منذ 11 ساعات
لماذا تتجه شركات الأدوية الكبرى إلى الصين؟
صفقات ترخيص بمليارات الدولارات تعزّز موقع الصين كمركز رائد للتقنية الحيوية
وفرة المهندسين الشباب وانخفاض أجورهم في الصين تمنح قطاع التقنية الحيوية دفعة قوية
من الذكاء الاصطناعي إلى الصناعات الدفاعية، سجّلت الصين هذا العام إنجازات لافتة على غرار "ديب سيك"، في تأكيد متجدد على أنها لم تعد مصنعاً للعالم فحسب، بل أصبحت قوةً قادرةً على منافسة الولايات المتحدة تقنياً. واليوم، امتدت هذه الأضواء إلى قطاع التقنية الحيوية
.
في أواخر مايو، وافقت شركة "فايزر" على دفع مبلغ قياسي قدره 1.25 مليار دولار مقدّماً، لترخيص عقار تجريبي لعلاج السرطان من شركة "ثري إس بايو
" (3SBio)
في شنيانغ كما استثمرت 100 مليون دولار في أسهم الشركة المدرجة في بورصة هونغ كونغ. وبعد أسبوعين فقط، أعلنت "بريستول-مايرز سكويب
" (Bristol-Myers Squibb)
أنها ستدفع 1.5 مليار دولار غير مشروطة لشركة "بيونتك
" (BioNTech)
لترخيص عقار مشابه لمعالجة السرطان، وكسبت من ذلك "بيونتك" التي استحوذت أواخر العام الماضي على شركة "بيوثيوس
"(Biotheus)
الصينية التي طورت العقار مقابل 800 مليون دولار
.
حماسة استثمارية
باتت شركات الأدوية الكبرى ترى أكثر فأكثر في شركات التقنية الحيوية الصينية قوّة تحدث تحولاً في المشهد التقليدي. تفتح الصفقتان الأخيرتان الطريق أمام "فايزر" و"بريستول-مايرز سكويب" لمنافسة عقار "كيترودا
" (Keytruda)
من "ميرك آند كو
" (Merck & Co)
، الذي يُعد الدواء الأكثر مبيعاً في العالم. ويعتمد عقار "ثري إس بايو" على النهج العلاجي نفسه الذي طوّرته شركة "أكيسو
" (Akeso)
الصينية وتفوّق على "كيترودا" في إحدى التجارب السريرية. وكانت شركة "سوميت ثيرابيوتكس
" (Summit Therapeutics)
الأميركية قد حصلت على حقوق هذا العلاج في أواخر 2022 مقابل نصف مليار دولار مقدماً
.
أشعلت هذه الصفقات المليارية حماسة المستثمرين والمصرفيين، إذ قفز مؤشر "هانغ سنغ للتقنية الحيوية" بنحو 60% منذ بداية العام، مقارنة بتراجع نسبته 6.5% في مؤشر "ستاندرد آند بورز بيوتيك
".
سياسات ترمب
تنبئ المؤشرات بأن وتيرة الصفقات المتسارعة والزخم المتنامي لقطاع التقنية الحيوية في الصين لن تكون مجرّد موجة عابرة بل هي توجّه قابل للاستمرار تدفعه أساسياً السياسات الاقتصادية للرئيس الأمريكي دونالد ترمب
.
فمع تهديد ترمب بخفض أسعار الأدوية المتوفرة بموجب وصفة طبية بنسبة "59% وأكثر"، إلى جانب اقتطاعات متوقعة في برنامجي "ميديكيد" و"ميديكير" ضمن مشروعه الضخم للضرائب والإنفاق، تواجه شركات الأدوية الكبرى خطر تراجع أرباحها. وقد يدفع ذلك هذه الشركات إلى تقليص نفقات البحث والتطوير التي تقوم بها داخلياً، والتوجّه إلى الصين، حيث تُعد التجارب البشرية في المراحل المبكرة أقل كلفة وأسهل تنفيذاً، رغم أوجه الشبه من حيث معايير السلامة
.
حتى الآن، ما يزال قطاع التقنية الحيوية بمنأى نسبياً عن الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب، ما يجعله ملاذاً آمناً في نظر المستثمرين العالميين. وفي حين تُستخدم المعادن الأرضية النادرة وتسليمات طائرات "بوينغ" كورقة ضغط تفاوضية، تُبقي بكين قطاع الصحة العامة خارج هذه الحسابات، فهي مستمرة باستيراد منتجات طبية أميركية، منها عقار "لوربرينا
" (Lorbrena)
لعلاج سرطان الرئة من "فايزر"، ولقاح "غارداسيل
" (Gardasil)
للوقاية من سرطان عنق الرحم من "ميرك". هذه العلاقة الطيبة مع بكين تتيح لشركات الأدوية الكبرى إبرام صفقات ترخيص مع شركاء محلّيين في السوق الصينية
.
كذلك، قد تسعى شركات الأدوية العالمية وصناديق رأس المال المغامر إلى شراء حصص في شركات التقنية الحيوية الصينية، تماماً كما فعلت "فايزر" الشهر الماضي. في ظل تراجع تمويل القطاع، بالأخص في الصين، تواجه الشركات الناشئة صعوبة في تطوير أدويتها بشكل مستقل، ما يدفعها للمطالبة بدفعات أولية كبيرة مقابل منح التراخيص، وهو ما يمدّ الشركات الغربية بقدرة تفاوضية أكبر لعقد صفقات بشروط مريحة
.
وفرة المهندسين
لكن ما نفع الابتكار بلا كفاءات بشرية؟ إن مكاسب الصين من المهندسين "يُرجحه تعاظمه خلال الأعوام المقبلة، في ظل سياسات البيت الأبيض المتشددة، التي تتوعّد بـ"إلغاء التأشيرات" للطلبة الصينيين في "الاختصاصات الحساسة
".
لقد انخفض عدد الطلاب الصينيين في الولايات المتحدة 22% مقارنة بذروته قبل الجائحة، ويُعزى ذلك في جزء كبير منه إلى تصاعد المشاعر المعادية للآسيويين خلال أزمة كوفيد. ومع استمرار هذا التوجه، قد يختار مزيد من الطلبة البقاء في الصين والانخراط في شركات ناشئة واعدة، بدلاً من متابعة تعليمهم في الجامعات الأمريكية
.
بيّن مجلس الدولة الصيني أن عدد المهندسين في البلاد ارتفع من 5.2 مليون في عام 2000 إلى 17.7 مليون بحلول 2020. وتُعدّ الهندسة والطب من أكثر التخصصات جذباً للطلاب في برامج الدراسات العليا
.
يشكّل من هم دون الثلاثين 44% من إجمالي المهندسين في الصين، مقارنة مع 20% فقط في الولايات المتحدة، وفقاً لبيانات جمعتها شركة "كاييوان سيكيوريتيز
" (Kaiyuan Securities).
ونتيجة لهذا الفارق الديموغرافي، لا تتجاوز أجور الباحثين في الصين نحو ثمن ما يتقاضاه نظراؤهم في الولايات المتحدة. بعبارة أخرى، المهندسون في الصين شباب، ومنخفضو التكلفة، ومتوفّرون بكثرة
.
فتجتمع بالتالي عدّة عوامل تصب في صالح القطاع، من شركات إستراتيجية تسعى إلى خفض التكاليف والاستعانة بمصادر خارجية للبحث، وسلطة تنظيمية محلية متساهلة نسبياً، وكفاءات بشرية تنافسية
.
لقد بدأ قطاع التقنية الحيوية في الصين يخطف الأنظار
.
خاص بـ "بلومبرغ"