أحدث الأخبار مع #جانبولسارتر


بوابة ماسبيرو
منذ 14 ساعات
- ترفيه
- بوابة ماسبيرو
هاجس الإنسان الدائم الموت.. إجابة النهاية
ضع نفسك فكريا فى أرض الموت.. ظهرك للجدار وعليك أن تواجه مصيرك المجهول القادم.. هذه المرة بلا قدرة على المقاومة أو المغامرة أو المقامرة فجميع الاحتمالات مفتوحة. لا شك أن الموت هو هاجس الإنسان طويل الأجل، فهو الذى سكنه و خيم على حقيقة وجوده فى الحياة، فكانت حياة مفعمة بالصراع والجدل وإثارة التساؤلات، وكان السؤال الأساسى هو هل يمكن التغلب على فكرة الموت وهل حتميته تعنى الفناء الكامل؟ يقول جان بول سارتر: لعل من فكرة الموت هذه قد نشأت بالضد الحياة، لذا وقع الإنسان حائرا بين نقيضين فسأل كيف سيعيش وإلى متى؟ و من هنا أصبح مشهد الزوال عالقًا فى الأذهان الحية كنبوءة يجب أن تتحقق مهما حاول أى كائن التهرب منها ومن كونها سنة الحياة. قضية الموت كم من أسئلة فلسفية قادت بشكل أو بآخر إلى التفكير اللا منطقى فى الأشياء، ولعل البحث وراء فكرة الموت أهمها و أطولها، ليبدو الأمر كأنه تحقق من الوجود ذاته عبر التفكير فى نهايته، و يكون الموت بهذا جزء لا يتجزأ من الحياة نفسها. فى قراءة بكتاب "الوجيز فى تاريخ الموت" نتلمس مناقشة واضحة حول فكرة الموت من خلال إحدى الملاحم الشهيرة، وهى ملحمة جلجاميش حيث يجد جلجاميش نفسه واقفا أمام الفناء من خلال موت صديقه الذى يرفض أن يسلم جسده للدفن ليأكل الدود جسمه ويخرج من أنفه.. هنا يشعر بطل الملحمة لأول مرة بأنه فان رغم أسطورته المشهورة، و آيل للسقوط رغم قوته وعظمته، وبالتالى أحس الخوف والرهبة من هذا القادم لا محالة فقرر أن يترك أى شىء و يهيم فى الأرض لاكتشاف سر الخلود، وهو ما سيؤدى به إلى خوض المغامرات الكثيرة والعجيبة برفقة العقرب الذى من المفترض سيتولى حمايته أثناء المرور الحتمى على مياه الموت نحو اللا فناء المزعوم. و تبعا لهذا المنطلق تبدو ملحمة جلجاميش وكأنها تتحدث عن هذه العلاقة الجدلية الأزلية للحياة و الموت ليكتشف الجميع الحقيقة الوحيدة وراء هذه الثنائية الخالدة بأن سر الخلود يكمن فى الأعمال و المعانى الإنسانية ومجموعة القيم التى عاش بها الإنسان فتلك التى ستتبعه إلى الحياة الثانية فإما إلى نعيم أو جحيم. أما عن تتبع أصل الموت فنجد القصة قد بدأت مع نزول آدم وحواء إلى الأرض بعد استبعادهما من جنة الله الأبدية ليكون الموت هو نهاية البداية لأى كائن فتتجلى كلمات الله "أن كلكم لآدم و آدم من تراب"، ولذا يبدو الموت كفرض أو كورث أو إن جاز التعبير كعقاب إلهى جزاء عصيان أمر الله و طاعته بعدم أكل التفاحة المحرمة، وهو ما يأتى جليا بهذه الصورة فى سفر التكوين بالإنجيل المقدس، وفى القرآن الكريم الذى يوضح كون الموت أقصى و أقسى نهاية و خاصة للإنسان العاقل فشبهه بالمصيبة فى قوله "أينما كنتم تدرككم مصيبة الموت" وقوله "كل من عليها فان"، ولكن الإنسان عدو ما يجهل، لذا فالخوف هنا من هذا المجهول المصيرى و الإجبارى و هو ما جعل الموت مادة خصبة للمناقشة حتى مع الذات، حيث تتملك الحواس الهواجس فتكون قضية الموت قدرا لا يمكن تفهمه بسهولة. يقدم الأستاذ الجامعى أندرو دويج فى كتابه "تاريخ الموت" صورة مذهلة عن الموت عبر التاريخ، حيث أكد أن أسباب الوفاة نفسها قد تغيرت عبر الزمن.. ففى غضون عدة قرون انتقل العالم من معرفة أن الموت كان نتيجة مواجهة قوى الطبيعة أو الحيوانات الضارية إلى كونه نتيجة كبر العمر أو الأمراض المعدية إلى أن أصبح مع الوقت نتاج هجرات و مجاعات حتى وصل إلى الوقت الذى يموت فيه الإنسان نتيجة الاكتئاب و كأن للموت أشكال مع حركة الزمن وتغير الأجيال حتى جاء اليوم الذى أسس فيه القائم على الكنيسة الإنجليزية برنامجا على الهاتف ليساند أولئك المقدمين على الموت نتيجة الصدمات العاطفية، و تتبع الأمر هنا يثير التعجب فقد بدأ الموت من خلال حادثة قتل فيها قتل ابنى آدم أحدهما الآخر ليكون أول إنسان يوارى جسده التراب هو جسد ابن من أبناء عدم الطاعة. وربما من يومها ظهرت هذه الضبابية الميتافيزيقية المترنحة بين الحقيقة و الخوف منها، وسلك الإنسان طريق الأسئلة اللا متناهية عن جدلية الموت والحياة والتى لم تبلغ أبدا منتهاها و لا حدها الأقصى.. ما دفع الإنسان حيالها لاتخاذ ردات فعل مختلفة تراوحت بين التوق الجامح للخلود أو الغوص فى فلسفة الفناء حيث التعالى على مشاعر الخوف من الموت بل البحث السريع عنه دون انتظاره. الموت العبادة الغائبة فى وصف للمؤلف الأمريكى وول ديورانت بكتابه "الموت فى الحضارات القديمة" يقول: إن الموت كان بمثابة عبادة غائبة حين عبد الإنسان القديم القوى الكائنة آنذاك قاصدا تحدى الموت والظروف المؤدية إليه، وقد عبر عن هذا المعنى فى الأسطورة الإغريقية مثلا حين أنقذ أورفيوس حبيبته من عالم الأموات للأبد مخالفا بذلك رغبة الإله زيوس. وكما تعددت أسباب الموت وطرق التعامل معه تعددت صوره التى صورتها الأساطير فى الحضارات المختلفة، ففى مصر القديمة مثلا كان الموت الأول هو طريق للحياة الأخرى بعد البعث، لذا أخذ المصرى القديم معه كل ما يعينه فى هذه الرحلة الطويلة من زاد و أثاث بل و خدم و صور وتماثيل تصور له منحوته ومنقوشة ومرسومة صورا واضحة لحياته الأولى حتى يستطيع تذكرها بعد رحلة الرجوع، بل وذهب إلى الرضوخ إلى عمليات التحنيط حفاظا على جسده من التحلل وواستعان على عودة الروح له ثانيا بالتعاويذ وحبه للآلهة وبخاصة إله الحساب والبعث أوزوريس، وقد جاء هذا مخالفا مثلا لتصور الموت فى الأساطير الفينيقية وغيرها من الحضارات القديمة، ولكن كان القاسم المشترك دائما وسط الاختلاف هو فى ضرورة مواجهة الموت. ميثولوجيا الموت صدر عن المركز العربى للأبحاث و الدراسات السياسية كتاب "الموت بين المجتمع و الثقافة" من تأليف الباحث أحمد زين الدين الذى شرح فى ثلاثة أقسام و أربعة وعشرين فصلا تيمة الموت ومعناها المختلف بين الأمم والشعوب والمجتمعات، وذلك بناء على مساهمة الأديان والمعتقدات فى هذا الشأن فيقول الباحث: إن الموت فكرة ينفر منها الجمع الأعظم من الناس لما تسببه من اضطرابات و هواجس ووانطباعات سلبية قادمة من هذا المجهول المتجاوز لأى مفهوم يمكن الإمساك به فى محاولة لاستيعابه عقلا، و يؤكد على أن بالرغم من أن الأحياء يواجهون موت الأقرباء منهم أو حتى غير القريبين كل لحظة.. ذلك حين يدق الباب فيخطف أحدهم فلا يرى مرة أخرى إلا أن مشاعر الحزن و الفقد و الحرمان تزيد من مشاعر الرهبة و الخوف منه، و مع هذا فإن فترة الحداد و الحسرة تفصل الأحياء عن البحث فيما وراء السؤال الصعب، و هو ماذا إن زارنا نحن هذا الزائر المخيف؟ وبالطبع بخلاف الإنسان فجميع المخلوقات التى ستموت هى الأخرى حتما لا تخشى الموت وإن ذهب البعض منهم إلى إظهار بعض التأثر عبر إصدار حركات وأصوات تنم عن الحزن ليبقى بنى آدم وحده فى هذه المفردة وهى الموت، لذا فقد عمل على مواجهتها باختراع القصص أو الاستماع إلى معانى طيبة تستحضر الصفات الحميدة فى شخص الميت التى ستشفع له بالتأكيد فور ملاقاة ربه، و لهذا ربما لعبت المعتقدات و الأديان دورا بارزا فى لعبة الموت، فكانت الممارسات الشعائرية و الطقوس الجنازية التى بلورت من ناحية قدسية الموت ومن ناحية رسمت هالة حول بهاء الحياة مهما كانت صعبة ومأساوية. ومما لا شك فيه أن الموت يجبر البشر من الأحياء على آلا يديروا له ظهورهم أو يحاولوا نزع فتيل الهيبة عنه، و لهذا خضعوا لأن يخوضوا معه أثناء الحياة معركة لا تضع أوزارها إلا بانتصار الموت فى كل مرة، وبخاصة أن الحياة نفسها بعيدا عن الموت الحقيقى متشبعة أصلا و لأقصى درجه بصور منه ولا مفر منها إلا بهذا الموت الحقيقى. هذا و يرى أحمد زين الدين فى كتابه أن الثقافات المختلفة كانت و لا تزال أدوات عبقرية لإخفاء وجه الموت و حقيقته أو علها تزينه أحيانا باحتمالات التعايش مع فكرته بما يضمن على الأقل التخفيف من أثر الخوف منه، لذا كان الموت طوال الوقت مشهدا يخص الأحياء أكثر ما يخص الأموات، و بقى فى الذاكرة الحاضرة أكثر الظواهر الميتافيزيقية تساؤلا فكر ست الثقافات من أجل هذا أرثى لقصة التكيف مع حتميته فكانت التقاليد و العادات الاجتماعية، وكذا السرديات التى حاولت بمعناها استيعاب الانفعالات الناجمة عن فكرة انتزاع أحد أفراد الجماعة بلا رجعة تحت أى سبب مهما كان متوقعا. و هكذا ظلت إشكالية الموت إشكالية متوارثة طرحت وستطرح فى جميع الأزمنة والأمكنة الأسئلة غير المجاب عنها، و قد حاول المفكرون والفلاسفة و الأدباء و الشعراء بل و اختصاصى علم النفس و الاجتماع ملامستها، فكان الاستنتاج المتفق عليه رغم اختلاف الرؤى أن الجسد بالموت الطبيعى فان أما الروح فبشكل أو بآخر باقية، و فى هذا كانت التصورات الثقافية التى تقر هذا المفهوم بما لا يمكن إنكاره و الذى يطرح موجودا مكملا لدورة الحياة. الموت فى الضوء يقول المفكر لويس لافال إن من المستحيل الفصل بين التأمل فى الموت دون التأمل فى الحياة، حيث إن الموت علامة دالة على قيمة الحياة و هو نفس ما ذهب به أفلاطون مثلا من أن مادام الموت و الحياة زوجا له سمة التضاد فإن التأمل فى أحدهما يعنى بالضرورة التأمل فى الآخر، و ذلك بأن و بمجرد استبعاد فكرة الموت عن الحياة تبدو الحياة كمزحة أو مجرد تسلية أو زمن مهدر مهما كان حجم الإنجاز فيه، فالموت يجبرنا على النظر للحياة بأنها دار فناء محتم و الموت دار بقاء طويل و أن نسيان ذلك ينتهى بنسيان كلاهما معا. وعليه فإن الحياة و الموت قدر لا فرق بينهما إلا أننا بلحظة الميلاد نكون حاضرين فقط بأجساد ضئيلة بينما قبل الموت فنحن موجودون بذواتنا وأفكارنا و أعمالنا بجانب جسد أصبح ضعيفا، و لذا فالموت لحظة ضوء حيث حياتنا قد تشكلت بالفعل بفعل ماض، أما الحياة فمحدودة مؤقتة بفعل حاضر و مستقبل ممكن. وبنظرة خاصة كان الموت مؤرقا للفلاسفة فاعتبره سقراط مثلا نهاية المعرفة و غياب الوعى بينما رآه سارتر إقصاء للحرية و لدى الفلاسفة الرواقيون، فكان التعبير بأنه ليس شرا بل عودة عبر التحلل من العناصر الأربعة المكونة للحياة إلى الصورة الطبيعية فى الأرض أى إلى الحالة الأولى، أما عند فرويد فهو نهاية العلاقات الإنسانية و العواطف مثل الحقد و الأنانية و الحب والمصلحة... الخ، و لكن بنظرة عامة كان الموت فلسفيا عادلا يطل على الجميع بسواء ولم يفرق بين وطن أو عرق و هو ما يذكره مفكر مثل جاك شورون مؤلف كتاب "الموت فى الفكر" فيقول بأنه حالة لا تفرق بين غنى وفقير و لا غبى وذكى هذا و إن اختلفت الأسباب والأساليب ليبقى الفرق الأكيد هو بين ميت مؤمن وميت غير مؤمن، وذلك فى ظل وجود رب يحاسب مبدئيا على هذا الأساس وبالطبع لا فرق هنا أيضا بين أن تكون الحياة كانت قصيرة أم طويلة و هذا وفقا لتفسيرات الأديان لهذه المسألة الكبرى.


الشرق الأوسط
٢٢-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الشرق الأوسط
ما بعد الحرية المطلقة في العالم الغربي
تشكل الحرية أحد المبادئ الأساسية التي قامت عليها المجتمعات الغربية الحديثة، حيث تُعدّ ركيزة أساسية في النظم الديمقراطية التي تؤكد حرية الفرد في التعبير، والاعتقاد، والاختيار، ومع ذلك، فإن الحرية المطلقة - أي التحرر من كل الضوابط والمعايير المجتمعية التقليدية - أثارت نقاشات واسعة حول تداعياتها النفسية والاجتماعية، فمن ناحية، عززت هذه الحرية الابتكار والاستقلالية، لكنها من ناحية أخرى أدت إلى تحديات اجتماعية وسلوكية أثرت في استقرار النظم الاجتماعية، وفي الهوية الفردية. يسعى هذا المقال إلى تحليل التأثيرات النفسية والاجتماعية للحرية المطلقة في المجتمعات الغربية، مستنداً إلى النظريات السيكولوجية والاجتماعية، مع تسليط الضوء على انعكاساتها على السلوك الفردي وتماسك المجتمعات. أولاً: الحرية المطلقة بين الفلسفة والسيكولوجيا ترتبط فكرة الحرية المطلقة ارتباطاً وثيقاً بالفلسفات الليبرالية والوجودية، فقد رأى الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر أن الإنسان «محكوم بأن يكون حراً»، أي أنه مسؤول بشكل كامل عن أفعاله وقراراته، بينما دعا جون ستيوارت ميل إلى حرية الفرد ما دامت لا تسبب ضرراً للآخرين. لكن المشكلة تكمن في أن تحديد مفهوم «الضرر» يظل مسألة نسبية، ما يفتح الباب أمام تفسيرات متباينة للحرية قد تؤدي إلى فوضى اجتماعية. الحرية المطلقة من منظور سيكولوجي، من الناحية النفسية، تُشير حسب نظرية «القلق الوجودي» لإيرفين يالوم إلى أن الحرية المطلقة قد تؤدي إلى شعور عميق بالقلق نتيجة غياب المعايير الخارجية التي توجه السلوك؛ فحين يكون الإنسان حراً بلا حدود، يصبح مسؤولاً عن صياغة قيمه الخاصة، مما قد يولد حالة من التوتر وعدم اليقين. كذلك، يرى عالم النفس إريك فروم في كتابه «الهروب من الحرية» أن الحرية غير المنضبطة قد تدفع الأفراد إلى البحث عن هويات بديلة، أو إلى الانخراط في أنماط سلوكية غير مستقرة، بسبب عدم قدرتهم على تحمل ثقل المسؤولية الفردية المطلقة. ثانياً: تداعيات الحرية المطلقة على السلوك الفردي أدت الحرية المطلقة في بعض المجتمعات الغربية إلى تراجع القيم التقليدية التي كانت توجه السلوك الاجتماعي، مثل الأسرة، والدين، والالتزامات المجتمعية، فقد أصبحت مفاهيم مثل «النجاح الشخصي» و«الإشباع الذاتي» أكثر أهمية من المسؤوليات الاجتماعية. ووفقاً لدراسات في علم النفس الاجتماعي، فإن هذا التحول أدى إلى زيادة النزعة النرجسية بين الأفراد، حيث باتت الأولوية لإشباع الحاجات الشخصية على حساب القيم الجماعية. تشير دراسات علم النفس إلى أن الحرية المطلقة قد تكون عاملاً مؤثراً في تزايد معدلات القلق والاكتئاب، وبخاصة بين الشباب، فبدلاً من أن تؤدي الحرية إلى راحة نفسية، فإنها قد تخلق ضغوطاً نفسية متزايدة بسبب غياب المعايير المحددة... فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة نُشرت في مجلة «علم النفس غير الطبيعي» أن الأفراد الذين يعيشون في مجتمعات ذات حرية غير مقيدة يعانون من مستويات أعلى من التوتر، مقارنة بأقرانهم في المجتمعات التي تضع حدوداً أخلاقية أو قانونية أكثر وضوحاً. من تداعيات الحرية المطلقة أيضاً زيادة معدلات الإدمان على المخدرات، والكحول، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يبحث الأفراد عن أشكال من الهروب النفسي في ظل غياب الضوابط الذاتية. فمع انتشار فلسفة «افعل ما تريد»، أصبح الإشباع الفوري من السمات الأساسية للسلوك الاستهلاكي في المجتمعات الغربية، مما أدى إلى أنماط حياة تفتقر إلى الانضباط والسيطرة الذاتية. ثالثاً: تأثير الحرية المطلقة على النظم الاجتماعية أدت الحرية المطلقة إلى تفكك الأسرة وتراجع العلاقات الاجتماعية؛ فالأسرة التقليدية كانت لقرون طويلة حجر الأساس في النظم الاجتماعية، لكن مع تزايد النزعة الفردية في الغرب، شهدت الأسرة تحولات جذرية، حيث ارتفعت معدلات الطلاق، وتراجعت معدلات الزواج، وازدادت الأسر ذات العائل الواحد. ويرجع علماء الاجتماع هذا التفكك إلى غياب القيود المجتمعية عن العلاقات الشخصية، حيث باتت القرارات تُتخذ بناءً على الرغبات الفردية دون اعتبار كافٍ للالتزامات العائلية. ساهمت الحرية المطلقة أيضاً في تقليل الشعور بالانتماء، حيث بات الأفراد أقل ارتباطاً بجماعاتهم التقليدية، مثل العائلة أو الحي أو حتى الدولة، ويرى عالم الاجتماع روبرت بوتنام في كتابه «البولينغ وحيداً» أن هذا التراجع في الروابط الاجتماعية أدى إلى انخفاض رأس المال الاجتماعي، مما يؤثر سلباً على التضامن الاجتماعي، ويؤدي إلى زيادة العزلة. تزايد النزعات الفردية على حساب المصلحة العامة... ففي ظل انتشار فلسفة «الحرية المطلقة»، أصبح من الصعب تحقيق توافق مجتمعي حول القضايا الكبرى مثل البيئة، والعدالة الاجتماعية، أو توزيع الثروة. ومع التركيز على الحقوق الفردية من دون الالتزامات الاجتماعية، باتت القرارات تُتخذ وفقاً للمصلحة الذاتية لا للمصلحة العامة، مما أدى إلى تفاقم الفجوات الاقتصادية والاجتماعية. رابعاً: نحو توازن بين الحرية والمسؤولية في ضوء هذه التحديات، من الضروري إعادة التفكير في مفهوم الحرية المطلقة من خلال: - تعزيز مفهوم «الحرية المسؤولة»: يجب أن يتم ربط الحرية بالمسؤولية الاجتماعية، بحيث تكون حرية الفرد مكفولة، ولكن في إطار يحترم مصلحة المجتمع. - إعادة بناء القيم المجتمعية: ينبغي تعزيز قيم التعاون والتضامن الاجتماعي من خلال مؤسسات التربية والتعليم والإعلام. - توفير الدعم النفسي والاجتماعي: يجب أن تكون هناك آليات لدعم الأفراد نفسياً لمواجهة الضغوط الناجمة عن الحرية المطلقة، مثل تعزيز ثقافة التوجيه والإرشاد النفسي. - إعادة النظر في دور الأسرة والمجتمع: من الضروري إعادة الاعتبار لدور الأسرة باعتبارها مؤسسة اجتماعية تساهم في تشكيل هوية الأفراد وضبط سلوكياتهم ضمن إطار مجتمعي أكثر توازناً. وأخيراً ورغم أن الحرية تُعتبر قيمة أساسية في المجتمعات الحديثة، فإن إطلاقها من دون حدود قد يؤدي إلى نتائج عكسية تؤثر على استقرار الأفراد والمجتمعات. فبينما ساهمت الحرية المطلقة في الابتكار والتقدم، فإنها أيضاً خلقت تحديات نفسية واجتماعية خطيرة، مثل ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب، وتفكك الأسرة، وتراجع الروابط الاجتماعية؛ لذا، فإن التحدي الرئيسي الذي يواجه المجتمعات الغربية اليوم هو تحقيق توازن بين الحرية والمسؤولية، بحيث يتمتع الأفراد بحقوقهم من دون أن يكون ذلك على حساب الاستقرار المجتمعي والتماسك الاجتماعي.


البلاد البحرينية
١٦-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- البلاد البحرينية
سارتر ... (الوجودية والفن)
ظهرت الوجودية على يد المفكر الدنماركي سورين كيركغور، من يعتبرها فلسفة، وهناك يعتبرها مجموعة أفكار وآراء. لمجموعة من الفلاسفة مثل فريدريك نيتشه الذي انتشرت آراءه بشكل كبير في عصره القرن التاسع عشر والعشرين، والفيلسوف مارتن هايدغر، واخيراً جان بول سارتر الذي هو موضوع حديثنا، والذي ذاع صيته بسبب أفكاره وآراءه حول (الوجودية) ودأب على نشرها في رواياته. جاءت الوجودية من هذا التساؤل هل وجد الإنسان وحياته ومستقبله ومصيره حددت سلفاً - وهذه رؤية دينية. أم أن الإنسان يولد ثم يكبر ويعي وتكون له آراؤه وافكاره المستقلة وتبدأ حياته الحرة. جاءت الوجودية لتهتم بالإنسان بحريه إرادته الوجودية، ولا تهتم بالمجتمع، بل ولا بما يقوله المجتمع الذي غالبا ما يكون تابعاً لما تمليه السياسة او اية سلطه او اية إملاءات اخرى، لذا نرى سارتر يضخم من إمكاناته وقدرة الفرد على تحقيق الآمال، طالما الإنسان بطبعه حراً. لذا نرى الفرنسيين يرحبون بفكرته لأنهم وجدوا فيها الأمل في تخليص بلادهم، وتخليصهم مما حَلَّ بهم، ونعني بذلك احتلال ألمانيا النازية في الاربعينيات من القرن العشرين خلال الحرب العالمية الاولى والثانية والتي فاجأت وارعبت وأربكت الفرنسيين لأنها كانت على حين غرّه. وإذا ما حاولنا ان نتعرف على رأى الفيلسوف جان بول سارتر في الفن، فسنرى ان من افكاره وآرائه الآتي: يرى سارتر ان هناك فرق بين الفنون والأدب من ناحية المادة، فالرسم عند سارتر مادته الألوان، والموسيقى مادتها الأصوات، والنحت مادته الحجارة، أما الأدب فمادته الكلمات، ويرى أيضاً ان هناك فرق بين الشعر والشاعر، وبين الكاتب والنشر والناشر. فهو يرى ان الشاعر يهتم بالمفردة، ويجد في البحث عنها لذا فهي عصيه لا تطاوعه، لذا ترى ان المعنى يتلاشى ويتباعد بسبب المفردات، بينما المفردة عند الكاتب او في النثر هي جسر ممتد مباشرة بين الكاتب والناشر والقارئ لذا فهو يقول " توصيل المعاني في سهولة على الكاتب والناشر، ويبعد الشعر كوسيلة لنشر الحقائق" وسارتر يرى بناء على أهمية الكتابة أن على الأديب الذي امتهن الكتابة ان يكون صادقاً أو لا يمارس هذه المهنة، وقد هاجم كثيرا من الأدباء الذي تقاعسوا وترددوا في التعبير عما كان يحدث من مجازر في انحاء العالم. بينما لو قالوا الحقيقة لا مكننا من تخفيف مما كان يحدث، وبالنسبة للحرية التي اعتبرها سارتر هي الوسيلة التي عن طريقها يمكننا مقاومة الظلم وتحقيق العدالة، نراه يهاجم وينتقد بلده فرنسا في الاستمرار على إبادة الشعب الجزائري، مطالبا اياها بإعطاء الجزائريين حقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم. وفي عوده إلى الفن، يقول النقاد رأيهم لما قاله ساتر في الشعر والفن: يبدو ان سارتر كان متأثرا بالنزعة الرمزية في الشعر الفرنسي الذي ساد في فترة معنية على يد الشاعر آرثر رامبو، ولو اتجه إلى الشعراء من امثال هيلدا دوليتل و نوفاليس وتوماس ستيرنز إليوت، لوجد في الشعر المعاني الذهنية، والدلالات الميتافيزيقية ما قد يدفعه إلى التقليل من حدّة تلك القوة التي اقامها بين الشعر والنثر. فالحق ان الفن سواء كان نثراً او شعراً او تصوير او نحتاً او موسيقى، إنما هو في صميمه لغة رمزية تقوم على طائفة من الاشكال والرموز، فليس هناك موضع للقول بأن المصور يهدف إلى اللون في ذاته، وأن الموسيقار يهدف الى النغم فى ذاته، أو أن الشاعر يهدف إلى اللفظ في ذاته، وإنما الحق الذي يجب أن يقال وان يسلّم به من أن ألوان أوغوست رينوار على سبيل المثال تحمل دلالات معنية وان موسيقى بيتهوفن تنطوي على معانٍ، وأن قصائد الشاعر ت. س. إليوت عامرة بالأفكار. ومها كان من امر تلك التفرقة الحاسمة التي اقامها سارتر بين النثر من جهة و غيره من الفنون الأخرى من جهة أخرى، فستظل الفنون جميعاً لغات رمزية تتنوع اساليبها، وتتعدد اشكالها، لكنها تتفق جميعها في كونها تعبير عن العمليات الديناميكية لحياتنا الباطنية، وأنها تقوم بجهدٍ تركيبي هائل من اجل تزويدنا بنوع من الحقيقة، ألا وهي حقيقة الأشكال الخالصة، لا الاشياء التجريبية، ومن هنا فأن لكل عمل فني بناءً ذهنياً يكشف عن نوع من انواع المعقولية، الا وهي معقولية الصور أو الأشكال، ولو ان سارتر فهم ما في الفن من لغةٍ رمزيه لما تورط في استبعاد فنون كالشعر والتصوير والموسيقى من دائرة الالتزام بحجة انها مجرد وسائل في خدمة المتع الجمالية الخالصة دون ان تكون لها ادنى دلالات معنوية او فكرية


الدولة الاخبارية
١٦-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- الدولة الاخبارية
ماريو فارجاس يوسا.. أديب نوبل المعتزل بعد 20 رواية
الجمعة، 28 مارس 2025 07:25 مـ بتوقيت القاهرة كانت الغرابة تطل برأسها عندما أعلن الكاتب البيروفى ماريو فارجاس يوسا اعتزاله الأدب فور صدور روايته "أهدى صمتى" وسردية عن الفيلسوف الفرنسى جان بول سارتر يعتزم نشرها، فلم يكن واضحا ما هو السبب الذى لأجله يعلن كاتب يبلغ من العمر تسعة وثمانين عاما اعتزال الأدب. وأصدر الفائز بجائزة نوبل فى الأدب لعام 2010 هذا الإعلان بعد 20 رواية نُشرت خلال 60 عامًا بعد ظهوره الأول مع رواية "المدينة والكلاب" عام 1963، ويرتبط هذا التصريح بملاحظة أوردها فى نهاية روايته المقبلة، والتى سيتم نشرها الأسبوع المقبل فى وقت واحد فى جميع المناطق الناطقة بالإسبانية. ومن المنتظر أن تصدر الترجمة العربية لرواية Le Dedico mi Silencio "أهبك صمتي"، عن منشورات الجمل، صاحبة حقوق نشر وترجمة أعمال يوسا السابقة واللاحقة. وعلى الرغم من أنه أصدر روايته الأولى عام 1963 إلا أن عمله الأدبى الأول نُشر فى 9 ديسمبر 1956، وهى قصة بعنوان "الجد" وأخرى بعنوان "Los Jefes" وهاتان القصتان كانتا نقطة البداية التى بدأ بها ماريو فارجاس يوسا يأخذ الأدب على محمل الجد. ويعد ماريو فارجاس يوسا من أهم روائيى أمريكا اللاتينية، وأحد رواد كتّاب جيله، كان يرى بعض النقاد أنه يتمتع بتأثير عالمى وجمهور دولى أعرض مما لدى أى كاتب آخر ينتمى إلى حركة الازدهار الأدبية الأمريكية اللاتينية، وقد فاز عام 2010 بجائزة نوبل في الأدب. ولد خورخى ماريو بيدرو بارجاس يوسا فى بيرو عام 1936، وبرز فى عالم الأدب بعد نشر روايته الأولى "المدينة والكلاب" التى نال عليها جوائز عديدة منها جائزة "ببليوتيكا بريفي" عام 1963، وجائزة "النقد" عام 1998، وقد ترجمت إلى أكثر من عشرين لغة أجنبية، وتتالت أعماله الروائية وتعددت الجوائز التى حصل عليها، وقد كان من أشهرها حصوله على جائزة ثيرفانتس للآداب عام 1994، والتى تعد أهم جائزة للآداب الناطقة بالإسبانية.


نافذة على العالم
١٥-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- نافذة على العالم
ثقافة : جان بول سارتر.. تعرف على مسرح أول من رفض جائزة نوبل
الثلاثاء 15 أبريل 2025 06:00 مساءً نافذة على العالم - تمر، اليوم 15 أبريل، الذكرى الخامسة والأربعون لرحيل الفيلسوف والكاتب الفرنسى الشهير جان بول سارتر (1980)، أحد أبرز وجوه الفكر فى القرن العشرين، وأشهر من تبنّى الفلسفة الوجودية وكرّس حياته للدفاع عنها من خلال الأدب والمسرح والفكر السياسى، فهو رجلٌ مثّل بكتاباته وحياته قلق العصر الحديث، وتجسيدًا لصراع الإنسان مع الحرية والاختيار والمصير. ولد سارتر في بيئة برجوازية متواضعة، نشأ في كنف عائلة مثقفة، وفقد والده وهو في سن مبكرة، لكن التأثير العميق لجده صاحب الشخصية القوية، والمكتبة المنزلية الثرية، شكّلا وعيه المبكر وحدّدا ملامح مسيرته الفكرية، وقد تركت طفولته المليئة بالقراءة والعزلة الاجتماعية أثرًا كبيرًا على طريقته في فهم الإنسان والعالم من حوله. سارتر لم يكن مجرد مفكر، بل كان حالة فكرية كاملة، فقد رفض الجوائز الرسمية والمناصب، وكان أول من رفض جائزة نوبل للآداب عام 1964، مؤكدًا تمسكه بموقفه المبدئي الرافض للتكريمات الرسمية، وهو ما وصفته اللجنة المنظمة للجائزة بأنه حدث نادر في تاريخ نوبل. برغم أن المسرح لم يكن ميدانه الأول، فإن مسرحياته حفلت بأسئلة وجودية وفلسفية عميقة، تدور أغلبها حول الورطة الوجودية والبحث عن المعنى والحرية، كما في "الذباب"، و"اللا مخرج"، و"المنتصرون"، حيث تنكشف أمام المتلقي معاناة الإنسان فى مواجهة عالم تقليدى يحاصره بالتقاليد والعقائد والنُظم. وتدور معظم مسرحيات "سارتر" حول الجهد الذى يبذله المرء ليختار حياته وأسلوبها وفقا لرغبته ويصف الصراع الناتج من القوى التقليدية التى تدفع الإنسان وتواجهه بمأزق يحاول القضاء عليه ـ كان إدراك الحرية ووعيها هو الخطوة الأولى فى الأخلاقية السارترية، كما أن استخدامه لهذه الحرية يجب أن يؤدى إلى الخطوة الثانية وهى الالتزام، فلقد عالجت مسرحيات سارتر الطاقة التى يجب أن يبذلها الانسان للخروج من المأزق وهو ما يفعله البعض خلال العزل الذى يفرضه فيروس كورونا المستجد لتجاوز تلك الأيام العبثية. في قلب فلسفة سارتر تكمن فكرة الحرية كجوهر للوجود الإنساني، فالإنسان – كما يراه – ليس شيئًا مكتملًا، بل مشروعًا يتشكل من خلال خياراته وأفعاله، وكلما أدرك حريته وتحمّل مسئوليتها، اكتسب قيمته وفرادته. إلى جانب مشروعه الفكرى، كان لسارتر مواقف سياسية جريئة، منها دعمه لحق الجزائر في الاستقلال، ورفضه لسياسات بلاده الاستعمارية، ولم يكن يرى في السلام مجرد غياب للحرب، بل "السلام هو الحرية"، كما كان يحب أن يقول. اليوم، وبعد أكثر من أربعة عقود على رحيله، لا يزال تأثير سارتر حيًّا في الفلسفة، والأدب، والنقد، والسياسة، كصوت حرّ واجه المأزق الإنساني بشجاعة، وسعى إلى أن يمنح الإنسان وعيه الكامل بحريته ومسئوليته في عالم مضطرب ومتغير.