#أحدث الأخبار مع #بوتسBootsIndependent عربية٠١-٠٣-٢٠٢٥Independent عربيةالبريطانيون يدفعون ثمن تحول بلادهم من أمة أصحاب المتاجر إلى أمة لصوصهافي جنوب رويسليب في غرب لندن، نحو الساعة الثانية من بعد ظهر يوم غائم من منتصف فبراير (شباط)، تدخل سيدة إلى أحد فروع مخابر غريغز وتملأ حقيبتها بالساندويشات ثم تغادر المكان. وعلى بعد أميال عدة، في أحد فروع متاجر "وايت كومباني" The White Company في شمال لندن يخبر العاملون أحد الزبائن أن الشموع نفدت لأن أحدهم دخل "وأخذها كلها". وفي متجر "بوتس" Boots في الطرف المقابل من المدينة، يتفرج حارس أمن ومجموعة من الناس على رجل يدخل إلى المتجر ويملأ كيساً قبل أن يخرج من دون أن يدفع. وفي هذه الأثناء، تتناسى والدة من الطبقة المتوسطة أن تمسح سلمون من الصنف الغالي، وبعض بيض الفري مع بقية مشترياتها عند صندوق الدفع الذاتي. ويقول جيمس، الطالب ذو 25 سنة في نوتنغهام، الذي صقل مهاراته في نشل المتاجر عبر السنين "نفعل ذلك لأنه أمر ممتع". ودخل لتوه إلى أحد متاجر "تيسكو" لسرقة زجاجة فانتا، يخرجها من جيب معطفه. وتعاني البلاد بأسرها انتشار وباء نشل المتاجر، وفقاً لمجموعة شركات التجزئة البريطانية، ازداد عدد هذه السرقات العام الماضي بـ3.7 مليون سرقة، لتسجل مستوى قياسياً عند 20.4 مليون سرقة. كما ازدادت حالات العنف والإساءة لعمال المتاجر بنسبة 50 في المئة، وبلغ معدل الأحداث المسجلة يومياً في كل أنحاء البلاد ألفي حالة. وبلغ نشل المتاجر درجة "الوقاحة" وخرج عن السيطرة برأي الخبراء الذين علقوا على الإحصاءات التي نشرت حديثاً: وهي تكبد شركات البيع بالتجزئة أكثر من 2.2 مليار جنيه استرليني سنوياً. فما الذي حدث كي ننتقل من "بلاد أصحاب المتاجر" إلى بلاد نشالي المتاجر؟ اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) لا شك أن بعض أسباب ارتفاع هذه الجرائم تعزى إلى أزمة الغلاء المعيشي التي تضيق الخناق في الوقت ذاته على موازنات الأسر وتدفع بها تحت خط الفقر أكثر من أي وقت مضى - وللأسف، ليس من المفاجئ أن حليب الأطفال المصنع هو أحد أكثر الأشياء التي تسرق من متاجر المملكة المتحدة. في لندن، يحمل الغلاء المعيشي غير المسبوق مسؤولية زيادة بلغت 50 في المئة في حالات النشل من متاجر العاصمة، وهو ما يتناسب مع نوع المنتجات التي تسرق في الغالب، وهي مشتريات أساسية مثل الحفاضات والجبنة. اعترف عدد متزايد من الأشخاص خلال السنوات القليلة الماضية بأن هذا هو السبب، الذي يضاف إليه غالباً انعدام الأمن الوظيفي خلال الجائحة، الذي أدى بهم إلى البدء بنشل المتاجر. من بعض النواحي، هذا ليس مفاجئاً البتة: على مشارف نهاية العام الماضي، كشفت المنظمة الخيرية "تراسل" Trussell Trust عن أن أكثر من 9 ملايين بريطاني باتوا عرضة للاعتماد على بنوك الطعام فيما يعيش أكثر من مليون منهم في حال من "الجوع والمشقة"، ويكسبون دخلاً تحت خط الفقر النسبي بـ25 في المئة في الأقل، مقارنة بخمس سنوات مضت. مع ذلك، في عام 2025، لا يتناسب اللص العادي مع أي نمط واحد. إذ يزداد عدد الأشخاص الذين يؤمنون بأنه "من حقهم" أخذ بضعة أشياء متفرقة. إنه، بسبب الحكومات المتعاقبة والاقتصاد المتدهور الذي يجعل الحياة أكثر صعوبة، فإن موقف "استعادة حقوقك" مبرر، في عالم تكون فيه الأجور منخفضة والأسعار مرتفعة. وتقول صديقة من الطبقة الوسطى تعمل في وظيفة متدنية في شركة تسويق "إن المتاجر الكبرى مثل تيسكو هدف مشروع، فلماذا تكسب هذه المتاجر فيما تعاني بقية البلاد؟". وهذا ليس رأيها وحدها: وفقاً لمجلة "غروسر" (البقال) The Grocer يعترف نحو 40 في المئة من المتسوقين أنهم سرقوا عن طريق استغلال صناديق الدفع الذاتية، وأكبر المذنبين في هذا الإطار هم الرجال والأفراد تحت سن 35. وتبرر صديقتي هذه السرقة باعتبارها "احتجاجاً ملطفاً"، لكن عندما يكون "الانتقام" عبر طريق "تناسي" مسح بعض جبن البارميزان الباهظ الثمن أو الغش عند وزن بعض الطماطم العضوية، ففي ذلك بعض المبالغة، أليس كذلك؟ وفي أماكن أخرى، أصبحت التقارير الواردة في شأن أشخاص من شريحة سكانية مختلفة يسرقون أشياء غير ضرورية، مثل المكياج والكريم المرطب مثلاً، أو القرطاسية، أمراً شائعاً. في بلدة هسلمير، تقول صاحبة متجر صغير إن "النساء ميسورات الحال في منتصف العمر" اللاتي يسرقن المجوهرات وألعاب "جليكات" المحشوة الناعمة للأطفال أصبحن أكبر خطر عليها. والقصة تتكرر في نوتنغهام، موطن رأس روبن هود - المدينة التي توجت الشهر الماضي عاصمة السرقة من المتاجر في المملكة المتحدة، إذ تفوقت على كليفلاند وأخذت المرتبة الأولى مع معدل 13.4 جريمة لكل ألف شخص في 2023-2024. هنا، تعتقل الشرطة شخصاً كل يوم تقريباً بسبب السرقة، لكن أصحاب المحال يقولون لي إن هذا ليس سوى جزء صغير من حجم الجريمة التي يشهدونها. يعيش الموظفون في متجر "فوب" Fopp الصغير، المخصص لبيع الموسيقى والكتب والتكنولوجيا في بوابة بريدلسميث في خوف دائم من الاستهداف. وتقول مساعدة المدير آبي تردجيت إنه طوال خبرتها التي تمتد لـ10 سنوات في قطاع التجزئة لم تشهد قط انتشاراً للسرقة بهذه الصورة أو بهذه الكلفة الباهظة. وتبلغ كلفة إيجار محل في منطقة بوابة بردلسميث نحو 75 ألف جنيه استرليني سنوياً كما تخبرني السيدة ومساعدة المبيعات آيدن باشلي - سميث، لكن السرقة من المتاجر تشكل نفقة عامة أثقل بعد. لا يمكن تعيين حارس أمن قبل أن يتخطى ثمن المسروقات رواتبهما. وحتى ذلك الوقت، على الثنائي - وهما فتاة تضع مكياجاً قوطياً جميلاً وطالبة إعلام شابة - أن يواجها الدخلاء بنفسه. الأسبوع الماضي، عاشت آبي تجربة مخيفة بصورة خاصة. فلاحظت أحد السارقين المتكررين وهو يدخل المكان، ولحقت به إلى مكان عرض أغلى أفلام بلو راي ومجموعات الأفلام. وتشرح أنه "عادة، يحمل ما يقدر عليه ويخرج، ولا يهمه أننا موجودون ولا أن كاميرات المراقبة موجودة". وتشرح قائلة "يأخذ السلع ليبيعها في محل يتاجر بالأشياء المستعملة في نقطة أبعد من الشارع نفسه، لذلك اتجهت نحوه ووقفت بجانبه ومنعته من الوصول إلى الرف. وعندما حاول أن يمسك بالأشياء على رغم ذلك، أوقعت كل البضاعة على الأرض، نجح ذلك لكنني كنت أرتجف بعدها". على بعد متاجر قليلة، يخبرني سامي كمال، مدير متجر "غارمز" Garms للثياب الكلاسيكية، عن خمس سرقات ليلية تعرضت لها المؤسسة الصغيرة خلال السنوات القليلة الماضية، وكلفتها غالياً. ويقول إنه يعتقد أن غالبية السارقين في المدينة يقدمون على السرقة بسبب ظروفهم الصعبة، لكن ذلك ليس كل ما في الأمر، بل هناك أيضاً شعور بالاستحقاق. ويقول لي أحد الحراس في متجر "بريمارك" Primark القريب إنه أمسك بأربع نساء يخططن معاً لسرقة ثياب ومنتجات بقيمة تتخطى 500 جنيه استرليني، وواجه هذا الأسبوع شخصاً يسرق كثيراً كان الفريق يراقبه منذ أشهر. ويقول إن السرقات لم تكن يوماً بهذه الكثرة، ولا بهذه الوقاحة أو العنف (اشتهرت نوتنغهام بلقب "شوتنغهام" أية مدينة إطلاق النار بسبب زيادة مستويات الجريمة). ويقول لي "تعرضت للتهديد بالسكاكين ويقولون لي إنهم سيطلقون النار علي أو سيضربونني بعد ساعات العمل. أتعرض لاعتداءات لفظية يومياً، لكنك تعتاد ذلك". ويضطر الحراس إلى أن يعملوا تحت سقف قوانين صارمة من أجل توقيف أحدهم كما يشرح لي، وذلك ليس سهلاً، فيما الحراسة نفسها مكلفة جداً. والمشكلة أن اللصوص يدركون هذا الوضع، ولذلك لا يردعهم وجود حارس مثل قبل. يخبرني أحد الباعة في "تيسكو" أن "الناس يعرفون أنهم لن يسجنوا"- ففي عام 2014، حدد "سقف نشل المتاجر" عند 200 جنيه استرليني، وهو ما يعني أن كل المسروقات التي تقل عن هذا المبلغ تعتبر جنحة بسيطة، لكن رئيس الوزراء كير ستارمر تعهد في نوفمبر (تشرين الثاني) أن يلغي هذا السقف. كثيراً ما كان الموضوع مطروحاً على طاولة البحث السياسي: في أبريل (نيسان) من العام الماضي، أعلنت حكومة ريشي سوناك عزمها ضرب حالات نشل المتاجر "البسطية" بيد من حديد وشمل التحرك تخصيص 55 مليون جنيه استرليني لتمويل تقنيات التعرف على الوجوه من أجل مساعدة الشرطة في تحديد هوية اللصوص المتكررين. وخلال الانتخابات في الصيف، ارتدى الموضوع أهمية مركزية على الأصعدة السياسية كافة، وبرز بوضوح في خطاب الملك في يوليو (تموز). أما في أغسطس (آب) من العام الماضي، فوجد تحليل لصحيفة "تايمز" أن "الشرطة توقفت بصورة شبه كاملة عن معاقبة السارقين من المتاجر على رغم بلوغ أعداد الجرائم مستويات قياسية"، وذكرت إحصاءات تكشف عن أن 431 سارقاً فقط حصلوا على إشعارات لدفع غرامات محددة في السنة المنتهية في مارس (آذار) 2024. وأفادت الصحيفة بأن "ذلك يشكل انخفاضاً بنسبة 98 في المئة عما كان عليه منذ 10 سنوات حين أصدر 19419 إشعاراً، لم تفرض غالبية قوات الشرطة أية عقوبة لقاء السرقة من المتاجر خلال العام الماضي". ويفيد عدد من أصحاب المتاجر عن تنفيذهم اعتقالات مدنية، في محاولة لحماية مصادر رزقهم. يعزو بعضهم على اليسار هذا الارتفاع إلى تضخم الأسعار الذي بلغ حداً غير مسبوق بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو إلى اتساع فجوة الثروة بسبب عقود من سياسات التقشف. وزعم وزير الداخلية في حكومة الظل كريس فيلب في يناير (كانون الثاني) أنه لا يمكن تحميل الغلاء المعيشي المسؤولية على ارتفاع أعداد السرقات، لأن نظام المعونة الحكومية في المملكة المتحدة "سخي جداً"، لكن كثيرين يخالفونه الرأي. كشفت دراسة لمؤسسة "جوزيف راونتري" عن أن مبلغ الدعم الحكومي الأسبوعي الذي تحصل عليه الأسر أقل بـ35 جنيهاً استرلينياً من المبلغ المطلوب لسد حاجتها من الطعام والتدفئة. وفي السوق السوداء المخصص للمواد التموينية، وهي سوق مزدهرة، تعتبر اللحوم أكثر السلع المرغوبة التي تسرقها العصابات الصغيرة كي تعيد بيعها بأسعار أدنى. أما من اليمين، فتبرز تحذيرات مشروعة أخرى: إن ضبط الأمن غير الفعال الذي لا يخصص له التمويل الكافي يخلق فوضى، وفوضى مكلفة أيضاً. يدفع أصحاب المتاجر أكثر من ألفي جنيه استرليني لتثبيت وتشغيل كاميرات مراقبة فيما تبلغ كلفة تعيين حارس 30 جنيه في الساعة- أي ما يعادل 60 ألف جنيه استرليني سنوياً تقريباً لقاء 40 ساعة عمل أسبوعياً. بعض المؤسسات التجارية- كالمؤسسة القريبة من "غارمز" في نوتنغهام- غير قادرة على التكيف مع الوضع ببساطة، كما يقول كمال. أغلق متجر بيع الألبسة الراقية والفاخرة أبوابه في أكتوبر (تشرين الأول) بعدما استهدفته أعمال العنف مرتين خلال يومين على التوالي، كما يقول. ويضيف كمال "دخل أحدهم وهو يحمل سلاحاً، ولم يكن في المتجر ذلك اليوم سوى شاب لا يتعدى عمره 18 سنة. وفي إحدى المرات، كانت زوجة صاحب المتجر موجودة- لا أعلم إن كان الطفل برفقتها أيضاً، لكنهما كانا رزقا بطفل للتو في ذلك الوقت. إن الوضع جنوني". فيما يصارع أصحاب المؤسسات التجارية حقبة المبيعات الإلكترونية تشكل هذه الأخطار الكبيرة والتكاليف الباهظة تهديداً إضافياً على التاريخ الغني للمناطق التجارية البريطانية، ولا يهدد انتشار السرقات الشركات والوظائف فحسب، بل يرفع التكاليف بالنسبة إلى الجميع، فسرقة بضع جنيهات عبر سلب حبة أو حبتين من الأفوكادو عمل تمتد تبعاته إلى ما بعد صندوق الدفع الذاتي. فكل سرقة تسهم في "الانكماش" الذي ينقص هوامش الربح، ويرفع بالتالي الأسعار على الجميع. يمكن توزيع هذه التكاليف في المؤسسات التجارية الكبيرة على عدد أكبر من المنتجات والمتاجر، وهو ما يضيف 133 جنيه استرليني سنوياً على فاتورة المستهلك العادي. لكن المتاجر الصغيرة والجهات الخاصة التي تملكها لا يمكنها أن تتحمل هذا الوضع. وهو ضرر آخر يضاف إلى آلاف الضربات التي تتحملها المناطق التجارية التي نحبها فيما يرغم عدد متزايد من المتاجر على الإغلاق، مما يجعل وسط المدن مناطق حزينة ومهجورة. في المحصلة نتيجة واحدة: فيما يفترض نشالو متاجر كثر مثل صديقتي أن حبة الأفوكادو التي تسرقها تعد جريمة بلا ضحية، فمن الواضح أنها مخطئة في ظنها. وما لم تتخذ خطوات لمعالجة هذا الموضوع، فالأخطار كثيرة. وإلى حين التوصل إلى حل، ندفع جميعنا الثمن بطرق مختلفة.
Independent عربية٠١-٠٣-٢٠٢٥Independent عربيةالبريطانيون يدفعون ثمن تحول بلادهم من أمة أصحاب المتاجر إلى أمة لصوصهافي جنوب رويسليب في غرب لندن، نحو الساعة الثانية من بعد ظهر يوم غائم من منتصف فبراير (شباط)، تدخل سيدة إلى أحد فروع مخابر غريغز وتملأ حقيبتها بالساندويشات ثم تغادر المكان. وعلى بعد أميال عدة، في أحد فروع متاجر "وايت كومباني" The White Company في شمال لندن يخبر العاملون أحد الزبائن أن الشموع نفدت لأن أحدهم دخل "وأخذها كلها". وفي متجر "بوتس" Boots في الطرف المقابل من المدينة، يتفرج حارس أمن ومجموعة من الناس على رجل يدخل إلى المتجر ويملأ كيساً قبل أن يخرج من دون أن يدفع. وفي هذه الأثناء، تتناسى والدة من الطبقة المتوسطة أن تمسح سلمون من الصنف الغالي، وبعض بيض الفري مع بقية مشترياتها عند صندوق الدفع الذاتي. ويقول جيمس، الطالب ذو 25 سنة في نوتنغهام، الذي صقل مهاراته في نشل المتاجر عبر السنين "نفعل ذلك لأنه أمر ممتع". ودخل لتوه إلى أحد متاجر "تيسكو" لسرقة زجاجة فانتا، يخرجها من جيب معطفه. وتعاني البلاد بأسرها انتشار وباء نشل المتاجر، وفقاً لمجموعة شركات التجزئة البريطانية، ازداد عدد هذه السرقات العام الماضي بـ3.7 مليون سرقة، لتسجل مستوى قياسياً عند 20.4 مليون سرقة. كما ازدادت حالات العنف والإساءة لعمال المتاجر بنسبة 50 في المئة، وبلغ معدل الأحداث المسجلة يومياً في كل أنحاء البلاد ألفي حالة. وبلغ نشل المتاجر درجة "الوقاحة" وخرج عن السيطرة برأي الخبراء الذين علقوا على الإحصاءات التي نشرت حديثاً: وهي تكبد شركات البيع بالتجزئة أكثر من 2.2 مليار جنيه استرليني سنوياً. فما الذي حدث كي ننتقل من "بلاد أصحاب المتاجر" إلى بلاد نشالي المتاجر؟ اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) لا شك أن بعض أسباب ارتفاع هذه الجرائم تعزى إلى أزمة الغلاء المعيشي التي تضيق الخناق في الوقت ذاته على موازنات الأسر وتدفع بها تحت خط الفقر أكثر من أي وقت مضى - وللأسف، ليس من المفاجئ أن حليب الأطفال المصنع هو أحد أكثر الأشياء التي تسرق من متاجر المملكة المتحدة. في لندن، يحمل الغلاء المعيشي غير المسبوق مسؤولية زيادة بلغت 50 في المئة في حالات النشل من متاجر العاصمة، وهو ما يتناسب مع نوع المنتجات التي تسرق في الغالب، وهي مشتريات أساسية مثل الحفاضات والجبنة. اعترف عدد متزايد من الأشخاص خلال السنوات القليلة الماضية بأن هذا هو السبب، الذي يضاف إليه غالباً انعدام الأمن الوظيفي خلال الجائحة، الذي أدى بهم إلى البدء بنشل المتاجر. من بعض النواحي، هذا ليس مفاجئاً البتة: على مشارف نهاية العام الماضي، كشفت المنظمة الخيرية "تراسل" Trussell Trust عن أن أكثر من 9 ملايين بريطاني باتوا عرضة للاعتماد على بنوك الطعام فيما يعيش أكثر من مليون منهم في حال من "الجوع والمشقة"، ويكسبون دخلاً تحت خط الفقر النسبي بـ25 في المئة في الأقل، مقارنة بخمس سنوات مضت. مع ذلك، في عام 2025، لا يتناسب اللص العادي مع أي نمط واحد. إذ يزداد عدد الأشخاص الذين يؤمنون بأنه "من حقهم" أخذ بضعة أشياء متفرقة. إنه، بسبب الحكومات المتعاقبة والاقتصاد المتدهور الذي يجعل الحياة أكثر صعوبة، فإن موقف "استعادة حقوقك" مبرر، في عالم تكون فيه الأجور منخفضة والأسعار مرتفعة. وتقول صديقة من الطبقة الوسطى تعمل في وظيفة متدنية في شركة تسويق "إن المتاجر الكبرى مثل تيسكو هدف مشروع، فلماذا تكسب هذه المتاجر فيما تعاني بقية البلاد؟". وهذا ليس رأيها وحدها: وفقاً لمجلة "غروسر" (البقال) The Grocer يعترف نحو 40 في المئة من المتسوقين أنهم سرقوا عن طريق استغلال صناديق الدفع الذاتية، وأكبر المذنبين في هذا الإطار هم الرجال والأفراد تحت سن 35. وتبرر صديقتي هذه السرقة باعتبارها "احتجاجاً ملطفاً"، لكن عندما يكون "الانتقام" عبر طريق "تناسي" مسح بعض جبن البارميزان الباهظ الثمن أو الغش عند وزن بعض الطماطم العضوية، ففي ذلك بعض المبالغة، أليس كذلك؟ وفي أماكن أخرى، أصبحت التقارير الواردة في شأن أشخاص من شريحة سكانية مختلفة يسرقون أشياء غير ضرورية، مثل المكياج والكريم المرطب مثلاً، أو القرطاسية، أمراً شائعاً. في بلدة هسلمير، تقول صاحبة متجر صغير إن "النساء ميسورات الحال في منتصف العمر" اللاتي يسرقن المجوهرات وألعاب "جليكات" المحشوة الناعمة للأطفال أصبحن أكبر خطر عليها. والقصة تتكرر في نوتنغهام، موطن رأس روبن هود - المدينة التي توجت الشهر الماضي عاصمة السرقة من المتاجر في المملكة المتحدة، إذ تفوقت على كليفلاند وأخذت المرتبة الأولى مع معدل 13.4 جريمة لكل ألف شخص في 2023-2024. هنا، تعتقل الشرطة شخصاً كل يوم تقريباً بسبب السرقة، لكن أصحاب المحال يقولون لي إن هذا ليس سوى جزء صغير من حجم الجريمة التي يشهدونها. يعيش الموظفون في متجر "فوب" Fopp الصغير، المخصص لبيع الموسيقى والكتب والتكنولوجيا في بوابة بريدلسميث في خوف دائم من الاستهداف. وتقول مساعدة المدير آبي تردجيت إنه طوال خبرتها التي تمتد لـ10 سنوات في قطاع التجزئة لم تشهد قط انتشاراً للسرقة بهذه الصورة أو بهذه الكلفة الباهظة. وتبلغ كلفة إيجار محل في منطقة بوابة بردلسميث نحو 75 ألف جنيه استرليني سنوياً كما تخبرني السيدة ومساعدة المبيعات آيدن باشلي - سميث، لكن السرقة من المتاجر تشكل نفقة عامة أثقل بعد. لا يمكن تعيين حارس أمن قبل أن يتخطى ثمن المسروقات رواتبهما. وحتى ذلك الوقت، على الثنائي - وهما فتاة تضع مكياجاً قوطياً جميلاً وطالبة إعلام شابة - أن يواجها الدخلاء بنفسه. الأسبوع الماضي، عاشت آبي تجربة مخيفة بصورة خاصة. فلاحظت أحد السارقين المتكررين وهو يدخل المكان، ولحقت به إلى مكان عرض أغلى أفلام بلو راي ومجموعات الأفلام. وتشرح أنه "عادة، يحمل ما يقدر عليه ويخرج، ولا يهمه أننا موجودون ولا أن كاميرات المراقبة موجودة". وتشرح قائلة "يأخذ السلع ليبيعها في محل يتاجر بالأشياء المستعملة في نقطة أبعد من الشارع نفسه، لذلك اتجهت نحوه ووقفت بجانبه ومنعته من الوصول إلى الرف. وعندما حاول أن يمسك بالأشياء على رغم ذلك، أوقعت كل البضاعة على الأرض، نجح ذلك لكنني كنت أرتجف بعدها". على بعد متاجر قليلة، يخبرني سامي كمال، مدير متجر "غارمز" Garms للثياب الكلاسيكية، عن خمس سرقات ليلية تعرضت لها المؤسسة الصغيرة خلال السنوات القليلة الماضية، وكلفتها غالياً. ويقول إنه يعتقد أن غالبية السارقين في المدينة يقدمون على السرقة بسبب ظروفهم الصعبة، لكن ذلك ليس كل ما في الأمر، بل هناك أيضاً شعور بالاستحقاق. ويقول لي أحد الحراس في متجر "بريمارك" Primark القريب إنه أمسك بأربع نساء يخططن معاً لسرقة ثياب ومنتجات بقيمة تتخطى 500 جنيه استرليني، وواجه هذا الأسبوع شخصاً يسرق كثيراً كان الفريق يراقبه منذ أشهر. ويقول إن السرقات لم تكن يوماً بهذه الكثرة، ولا بهذه الوقاحة أو العنف (اشتهرت نوتنغهام بلقب "شوتنغهام" أية مدينة إطلاق النار بسبب زيادة مستويات الجريمة). ويقول لي "تعرضت للتهديد بالسكاكين ويقولون لي إنهم سيطلقون النار علي أو سيضربونني بعد ساعات العمل. أتعرض لاعتداءات لفظية يومياً، لكنك تعتاد ذلك". ويضطر الحراس إلى أن يعملوا تحت سقف قوانين صارمة من أجل توقيف أحدهم كما يشرح لي، وذلك ليس سهلاً، فيما الحراسة نفسها مكلفة جداً. والمشكلة أن اللصوص يدركون هذا الوضع، ولذلك لا يردعهم وجود حارس مثل قبل. يخبرني أحد الباعة في "تيسكو" أن "الناس يعرفون أنهم لن يسجنوا"- ففي عام 2014، حدد "سقف نشل المتاجر" عند 200 جنيه استرليني، وهو ما يعني أن كل المسروقات التي تقل عن هذا المبلغ تعتبر جنحة بسيطة، لكن رئيس الوزراء كير ستارمر تعهد في نوفمبر (تشرين الثاني) أن يلغي هذا السقف. كثيراً ما كان الموضوع مطروحاً على طاولة البحث السياسي: في أبريل (نيسان) من العام الماضي، أعلنت حكومة ريشي سوناك عزمها ضرب حالات نشل المتاجر "البسطية" بيد من حديد وشمل التحرك تخصيص 55 مليون جنيه استرليني لتمويل تقنيات التعرف على الوجوه من أجل مساعدة الشرطة في تحديد هوية اللصوص المتكررين. وخلال الانتخابات في الصيف، ارتدى الموضوع أهمية مركزية على الأصعدة السياسية كافة، وبرز بوضوح في خطاب الملك في يوليو (تموز). أما في أغسطس (آب) من العام الماضي، فوجد تحليل لصحيفة "تايمز" أن "الشرطة توقفت بصورة شبه كاملة عن معاقبة السارقين من المتاجر على رغم بلوغ أعداد الجرائم مستويات قياسية"، وذكرت إحصاءات تكشف عن أن 431 سارقاً فقط حصلوا على إشعارات لدفع غرامات محددة في السنة المنتهية في مارس (آذار) 2024. وأفادت الصحيفة بأن "ذلك يشكل انخفاضاً بنسبة 98 في المئة عما كان عليه منذ 10 سنوات حين أصدر 19419 إشعاراً، لم تفرض غالبية قوات الشرطة أية عقوبة لقاء السرقة من المتاجر خلال العام الماضي". ويفيد عدد من أصحاب المتاجر عن تنفيذهم اعتقالات مدنية، في محاولة لحماية مصادر رزقهم. يعزو بعضهم على اليسار هذا الارتفاع إلى تضخم الأسعار الذي بلغ حداً غير مسبوق بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو إلى اتساع فجوة الثروة بسبب عقود من سياسات التقشف. وزعم وزير الداخلية في حكومة الظل كريس فيلب في يناير (كانون الثاني) أنه لا يمكن تحميل الغلاء المعيشي المسؤولية على ارتفاع أعداد السرقات، لأن نظام المعونة الحكومية في المملكة المتحدة "سخي جداً"، لكن كثيرين يخالفونه الرأي. كشفت دراسة لمؤسسة "جوزيف راونتري" عن أن مبلغ الدعم الحكومي الأسبوعي الذي تحصل عليه الأسر أقل بـ35 جنيهاً استرلينياً من المبلغ المطلوب لسد حاجتها من الطعام والتدفئة. وفي السوق السوداء المخصص للمواد التموينية، وهي سوق مزدهرة، تعتبر اللحوم أكثر السلع المرغوبة التي تسرقها العصابات الصغيرة كي تعيد بيعها بأسعار أدنى. أما من اليمين، فتبرز تحذيرات مشروعة أخرى: إن ضبط الأمن غير الفعال الذي لا يخصص له التمويل الكافي يخلق فوضى، وفوضى مكلفة أيضاً. يدفع أصحاب المتاجر أكثر من ألفي جنيه استرليني لتثبيت وتشغيل كاميرات مراقبة فيما تبلغ كلفة تعيين حارس 30 جنيه في الساعة- أي ما يعادل 60 ألف جنيه استرليني سنوياً تقريباً لقاء 40 ساعة عمل أسبوعياً. بعض المؤسسات التجارية- كالمؤسسة القريبة من "غارمز" في نوتنغهام- غير قادرة على التكيف مع الوضع ببساطة، كما يقول كمال. أغلق متجر بيع الألبسة الراقية والفاخرة أبوابه في أكتوبر (تشرين الأول) بعدما استهدفته أعمال العنف مرتين خلال يومين على التوالي، كما يقول. ويضيف كمال "دخل أحدهم وهو يحمل سلاحاً، ولم يكن في المتجر ذلك اليوم سوى شاب لا يتعدى عمره 18 سنة. وفي إحدى المرات، كانت زوجة صاحب المتجر موجودة- لا أعلم إن كان الطفل برفقتها أيضاً، لكنهما كانا رزقا بطفل للتو في ذلك الوقت. إن الوضع جنوني". فيما يصارع أصحاب المؤسسات التجارية حقبة المبيعات الإلكترونية تشكل هذه الأخطار الكبيرة والتكاليف الباهظة تهديداً إضافياً على التاريخ الغني للمناطق التجارية البريطانية، ولا يهدد انتشار السرقات الشركات والوظائف فحسب، بل يرفع التكاليف بالنسبة إلى الجميع، فسرقة بضع جنيهات عبر سلب حبة أو حبتين من الأفوكادو عمل تمتد تبعاته إلى ما بعد صندوق الدفع الذاتي. فكل سرقة تسهم في "الانكماش" الذي ينقص هوامش الربح، ويرفع بالتالي الأسعار على الجميع. يمكن توزيع هذه التكاليف في المؤسسات التجارية الكبيرة على عدد أكبر من المنتجات والمتاجر، وهو ما يضيف 133 جنيه استرليني سنوياً على فاتورة المستهلك العادي. لكن المتاجر الصغيرة والجهات الخاصة التي تملكها لا يمكنها أن تتحمل هذا الوضع. وهو ضرر آخر يضاف إلى آلاف الضربات التي تتحملها المناطق التجارية التي نحبها فيما يرغم عدد متزايد من المتاجر على الإغلاق، مما يجعل وسط المدن مناطق حزينة ومهجورة. في المحصلة نتيجة واحدة: فيما يفترض نشالو متاجر كثر مثل صديقتي أن حبة الأفوكادو التي تسرقها تعد جريمة بلا ضحية، فمن الواضح أنها مخطئة في ظنها. وما لم تتخذ خطوات لمعالجة هذا الموضوع، فالأخطار كثيرة. وإلى حين التوصل إلى حل، ندفع جميعنا الثمن بطرق مختلفة.