logo
#

أحدث الأخبار مع #بييربورديو

كوميديا الأقنعة المقدسة: قراءة في جدلية الظاهر والخفي من تقديم مسرحية 'خدمة نقية'
كوميديا الأقنعة المقدسة: قراءة في جدلية الظاهر والخفي من تقديم مسرحية 'خدمة نقية'

بديل

timeمنذ 16 ساعات

  • ترفيه
  • بديل

كوميديا الأقنعة المقدسة: قراءة في جدلية الظاهر والخفي من تقديم مسرحية 'خدمة نقية'

في عالم تتقاطع فيه خيوط القيم مع أنسجة المصالح، تأتي مسرحية خدمة نقية من اخراج 'لحسن دسي' كمرآة تعكس واقعا إنسانيا قديما، هذا العمل المغربي المقتبس من تحفة موليير الخالدة 'تارتوف' يتجاوز حدود الزمان والمكان ليلامس جوهر التناقض الإنساني الأبدي: التضاد بين المظهر والجوهر، بين ما تظهره للأخرين وما نخفيه في أعماقنا. في قلب مسرحية خدمة نقية تكمن معضلة عميقة: كيف يمكن للفضيلة أن تصبح قناعا للرذيلة؟ وكيف يتحول التدين الظاهري الى سلاح يشهره المتلاعبون؟ انها دراسة متأنية لما أسماه الفيلسوف الفرنسي بيير بورديو ب 'رأسمال الرمزي'، ذلك الرصيد من الثقة والاحترام الذي يكتسبه الفرد داخل النسيج الاجتماعي، والذي يستغله في حقل من الحقول الاجتماعية. الشخصية المحورية في المسرحية، ذلك الضيف الغامض تجسد بدقة ما وصفه عالم الاجتماع ارفينغ غوفمان ب 'ادارة الانطباع'، حيث يقدم الفرد نفسه بصورة مثالية تخفي وراءها دوافعه الحقيقية، انه يرتدي ثوب التقوى ليس ايمانا بل تكتيكان ويتقن لغة الفضيلة ليس اقتناعا بل استراتيجية للوصول. ما يميز هذه المسرحية هو قدرتها على تحويل المشاهد الى شاهد على محاكمة اجتماعية صامتة، العائلة المستقرة التي تفتح أبوابها للغريب تمثل المجتمع بأكمله في لحظة استقباله لأفكار ومعتقدات جديدة. ثم تأتي اللحظة الواحدة التي تغير كل شيء كنقطة تحول معرفية، حيث يتصدع اليقين ويبدأ الشك في التسلل الى الوعي الجمعي. تتجلى عبقرية النص في تصويره لديناميات القوة داخل الفضاء الاجتماعي، حيث تتحول الثقة من رابط اكسيولوجي الى أداة للسيطرة، فالمخادع يدرك أن أقوى حصون المجتمع هي تلك المبنية على القيم، ولذا فهو يخترقها منت داخلها، مستغلا القداسة التي تحيط بها. ف'خدمة نقية' تبقى تشريح لظاهرة اجتماعية أوسع تتمثل في استغلال القيم الجماعية لتحقيق مكاسب خاصة. في عصرنا الحالين يممن قراءة المسرحية كنقد لمؤسسات تتستر وراء الخدمة العامة والمصلحة المشتركة، بينما تخدم في الحقيقة مصالح نخبوية ضيقة. يشير العنوان 'خدمة نقية' بسخرية لاذعة الى المفارقة بين ادعاء النقاء وواقع التلوث بين خطاب الخدمة وممارسة الاستغلال تدعو المسرحية المتفرج الى إعادة فحص المسلمات الاجتماعية والتساؤل عن طبيعة الحقيقة التي نتقبلها دون نقد. المسرحية لا تقدم إجابات جاهزة بقدر ما تدعو الى يقظة نقدية مستمرة. فالضمائر التي تتحرك والعقول التي تؤسر ليست مدعوة للانغلاق او الشك المطلق، بل لممارسة ما اسماه الفيلسوف بول ريكور ب 'هرمنيوطيقا الشك'، ذلك التأويل النقدي الذي يبحث فيما وراء النصوص الظاهرة بحثا عن الحقيقة المستترة. كانت هذه المسرحية ضمن فعاليات ملتقى فونيكس الذي نظمته جمعية فونيكس للفنون الدرامية، والذي احتضنته مدينة الرباط، بدعم من حكومة امارة موناكو، وبالتعاون مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل-قطاع الثقافة. كانت هذه المسرحية من تشخيص يونس بن اجبارة، سميرة بومليك، هناء بناي، نجوى البحراوي، أنس بنزعبون، سكينة الرفاعي، مهدي التيت، امينة بن أحمد، نجاة البزار، عبد الحفيظ الادريسي، معاد بوسلام.

الهابيتوس عند بيار بورديو بين اعادة انتاج الاجتماعي ورأس المال الثقافي
الهابيتوس عند بيار بورديو بين اعادة انتاج الاجتماعي ورأس المال الثقافي

لكم

timeمنذ 4 أيام

  • سياسة
  • لكم

الهابيتوس عند بيار بورديو بين اعادة انتاج الاجتماعي ورأس المال الثقافي

يتناول عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو (1 أغسطس 1930 – 23 يناير 2002) السلطة في سياق 'نظرية مجتمعية' شاملة، والتي – كما هو الحال مع نظرية ميشيل فوكو – لا يمكننا هنا إنصافها، أو التعبير عنها بسهولة من خلال مناهج تطبيقية. ورغم أن موضوعه كان في الغالب المجتمع الجزائري والفرنسي، فقد وجدنا أن منهج بورديو مفيد في تحليل السلطة في عمليات التنمية والتغيير الاجتماعي. في حين يرى فوكو السلطة 'موجودة في كل مكان' وتتجاوز نطاق الفاعلية أو البنية، يرى بورديو السلطة كعنصر ثقافي ورمزي، يُعاد إضفاء الشرعية عليه باستمرار من خلال تفاعل الفاعلية والبنية. والطريقة الرئيسية لتحقيق ذلك هي من خلال ما يسميه 'الهابيتوس' أو المعايير أو الميول الاجتماعية التي توجه السلوك والتفكير. 'الهابيتوس' هو 'الطريقة التي يترسخ بها المجتمع في الأفراد على شكل ميول دائمة، أو قدرات مُدرَّبة وميول مُهيكلة للتفكير والشعور والتصرف بطرق مُحددة، تُوجِّههم'. يتشكل 'الهابيتوس' من خلال عملية اجتماعية، لا فردية، تُؤدي إلى أنماط دائمة وقابلة للانتقال من سياق إلى آخر، ولكنها تتغير أيضًا تبعًا لسياقات مُحددة ومع مرور الوقت. 'الهابيتوس' 'ليس ثابتا أو دائم، ويمكن تغييره في ظروف غير متوقعة أو على مدى فترة تاريخية طويلة': 'الهابيتوس' ليس نتيجة إرادة حرة، ولا تُحدَّد بالهياكل، بل ينشأ من نوع من التفاعل بينهما على مر الزمن: ميول تُشكِّلها أحداث وهياكل الماضي، وتُشكِّل الممارسات والهياكل الحالية، والأهم من ذلك، تُحدِّد إدراكنا لها . بهذا المعنى، تُخلق الهابيتوس وتُعاد إنتاجها لا شعوريًا، 'دون أي سعي متعمد لتحقيق التماسك… دون أي تركيز واعٍ'. ومن المفاهيم المهمة الثانية التي طرحها بورديو مفهوم 'رأس المال'، الذي يتجاوز مفهوم الأصول المادية ليشمل رأس مال قد يكون اجتماعيًا أو ثقافيًا أو رمزيًا. قد تكون هذه الأشكال من رأس المال بنفس الأهمية، ويمكن تراكمها ونقلها من مجال إلى آخر. يلعب رأس المال الثقافي – والوسائل التي يُنشأ بها أو يُنقل من أشكال رأس المال الأخرى – دورًا محوريًا في علاقات السلطة المجتمعية، إذ 'يوفر وسيلة لشكل غير اقتصادي من الهيمنة والتسلسل الهرمي، حيث تتميز الطبقات من خلال الذوق'. إن التحول من الأشكال المادية لرأس المال إلى الأشكال الثقافية والرمزية لرأس المال هو الذي يخفي إلى حد كبير أسباب عدم المساواة. وقد توسع بورديو في دراسة المجتمع الفرنسي الكلاسيكية، في كتابه'التمييز' (1986)، فيه شرح هذه الأفكار، حيث يُظهر كيف 'يُنقش النظام الاجتماعي تدريجيًا في عقول الناس' من خلال 'المنتجات الثقافية'، بما في ذلك أنظمة التعليم، واللغة، والأحكام، والقيم، وأساليب التصنيف، وأنشطة الحياة اليومية. ويؤدي كل ذلك إلى قبول لاواعي للاختلافات والتسلسلات الهرمية الاجتماعية، وإلى 'شعور الفرد بمكانته'، وإلى سلوكيات الإقصاء الذاتي. وهناك مفهوم ثالث مهم في نظرية بورديو، وهو فكرة 'الحقول'، وهي الساحات الاجتماعية والمؤسساتية المتنوعة التي يُعبّر فيها الناس عن تصرفاتهم ويُعيدون إنتاجها، ويتنافسون فيها على توزيع أنواع مختلفة من رأس المال. المجال هو شبكة أو بنية أو مجموعة علاقات قد تكون فكرية أو دينية أو تعليمية أو ثقافية، إلخ. غالبًا ما يختلف شعور الناس بالسلطة تبعًا للمجال الذي يعملون فيه في لحظة معينة ، لذا يُعدّ السياق والبيئة من العوامل الرئيسية المؤثرة على الهابيتوس: 'يشرح بورديو في (1980) التوترات والتناقضات التي تنشأ عندما يواجه الناس سياقات مختلفة ويواجهون تحدياتها. ويمكن استخدام نظريته لتفسير كيف يمكن للناس مقاومة السلطة والهيمنة في مجال ما والتعبير عن التواطؤ في مجال آخر'. تساعد المجالات في تفسير اختلاف السلطة، على سبيل المثال، التي تشعر بها النساء في المجالين العام والخاص. وقد لاحظ الناشطون والباحثون النسويون هذا على نطاق واسع، وهو يُشير إلى أن النساء والرجال مُعَيَّنون اجتماعيًا على التصرف بشكل مختلف في مجالات السلطة 'العامة والخاصة والحميمة' . وهناك مفهوم أخير مهم في فهم بورديو للسلطة، وهو مفهوم 'الدوكسا'، وهو مزيج من المعايير والمعتقدات التقليدية وغير التقليدية – أي الافتراضات غير المعلنة والمسلَّم بها أو 'الحس السليم' الكامن وراء التمييزات التي نُجريها. وتحدث 'الدوكسا' عندما 'ننسى الحدود' التي أدت إلى انقسامات غير متكافئة في المجتمع: إنه 'التزام بعلاقات نظامية تُعتبر بديهية، لأنها تُشكِّل العالم الواقعي وعالم الفكر على نحو لا ينفصل'. يستخدم بورديو أيضًا مصطلح 'سوء التقدير'، وهو مصطلح يُشبه الأفكار الماركسية عن 'الوعي الزائف'، ولكنه يعمل على مستوى أعمق يتجاوز أي نية للتلاعب الواعي من قِبل أي جماعة أو أخرى. وخلافًا للرؤية الماركسية، يُعد 'سوء التقدير' ظاهرة ثقافية أكثر منه أيديولوجية، لأنه 'يُجسد مجموعة من العمليات الاجتماعية النشطة التي تُرسّخ افتراضات مُسلّم بها في نطاق الحياة الاجتماعية، والأهم من ذلك، أنها تولد في قلب الثقافة. جميع أشكال السلطة تتطلب الشرعية، والثقافة هي ساحة المعركة حيث يُتنازع على هذا التوافق، ويتجسد في النهاية بين الفاعلين، مما يُؤدي إلى اختلافات اجتماعية وهياكل غير متكافئة'. في حين أن الكثير من هذا قد يبدو تجريديًا، فإن نظريات بورديو راسخة في مجموعة واسعة من الأبحاث الاجتماعية، وعبر مجموعة من القضايا الاجتماعية. في الواقع، يكمن جزء من جاذبيته في غزارة أبحاثه وتوثيقها تجريبيًا. ومن عوامل الجذب الأخرى لبورديو للباحثين الملتزمين سياسيًا أنه يعتبر المنهج الاجتماعي جزءًا من عملية التغيير. فالتحليل الدقيق يمكن أن يساعد في الكشف عن علاقات القوة التي أُخفيت بفعل العادات وسوء التقدير. اقترح بورديو 'علم اجتماع تفكري' – حيث يُدرك المرء تحيزاته ومعتقداته وافتراضاته في عملية فهم المعنى – قبل أن تصبح التفكرية رائجة بوقت طويل. إن المعرفة النقدية الذاتية التي تكشف عن 'مصادر القوة' وتكشف عن 'الأسباب التي تفسر التفاوتات الاجتماعية والتسلسلات الهرمية' يمكن أن تصبح بحد ذاتها 'أداة قوية لتعزيز التحرر الاجتماعي'. تختلف الأساليب والمصطلحات التي استخدمها بورديو عن تلك المستخدمة في كتاب 'مكعب القوة'، وتشير إلى تحليل اجتماعي أكثر تفصيلاً لعلاقات القوة، متجذر في 'نظرية مجتمعية' شاملة. ومع ذلك، فإن آثار التحليل والفعل التطبيقيين تتوافق بقوة مع معاني القوة الداخلية الخفية و'القوة الداخلية'، ومع 'نظرية التغيير' الضمنية في كتاب 'مكعب القوة'. تكمن الفكرة في أن فهم القوة والعجز، وخاصةً من خلال عمليات التعلم والتحليل التي تكشف عن القوة الخفية، يمكن أن يكون في حد ذاته عملية تمكين. المصادر بورديو، ب. (1980). منطق الممارسة. ستانفورد، مطبعة جامعة ستانفورد. بورديو، ب. (1984). التمييز: نقد اجتماعي لحكم الذوق. لندن، روتليدج. بورديو، ب. (1986). 'أشكال رأس المال'. دليل النظرية والبحث في علم اجتماع رأس المال. ج. ج. ريتشاردسون. نيويورك، مطبعة غرينوود: 241-258. المراجع جافينتا، ج. (2003). السلطة بعد لوكس: مراجعة للأدبيات، برايتون: معهد دراسات التنمية. مونكريف، ج. (2006). 'سلطة الوصمة: لقاءات مع 'أطفال الشوارع' و'الريستافيك' في هايتي'. نشرة معهد دراسات التنمية 37(6): 31-46. نافارو، ز. (2006) 'بحثًا عن تفسير ثقافي للسلطة'، نشرة معهد الدراسات الاستراتيجية ٣٧(٦): ١١-٢٢. فينيكلاسين، ل. وميلر، ف. (2002). نسيج جديد من السلطة والشعب والسياسة: دليل العمل للمناصرة ومشاركة المواطنين. أوكلاهوما سيتي، جيران العالم. واكانت، ل. (2005) هابيتوس. الموسوعة الدولية لعلم الاجتماع الاقتصادي. ج. بيكيت وميلان، ز. لندن، روتليدج. كاتب فلسفي

أفول الجماعات الأدبية
أفول الجماعات الأدبية

العربي الجديد

timeمنذ 6 أيام

  • ترفيه
  • العربي الجديد

أفول الجماعات الأدبية

في أثناء تصفّح صفحات فيسبوك، يمرّ القارئ بظاهرة غريبة تتمثل في وجود صفحات تحمل أسماء أدبية ، يدّعي أصحابها أنها "أكاديميات إبداعية" تحمل تراخيص ما، وتنسج علاقات تمتد من الجامعات الرصينة إلى المراكز البحثية الكبرى. يقوم القائمون عليها بمنح المنتسبين شهادات تعترف بهم أدباءً "لا يُشق لهم غبار"! يسأل القارئ: من هؤلاء؟ ولا أحد يقدّم الجواب سوى الواقع ذاته! فهذه المؤسسات الوهمية، المنشأة في العالم الافتراضي، ليست سوى دكاكين يفتتحها أصحابها إما تعويضًا عن فشلهم في دخول عالم الإبداع التقليدي، فيحاولون إنشاء عالم موازٍ، أو بحثًا عن واجهات للاستعراض والتكسب المعنوي، وتحشيد مئات الأسماء التي تكتب كلامًا مكرّرًا، وتبحث بدورها عن مساحات للنشر. تكرّست هذه الظاهرة خلال عقد ونصف، ومع توفّر المنصات الرقمية المتطوّرة، بات الفاعلون فيها يمتلكون فرصًا متعدّدة للحضور بالصوت والصورة، عبر منصة "تيك توك" وغيرها. لكن هذا كله لم يُساهم في دفع منتجات المشاركين نحو جمهور القرّاء أو نقّاد الأدب، وذلك لسبب رئيس: أن أغلب ما يُحتفى به هنا ليس سوى كلام عادي، تظهر فيه ظلال واضحة لتجارب أدبية مكرّسة. لماذا لا تثير فكرة "الجماعة الأدبية" اهتمام الأدباء الشباب؟ غير أن هذا لم يوقف الساعين إلى ارتقاء درجات الشهرة، بل زاد من إصرارهم على تكرار الفعل ذاته، مع الشكوى الدائمة من أن الصفحات الثقافية مغلقة على "المكرّسين"، وأنها محكومة بـ"الشللية". يرى بعض المراقبين أن أسباب تفاقم هذا النشاط تعود إلى تضخم "الأنا" الأدبية في ظل الفراغ المؤسّساتي، وتلاشي آليات الفلترة الأدبية أو الإبداعية التي كانت تفرضها المجلات والنقّاد، إضافة إلى تركيز "المبدع" على تسويق ذاته، بدلًا من تمثّل دوره كمشروع جمالي أو فكري. وهنا يتقاطع هذا السلوك مع ما سمّاه بيير بورديو بـ"رأس المال الرمزي"، حين يُستبدل الفعل الثقافي الحقيقي بـ"الظهور" و"الاعتراف الخارجي"، حتى وإن كان وهميًا. رصد هذه الظاهرة يعيدنا إلى سؤال الجماعات الأدبية في المنطقة العربية، حيث إن التاريخ يربط ظهورها إما بأسباب جغرافية، مثل "الرابطة القلمية" التي تأسّست في نيويورك عام 1920، و"العصبة الأندلسية" في ساو باولو بالبرازيل، مطلع 1933، أو بأسباب إبداعية تتعلّق بتبنّي مجموعة من الأدباء أسلوبًا محددًا، كما في جماعة "مجلة شعر" التي تأسّست عام 1957، ونبضت بشعارات الحداثة، فصارت واجهتها العربية الأبرز، وكذلك جماعة "كركوك" العراقية التي عملت على تعميق تيار الحداثة في فضاء تجريبي خاص. وفي قراءة أعمق لآليات ظهور هذه الجماعات، فإن التحليل الذي يربط الإبداع بتحولات الواقع يرى أن هذه الظواهر تنشأ على هامش التحولات العميقة التي تشهدها مجتمعاتها. وعلى هذا الأساس، يمكن اعتبار الجماعات الأدبية حاملةً لرؤى تسعى إلى التعبير عن وجهة نظر مختلفة حيال ما يجري في الواقع السياسي والاجتماعي وارتداداتهما في الحيّز الثقافي. وحتى تلك التي نشأت في المهجر، إنما كانت صدى لتحولات مرحلة ما بين الحربين العالميتين. تحوّل النشر إلى مساحة رقمية مفتوحة قلّل من مركزية الجماعات وعبر هذا التأريخ المشبع بروابط واضحة بين التيارات الأدبية والواقع المجتمعي، صار لدى القارئ العربي تاريخ أدبي موازٍ للتاريخ السياسي. ورغم أن مساحة تأويل هذه الظواهر من خلال تحليل نتاجات أصحابها لا تزال حتى اليوم شاغرة، وتطالب النقّاد والدارسين بالمزيد، إلا أن الثابت أن سلسلة طويلة من الجماعات ظهرت خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وكان أغلب الأدباء المكرّسين في وقتنا الحالي أعضاء فيها أو على تماس معها. أُصيبت هذه الجماعات، منذ تسعينيات القرن الماضي وصولًا إلى نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة، بانكماشٍ واضح، يُعزى إلى خلل أصاب الواقع ذاته: فبعد اجتياح جيش صدام حسين للكويت، حدث انهيار كبير في الأفكار القومية العربية، كما شكّل انهيار الاتحاد السوفييتي صدمة كبرى لتيار واسع من اليساريين العرب، ما جعل فكرة التجمع وتأسيس التكتلات عرضةً للشك في جدواها. لكن هذا لم يمنع بعض التجارب قصيرة العمر من التشكل، مثل جماعة "مجلة ألف" السورية، التي ظهرت في بداية التسعينيات، وحاول أصحابها التحايل على القمع وتكميم الأفواه، والتصرّف خارج إطار المؤسسات الرسمية كوزارة الثقافة واتحاد الكتّاب العرب، فنشروا نصوصًا مغايرة في 23 عددًا من المجلة، قبل أن تُمنع من التوزيع في أغلب البلدان العربية وتتوقّف. إذا جاز لنا الاعتداد بفكرة طرحها الناقد الفرنسي الشهير رولان بارت، ومفادها أننا لا نكون بحاجة إلى طليعة إلا عندما يكون المجتمع في مأزق، فإن سلسلة المآزق التي تعرّضت لها بلدان "الربيع العربي" منذ عقد ونصف، نتيجة سعي البُنى العميقة المكرّسة لكبح جماح القوى المجتمعية الراغبة في تغيير الواقع السياسي، كان يُفترض أن تفضي إلى ظهور جماعات أدبية تتبنّى شعارات مختلفة عن تلك التي سادت في أزمنة سابقة. لكن الواقع يكشف أن همة المثقفين ورغبتهم في الاجتماع تحت أطر محددة عانت من نكوص كبير، خنق أنفاس الفكرة ذاتها، فلا نعثر على جماعة تحاول الظهور بحمولة فكرية عميقة، تشتبك مع الواقع وتحلّله. ولا يخلو المشهد من اجتهادات شبابية تظهر وتنطفئ سريعًا، رغم ما تحمله من بذور واعدة، كجماعة "مليشيا الثقافة"، التي ظهرت قبل نحو عشر سنوات، واشترك فيها شعراء عراقيون (مازن المعموري، كاظم خنجر، علي ذرب، محمد كريم، أحمد ضياء، علي تاج الدين، وسام علي، أحمد جبور، وخالد الشاطي)، وحاولوا عبر نشاطها تقديم صياغة بصرية تناسب الواقع المستجد في فضاء الشبكة الإلكترونية، احتجاجًا على واقع العراق بما فيه من خراب وقتل وانقسام طائفي. ولكن لماذا لم تعد فكرة "الجماعة الأدبية" تثير اهتمام الأدباء الشباب، وحتى أصحاب التجارب المكرّسة؟ الإجابة تقف عند عدة احتمالات، تنطبق على النشاط الإبداعي في مختلف أنحاء العالم، مثل تفكك الأطر الإيديولوجية الكبرى، وزوال أهمية المنابر الورقية، وتصاعد الفردانية الثقافية، وسيطرة وسائل التواصل التي تعزّز الصوت الفردي على حساب المشاريع الجماعية. كما أن تحوّل النشر إلى مساحة رقمية مفتوحة قلّل من مركزية الجماعات. ويُضاف إلى ما سبق، وضمن خصوصية السياق العربي، أن التفكير في القطيعة الإبداعية مع ما سبق، والتفكير في بنى جديدة، لم يعد حاضرًا في المشهد العام؛ فلا نرى بيانات شعرية أو بيانات جمالية، ولا نسمع أصواتًا تعارض نوعًا إبداعيًا لصالح آخر، بل إن الجميع يعيش حالة "تجاور" لا تستدعي الصخب، ولا تطلب المعارضة. كما أن السلطات القائمة لم تواجه الأشكال الحداثية (قصيدة النثر، الرواية المفتوحة، التعدّد الصوتي...)، بل طَبّعت معها، حتى صارت دراستها جزءًا من النشاط الأكاديمي، ولم تعد ناتئة في نظر العقل التقليدي. وتحولت، بمرور الوقت، إلى مادة مقبولة ضمن شروط السوق (الناشر، الترجمة، الجوائز، المهرجانات). وأُضيف إلى هذا الواقع دعم المؤسسات التمويلية للكتّاب، عبر دعوات التفرغ والإقامات الإبداعية، في سياق يحتفي بالفردية. * شاعر وكاتب سوري موقف التحديثات الحية عواصم الكتاب.. ما الجدوى وراء اللقب؟

الهابيتوس عند بيار بورديو بين اعادة انتاج الاجتماعي ورأس المال الثقافي
الهابيتوس عند بيار بورديو بين اعادة انتاج الاجتماعي ورأس المال الثقافي

شبكة النبأ

time١٣-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • شبكة النبأ

الهابيتوس عند بيار بورديو بين اعادة انتاج الاجتماعي ورأس المال الثقافي

الهابيتوس هو الطريقة التي يترسخ بها المجتمع في الأفراد على شكل ميول دائمة، أو قدرات مُدرَّبة وميول مُهيكلة للتفكير والشعور والتصرف بطرق مُحددة، تُوجِّههم. يتشكل الهابيتوس من خلال عملية اجتماعية، لا فردية، تُؤدي إلى أنماط دائمة وقابلة للانتقال من سياق إلى آخر، ولكنها تتغير أيضًا تبعًا لسياقات مُحددة... يتناول عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو (1 أغسطس 1930 - 23 يناير 2002) السلطة في سياق "نظرية مجتمعية" شاملة، والتي -كما هو الحال مع نظرية ميشيل فوكو- لا يمكننا هنا إنصافها، أو التعبير عنها بسهولة من خلال مناهج تطبيقية. ورغم أن موضوعه كان في الغالب المجتمع الجزائري والفرنسي، فقد وجدنا أن منهج بورديو مفيد في تحليل السلطة في عمليات التنمية والتغيير الاجتماعي. في حين يرى فوكو السلطة "موجودة في كل مكان" وتتجاوز نطاق الفاعلية أو البنية، يرى بورديو السلطة كعنصر ثقافي ورمزي، يُعاد إضفاء الشرعية عليه باستمرار من خلال تفاعل الفاعلية والبنية. والطريقة الرئيسية لتحقيق ذلك هي من خلال ما يسميه "الهابيتوس" أو المعايير أو الميول الاجتماعية التي توجه السلوك والتفكير. "الهابيتوس" هو "الطريقة التي يترسخ بها المجتمع في الأفراد على شكل ميول دائمة، أو قدرات مُدرَّبة وميول مُهيكلة للتفكير والشعور والتصرف بطرق مُحددة، تُوجِّههم". يتشكل "الهابيتوس" من خلال عملية اجتماعية، لا فردية، تُؤدي إلى أنماط دائمة وقابلة للانتقال من سياق إلى آخر، ولكنها تتغير أيضًا تبعًا لسياقات مُحددة ومع مرور الوقت. "الهابيتوس" "ليس ثابتا أو دائم، ويمكن تغييره في ظروف غير متوقعة أو على مدى فترة تاريخية طويلة": "الهابيتوس" ليس نتيجة إرادة حرة، ولا تُحدَّد بالهياكل، بل ينشأ من نوع من التفاعل بينهما على مر الزمن: ميول تُشكِّلها أحداث وهياكل الماضي، وتُشكِّل الممارسات والهياكل الحالية، والأهم من ذلك، تُحدِّد إدراكنا لها. بهذا المعنى، تُخلق الهابيتوس وتُعاد إنتاجها لا شعوريًا، "دون أي سعي متعمد لتحقيق التماسك... دون أي تركيز واعٍ". ومن المفاهيم المهمة الثانية التي طرحها بورديو مفهوم "رأس المال"، الذي يتجاوز مفهوم الأصول المادية ليشمل رأس مال قد يكون اجتماعيًا أو ثقافيًا أو رمزيًا. قد تكون هذه الأشكال من رأس المال بنفس الأهمية، ويمكن تراكمها ونقلها من مجال إلى آخر. يلعب رأس المال الثقافي -والوسائل التي يُنشأ بها أو يُنقل من أشكال رأس المال الأخرى- دورًا محوريًا في علاقات السلطة المجتمعية، إذ "يوفر وسيلة لشكل غير اقتصادي من الهيمنة والتسلسل الهرمي، حيث تتميز الطبقات من خلال الذوق". إن التحول من الأشكال المادية لرأس المال إلى الأشكال الثقافية والرمزية لرأس المال هو الذي يخفي إلى حد كبير أسباب عدم المساواة. وقد توسع بورديو في دراسة المجتمع الفرنسي الكلاسيكية، في كتابه "التمييز" (1986)، فيه شرح هذه الأفكار، حيث يُظهر كيف "يُنقش النظام الاجتماعي تدريجيًا في عقول الناس" من خلال "المنتجات الثقافية"، بما في ذلك أنظمة التعليم، واللغة، والأحكام، والقيم، وأساليب التصنيف، وأنشطة الحياة اليومية. ويؤدي كل ذلك إلى قبول لاواعي للاختلافات والتسلسلات الهرمية الاجتماعية، وإلى "شعور الفرد بمكانته"، وإلى سلوكيات الإقصاء الذاتي. وهناك مفهوم ثالث مهم في نظرية بورديو، وهو فكرة "الحقول"، وهي الساحات الاجتماعية والمؤسساتية المتنوعة التي يُعبّر فيها الناس عن تصرفاتهم ويُعيدون إنتاجها، ويتنافسون فيها على توزيع أنواع مختلفة من رأس المال. المجال هو شبكة أو بنية أو مجموعة علاقات قد تكون فكرية أو دينية أو تعليمية أو ثقافية، إلخ. غالبًا ما يختلف شعور الناس بالسلطة تبعًا للمجال الذي يعملون فيه في لحظة معينة، لذا يُعدّ السياق والبيئة من العوامل الرئيسية المؤثرة على الهابيتوس: "يشرح بورديو في (1980) التوترات والتناقضات التي تنشأ عندما يواجه الناس سياقات مختلفة ويواجهون تحدياتها. ويمكن استخدام نظريته لتفسير كيف يمكن للناس مقاومة السلطة والهيمنة في مجال ما والتعبير عن التواطؤ في مجال آخر". تساعد المجالات في تفسير اختلاف السلطة، على سبيل المثال، التي تشعر بها النساء في المجالين العام والخاص. وقد لاحظ الناشطون والباحثون النسويون هذا على نطاق واسع، وهو يُشير إلى أن النساء والرجال مُعَيَّنون اجتماعيًا على التصرف بشكل مختلف في مجالات السلطة "العامة والخاصة والحميمة". وهناك مفهوم أخير مهم في فهم بورديو للسلطة، وهو مفهوم "الدوكسا"، وهو مزيج من المعايير والمعتقدات التقليدية وغير التقليدية - أي الافتراضات غير المعلنة والمسلَّم بها أو "الحس السليم" الكامن وراء التمييزات التي نُجريها. وتحدث "الدوكسا" عندما "ننسى الحدود" التي أدت إلى انقسامات غير متكافئة في المجتمع: إنه "التزام بعلاقات نظامية تُعتبر بديهية، لأنها تُشكِّل العالم الواقعي وعالم الفكر على نحو لا ينفصل". يستخدم بورديو أيضًا مصطلح "سوء التقدير"، وهو مصطلح يُشبه الأفكار الماركسية عن "الوعي الزائف"، ولكنه يعمل على مستوى أعمق يتجاوز أي نية للتلاعب الواعي من قِبل أي جماعة أو أخرى. وخلافًا للرؤية الماركسية، يُعد "سوء التقدير" ظاهرة ثقافية أكثر منه أيديولوجية، لأنه "يُجسد مجموعة من العمليات الاجتماعية النشطة التي تُرسّخ افتراضات مُسلّم بها في نطاق الحياة الاجتماعية، والأهم من ذلك، أنها تولد في قلب الثقافة. جميع أشكال السلطة تتطلب الشرعية، والثقافة هي ساحة المعركة حيث يُتنازع على هذا التوافق، ويتجسد في النهاية بين الفاعلين، مما يُؤدي إلى اختلافات اجتماعية وهياكل غير متكافئة". في حين أن الكثير من هذا قد يبدو تجريديًا، فإن نظريات بورديو راسخة في مجموعة واسعة من الأبحاث الاجتماعية، وعبر مجموعة من القضايا الاجتماعية. في الواقع، يكمن جزء من جاذبيته في غزارة أبحاثه وتوثيقها تجريبيًا. ومن عوامل الجذب الأخرى لبورديو للباحثين الملتزمين سياسيًا أنه يعتبر المنهج الاجتماعي جزءًا من عملية التغيير. فالتحليل الدقيق يمكن أن يساعد في الكشف عن علاقات القوة التي أُخفيت بفعل العادات وسوء التقدير. اقترح بورديو "علم اجتماع تفكري" -حيث يُدرك المرء تحيزاته ومعتقداته وافتراضاته في عملية فهم المعنى- قبل أن تصبح التفكرية رائجة بوقت طويل. إن المعرفة النقدية الذاتية التي تكشف عن "مصادر القوة" وتكشف عن "الأسباب التي تفسر التفاوتات الاجتماعية والتسلسلات الهرمية" يمكن أن تصبح بحد ذاتها "أداة قوية لتعزيز التحرر الاجتماعي". تختلف الأساليب والمصطلحات التي استخدمها بورديو عن تلك المستخدمة في كتاب "مكعب القوة"، وتشير إلى تحليل اجتماعي أكثر تفصيلاً لعلاقات القوة، متجذر في "نظرية مجتمعية" شاملة. ومع ذلك، فإن آثار التحليل والفعل التطبيقيين تتوافق بقوة مع معاني القوة الداخلية الخفية و"القوة الداخلية"، ومع "نظرية التغيير" الضمنية في كتاب "مكعب القوة". تكمن الفكرة في أن فهم القوة والعجز، وخاصةً من خلال عمليات التعلم والتحليل التي تكشف عن القوة الخفية، يمكن أن يكون في حد ذاته عملية تمكين. .............................. المصادر بورديو، ب. (1980). منطق الممارسة. ستانفورد، مطبعة جامعة ستانفورد. بورديو، ب. (1984). التمييز: نقد اجتماعي لحكم الذوق. لندن، روتليدج. بورديو، ب. (1986). "أشكال رأس المال". دليل النظرية والبحث في علم اجتماع رأس المال. ج. ج. ريتشاردسون. نيويورك، مطبعة غرينوود: 241-258. المراجع جافينتا، ج. (2003). السلطة بعد لوكس: مراجعة للأدبيات، برايتون: معهد دراسات التنمية. مونكريف، ج. (2006). "سلطة الوصمة: لقاءات مع "أطفال الشوارع" و"الريستافيك" في هايتي". نشرة معهد دراسات التنمية 37(6): 31-46. نافارو، ز. (٢٠٠٦) "بحثًا عن تفسير ثقافي للسلطة"، نشرة معهد الدراسات الاستراتيجية ٣٧(٦): ١١-٢٢. فينيكلاسين، ل. وميلر، ف. (٢٠٠٢). نسيج جديد من السلطة والشعب والسياسة: دليل العمل للمناصرة ومشاركة المواطنين. أوكلاهوما سيتي، جيران العالم. واكانت، ل. (٢٠٠٥) هابيتوس. الموسوعة الدولية لعلم الاجتماع الاقتصادي. ج. بيكيت وميلان، ز. لندن، روتليدج.

الهابيتوس عند بيار بورديو بين اعادة انتاج الاجتماعي ورأس المال الثقافي
الهابيتوس عند بيار بورديو بين اعادة انتاج الاجتماعي ورأس المال الثقافي

موقع كتابات

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • موقع كتابات

الهابيتوس عند بيار بورديو بين اعادة انتاج الاجتماعي ورأس المال الثقافي

يتناول عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو (1 أغسطس 1930 – 23 يناير 2002) السلطة في سياق 'نظرية مجتمعية' شاملة، والتي – كما هو الحال مع نظرية ميشيل فوكو – لا يمكننا هنا إنصافها، أو التعبير عنها بسهولة من خلال مناهج تطبيقية. ورغم أن موضوعه كان في الغالب المجتمع الجزائري والفرنسي، فقد وجدنا أن منهج بورديو مفيد في تحليل السلطة في عمليات التنمية والتغيير الاجتماعي. في حين يرى فوكو السلطة 'موجودة في كل مكان' وتتجاوز نطاق الفاعلية أو البنية، يرى بورديو السلطة كعنصر ثقافي ورمزي، يُعاد إضفاء الشرعية عليه باستمرار من خلال تفاعل الفاعلية والبنية. والطريقة الرئيسية لتحقيق ذلك هي من خلال ما يسميه 'الهابيتوس' أو المعايير أو الميول الاجتماعية التي توجه السلوك والتفكير. 'الهابيتوس' هو 'الطريقة التي يترسخ بها المجتمع في الأفراد على شكل ميول دائمة، أو قدرات مُدرَّبة وميول مُهيكلة للتفكير والشعور والتصرف بطرق مُحددة، تُوجِّههم'. يتشكل 'الهابيتوس' من خلال عملية اجتماعية، لا فردية، تُؤدي إلى أنماط دائمة وقابلة للانتقال من سياق إلى آخر، ولكنها تتغير أيضًا تبعًا لسياقات مُحددة ومع مرور الوقت. 'الهابيتوس' 'ليس ثابتا أو دائم، ويمكن تغييره في ظروف غير متوقعة أو على مدى فترة تاريخية طويلة': 'الهابيتوس' ليس نتيجة إرادة حرة، ولا تُحدَّد بالهياكل، بل ينشأ من نوع من التفاعل بينهما على مر الزمن: ميول تُشكِّلها أحداث وهياكل الماضي، وتُشكِّل الممارسات والهياكل الحالية، والأهم من ذلك، تُحدِّد إدراكنا لها . بهذا المعنى، تُخلق الهابيتوس وتُعاد إنتاجها لا شعوريًا، 'دون أي سعي متعمد لتحقيق التماسك… دون أي تركيز واعٍ'. ومن المفاهيم المهمة الثانية التي طرحها بورديو مفهوم 'رأس المال'، الذي يتجاوز مفهوم الأصول المادية ليشمل رأس مال قد يكون اجتماعيًا أو ثقافيًا أو رمزيًا. قد تكون هذه الأشكال من رأس المال بنفس الأهمية، ويمكن تراكمها ونقلها من مجال إلى آخر. يلعب رأس المال الثقافي – والوسائل التي يُنشأ بها أو يُنقل من أشكال رأس المال الأخرى – دورًا محوريًا في علاقات السلطة المجتمعية، إذ 'يوفر وسيلة لشكل غير اقتصادي من الهيمنة والتسلسل الهرمي، حيث تتميز الطبقات من خلال الذوق'. إن التحول من الأشكال المادية لرأس المال إلى الأشكال الثقافية والرمزية لرأس المال هو الذي يخفي إلى حد كبير أسباب عدم المساواة. وقد توسع بورديو في دراسة المجتمع الفرنسي الكلاسيكية، في كتابه'التمييز' (1986)، فيه شرح هذه الأفكار، حيث يُظهر كيف 'يُنقش النظام الاجتماعي تدريجيًا في عقول الناس' من خلال 'المنتجات الثقافية'، بما في ذلك أنظمة التعليم، واللغة، والأحكام، والقيم، وأساليب التصنيف، وأنشطة الحياة اليومية. ويؤدي كل ذلك إلى قبول لاواعي للاختلافات والتسلسلات الهرمية الاجتماعية، وإلى 'شعور الفرد بمكانته'، وإلى سلوكيات الإقصاء الذاتي. وهناك مفهوم ثالث مهم في نظرية بورديو، وهو فكرة 'الحقول'، وهي الساحات الاجتماعية والمؤسساتية المتنوعة التي يُعبّر فيها الناس عن تصرفاتهم ويُعيدون إنتاجها، ويتنافسون فيها على توزيع أنواع مختلفة من رأس المال. المجال هو شبكة أو بنية أو مجموعة علاقات قد تكون فكرية أو دينية أو تعليمية أو ثقافية، إلخ. غالبًا ما يختلف شعور الناس بالسلطة تبعًا للمجال الذي يعملون فيه في لحظة معينة ، لذا يُعدّ السياق والبيئة من العوامل الرئيسية المؤثرة على الهابيتوس: 'يشرح بورديو في (1980) التوترات والتناقضات التي تنشأ عندما يواجه الناس سياقات مختلفة ويواجهون تحدياتها. ويمكن استخدام نظريته لتفسير كيف يمكن للناس مقاومة السلطة والهيمنة في مجال ما والتعبير عن التواطؤ في مجال آخر'. تساعد المجالات في تفسير اختلاف السلطة، على سبيل المثال، التي تشعر بها النساء في المجالين العام والخاص. وقد لاحظ الناشطون والباحثون النسويون هذا على نطاق واسع، وهو يُشير إلى أن النساء والرجال مُعَيَّنون اجتماعيًا على التصرف بشكل مختلف في مجالات السلطة 'العامة والخاصة والحميمة' . وهناك مفهوم أخير مهم في فهم بورديو للسلطة، وهو مفهوم 'الدوكسا'، وهو مزيج من المعايير والمعتقدات التقليدية وغير التقليدية – أي الافتراضات غير المعلنة والمسلَّم بها أو 'الحس السليم' الكامن وراء التمييزات التي نُجريها. وتحدث 'الدوكسا' عندما 'ننسى الحدود' التي أدت إلى انقسامات غير متكافئة في المجتمع: إنه 'التزام بعلاقات نظامية تُعتبر بديهية، لأنها تُشكِّل العالم الواقعي وعالم الفكر على نحو لا ينفصل'. يستخدم بورديو أيضًا مصطلح 'سوء التقدير'، وهو مصطلح يُشبه الأفكار الماركسية عن 'الوعي الزائف'، ولكنه يعمل على مستوى أعمق يتجاوز أي نية للتلاعب الواعي من قِبل أي جماعة أو أخرى. وخلافًا للرؤية الماركسية، يُعد 'سوء التقدير' ظاهرة ثقافية أكثر منه أيديولوجية، لأنه 'يُجسد مجموعة من العمليات الاجتماعية النشطة التي تُرسّخ افتراضات مُسلّم بها في نطاق الحياة الاجتماعية، والأهم من ذلك، أنها تولد في قلب الثقافة. جميع أشكال السلطة تتطلب الشرعية، والثقافة هي ساحة المعركة حيث يُتنازع على هذا التوافق، ويتجسد في النهاية بين الفاعلين، مما يُؤدي إلى اختلافات اجتماعية وهياكل غير متكافئة'. في حين أن الكثير من هذا قد يبدو تجريديًا، فإن نظريات بورديو راسخة في مجموعة واسعة من الأبحاث الاجتماعية، وعبر مجموعة من القضايا الاجتماعية. في الواقع، يكمن جزء من جاذبيته في غزارة أبحاثه وتوثيقها تجريبيًا. ومن عوامل الجذب الأخرى لبورديو للباحثين الملتزمين سياسيًا أنه يعتبر المنهج الاجتماعي جزءًا من عملية التغيير. فالتحليل الدقيق يمكن أن يساعد في الكشف عن علاقات القوة التي أُخفيت بفعل العادات وسوء التقدير. اقترح بورديو 'علم اجتماع تفكري' – حيث يُدرك المرء تحيزاته ومعتقداته وافتراضاته في عملية فهم المعنى – قبل أن تصبح التفكرية رائجة بوقت طويل. إن المعرفة النقدية الذاتية التي تكشف عن 'مصادر القوة' وتكشف عن 'الأسباب التي تفسر التفاوتات الاجتماعية والتسلسلات الهرمية' يمكن أن تصبح بحد ذاتها 'أداة قوية لتعزيز التحرر الاجتماعي'. تختلف الأساليب والمصطلحات التي استخدمها بورديو عن تلك المستخدمة في كتاب 'مكعب القوة'، وتشير إلى تحليل اجتماعي أكثر تفصيلاً لعلاقات القوة، متجذر في 'نظرية مجتمعية' شاملة. ومع ذلك، فإن آثار التحليل والفعل التطبيقيين تتوافق بقوة مع معاني القوة الداخلية الخفية و'القوة الداخلية'، ومع 'نظرية التغيير' الضمنية في كتاب 'مكعب القوة'. تكمن الفكرة في أن فهم القوة والعجز، وخاصةً من خلال عمليات التعلم والتحليل التي تكشف عن القوة الخفية، يمكن أن يكون في حد ذاته عملية تمكين. بورديو، ب. (1980). منطق الممارسة. ستانفورد، مطبعة جامعة ستانفورد. بورديو، ب. (1984). التمييز: نقد اجتماعي لحكم الذوق. لندن، روتليدج. بورديو، ب. (1986). 'أشكال رأس المال'. دليل النظرية والبحث في علم اجتماع رأس المال. ج. ج. ريتشاردسون. نيويورك، مطبعة غرينوود: 241-258. جافينتا، ج. (2003). السلطة بعد لوكس: مراجعة للأدبيات، برايتون: معهد دراسات التنمية. مونكريف، ج. (2006). 'سلطة الوصمة: لقاءات مع 'أطفال الشوارع' و'الريستافيك' في هايتي'. نشرة معهد دراسات التنمية 37(6): 31-46. نافارو، ز. (٢٠٠٦) 'بحثًا عن تفسير ثقافي للسلطة'، نشرة معهد الدراسات الاستراتيجية ٣٧(٦): ١١-٢٢. فينيكلاسين، ل. وميلر، ف. (٢٠٠٢). نسيج جديد من السلطة والشعب والسياسة: دليل العمل للمناصرة ومشاركة المواطنين. أوكلاهوما سيتي، جيران العالم. واكانت، ل. (٢٠٠٥) هابيتوس. الموسوعة الدولية لعلم الاجتماع الاقتصادي. ج. بيكيت وميلان، ز. لندن، روتليدج.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store