذهب، لأن المشكلة داخله هو. الكابوس الأميركي لا يمنع هذا بالطبع من أن أميركا والنظام الرأسمالي يستحقان الانتقاد، أو أنهما يحملان ما يحملانه من عفن، ولكن مشكلة شخصيات The Brutalist أنهم يصلون إلى أميركا مدمرين بالفعل جسدياً ونفسياً: الزوجة تصل غير قادرة على الحركة؛ بسبب هشاشة عظامها نتيجة الجوع في معسكرات التعذيب، وابنة الأخت تصل غير قادرة على الكلام؛ بسبب الاغتصاب والعنف الذي تعرضت له، وهي مثل خالها، ستترك نفسها عرضة له مرة أخرى في أميركا. ولن تقابل تلك المهانة سوى بالتطرف الديني والتوهم بأنها ستجد الجنة في أرض الميعاد إسرائيل، حيث هاجر المضهدون الأوائل ليفرغوا عقدهم وعذاباتهم على الفلسطينيين. ربما كان يتصور كوربت أنه يصنع فيلما عن "عفن" أميركا، والحقيقة أن فيلمه يعبر أكثر عن "اليهودي التائه"، الذي يحاول عبثاً أن ينهي شتاته في الأرض، متوهماً وجود "أرض الميعاد"، مرة في الولايات المتحدة، ومرة في فلسطين. يبدأ الفيلم بسفينة المهاجرين، متعددة الأعراق والجنسيات والأديان، كلهم من بؤساء الأرض الذين يبحثون عن فرصة أخرى في الحياة. أغلبهم سيتعرض لمعاناة شديدة حتى يستطيع أن يضع قدميه على طريق، وأن يثبتهما في الأرض، وغالباً سيتشكل طريق كل منهم وفقا للتركيبة التي أتى بها. ولنتذكر عائلة الدون كورليوني في الجزء الثاني من ثلاثية The Godfather مثلاً، أو عشرات الأفلام التي صنعت عن المهاجرين خلال السنوات الماضية. يحسب لفيلم The Brutalist رؤيته الجذرية الحادة للحلم/ الكابوس الأميركي، ولكن مشكلته هي التقوقع داخل نموذج خاص جداً للمهاجرين إلى أميركا. قد يكون صحيحاً أن أغلبهم جاء هرباً من معاناة، وأن أغلبهم تعرض أيضا لمعاناة في البلد الجديد، ولكن لازلو توث وأسرته جاءوا مدمرين بالفعل، وليس هناك قوة قادرة على الأرض قادرة على علاجهم! وبغض النظر عن خلل المضمون، الذي زاده كوربت خللاً بعرضه لإسرائيل كملاذ ناجع لأسرة لازلو، دون أن يتطرق من قريب أو بعيد لما واجهوه أو فعلوه هناك، وهو الخلل الذي حاول تعويضه في خطاب حصوله على جائزة أفضل مخرج بالدفاع عن فيلم فلسطيني، وفي تصريحات صحفية بذكر حق الصوت الفلسطيني وقطاع غزة في الوصول إلى العالم، بغض النظر عن المضمون، مرة ثانية، فإن طموح The Brutlaist ومكمن قوته يكمن في بناءه وأسلوبه الفني اللافت. صرح سينمائي كلاسيكي تقول إنجا كاريتنيكوفا في كتاب "كيف تتم كتابة السيناريو" (ترجمة أحمد الحضري، إصدارات المشروع القومي للترجمة)، أن صنع فيلم سينمائي أشبه ببناء كاتدرائية ضخمة في العصور الوسطى، و The Brutalist مثال على صحة هذه الفكرة، فالفيلم مبني معمارياً كما لو أن صاحبه يرغب بالفعل في بناء صرح عملاق، مثل الذي ينتهي به الفيلم، حتى لو كان صرح الفيلم، والصرح الذي يبنيه بطل الفيلم، مستلهمين من أبنية الهولوكست التي تغلغلت داخل كيان لازلو توث. وهذه الفكرة التي يختم بها الفيلم تبين مرة أخرى أن السجن والعذاب أصبح داخليا، وليس أدل على ذلك من أن لازلو، حين يصل إلى قاع الإذلال على يد فان بورين، يستدير ليسقط عذاباته على العمال الأبرياء في موقع العمل. وبغض النظر عن المضمون مرة ثالثة، فإن إنجاز he Brutalist الحقيقي يتمثل في بنائه الفني المعماري الذي يحاكي أسلوب "البروتاليست"، الذي ظهر في ألمانيا وأوروبا الشرقية بداية القرن العشرين، ويعتمد بالأساس على تقشف وجفاف التصميم وعدم استخدام الزينة أو أي محاولة لإخفاء أو تغطية "عظام" المبنى من حجارة أو حديد أو أخشاب. يقسم كوربت فيلمه إلى فصول أدبية، أو طوابق معمارية، بادئاً بتمهيد ثم مقسماً حياة شخصياته إلى فترات زمنية، تمتد من 1947 إلى 1980، خاتماً بتذييل. وعلى مستوى الصورة يستخدم كوربت طريقة VistaVision ذات الشاشة العريضة والألوان المشبعة، التي ظهرت في بداية خمسينيات القرن الماضي (مع بداية عمل لازلو في أميركا تقريباً)، والتي ظهرت من بين طرق أخرى لمواجهة ظهور التليفزيون بتجربة مشاهدة سينمائية أكثر إبهارا. ويعتمد الفيلم، بشكل عام، على اللقطات الكبيرة الواسعة، إلا أنه يختار زوايا غير مباشرة للكاميرا، ما يدعم الإحساس بثقل التكوين والطبقات والإطار المحيط بالشخصيات. ويتكامل هذا التصور للسيناريو والتصوير بالموسيقى التصويرية التي وضعها دانيل بلومبرغ، والتي تعتمد على الآلات الوترية الثقيلة، ويحاكي صوت إيقاعها حفارات البناء التي تدق بطن الأرض. يعوض هذا البناء الفني القوي خلل مضمون الفيلم سابق الذكر، وطول زمن عرضه الذي يدفع إلى الشعور بالملل أحيانا. رغم مزاياه، إلا أن The Brutlaist من النوع الذي تكتفي بمشاهدته مرة واحدة، أو على فترات، ولعل ذلك ما دفع بصاحبه إلى تقسيمه إلى جزأين، يفصل بينهما "استراحة" إجبارية، على طريقة أفلام الملاحم التاريخية للخمسينيات! مع نزول عناوين النهاية قد يعلق سؤال في ذهنك: ماذا وراء هذا البناء العظيم الذي صممه لازلو توث ويظهر في المعرض أثناء تكريمه؟ وماذا وراء هذا البناء العظيم للفيلم الذي تخرج منه مبهوراً، ولكن سرعان ما تكتشف خواءه. * ناقد فني

شاشة الناقد: عروض أفلام الأوسكار
شاشة الناقد: عروض أفلام الأوسكار

الشرق الأوسط

time٢٢-٠٢-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الشرق الأوسط

شاشة الناقد: عروض أفلام الأوسكار

THE BRUTALIST ★★★ • إخراج: برادي كوربت | Brady Corbet • المجر، بريطانيا، الولايات المتحدة | دراما • عروض أفلام الأوسكار في «ذَ بروتاليست» بضعة طروحات ومضامين يؤمّها الفيلم بنجاحات متفاوتة. هو عن لازلو (أدريان برودي)، المهندس المعماري اليهودي الهارب من النازية إلى ربوع أميركية طلباً للنجاة. لازلو يعدّ أن على العمارة أن تكون شكلاً فنياً لا يختلف عن أي فن آخر، وإلا هي شكل وحشي النشأة والمظهر. عندما يستأجر الثري ڤان بورِن (غاي بيرس) خدماته ليُصمم له بناءً يضم منتجعاً ومكتبة وكنيسة ومكاتب عمل يترك له حريّة مطلقة في التصميم والإنجاز. يتبنى مفهوم ونظرة لازلو، آملاً في الانفراد بإنجاز مختلف يفخر به. ڤان بورِن عنصري يؤمِن بالتمييز (يشتم السود في مشهد) والتميّز بثرائه. استئجاره للازلو يتم بوصفه فعلاً مزودجاً. نعم هو يحتاج إليه ليبني له الصرح المذكور، لكنه يختار معاملته أجيراً. في الواقع يرميه في مشهد عشاء وأمام آخرين بشيء ما يُجبر لازلو على الانحناء لالتقاطه. يسأل ڤان بورِن زوجة لازلو: «تتكلمين الإنجليزية جيداً، متى ستعلّمين زوجك التخلي عن لهجة ماسحي الأحذية». في ثلاث ساعات ونيّف الساعة لدى المخرج كوربت كثير مما يود قوله. تفاصيل معجوقة واستطرادات. لكن النجاح الفعلي له هو معالجته الفيلم بصفته ملحمة لموضوعات عليها أن تجتمع تحت مظلة واحدة، حتى إن لم تكفِ المظلة لجمعها. التصاميم الفنية (الديكورات والمناظر) رائعة، والتمثيل بعيد عن النقد السهل، في حين أن التصوير (لول كراولي) يلبّي أسلوب العرض المنشود. أما ما لا يصل إلى هذه المستويات، فهو موسيقى دانيال بلومبيرغ المزعجة، حيث يستخدم الموسيقار الضرب على أنابيب فارغة ومطارق، إلى جانب أدوات أخرى. مشكلة لازلو أنه لا يستطيع الانتماء، ما يدفع ڤان بورِن لسؤاله، قبل الاعتداء عليه: «كيف تناهض ما تعرضت له من اضطهاد وتقبل إهانة نفسك؟». السؤال وجيه، ولو أنه ليس عادلاً. لازلو بطل يعاني من الإدمان والعجز (مع زوجته أو غيرها) والفقر الذي يعود إليه كلما ناوأه ذلك الحلم الأميركي الصعب، لكن مشكلته الأكبر هي فشله في جعل أميركا تنظر إليه بصفته فناناً. EMILIA PÉREZ ★★ • إخراج: جاك أوديار | Jacuqes Audiard •‫ فرنسا | ميوزيكال • عروض أفلام الأوسكار في سعي المخرج جاك أوديار لتقديم دراما في إطار موسيقي - استعراضي رغبة غير مكتملة العناصر. نوع من فرض الشكل على شروط المضمون، من خلال القفز فوق تفاصيل مهمّة. أنجز هذا الفيلم شعبيّته على أساس موضوعه، حول رئيس كارتل يُقدم على تغيير جنسه. لكن الفيلم نوع من الأعمال التي يغلب عليها الطموح. على السطح هناك فرادة الموضوع، وجاذبيّته لدى كثيرين، تحت السطح افتقار إلى ما هو ضروري لنجاح فني فعلي. زوي سالدانا في «إميليا بيريز» (آي إم دي بي) نتعرّف أولاً على المحامية ريتا (زوي سالدانا) وهي تكتب شيئاً يتعلّق بالقضية التي ستترافع فيها. من هناك ننتقل إلى قاعة محكمة من دون قضاة أو محامين أو حتى جمهور. هي تُغني أمام صف من عاملات النظافة، وبعد ذلك هي أمام حشد من الناس يسيرون ليلاً وراءها ربما عن غير قصد. تتسلّم ريتا بعد قليل عرضاً مغرياً من رئيس كارتل مكسيكي (كارلا كاجون)، إذ يريد منها تأمين الأوراق القانونية لإجراء عملية جنسية تحوّله إلى امرأة. يعرض عليها مبلغاً كبيراً وترضى. بعد سنوات يعود (أو تعود) إلى حياة ريتا بطلب جديد، وهو العمل على توفير حصانة لأولاده، هذا من بين غايات متناقضة لشخص عاش على الجريمة بصفته رجلاً، والآن لديه وجهة مختلفة بصفته امرأة. على الورق يبدو كل ذلك مثيراً للاهتمام، لكنّ فيلماً جادّاً حول الموضوع المطروح كان يتطلب سيناريو لا يهمل البحث داخل الشخصيات بدلاً من تجاهل أسبابها، وتوفير إيضاحات قليلة بشأن وجهات نظرها أو مبرراتها. حتى نيّة التحوّل الجنسي لدى رئيس كارتل ليست واضحة. بالأحرى ليست مطروقة على نحو كافٍ. ينجز الفيلم موسيقياً أكثر مما ينجزه درامياً، لكن هذا بدوره مرتبط باختيارات توقيت وتصميم الاستعراضات ودرجة ارتباطها بالحكاية. من أول نمرة استعراضية يمكن ملاحظة سرعة في التنفيذ (تكاد إحدى العاملات تصطدم بأخرى). ما يرتسم على الشاشة، غناءً أو رقصاً أو حدثاً وشخصيات، لا ينتقل قُدماً، بل هو معروض بلا حيوية أو عمق. • Parthenope ★★ ‫- رعب من إخراج أوزغود بركنز عن قصّة لستيفن كينغ حول لعبة على شكل قرد تدب الحياة فيها وترتكب جرائم قتل. ليس للفيلم غاية ولا ينجح كإيقاع. • Cleaner ★★★ - هذا الأكشن من إخراج مارتن كامبل (حقق فيلمين من سلسلة جيمس بوند) ويتمثل في قيام عصابة باحتجاز 300 شخص لولا أن منظِّف النوافذ يتدخل للإنقاذ. • Riff Raff ★★ - كوميديا من النوع الذي كان كونتِن تارنتينو ينجزه كأفلام بوليسية. يدور حول لقاء بين قتلة محترفين من الجيل الأسبق. يضمن الفيلم تمثيلاً جيداً من إد هاريس وبل موراي. • An Unfinished Film ★★★ - دراما للصيني يي لو، حول مخرج يجمع ممثليه لاستكمال تصوير فيلم بعد 10 سنوات من التوقف. لكنَّ وباء كورونا يهدد العمل بالتوقف من جديد. لقطة من «An Unfinished Film» (آي إم دي بي) ★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store