
مقامة القلب الكسير
يقول أبراهيم البهرزي : (( قال لي من أحب ُّ, والبينُ قد جَدَّ , وفي مهجتي لهيب ُالحريقِ , مالذي في الطريقِ تصنع ُبعدي , قلت ُ أبكي عليكَ طول الطريق )) , وهكذا عندما يهزم الحزن الأرواح , تقول فاطمة الفلاحي : (( يستقرئ قنديل الوهم , لعنة صوتك تدب على قارعة القلب , كسحب من أنين , مترفة بالوجع , تلتصق بروحي , لِمَ تكتبها كإثم على حائط ظنونك , وريح الشك تعصف بصدرك…؟)) , ويقول محمود درويش : (( للحَنينِ أعراضٌ جانبيّة , من بينها إدمانُ الخَيال , النّظر إلى الوَراءْ , والإفراطُ في تَحويلِ الحَاضر إلى ماضٍ )) .
متلازمة القلب الكسير , أو اعتلال عضلة القلب الناتج عن الإجهاد , يحدث هذا مباشرةً بعد التعرض لموقف مرهق جسديًا أو نفسيًا , وقد تستمر الحالة بضعة أيام أو أسابيع , ومع العلاج الدوائي , تتم عملية التعافي , وتعرف متلازمة القلب المكسور أيضا بـ (( اعتلال عضلة القلب الإجهادي , التضخم القِمِّي)) , وبالنسبة للبعض (( قلبي مكسور )) ليست مجرد تعبير مجازي عن شدة الحزن على فراق حبيب , بل قد يكون توصيفا حقيقيا لما يشعرون به جراء الإجهاد العاطفي أو المرور بمواقف عصيبة , وهي متلازمة علمية تسمى (( متلازمة القلب المكسور)) , أو كما تعرف بالأوساط العلمية بـ (( اعتلال تاكوتسوبو القلبي Taksotsub )) ,تحدث بعد المواقف المسببة للتوتر, والعواطف الكبيرة , مسببة ألما مفاجئا في الصدر, وأعراضا تشبه أعراض الأزمة القلبية , ويُعتقد أن تدفق هرمون الأدرينالين , وغيره من هرمونات الإجهاد , قد يؤثر على جزء فقط من عضلة القلب , مما يعطِّل وظيفة الضخ الطبيعية للقلب مؤقتا , بينما تستمر بقية أجزاء عضلة القلب بعملها الطبيعي أو قد تحدث انقباضات أكثر قوة.
تحمل هذه الأصابة في طياتها حكايات إنسانية عميقة تتردد أصداؤها في الأساطير والأشعار عبر العصور , دعنا نبدأ رحلتنا في استكشاف هذه الظاهرة من خلال عدسة الأدب والفن , مفادها عيشوا حياتكم ولاتكسروا قلوب الآخرين , لا تفعل ما يخالف شغف قلبك تحت أي ظرف , قل كلمة أحبك لمن يستحقها بلا تأجيل , وتقول أسطورة شائعة بين بعض القبائل الأفريقية , وربما هي حقيقة واقعة وليست محض أسطورة , إن رجال القبيلة إذا ما أرادوا الإطاحة بشجرة عملاقة معمرة , ولم يستطيعوا فعل ذلك بوسائلهم المتاحة , فما عليهم سوى الوقوف أمامها ثم الصراخ على نحوٍ مركزّ ومتواصل لبضعة أيام , وبعدها ستنهار الشجرة وتهوي على الأرض .
في الأساطير القديمة , لطالما ارتبطت المشاعر القوية , خاصة الفقد والحزن العميق , بقوى خارقة للطبيعة , تخيل معي (( هاديس )) , إله العالم السفلي في الأساطير الإغريقية , الذي اختطف (( بيرسيفوني )) إلى عالمه المظلم , ألم تشعر (( ديميتر)) , والدة بيرسيفوني وإلهة الحصاد , بقلب مكسور لدرجة أنها أهملت الأرض , فأجدبت وانتشر القحط؟ هذه الصورة المجازية , تعكس كيف يمكن للألم العاطفي الشديد أن يؤثر على الجسد والروح , تمامًا كما تفعل متلازمة القلب المكسور.
أما في الشعر العربي , فكم من قصيدة رثاء فاضت بأنين الفراق ولوعة البعد , خذ على سبيل المثال قول المتنبي في رثاء سيف الدولة : ((أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ تَضَمُّنُهَا الْغَضْرَا عَلَى جَنْبِهَا أَمْ قَدْ تَضَمَّنَهَا الْقَبْرُ؟)) , هذا الشوق الجارف والفقد المؤلم يكاد يكون ملموسًا في ثنايا البيت , إنه ليس مجرد شعور بالحزن , بل هو ألم عميق يستوطن الجسد , أليس هذا ما نشعر به عندما نسمع عن حالات لأشخاص أصيبوا بضعف مفاجئ في عضلة القلب بعد فقد عزيز؟
دعنا نتأمل أيضًا قصة (( ليلى والمجنون )) , قيس بن الملوح , الذي هام حبًا بليلى حتى جن , يمثل قمة العشق الذي يتحول إلى عذاب , ألم يكن قلبه مكسورًا ألف مرة لفرط الشوق واليأس؟ كلماته المتقدة بالشوق والألم هي صدى لما قد يشعر به المصاب بمتلازمة القلب المكسور من ضيق وألم في الصدر, وكأن قلبه يعتصر: ((أَلاَ يَا حَمَامَ الأَيْكِ مَا لَكَ بَاكِيًا أَفَارَقْتَ إِلفًا أَوْ جَفَاكَ خَلِيلُ؟ )) , هذه الأبيات تترجم لنا لغة القلب المكلوم , تلك اللغة التي تتجاوز الكلمات لتصل إلى أعماق الروح .
إن متلازمة القلب المكسور, على الرغم من أنها حالة طبية حديثة الاكتشاف , إلا أنها تجد جذورًا عميقة في فهمنا الإنساني القديم للعلاقة بين العاطفة والجسد , فالأساطير والأشعار تقدم لنا صورًا حية لكيف يمكن للألم العاطفي الشديد أن يترك ندوبًا حقيقية , حتى على مستوى عضلة القلب , أن هذه الظاهرة ليست مجرد عارض طبي , بل هي تجسيد لتجربة إنسانية عالمية عبرت عنها ثقافات مختلفة بأشكال متنوعة , حيث يمكن الربط بين قوة المشاعر الموصوفة في الأدب وبين التأثير الفعلي للإجهاد العاطفي على القلب .
تقول ميس خالد : (( وحينما أكره صمتي أغني , أنا لا أخشى الريح , ولكني , أخشى إرتجاف الضلوعوانكشاف أمري , نصفي بلل نصفي يباس , والصمت مالح التأويل ,
عالقة في زبد من العشق , أتضور شوقا , اسكب وجهك في زيت القناديل , امنح لليالي السمراء فتنتها , صب فراتك في الأحداق الناعسات , وأهمس للشمس أن تبتسم للبنفسج ,
خذ قسطك من تسابيح الوجد , واعتكف زاهدا في فيء نخلتين وتعال أخبرك ,عن عطش السعي , وتأتأة الارتواء عن زعفران اللجوء , وزنجبيل المنفى , عن التنهيدة الحرى , تعال أخبرك عن أزاهير روح كمروج النعيم , حزينة بلا سماء , تجودها بالندى , بلا همس ودود , يثير عطرها بابتهال الريح , تنحّ عن وقارك قليلا وانثر سرك الشغوف في رحاب مناسكي, لظلك أشكوا ليلا , ينحت على جدار سهادي اقصوصة الفناء , ويحمل نعش الامنيات الى فراشها الموجوع ,لأدعون عليك في غسق الدجى يبليك قلب مثلما أبليتني )).

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- شفق نيوز
هل يُعاني التوائم من الحساسية تجاه نفس الأشياء؟
الحساسية، سواء كانت عطاسا ربيعيا بسبب حبوب اللقاح أو صعوبة في التنفس بسبب طعام مُعين، تُسببها مجموعة من العوامل الوراثية والبيئة التي يعيش فيها الشخص. وكلما زادت هذه العوامل المُشتركة بين شخصين، زادت احتمالية إصابتهما بالحساسية تجاه نفس الأشياء. ومن المُرجح أن يُصاب التوائم بالحساسية بسبب كل ما يشتركون فيه، لكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد. فالحساسية مُعقدة للغاية، وتلعب العديد من العوامل دورا في تحديد من يُصاب بها ومن لا يُصاب بها. يُنتج جهازنا المناعي بروتينات دفاعية، وهي أجسام مضادة، وظيفتها مُراقبة ومُهاجمة أي جراثيم دخيلة أو مواد خطرة أخرى تدخل جسمك قبل أن تُسبب لك المرض. تحدث الحساسية عندما يخلط جسمك بين مادة غير ضارة عادةً ومادة دخيلة ضارة. هذه الجزيئات المُحفِّزة هي مُسبِّبات للحساسية. وتلتصق الأجسام المُضادة بمسببات الحساسية، وهو ما يحفز رد فعل الجهاز المناعي . وتُؤدِّي هذه العملية إلى أعراض حساسية شائعة مثل العطاس وسيلان الأنف أو انسداده وحكة في العينين وسيلان الدموع والسعال. وقد تكون هذه الأعراض مزعجة لكنها طفيفة. ويمكن أن تُسبِّب هذه الحساسية أيضا ردَّ فعلٍ مُهدِّد للحياة، وهو ما يُسمَّى بـ "الحساسية المفرطة"، وهو ما يتطلب عناية طبية فورية. على سبيل المثال، إذا تناول شخص ما طعاما يُعاني من حساسية تجاهه، ثمَّ أُصيب بتورم في الحلق وطفح جلدي، فإنَّ ذلك يُعتبر حساسية مفرطة. والعلاج التقليدي للحساسية المفرطة هو حقنةٌ من هرمون ايبينيفرين (المعروف أيضا باسم الأدرينالين) في عضلة الساق. ويُمكن للمُصابين بالحساسية المفرطة أيضا إعطاء أنفسهم حقنة طارئة في حال تعرضهم لنوبة من الحساسية المفرطة التي قد تُهدِّد حياتهم. ويتوفر حاليا أيضا بخاخ أنفيٌّ يحتوي على الأدرينالين، وهو سريع المفعول أيضا. ويمكن أن يُصاب الشخص بحساسية تجاه أشياء خارجية، مثل حبوب لقاح العشب أو الأشجار ولسعات النحل، أو أشياء داخلية، مثل الحيوانات الأليفة والحشرات الصغيرة التي تُسمى عث الغبار والتي تتواجد في السجاد والمراتب. كما يمكن أن يُصاب الشخص بحساسية تجاه بعض الأطعمة. وتُصيب حساسية الطعام ما يتراوح بين 4 و5 في المئة من البشر. وأكثرها شيوعا الحساسية ضد حليب البقر، والبيض، والقمح، وفول الصويا، والفول السوداني، والمكسرات، والأسماك، والمحار، والسمسم. وأحيانا قد يتعافي الشخص من الحساسية مع التقدم في السن، وأحيانا قد تستمر مدى الحياة. لكل جسم مضاد هدف مُحدد، ولهذا السبب قد لا يُصاب بعض الأشخاص بحساسية إلا تجاه شيء واحد. كما تُعنى الأجسام المضادة المسؤولة عن الحساسية بالتخلص من أي طفيليات يصادفها الجسم. وبفضل الطب الحديث، نادرا ما يُصاب الناس في الولايات المتحدة بالطفيليات. ومع ذلك، لا تزال هذه الأجسام المضادة جاهزة للقتال، وأحيانا تُصيب أشياءً غير مهمة، مثل حبوب اللقاح أو الطعام. كما يُمكن أن تلعب النظافة والبيئة المحيطة دورا في مدى احتمالية إصابتك بالحساسية. فكلما زاد تنوع أنواع البكتيريا التي تتعرض لها في مرحلة مبكرة من حياتك، قلّ احتمال إصابتك بالحساسية. وقد أظهرت دراسات أن الأطفال الذين ينشؤون في المزارع، والذين يربون حيوانات أليفة قبل سن الخامسة، والذين لديهم العديد من الأشقاء، أقل عرضة للإصابة بالحساسية. كما أن الرضاعة الطبيعية تحمي الطفل من الحساسية. وعادة ما يكون الأطفال الذين ينشؤون في المدن أكثر عرضة للإصابة بالحساسية، وقد يعود السبب في ذلك إلى تلوث الهواء، والتواجد بكثرة حول أهليهم المدخنين من البالغين. في المقابل، يكون الأطفال أقل عرضة للإصابة بالحساسية الغذائية إذا جربوا الأطعمة في مرحلة مبكرة من حياتهم بدلا من الانتظار حتى يكبروا. وفي بعض الأحيان، قد تساهم وظيفة معينة في إصابة شخص بالغ بالحساسية البيئية. على سبيل المثال، يمكن لمصففي الشعر والخبازين وميكانيكي السيارات أن يصابوا بالحساسية بسبب المواد الكيميائية التي يتعرضون لها. كما يمكن أن تلعب الوراثة أيضا دورا كبيرا في سبب إصابة بعض الأشخاص بالحساسية. فإذا كان أحد الوالدين يعاني من حساسية بيئية أو حساسية غذائية، فإن طفله يكون أكثر عرضة للإصابة بنفس تلك الحساسية. وتحديدا بالنسبة لحساسية الفول السوداني، فإذا كان أحد والديك أو أحد أشقائك يعاني من حساسية الفول السوداني، فإنك تكون أكثر عرضة للإصابة بحساسية الفول السوداني بسبع مرات. هل يتشابهان في الحساسية؟ بالعودة إلى فكرة التوائم: نعم، قد يكون لديهم حساسية تجاه نفس الأشياء، ولكن ليس دائما. فقد وجد باحثون في أستراليا أن ما يتراوح بين 60 و70 في المئة من التوائم في إحدى الدراسات يعانون من حساسية بيئية، وأن التوائم المتطابقة أكثر عرضة لمشاركة الحساسية من التوائم غير المتطابقة. فالتوائم المتطابقة تتشارك بنسبة 100 في المئة من جيناتها، بينما تتشارك التوائم غير المتطابقة في حوالي 50 في المئة فقط من جيناتها، تمامًا مثل أي زوج من الأشقاء. وقد أُجريت أبحاث كثيرة حول جينات حساسية الطعام. ووجدت إحدى دراسات حساسية الفول السوداني أن التوائم المتطابقة أكثر عرضة للإصابة بحساسية الفول السوداني من التوائم غير المتطابقة. لذا، قد يُصاب التوائم بحساسية تجاه نفس الأشياء، ومن المرجح أن يكونوا كذلك، بناء على جيناتهم المشتركة ونشأتهم معا. لكن ليس بالضرورة أ ن يُصابوا بحساسية تجاه نفس الأشياء. تخيل لو فُصل توأمان عند الولادة ونشأ كل واحد منهما في منزل مختلف: أحدهما في مزرعة مع حيوانات أليفة والآخر في وسط المدينة. ماذا لو كان والدا أحدهما مدخنين والآخران لا يدخنان؟ ماذا لو كان أحدهما يعيش مع العديد من الأشقاء والآخر طفل وحيد؟ من المؤكد أنهما قد يُصابان بحساسية مختلفة، أو ربما لا يُصابان بها على الإطلاق. ولا يزال العلماء مثلي يواصلون البحث في الحساسية، ونأمل أن نحصل على المزيد من الإجابات في المستقبل.


موقع كتابات
٢٠-٠٤-٢٠٢٥
- موقع كتابات
مقامة القلب الكسير
يقول أبراهيم البهرزي : (( قال لي من أحب ُّ, والبينُ قد جَدَّ , وفي مهجتي لهيب ُالحريقِ , مالذي في الطريقِ تصنع ُبعدي , قلت ُ أبكي عليكَ طول الطريق )) , وهكذا عندما يهزم الحزن الأرواح , تقول فاطمة الفلاحي : (( يستقرئ قنديل الوهم , لعنة صوتك تدب على قارعة القلب , كسحب من أنين , مترفة بالوجع , تلتصق بروحي , لِمَ تكتبها كإثم على حائط ظنونك , وريح الشك تعصف بصدرك…؟)) , ويقول محمود درويش : (( للحَنينِ أعراضٌ جانبيّة , من بينها إدمانُ الخَيال , النّظر إلى الوَراءْ , والإفراطُ في تَحويلِ الحَاضر إلى ماضٍ )) . متلازمة القلب الكسير , أو اعتلال عضلة القلب الناتج عن الإجهاد , يحدث هذا مباشرةً بعد التعرض لموقف مرهق جسديًا أو نفسيًا , وقد تستمر الحالة بضعة أيام أو أسابيع , ومع العلاج الدوائي , تتم عملية التعافي , وتعرف متلازمة القلب المكسور أيضا بـ (( اعتلال عضلة القلب الإجهادي , التضخم القِمِّي)) , وبالنسبة للبعض (( قلبي مكسور )) ليست مجرد تعبير مجازي عن شدة الحزن على فراق حبيب , بل قد يكون توصيفا حقيقيا لما يشعرون به جراء الإجهاد العاطفي أو المرور بمواقف عصيبة , وهي متلازمة علمية تسمى (( متلازمة القلب المكسور)) , أو كما تعرف بالأوساط العلمية بـ (( اعتلال تاكوتسوبو القلبي Taksotsub )) ,تحدث بعد المواقف المسببة للتوتر, والعواطف الكبيرة , مسببة ألما مفاجئا في الصدر, وأعراضا تشبه أعراض الأزمة القلبية , ويُعتقد أن تدفق هرمون الأدرينالين , وغيره من هرمونات الإجهاد , قد يؤثر على جزء فقط من عضلة القلب , مما يعطِّل وظيفة الضخ الطبيعية للقلب مؤقتا , بينما تستمر بقية أجزاء عضلة القلب بعملها الطبيعي أو قد تحدث انقباضات أكثر قوة. تحمل هذه الأصابة في طياتها حكايات إنسانية عميقة تتردد أصداؤها في الأساطير والأشعار عبر العصور , دعنا نبدأ رحلتنا في استكشاف هذه الظاهرة من خلال عدسة الأدب والفن , مفادها عيشوا حياتكم ولاتكسروا قلوب الآخرين , لا تفعل ما يخالف شغف قلبك تحت أي ظرف , قل كلمة أحبك لمن يستحقها بلا تأجيل , وتقول أسطورة شائعة بين بعض القبائل الأفريقية , وربما هي حقيقة واقعة وليست محض أسطورة , إن رجال القبيلة إذا ما أرادوا الإطاحة بشجرة عملاقة معمرة , ولم يستطيعوا فعل ذلك بوسائلهم المتاحة , فما عليهم سوى الوقوف أمامها ثم الصراخ على نحوٍ مركزّ ومتواصل لبضعة أيام , وبعدها ستنهار الشجرة وتهوي على الأرض . في الأساطير القديمة , لطالما ارتبطت المشاعر القوية , خاصة الفقد والحزن العميق , بقوى خارقة للطبيعة , تخيل معي (( هاديس )) , إله العالم السفلي في الأساطير الإغريقية , الذي اختطف (( بيرسيفوني )) إلى عالمه المظلم , ألم تشعر (( ديميتر)) , والدة بيرسيفوني وإلهة الحصاد , بقلب مكسور لدرجة أنها أهملت الأرض , فأجدبت وانتشر القحط؟ هذه الصورة المجازية , تعكس كيف يمكن للألم العاطفي الشديد أن يؤثر على الجسد والروح , تمامًا كما تفعل متلازمة القلب المكسور. أما في الشعر العربي , فكم من قصيدة رثاء فاضت بأنين الفراق ولوعة البعد , خذ على سبيل المثال قول المتنبي في رثاء سيف الدولة : ((أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ تَضَمُّنُهَا الْغَضْرَا عَلَى جَنْبِهَا أَمْ قَدْ تَضَمَّنَهَا الْقَبْرُ؟)) , هذا الشوق الجارف والفقد المؤلم يكاد يكون ملموسًا في ثنايا البيت , إنه ليس مجرد شعور بالحزن , بل هو ألم عميق يستوطن الجسد , أليس هذا ما نشعر به عندما نسمع عن حالات لأشخاص أصيبوا بضعف مفاجئ في عضلة القلب بعد فقد عزيز؟ دعنا نتأمل أيضًا قصة (( ليلى والمجنون )) , قيس بن الملوح , الذي هام حبًا بليلى حتى جن , يمثل قمة العشق الذي يتحول إلى عذاب , ألم يكن قلبه مكسورًا ألف مرة لفرط الشوق واليأس؟ كلماته المتقدة بالشوق والألم هي صدى لما قد يشعر به المصاب بمتلازمة القلب المكسور من ضيق وألم في الصدر, وكأن قلبه يعتصر: ((أَلاَ يَا حَمَامَ الأَيْكِ مَا لَكَ بَاكِيًا أَفَارَقْتَ إِلفًا أَوْ جَفَاكَ خَلِيلُ؟ )) , هذه الأبيات تترجم لنا لغة القلب المكلوم , تلك اللغة التي تتجاوز الكلمات لتصل إلى أعماق الروح . إن متلازمة القلب المكسور, على الرغم من أنها حالة طبية حديثة الاكتشاف , إلا أنها تجد جذورًا عميقة في فهمنا الإنساني القديم للعلاقة بين العاطفة والجسد , فالأساطير والأشعار تقدم لنا صورًا حية لكيف يمكن للألم العاطفي الشديد أن يترك ندوبًا حقيقية , حتى على مستوى عضلة القلب , أن هذه الظاهرة ليست مجرد عارض طبي , بل هي تجسيد لتجربة إنسانية عالمية عبرت عنها ثقافات مختلفة بأشكال متنوعة , حيث يمكن الربط بين قوة المشاعر الموصوفة في الأدب وبين التأثير الفعلي للإجهاد العاطفي على القلب . تقول ميس خالد : (( وحينما أكره صمتي أغني , أنا لا أخشى الريح , ولكني , أخشى إرتجاف الضلوعوانكشاف أمري , نصفي بلل نصفي يباس , والصمت مالح التأويل , عالقة في زبد من العشق , أتضور شوقا , اسكب وجهك في زيت القناديل , امنح لليالي السمراء فتنتها , صب فراتك في الأحداق الناعسات , وأهمس للشمس أن تبتسم للبنفسج , خذ قسطك من تسابيح الوجد , واعتكف زاهدا في فيء نخلتين وتعال أخبرك ,عن عطش السعي , وتأتأة الارتواء عن زعفران اللجوء , وزنجبيل المنفى , عن التنهيدة الحرى , تعال أخبرك عن أزاهير روح كمروج النعيم , حزينة بلا سماء , تجودها بالندى , بلا همس ودود , يثير عطرها بابتهال الريح , تنحّ عن وقارك قليلا وانثر سرك الشغوف في رحاب مناسكي, لظلك أشكوا ليلا , ينحت على جدار سهادي اقصوصة الفناء , ويحمل نعش الامنيات الى فراشها الموجوع ,لأدعون عليك في غسق الدجى يبليك قلب مثلما أبليتني )).


شفق نيوز
١٢-٠٢-٢٠٢٥
- شفق نيوز
الفيتامينات والكركم والزنجبيل: هل يمكن فعلاً أن تعزز المناعة؟
في صباح يوم شتوي بارد، شعرت وكأنني تركت عقلي وملابسي الدافئة في غرفة التبديل، عندما وقفت على حافة حوض مياه للسباحة. كانت أمامي لوحة، كتب عليها بالطباشير "تنبيه: حرارة المياه اليوم 3.9 درجة مئوية"، وقال لي أحد المعتادين على ارتياد المكان، إنها ليست سباحة في المياه الباردة، إنها سباحة في المياه الجليدية. كيف وصلت إلى هنا؟ ما حدث هو أنني انجذبت إلى فكرة تعزيز أو تقوية الجهاز المناعي، إذ أصبح جسمي مثالاً حياً للإصابة بالفيروسات الأربعة التي تحذرنا منها هيئة الصحة العامة، طوال فصل الشتاء، وانتابتني نوبات متواصلة من البرد والسعال، وأمراض الأمعاء. يؤدي جهاز المناعة لدنيا دوراً كبيراً في مكافحة الفيروسات، وغيرها مما تتعرض له أجسامنا، فلو نظرنا إلى الهواء أثناء الزفير خلال دقيقة واحدة، لوجدنا أنه يحتوي على ما بين 100 إلى 10 آلاف من البكتيريا، و25 ألف فيروس، وفطراً واحداً على الأقل، بحسب البروفيسور، جون تريغونين، المختص في علم المناعة، في جامعة إمبريال لندن. ويقول البروفيسور إنك "تتنفس هذه الأشياء كل يوم، فهناك كميات كبيرة من الكائنات المسببة للأمراض، تسبح في الهواء". ولكن هناك أيضا الكثير من الأطعمة والمكملات الغذائية والنشاطات، المعروفة بخصائصها المعززة للمناعة، فهل بإمكاننا تقوية مناعتنا حقاً؟ هل يمكن للسباحة في الماء البارد أن تقي من المرض؟ لهذا وجدت نفسي أتخبط في الماء، في هذا البرد القارس. كان الماء الجليدي يحرق جلدي، وكل ما فكرت فيه حينها، هو الوصول إلى الطوافة، دون الحاجة إلى مساعدة من حراس الإنقاذ. ولكن الدراسات بينت أن الماء البارد يجعل الأدرينالين يملأ مجرى الدم بالخلايا المكافحة للعدوى. فالخلايا البيضاء، التي يمكنها أن تنتج المضادات الحيوية أو تهاجم الأنسجة المصابة، تخرج من أماكنها الاعتيادية في دوريات بالجسم، اعتقاداً منها بحدوث عدوى. "وبعد ساعات قليلة تعود كل الأمور إلى ما كانت عليه من قبل" كما توضح البروفيسور إلينور رايلي، المختصة في علم المناعة بجامعة إدنبره. وتضيف أنه "ليس هناك أي دليل على أن الذين يسبحون في الماء البارد أقل عرضة لنوبات البرد أو أقل عرضة للعدوى". التمارين الرياضية المنتظمة قد تجدد الجهاز المناعي قد لا يكون هناك دليل على فعالية الماء البارد، ولكن التمارين الرياضية المنتظمة قد تنفعك. يصاب البالغون في المعدل بالبرد من مرتين إلى ثلاث مرات في العام، أما الأطفال فيصابون من خمس إلى ثمان مرات، حسب الدكتورة ماغريت ماكارتني، الطبيبة العامة، والخبيرة في الطب القائم على الدليل، بجامعة سانت أندروز. ولكن الناس الذين يمارسون قدراً معتدلاً من التمارين الرياضية، يصابون عدد مرات أقل بالفيروسات، وفق ماكارتني. وتقول إنه "ليس هناك تجارب سريرية قطعية، ولكن جميع البيانات، التي بحوزتنا تشير إلى أن الرياضة مفيدة لك. ولكنها ليست علاجاً سحرياً". وتفيد الدراسات المختبرية بأن التمارين الرياضية المنتظمة قد تؤخر شيخوخة جهاز المناعة، إذ تبدأ دفاعات الجسم في التراجع بداية من عمر العشرينات، ولكن الدراسات كشفت أن سائقي دراجات في عمر الثمانين، لهم أجهزة مناعية أصغر من أعمارهم، بعشرات السنين. وتقول ماكارتني: "أعرف أن التجارب، التي أجريت حتى الآن، ليست كافية، ولكنني سأخصص وقتاً أكبر بكثير لركوب الدراجة". ماذا عن الفيتامينات؟ أول ما يخطر ببالي حين الحديث عن الفيتامينات هو فيتامين سي، بسبب الكميات الهائلة التي أتناولها من البرتقال أو في شكل حبوب. تقول ماكارتني: "بالنسبة لي، هذا غير صحيح"، إذ أن نقص فيتامين سي قد يضعف الجهاز المناعي، ولكن بالنسبة للأغلبية لا فائدة من الحصول على فائض منه، والأمر نفسه ينطبق على الفيتامينات المتعددة، التي ترى الدكتورة ماكارتني أنها لا تنتج إلا "إدرار البول". ولكن الدليل على فعالية فيتامين دي محل جدل، ذلك لأن فيتامين دي ينخفض في الشتاء، إذ أنه يتشكل في الجسم عندما يتعرض الجلد لأشعة الشمس. وتقول الدكتورة ماكارتني: "أعتقد أن الأدلة تشير إلى فائدة محتملة بالنسبة للمصابين بأمراض تنفسية، ويعانون من نقص حاد في فيتامين دي"، ولكن لا يمكن إثبات أنه ينفع جميع الناس. وبينما تفكر فيما قد تضعه في سلة مشترياتك، لا يزال الباحثون ينظرون فيما إذا كانت مادة البروبيوتيك التي تحول بكتيريا النبيت المجهري الطبيعي في الأمعاء، مفيدة للمناعة. وتقول الدكتورة ماكارتني: "أعتقد أن هذا مجال جدير بالدراسة، ولكن ليس بحوزتنا بيانات عالمية حقيقية، تسمح لنا بالتوصية بذلك". وتضيف أن مشروبات الكركم والزنجبيل لا تفيد في تعزيز المناعة. انتبه إلى الوقت قدرات جهاز المناعة تختلف من وقت لآخر خلال اليوم. يقول البروفيسور رايلي إن "جهاز مناعتنا أكثر فاعلية في الصباح الباكر، وقت الاستيقاظ، ويبقى فعالاً خلال الساعات الأولى من اليوم، ثم يبدأ بعدها في التراجع". لذلك فإنك تشعر بقوة نزلة البرد في الصباح أكثر، لأن الأعراض تظهر نتيجة مقاومة الجهاز المناعي، الذي يعمل وقتها بكامل طاقته. ويبدأ التراجع في حوالي الرابعة أو الخامسة مساء، وتساعد المطاعيم في توفير حماية أفضل. وبما أن الجهاز المناعي يعمل بدورة 24 ساعة، فإن التزام النشاط اليومي الاعتيادي، بدل السهر لوقت متأخر في الليل، ثم البقاء في السرير لوقت أطول في نهاية الأسبوع، قد يساعد في تعزيز جهازك المناعي، حسب البروفيسور رايلي. توقف عن الإضرار بالدفاعات المناعية وبينما نفكر في تعزيز جهازنا المناعي، علينا أن نتذكر أن هناك أشياء تزيد من ضعفه أمام العدوى. ويعد التدخين أحد أكبر هذه العوامل، لأنه يضر بالرئتين مباشرة، فتصبح أقل فاعلية في التصدي للفيروسات. "لو تصورنا الرئتين في شكل غربال، فالتدخين يحدث ثقوبا في الغربال، ويسمح بدخول كميات أكبر من الهواء المليء بالعدوى"، بحسب البروفيسور تريغونين. ويمكن أن يُفاقم التدخين من الالتهابات في الجسم، التي تعمل كمؤشر الحرارة بالنسبة للجهاز المناعي، وهي أيضا جزء الطريقة التي يتعامل بها الجسم لمكافحة العدوى. ولكن "الالتهابات الكبيرة" مضرة، لأنها تحدث خللاً في الجهاز المناعي، فيكون رده أقل فاعلية. والبدانة أيضاً عامل آخر يمكنه أن يجعل الشخص أكثر عرضة للعدوى بزيادة الالتهابات في الجسم، وهما عاملان يصعب على الناس وقفهما أو عكس مفعولهما، ولكنها ربما الأكثر قابلية للتغيير لدى البعض. تجنب التوتر إذا استطعت التوتر المستمر يرفع مستوى هرمون الكورتيزول في الجسم، ويعمل الكورتيزول على إضعاف الجهاز المناعي، وهو ما قد يجعلك أكثر عرضة للعدوى. بخاخات الأنف ربما رأيت منتجات في الأسواق من بخاخات الأنف لمكافحة أعراض البرد. كشف تقرير نشرته مجلة لانسيت أن هذه السوائل لها فعالية بالفعل. وخلال الدراسة، تم إعطاء آلاف الأشخاص محاليل ملحية على شكل بخاخ أو مادة هلامية، وطُلب منهم استعمالها ست مرات في اليوم، إذا شعروا بأعراض البرد. فكانت النتيجة أن الذين لم يستخدموا البخاخات قضوا معدل ثمانية أيام يعانون من أعراض المرض، بينما تقلصت المدة إلى ستة أيام بالنسبة للذين استعملوا البخاخ أو المادة الهلامية. وتقول الدكتورة ماكارتني إن المادة، التي تباع في الأسواق بعلامة تجارية، ليست أكثر فاعلية من محلول الماء والملح الذي يمكن إعداده في المنزل. هل يمكن فعلا تعزيز الجهاز المناعي؟ تقول البروفيسور رايلي: "إذا كنت تفعل ما ينبغي للاهتمام بصحتك، بعدم التدخين، وبتناول الأغذية الصحية، وممارسة النشاط الرياضي، فإن جهازك المناعي يعمل بأفضل طاقة ممكنة للتصدي للعدوى". لكن: هل يمكنك أن تفعل شيئا لتعزيز قدراتك المناعية أكثر من شخص في صحة جيدة؟ الإجابة ببساطة: لا دليل علمي على أن ذلك ممكن. "وأيضاً المطاعيم يمكنها تحسين مناعتك ضد عدوى معينة" كما تقول البروفيسور رايلي، وتضيف: " وربما بدل أن تنفق أموالك على أحدث المنتجات لتعزيز المناعة، من الأفضل أن تبحث عن السبل التي تجنبك العدوى في المقام الأول".