logo
#

أحدث الأخبار مع #بييربورديو

معاداة الجغرافيا
معاداة الجغرافيا

الرياضية

time٠٥-٠٧-٢٠٢٥

  • رياضة
  • الرياضية

معاداة الجغرافيا

حين انتصر الهلال على مانشستر سيتي الإنجليزي، كان في صفوفه عدد من اللاعبين المحليين يفوق ما كان لدى الفريق الإنجليزي نفسه. وعلى النقيض، حين خسر الهلال أمام فلومينينسي البرازيلي، كان الفريق البرازيلي مكوّنًا بالكامل من لاعبين ينتمون لقارة واحدة، بينما جاء لاعبو الهلال من أربع قارات مختلفة. يالها من مفارقة حين انتصرت الجغرافيا في المرتين. بالنسبة لنا واحدة علت قمة المجد، والأخرى جلبت الخيبة. كلتا المباراتين تدعوان للتفكير في الجغرافيا، لا بوصفها حدودًا سياسية بل منظومة ثقافية واجتماعية واقتصادية. نعم فرح كثير من العرب بفوز الهلال على مانشستر سيتي، واعتبروا النادي السعودي ممثلًا لهم في المحافل العالمية. لكن الجغرافيا لا تؤيد هذا الادعاء. فالهلال في صيغته الحديثة أقرب إلى فريق عابر للحدود مستعينًا بخبرات من قارات مختلفة، ولغات متباينة، وثقافات متعددة. فهل كان الهلال حينها «سعوديًا» أو «عربيًا» فعلاً؟ أم أن الفخر لم يكن إلا فرحًا صنعته النتيجة لا التكوين؟ فالفريق المكوّن حاليًا لا يرتبط بمحيطه كما يفعل اللاتينيون أو أفارقة صنداونز مثلًا، ولاعبوه لا يلهمون النشء بخطاب حماسي بلسان مبين. في علم الاجتماع الرياضي، يشير بيير بورديو إلى أن الرياضة ليست مجرد لعبة، بل فضاء اجتماعي يعكس التراتب والرموز والقيم التي تنتجها المجتمعات. ومن هذا المنطلق، فإن الفرق التي تُبنى على تنوع جغرافي مفرط دون تجانس ثقافي، قد تفقد ارتباطها بالبيئة الاجتماعية التي تمثلها، وتتحول إلى «كيانات هجينة» ساعدت على الظهور اللحظي المميز. إن الرهان على التنوع في تشكيل الفرق قد ينجح على المدى القصير، خصوصًا في المنافسات الدولية حيث الأداء فيصلًا، لكنه على المدى الطويل من شأنه أن يُضعف الهوية الكروية الوطنية، ويقلّص من فرص تطوير قاعدة محلية صلبة من اللاعبين والفنيين والإداريين. وهنا يمكن قراءة هزيمة الهلال أمام فلومينينسي لا مجرد خسارة مباراة، بل إشارة رمزية لفكرة الفريق الذي «يستقطب من كل مكان» مقابل فريق مولود من نسيج مجتمعه محتفظًا بجذوره الثقافية والجغرافية. بطولة العالم في فكرتها محاولة لتمكين الملاعب حول العالم من تقديم ذواتها، فهي توازي المنتخبات في التعبير عن جودة محيطها بالدرجة الأولى، لاسيما دوريات الظل. لا دعوة للانغلاق أو رفض الاستفادة من الخارج، بل لطرح سؤال جوهري: كيف نوازن بين الاحتراف والانتماء؟ وكيف نجعل من أنديتنا أن تقول هذه كرتنا بجغرافيتها وأقوامها المتقاربين؟ وكيف نبني فرقًا تمثلنا لا فقط تفوز باسمنا؟ إجابات منتظرة كي لا نكون للاستقدام مدمنون، وللجغرافيا معادون.

شعبوية المثقف.. انحراف نحو التبسيط
شعبوية المثقف.. انحراف نحو التبسيط

الاتحاد

time١٧-٠٦-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الاتحاد

شعبوية المثقف.. انحراف نحو التبسيط

شعبوية المثقف.. انحراف نحو التبسيط ليست الشعبوية مجرد خطاب سياسي أو أداة في يد الزعماء الشعبويين، بل يمكنها أن تتسلل أيضاً إلى المجال الفكري، حيث لا يُتوقّع وجودها. فما يسميه بعض علماء الاجتماع «الشعبوية الفكرية» populisme intellectuel يشير إلى موقف يستخدم فيه المثقف هيبتَه الأكاديمية لتبسيط النقاشات المعقدة، وإنتاج ثنائيات جذابة، مع تجاهل الدقة والمساءلة النقدية. هذه الظاهرة، وإن بدت هامشيةً، تُلحق ضرراً بالغاً بجودة الحوار العام وبمسؤولية منتجي المعرفة في مجتمعاتنا. من منظور فلسفي، ترتكز الشعبوية الفكرية على موقع «العلو المعرفي»، حيث يتقمص المثقف دورَ حارس الحقيقة في مواجهة «منظومة فكرية» مزعومة يصفها بأنها مهيمنة أو منحازة، سواء أكانت أكاديمية أم مؤسساتية أم أيديولوجية. وهنا، يظهر هذا المثقف بوصفه مقاوماً أو مهمشاً، بينما يستخدم قنوات التأثير الأكثر شهرة وانتشاراً لفرض قراءة أحادية للواقع. هذا النمط من الهيمنة الخطابية سبق أن نبّه إليه بيير بورديو في حديثه عن «القول المأذون»، والذي بوسعه فرض أطر تأويلية باسم الموضوعية، في حين أنه يُنتج تأثيرات اجتماعية وسياسية ملموسة. أما من زاوية سوسيولوجية، كما نجد عند كريغ كالهون ونانسي فرايزر، فإن الشعبوية الفكرية تهدف غالباً إلى كسب «رأسمال من الصدى الشعبي»، من خلال تبسيط التعقيد الفكري. فهي لا تسعى إلى التوضيح بقدر ما تميل إلى التعميم، ولا إلى إثارة الأسئلة بقدر ما تسعى إلى تأكيد المسلّمات. العالم يُقسّم فيها إلى أخيار وأشرار، إلى مستنيرين ومضلّلين، إلى شجعان وخانعين. وتُميَّز هذه الشعبوية بخطاب يقوم على الثنائيات، والتعميمات الجارفة، والشكّ الدائم في البحوث التجريبية أو المناهج الدقيقة، مع النزوع إلى تثبيت الهويات والاختزال الفكري. غير أن أكسل هونيث يذكّرنا بأن الاعتراف الفكري الحقيقي يتطلّب وساطةً نقدية مع الآخر، لا تصنيفه وشيطنته. فدور المثقف ليس في تأكيد قناعات الجمهور، بل في إدخال الشك حيث تسود اليقينيات، وفي إخضاع الفكر لحدوده الخاصة، وتجنّب إغراء السلطة المعرفية. والمعرفة، إن كان لها دور في المجال العام، فهو أن تُعلّمنا كيف نفكر ضد أنفسنا، كما قال ميشيل فوكو، أي أن نخرج من ردود الأفعال الهوياتية ومن الإغراءات الأخلاقية المريحة. إن الشعبوية الفكرية تحول المثقفَ من ناقد إلى مؤدلِج، ومن باحث عن المعنى إلى موزّع للأحكام. وعندما يتحول المفكر إلى مهاجم ينقسم معه العالَم إلى «يمين» و«يسار»، أو يجعل من مفاهيم مثل «التقاطع» فزّاعة أيديولوجية.. فإنه يضلل النقاش ويجرّه نحو الابتذال.لكن هذا الانحراف لا ينشأ من العدم. فهو وليد الاستقطاب الاجتماعي، وانعدام الثقة في المؤسسات، والتحوّل في المشهد الإعلامي، حيث يغلب منطق الجاذبية على منطق العمق. المعرفة تصبح أداة تمييز واستعراض، والمثقف يتحول إلى شخصية هجينة تجمع بين الخبير والمحرّض، بين الرغبة في الشهرة وادعاء امتلاك الحقيقة. لا يعني ذلك رفضَ كل أشكال الالتزام الفكري، فمسار الفكر حافل بمن جمعوا بين النقد والفضيلة. إنما المقصود هو مقاومة إغراء التبسيط، ورفض تحويل الأسئلة المعقدة إلى إجابات سريعة. المطلوب اليوم هو إعادة تأكيد أخلاقيات الفكر القائمة على بطء التحليل، واحترام التعدد، والابتعاد عن البطولة الزائفة. وفي زمن تعلو فيه الأصوات وتنتشر الاختزالات، يصبح التفكير نفسه فعل مقاومة. إذ لسنا بحاجة إلى خطباء ملهمين بقدر ما نحتاج إلى مفكرين صبورين، يرفضون الانسياق، ويعيدون للمعنى هيبته. *أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة

الأوليغارشية اللبنانية... تطويع أدوات الديمقراطية لفرز النخب ذاتها
الأوليغارشية اللبنانية... تطويع أدوات الديمقراطية لفرز النخب ذاتها

Independent عربية

time٢٦-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • Independent عربية

الأوليغارشية اللبنانية... تطويع أدوات الديمقراطية لفرز النخب ذاتها

شكلت الانتخابات البلدية الأخيرة في لبنان، التي انطلقت منذ الرابع من مايو (أيار)، مرآة واضحة للأوليغارشية السياسية التي تحكم البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية، التي ما زالت تعيد إنتاج نفسها عبر أدوات تقليدية وحديثة، على رغم التغيرات الاجتماعية والسياسية التي طرأت في الأعوام الأخيرة. إعادة تدوير النخب ليست الأوليغارشية اللبنانية مجرد طبقة من الأثرياء، بل هي تحالف بين رأس المال السياسي (الزعامات الطائفية) ورأس المال النقدي (رجال الأعمال والمصارف)، التي تسيطر على مفاصل الدولة، وتتحكم بتوزيع الموارد والخدمات. وتجلى ذلك في كثير من البلديات، بحيث لم يكن هناك تغيير حقيقي في البنية الحاكمة، بل استبدلت وجوه قديمة بأبناء أو أصهار أو مستشارين يدينون بالولاء نفسه للزعيم التقليدي، في عملية تدوير للنخب نفسها وإنما بوجوه جديدة. وظهر ذلك جلياً في المدن الكبرى وعند مختلف الطوائف اللبنانية الشيعية والسنية والمسيحية والدرزية، وبقيت الكلمة الفصل للقوى السياسية ذاتها، وإن بغطاء "مستقل" في بعض الأحيان. تحالف المال والخدمات مع الصوت الانتخابي يقول أحد المتابعين إن الرابح الأكبر في الانتخابات كانت شركات تحويل الأموال، إذ جرى وبصورة فاضحة رصد عدد من الرشاوى الانتخابية، بخاصة في المدن الكبرى التي شهدت استقطاباً حاداً. ونقلت صحف لبنانية أن المبالغ المدفوعة لشراء الأصوات تجاوزت في بعض القرى مئات آلاف الدولارات، وأحياناً في مقابل برميل مازوت، وهي ظاهرة تنتشر على مساحة الوطن، بحيث أصبح الموسم الانتخابي موسماً للبيع والشراء وليس للمحاسبة والمساءلة. وفي كل "عرس انتخابي" يجري توظيف المال السياسي والخدمات كتعبيد الطرق وتوفير الكهرباء والماء أو فرص العمل الموسمية، ووعود بوظائف لاحقة في البلديات لشراء الأصوات، وهو وللأسف "سلاح فعال"، بحسب مراقبين للانتخابات، بخاصة في المناطق النائية التي تعاني الفقر والتهميش. الانتخابات البلدية لم تكن اختباراً ديمقراطياً بقدر ما كانت محطة لإعادة إنتاج الأوليغارشية وتثبيت شرعيتها الشعبية (أ ف ب) إنتاج للسيطرة وترسيخ للسلطة يقول المستشار في السياسات العامة الأكاديمي مروان حرب، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، إنه "في الأنظمة الديمقراطية السليمة، تعتبر الانتخابات البلدية آلية لتمكين المجتمعات المحلية، ومنصة لإشراك المواطنين في صنع القرار وتحقيق التنمية، لكن في لبنان -حيث تتقاطع السلطة المركزية مع البنى الاجتماعية المحلية لإعادة إنتاج النظام القائم بأدوات ديمقراطية الشكل سلطوية الجوهر - تحول هذه الاستحقاق بصورة ممنهجة إلى أداة تستخدمها الطبقة الحاكمة لإعادة إنتاج سيطرتها وترسيخ سلطتها، لا لتلبية حاجات الناس أو إصلاح المدن والقرى". ويتابع حرب "بهذا المعنى تعكس الانتخابات البلدية، مصالح شبكة أوليغارشية مترابطة تخضع 'المحلي' لـ'الوطني' وفق منطق الطائفية والولاء الشخصي. وكما شرح بيير بورديو (عالم اجتماع فرنسي) في تحليله للعنف الرمزي، فإن الطقوس الانتخابية تستخدم أحياناً لترسيخ موازين القوى، خصوصاً في المجتمعات المنقسمة. وتؤدي الانتخابات البلدية في لبنان هذا الدور تحديداً، فهي لا تغير قواعد اللعبة، بل تضفي شرعية دورية على النخب التقليدية، من خلال إقصاء البدائل وتشويه التمثيل. فتستخدم كطقس دوري لإعادة الشرعية للأوليغارشية وليس لمحاسبتها، إذ يجري ترسيخ مواقع النفوذ داخل المجالس وتثبيت سلطة العائلات السياسية، واستبعاد كل من يحاول تقديم مشروع بديل أو مستقل. ومع الوقت، تتحول هذه المجالس إلى كيانات مغلقة، لا تعبر عن نبض المجتمع، بل عن ميزان القوى بين أجنحة النظام نفسه". اللبناني يصوت بمسقط الرأس بدل مكان إقامته ومن أبرز ملامح الخلل البنيوي الذي يلحق بالنظام الانتخابي اللبناني، الذي يكشف عن عمق الأزمة بين المواطن والدولة، حيث تتغذى السياسة على الطائفية والانتماءات العائلية، تبقى الهوية "الوراثية" أقوى من الهوية المدنية. وهكذا لا يصوت اللبناني في المكان الذي يسكنه أو يدفع ضرائبه أو يربي فيه أولاده، بل يعود في كل انتخابات لمسقط رأسه أو بالأحرى لقيده العائلي، حتى لو لم تطأ قدمه قريته منذ أعوام. هذا الواقع لا يفهم إلا عبر عدسة السيطرة الطائفية التي اختطفت العلاقة بين المواطن والسلطة، وأفرغت مفهوم المواطنة من معناه، بحسب ناشطين. وفي منشور لأحد أبناء قرى قضاء زغرتا على "فيسبوك"، كتب "وأنت تمشي في القرية، تخال نفسك في سيدني"، في إشارة إلى المغتربين الذين قدموا من أستراليا للمشاركة في الانتخابات، ربما بعضهم يزور الوطن الأم للمرة الأولى. تلك القرية ليست إلا نموذجاً عن شكل الاقتراع في معظم البلدات والقرى اللبنانية، وكما هو معلوم أن معظم أبناء المناطق النائية يتمركزون في المدن الكبيرة وبخاصة العاصمة بيروت، ولكن خلال الانتخابات يتوافدون إلى مسقط رأسهم للتصويت، كفصل تام بين المواطن والسلطة المحلية، وأحياناً كثيرة لا يعرف المواطنون من يترأس بلدياتهم الفعلية. واجهت قوى التغيير تحديات كبيرة أبرزها التشتيت الداخلي وضعف التمويل (أ ف ب) تأكيد الولاء العائلي والطائفي هذا المشهد السوريالي ينتج منه عدم تمثيل البلديات لسكانها الحقيقيين، بل لـ"الأصوات الموسمية" التي تأتي يوم الانتخابات وتختفي بعد ذلك. وعند سؤال الناخبين، "لمن ذهب صوتك"، تكون الإجابة إما خجولة أو معلنة، "لا يمكن إلا أن نصوت للحزب الفلاني" أو "بمون علينا سعادة النائب" أو "دماتنا فدى البيك". من هنا فإن المجالس المحلية لا تحاسب على الخدمات، لأنها ليست مسؤولة أمام ناخبيها الحقيقيين بل أمام "أهل الضيعة". ولا يعتمد لبنان نظام سجلات مدنية فعلية، بل يبقي على اللبنانيين موزعين طائفياً في قيود قراهم الأصلية، هذا يعني أن السني البيروتي المقيم في المتن، أو الشيعي العامل في جونية، أو المسيحي الذي يعيش في الضاحية، لا يشارك في بناء مجتمعه المحلي، بل يستدعى في كل انتخابات إلى صندوق اقتراع في بلدة أجداده، ليؤكد ولاءه العائلي والطائفي. قانون يعود لفترة الانتداب الفرنسي وفي دراسة لـ"المرصد البرلماني"، وهو "قسم متخصص بمتابعة نشاط السلطة التشريعية تابع للمفكرة القانونية"، يتألف المرصد من مجموعة من الباحثين والصحافيين المتخصصين بمواكبة العمل التشريعي انطلاقاً من مقاربة دستورية وقانونية واجتماعية، نشرت في مارس (آذار) 2023 تحت عنوان "ربط الحقوق السياسية بمكان القيد أو كيف فقدت الانتخابات البلدية وظيفتها"، أشارت إلى أنه "تشكل الانتخابات البلدية فرصة ثمينة لإعادة التفكير بعلاقة المواطن في لبنان بما يعرف بضيعته، أي مكان قيده في السجلات الرسمية، فالنظام الانتخابي السائد اليوم يفصل بين مكان الإقامة الفعلية للفرد والدائرة الانتخابية التي يمارس فيها حقه بالمشاركة في الانتخابات البلدية والنيابية، إذ قد يكون الإنسان ترك مكان قيده الأصلي منذ زمن بعيد وانفصلت عملياً مصالحه الحياتية عنه، لكنه مرغم للعودة لضيعته، كي يمارس حقه بالاقتراع". وتتابع الدراسة أن "مراجعة تطور التشريع في لبنان يظهر أن هذا الواقع القانوني الذي يعتبر اليوم من المسلمات، لم يكن دائماً كذلك، بل عرف تعديلات هدفت إلى الحد من حرية المواطنين من خلال ربطهم الدائم بمكان قيدهم الرسمي، إذ تكثر وسائل السيطرة السياسية والتصنيف الطائفي لهم. وذكرت الدراسة أنه "'الضيعة' بمفهومها القانوني تجد سندها في القرار رقم 763 الصادر في التاسع من مارس 1921 عن المفوض السامي الفرنسي الخاص بإجراء إحصاء عام لسكان دولة لبنان الكبير، إذ فرضت المادة الخامسة من القرار المذكور تشكيل لجان إحصاء في كل قضاء تقوم بالانتقال إلى كل قرية من قرى القضاء بغية إحصاء السكان وتسجيلهم ضمن دفاتر خاصة تتضمن مكان إقامتهم الفعلية، على أن يجري لاحقاً إصدار 'تذاكر نفوس' تتضمن جميع المعلومات الإحصائية التي سجلتها اللجنة. وهكذا تحول مكان سكن اللبنانيين عام 1921 إلى قريتهم أو محلتهم وفقاً للفهم القانوني لهذه التعابير، ولا يخفى ما لهذا الواقع من تداعيات على صعيد سلوك الفرد وحريته السياسية. فانفصال القرية عن مصالح الإنسان الفعلية، يعني أن الانتخابات البلدية لم تعد تهدف إلى مشاركة المواطن في العمل البلدي لجهة إنماء القرية، بل باتت تعبر عن عصبية مناطقية تعكس هواجس الفرد بخصوص الهوية، وهي هواجس تستغلها الأحزاب السياسية التقليدية لتعزيز سيطرتها على المجتمع. علاوة على ذلك، يؤدي الربط بين الانتخابات النيابية والبلدية ومكان القيد الرسمي المجمد إلى تهديد حريات المواطنين، بحيث تتحول القرية إلى حيز خاضع لسيطرة مجموعة من الوجهاء والنافذين السياسيين، الذين يسهل عليهم التحكم بأصوات الناخبين وإخضاعهم للتوافقات السلطوية التي تقوم بين ممثلي العائلات والأحزاب المهيمنة على المنطقة. وحقيقة الأمر أن أهم تعديل حصل للقانون الانتخابي في لبنان لم يكن يتعلق بالاقتراع الأكثري والنسبي، أو كيفية تقسيم الدوائر الانتخابية، وهي المواضيع التي كانت دائماً إشكالية تتصارع حولها الأحزاب السياسية، بل التعديل المنسي الذي أحكم الربط بين المواطن ومكان قيده الرسمي، وأدى إلى انفصال مصالحه الحياتية عن مكان ممارسته لحقوقه السياسية في الانتخابات النيابية والبلدية". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) مخالفات بمئات على رغم الحراك المدني منذ 2019، واجهت قوى التغيير تحديات كبيرة، أبرزها التشتيت الداخلي وضعف التمويل وغياب الدعم الشعبي المستدام. واستطاعت الأحزاب التقليدية استيعاب بعض الشعارات التغييرية وتبني خطاب "إصلاحي" صوري لا يمس جوهر النظام، وذلك عبر قوننة الهيمنة الطائفية. وما زال النظام الطائفي يشكل الحامي الأكبر للأوليغارشية، إذ توزع البلديات والمقاعد بالتوافق الطائفي، لا بالكفاءة أو البرامج. وغالباً ما يكون الاتفاق السياسي بين القوى الكبرى أهم من التصويت الفعلي للناس، وكان انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يوثق اتصالاً أجراه رئيس مجلس النواب نبيه بري مع أحد المرشحين المحسوبين على "حركة أمل"، الذي ترشح خارج سرب لائحة "التنمية والوفاء" في بلدة الخرايب الجنوبية، وكان المرشح الأخير في وجه اللائحة، وانسحب من السباق الانتخابي بناء على هذا الاتصال. وكانت وزارة الداخلية أعلنت فوز 109 مجالس بلدية بالتزكية من أصل 272 مجلساً، أي ما نسبته 40 في المئة. وأجريت الانتخابات وفق النظام الأكثري، بموجب أحكام المرسوم الاشتراعي رقم 118/1977 (قانون البلديات)، واعتماداً على قانون الانتخابات النيابية رقم 44/2017. بدورها قالت الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات "لادي" في بيان، إنها واكبت مجريات العملية الانتخابية التي جرت يوم السبت الـ24 من مايو في محافظتي الجنوب والنبطية في جميع مراحلها، بدءاً من الحملات الانتخابية والتحضيرات المرافقة لها، مروراً بيوم الاقتراع الذي امتد من السابعة صباحاً حتى السابعة مساءً، وصولاً إلى أعمال العد والفرز التي تواصلت حتى صباح الأحد 25. وأشارت الجمعية إلى أن هذه الانتخابات أتت في ظل وضع أمني استثنائي، مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني، على رغم إعلان وقف إطلاق النار في الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وقالت "لادي" "طبعت هذه الجولة النسبة المرتفعة من البلديات التي فازت بالتزكية، التي بلغت 40 في المئة، ورصدت في هذه الجولة ضغوط واسعة مورست على المرشحين للانسحاب، خصوصاً في ظل لجوء 'حزب الله' و'حركة أمل' إلى الربط بين التزكية والاستقرار خلال مرحلة إعادة الإعمار. وتواصلت الانسحابات حتى منتصف ليل يوم الجمعة، أي قبل ساعات من فتح صناديق الاقتراع. وفي هذا السياق ترى "لادي" أن تعاميم وزارة الداخلية، التي سمحت بالانسحابات حتى اللحظة الأخيرة، فتحت المجال لاستمرار الضغوط، في وقت يفترض فيه تحديد مهلة واضحة ونهائية للانسحاب، كما هو معمول به في مهلة الترشح، بما يتيح للمرشحين والناخبين على حد سواء التحضير الجدي للانتخابات، في مناخ ديمقراطي سليم. وخلال يوم الاقتراع، سجلت "لادي" 613 مخالفة، توزعت بين خروق لسرية الاقتراع وضغوط على الناخبين ودعاية انتخابية مخالفة وخرق للصمت الانتخابي، إلى جانب الفوضى والإشكالات الأمنية وبعض المشكلات اللوجستية. لماذا ينجح هذا التدوير؟ تعرف المنظومة جيداً أن قوتها في الاستمرارية ضمن الفوضى، إذ تسوق التهديد الأمني أو الانهيار الاقتصادي كذريعة، لأنها تملك أدوات الدولة من بلديات ومحافظين وأجهزة أمنية وإعلام، ولأن المجتمع اللبناني، بفعل الطائفية وضعف الثقة بالنظام، يميل في لحظات الخوف إلى "الزعيم الذي يعرفه"، حتى لو كان سبب البلاء. في المحصلة من بيروت إلى صور مروراً ببعلبك وزحلة، تؤكد الانتخابات البلدية أن الأوليغارشية اللبنانية لا تموت بل تتحول. لقد طوعت أدوات الديمقراطية لخدمة بقائها، وأثبتت أن الصناديق وحدها لا تصنع التغيير ما لم تترافق مع تفكيك الواقع القائم، وإنتاج معارضة موحدة وصلبة ومجذرة في مجتمعاتها. فالانتخابات البلدية لم تكن اختباراً ديمقراطياً بقدر ما كانت محطة لإعادة إنتاج الأوليغارشية وتثبيت شرعيتها الشعبية بصورة انتقائية، وإذا لم تتمكن قوى التغيير من بناء قواعد شعبية راسخة، وتقديم نموذج خدماتي بديل، فستبقى الانتخابات المقبلة "مجرد مسرحية بديكور جديد"، على حد قول المراقبين.

كوميديا الأقنعة المقدسة: قراءة في جدلية الظاهر والخفي من تقديم مسرحية 'خدمة نقية'
كوميديا الأقنعة المقدسة: قراءة في جدلية الظاهر والخفي من تقديم مسرحية 'خدمة نقية'

بديل

time٢٢-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • بديل

كوميديا الأقنعة المقدسة: قراءة في جدلية الظاهر والخفي من تقديم مسرحية 'خدمة نقية'

في عالم تتقاطع فيه خيوط القيم مع أنسجة المصالح، تأتي مسرحية خدمة نقية من اخراج 'لحسن دسي' كمرآة تعكس واقعا إنسانيا قديما، هذا العمل المغربي المقتبس من تحفة موليير الخالدة 'تارتوف' يتجاوز حدود الزمان والمكان ليلامس جوهر التناقض الإنساني الأبدي: التضاد بين المظهر والجوهر، بين ما تظهره للأخرين وما نخفيه في أعماقنا. في قلب مسرحية خدمة نقية تكمن معضلة عميقة: كيف يمكن للفضيلة أن تصبح قناعا للرذيلة؟ وكيف يتحول التدين الظاهري الى سلاح يشهره المتلاعبون؟ انها دراسة متأنية لما أسماه الفيلسوف الفرنسي بيير بورديو ب 'رأسمال الرمزي'، ذلك الرصيد من الثقة والاحترام الذي يكتسبه الفرد داخل النسيج الاجتماعي، والذي يستغله في حقل من الحقول الاجتماعية. الشخصية المحورية في المسرحية، ذلك الضيف الغامض تجسد بدقة ما وصفه عالم الاجتماع ارفينغ غوفمان ب 'ادارة الانطباع'، حيث يقدم الفرد نفسه بصورة مثالية تخفي وراءها دوافعه الحقيقية، انه يرتدي ثوب التقوى ليس ايمانا بل تكتيكان ويتقن لغة الفضيلة ليس اقتناعا بل استراتيجية للوصول. ما يميز هذه المسرحية هو قدرتها على تحويل المشاهد الى شاهد على محاكمة اجتماعية صامتة، العائلة المستقرة التي تفتح أبوابها للغريب تمثل المجتمع بأكمله في لحظة استقباله لأفكار ومعتقدات جديدة. ثم تأتي اللحظة الواحدة التي تغير كل شيء كنقطة تحول معرفية، حيث يتصدع اليقين ويبدأ الشك في التسلل الى الوعي الجمعي. تتجلى عبقرية النص في تصويره لديناميات القوة داخل الفضاء الاجتماعي، حيث تتحول الثقة من رابط اكسيولوجي الى أداة للسيطرة، فالمخادع يدرك أن أقوى حصون المجتمع هي تلك المبنية على القيم، ولذا فهو يخترقها منت داخلها، مستغلا القداسة التي تحيط بها. ف'خدمة نقية' تبقى تشريح لظاهرة اجتماعية أوسع تتمثل في استغلال القيم الجماعية لتحقيق مكاسب خاصة. في عصرنا الحالين يممن قراءة المسرحية كنقد لمؤسسات تتستر وراء الخدمة العامة والمصلحة المشتركة، بينما تخدم في الحقيقة مصالح نخبوية ضيقة. يشير العنوان 'خدمة نقية' بسخرية لاذعة الى المفارقة بين ادعاء النقاء وواقع التلوث بين خطاب الخدمة وممارسة الاستغلال تدعو المسرحية المتفرج الى إعادة فحص المسلمات الاجتماعية والتساؤل عن طبيعة الحقيقة التي نتقبلها دون نقد. المسرحية لا تقدم إجابات جاهزة بقدر ما تدعو الى يقظة نقدية مستمرة. فالضمائر التي تتحرك والعقول التي تؤسر ليست مدعوة للانغلاق او الشك المطلق، بل لممارسة ما اسماه الفيلسوف بول ريكور ب 'هرمنيوطيقا الشك'، ذلك التأويل النقدي الذي يبحث فيما وراء النصوص الظاهرة بحثا عن الحقيقة المستترة. كانت هذه المسرحية ضمن فعاليات ملتقى فونيكس الذي نظمته جمعية فونيكس للفنون الدرامية، والذي احتضنته مدينة الرباط، بدعم من حكومة امارة موناكو، وبالتعاون مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل-قطاع الثقافة. كانت هذه المسرحية من تشخيص يونس بن اجبارة، سميرة بومليك، هناء بناي، نجوى البحراوي، أنس بنزعبون، سكينة الرفاعي، مهدي التيت، امينة بن أحمد، نجاة البزار، عبد الحفيظ الادريسي، معاد بوسلام.

الهابيتوس عند بيار بورديو بين اعادة انتاج الاجتماعي ورأس المال الثقافي
الهابيتوس عند بيار بورديو بين اعادة انتاج الاجتماعي ورأس المال الثقافي

لكم

time١٨-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • لكم

الهابيتوس عند بيار بورديو بين اعادة انتاج الاجتماعي ورأس المال الثقافي

يتناول عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو (1 أغسطس 1930 – 23 يناير 2002) السلطة في سياق 'نظرية مجتمعية' شاملة، والتي – كما هو الحال مع نظرية ميشيل فوكو – لا يمكننا هنا إنصافها، أو التعبير عنها بسهولة من خلال مناهج تطبيقية. ورغم أن موضوعه كان في الغالب المجتمع الجزائري والفرنسي، فقد وجدنا أن منهج بورديو مفيد في تحليل السلطة في عمليات التنمية والتغيير الاجتماعي. في حين يرى فوكو السلطة 'موجودة في كل مكان' وتتجاوز نطاق الفاعلية أو البنية، يرى بورديو السلطة كعنصر ثقافي ورمزي، يُعاد إضفاء الشرعية عليه باستمرار من خلال تفاعل الفاعلية والبنية. والطريقة الرئيسية لتحقيق ذلك هي من خلال ما يسميه 'الهابيتوس' أو المعايير أو الميول الاجتماعية التي توجه السلوك والتفكير. 'الهابيتوس' هو 'الطريقة التي يترسخ بها المجتمع في الأفراد على شكل ميول دائمة، أو قدرات مُدرَّبة وميول مُهيكلة للتفكير والشعور والتصرف بطرق مُحددة، تُوجِّههم'. يتشكل 'الهابيتوس' من خلال عملية اجتماعية، لا فردية، تُؤدي إلى أنماط دائمة وقابلة للانتقال من سياق إلى آخر، ولكنها تتغير أيضًا تبعًا لسياقات مُحددة ومع مرور الوقت. 'الهابيتوس' 'ليس ثابتا أو دائم، ويمكن تغييره في ظروف غير متوقعة أو على مدى فترة تاريخية طويلة': 'الهابيتوس' ليس نتيجة إرادة حرة، ولا تُحدَّد بالهياكل، بل ينشأ من نوع من التفاعل بينهما على مر الزمن: ميول تُشكِّلها أحداث وهياكل الماضي، وتُشكِّل الممارسات والهياكل الحالية، والأهم من ذلك، تُحدِّد إدراكنا لها . بهذا المعنى، تُخلق الهابيتوس وتُعاد إنتاجها لا شعوريًا، 'دون أي سعي متعمد لتحقيق التماسك… دون أي تركيز واعٍ'. ومن المفاهيم المهمة الثانية التي طرحها بورديو مفهوم 'رأس المال'، الذي يتجاوز مفهوم الأصول المادية ليشمل رأس مال قد يكون اجتماعيًا أو ثقافيًا أو رمزيًا. قد تكون هذه الأشكال من رأس المال بنفس الأهمية، ويمكن تراكمها ونقلها من مجال إلى آخر. يلعب رأس المال الثقافي – والوسائل التي يُنشأ بها أو يُنقل من أشكال رأس المال الأخرى – دورًا محوريًا في علاقات السلطة المجتمعية، إذ 'يوفر وسيلة لشكل غير اقتصادي من الهيمنة والتسلسل الهرمي، حيث تتميز الطبقات من خلال الذوق'. إن التحول من الأشكال المادية لرأس المال إلى الأشكال الثقافية والرمزية لرأس المال هو الذي يخفي إلى حد كبير أسباب عدم المساواة. وقد توسع بورديو في دراسة المجتمع الفرنسي الكلاسيكية، في كتابه'التمييز' (1986)، فيه شرح هذه الأفكار، حيث يُظهر كيف 'يُنقش النظام الاجتماعي تدريجيًا في عقول الناس' من خلال 'المنتجات الثقافية'، بما في ذلك أنظمة التعليم، واللغة، والأحكام، والقيم، وأساليب التصنيف، وأنشطة الحياة اليومية. ويؤدي كل ذلك إلى قبول لاواعي للاختلافات والتسلسلات الهرمية الاجتماعية، وإلى 'شعور الفرد بمكانته'، وإلى سلوكيات الإقصاء الذاتي. وهناك مفهوم ثالث مهم في نظرية بورديو، وهو فكرة 'الحقول'، وهي الساحات الاجتماعية والمؤسساتية المتنوعة التي يُعبّر فيها الناس عن تصرفاتهم ويُعيدون إنتاجها، ويتنافسون فيها على توزيع أنواع مختلفة من رأس المال. المجال هو شبكة أو بنية أو مجموعة علاقات قد تكون فكرية أو دينية أو تعليمية أو ثقافية، إلخ. غالبًا ما يختلف شعور الناس بالسلطة تبعًا للمجال الذي يعملون فيه في لحظة معينة ، لذا يُعدّ السياق والبيئة من العوامل الرئيسية المؤثرة على الهابيتوس: 'يشرح بورديو في (1980) التوترات والتناقضات التي تنشأ عندما يواجه الناس سياقات مختلفة ويواجهون تحدياتها. ويمكن استخدام نظريته لتفسير كيف يمكن للناس مقاومة السلطة والهيمنة في مجال ما والتعبير عن التواطؤ في مجال آخر'. تساعد المجالات في تفسير اختلاف السلطة، على سبيل المثال، التي تشعر بها النساء في المجالين العام والخاص. وقد لاحظ الناشطون والباحثون النسويون هذا على نطاق واسع، وهو يُشير إلى أن النساء والرجال مُعَيَّنون اجتماعيًا على التصرف بشكل مختلف في مجالات السلطة 'العامة والخاصة والحميمة' . وهناك مفهوم أخير مهم في فهم بورديو للسلطة، وهو مفهوم 'الدوكسا'، وهو مزيج من المعايير والمعتقدات التقليدية وغير التقليدية – أي الافتراضات غير المعلنة والمسلَّم بها أو 'الحس السليم' الكامن وراء التمييزات التي نُجريها. وتحدث 'الدوكسا' عندما 'ننسى الحدود' التي أدت إلى انقسامات غير متكافئة في المجتمع: إنه 'التزام بعلاقات نظامية تُعتبر بديهية، لأنها تُشكِّل العالم الواقعي وعالم الفكر على نحو لا ينفصل'. يستخدم بورديو أيضًا مصطلح 'سوء التقدير'، وهو مصطلح يُشبه الأفكار الماركسية عن 'الوعي الزائف'، ولكنه يعمل على مستوى أعمق يتجاوز أي نية للتلاعب الواعي من قِبل أي جماعة أو أخرى. وخلافًا للرؤية الماركسية، يُعد 'سوء التقدير' ظاهرة ثقافية أكثر منه أيديولوجية، لأنه 'يُجسد مجموعة من العمليات الاجتماعية النشطة التي تُرسّخ افتراضات مُسلّم بها في نطاق الحياة الاجتماعية، والأهم من ذلك، أنها تولد في قلب الثقافة. جميع أشكال السلطة تتطلب الشرعية، والثقافة هي ساحة المعركة حيث يُتنازع على هذا التوافق، ويتجسد في النهاية بين الفاعلين، مما يُؤدي إلى اختلافات اجتماعية وهياكل غير متكافئة'. في حين أن الكثير من هذا قد يبدو تجريديًا، فإن نظريات بورديو راسخة في مجموعة واسعة من الأبحاث الاجتماعية، وعبر مجموعة من القضايا الاجتماعية. في الواقع، يكمن جزء من جاذبيته في غزارة أبحاثه وتوثيقها تجريبيًا. ومن عوامل الجذب الأخرى لبورديو للباحثين الملتزمين سياسيًا أنه يعتبر المنهج الاجتماعي جزءًا من عملية التغيير. فالتحليل الدقيق يمكن أن يساعد في الكشف عن علاقات القوة التي أُخفيت بفعل العادات وسوء التقدير. اقترح بورديو 'علم اجتماع تفكري' – حيث يُدرك المرء تحيزاته ومعتقداته وافتراضاته في عملية فهم المعنى – قبل أن تصبح التفكرية رائجة بوقت طويل. إن المعرفة النقدية الذاتية التي تكشف عن 'مصادر القوة' وتكشف عن 'الأسباب التي تفسر التفاوتات الاجتماعية والتسلسلات الهرمية' يمكن أن تصبح بحد ذاتها 'أداة قوية لتعزيز التحرر الاجتماعي'. تختلف الأساليب والمصطلحات التي استخدمها بورديو عن تلك المستخدمة في كتاب 'مكعب القوة'، وتشير إلى تحليل اجتماعي أكثر تفصيلاً لعلاقات القوة، متجذر في 'نظرية مجتمعية' شاملة. ومع ذلك، فإن آثار التحليل والفعل التطبيقيين تتوافق بقوة مع معاني القوة الداخلية الخفية و'القوة الداخلية'، ومع 'نظرية التغيير' الضمنية في كتاب 'مكعب القوة'. تكمن الفكرة في أن فهم القوة والعجز، وخاصةً من خلال عمليات التعلم والتحليل التي تكشف عن القوة الخفية، يمكن أن يكون في حد ذاته عملية تمكين. المصادر بورديو، ب. (1980). منطق الممارسة. ستانفورد، مطبعة جامعة ستانفورد. بورديو، ب. (1984). التمييز: نقد اجتماعي لحكم الذوق. لندن، روتليدج. بورديو، ب. (1986). 'أشكال رأس المال'. دليل النظرية والبحث في علم اجتماع رأس المال. ج. ج. ريتشاردسون. نيويورك، مطبعة غرينوود: 241-258. المراجع جافينتا، ج. (2003). السلطة بعد لوكس: مراجعة للأدبيات، برايتون: معهد دراسات التنمية. مونكريف، ج. (2006). 'سلطة الوصمة: لقاءات مع 'أطفال الشوارع' و'الريستافيك' في هايتي'. نشرة معهد دراسات التنمية 37(6): 31-46. نافارو، ز. (2006) 'بحثًا عن تفسير ثقافي للسلطة'، نشرة معهد الدراسات الاستراتيجية ٣٧(٦): ١١-٢٢. فينيكلاسين، ل. وميلر، ف. (2002). نسيج جديد من السلطة والشعب والسياسة: دليل العمل للمناصرة ومشاركة المواطنين. أوكلاهوما سيتي، جيران العالم. واكانت، ل. (2005) هابيتوس. الموسوعة الدولية لعلم الاجتماع الاقتصادي. ج. بيكيت وميلان، ز. لندن، روتليدج. كاتب فلسفي

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store