logo
#

أحدث الأخبار مع #ترامبزيلينسكى

ما بعد قمة ترامب ــ زيلينسكى
ما بعد قمة ترامب ــ زيلينسكى

بوابة الأهرام

time٠٢-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • بوابة الأهرام

ما بعد قمة ترامب ــ زيلينسكى

مازال النقاش والجدال دائرا حول تبعات قمة ترامب- زيلينسكى التى جرت يوم الجمعة 28 فبراير. استمرار هذا الجدال أمر طبيعى لعاملين رئيسيين، أولهما أن ما دار بين الفريق الأمريكي، بقيادة الرئيس ترامب ونائبه جى دى فانس، والرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكي، هو نقاش كاشف عن السياسات الأمريكية المرتقبة خلال السنوات الأربع المقبلة بقيادة إدارة ترامب، التى تقوم بإجراء مراجعات جوهرية للعديد من السياسات الأمريكية التى تبنتها الإدارة الأمريكية الديمقراطية السابقة بقيادة جو بايدن تجاه عدد من الملفات الدولية المهمة، وفى مقدمتها الحرب الروسية ــ الأوكرانية. ثانيهما، ما كشفت عنه القمة من تقاليد غير مألوفة فى إدارة التفاوض حول قضايا خلافية، حتى ولو تعلق الأمر بإدارة التفاوض بين قوة عظمى ودولة صغيرة أو متوسطة. إذ لم يألف المجتمع الدولى إدارة هذا النوع من المفاوضات حول قضايا خلافية تتسم بدرجة غير قليلة من الحساسية، على الهواء وعلى مرأى ومسمع من كل القوى الدولية، بما فى ذلك طرفا الصراع المباشران. أضف إلى ذلك «اللغة الخشنة» المتبادلة بين الفريقين الأمريكى والأوكراني. ربما قصد الفريق الأمريكى توصيل رسالة أوسع نطاقا بأن الولايات المتحدة ستكون بالوضوح والمباشرة فى إدارة مصالحها والقضايا والأزمات الدولية إلى أبعد ما يمكن توقعه. لكن هذا لم يحدث فى حالة المباحثات الأمريكية ــ الروسية التى جرت بالرياض فى 18 فبراير الماضي، إذ جرت خلف أبواب مغلقة. العاملان السابقان يؤكدان أن دلالات وانعكاسات ما جرى فى هذه القمة لن تقف عند حدود العلاقات الأمريكية ــ الأوكرانية، ولن تقف عند حد التأثير على مسار أو مستقبل الحرب الروسية ــ الأوكرانية، وسيكون له تداعياته المهمة فى اتجاهات مختلفة، ستؤثر بدورها على مسار عدد من السياسات الدولية الرئيسية الراهنة، وعلى العديد من القيم والمبادئ الحاكمة للنظام العالمي، والمستقرة منذ عقود أو منذ قرون فى بعض الحالات. أبرز السياسات المتضررة نتيجة هذه القمة هى سياسة بناء التحالفات، ومبدأ «الحليف» فى العلاقات الدولية. فسياسة بناء التحالفات هى إحدى الظواهر المستقرة فى العلاقات الدولية، وإحدى السياسات المهمة فى إدارة التفاعلات والصراعات الدولية، وكانت إحدى السياسات المهمة التى جرى اتباعها خلال الفترة السابقة على الحرب العالمية الأولى، ثم قبل الحرب العالمية الثانية، ثم فى مرحلة الحرب الباردة، قبل أن تتراجع مع تفكك الاتحاد السوفيتى وانتهاء الحرب الباردة، لكنها عادت مرة أخرى خلال إدارة ترامب الأولى (2017- 2021)، على خلفية تصاعد حدة المنافسة مع الصين، من خلال تعميق التحالف الأمريكى ـــ الياباني، ثم استحداث «الحوار الأمنى الرباعي» (كواد) QUAD مع اليابان والهند وأستراليا. ورغم خروج ترامب من السلطة ومجيء إدارة ديمقراطية بقيادة بايدن (2021- 2025)، لكنها استكملت السياسة ذاتها من خلال ترقية «كواد» إلى مستوى القمة، ثم استحداث تحالف «أوكوس» AUKUS مع أستراليا والمملكة المتحدة فى سبتمبر 2021. ثم جاءت الحرب الروسية ــ الأوكرانية لتعطى حلف الناتو زخما كبيرا، ولتعيد الاعتبار للمجال الحيوى التاريخى للحلف، وللجغرافيا السياسية كمحدد مهم فى تحديد هذا المجال. وشهدت التحالفات والأحلاف زخما إضافيا مع سعى الناتو إلى توسيع اهتماماته لتشمل منطقة الإندوباسيفيك، وسعى عدد من القوى الآسيوية لتعميق علاقاتها مع الحلف. ما حدث يوم الجمعة الماضى قد يكرس لاتجاه معاكس يتمثل فى اهتزاز الثقة فى مبدأ «الحليف» فى العلاقات الدولية، حتى عندما يكون الحليف هو القوة العظمى المهيمنة على النظام الدولي، والمسئول الرئيسى حتى الآن ــ عن حماية الأمن العالمي، وحماية القيم والمبادئ الرئيسية التى يقوم عليها هذا النظام. وقد بدأ اهتزاز الثقة فى «الحليف» ليس فقط مع قمة الجمعة، لكن يمكن إرجاعه إلى قرارات أمريكية عدة سابقة، من ذلك على سبيل المثال عدم تناسب مستوى العلاقات الأمريكية ــ الباكستانية مع حجم الدعم الباكستانى للتحالف الدولى ضد الإرهاب فى أفغانستان الذى تشكل بقيادة الولايات المتحدة عقب أحداث سبتمبر 2001، ما أدى إلى عدم تطوير العلاقات بين البلدين إلى المستويات المتوقعة. كذلك، بدء إدارة ترامب الأولى مفاوضات مع طالبان أفغانستان، والتى انتهت بتوقيع اتفاق فبراير 2020، وما أعقبه من انسحاب أمريكى كامل من أفغانستان نتج عنه انهيار النظام القائم آنذاك بقيادة أشرف غني. من ذلك أيضا اتجاه إدارة ترامب الأولى إلى إعادة توزيع الأعباء المالية مع الحلفاء فى أقاليم عدة كأساس لاستمرار علاقات التحالف. ورغم أن هذا التوجه لم يؤد إلى انهيار العديد من التحالفات القائمة، لكنه ساهم بلا شك ــ بجانب توجهات أخرى ــ فى اهتزاز درجة الوثوق فى «الحليف» وتحويل علاقة التحالف من علاقة محكومة بالأساس بمصالح استراتيجية ومواجهة تهديدات مشتركة إلى علاقة محكومة بمصالح مالية، أو على الأقل تصاعد الوزن النسبى للمحدد المالي. هذا التوجه لن تقف آثاره، كما سبق القول، عند حدود العلاقات الأمريكية ــ الأوكرانية، لكنها ستطال فى الأغلب واحدة من أهم الشراكات الاستراتيجية المستقرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهى العلاقات عبر الأطلسى بين القوى الأوروبية والولايات المتحدة. وقد بدأت بالفعل هذه العلاقات فى التأثر بالتوجهات الأمريكية الجديدة بشأن العلاقة مع روسيا والحرب الروسية ــ الأوكرانية. ومن المتوقع أن تزداد الفجوة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين بالنظر إلى عوامل عدة أخرى، منها خصوصية «التهديد» الروسى بالنسبة للقوى الأوروبية، ووجود تيار أوروبى يدعم تعزيز استقلال أوروبا فى مواجهة الولايات المتحدة وتخفيض حجم الاعتمادية الأمنية عليها، بالإضافة إلى سعى قوى أوروبية إلى تعزيز دورها الدفاعى داخل المنظومة الأوروبية. سياسة التحالفات، ومبدأ «الحليف» لن يكونا المتضررين الرئيسيين، هناك سياسة أخرى لا تقل أهمية سوف ينالها الكثير من التأثر، وهى «تعددية الأطراف» multilateralism، وهى سياسة دافعت عنها الولايات المتحدة كثيرا، وتبنتها العديد من الإدارات الأمريكية حتى فى حالة القطبية الأحادية. العديد من القرارات الأمريكية الأخيرة، وعلى رأسها الانسحاب من بعض الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المهمة، نال من سياسة تعددية الأطراف، لكن تراجع الثقة فى مبدأ الحليف سيعمق هذا التأثير على سياسة تعددية الأطراف. << خلاصة القول إننا على ما يبدو إزاء مرحلة من اهتزاز، وربما انتهاء، العديد من السياسات والقيم والمبادئ التى قام عليها النظام العالمي، ما لم يتم تدارك هذا التوجه. ما حدث يوم الجمعة الماضية قد يكرس لاتجاه معاكس يتمثل فى اهتزاز الثقة فى مبدأ «الحليف» فى العلاقات الدولية، حتى عندما يكون الحليف هو القوة العظمى المهيمنة على النظام الدولي، والمسئول الرئيسى حتى الآن ــ عن حماية الأمن العالمي، وحماية القيم والمبادئ الرئيسية التى يقوم عليها هذا النظام.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store