أحدث الأخبار مع #بيرسيفوني


الوسط
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- الوسط
"الصليب الملتوي": الرواية المفقودة التي وجّهت تحذيراً من أهوال ألمانيا النازية
بعد ثمانين عاماً من يوم النصر في أوروبا وانتهاء الحرب العالمية الثانية بغزو الحلفاء لألمانيا، وسيطرة الاتحاد السوفييتي على برلين، والاستسلام غير المشروط من قبل ألمانيا في 8 مايو أيار عام 1945، لا يزال الاهتمام بما حدث قوياً. ازداد الطلب على حكايات أوروبا في زمن الحرب حينها وبشكل ملحوظ منذ نشر رواية أنتوني دوير الشعرية "كل النور الذي لا نستطيع رؤيته"، الحائزة على جائزة بوليتزر عام 2015، والتي حُوّلت لاحقاً إلى مسلسل على شبكة نتفليكس. كما وصلت قصص الحب والمعارك وفك الشفرات والمقاومة ومعسكرات الاعتقال، إلى قوائم الكتب الأكثر مبيعاً حول العالم. وبينما استقى العديد من الروائيين في هذا النوع الأدبي الفرعي ببراعة من وثائق ورسائل وروايات شهود عيان تعود إلى ثمانية عقود، فمن غير المرجح أن يشهد العالم في هذا الوقت الحالي، عملاً روائياً جديداً مستوحى من تجربة شخصية من تلك الحقبة. هذا أحد أسباب كون رواية "الصليب الملتوي" Crooked Cross، التي أعادت دار بيرسيفوني للنشر إصدارها ربيع هذا العام. واستلهمت الكاتبة، سيلفيا "سالي" كارسون، وهي شابة إنجليزية، من زياراتها لأصدقائها في بافاريا في أوائل الثلاثينيات، الكثير لكتابة رواية عن بزوغ فجر الاستبداد النازي في بلدة ألمانية صغيرة. أثبتت رواية كارسون بصيرتها الثاقبة بشأن الأهوال القادمة، ومع ذلك، بعد وفاتها المبكرة عام 1941، طواها النسيان. وقال الروائي الأمريكي الشهير إي. إل. دكتورو، مؤلف روايات "راغتايم" و"بيلي باثجيت" وغيرها من الأعمال الروائية التي تدور أحداثها في الماضي: "سيخبرك المؤرّخ بما حدث، بينما يستطيع الروائي أن يخبرك بما شعرت به". ويتمثل إنجاز كارسون في تجسيد عائلة كلوغر، المقيمة قرب الجبال جنوب ميونيخ، والتي شهدت على مدار ستة أشهر - من ليلة عيد الميلاد عام 1932 إلى ليلة منتصف الصيف عام 1933 - تحطيم حياتها. رواية "الصليب الملتوي" - يُشير عنوانها إلى "سافاستيكا"، أي رمز الصليب المعقوف الذي تبناه النازيون. ونُشرت الرواية عام 1934، بعد عام من الأحداث. ولاقت الرواية إشادات واسعة، وحوّلت كارسون روايتها إلى مسرحية عُرضت لأول مرة في مسرح برمنغهام ريبيرتوري عام 1935، ثم نُقلت إلى ويست إند بلندن بعد عامين. وأثبتت الرواية بصيرة كارسون الثاقبة بشأن الأهوال القادمة، ومع ذلك، وبعد وفاتها المبكرة عام 1941 بسبب سرطان الثدي، طواها النسيان. لكن قرار دار بيرسيفوني للنشر بإعادة إصدار رواية كارسون الآن، كان قراراً حكيماً ومرحباً به. تبدأ أحداث القصة عندما يجتمع هانز وروزا كلوغر، وأطفالهما الثلاثة البالغين - ابنتهما ليكسا، وابناهما هلمي وإريك - لقضاء عطلة عيد الميلاد. كانت الحياة صعبة في ألمانيا خلال فترة الكساد الكبير. خُفِّض راتب السيد كلوغر، الذي كان يعمل في مكتب البريد، وابنه البكر هلمي عاطل عن العمل، ووظيفة إريك الموسمية كمدرب تزلج تتطلب منه تلبية رغبات النساء الثريات. لكن عيد الميلاد هو "وقتٌ لتحقيق السعادة الشخصية، واستكمال الدائرة السحرية لعائلتهما"، كما كتبت كارسون. كما يشارك خطيب ليكسا الوسيم والناجح، الجراح الشاب موريتز فايسمان، في جميع الاحتفالات. وبينما يتولى هلمي وليكسا تزيين شجرة عيد الميلاد – إذ كانا دائماً قريبيْن من بعضهما - تصف الرواية المشهد الاحتفالي بدقة، يخدع المشهد القارئ ليُصدق، رغم تلميحات التهديد، أن لا شيء يُمكن أن يُحطم هذه العائلة المُخلصة، المُحترمة، والمُحبة. بعد شهر، وفي يناير/ كانون الثاني 1933، عُيّن هتلر مستشاراً، وبدأ عهد ماخترغرايفونغ، كما يُطلق عليه الألمان، وهو توطيد النازية للسلطة. وفي غضون أيام، يُكافأ هلمي على ولائه المُبكر للنازيين، ووعودهم بإعادة ازدهار الأمة، بوظيفة سكرتير الحزب المحلي، وفي المقابل يُطرد موريتز، وهو من أب يهودي، من عيادة ميونيخ التي يعمل بها. مقارنات معاصرة وشخصية تُظهر كارسون تعاطفاً مع جميع شخصياتها، إلى جانب بصيرة حادة في نقاط ضعفهم. مع ذلك، يقع هلمي، الرجل الحساس وصاحب الضمير الحي، في شراك "أيديولوجية الشر". ويُحاول إقناع أخته بأنه في الواقع الجديد، يجب عليها فسخ خطوبتها وعدم رؤية موريتز مرة أخرى. تقاوم ليكسا، متمسكة بأمل أن يُطرد هتلر من الحكومة في برلين البعيدة. لكن بدلاً من ذلك، ومع اخضرار مروج الجبال في الربيع، يزداد عالم العائلة ظلمةً. إذ يترك إريك وظيفته المتواضعة للانضمام إلى مرتدي القمصان البنية، ويتجول في المدينة مرتدياً زيه وحذائه العسكري - يشعر الوالدان كلوغر بفخرٍ شديد، على الرغم من أن السيد كلوغر، المحارب القديم في الحرب العالمية الأولى، لا يزال حذراً من الانخراط بصراع دموي آخر. ويحضر هلمي المثالي تجمعاً للنازيين ويشعر بالذهول. تكتب كارسون: "لم يكن يتخيل ولم يكن لديه أي فكرة عن الدمار الذي سيسببه تحرير تلك القوة التي كان ينادي بها الآن بصوتٍ أجشّ مثل الآخرين. كان هتلر بالنسبة لهم بمثابة مُخلّص رائع، "إله". ارتسمت أذرعهم في نفس الإشارة - كانت غابة من الأذرع البنية الممتدة بأصابع تشير إلى الإله الصغير ذي الشارب الشبيه بفرشاة الأسنان. "هايل هتلر!" موريتز، المُجرّد من عمله ودخله، والمُحظور حتى من استعارة الكتب من المكتبة العامة، يُصاب باليأس. ليكسا تريد قضاء أمسية جميلة، فتقنعه بأخذها إلى حفلة رقص. على المسرح المزدحم، وبينما كانا يؤديان رقصة الـ"فوكستروت" أو "رقص الصالة"، اصطدم الاثنان بالصدفة بثنائي آخر. التفت موريتز ليعتذر. "اللعنة عليك أيها اليهودي القذر! ابتعد عن الطريق"، صرخ الرجل الآخر. روت كارسون لصحيفة برادفورد أوبزرفر كيف سمعت هذه الكلمات تُلقى على الرجل اليهودي الذي رافقها في قاعة رقص أثناء عطلتها في بافاريا. وفي ليلة منتصف الصيف، عندما يتفاقم الوضع في ألمانيا، تختار ليكسا حبها لموريتز على كل الولاءات الأخرى، وتكون النتائج مدمرة. (لن أروي المزيد من التفاصيل كي لا أفسد القصة لك). الرواية تُظهر كيف يُمكن لأمة مُتحضرة أن تقع في قبضة الاستبداد. في حديثها لبرنامج "توداي" الإخباري على إذاعة بي بي سي، استشهدت فرانشيسكا بومان، المؤرخة ومديرة تحرير دار نشر بيرسيفوني، بمراجعة نُشرت في صحيفة أكتون غازيت وقت نشر الكتاب. وقالت "رواية الصليب الملتوي أكثر صدقاً من التقارير المُرسلة عبر التلغراف، إنها أكثر عدلاً من الدعاية، وأكثر إثارةً للاهتمام". ماذا ستفعل لو بدأ أحباؤك بتبني أفكار تكرهها؟ لم يرغب جميع معاصري كارسون في سماع التحذير المُضمن في رواية "الصليب الملتوي". عندما انتقلت مسرحيتها إلى مسرح لندن عام 1937، انتقدها البعض في بريطانيا باعتبارها مُعادية لألمانيا، وأصرّ مكتب اللورد تشامبرلين على إزالة كل تحية "هايل هتلر" من العرض. كان جزء كبير من المؤسسة البريطانية آنذاك يأمل في "التعايش السلمي" مع النظام المُتعطش للحرب في برلين. قد يسارع بعض القراء إلى استخلاص أوجه تشابه معاصرة، لا سيما مع صعود الشعبوية اليمينية حول العالم، وميل الشباب إلى الانجذاب للحركات المتطرفة، عندما يشعرون - كما شعر الملايين في ألمانيا في ثلاثينيات القرن الماضي - بالضياع أو السخط أو انعدام الهدف. لكن القضية الحقيقية التي تطرحها رواية الصليب الملتوي هي قضية شخصية وتتساءل: ماذا ستفعل لو بدأ أحباؤك بتبني أفكار تكرهها؟ والآن، وبعد أن عادت قصة عائلة كلوغر المأساوية إلى الواجهة، أثبتت أنها تستحق مكانةً دائمةً في أدب الحرب العالمية الثانية.


شفق نيوز
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- شفق نيوز
"الصليب الملتوي": الرواية المفقودة التي وجّهت تحذيراً من أهوال ألمانيا النازية
بعد ثمانين عاماً من يوم النصر في أوروبا وانتهاء الحرب العالمية الثانية بغزو الحلفاء لألمانيا، وسيطرة الاتحاد السوفييتي على برلين، والاستسلام غير المشروط من قبل ألمانيا في 8 مايو أيار عام 1945، لا يزال الاهتمام بما حدث قوياً. ازداد الطلب على حكايات أوروبا في زمن الحرب حينها وبشكل ملحوظ منذ نشر رواية أنتوني دوير الشعرية "كل النور الذي لا نستطيع رؤيته"، الحائزة على جائزة بوليتزر عام 2015، والتي حُوّلت لاحقاً إلى مسلسل على شبكة نتفليكس. كما وصلت قصص الحب والمعارك وفك الشفرات والمقاومة ومعسكرات الاعتقال، إلى قوائم الكتب الأكثر مبيعاً حول العالم. وبينما استقى العديد من الروائيين في هذا النوع الأدبي الفرعي ببراعة من وثائق ورسائل وروايات شهود عيان تعود إلى ثمانية عقود، فمن غير المرجح أن يشهد العالم في هذا الوقت الحالي، عملاً روائياً جديداً مستوحى من تجربة شخصية من تلك الحقبة. هذا أحد أسباب كون رواية "الصليب الملتوي" Crooked Cross، التي أعادت دار بيرسيفوني للنشر إصدارها ربيع هذا العام. واستلهمت الكاتبة، سيلفيا "سالي" كارسون، وهي شابة إنجليزية، من زياراتها لأصدقائها في بافاريا في أوائل الثلاثينيات، الكثير لكتابة رواية عن بزوغ فجر الاستبداد النازي في بلدة ألمانية صغيرة. أثبتت رواية كارسون بصيرتها الثاقبة بشأن الأهوال القادمة، ومع ذلك، بعد وفاتها المبكرة عام 1941، طواها النسيان. وقال الروائي الأمريكي الشهير إي. إل. دكتورو، مؤلف روايات "راغتايم" و"بيلي باثجيت" وغيرها من الأعمال الروائية التي تدور أحداثها في الماضي: "سيخبرك المؤرّخ بما حدث، بينما يستطيع الروائي أن يخبرك بما شعرت به". ويتمثل إنجاز كارسون في تجسيد عائلة كلوغر، المقيمة قرب الجبال جنوب ميونيخ، والتي شهدت على مدار ستة أشهر - من ليلة عيد الميلاد عام 1932 إلى ليلة منتصف الصيف عام 1933 - تحطيم حياتها. رواية "الصليب الملتوي" - يُشير عنوانها إلى "سافاستيكا"، أي رمز الصليب المعقوف الذي تبناه النازيون. ونُشرت الرواية عام 1934، بعد عام من الأحداث. ولاقت الرواية إشادات واسعة، وحوّلت كارسون روايتها إلى مسرحية عُرضت لأول مرة في مسرح برمنغهام ريبيرتوري عام 1935، ثم نُقلت إلى ويست إند بلندن بعد عامين. وأثبتت الرواية بصيرة كارسون الثاقبة بشأن الأهوال القادمة، ومع ذلك، وبعد وفاتها المبكرة عام 1941 بسبب سرطان الثدي، طواها النسيان. لكن قرار دار بيرسيفوني للنشر بإعادة إصدار رواية كارسون الآن، كان قراراً حكيماً ومرحباً به. تبدأ أحداث القصة عندما يجتمع هانز وروزا كلوغر، وأطفالهما الثلاثة البالغين - ابنتهما ليكسا، وابناهما هلمي وإريك - لقضاء عطلة عيد الميلاد. كانت الحياة صعبة في ألمانيا خلال فترة الكساد الكبير. خُفِّض راتب السيد كلوغر، الذي كان يعمل في مكتب البريد، وابنه البكر هلمي عاطل عن العمل، ووظيفة إريك الموسمية كمدرب تزلج تتطلب منه تلبية رغبات النساء الثريات. لكن عيد الميلاد هو "وقتٌ لتحقيق السعادة الشخصية، واستكمال الدائرة السحرية لعائلتهما"، كما كتبت كارسون. كما يشارك خطيب ليكسا الوسيم والناجح، الجراح الشاب موريتز فايسمان، في جميع الاحتفالات. وبينما يتولى هلمي وليكسا تزيين شجرة عيد الميلاد – إذ كانا دائماً قريبيْن من بعضهما - تصف الرواية المشهد الاحتفالي بدقة، يخدع المشهد القارئ ليُصدق، رغم تلميحات التهديد، أن لا شيء يُمكن أن يُحطم هذه العائلة المُخلصة، المُحترمة، والمُحبة. بعد شهر، وفي يناير/ كانون الثاني 1933، عُيّن هتلر مستشاراً، وبدأ عهد ماخترغرايفونغ، كما يُطلق عليه الألمان، وهو توطيد النازية للسلطة. وفي غضون أيام، يُكافأ هلمي على ولائه المُبكر للنازيين، ووعودهم بإعادة ازدهار الأمة، بوظيفة سكرتير الحزب المحلي، وفي المقابل يُطرد موريتز، وهو من أب يهودي، من عيادة ميونيخ التي يعمل بها. مقارنات معاصرة وشخصية تُظهر كارسون تعاطفاً مع جميع شخصياتها، إلى جانب بصيرة حادة في نقاط ضعفهم. مع ذلك، يقع هلمي، الرجل الحساس وصاحب الضمير الحي، في شراك "أيديولوجية الشر". ويُحاول إقناع أخته بأنه في الواقع الجديد، يجب عليها فسخ خطوبتها وعدم رؤية موريتز مرة أخرى. تقاوم ليكسا، متمسكة بأمل أن يُطرد هتلر من الحكومة في برلين البعيدة. لكن بدلاً من ذلك، ومع اخضرار مروج الجبال في الربيع، يزداد عالم العائلة ظلمةً. إذ يترك إريك وظيفته المتواضعة للانضمام إلى مرتدي القمصان البنية، ويتجول في المدينة مرتدياً زيه وحذائه العسكري - يشعر الوالدان كلوغر بفخرٍ شديد، على الرغم من أن السيد كلوغر، المحارب القديم في الحرب العالمية الأولى، لا يزال حذراً من الانخراط بصراع دموي آخر. ويحضر هلمي المثالي تجمعاً للنازيين ويشعر بالذهول. تكتب كارسون: "لم يكن يتخيل ولم يكن لديه أي فكرة عن الدمار الذي سيسببه تحرير تلك القوة التي كان ينادي بها الآن بصوتٍ أجشّ مثل الآخرين. كان هتلر بالنسبة لهم بمثابة مُخلّص رائع، "إله". ارتسمت أذرعهم في نفس الإشارة - كانت غابة من الأذرع البنية الممتدة بأصابع تشير إلى الإله الصغير ذي الشارب الشبيه بفرشاة الأسنان. "هايل هتلر!" موريتز، المُجرّد من عمله ودخله، والمُحظور حتى من استعارة الكتب من المكتبة العامة، يُصاب باليأس. ليكسا تريد قضاء أمسية جميلة، فتقنعه بأخذها إلى حفلة رقص. على المسرح المزدحم، وبينما كانا يؤديان رقصة الـ"فوكستروت" أو "رقص الصالة"، اصطدم الاثنان بالصدفة بثنائي آخر. التفت موريتز ليعتذر. "اللعنة عليك أيها اليهودي القذر! ابتعد عن الطريق"، صرخ الرجل الآخر. روت كارسون لصحيفة برادفورد أوبزرفر كيف سمعت هذه الكلمات تُلقى على الرجل اليهودي الذي رافقها في قاعة رقص أثناء عطلتها في بافاريا. وفي ليلة منتصف الصيف، عندما يتفاقم الوضع في ألمانيا، تختار ليكسا حبها لموريتز على كل الولاءات الأخرى، وتكون النتائج مدمرة. (لن أروي المزيد من التفاصيل كي لا أفسد القصة لك). الرواية تُظهر كيف يُمكن لأمة مُتحضرة أن تقع في قبضة الاستبداد. في حديثها لبرنامج "توداي" الإخباري على إذاعة بي بي سي، استشهدت فرانشيسكا بومان، المؤرخة ومديرة تحرير دار نشر بيرسيفوني، بمراجعة نُشرت في صحيفة أكتون غازيت وقت نشر الكتاب. وقالت "رواية الصليب الملتوي أكثر صدقاً من التقارير المُرسلة عبر التلغراف، إنها أكثر عدلاً من الدعاية، وأكثر إثارةً للاهتمام". ماذا ستفعل لو بدأ أحباؤك بتبني أفكار تكرهها؟ لم يرغب جميع معاصري كارسون في سماع التحذير المُضمن في رواية "الصليب الملتوي". عندما انتقلت مسرحيتها إلى مسرح لندن عام 1937، انتقدها البعض في بريطانيا باعتبارها مُعادية لألمانيا، وأصرّ مكتب اللورد تشامبرلين على إزالة كل تحية "هايل هتلر" من العرض. كان جزء كبير من المؤسسة البريطانية آنذاك يأمل في "التعايش السلمي" مع النظام المُتعطش للحرب في برلين. قد يسارع بعض القراء إلى استخلاص أوجه تشابه معاصرة، لا سيما مع صعود الشعبوية اليمينية حول العالم، وميل الشباب إلى الانجذاب للحركات المتطرفة، عندما يشعرون - كما شعر الملايين في ألمانيا في ثلاثينيات القرن الماضي - بالضياع أو السخط أو انعدام الهدف. لكن القضية الحقيقية التي تطرحها رواية الصليب الملتوي هي قضية شخصية وتتساءل: ماذا ستفعل لو بدأ أحباؤك بتبني أفكار تكرهها؟ والآن، وبعد أن عادت قصة عائلة كلوغر المأساوية إلى الواجهة، أثبتت أنها تستحق مكانةً دائمةً في أدب الحرب العالمية الثانية.


موقع كتابات
٢٠-٠٤-٢٠٢٥
- صحة
- موقع كتابات
مقامة القلب الكسير
يقول أبراهيم البهرزي : (( قال لي من أحب ُّ, والبينُ قد جَدَّ , وفي مهجتي لهيب ُالحريقِ , مالذي في الطريقِ تصنع ُبعدي , قلت ُ أبكي عليكَ طول الطريق )) , وهكذا عندما يهزم الحزن الأرواح , تقول فاطمة الفلاحي : (( يستقرئ قنديل الوهم , لعنة صوتك تدب على قارعة القلب , كسحب من أنين , مترفة بالوجع , تلتصق بروحي , لِمَ تكتبها كإثم على حائط ظنونك , وريح الشك تعصف بصدرك…؟)) , ويقول محمود درويش : (( للحَنينِ أعراضٌ جانبيّة , من بينها إدمانُ الخَيال , النّظر إلى الوَراءْ , والإفراطُ في تَحويلِ الحَاضر إلى ماضٍ )) . متلازمة القلب الكسير , أو اعتلال عضلة القلب الناتج عن الإجهاد , يحدث هذا مباشرةً بعد التعرض لموقف مرهق جسديًا أو نفسيًا , وقد تستمر الحالة بضعة أيام أو أسابيع , ومع العلاج الدوائي , تتم عملية التعافي , وتعرف متلازمة القلب المكسور أيضا بـ (( اعتلال عضلة القلب الإجهادي , التضخم القِمِّي)) , وبالنسبة للبعض (( قلبي مكسور )) ليست مجرد تعبير مجازي عن شدة الحزن على فراق حبيب , بل قد يكون توصيفا حقيقيا لما يشعرون به جراء الإجهاد العاطفي أو المرور بمواقف عصيبة , وهي متلازمة علمية تسمى (( متلازمة القلب المكسور)) , أو كما تعرف بالأوساط العلمية بـ (( اعتلال تاكوتسوبو القلبي Taksotsub )) ,تحدث بعد المواقف المسببة للتوتر, والعواطف الكبيرة , مسببة ألما مفاجئا في الصدر, وأعراضا تشبه أعراض الأزمة القلبية , ويُعتقد أن تدفق هرمون الأدرينالين , وغيره من هرمونات الإجهاد , قد يؤثر على جزء فقط من عضلة القلب , مما يعطِّل وظيفة الضخ الطبيعية للقلب مؤقتا , بينما تستمر بقية أجزاء عضلة القلب بعملها الطبيعي أو قد تحدث انقباضات أكثر قوة. تحمل هذه الأصابة في طياتها حكايات إنسانية عميقة تتردد أصداؤها في الأساطير والأشعار عبر العصور , دعنا نبدأ رحلتنا في استكشاف هذه الظاهرة من خلال عدسة الأدب والفن , مفادها عيشوا حياتكم ولاتكسروا قلوب الآخرين , لا تفعل ما يخالف شغف قلبك تحت أي ظرف , قل كلمة أحبك لمن يستحقها بلا تأجيل , وتقول أسطورة شائعة بين بعض القبائل الأفريقية , وربما هي حقيقة واقعة وليست محض أسطورة , إن رجال القبيلة إذا ما أرادوا الإطاحة بشجرة عملاقة معمرة , ولم يستطيعوا فعل ذلك بوسائلهم المتاحة , فما عليهم سوى الوقوف أمامها ثم الصراخ على نحوٍ مركزّ ومتواصل لبضعة أيام , وبعدها ستنهار الشجرة وتهوي على الأرض . في الأساطير القديمة , لطالما ارتبطت المشاعر القوية , خاصة الفقد والحزن العميق , بقوى خارقة للطبيعة , تخيل معي (( هاديس )) , إله العالم السفلي في الأساطير الإغريقية , الذي اختطف (( بيرسيفوني )) إلى عالمه المظلم , ألم تشعر (( ديميتر)) , والدة بيرسيفوني وإلهة الحصاد , بقلب مكسور لدرجة أنها أهملت الأرض , فأجدبت وانتشر القحط؟ هذه الصورة المجازية , تعكس كيف يمكن للألم العاطفي الشديد أن يؤثر على الجسد والروح , تمامًا كما تفعل متلازمة القلب المكسور. أما في الشعر العربي , فكم من قصيدة رثاء فاضت بأنين الفراق ولوعة البعد , خذ على سبيل المثال قول المتنبي في رثاء سيف الدولة : ((أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ تَضَمُّنُهَا الْغَضْرَا عَلَى جَنْبِهَا أَمْ قَدْ تَضَمَّنَهَا الْقَبْرُ؟)) , هذا الشوق الجارف والفقد المؤلم يكاد يكون ملموسًا في ثنايا البيت , إنه ليس مجرد شعور بالحزن , بل هو ألم عميق يستوطن الجسد , أليس هذا ما نشعر به عندما نسمع عن حالات لأشخاص أصيبوا بضعف مفاجئ في عضلة القلب بعد فقد عزيز؟ دعنا نتأمل أيضًا قصة (( ليلى والمجنون )) , قيس بن الملوح , الذي هام حبًا بليلى حتى جن , يمثل قمة العشق الذي يتحول إلى عذاب , ألم يكن قلبه مكسورًا ألف مرة لفرط الشوق واليأس؟ كلماته المتقدة بالشوق والألم هي صدى لما قد يشعر به المصاب بمتلازمة القلب المكسور من ضيق وألم في الصدر, وكأن قلبه يعتصر: ((أَلاَ يَا حَمَامَ الأَيْكِ مَا لَكَ بَاكِيًا أَفَارَقْتَ إِلفًا أَوْ جَفَاكَ خَلِيلُ؟ )) , هذه الأبيات تترجم لنا لغة القلب المكلوم , تلك اللغة التي تتجاوز الكلمات لتصل إلى أعماق الروح . إن متلازمة القلب المكسور, على الرغم من أنها حالة طبية حديثة الاكتشاف , إلا أنها تجد جذورًا عميقة في فهمنا الإنساني القديم للعلاقة بين العاطفة والجسد , فالأساطير والأشعار تقدم لنا صورًا حية لكيف يمكن للألم العاطفي الشديد أن يترك ندوبًا حقيقية , حتى على مستوى عضلة القلب , أن هذه الظاهرة ليست مجرد عارض طبي , بل هي تجسيد لتجربة إنسانية عالمية عبرت عنها ثقافات مختلفة بأشكال متنوعة , حيث يمكن الربط بين قوة المشاعر الموصوفة في الأدب وبين التأثير الفعلي للإجهاد العاطفي على القلب . تقول ميس خالد : (( وحينما أكره صمتي أغني , أنا لا أخشى الريح , ولكني , أخشى إرتجاف الضلوعوانكشاف أمري , نصفي بلل نصفي يباس , والصمت مالح التأويل , عالقة في زبد من العشق , أتضور شوقا , اسكب وجهك في زيت القناديل , امنح لليالي السمراء فتنتها , صب فراتك في الأحداق الناعسات , وأهمس للشمس أن تبتسم للبنفسج , خذ قسطك من تسابيح الوجد , واعتكف زاهدا في فيء نخلتين وتعال أخبرك ,عن عطش السعي , وتأتأة الارتواء عن زعفران اللجوء , وزنجبيل المنفى , عن التنهيدة الحرى , تعال أخبرك عن أزاهير روح كمروج النعيم , حزينة بلا سماء , تجودها بالندى , بلا همس ودود , يثير عطرها بابتهال الريح , تنحّ عن وقارك قليلا وانثر سرك الشغوف في رحاب مناسكي, لظلك أشكوا ليلا , ينحت على جدار سهادي اقصوصة الفناء , ويحمل نعش الامنيات الى فراشها الموجوع ,لأدعون عليك في غسق الدجى يبليك قلب مثلما أبليتني )).