logo
#

أحدث الأخبار مع #برعلازكريا

خطب الجمعة..منارة تائهة في زمن التفاهة
خطب الجمعة..منارة تائهة في زمن التفاهة

العرائش أنفو

timeمنذ 17 ساعات

  • منوعات
  • العرائش أنفو

خطب الجمعة..منارة تائهة في زمن التفاهة

خطب الجمعة..منارة تائهة في زمن التفاهة العرائش أنفو بينما يفترض أن تكون منابر الجمعة قلاعا للقيم ومنارات للهداية، يغرق مجتمعنا المغربي في واقع مغاير، واقع تصدح فيه أرقام العنف والطلاق، وتستشري فيه آفات المخدرات والدعارة والفساد المالي والإداري وخيانة الأمانة والغش في البيع والشراء وغياب الضمير، وتتفكك فيه الأسر وتضيع بوصلة التربية. مفارقة صارخة بين ما يقال وما يعاش، بين المأمول والواقع المرير الذي يصفعنا كل يوم. لا يمكن إنكار الدور التاريخي لخطبة الجمعة في تشكيل وعي الأمة وترسيخ قيمها. لكن، هل ما زالت هذه الخطب تؤدي دورها المنشود اليوم؟ هل كلماتها الرنانة تخترق جدار اللامبالاة الذي بات يلف الكثيرين؟ الواقع يشير إلى أن التأثير يتضاءل. ففي الوقت الذي ينتظر فيه أن تكون الخطبة شحنة روحية وأخلاقية أسبوعية، نجد أن تجليات القيم في السلوك اليومي للمواطن المغربي تبعث على القلق العميق. العنف يستشري في الشوارع والبيوت، نسب الطلاق ترتفع بشكل مخيف، الدعارة تظهر وتنتشر بالنهار قبل الليل، استهلاك الخمر والمؤثرات العقلية ينخر شبابنا، الأسرة تتصدع، والمرأة تعاني، وسوء التربية يفرخ أجيالا تائهة. قد يكون هناك بالفعل حاجة لمراجعة وتجديد في الخطاب وأساليبه ليواكب العصر. لكن، هل يقع اللوم على الخطبة وحدها؟ أم أن المجتمع هو من يدير ظهره لهذا المنبر؟ المقاهي تكتظ بالرجال وقت الصلاة، والشوارع لا تهدأ، في مشهد كان غريبا على آبائنا وأجدادنا حيث كانت الحركة تتوقف تماما. تناقض صارخ! وحتى داخل بيوت الله، مشاهد تبعث على الأسى: لباس قد لا يليق بحرمة المكان، روائح كريهة تنبعث من البعض دون اكتراث، بل وغفوة عميقة أثناء الخطبة، وكأن الأمر لا يعنيهم، فتحولت الخطبة لدى البعض إلى مجرد إسقاط واجب أو طقس اجتماعي فارغ من مضمونه الروحي. يضاف إلى ذلك، شبح الأمية وتدني المستوى التعليمي الذي يحول دون فهم مقاصد الخطبة وغاياتها النبيلة لدى شريحة واسعة. في زمن التفاهة الطاغية، حيث الهواتف الذكية أصبحت امتدادا للأيدي والعقول، كيف لخطبة لا تتجاوز الدقائق أن تنافس سيلا جارفا من المحتوى الاستهلاكي الفارغ الذي يكرس عقلية سطحية؟ الناس، على اختلاف أعمارهم وانتماءاتهم، ملتصقون بشاشاتهم، ينهلون منها منشورات التفاهة بنهم لا ينقطع. فكيف للكلمة الهادفة أن تجد لها مكانا في عقول أدمنت الإثارة السريعة والسطحية المطلقة؟ وكيف لخطبة الجمعة، هذا الموروث الروحي العظيم، أن تستعيد بريقها وتأثيرها في مواجهة هذا المد الثقافي المسموم والدخيل الذي يصل بسرعة وسهولة إلى كل بيت وكل عقل، مكرسا عقلية الاستهلاك والفردانية؟ إنها أسئلة الساعة الملحة. هل نحن أمام حتمية تحول خطبة الجمعة إلى مجرد ذكرى باهتة، أم أن هناك أملا في صحوة ضمير جماعية تعيد للمنبر دوره المركزي في بناء مجتمع القيم والفضيلة، ليس بالكلمات فقط، بل بالأفعال والتغيير الحقيقي؟ الإجابة معلقة، والتحدي قائم، والمستقبل على المحك. برعلا زكريا

الحنين..إلى خبز أمي
الحنين..إلى خبز أمي

أخبارنا

time١٦-٠٥-٢٠٢٥

  • صحة
  • أخبارنا

الحنين..إلى خبز أمي

برعلا زكريا يبدو أن أمنية الفنان الكبير مارسيل خليفة قد تحققت، لكن بطريقة لم نكن نتمناها، حين غنى بحرقة "أحن إلى خبز أمي". فذلك الحنين الذي لامس قلوب الملايين لم يعد مجرد اشتياق عابر، بل أصبح واقعا نعيشه بمرارة. فلم يعد ذلك الخبز المنزلي الدافئ، المجبول بحب وعناية ورائحة الأصالة، يزين موائدنا إلا نادرا. لقد أصبح الاعتماد شبه كلي على خبز المخابز، الذي تحوم حوله الشكوك الصحية، من غياب النظافة أحيانا، إلى استخدام مواد قد تكون غير سليمة، ودقيق أبيض مُكرر يحذر الأطباء من أنه قد يكون أحد الأسباب المساهمة في انتشار أمراض العصر كالسكري. إن الحنين إلى "خبز الأم" ليس مجرد حنين لمذاق، بل هو رمز لتحولات أعمق تمس قلب الأسرة المغربية ودور الأم المركزي فيها. هذا التحول في عاداتنا الغذائية، المتمثل في غياب "خبز الأم"، ليس إلا وجها واحدا للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة التي ألقت بظلالها الثقيلة على مؤسسة الأسرة المغربية، وبشكل خاص على الدور الحيوي للأم في رعاية الأبناء وتنشئتهم. فلقد باتت "أمهات العصر" كما أصبح يطلق عليهن يتخلين تدريجيا عن أدوارهن الجوهرية في التربية والرعاية، متأثرات بموجات التغيير التي تجتاح المجتمع. ويتجلى هذا الانشغال المتزايد بالعالم الرقمي بشكل مقلق، حيث كشف تحقيق ميداني أجراه باحثون من كلية العلوم الاجتماعية بجامعة محمد الخامس أن نسبة الأمهات اللواتي يقضين أكثر من أربع ساعات يوميا على منصات التواصل الاجتماعي قد ارتفعت بنسبة 73% خلال السنتين الأخيرتين. هذا الانغماس الرقمي أدى بالضرورة إلى تراجع ملحوظ في وقت التفاعل المباشر والحميمي مع الأطفال، ذلك التفاعل الذي كان يمثل جوهر الرعاية الأمومية ونسيج العلاقة الأسرية. ومن أبرز مظاهر هذا التحول وتأثيره المباشر على نمط الحياة، نجد الاعتماد المتزايد على الوجبات السريعة والأطعمة الجاهزة. لقد أضحت هذه الخيارات بديلا سهلا ومتاحا عن الطهي المنزلي الذي يتطلب وقتا وجهدا لم يعد متوفرا للكثيرات في خضم انشغالاتهن المتعددة، ليحل محل الطبخ التقليدي الصحي الذي كان يميز المائدة المغربية بأطباقه المتوازنة مثل الطاجين والكسكس المحضر بعناية وخضروات طازجة. ولم يعد الأمر مقتصرا على الخبز، بل طال نمط الغذاء في البيت المغربي ككل. فالوجبات الجاهزة، المليئة بالدهون المشبعة والسكريات المكررة، باتت تحتل الصدارة. ويتأكد هذا التحول الجذري من خلال مشهد المطاعم التي تفيض بالأسر في المدن الكبرى وتضاعف حركة عمال توصيل الوجبات إلى المنازل بشكل لافت، وهو ما يمثل تحولا ثقافيا عميقا في مجتمع كان يعتبر المطبخ قلب البيت وتحضير الطعام فيه قيمة أساسية من قيم الأمومة. وجه آخر لهذا التحول الاجتماعي يظهر في الاعتماد المتزايد على المدارس الخاصة والحضانات لساعات طويلة تتجاوز الفترة الدراسية المعتادة. فكثير من الأطفال في الأسر المغربية يقضون النهار بأكمله في مؤسسات تعليمية تقدم خدمات "الرعاية الممتدة"، ليعودوا إلى منازلهم في ساعات متأخرة من المساء، منهكين ذهنيا وجسديا، مما يقلص فرص التواصل الأسري الهادئ والعميق. وفي قلب هذه التغيرات، يبرز إدمان وسائل التواصل الاجتماعي كظاهرة تستحق وقفة جادة. فالأمهات اللواتي كن في الماضي القريب يقضين ساعات في رعاية أطفالهن وتعليمهم وغرس القيم فيهم، بتن اليوم أسيرات الشاشات الصغيرة. هذا الاستغراق في عالم "التيك توك" و"الفيسبوك" و"الواتساب" الافتراضي يترك الأطفال، في كثير من الأحيان، فريسة سهلة للإهمال العاطفي والفكري، حتى وإن كانت الأم حاضرة جسديا. ومن المفارقات المؤلمة أن هذا التحول يتزامن مع انتشار خطاب "تمكين المرأة" و"المساواة"، الذي قد يُساء فهمه وتطبيقه أحيانا. فبدلا من أن يكون هذا الخطاب داعما لدور الأم في بناء أسرة قوية ومجتمع متماسك، قد يصبح في بعض تجلياته مبررا للتخلي عن مسؤوليات الأمومة الأساسية. يبدو أن البعض وقع في فخ تفسير تحرير المرأة على أنه تحرر من مسؤولياتها الأسرية، بينما الحرية الحقيقية تكمن في القدرة على الموازنة بين الأدوار المختلفة دون التضحية بجوهر الأمومة والأسرة. إن هذه التحولات المتشابكة لم تمر دون أن تترك بصماتها العميقة والخطيرة على المجتمع المغربي. فالنتائج الكارثية بدأت تظهر بوضوح، حيث سجلت وزارة العدل ارتفاعا غير مسبوق في معدلات الطلاق، مشيرة إحصاءاتها الرسمية إلى ارتفاع النسبة بنسبة 32% خلال السنوات الخمس الأخيرة. كما تزايدت حالات العنف الأسري بنسبة مقلقة، وظهرت أنماط سلوكية مضطربة لدى الأطفال والمراهقين تعكس حالة من الضياع والإهمال العاطفي الذي يعيشونه. وعلى الصعيد الصحي، تتوازى هذه المؤشرات الاجتماعية المقلقة مع أخرى لا تقل خطورة. فتقارير وزارة الصحة المغربية تشير إلى ارتفاع مقلق في معدلات الإصابة بالسمنة والسكري بين الأطفال، كما تزايدت حالات الاضطرابات النفسية كالقلق والاكتئاب والتوحد الاجتماعي، وهي مؤشرات ترتبط بشكل أو بآخر بنمط الحياة الجديد، بما في ذلك التغذية غير السليمة ونقص التواصل العاطفي الفعال. فهل يعكس كل ما سبق اختلالا حقيقيا في المنظومة القيمية للمجتمع المغربي؟ هل تراجعت قيمة الأمومة كدور اجتماعي محوري لصالح قيم الاستهلاك والمظهرية والفردانية؟ مما لا شك فيه أن غياب التواصل العاطفي المستمر والعميق بين الأم والطفل في السنوات الأولى من حياته، والذي يتأثر بكل هذه العوامل، يؤدي إلى اضطرابات نفسية عميقة قد ترافقه طوال حياته. ولكن، من الإنصاف الإشارة إلى أن هذا التحول في دور الأم المغربية لم يأت من فراغ، بل هو أيضا نتيجة لتغيرات اقتصادية واجتماعية عميقة. فارتفاع تكاليف المعيشة وضغوط الحياة الحديثة دفعت الكثير من النساء إلى الانخراط في سوق العمل، ليس فقط بدافع تحقيق الذات، بل كضرورة اقتصادية ملحة للمساهمة في إعالة الأسرة. غير أن المشكلة الجوهرية لا تكمن في خروج المرأة للعمل بحد ذاته، فهذا حق ومكسب، بل في غياب آليات الدعم الاجتماعي والأسري الفعالة التي تمكنها من التوفيق بين مسؤولياتها المهنية ودورها كأم. فدول كثيرة استطاعت أن تحقق هذا التوازن من خلال سياسات اجتماعية داعمة كإجازات الأمومة المدفوعة، وتوفير حضانات ذات جودة عالية وبأسعار معقولة، ومرونة في ساعات العمل للأمهات، مما يخفف الضغط ويتيح لهن القيام بأدوارهن دون الشعور بالتقصير في أحد الجانبين. أمام هذا الواقع، بات من الضروري دق ناقوس الخطر والتنبيه إلى ما يتهدد المجتمع المغربي من تفكك أسري وانهيار قيمي محتمل. فالأسرة هي اللبنة الأولى في بناء أي مجتمع، وصلاحها واستقرارها مرهونان بشكل كبير بصلاح دور الأمومة كقيمة ودور اجتماعي محوري. فلا يمكن الحديث عن تنمية مستدامة أو نهضة حقيقية في ظل تراجع هذه القيمة وانحسار الدور التربوي والرعائي للأم. وإذا كان طموح الدول السائرة في طريق النمو هو تحقيق التقدم الاقتصادي، فلا يجب أن يأتي هذا التقدم على حساب النسيج المجتمعي والأسري الذي هو أساس كل تقدم حقيقي ومستدام. فلا خير في دواء قد يسبب أعراضا جانبية أخطر من الداء نفسه. إن استعادة دفء "خبز الأم" ليس مجرد حنين للماضي، بل هو دعوة لإعادة التفكير في أولوياتنا وبناء مستقبل لا يضحي بأغلى ما نملك: الأسرة.

مراهقون خارج السيطرة
مراهقون خارج السيطرة

أخبارنا

time١٧-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • أخبارنا

مراهقون خارج السيطرة

برعلا زكريا تلميذ يضرب أستاذته بما يشبه شاقور بمدينة أرفود ويرسلها للمستعجلات في حالة حرجة، واقعة مؤسفة تنضاف لأخرى لا تفصل بينهما سوى ثلاثة أيام راح ضحيتها تلميذ تلقى طعنة قاتلة على يد زميل له بإقليم شفشاون. هكذا تحولت حوادث العنف في صفوف المراهقين من وقائع متفرقة إلى ظاهرة مجتمعية مقلقة تستدعي وقفة تأملية عميقة. وفي خضم هذه التحولات الاجتماعية المتسارعة، يبرز سؤال جوهري يؤرق الآباء والمدرسين والمهتمين بالشأن التربوي: كيف انزلق جيل بأكمله نحو دوامة العنف المستعصية؟ لعل السلسلة البريطانية "Adolescence" التي تجتاح شاشات نتفليكس مؤخرا تمثل المرآة الأكثر قسوة وصدقا لهذه الظاهرة المرعبة، حيث تكشف بجرأة استثنائية عن الأسرار المظلمة للمراهقة المعاصرة في عالم فوضوي. تروي السلسلة - عبر شخصية جيمي ميلر البالغ من العمر 13 عاما - مأساة مراهق يرتكب جريمة قتل في مدرسته، لتفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات وجودية عميقة تخترق الوعي المجتمعي: هل المراهق مجرم بطبعه، أم ضحية منظومة اجتماعية مفككة تلفظ أبناءها إلى هاوية العنف؟ تتعدد مصادر هذا الانحدار المأساوي وتتشابك خيوطه بصورة معقدة، لكن السلسلة البريطانية تضع إصبعها بدقة على الجرح النازف: التأثيرات السلبية للإنترنت وثقافة التواصل الاجتماعي التي تجتاح عقول المراهقين دون رقيب. فمنصات التواصل تحولت إلى مختبر خطير للعنف الرمزي والجسدي، حيث يتشكل وعي المراهق من خلال سموم الذكورية المتطرفة وخطابات الكراهية التي تغذي النزعات العدوانية الكامنة. الشاهد الأبرز في العالم الغربي يتمثل في تأثير شخصيات مثل "أندرو تيت"، الذي أصبح أيقونة للمراهقين رغم ترويجه لثقافة ذكورية متطرفة تمجد العنف وتحط من قيمة المرأة وتكرس النظرة الاستعلائية. وفي المشهد المغربي، تتعدد النماذج المشابهة التي تستقطب اهتمام المراهقين وتسهم في تحطيم المنظومة التربوية والقيمية التقليدية. هذه المنظومة الفكرية السامة تجد طريقها بسهولة مخيفة إلى عقول المراهقين الباحثين عن الهوية والتأكيد في عالم لا يمنحهم مساحات كافية للتعبير والإبداع. بيد أن المسألة لا تتوقف عند حدود التأثيرات الرقمية وحدها. فالتفكك الأسري المتزايد، وتراجع دور المؤسسات التربوية، والضغوط الاقتصادية المرهقة، وانتشار المؤثرات العقلية بين المراهقين بصورة غير مسبوقة، كلها عوامل متضافرة تساهم في تشكيل بيئة محفوفة بالمخاطر النفسية والاجتماعية تغذي السلوكيات العدوانية. الأخطر من ذلك كله أن الظاهرة تجاوزت فضاء المدرسة والشارع لتقتحم الفضاء العائلي نفسه. فقد سجلت حالات متعددة تورط فيها مراهقون في إيذاء وقتل والديهم أو إخوتهم بعد خلافات عائلية، الأمر الذي يعمق من أبعاد الأزمة ويؤشر على تصدع القيم الأساسية التي تحكم المجتمع. فالعنف لم يعد مقتصرا على الشارع أو المدرسة، بل اقتحم أقدس المساحات: البيت والعلاقات العائلية التي كانت تمثل الملاذ الآمن الأخير. في مواجهة هذه الظاهرة المقلقة، ثبت عجز المقاربات الأمنية التقليدية عن احتواء المشكلة. فالحلول القمعية لا تعالج جذور الأزمة، بل قد تزيد من تفاقمها من خلال تعميق شعور المراهقين بالاغتراب والعزلة. ما نحتاجه حقا هو منهجية شاملة متعددة الأبعاد تتجاوز المسكنات المؤقتة لتعالج الأسباب العميقة للظاهرة. يتطلب الأمر إعادة نظر جذرية في المنظومة التربوية بأكملها، بحيث تركز على بناء شخصية متوازنة للمراهق وليس مجرد تلقينه المعارف النظرية. كما يستدعي تفعيل برامج متخصصة للدعم النفسي داخل المؤسسات التعليمية، وتأهيل الأسر للتعامل مع تحديات المراهقة في العصر الرقمي، وتنظيم صارم للمحتوى الإلكتروني الذي يستهدف الفئات العمرية الهشة. سلسلة "Adolescence" ليست مجرد عمل فني يسعى للإثارة، بل هي صرخة إنذار مدوية تدعونا للوقوف طويلا أمام المرآة والاعتراف بعمق الجرح النازف في جسد المجتمع. إنها دعوة صريحة لمراجعة الذات المجتمعية والفردية، وإعادة النظر في المنظومة القيمية التي نورثها للأجيال القادمة. في النهاية، يجب أن ندرك أن المراهق ليس وحشا يجب إقصاؤه أو معاقبته، بل إنسان في طور التكوين يحتاج للفهم والاحتواء والتوجيه السليم. والمعركة الحقيقية ليست ضد المراهق نفسه، بل ضد المنظومات الاجتماعية والتربوية والإعلامية التي تدفعه - عن قصد أو غير قصد - نحو هاوية العنف والتطرف.

مراهقون خارج السيطرة
مراهقون خارج السيطرة

العرائش أنفو

time٣٠-٠٣-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • العرائش أنفو

مراهقون خارج السيطرة

مراهقون خارج السيطرة برعلا زكريا تلميذ يضرب أستاذته بما يشبه شاقور بمدينة أرفود ويرسلها للمستعجلات في حالة حرجة، واقعة مؤسفة تنضاف لأخرى لا تفصل بينهما سوى ثلاثة أيام راح ضحيتها تلميذ تلقى طعنة قاتلة على يد زميل له بإقليم شفشاون. هكذا تحولت حوادث العنف في صفوف المراهقين من وقائع متفرقة إلى ظاهرة مجتمعية مقلقة تستدعي وقفة تأملية عميقة. وفي خضم هذه التحولات الاجتماعية المتسارعة، يبرز سؤال جوهري يؤرق الآباء والمدرسين والمهتمين بالشأن التربوي: كيف انزلق جيل بأكمله نحو دوامة العنف المستعصية؟ لعل السلسلة البريطانية 'Adolescence' التي تجتاح شاشات نتفليكس مؤخرا تمثل المرآة الأكثر قسوة وصدقا لهذه الظاهرة المرعبة، حيث تكشف بجرأة استثنائية عن الأسرار المظلمة للمراهقة المعاصرة في عالم فوضوي. تروي السلسلة – عبر شخصية جيمي ميلر البالغ من العمر 13 عاما – مأساة مراهق يرتكب جريمة قتل في مدرسته، لتفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات وجودية عميقة تخترق الوعي المجتمعي: هل المراهق مجرم بطبعه، أم ضحية منظومة اجتماعية مفككة تلفظ أبناءها إلى هاوية العنف؟ تتعدد مصادر هذا الانحدار المأساوي وتتشابك خيوطه بصورة معقدة، لكن السلسلة البريطانية تضع إصبعها بدقة على الجرح النازف: التأثيرات السلبية للإنترنت وثقافة التواصل الاجتماعي التي تجتاح عقول المراهقين دون رقيب. فمنصات التواصل تحولت إلى مختبر خطير للعنف الرمزي والجسدي، حيث يتشكل وعي المراهق من خلال سموم الذكورية المتطرفة وخطابات الكراهية التي تغذي النزعات العدوانية الكامنة. الشاهد الأبرز في العالم الغربي يتمثل في تأثير شخصيات مثل 'أندرو تيت'، الذي أصبح أيقونة للمراهقين رغم ترويجه لثقافة ذكورية متطرفة تمجد العنف وتحط من قيمة المرأة وتكرس النظرة الاستعلائية. وفي المشهد المغربي، تتعدد النماذج المشابهة التي تستقطب اهتمام المراهقين وتسهم في تحطيم المنظومة التربوية والقيمية التقليدية. هذه المنظومة الفكرية السامة تجد طريقها بسهولة مخيفة إلى عقول المراهقين الباحثين عن الهوية والتأكيد في عالم لا يمنحهم مساحات كافية للتعبير والإبداع. بيد أن المسألة لا تتوقف عند حدود التأثيرات الرقمية وحدها. فالتفكك الأسري المتزايد، وتراجع دور المؤسسات التربوية، والضغوط الاقتصادية المرهقة، وانتشار المؤثرات العقلية بين المراهقين بصورة غير مسبوقة، كلها عوامل متضافرة تساهم في تشكيل بيئة محفوفة بالمخاطر النفسية والاجتماعية تغذي السلوكيات العدوانية. الأخطر من ذلك كله أن الظاهرة تجاوزت فضاء المدرسة والشارع لتقتحم الفضاء العائلي نفسه. فقد سجلت حالات متعددة تورط فيها مراهقون في إيذاء وقتل والديهم أو إخوتهم بعد خلافات عائلية، الأمر الذي يعمق من أبعاد الأزمة ويؤشر على تصدع القيم الأساسية التي تحكم المجتمع. فالعنف لم يعد مقتصرا على الشارع أو المدرسة، بل اقتحم أقدس المساحات: البيت والعلاقات العائلية التي كانت تمثل الملاذ الآمن الأخير. في مواجهة هذه الظاهرة المقلقة، ثبت عجز المقاربات الأمنية التقليدية عن احتواء المشكلة. فالحلول القمعية لا تعالج جذور الأزمة، بل قد تزيد من تفاقمها من خلال تعميق شعور المراهقين بالاغتراب والعزلة. ما نحتاجه حقا هو منهجية شاملة متعددة الأبعاد تتجاوز المسكنات المؤقتة لتعالج الأسباب العميقة للظاهرة. يتطلب الأمر إعادة نظر جذرية في المنظومة التربوية بأكملها، بحيث تركز على بناء شخصية متوازنة للمراهق وليس مجرد تلقينه المعارف النظرية. كما يستدعي تفعيل برامج متخصصة للدعم النفسي داخل المؤسسات التعليمية، وتأهيل الأسر للتعامل مع تحديات المراهقة في العصر الرقمي، وتنظيم صارم للمحتوى الإلكتروني الذي يستهدف الفئات العمرية الهشة. سلسلة 'Adolescence' ليست مجرد عمل فني يسعى للإثارة، بل هي صرخة إنذار مدوية تدعونا للوقوف طويلا أمام المرآة والاعتراف بعمق الجرح النازف في جسد المجتمع. إنها دعوة صريحة لمراجعة الذات المجتمعية والفردية، وإعادة النظر في المنظومة القيمية التي نورثها للأجيال القادمة. في النهاية، يجب أن ندرك أن المراهق ليس وحشا يجب إقصاؤه أو معاقبته، بل إنسان في طور التكوين يحتاج للفهم والاحتواء والتوجيه السليم. والمعركة الحقيقية ليست ضد المراهق نفسه، بل ضد المنظومات الاجتماعية والتربوية والإعلامية التي تدفعه – عن قصد أو غير قصد – نحو هاوية العنف والتطرف.

نساء أقوى من المدونة
نساء أقوى من المدونة

أخبارنا

time١١-٠٢-٢٠٢٥

  • سياسة
  • أخبارنا

نساء أقوى من المدونة

برعلا زكريا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع ومسؤول عن رعيته فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها". كلمات صدرت من نبينا الكريم تعبر عن مبدأ صالح لكل زمان ومكان، والمجتمعات التي تقدر مفهوم المسؤولية لا بد أن تنهض وتحقق أعلى مراتب التفوق. وما المجتمع سوى أفراد، وكل فرد مسؤول عن أفعاله وتصرفاته، لأنه يمتلك كامل الإرادة. ولما جاء حديث المسؤولية متمحورا على الأسرة التي هي اللبنة الأساسية لأي مجتمع، فهذا وضع حجر الأساس لكل من أراد أن يحسن البناء. وحيث أن مدونة الأسرة تتصدر اهتمام الرأي العام هذه الأيام فإن السؤال الأهم هو: أي مدونة لأي مجتمع؟ فإن كان الحس بالمسؤولية غائبا ومتدنيا فلن تفلح أي مدونة في حل إشكالات الأسرة، والدليل أن قانون السير لم يفلح في الحد من الحوادث المميتة، ولم تنجح السجون رغم اكتظاظها في الحد من مختلف الجرائم بما فيها الاختلاس والغش وخيانة الأمانة. وحتى تنشئة الأجيال لم تتخلص بعد من أمراض الاتكالية وإلقاء اللوم على الآخر والفردانية التي لا تعترف سوى بشعار : أنا ومن بعدي الطوفان. وفي حياتنا اليومية تتعدد مشاهد إهمال المسؤولية من داخل البيت وبعد أول خطوة خارج بابه، فالشارع وأوساط العمل. وفي كل مكان قد أمسى وجود شخص يهاب المسؤولية في واقعنا المعيش أمرا نادرا. فهل يقدر المسؤولية الرجال الذين ينافسون الكراسي في المقاهي في كل وقت وحين؟ منهم شباب في مقتبل العمر، يضيعون أعمارهم في متابعة التفاهة عبر الهواتف "الغبية"، ومنهم آباء من المفروض أنهم مسؤولون عن تربية أطفال والقيام بشؤون أسر.. بل تجدهم أول من يعارض أبسط حقوق يمكن أن تنالها زوجاتهم. بماذا يمكن أن نفسر انتشار قوافل الأمهات أمام أبواب المدارس أوقات الدخول والخروج سوى أن الآباء تخلوا فعليا عن دورهم في التربية؟ والحق يُقَالُ، إن كان هناك من لا يزال يحرص على مفهوم المسؤولية الاجتماعية فهي المرأة المغربية، والدراسات والإحصائيات تؤكد ذلك بشكل كبير. فكفة التفوق الدراسي تميل لجهة الإناث وكذلك النجاعة والأداء في الوظائف والمهن، ولولا صبر المرأة المغربية وحِلْمُهَا وذكاؤها العاطفي لتشردت أسر بأعداد أكبر. وعلى هذا الأساس، فكل المكاسب المادية والمعنوية التي قد تأتي بها المدونة في صالح المرأة لا يمكن أن تعوضها عن أعباءها الجسيمة وما تحققه من نتائج محمودة في ظل إكراهات جمة على رأسها غلاء المعيشة. إن الحديث عن المسؤولية في مجتمعنا اليوم يكشف عن مفارقة مؤلمة، ففي حين نشهد تراجعاً ملحوظاً في الحس بالمسؤولية لدى شريحة واسعة من المجتمع، تقف المرأة المغربية شامخة كنموذج مشرف للالتزام والتضحية، والأمثلة على ذلك عديدة، وعلى سبيل المثال لا الحصر أذكر المرأة القروية التي تجمع بين أعباء البيت وأعمال الفلاحة وتربية الماشية وغيرها من أعمال شاقة، من ضمن هذه الفئة عاملات الحقول وعاملات الفراولة بالجنوب الإسباني اللاتي ضحين بكل شيء من أجل رفاهية أسرهن، ونجد كذلك في مدن شمال المملكة خير مثال حيث يُسجَلُ عمل النساء مقابل بطالة الرجال بشكل ملحوظ، ولعل هذا الواقع يدعونا إلى إعادة النظر في منظومتنا القيمية بأكملها، فلا يمكن لأي قانون أو تشريع أن يحقق غايته في ظل غياب الوعي بالمسؤولية وأهميتها في بناء مجتمع متماسك. وإذا كان الحديث النبوي الشريف قد جعل المسؤولية أمانة في عنق كل فرد، فإن استعادة هذا المفهوم السامي يتطلب تضافر جهود الجميع رجالاً ونساءً، مؤسسات وأفراداً لإعادة بناء مجتمع يقدر المسؤولية ويجعلها ركيزة أساسية في سلوكه اليومي أو على الأقل ترسيخ هذه القيم في الأجيال الناشئة. فالمستقبل المشرق لن يتحقق إلا بعودة الوعي بالمسؤولية، وتحويلها من مجرد شعار نردده إلى واقع نعيشه ونمارسه في كل تفاصيل حياتنا وخصوصا شؤون الأسرة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store