logo
#

أحدث الأخبار مع #تلغرافعبدالعزيزالعمراني

ترامب ومستقبل العولمة
ترامب ومستقبل العولمة

إيطاليا تلغراف

time٠٦-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • إيطاليا تلغراف

ترامب ومستقبل العولمة

إيطاليا تلغراف عبد العزيز العمراني أستاذ ااتعليم العالي المغرب منذ ولادتها، اعتُبرت العولمة مشروعًا غربيًا بامتياز، تأسّس على مبادئ الليبرالية الاقتصادية، وحرية الأسواق، و'نهاية التاريخ' كما بشر بها فرانسيس فوكوياما. غير أن التحولات السياسية والاقتصادية داخل مراكز القوة الغربية كشفت عن مفارقة لافتة: الغرب الذي روّج للعولمة كوسيلة لتوحيد العالم وفق رؤيته، بدأ ينقلب عليها حين بدأت نتائجها تتعارض مع مصالحه. ففي كتابه 'من نحن؟ التحديات التي تواجه الهوية الوطنية الأمريكية'، عبّر صمويل هنتنغتون عن قلقه من تأثير العولمة على الهوية الوطنية الأمريكية، معتبرًا إياها عاملًا مهددًا لوحدة الأمة بسبب تآكل الانتماء القومي وظهور هويات متشظية. هذه المخاوف ما تزال حاضرة اليوم، كما يظهر في تصريحات جي دي فانس، نائب الرئيس الأمريكي، الذي قال إن العولمة خذلت الولايات المتحدة، داعيًا إلى هندستها مجددًا بما يكرّس تفوّق الغرب على الجنوب العالمي، لا سيما من خلال السيطرة على التكنولوجيا وسلاسل القيمة. وتُمثل سياسات دونالد ترمب مثالًا صارخًا على هذا الانقلاب؛ ففرضه للرسوم الجمركية، وتقييده للتجارة الدولية، وبناؤه جدرانًا اقتصادية ورمزية، تُظهر رفضًا للعولمة، لكنها في العمق ليست خروجًا عن العقل الليبرالي البراغماتي، بل إعادة توجيه لمبادئه بما يخدم المصالح القومية الأمريكية. إذ اعتمد ترمب بشكل واضح على السياسة الحمائية كأداة لاستعادة ما يعتبره 'الهيمنة الاقتصادية الأمريكية'، عبر تقييد الواردات، وتشجيع التصنيع المحلي، وتقليص الاعتماد على الخارج. فهو لا يرفض العولمة في ذاتها، بل يرفض أن يُستخدم سلاحها ضده. في المقابل، تنبّهت قوى كبرى صاعدة مثل الصين والهند إلى إمكانات العولمة، فاستثمرتها لتوسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي عالميًا. فالصين، التي كانت تُعد في الماضي ضحية للهيمَنة الغربية، تحوّلت إلى قوة عالمية تستغل أدوات العولمة نفسها—كالاستثمار الخارجي، والتكنولوجيا، والتجارة الحرة—لبناء مشروعها الخاص المتمثل في 'طريق الحرير الجديد'. أما الهند، فقد استثمرت مكانتها الديمغرافية والتكنولوجية لترسيخ دورها كلاعب محوري في الاقتصاد العالمي، وتقديم نفسها كممثل شرعي لطموحات الجنوب العالمي. وقد تزايد قلق الولايات المتحدة من تصاعد هذه القوى التي باتت تشكّل تحديًا حقيقيًا للهيمنة الغربية، لا سيما من خلال تكتلات بديلة مثل 'بريكس'، التي تضم الصين، روسيا، الهند، البرازيل، وجنوب إفريقيا، والتي انضمت إليها لاحقًا دول مثل مصر وإثيوبيا والإمارات وإيران وإندونيسيا. هذا التحالف يسعى إلى إعادة تشكيل النظام الدولي على أسس أكثر تعددية، ويطرح بدائل فعلية للمؤسسات المالية والاقتصادية الغربية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وقد سعت الولايات المتحدة، بشكل مباشر وغير مباشر، إلى إضعاف هذا التكتل أو تفكيكه عبر الضغوط الاقتصادية والسياسية ومحاولات التشويش على وحدته، إدراكًا منها بأن تماسك 'بريكس' يهدد موقعها القيادي في العالم. لقد تحولت العولمة، منذ بداياتها، من أداة لفرض القيم الغربية إلى ساحة مفتوحة لتداخل المحلي والعالمي. ما كان يُنظر إليه كأمركة للعالم، أصبح اليوم مسرحًا للهجنة الثقافية. فالطاجين والكسكس المغربي، على سبيل المثال، لم تعد مجرّد أطباق غريبة في مطاعم باريس أو نيويورك، بل صارت تمثّل حضورًا ثقافيًا جنوبياً داخل المركز. ومع أن هذه الظواهر تُحتفى بها، إلا أنها تثير أيضًا توترًا داخل المجتمعات الغربية، التي باتت تعاني من القلق الهوياتي وتصاعد الشعبوية والقومية. مارشال مكلوهان، حين وصف العالم بأنه 'قرية صغيرة'، لم يكن يتخيل أن هذه القرية ستصبح ساحة صراع بين من يملك أدوات الهيمنة ومن يحاول الإفلات منها. فالعولمة، التي بدأت كأداة استعمارية ناعمة، أصبحت اليوم وسيلة تستعملها الشعوب المُهمشة لإعادة تشكيل المشهد العالمي. ولم تعد دول الجنوب العالمي مجرد أطراف متلقية، بل أطراف فاعلة تعيد رسم معالم النظام الدولي الجديد، كلّ وفق مصالحه واستراتيجياته الخاصة. ليست العولمة شراً مطلقًا أو خيرًا خالصًا. إنها ظاهرة مركبة، تتغير باستمرار، وتنتج التناقضات بقدر ما تفتح الآفاق. وما دونالد ترمب إلا تجسيد لهذه المفارقة: زعيم غربي يحارب العولمة باسم القومية، لكنه يوظف أدواتها للحفاظ على التفوق الغربي. وإذا كان الغرب يعيد اليوم النظر في قواعد اللعبة، فإن بقية العالم لم يعد متفرجًا، بل فاعلًا يعيد رسم ملامح 'القرية الكونية' من جديد. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف إيطاليا تلغراف

التلفزيون المغربي: فرصة مهدورة للارتقاء الثقافي
التلفزيون المغربي: فرصة مهدورة للارتقاء الثقافي

إيطاليا تلغراف

time٢٨-٠٣-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • إيطاليا تلغراف

التلفزيون المغربي: فرصة مهدورة للارتقاء الثقافي

إيطاليا تلغراف عبد العزيز العمراني أستاذ التعليم العالي المغرب مع اقتراب نهاية شهر رمضان المبارك، يحق لنا تقديم بعض الملاحظات العامة حول الإنتاجات الفنية التي عُرضت على القنوات الحكومية المغربية. قد يتساءل البعض: لماذا أقحم نفسي في مجال يُعد حكرًا على النقاد الفنيين؟ غير أنني، باعتباري أستاذًا للأدب والدراسات الثقافية، وأحد المساهمين في تمويل القنوات العمومية عبر الضرائب، أجد نفسي معنيًا بمستوى الرداءة التي تطغى على معظم البرامج الفنية المعروضة خلال شهر رمضان المبارك على القنوات الرسمية للدولة. فالصمت أمام هذا الانحطاط من قِبل المختصين والمثقفين لا يؤدي إلا إلى شرعنته واستمراره، مما يخلق واقعًا ثقافيًا مُشوّهًا لا يعكس عمق الهوية المغربية. الفن ليس فقط مجرد وسيلة للترفيه والتسلية، بل هو أيضا أداة قوية تُسهم في تقدم الأمم عبر نقد البُنى السلطوية وكشف الظواهر الاجتماعية التي تعيق تطورها. فمن خلال مساءلة الوضع القائم، يساهم الفن في رفع مستوى الوعي المجتمعي، ويفضح المظالم، ويسلط الضوء على الفئات المهمشة، بل وقد يؤدي أحيانًا إلى تغييرات قانونية واجتماعية عميقة. في أوروبا، كان للأعمال المسرحية والأدبية تأثير هائل في نقد السلطة وتوجيه الرأي العام، كما هو الحال مع مسرحيات شكسبير التي كشفت خفايا الصراع السياسي، أو روايات فيكتور هوغو التي ساهمت في إثارة الوعي حول الظلم الاجتماعي، ولا سيما البؤساء التي ألقت الضوء على معاناة الطبقات المسحوقة وساهمت في تحفيز النقاش حول الإصلاحات الاجتماعية في فرنسا. وإذا نظرنا إلى إيطاليا، نجد أن النهضة الأوروبية ذاتها لم تكن لتتحقق لولا الدور الحاسم للفن في تشكيل وعي المجتمع وإعادة تعريف القيم الجمالية والفكرية. ففي عصر النهضة، لم يكن الفن مجرد انعكاس للواقع، بل كان قوة محركة للتغيير والإبداع. لقد لعبت أعمال مايكل أنجلو ورافائيل وليوناردو دافنشي دورًا جوهريًا في ترسيخ قيم الفكر الإنساني وإعادة الاعتبار للجمال والمعرفة. كما أن المسرح الإيطالي، ممثلًا في الكوميديا ديلارتي، ساهم في توجيه النقد الاجتماعي والسياسي من خلال شخصيات ساخرة كشفت عيوب الطبقات الحاكمة وألهمت الحركات الإصلاحية لاحقًا. هذه النهضة الفنية لم تكن ترفًا، بل كانت تعبيرًا عن طموح أمة بأكملها للخروج من عصور الظلام نحو الحداثة والتقدم. إذا كان التاريخ الأوروبي حافلًا بأمثلة تثبت قدرة الفن على قيادة التغيير، فإن المغرب، بحضارته العريقة الممتدة لآلاف السنين، يستحق أن يكون له إنتاج فني يرقى إلى مستوى هذا الإرث الثقافي. لكن، وللأسف، ما يُعرض اليوم على القنوات العمومية لا يعكس الهوية المغربية ولا يواكب التحولات الفكرية التي تشهدها البلاد، بل يساهم في تسطيح الوعي الجماعي من خلال محتوى خالٍ من العمق والإبداع. إن المتأمل في مضامين الأفلام والمسلسلات والسيتكومات التي تُعرض على القنوات المغربية يجد أنها، بدلًا من أن تُقدم محتوى راقيًا يعزز القيم الإيجابية، تُكرّس أنماطًا اجتماعية وسلوكية غير أخلاقية لا تمتّ إلى النسيج الثقافي المغربي بصلة. نلاحظ، على سبيل المثال، الترويج لعلاقات محرّمة، مثل علاقة رجل بزوجة عمّه، أو تصوير فتاة قاصر تدخل في علاقة غير متكافئة مع رجل خمسيني، مما يُعد تطبيعًا مع ممارسات غير مقبولة اجتماعيًا. كما أن الانتشار المفرط لمشاهد العنف واستعمال الأسلحة البيضاء، إلى جانب توظيف عبارات سوقية مبتذلة، يعكس انحدارًا في الذوق العام بدلًا من الارتقاء به. والمثير للسخرية أن بعض هذه الأعمال لا تتناول أي قضية مجتمعية ذات مغزى، بل تدور في حلقات مفرغة، كما هو الحال مع بعض الإنتاجات التي لا يجد مخرجوها موضوعًا أكثر أهمية من تصوير مشاهد عشوائية لسرقة أبقار في كل حلقة! إن خطورة هذا النوع من المحتوى لا تكمن فقط في تدني مستواه الفني، بل في تأثيره على الأجيال القادمة، حيث يُعيد تشكيل وعيهم وفق أنماط ثقافية لا تعكس واقعهم الحقيقي، بل تكرّس قيمًا سطحية تُفرغ الفن من جوهره التنويري. وقد شهد التاريخ الأوروبي فترات مشابهة، حيث انتشرت في بعض الحقب أعمال تهدف إلى الترفيه الفج دون أي قيمة فنية أو فكرية، مما دفع نخبة من المثقفين إلى المطالبة بإصلاحات ثقافية شاملة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، الحركة الأدبية والفنية في عصر التنوير، التي واجهت الرداءة السائدة آنذاك وساهمت في تطوير أعمال نقدية هادفة، مثل كتابات ديدرو ومونتسكيو التي لعبت دورًا في تشكيل الوعي السياسي والاجتماعي. إن استمرار هذا التوجه في الإنتاج التلفزيوني المغربي يُعد مؤشرًا خطيرًا على انحراف الفن عن دوره الحقيقي. فبدلًا من أن يكون أداة للإبداع والتطور، أصبح وسيلة لتكريس الركود الثقافي والجمود الفكري. والأدهى من ذلك هو غياب الدراما الدينية والتاريخية التي تعكس الإسلام المغربي المعتدل والشخصية المغربية المتفردة. فالمغرب، بتاريخه العريق وإرثه الروحي والثقافي الغني، يزخر بشخصيات تاريخية تستحق أن تُقدَّم في أعمال درامية تبرز قيم التسامح والاعتدال التي ميّزت التجربة المغربية عبر العصور. لكن بدلًا من ذلك، نجد المحتوى المعروض اليوم يقتصر على أنماط نمطية مكررة، تُهمّش البعد الحضاري والديني للبلاد، ولا تُقدّم أي بديل فكري أو ثقافي يمكن أن يساهم في بناء وعي مجتمعي رصين. رغم هذه العتمة التي تغلف المشهد الفني، إلا أن هناك نقطة مضيئة تستحق الإشادة. تتمثل هذه النقطة في بعض المحاولات الفنية الناجحة التي سعت إلى إحداث تغيير في المجتمع عبر تسليط الضوء على الظواهر القبيحة والممارسات الاجتماعية السلبية. على سبيل المثال، تناول بعض الأعمال الفنية قضايا مثل التسول، الذي أصبح ظاهرة تزداد تعقيدًا في المغرب، والرقية الشرعية التي يتم استغلالها لأغراض تجارية أو لترويج الخرافات. هذه الأعمال لم تكتفِ بتسليط الضوء على هذه الظواهر، بل دعت أيضًا إلى ضرورة معالجتها على المستوى الاجتماعي والإنساني. وعلى الرغم من أن هذه المحاولات قد تكون قليلة، إلا أنها تعكس وعيًا فنيًا حقيقيًا واهتمامًا بالقضايا المجتمعية التي تساهم في بناء ثقافة نقدية ومؤثرة. المغرب، كأمة ذات تراث حضاري عميق، يستحق فنًا يُسهم في تطوير فكر أبنائه، لا أن يُغرقهم في مستنقع التفاهة والاستهلاك السطحي. وإذا كان الفن في أوروبا قد نجح في تجاوز مراحل الرداءة بفضل جهود المثقفين والنقاد الذين طالبوا بالإصلاح، فإن المغرب بحاجة إلى نهضة فنية مماثلة تعيد للفن مكانته كوسيلة للتنوير والتغيير. إيطاليا تلغراف

أمريكا بين دعم الاحتلال الإسرائيلي وادعاء الوساطة
أمريكا بين دعم الاحتلال الإسرائيلي وادعاء الوساطة

إيطاليا تلغراف

time١٩-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • إيطاليا تلغراف

أمريكا بين دعم الاحتلال الإسرائيلي وادعاء الوساطة

إيطاليا تلغراف عبد العزيز العمراني أستاذ التعليم العالي المغرب في ظل التصعيد الإسرائيلي غير المسبوق في غزة واستمرار قمع الفلسطينيين في الضفة الغربية، يتجلى بوضوح الدعم الكبير الذي تحظى به إسرائيل من القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة. والأدهى أن استئناف آلة الحرب الإسرائيلية تدميرها في غزة لم يكن قرارًا إسرائيليًا صرفًا، بل جاء نتيجة مباشرة للضوء الأخضر الذي منحته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ولم يقتصر هذا الدعم على التصريحات السياسية، بل تُرجم عمليًا من خلال تزويد إسرائيل بالأسلحة الثقيلة، بينما ترفع واشنطن شعارات السلام الزائفة. فكيف يمكن لرئيس أمريكي أن يصف نفسه برجلِ السلام، في الوقت الذي يسمح فيه لإسرائيل بقتل أكثر من أربعمئة مدني فلسطيني في يوم واحد خلال شهر رمضان؟ وكما يقول المثل المصري الشعبي: 'حاميها حراميها'، فإن واشنطن، التي تدّعي السعي للسلام، هي ذاتها التي تزود آلة الحرب الإسرائيلية بكل ما تحتاجه لمواصلة جرائمها ضد الفلسطينيين. لا يمكن التعامل مع واشنطن كوسيط نزيه في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بل كشريك رئيسي في الجرائم المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني. فمن دون الدعم الأمريكي المستمر، لما تمكنت إسرائيل من ترسيخ احتلالها، وتعزيز نظامها الاستيطاني، وإحكام قبضتها على الأراضي الفلسطينية. فمنذ نشأة إسرائيل، قدمت لها الولايات المتحدة دعمًا سياسيًا وعسكريًا غير محدود، زوّدتها بأحدث أنواع الأسلحة، وحمتها من أي مساءلة دولية عبر استخدام الفيتو في مجلس الأمن. ومع إدارة ترامب، ازداد هذا الانحياز بشكل صارخ، وتكثّفت المساعدات العسكرية، وتجاهلت واشنطن القانون الدولي وحقوق الإنسان. وهذا يؤكد أن الدعم الأمريكي لإسرائيل ليس مجرد تحالف استراتيجي، بل هو انحياز أيديولوجي وسياسي راسخ، تغذيه اللوبيات الصهيونية داخل الولايات المتحدة، والتي لم تكتفِ بتوجيه السياسة الخارجية الأمريكية، بل أصبحت تهدد التوازن السياسي الداخلي والخارجي لأمريكا نفسها. والأخطر من ذلك أن الصهيونية الدينية لم تعد مجرد أيديولوجيا داعمة لإسرائيل، بل باتت تهدد المجتمع الأمريكي ذاته، حيث تتغلغل في مؤسساته السياسية والإعلامية، مؤثرة في توجهاته الداخلية والخارجية على نحو غير مسبوق. رغم أن الولايات المتحدة كانت أحد المؤسسين الرئيسيين للأمم المتحدة، التي يُفترض أن تكون منصة لحل النزاعات بطرق سلمية، فإنها لم تمارس أي ضغط حقيقي على إسرائيل لوقف المجازر ضد الفلسطينيين، بل على العكس، استخدمت الفيتو أكثر من أربعين مرة لحماية إسرائيل من أي مساءلة دولية، مما أفقد المنظمة الدولية مصداقيتها وجعلها عاجزة عن تنفيذ قراراتها المتعلقة بالقضية الفلسطينية. حتى الدول الأوروبية، التي بدأت مؤخرًا بانتقاد السياسات الإسرائيلية، ما زالت مقيدة بتحالفاتها مع واشنطن، ما يجعل تأثيرها محدودًا. آن الأوان للدول العربية أن تتخذ موقفًا موحدًا لحماية أمنها القومي، بعيدًا عن الارتهان لواشنطن، التي أثبتت أنها لا تعير مصالح العرب أي اعتبار. التجربة الأوروبية اليوم تثبت هذه الحقيقة؛ فبعد عقود من الاعتماد على الحماية الأمريكية، بدأت الدول الأوروبية تدرك خذلان واشنطن، وتسعى إلى بناء بدائل أمنية مستقلة. فلماذا لا تقوم الدول العربية بالمثل؟ لماذا لا تسعى لإنشاء نظام أمني عربي مشترك، قائم على تعزيز التكامل الاقتصادي والعسكري، واستغلال الأدوات الضاغطة مثل الثروة النفطية والدبلوماسية، لإعادة توازن القوى وإجبار المجتمع الدولي على احترام الحقوق الفلسطينية؟ تؤكد الأدبيات ما بعد الاستعمارية أن الشعوب التي قاومت الاستعمار، رغم ما واجهته من عنف ممنهج ومذابح، انتصرت في النهاية، وهذا ما سيحدث في فلسطين. فإسرائيل، مهما طال احتلالها، لن تستطيع كسر إرادة الفلسطينيين، الذين أثبتوا عبر تاريخهم النضالي، من الانتفاضات إلى المقاومة السلمية، أن الحقوق لا تُنتزع بالقوة فقط، بل تُنتزع أيضًا بالإصرار والصمود. إن تحقيق سلام حقيقي في الشرق الأوسط لن يكون عبر 'صفقات القرن' المزعومة، بل عبر الاعتراف الكامل بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها إقامة دولة مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف. وحتى يتحقق ذلك، ستظل المقاومة مستمرة، وسيبقى نضال الفلسطينيين جزءًا من مسيرة التحرر التي أثبت التاريخ أنها لا تنتهي إلا بانتصار المظلوم على الظالم. الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ليس مجرد نزاع عسكري، بل اختبارٌ للعدالة والأخلاق في النظام الدولي. إن استمرار إسرائيل في الإفلات من العقاب، بدعم غالبية الدول الغربية، يكرّس ثقافة العنف والاحتلال، ويهدد الأمن العالمي. على الدول العربية أن تتبنى استراتيجيات فعالة، تتجاوز البيانات والشجب غير المجدي، وأن تتحرك ككتلة موحدة للدفاع عن القضية الفلسطينية، واستثمار أوراقها الاقتصادية والدبلوماسية بذكاء. أما على المستوى الدولي، فقد آن الأوان للمجتمع الدولي أن ينتصر للقانون والعدل، وألا يبقى رهينة للنفوذ الأمريكي والصهيوني. فكما انتصرت حركات التحرر في العالم، ستنتصر فلسطين، لأن الاحتلال لا يدوم. إيطاليا تلغراف

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store