logo
#

أحدث الأخبار مع #بيرلهاربر،

الدولة العميقة
الدولة العميقة

اليوم السابع

time٠١-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • اليوم السابع

الدولة العميقة

"الدولة العميقة" مصطلح يطفو على السطح بين الحين والآخر، ولكن بات من المتعارف عليه أنه يقصد به مؤسسة أو مؤسسات يتواجد بها مسؤولين غير منتخبين، بينما يبقى تغييرهم، من قبل السلطة الحاكمة، على نطاق ضيق، في ضوء محدودية البدائل، بالإضافة إلى انتماء عناصرها لنفس المدرسة، التي تعتمد بالأساس نهجا معينا، يتم من خلاله توجيه سياسات الدولة، وهو ما يساهم في شيطنتها في أحيان كثير من قبل الأنظمة الحاكمة، خاصة إذا ما كانت الأمور غير مستقرة، جراء انقسامات أو استقطابات قد تصل إلى حد الفوضى، في بعض الأحيان، بينما تبقى مستقرة في حالة الاستقرار، في ضوء توافقها مع السلطات الحاكمة، على الخطوط العريضة للسياسات العامة للدولة وثوابتها، وعلاقاتها الخارجية، وحدود تحالفاتها وحتى عداوتها مع المحيط العالمي. فتاريخيا، كانت الولايات المتحدة، تتبع نهجا حياديا، إبان حقبة الحروب العالمية، وقبل ذلك، ولم تسقط في مستنقع الحرب إلا بعد الهجوم الذي استهدف أسطول "بيرل هاربر"، من قبل طائرات يابانية، وما ارتبط بتلك الواقعة من أقاصيص دارت بعضها حول حقيقتها المطلقة، وأخرى كونها "خدعة" من إدارة الرئيس فرانكلين روزفلت نفسها، والتي كانت ترغب في دخول الحرب، مما دفعها إلى استفزاز اليابان لإجبارهم على الهجوم على الأسطول، وبالتالي تغيير قواعد الحياد، وهو ما لم يكن لواشنطن الإقدام عليه دون حدث جلل يهز كبريائها، ويدفع "الدولة العميقة" إلى مباركة التدخل المباشر على خط المعركة ضد دول المحور، وذلك بالرغم من انتمائها منذ اللحظة الأولى إلى دول الحلفاء، ودعمه سياسيا، دون السقوط في مستنقع الحرب. وهنا كان قرار واشنطن للدخول المباشر في الحرب العالمية الثانية، وإن كان قد أتى ظاهريا بقرار الرئيس روزفلت، فإنه تجاوز في جوهره الإدارة الحاكمة في البيت الأبيض، في إطار رؤى مؤسساتية حاكمة، لها سلطاتها في توجيه سياسات الدولة، آثرت الحياد العسكري لعقود طويلة من الزمن، بينما اضطرت مرغمة على الدخول في المعركة بعد استهدافها والنيل من كبريائها، وهو الأمر الذي سبق في واقع الأمر ظهور مصطلح "الدولة العميقة"، والذي يبدو حديث نسبيا بالنظر إلى تاريخ العلاقات الدولية، حيث لم يبزغ بصورة كبيرة سوى في التسعينات من القرن الماضي، بينما تجلى بصورة أكبر بعد ذلك في مواقف متعددة، ربما أحدثها مع صعود دونالد ترامب مجددا إلى الرئاسة الأمريكية، والمعروف بعدائه للمؤسسات، وكذلك في أروقة السياسة الإسرائيلية، جراء الخلاف الكبير بين رئيس الحكومة العبرية بنيامين نتنياهو ومؤسساته، وهو ما ظهر مؤخرا في أزمة إقالة رئيس الشاباك رونين بار. ولعل السرد السابق يكشف حقيقة مفادها أن المفهوم ليس جديدا على الإطلاق، فهو موجود، في إطار الممارسة السياسية للدول، والتي سبقت في واقع الأمر ظهور المصطلح نفسه، وهو ما يعكس العديد من أبعاده، والتي تدور حول الحفاظ على ثوابت الدولة التي تمثل جزءً لا يتجزأ من شخصيتها الاعتبارية، سواء في إدارة علاقتها مع المؤسسات والمواطنين في الداخل، أو في تحديد توجهاتها الدولية، بحيث لا تطغى عليها أية ميول، قد تكون "شاذة" عن الأطر المتعارف عليها، والتي تحولت بفعل الزمن إلى سمات لصيقة بالدولة. وبعيدا عن محاولات "شيطنة" المفهوم، فإنه يمثل في أحد أبعاده المهمة، أداة الدولة لكبح جماح "الأيديولوجيات" بمختلف توجهاتها، فلو نظرنا إلى الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، وهو يمثل التيار المحافظ، الذي يسعى إلى تعزيز البعد القومي، نجد أن الرؤساء الأمريكيين المنتمين له لم يتجاوزوا خطوطا معينة، سواء فيما يتعلق بقبول المهاجرين واللاجئين، والترويج لمبادئ الديمقراطية والرأسمالية والتجارة الحرة، أو حتى ما يرتبط بالحريات الدينية والجنسية، حتى وإن كان بعضها مخالفا لجوهر الأيديولوجية الحزبية، في إطار الالتزام بالثوابت التي وضعتها "الدولة العميقة" على اعتبار أن هذه المبادئ هي في الأساس التي انطلقت منها أمريكا، ورسمت من خلالها شخصيتها الدولية، باعتبارها البوتقة التي تذوب بداخلها القوميات والعرقيات والأديان والأجناس، ومنها استلهمت قيادتها للعالم، عبر محاولات تصديرها للعالم الخارجي، بدءً من أوروبا الغربية أولا ومنها إلى العالم بأسره في أعقاب الحرب الباردة وانطلاق زمن الهيمنة الأحادية. تلك الحالة المتوازنة بين السياسة والأيديولوجية، التي تخلقها "الدولة العميقة"، تمثل في بعض الأحيان تعارضا يصل إلى حد الصراع، مع رؤى السلطة الحاكمة، على غرار الوضع الراهن في إسرائيل، خاصة مع الإصرار على تقويض كافة محاولات بنيامين نتنياهو للتنصل من ملاحقته قضائيا في قضايا الفساد، والتي يراها وأنصاره حرب "تكسير عظام" ينبغي أن تنتهي بالقضاء عليها، أو بالسيطرة عليها عبر استبدال القائمين عليها بعناصر موالية لهم تحمل نفس الأيديولوجية، وهو ما تواجهه صعوبات إجرائية ودستورية، في أغلب الأحيان، منها ارتباط المسؤولين بها بمدد محدد، أو عوائق أخرى، على غرار حظر إقالتهم، ليتمتعوا بصلاحيات نسبية، تمكنهم من تعزيز الثوابت. وبالنظر إلى تجربة ترامب في الولايات المتحدة، ومقارنتها بالتجربة الإسرائيلية، نجد أن ثمة خلافا جذريا يتجلى في حنكة الحزب، ومرونته الأيديولوجية في التعاطي مع قوة "الدولة العميقة" ومدى سيطرتها على زمام الأمور، وهو ما يمثله الرئيس ترامب، والذي جاء إلى البيت الأبيض، في المرة الأولى، في لحظة فارقة، بدا فيها الشارع السياسي مؤهلا للمعركة التي سيخوضها الرجل ضد المؤسسات، في ضوء حالة من الامتعاض العام جراء سنوات من التراجع الاقتصادي، بلغ ذروته في عهد بوش الإبن، جراء الأزمة المالية العالمية، وما نجم عنها من تداعيات، ناهيك عن الغضب العارم على خلفية المليارات التي تكبدتها الخزانة في حروب مختلفة، بينما لم يتمكن خليفته باراك أوباما من احتواء الأوضاع بصورة كبيرة، لتظهر الحالة الملحة إلى التغيير، فجاء الحزب الجمهوري بمرشح يعبر عن أيديولوجيته الفجة مدعوما بتيار شعبي مؤيد له، مما ساهم في تراجع المؤسسات نوعا ما خلال ولايته الأولى، والتي استعادت توازنها في حقبة جو بايدن، لتعود المعركة مجددا في هذه الأثناء مع عودة الرئيس ترامب. وأما في إسرائيل، فلا يبدو نتنياهو وتياره يحظون بنفس الشعبية في الداخل، خاصة مع فشله الذريع في معركته الطويلة في غزة، وعجز جيشه النظامي في القضاء على مجموعة من الفصائل، ناهيك عن عدم قدرته على استعادة الرهائن، اللهم إلا باتفاق ووساطات إقليمية، استعاد بها بعضهم، وكذلك نجاح القوى الإقليمية في التصدي إلى مخططاته الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية، وفي القلب منها دعوات التهجير، وهو ما أسفر عن تراجع شعبية الحكومة، وبالتالي دعم أي رؤى، قد تبدو متوازنة، خاصة وأن هناك إدراكا عاما بأن معركة نتنياهو ضد الدولة العميقة لا تخرج عن كونها حرب للبقاء في السلطة، وذلك في محاولة للنجاة من مصير غير معلوم مدا، وهو ما ترجمه الغضب الشعبي جراء إقالة رئيس الشاباك، في إطار احتجاجات دارت بين الكنيست ومقر إقامة رئيس الوزراء. وهنا يمكننا القول بأن الدولة العميقة، تمثل في جوهرها شخصية الدولة، وقوتها ترتبط في قدرتها على فرضها، سواء على الأنظمة الحاكمة، في الداخل، بحيث لا تطغى عليها الأيديولوجيات، وفي الخارج عبر تصدير رؤيتها وتعميمها، أو على الأقل تمثيلها بما يتوافق مع ثوابتها، ودون الإخلال بها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store